إعلانات المنتدى


مقدمة قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني +1+

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

المساوي

مزمار نشيط
22 مارس 2007
37
0
0
الجنس
ذكر
[align=center](بسم الل) [/align]
[align=center]مقدمة قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني[/align]

[align=left]بقلم الأستاذ عبدالرزاق المساوي[/align]

[align=justify]مدخل:[/align]

[align=justify]لا يختلف اثنان – وحتى المعاند لا يجاحد - في أن القرآن الكريم كتاب دعوة دينية يتوخى هداية البشرية والحفاظ على فطرتها التي فطرت عليها وتعريفها بطبيعة ما هديت إليه من النجدين ﴿وهديناه النجدين﴾ (البلد:10).. فهو كتاب لتربية الإنسانية –وما أدراك ما التربية- على مبادئ عقيدية حياتية قبل وبعد كل شيء، ولكن ليس بالمفهوم القاصر للدين أي الطقوسي.. وليس بالمفهوم الضيق للعقيدة..
وأنه كتاب استخدم لتحقيق هذا الغرض كل الوسائل التوضيحية وجميع الأساليب البيانية وشتى الطرق التصويرية التي تسعف الناس في فهم مقاصده ومراميه وإدراك مفاهيمه ومعانيه والوقوف على مضامينه ورؤاه والتعرف على بنائه ومكوناته.. ومن ثمة ندرك أن القصة فيه مكون من مكوناته، هي وسيلة من وسائله وأسلوب من أساليبه لا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال فنية خالصة أو ذات رؤية محض أدبية بمعنى أنها لم تصغ لهذا الغرض، ولكن هذا لا يعني أبدا أننا ننفي عنها ذلك إذ يمكن القول بأنها ليست محض فنية أو أنها ليست لها أغراض جمالية صرف، أو أنها لم تنزل لكي تعتبر ذات رؤية أدبية معينة.. إلا أنها تحمل في طياتها - من بدايتها إلى نهايتها- من القضايا الفنية والخصائص الأدبية والمقومات الجمالية والمكونات الأسلوبية والرؤى الإبداعية والإشارات البلاغية والعلامات الحبلى بالمؤثرات المشهدية والتصويرية والإيقاعية، ما يغري الباحث المسلم على سبر أغوارها والكشف عن أسرارها واستجلاء مكامنها واستقصاء معانيها وفهم مراميها والغوص في أعماقها للكشف عن كنوزها ونفائسها والخوض بكل الأدوات المتاحة في جميع جزئياتها والكشف عن طبيعتها وتفكيك مكوناتها وعناصرها وإعادة صياغتها في إطار الخطاب الرباني ككل.. ومن ثمة يدفعه كل هذا إلى التعامل معها من الناحية التحليلية بأي منهج من المناهج –ما دام قد اكتسب حصانة ربانية على مستوى الفكر والتحليل- التي يرى أنها تساعده على فهم بناء السرد القصصي في الخطاب القرآن سواء كانت مناهج تربوية أو أدبية أو علمية أو معرفية أو ثقافية أو نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو انتروبولوجية، الخ.. مع مراعاة ما لهذا النوع القصصي من الخصائص المميزة والمتميزة وكذلك مع الحذر والحيطة مما قد تحمله بعض المناهج النقدية أو التحليلية من تقصير في النظر أو إفراط في التنظير أو غوص في رؤى غير سليمة أو غير واضحة المعالم قد تؤدي إلى مزالق عقيدية أو تصورية..
إن القصة في القرآن كانت وما تزال مثار اهتمام كثير من الدارسين والباحثين والمهتمين كل حسب منهجه في القراءة ورؤيته في التحليل وطريقته في التعامل مع الخطابات ككل، ومع الخطاب القرآني على الخصوص ومع المكون القصصي فيه على الأخص.. إلا أن بعضهم إن لم نقل جلهم لم ينج في تفكيره وطريقة عرضه من الشطط، أو لم يفلت من الإخلال بالمعاني الحقيقية أو قل من سوء الفهم ومن ثمة سوء التعامل حتى (بقصد أو بغير قصد).. وكان هذا نتيجة حتمية:

1* إما للتعامل مع القصة القرآنية بالطرق العتيقة والمناهج البالية والقراءات القديمة التي لم تضف أي شيء يذكر لفهم بنيتها وأدراك معانيها وتحديد مغازيها وتقديمها للمتلقي على اعتبار أنها مكون أساس من مكونات الخطاب الرباني الذي يُتوخى منه رسم خريطة قوله تعالى: ﴿قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم ﴾( الأنعام:167)..

2* وإما كان نتيجة الحماس المتهور الذي تدفعه السرعة والعجلة أو الطمأنينة الفكرية في الرد على بعض الشبهات التي نعت بها بعضهم الإسلام ككل في فترة من فترات تاريخه الحديث والمعاصر أو نعت بها بعض أو كل مكونات القصة في القرآن الكريم كأسطورية وخرافيته وعدم تاريخية ما جاء فيه من قصص الرسل والأنبياء، ونقله عن الكتب السابقة عنه بل وتحريفه للحقائق التاريخية.. إلى ما هنالك من شبهات طالت الكتب الورقية والإلكترونية.. فكان الرد ألعن من الشبهة نفسها، لأنه أوقع أصحابه فيما أراد الأعداء حينما استفزوهم بأسلوب ذكي واستدرجوهم بشبهات غير علمية فاستجابوا وأجابوا بغير هدى ولا علم، فاستطال الآخر وتمادى في الغي وبدأ يضرب الفكرة الإسلامية بأصحابها..

3* وإما كان نتيجة للتطبيق الحرفي وغير المشروط للنظريات الفكرية والثقافية والأدبية والنقدية الجديدة الوافدة على عالمنا العربي والإسلامي تحت لواء العولمة الثقافية والفكرية وتأميم الأدوات الإجرائية النقدية والأدبية.. بشكل لا يلائم حقيقة وضع القصة القرآنية ولا يناسب طبيعة بعض قضاياها.. أو يتعارض مع هدف من أهدافها المسطرة في القرآن نفسه، والتي من أجلها ذكرت في هذا الكتاب العظيم..
ولسنا نقصد بكلامنا هذا أن ما سيجيء في هذه الأسطر من قراءتنا المقترحة والمتواضعة سيكون معصوما من الزلل أو لن ينال منه الخطأ أو لن يعتريه الشطط، ولكن ما نرجوه من العلي القدير هو أن نكون من الموفقين في عرض أفكار جديدة وتأملات صائبة حول السرد القصصي في الخطاب القرآني العظيم بشكل أفضل وطريقة أحسن ومنهجية متكاملة تيسر فهم كثير من غوامض عالمها وتسهل استيعاب دلالاتها الحقيقية ومضامينها الهادفة وتبسط الطريق للعيش في أجوائها والتمتع الروحي بصورها وإيحاءاتها وكذا دفع بعض المشكلات العالقة بفهمها وتفسيراتها والتي تحول بين القارئ وبين الاستنارة بهداها وحكمها وأحكامها أو التنعم بأساليبها وبيانها، أو إقرار العين بأنسها وإمتاعها، أو التلذذ بجرسها وموسيقاها وإيقاعها، أو التمعن في تشخيصها ورسمها للعوالم المختلفة ظاهرها وباطنها قريبها وبعيدها صغيرها وكبيرها...

1* القصة القرآنية .. لماذا ؟ :

لا أظن أن أحدا يمكنه أن ينكر أو أن يماري في أن القصة القرآنية قد حضيت بالاهتمام البالغ والعناية الشاملة والحفاوة الكبيرة من طرف المفسرين والشراح والمؤرخين، كما ظفرت بالقسط الوافر من مجهودات الدارسين والأدباء المهتمين، وفازت بعصارة فكر الباحثين المختصين في كثير من المجالات..
فلقد كتب عنها الكثيرون أسفارا وكتبا ومجلدات، أو مقالات ضمن مجموعة دراسات، أو أبحاثا مستفيضة نشرت على صفحات المجلات الورقية والإليكترونية..
وناقش العلماء الأجلاء خصائصها ومكوناتها وعناصرها ومقوماتها وتفسيراتها وأسسها وامتداداتها، وما أحاط بها من تأويلات المؤولين وأقوال المتقولين، كما تحدث بها وعنها الخطباء المفوهون في خطبهم وفندوا عنها إفك الأفاكين وآراء المستهترين.. ووعظ بها الوعاظ المبرزون في دروسهم، وأبرزوا فيها مواطن العبرة والعظة للمهتمين.. واستعملها المربون المحنكون في مدارسهم ومناهجهم التربوية والدراسية لتكون قدوة للأطفال والمتعلمين.. واستغل الكتاب والأدباء مضامينها ورؤاها وحتى أسلوبها وشكلها وقالبها وإطارها وطريقة عرضها وتصويرها للأحداث، وكيفية تعاملها مع الشخصيات في رصد مكوناتها النفسية وعاداتها الاجتماعية وطرق عيشها.. وكذا طريقة إدارتها للحوار والنقاش وتسجيلها للصراع والمشادات، وكيفية تعاملها مع الواقعي والخيالي في تركيب المعاني وضبط المفاهيم ورسم الرؤى وتصوير اللغة... وكذلك كيفية استغلالها للفضاء – الزمان والمكان -.. وقضايا أخرى كثيرة في العديد من الأبحاث وفي شتى ميادين المعرفة وخاصة أن النص القرآني يعتبر أغنى الآثار السردية العربية بأنواع السرد لما يتوفر له من مقومات ومرتكزات وخصائص السرد العبقري المعجز..
إلا أن هناك سؤالا يتبادر إلى الذهن وينط على الفكر ويبقى عالقا يحتاج وحده إلى وقفة طويلة وهو: لماذا لم يتمكن الباحثون الإسلاميون في اللغويات والأدبيات والسرديات من استكشاف مستويات السردية وكثير من القضايا الأدبية المبثوثة في السرد القرآني ذي الطابع القصصي قبل الخوض في السرديات الحديثة من طرف ثلة من الغربيين ومن شايعهم من العرب العلمانيين؟
وبعد: فلماذا يا ترى هذا الاهتمام المتزايد؟ ولماذا هذه العناية المتكررة؟
لماذا هذا التهافت على قراءة القصة القرآنية ودراستها باستمرار؟
لماذا التفكير في التعامل معها بكل المقاييس الأدبية والمستويات القرائية؟...
لماذا اهتم بها العديد من المفكرين حتى أولائك الذين لا يؤمنون بوحييته؟..
وبعبارة أوضح وأبلغ في تبيين ما نقصده:
لماذا نريد أن نضيف توقيعنا وأن نكتب نحن في هذا الموضوع على الرغم من كثرة ما كتب فيه من الأسفار والمجلدات والأبحاث والدراسات والمقالات والمحاضرات والمواقع الإلكترونية المهتمة..؟.
ألم تكن هذه القصص تتناسب مع عصر خلا وزمان مضى وبشر أجلهم انقضى.. والآن لم يعد هناك حاجة ملحة لمثل هذه المرويات والمحكيات في زمن العولمة السردية والاقتصاد الأدبي والهندسة الثقافية وهلم جرا من الأسماء والمسميات التي تزخر بها الساحة الثقافية في عصر الإليكترونيات..؟؟؟؟؟
والإجابة عن السؤال العريض الوجيه الأول يسيرة إن شاء الله تعالى سنخصص له مقاما فيما بعد.. أما الرد على التساؤل الاستنكاري فهو أيسر لأن جل– إن لم نقل كل - واضعيه يتعاملون مع القرآن العظيم وقصصه انطلاقا من تبنيهم لبناء فكري عدائي لم يستطع أصحابه التخلص بعد من كثير من المشكلات الفكرية التي تعتمد السياسة الإقصائية والثقافة الاستئصالية... ولذلك لم يستطيعوا أن يصعدوا في سماء القرآن السامقة.. ولم يتمكنوا من التسامي إلى ذروته.. أو فهم الإعجاز اللغوي والأدبي والبلاغي والموضوعاتي الذي يزخر به..
إننا نرى أن العمل لازال ضروريا وسيبقى مستمرا من أجل التمتع بمكنونات هذا الكتاب العظيم وذلك:
أ* لاعتقادنا بأن القرآن الكريم- وليست القصة إلا جزء لا يتجزأ منه ومكونا أساسا لا ينفصم عنه – كائن حي ومنبع ثر لا ينضب معينه ولا تنتهي أسراره ولا تبلى ذخائره ولا تنقضي عجائبه ولا يبخل عمن يستزيده ولا يشبع منه من يتدارسه على مر الأوقات وتداول الأيام وتقادم الأزمان، فهو علامة فريدة على جبين الدهر لا تذبل ولا تبهت بل تزداد جمالا وبهاء وحسنا ورونقا، كما أنه دوحة غناء ملأت كل مكان بموسيقى تصويرية خاصة ومتميزة ومتغيرة ومختلفة لا تتفتق إلا عن جديد ولا تأتي إلا بمبتدع، كما أنها دوحة ملأت كل الأزمان والعصور نغمات طيورها وعصافيرها.. وإيقاعات طبيعته الرنانة والخلابة التي تأسر المتلقي وتملك عليه لبه إلا أن يكون من العميان..
وهو قبل هذا وذاك عقيدة ومنهاج، وفكر وسلوك، ورؤية وتصور، وقواعد وأسس، ومنهج وشريعة تغمر حياة الإنسان بالفرحة والطمأنينة والنشوان في جميع الأزمان.. فهو لا يمل بأي حال من الأحوال على خلاف ما نلمسه فيما دونه.. " سئل الإمام الصادق رضي الله عنه : ما بال الخطب والرسائل والأشعار تمل سريعا والقرآن يعاد ولا يمل؟ فقال: لأن الحاجة تنقضي بانقضاء ذلك، والقرآن حجة لأهل كل وقت وزمان، فلذلك هو أبدا غض "(1)..
فإذا كان القرآن الكريم على هذا الشكل وبهذه الخصائص وهذه الفرادة فإن القصة مكون أساس من مكوناته، وعنصر رئيس من عناصره وجزء كبير من أجزائه، ويتربع على القسط الأوفر بين دفته.. ومن ثمة فهي تحمل الخصائص نفسها والمقومات عينها والأسس ذاتها والأساليب القرآنية جميعها.. وتتميز بالميزات والمميزات التي يتحلى بها الخطاب القرآني ككل، ولا تنأى عن ذلك قيد أنملة..

ب* لأن القصة القرآنية تفرض ذاتها على كل من له صلة بالقرآن الكريم قراءة أو مدارسة لكونها تمسك بتلابيب الحيز الأكبر من فضائه الكريم، وتأخذ بمجمع خيوطه السليم، وتسيطر على مساحة شاسعة فيه، وتحتل مكان الصدارة ضمن موضوعاته، وتمثل أعلى مراتب أسلوبه الدعوي والتصويري، وهي قريبة من كل الشرائح الاجتماعية فهما وإدراكا وتمثلا.. كما تتقدم بين يدي " القارئ أو السامع أو المشاهد " المتلقي بشكل من التصوير الرائع والتمثيل المثير والتجسيد الحي والتشويق الفائق والأحداث المباشرة والشخصيات الفاعلة والمنفعلة والمتحركة باستمرار في الزمان والمكان وفي قلب الحدث وتقلباته من بدايته إلى نهايته بأفراحه وأتراحه ومآسيه ومواساته، كما أنها تحتوي على خصائص فنية رائعة ومكونات أدبية معجزة ولمسات جمالية بديعة وقيم ذات فاعلية وجاذبية تحمل المتلقي إلى عالمها الحكائي والقصصي والسردي ليعيش لحظات في كنفها يتتبع آثارها الحقيقية، ويرصد حركاتها وزفراتها وسكناتها الطبعية وغير الطبعية، ويسترشد بشخصياتها ويعيش أجواء أبطالها النفسية والفكرية والاجتماعية.. ويرحل معها جميعها في أغوار الزمان وأبعاد المكان في كنف تصوراتها وطرق عيشها ويتمتع بجمال القصص وجماليتها، ويسبح في فنيتها ويرتع في أدبيتها ليستفيد من مضامينها ويمتح من رؤاها التقويمية للحياة البشرية عبر مسيرة زمانية طويلة آمادها وسلسلة مكانية مختلفة حلقاتها..

ج* لأن أسلوب القصة في القرآن الكريم ونقصد بالأسلوب الشكل والطريقة: شكل عرض أحداث القصة وطريقة عرضها.. أسلوب يسير وبسيط ومقنع وقريب من الإفهام، وسهل على الإدراك ومعجز في التبليغ والإبلاغ.. أسلوب ممتع من جميع المناحي، مفيد من الناحية الإيقاعية والموسيقية ومن الناحية السردية والجمالية ومن الناحية الموضوعاتية والواقعية ومناحي أخرى عدة تتجلى من داخل القصة ذاتها.. وبما أن القصة تتناول تقريبا كل مواضيع القرآن وتجمع بين محتويات مواضيعه، وتحتوي على جل أو أكثر مراميه وأغراضه، وتستطيع بما تتمتع به من أسلوب القص وطريقة الحكي أن تحقق كل أهدافه.. فإن الاهتمام المتجدد بها والعناية بعناصرها وتحليل مضامينها والغوص في كشف مكنوناتها وتجلية أسرارها ورصد بنياتها.. ما هو إلا عناية بذلك التصوير الدقيق لمعاني القرآن الكريم وموضوعاته ومحتوياته ومفاهيمه وما يريد عرضه.. فهي تشخصها وتمثلها وتحييها في زمان ومكان وأحداث ووقائع وشخوص، وتفرغ عليها حركية منقطعة النظير يتمثلها المتلقي البصير، ويعيش معها أحسن اللحظات العارف المتذوق، ويستشعرها المؤمن الصادق، ويحتج بها الدارس الخبير، ويفخر بها الأديب الملتزم والقاص المفنان..

د* لأن القصة الأدبية الآدمية في بعض نماذجها استطاعت أن ترتقي إلى مستويات عالية فنيا وجماليا وموضوعاتيا حتى أضحت مسيطرة على عقول الناس وأنفسهم، وعلى الخصوص منهم الشباب الذين أصبحت القصة الأدبية متمكنة منهم ومن أحاسيسهم ومتوغلة في وجداناتهم، توجه شعورهم وفكرهم بعد أن أسرت عقولهم، وتتلاعب بعواطفهم وأحاسيسهم بعد أن ملكت عليهم قلوبهم، وتستغل شبابهم وفتوتهم لتذهب بهم في متاهات الحياة كل مذهب وتسلك كل مسلك وتهيم في كل واد حتى حق فيهم ما حق في الشعراء قبلهم في مثل قوله تعالى: ﴿والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون * ﴾( الشعراء:225).. ولقد زَهِدوا في القصة القرآنية أو زُهِّدوا فيها وأفهِموا على أنها قصص دينية غير مجدية أو أساطير يعتمدها الدين تحمل أفكارا خيالية، وفي أحسن الأحوال فهي – في تقديمهم لها - لا تتمتع بالفنية والجمالية والأدبية والموضوعية التي تتمتع بها القصة البشرية كما أنها لا يمكن أن تؤثر في الحياة العصرية ولا تجدي فيها نفعا، ولا تبعث على النشاط والحيوية والدعة ولا تلبي مطالب المرحلة الحضارية، ولا تتوفر على عناصر التشويق والمرح والتسلية، ولا تملك في طياتها ما وصلت إليه القصة الأدبية من مستويات تقنية وأسلوبية - ألا ساء ما يزعمون-...
لا ندري لماذا أصحاب مثل هذه الأحكام الجاهزة الجائرة لا يتجشمون عناء البحث والدرس والتنقيب ليتمكنوا من معرفة صدق أو كذب ما يشاع بينهم دون تمحيص أو دليل يذكر.. ولهذا يمكن أن نعتبر هذه القراءة الجديدة للقصة القرآنية بمثابة حافز ومثير يرغب الباحث عن الحقيقة في استكناه الخطاب القرآني بشكل عام ومدارسته وفي جانبه القصصي بشكل خاص..

هـ* لأن القصة القرآنية تعرضت – قديما - لكثير من التفسيرات المشبوهة التي ذاعت في المجتمع الإسلامي عن طريق دخول كثير من الأمم والأقوام إلى الإسلام فرادى وجماعات برواسب فكرهم وثقافاتهم وبقايا دياناتهم.. كما تعرضت لكثير من التأويلات المشوهة والتي كانت في الأصل مبنية على المفاهيم الإسرائيلية والأخبار الكتابية في نسختها المزورة.. كما أوغل بعض المفسرين في تفسيرها لما استعصى عليهم فهمها، وافترضوا افتراضات غير منطقية ولا تناسب القواعد الشرعية.. وذلك للربط بين أحداثها، أو تأويل ما سكت عنه الخطاب القرآني من وقائعها.. أو ملأ الفراغ الذي بين حلقاتها حين جمعها..
كما تعرضت القصة القرآنية – حديثا - لقراءات مختلفة المشارب ومتعددة الاتجاهات.. منها ما هو نفسي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو ثقافي ومنها ما هو حضاري وما هو أسطوري وما هو انتروبولوجي، وما هو خليط من كل ذلك.. كما حاول بعضهم الآخر مجاراة العصر في مناهجه التحليلية وطرقه الدراسية دون اعتبار للخصوصية فنالت منها – أي من القصة القرآنية - تحليلات الأصدقاء المغلوطة وأقلام الأعداء المتسلطة وأفكار المغرضين المسمومة..
لقد أحاط بالقصة القرآنية جو رهيب ومخيف ملئ بما لا يرضى عنه الشرع ومسيج بما ينافي أصلا أو أكثر من أصول الدين، أو ما لا يجوز في حق أحد من المرسلين الذين يعتبرون بلغة الأدب أبطال القصص القرآني، أو ما يخالف الحكمة من قص هذه القصص أو ما يخدش الروح الإسلامية أو ما يبعث على الاستهزاء والاستهتار بأمور الدين، كل هذا حصل قديما وحديثا فقد استغل بعض المعاصرين ما ورد من إسرائيليات وتفسيرات قديمة شاذة وما جاء عند أصحاب بعض الكتب من شطحات صوفية ليؤولوا هم بدورهم القص القرآني حسب هواهم.. أو أولئك الذين اعتمدوا منهج التحليل النفسي المعاصر.. أو المنهج الأنتروبولوجي.. أو المنهج التاريخي المادي..
فإذا كان شيء من القرآن الكريم تعرض لمشكلات كثيرة بسبب إقحام المفسرين للرأي الأسطوري.. أو مسته شطحات المؤولين من القدامى والمعاصرين فإنه سيكون القصص القرآني..
إن هناك ممارسات تعسفية لحظناها في بعض كتب التفسير والتاريخ والأدب والدراسات المختصة تلوي عنق الخطاب القصصي في القرآن الكريم.. شوهت الصورة الحقيقية له كخطاب هادف ليساير وضعا فكريا وإيديولوجيا معينا، وحجبت النظرة المتوخاة من وروده، وحالت بيننا وبين الحكم والأهداف التي صيغ من أجلها لنتيه كمتلقين – قراء أو مستمعين أو مشاهدين - في نقاشات فارغة وحوارات جوفاء وكلام لا طائل تحته ولا وراءه، ونضيع في بحر أساطير الأمم الغابرة وحكايات المفسرين التائهة وروايات إسرائيلية تافهة ما أنزل الله بها من سلطان.. ومن ثمة ندخل في فراغ روحي رهيب وضلال عقيدي غريب ومتاهات سلوكية وانحرافات أخلاقية ضل فيها أكثر من كان قبلنا ويعيش فيها أغلب من معنا..
نعتقد أن هذه الأسباب – دون كثير غيرها - كافية للتدليل على أن القصة القرآنية في حاجة ماسة وأكثر من أي وقت مضى وبشكل مستمر إلى مزيد تأمل وإمعان نظر وإنعامه وإعادة قراءة مفيدة ومستفيدة من كل العلوم المتاحة التي تعتبر جادة في طرحاتها ومتعمقة في تحليلاتها ومتزنة في منطلقاتها ومتماسكة في أسسها ووسطية في رؤيتها ومنطقية مع نفسها ومتوازنة في معطياتها وحكيمة في نتائجها.. وذلك على خلفية الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ]الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها [ (رواه الترمذي وابن ماجة) وذلك من أجل العمل على ملإ فراغات كثيرة تحدثها القراءة العادية أو البسيطة في عقل ووجدان وتصور المتلقي، وكذا على إفراغ تلك المليئة بما ينافي أو لا يلائم.. كما أنها في حاجة ماسة إلى أقلام جادة تعمل على استخراج مجموعة من المعادن النفيسة المكنونة في موضوعاتها، والأسرار الربانية الموجودة في أحداثها، والمعجزات التاريخية المصاحبة لشخصياتها، ومصائر الشخوص فرادى وجماعات من خلال سلوكياتها، وتعمل أيضا على توضيح مزايا بديعة متخفية في أسلوبها وإعجاز كبير في لغتها بمفرداتها وألفاظها وتراكيبها، وتسمو بها وبكل مكوناتها ومشتملاتها إلى المكانة التي هي عليها في أصلها الوحيي (إن صح هذا التعبير) والتي نزلت من فوق سبع سماوات وهي متبوئة لها، وكذلك تعمل هذه الأقلام الجادة على إبعاد كل ما طرأ عليها من التفسيرات الدخيلة قديمها وحديثها، وعلى دفع كل ما شابها من شوائب التحليلات المعاصرة المحلية والمستوردة..
ونحن لا ننكر أن من علمائنا الكبار وشيوخنا الأفاضل وفوارس هذه الأمة الأشاوس في هذا الباب من تصدى لهذا الأمر وأعطى فيه ما تيسر له من العلم والمعرفة كل حسب موقعه وتخصصه أو الجانب الذي أثاره وحرك فضوله.. لكن أمر القص القرآني لا يقف عند هذا، فمن طبيعته التي يمتحها من الطبيعة القرآنية ككل أنه يدفع للمزيد من كشف خبايا هذا الموضوع الذي تتجلى فيه أسرار كثيرة من حين لآخر.. وهذا كما أشرنا من قبل وكما هو مؤكد طبع القرآن وطبيعته..[/align]


[align=left]~*¤ô§ô¤*~[align=left]وللحديث بقية إن شاء الله تعالى..[/align]~*¤ô§ô¤*~[/align]
 

فالح الخزاعي

مدير عام سابق وعضو شرف
عضو شرف
27 أغسطس 2005
11,537
84
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
رد: مقدمة قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني +1+

جزاك الله خيرا أخونا الكريم وبانتظار بقية الموضوع


واسمح لي بنقله لركن علوم القرآن وتفسيره
 

المساوي

مزمار نشيط
22 مارس 2007
37
0
0
الجنس
ذكر
رد: مقدمة قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني +1+

جزاك الله خيرا أخونا الكريم وبانتظار بقية الموضوع


واسمح لي بنقله لركن علوم القرآن وتفسيره

وجزاك خير الجزاء أخانا الفاضل "الخزاعي"..
ولك بعضا مما تنتظر والبقية آتية بإذن الله تعالى..

وخيرا فعلت أخي الكريم..
وفقنا الله جميعا لما فيه خير الإسلام والمسلمين..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
 

سيّد مُسلِم

مراقب سابق
31 مارس 2006
2,132
5
0
الجنس
ذكر
رد: مقدمة قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني +1+

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم










وبعد :



75.gif



الأخ الكريم والعضو الحبيب

" المساوي"

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



75.gif



نرحب بك أخاً وصديقاً لمنتدانا منتدى

" مزامير ال داود "

ونشكر لك حرصك على التواصل مع المنتدى

سائلين الله تبارك وتعالى أن يوفقنا

جميعاً لما يحبه ويرضاه



75.gif



وأهلا وسهلا ومرحبا بك بين إخوانك

إن شاء الله تفيد وتستفيد




75.gif







والله ولي التوفيق
[/align]
 

سيّد مُسلِم

مراقب سابق
31 مارس 2006
2,132
5
0
الجنس
ذكر
رد: مقدمة قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني +1+

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم







وبعد :




بارك الله فيك أخي الحبيب المساوي

فعلا موضوع مهم مفيد طيب

لا حرمت الاجر والتواب والقبول

شكر الله لك وجزاك الله كل خير







والله ولي التوفيق [/align]
 

المساوي

مزمار نشيط
22 مارس 2007
37
0
0
الجنس
ذكر
رد: مقدمة قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني +1+

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم










وبعد :



75.gif



الأخ الكريم والعضو الحبيب

" المساوي"

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



75.gif



نرحب بك أخاً وصديقاً لمنتدانا منتدى

" مزامير ال داود "

ونشكر لك حرصك على التواصل مع المنتدى

سائلين الله تبارك وتعالى أن يوفقنا

جميعاً لما يحبه ويرضاه



75.gif



وأهلا وسهلا ومرحبا بك بين إخوانك

إن شاء الله تفيد وتستفيد




75.gif







والله ولي التوفيق
[/align]

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته..
اخي الكريم يسعدني ترحيبك وأشكر لك تعاطفك..
سائلا المولى تبارك وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه ويرضى به عنا إنه سميع مجيب..
 

المساوي

مزمار نشيط
22 مارس 2007
37
0
0
الجنس
ذكر
رد: مقدمة قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني +1+

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل ابراهيم إنك حميد مجيد , اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل ابراهيم إنك حميد مجيد
 

محمد الجنابي

عضو شرف
عضو شرف
9 فبراير 2007
15,361
18
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
رد: مقدمة قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني +1+

ما شاء الله جزاك الله كل الخير أخي الفاضل!
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع