إعلانات المنتدى

مسابقة مزامير القرآنية 1445هـ

أعراب سورة البقرة كاملة :::: رضا الجنايني

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

رضا الجنايني

مزمار كرواني
6 يونيو 2008
2,850
27
0
الجنس
ذكر
اعراب آيات سورة ( البقرة ) من الآية رقم (1 : 30){ الۤمۤ }
من ذلك قوله عز وجل: {الۤمۤ..} [1]
مذهل الخليل وسيبويه في "الۤمۤ" وما أشبهها أنها لم تُعْرَبْ لأنها بمنزلة حروف التهجّي فهي محكيّة ولو أعرِبَتْ ذهب معنى الحكاية وكان قد أعرب بعض الاسم، وقال الفراء: إنما لم تُعْرَب لأنك لم ترد أن تخبرَ عنها بشيء، وقال أحمد بن يحيى: لا يعجبني قول الخليل فيها لأنك إذا قلت: زايٌ فليست هذه الزاي التي في زيد لأنك قد زدتَ عليها. قال أبو جعفر: هذا الرد لا يلزم لأنك لا تقدر أن تنطق بحرف واحد حتى تزيد عليه، قال ابن كيسان: "الۤمۤ" في موضع نصب بمعنى اقرأ "الۤمۤ" أو عليك "الم" ويجوز أن يكون موضعه رفعاً بمعنى: هذا الم أو هو أو ذاك. ثم قال عز وجل:
{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }
{ذَلِكَ..} [2]
فيه ستةُ أوجه: يكون بمعنى هذا ذلك الكتاب، فيكون خبر هذا ويكون بمعنى "الم ذلك" هذا قول الفراء أي حروف المعجم ذلك الكتاب واجتُزئ ببعضها من بعض، ويكون هذا رفعاً بالابتداء و "ٱلْكِتَابُ" خبره، والكوفيون يقولون: رفعنا هذا بهذا وهذا بهذا، ويكون "ٱلْكِتَابُ" عطف البيان الذي يقوم مقام النعت و "هدى" خبراً، ويكون "لاَ رَيْبَ فِيهِ" الخبر، والكوفيون يقولون: الهاء العائِدة الخبر. والوجه السادس: أن يكونَ الخبر "لاَ رَيْبَ فِيهِ" لأن معنى لا شك: حقٌ، ويكون التمام على هذا لا ريب، ويقال: ذلِكَ، ولغة تميم ذاك. ولم تعرب ذلك ولا هذا لأنها لا يثبتان على المُسَمَّى. قال البصريون: اللام في ذلك توكيد، وقال الكسائي والفراء: جيء باللام في ذلك لئلا يُتَوَهَّم أنّ ذا مضاف إلى الكاف، وقيل: جيء باللام بدلاً من الهمزة ولذلك كسرت، وقال علي ابن سليمان: جيء باللام لتدل على شدة التراخي. قال أبو إسحاق: كُسِرتْ فرقًا بَينها وبَين لام الجر ولا موضع للكاف، والاسم عند البصريين "ذا" وعند الفراء الذال. ثم قال الله جل وعز {لاَ رَيْبَ فِيهِ} نصب "رَيْبَ" لأن "لا" عند البصريين مضَارعة لأنّ فنصبوا بها وانّ "لا" لم تعمل إلاّ في نكرة لأنها جواب نكرة فيها معنى "مِنْ" بنيت مع النكرة فَصُيّرا شيئاً واحداً، وقال الكسائي: سبيل النكرة أنْ يتقدمها أخبارها فتقول: قَامَ رجلٌ، فلما تأخر الخبر في التبرئة نَصبوا يُنَونوا لأنه نصب ناقص، وقال الفراء: سبيل "لا" أنْ تأتيَ بمعنى غير، تقول: مررتُ بلاَ واحدٍ ولا اثنينِ، فلما جئت بها بغير معنى "غير" وليس، نصبت بها ولم تنون لِئلاَ يَتَوهَّم أنك أقمتَ الصفة مقام الموصوف، وقيل: إنّما نصبت لأن المعنى لا أجدُ ريباً فلما حَذفتَ الناصب حذفتَ التنوين، ويجوز {لا ريْبٌ فيهِ} تجعل "لا" بمعنى ليس. وأنشد سيبويه:
مَنْ صَدَّ عَن نِيرانِهَا * فأنا ابنُ قَيْسٍ لاَ بَراحُ
{فِيهِ هُدًى} الهاء في موضع خفض بفي. وفي الهاء خمسةُ أوجه: أجودها {فِيهِ هُدًى} ويليه {فِيهُ هُدًى} بضم الهاء بغير واو، وهي قراءة الزهري وسَلاّم أبي المنذر ويليه {فيهي هُدًى} باثبات الياء وهي قراءة ابن كثير، ويجوز {فيهُو هدًى} بالواو ويجوز {فِيهْ هدًى} مدغماً والاصل "فيهو هُدًى" الاسم الهاء وزيدت الواو عند الخليل لأن الهاء خَفِيّة فَقُوِيت بحرف جلدٍ متباعد منها وتبدل منها ياءاً لأن قبلها ياءاً أو يحذف لاجتماع الواو والياء عند سيبويه، ولاجتماع 4/ أ الساكنين عند أبي العباس، وكذا الياء، ويُدغمَ لاجتماع هاءين وليس بجيد، لأنّ حروف الحلق ليست أصلاً بالادغام ويجتمع ساكنان، وقال سيبويه: إنما زيدت الواو كما زيدت الألف في المؤنث. وفي "هُدى" ستة أوجه: تكون في موضع رفع خبراً عن ذلك، وعلى اضمار مبتدأ وعلى أن تكون خبراً بعد خبر، وعلى أنْ تكون رفعاً بالابتداء. قال أبو اسحاق: يكون المعنى فيه هدى ولا ريب. فهذه أربعة أوجه. في الرفع، وحكَى خامس وهو أنْ يكون على موضع لا ريب فيه أي حق هُدىً، ويكون نصباً على الحال من ذلك والكوفيون يقولون: قَطْعٌ، ويكون حالاً من الكتاب وتكون حالاً من الهاء، قال الفراء: بعض بني أسد يؤنث الهدى فيقول: هذه هُدىً حَسَنة، ولم يُعرَبْ لأنه مقصور والألف لا يُحَرَّك. ثم قال جل وعز {لِلمتَّقِين} مخفوض باللام الزايدة ولغة أهل الحجاز: فلان مُوتَقٍ. وهذا هو الأصل والتَّقيّة أصلها الوقيّة من وَقَيتُ أُبْدلَتْ من الواو تاء لأنها أقربُ الزوائد اليها وقد فعلوا ذلك من غير أنْ يكونَ ثَمَّ تاء كما حَدّثنا عليّ بن سليمان عن محمد بن يزيد عن المازني قال: سألتُ الأصمعي عن قول الشاعر:
* فإنْ يكُنْ أمْسَى البِلى تَيْقُوري *
وقلت له: قال الخليل: هو فيْعُول من الوقار فأُبدِلَ من الواو تاء فقال: هذا قول الاشياخ والأصل للمتّقين بياءين مخففتين وحذفت الكسرة من الياء الأولى لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، ثم قال جل وعز:
{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }
{ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ..} [3]
"ٱلَّذِينَ" في موضع خفض نعت للمتقين ويجوز أن يكون نصباً بمعنى أعني، ورفعاً من جهتين بالابتداء، والخبر "أُولئِكَ عَلَى هُدًى من رَّبِّهِمْ" وعلى اضمار "هم" "يُؤمنونَ" بالهمز لأن أصل آمن: أأمنَ كُرِهَ الجمع بين همزتين فَأُبدِلتْ من الثانية ألف فلما قلتَ: يؤمنونَ فزالت احدى الهمزتين هَمَزت على الأصل، وانْ خففت قلت: يومنونَ بغير همز. ويؤمنون مثل يُكرمون الأصل فيه يُؤكْرِمونَ لأن سبيل المستقبلِ أنْ يكونَ زائداً على الماضي حرفاً إلاّ أنه حذف منه الزايد لأن الضمّةَ تدلُّ عليه ولو جئتَ به على الأصل لاجتمعت الهمزات. والمضمر في يؤمنون يعود على الذين، وهُذَيل تقول: الّذون في موضع الرفع، ومن العرب من يقول: الذي في الجمع كما قال:
[و] إنّ الذي حَانَتْ بَفَلْج دِماؤُهُمْ * هُم القَومُ كلُّ القَوم يا أُمَّ خَالِدِ
{بِٱلْغَيْبِ} مخفوض بالباء الزائدة والباء متصل بيؤمنون {وَيُقِيمُونَ} معطوف على يؤمنون والأصل يُقْوِمُونَ قلبت كسرة على القاف فانقلبت ياءاً، {ٱلصَّلاةَ} منصوبة بيقيمون، وجمعها صلوات، وصلاءة، وصلاوة، {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} "ما" في موضع خفض بمِنْ وهي مصدر لا يحتاج إلى عائد، ويجوز أنْ يكون بمعنى الذي وتَحذِفُ العائد، والنون والألف رفع بالفعل والهاء والميم نصب به ومن متصلة بينفقون أي وينفقون مما رزقناهم.
{ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }
{وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ..} [4]
عطف على الذين الأولينَ {بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} "ما" خفض بالباء والضمير الذي في أنزل يعود على "ما" وهو اسم ما لم يسَمَّ فاعله والكاف خفض بإِلى والأصل الاَكَ أُبدِلَ من الألف ياء للفرق بين الالفات المتمكنة، والتي ليست بمتمكنة ويلزمها الاضافة، وأجازَ الكسائي حذف الهمزة وأن يقرأ {وما أُنْزِلَّيْكَ}، وشَبَّهه بقوله "لكنَّا هُوَ اللهُ ربّي" قال ابن كيسان: ليس مثله لأنّ النون من لكنْ ساكنة واللام من أُنزِلَ متحركة. {وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ} [عطف] و "قبلك" مخفوض بِمنْ والكاف خفض باضافة قبل اليها {وَبِٱلآخِرَةِ} خفض بالباء/ 4/ ب والباء متعلقة بيوقنون و {هُمْ} رفع بالابتداء و {يُوقِنُونَ} فعل مستقبل في موضع الخبر.
{ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }
{أُوْلَـٰئِكَ..} [5]
ابتداء والخبر {عَلَىٰ هُدًى} وأهل نجد يقولون: أُلاَّك، وبعضهم يقول: أُلاَلِكَ، و {هُدًى} خفض بعلى {مِّن رَّبِّهِمْ} خفض بمن، والهاء والميم خفض بالاضافة ويقال: كيف قرأ أهل الكوفة {عَلَيْهُمْ} ولم يقرؤوا "من رَبّهُمْ" "ولا" "فِيهُمْ"؟ والجواب أنّ "عليهُم" الياء فيه منقلبة من ألف والأصل عَلاهُم قال:
* طَارَت عَلاَهُنّ فَطِرْ عَلاَهَا *
فأقرت الهاء على ضمتها، وليس هذا في "فيهِم" "ولا من ربّهم" {وَأُوْلَـٰئِكَ} رفع بالابتداء {همُ} ابتداء ثان {ٱلْمُفْلِحُونَ} خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول، ويجوز أن يكون "هم" زيادة، يسميها البصريون فاصلة ويسميها الكوفيون عماداً و {ٱلْمُفْلِحُونَ} خبر أولئك.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }
{إِنَّ ٱلَّذِينَ..} [6]
"ٱلَّذِينَ" نصب بان وعملت إنّ لأنها أشبهت الفعل في الاضمار ويقع بعدها اسمان وفيها معنى التحقيق، {كَفَرُواْ} صلة "ٱلَّذِينَ" والمضمر يعود على الذين. قال محمد بن يزيد {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ} رفع بالابتداء {أَأَنذَرْتَهُمْ} {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} الخبر والجملة خبر "إنّ" أي أنهم تبالهوا حتى لم تُغْن فيهم النذارة والتقدير سواء عليهم الانذار وتركه، أي سواء عليهم هذان، وجيء بالاستفهام من اجل التسوية. قال ابن كيسان: يجوز أن يكونَ سواء خبر ان وما بعده، يقوم مقام الفاعل، ويجوز أن يكونَ خبر إنّ "لاَ يُؤْمِنُونَ" أي انّ الذين كفروا لا يؤمنون {أَأَنْذَرْتَهُمْ} فيه ثمانية أوجه: أجودها عند الخليل وسيبويه تخفيف الهمزة الثانية وتحقيق الأولى. وهي لغة قريش وسعد بن بكر وكنانة، وهي قراءة أهل المدينة وأبي عمرو والأعمش {أَأَنْذَرْتَهُمْ}، قال ابن كيسان: ورُويَ عن ابن محيْصِن أنّه قرأ بحذف الهمزة الأولى {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَنذَرْتَهُمْ} فحذف لالتقاء الهمزتين، وانْ شئت قلت: لأن "أم" تدلّ على الاستفهام كما قال:
تَروح مِنَ الحَيّ أمْ تَبْتكِرْ * وماذا يَضُرُّكَ لَوْ تَنْتَظِرْ
ورُوي عن ابن أبي اسحاق أنه قرأ {أَاأَنذَرْتَهم} حقق الهمزتين وأدخل بينهما ألفاً لئلا يجمع بينهما. قال أبو حاتم: ويجوز أن يُدخِلَ بينهما ألفاً ويخفف الثانية وأبو عمرو ونافع يفعلان ذلك كثيراً، وقرأ حمزة وعاصم والكسائي بتحقيق الهمزتين {أَأَنْذرتَهُم} وهو اختيار أبي عُبَيْد، وذلك بعِيد عند الخليل وسيبويه يُشْبِهُه الثقل بضَننُوا. قال سيبويه: الهمزة بَعُد مَخرَجُها وهي نبرة تخرج من الصدر باجتهاد، وهي أبعد الحروف مخرجاً فثقلت لأنها كالتهوّع.
فهذه خمسة أوجه، والسادس قاله الأخفش قال: يجوز أن تُخَفَّفَ الأولى من الهمزتين وذلك رديء لأنهم انّما يُخفّفون بعد الاستثقال وبعد حصول الواحدة. قال أبو حاتم: ويجوز تخفيف الهمزتين جميعاً. فهذه سبعة أوجه، والثامن يجوز في غير القرآن لأنه مخالف للسواد. قال الأخفش سعيد: تبدل من الهمزة هاء فتقول "هَانْذَرْتَهُم" كما يقال: إيّاكَ وهَيّاك: وقال الأخفش: في قول الله عز وجل "هأَنْتُمْ" إنّما هو أأنتم.
والتاء في "أَأَنذَرْتَهُمْ" في موضع رفع وفَتَحْتَها فرقاً بين المُخَاطِبِ والمُخَاطبِ، والهاء والميم نَصْبٌ بوقوع الفعل عليهما "أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ" جَزْمٌ بلم وعلامة الجزم حذف الضمة من الراء، والهاء والميم نَصْب أيضاً "لاَ يُؤْمِنُونَ" فعل مستقبل ولا موضع للا من الاعراب.
{ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }
{خَتَمَ ٱللَّهُ..} [7]
"خَتَمَ" فعل ماض واسم الله جل وعز مرفوع بالفعل {عَلَىٰ قُلُوبِهمْ} مخفوض بعلى والهاء والميم خفض بالاضافة {وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ} مثْلهُ. وَلِمَ لَمْ يَقلْ و "على 5/ أ اسماعهم" وقد قال "عَلَىٰ قُلُوبِهمْ" ففيه ثلاثة أجوبة: منها أن السمع مصدر فلم يُجْمَع، وقيل: هو واحد يؤدي عن الجميع، وقيل: التقدير وعلى موضع سمعهم. {وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} رفع بالابتداء، وعند الكوفيين بالصفة، وَرَوَى المُفَضّل عن عاصم بن بَهْدَلَة {وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً} بالنصبِ أضمر وجعل، وقرأ الحسن {غُشَاوَة} بضم العين، وقرأ أبو حَيْوَة {غَشَاوَة} بفتح. قال أبو جعفر: وأجودها {غِشَاوَةَ} بكسر الغين كذلك تستعمل العرب في كل ما كان مشتملاً على الشيء نَحْوُ عِمامَة وقِلاَدَة، رُوي عن الأعمش {غَشْوة} رَدّهُ إلى أصل المصدر. قال ابن كيسان، وهو النحويّ، فكلما قلنا: قال ابن كيسان فإِيّاه نعني: يجوز غِشْوَة وغُشْوة فإِنْ جمعت غِشَاوة تحذف الهاء قلتَ: غشَاءٌ، وحَكى الفراء غَشَاوَى مثل أدَاوى. {وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} رفع بالابتداء {عَظِيمٌ} من نعته.
{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ..} [8]
خفض بمن وفتحت النون وأنت تقول. مِنَ الناس، لأن قبل النون في "مِنْ" كسرةً فَحرّكوها بأخف الحركات في أكثر المواضع ورجعوا الى الأصل في الأسماء التي فيها ألف الوصل، ويجوز في كل واحد منهما ما جاز في صاحبه و "ٱلنَّاسِ" اسم يجمع انساناً وانسانة والأصل عند سِيبويه أناس. قال الفراء: الأصل الاناس خففت الهمزة ثم ادغِمَت اللام في النون قال الكسائي: هما لغتان ليست احداهما أولى من الأخرى: يَدلّ على ذلك أن العرب تُصَغِرّ ناساً نويساً ولو كان ذلك الأصل لقالوا: أُنَيْس. {مَن يَقُولُ آمَنَّا} في موضع رفع بالابتداء "ويقول" على اللفظ {وَمَا هُم} على المعنى و "هم" اسم "ما" على لغة أهل الحجاز ومبتدأ على لغة بني تميم {بِمُؤْمِنِينَ} خفض بالباء، وهي توكيد عند البصريين وجواب لمن قال: أنّ زيداً لَمنطَلقٌ عند الكوفيين.
{ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }
{يُخَادِعُونَ..} [9]
فعل مستقبل، وكذا {وما يَخْدَعُونَ} ولا موضع لها من الاعراب {إِلاَّ أَنْفُسَهُم} مفعول {وَمَا يَشْعُرُونَ} مثل الأول.
{
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }
{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ..} [10]
رفع بالابتداء {فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً} مفعولان، وبعض أهل الحجاز يُمِيلُ "فَزَادَهُمُ" لِيَدُلّ على أنه من زِدْتُ {وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} جمع "أليم" إلاَمٌ وأُلَماءُ مثل كرِيم وكُرمَاء، ويقال: أَلآْم مثل أشراف {بِمَا كَانُوا} "ما" خفض بالباء {يَكْذِبُونَ} في موضع نصب على خبر كان.
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }
{وَإِذَا..} [11]
في موضع نصب على الظرف {قِيلَ لَهُمْ} فعل ماض ويجوز {قِيلْ لَهمُ} بالادغام. وجاز الجمع بين ساكنين لأن الياء حرفُ مدٍّ ولين والأصل: قُوِلَ ألِقيتْ حركةُ الواو على القاف فانكسر ما قبل الواو فقلبت ياءاً. قال الأخفش: ويجوز قُيْل بضم القاف وبالياء، ومذهب الكسائي اشمامُ القاف الضَّم ليدلّ على أنه لما لم يُسَمَّ فاعله وهي لغة كثير من قيَس، فأما هُذَيلٌ وبنو دُبَيْرٍ من بني أسد وبنو فَقْعَس فيقولون: قُوْلَ بواو ساكنة "لهم" الهاء والميم خفض باللام {لاَ تُفْسِدُواْ} جزم بلا وعلامة الجزمِ حذف النون {فِي ٱلأَرْضِ} خفض بفي، وإنْ خفَّفتَ الهمزة ألقيتَ حركتها على اللام وحذفتها ولم تحذف ألف الوصل لأن الحركة عارضة فقلت: الأرض، وحكى الكسائي ألَلرضْ لمَّا خفِّفتِ الهمزة فحذفَها أبدل منها لاماً. قال الفراء: لمَّا خُفّفَتِ الهمزة تحركت اللام فكَرِهَ حَركتها لأنّ أصلها السكون زاد عليها لاماً أخرى ليسلم السكون. {قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} ابتداء وخبر و "ما" عند سيبويه كافة لأنّ عن العمل، فأما ضمّ "نَحْنُ" ففيه أقوال للنحويين قال هشام: الأصل نَحُنْ قُلِبَتْ حركة الحاء على النون وأسكِنَت الحاء، وقال محمد بن يزيد: نحن مثل قَبْلُ وبَعْدُ لأنها متعلقة بالاخبار عن اثنين وأكثر قال أحمد بن يحيى: هي مثل حَيْتُ تحتاج الى شيئَيْنِ بعدها. قال أبو اسحاق الزجاج: "نحن" للجماعة ومن علامة الجماعة الواو، والضمة من جنس الواو فلما اضطروا إلى حركة نحن لالتقاء الساكنين حركوها بما يكون للجماعة قال: ولهذا ضَمّوا واو الجَمْعِ 5/ ب في قول {أولِئكَ الذينَ اشتَرَوا الضَّلاَلَةَ بِالهُدَى} وقال عليّ بنُ سُليمانَ: نحن يكون للمرفوع فحركوها بما يشبه الرفع.
{ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }
{أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ.} [12]
كُسِرتْ "إنّ" لأنها مبتدأة. قال عليُّ بنُ سليمان: يجوز فَتْحُهَا كما أجاز سيبويه: حقاً أنّكَ مُنْطلِقٌ بمعنى "ألاَ" والهاء والميم اسم "انّ" و "هم" مبتدأ و "ٱلْمُفْسِدُونَ" خبر المبتدأ، والمبتدأ وخبره خبر "انّ" ويجوز أنْ يكونَ "هم" توكيداً للهاء والميم، ويجوز أن يكونَ فاصلة والكوفيون يقولون: عمادَ.
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ }
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ..} [13]
ألف قطع لأنك تقول: يؤمن {كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ} الكاف في موضع نصب لأنها نعت لمصدر محذوف أي إيماناً كإيمان الناس {قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ} فيه أربعة أقوال أجودها أنْ تُخَفِّف الهمزة الثانية فتقلبها واواً خالصة وتُحَقِق الأولى فتقول {ٱلسُّفَهَآءُ وَلاَ} وهي قراءة أهل المدينة والمعروف من قراءة أبي عمرو، وإنْ شئت خَفّفتهما جميعاً فجعلتَ الأولى بين الهمزة والألف وجعلت الثانية واواً خالصة، وإن شئت خَفّفت الأولى وحَقّق الثانية وإن شئت حَقّقتَها جميعاً.
{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ }
{وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ..} [14]
الأصل لَقِيُوا حُذِفَت الضمة من الياء لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وقرأ محمدُ بنُ السُّميْفَعِ اليمانيّ {وَإِذَا لاَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ}، والأصل لاَقَيوا، فإِن قِيلَ: لِم ضُمّت الواو من "لاَقوا" في الادراج وحُذِفتْ من "لَقُوا"؟ فالجواب أنّ قبل الواو التي في لَقُوا ضَمّةً تدلّ عليها فحذفت لالتقاء الساكنين وحُرّكتْ في "لاَقَوا" لأن قبلها فتحة. "ٱلَّذِينَ" في موضع نصب بالفعل "آمَنوا" داخل في الصلة {قَالُوۤا آمَنَّا} جواب إذا {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ} فإنْ خَفّفتَ الهمزة ألقيتَ حركتها على الواو وحذفتها كما يقرأ أهل المدينة، "شياطينهم" خفض بإلى جمع مكسر فلذلك لم تُحْذَفْ منه النون بالإضافة، والهاء والميم خفض بالإضافة {قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ} الأصل انّنَا حُذِفَتْ منه لاجتماع النونات "مَعَكم" نَصْبٌ بالاستقرار ومن أسكن العين جعل "مَعَ" حرفاً. {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} مبتدأ وخبر فإن خَفَّفتَ الهمزة فسيبويه يجعلها بَيْنَ الهمزة والواو وحجته أنّ حركتها أولى بها، وزعم الأخفش أنه يجعلها ياءاً محضة فيقول: {مُسْتهزيُونَ} قال الأخفش: أفْعَلُ في هذا كما فعلتُ في قوله: "السفهاءُ ولا" قال محمد بن يزيد ليس كما قال الأخفش لأن قوله: "السفهاءُ الاَ" لو جئتَ بها بَيْنَ بَيْنَ كنت تَنْحُو بها نحو الألف، والألف لا يكون ما قبلها إلاّ مفتوحاً فاضطررت إلى قلبها واواً وليس كذا مُسْتَهزِئونَ، ومن أبدل الهمزة قال: مُسْتَهزُونَ وعلى هذا كُتِبَتْ في المصحف.
{ ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }
{ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ..} [15]
"يَسْتَهْزِىءُ" فعل مستقبل في موضع خبر الابتداء، والهاء والميم في موضع خفض بالباء {وَيَمُدُّهُمْ} عطف على يستهزئ والهاء والميم في موضع نصب بالفعل {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} في موضع الحال

{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }
{أُوْلَـٰئِكَ..} [16]
مبتدأ {ٱلَّذِينَ} خبر {ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ} في صلة الذين وفي ضم الواو أربعة أقوال قول سيبويه: أنّها ضُمّ فرقاً بينها وبين الواو الأصلية نحو {وأن لَّوِ استقامُوا على} وقال الفراء: كانَ يجبُ أنْ يكونَ قَبلَها واو مضمومة لأنها واو جمع فَلمَّا حذِفَت الواو التي قبلها واحتاجوا الى حركتها حَرّكوها بحركة التي حُذِفَتْ. قال ابن كيسان: الضمة في الواو أخفّ من غيرها لأنها من جنسها، قال أبو إسحاق: هي واو جمع حُرّكَتْ بالضم كما فُعِلَ في نَحْنُ، وقرأ ابنُ أبي إسحاق ويحيى بن يَعْمرَ {ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ} بكسر الواو وعلى الأصل لالتقاء/ الساكنين: 6/أ وَرَوَى أبو زيد الأنصاري عن قَعْنَبٍ أبي السّمال العَدَويّ أنه قرأ {ٱشْتَرَوَاْ ٱلضَّلاَلَةَ} بفتح الواو ولِخفّة الفتحة وأنّ قبلها مفتوحاً، وأجاز الكسائي {ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ} بضم الواو كما يقال: "أُقِّتتْ" وأدؤر. قال أبو جعفر:
وهذا غلط لأن همزة الواو اذا انضمَّت إنّما يجوز فيها إذا انضّمت لغير عِلّة. {فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} رفع بربحت {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} نصب على خبر كان، والفراء يقول: حال غير مُسْتَغنىً عنها. قال ابن كيسان: يجوز تجارة وتجاير وضلالة وضلايل.
{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }
{مَثَلُهُمْ..} [17]
ابتداء {كَمَثَلِ ٱلَّذِي} خبره والكاف بمعنى مثل و {ٱلَّذِي} خفض بالاضافة {ٱسْتَوْقَدَ نَاراً} صلته، {فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} "مَا" في موضع نصب بمعنى الذي وكذا إنْ كانت نكرة إلاّ أنّ النعت يلزمها إذا كانت نكرة وإن كانت زائدة فلا موضع لها و {حَوْلَهُ} ظرف مكان والهاء في موضع خفض بإضافته إليها {ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ} وأذْهَبَ نُورَهُم بمعنى واحد {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ}وقرأ أبو السّمال {وتَركَهُم في ظُلْماتٍ} باسكان اللام حَذفَ الضمة لثقلها، وَمَنْ أثْبتَها فَلِلفَرْق بيْنِ الاسم والنعت، ويقال: "ظلمَات" بفتحِ اللام. قال البصريون: أُبْدِلَ من الضمةِ فَتْحةٌ لأنّها أخَفُّ، وقال الكسائي: ظُلَماتٌ جمع الجمع جمع ظُلَم {لاَّ يُبْصِرُونَ} فعل مستقبل في موضع الحال.
{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }
{صُمٌّ..} [18]
على إضمار مبتدأ أي [هم] صُمّ {بُكْمٌ عُمْيٌ} وفي قراءة عبد الله وحَفصة {صمّاً بكماً عمياً} لأنّ المعنى وتركهم غير مبصرين صماً بكماً عمياً. ويكون أيضاً بمعنى أعني.

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }
{أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ..} [19]
الأصل عند البصريين صَيْوبٌ ثم أدغِمَ مثل ميّت، وعند الكوفيين الأصل صَوِيْبُ ثم أُدغِمَ ولو كان كما قالوا لمَا جاز ادغامُهُ كما لا يجوز ادغام طويل. وجمع صيّبٍ صَيَايِب والتقدير في العربية مثلُهم كمثل الذي اسْتَوقَدَ ناراً أو كمثل صَيبٍ. {فِيهِ ظُلُمَاتٌ} ابتداء {وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} معطوف عليه. {يَجْعَلُونَ} مستأنَف وإن شئت كان حالاً من الهاء التي في "فيه" فإنْ قِيلَ: كيف يكون حالاً ولم يعد على الهاء شيء؟ فالجواب أنّ التقدير في صواعقه مثل {يُصْهَرُ بِهِ ما في بُطونِهم والجلود} {أَصَابِعَهُمْ} في واحد الأصابع خمس لغات يقال: إِصْبع بكسر الهمزة وفتح الباء ويقال أَصْبع بفتح الهمزة وكسر الباء، ويقال: بفتحهما جميعاً وبكسرهما وجميعاً وبضمّهما جميعاً. وهي مؤنثة وكذلك الأذن، وَرُوِي عن الحسن أنه قرأ {من الصَّواقِع} وهي لغة تميم وبعض ربيعة {حَذَرَ ٱلْمَوْتِ} ويقال: حِذارَ قال سيبويه: هو منصوب لأنه موقوع له أي مفعول من أجله وحقيقته أنه مصدر، وأنشد سيبويه:
وأغْفِرُ عَوْراءَ الكَرِيم ادِّخَارَهُ * وأُعرِضُ عن شَتْمِ اللَّئِيمِ تَكَرُّمَا
{وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَافِرِينَ} ابتداء وخبر.
{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
{يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ..} [20]
ويجوز في غير القُرآن يكاد أنْ يَفْعَلَ كما قال.
* قد كَادَ مِنْ طُولِ البِلَى أنْ يَمْصَحَا *
وفي "يخطف" سبعة أوجه القراءة الفصيحة {يَخْطَفُ}، وقرأ عليّ ابن الحسين ويَحْيى بن وَثّاب {يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطِفُ أَبْصَارَهُمْ} بكسر الطاء قال سعيد الأخفش: هي لغة. وقرأ الحسن وقتادة وعاصم الجَحْدَري وأبو رجاء العُطَارِدي {يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطِفِ} بفتح الياء وكسر الخاء والطاء، ورُوي عن الحسن أنّه قرأ بفتح الخاء. قال الفراء: وقرأ بعض أهل المدينة بتسكين الخاء وتشديد الطاء، وقال الكسائي والأخفش والفراء: يجوز {يخطفُ} بكسر الياء والخاء والطاء، فهذه ستة أوجه موافقة للسواد، والسابع حكاه عبد الوارث قال: رأيت في مصحف أبَيّ "يكادُ البرق يَتَخطّف أبصارهم" وزعم سيبويه والكسائي أنّ من قرأ {يَخِطِفّ} بكسر الخاء والطاء فالأصل عنده "يَخْتِطفُ" ثم أدْغَم التاء/ في الطاء 6/ب فالتقى ساكنان وكسر الخاء لالتقاء الساكنين. قال سيبويه: ومن فتحها ألقَى حركة التاء عليها، قال الفراء: هذا خطأ ويلزم من قاله أنْ يقول في يَمُدُّ: يَمِدُّ لأن الميم كانت ساكنة وأسكتت الدال بعدها وفي يَعَضُّ يَعِضُّ، قال الفراء: وإنما الكسر لأن الألف في "اخْتَطَفَ" مكسورة. قال أبو جعفر: قال أصحاب سيبويه: الذي قال الفراء لاَ يَلْزمُ لأنه لو قيل: يَمِدّ ويَعِضّ لا شَكَل بيفعِل، ويفتعل لا يكون إلاّ على جهة واحدة. قال الكسائي: من قال: يخطِفُ كسر الياء لأن الألف في اختطف مكسورة. فأما ما حكاه الفراء عن أهل المدينة من اسكان الخاء والادغام فلا يُعْرَفُ ولا يجوز لأنه جمع بين ساكنين. {كُلَّمَا} منصوب لأنه ظرف وإذا كانت كلّما بمعنى إذا فهي موصولة. قال الفراء: يقال: أضاءك وضاءك ويجوز "لَذَهبّ بسمعهم" مدغماً، و {أبْصارِهِم} عطف عليه {إنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} اسم انّ وخبرها.
{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
{يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ..} [21]
"يَا" حرف النداء" و "أيُّ" نداء مفرد ضمّ لأنه في موضع المكْنيّ، وكان يجب أنْ لا يُعْرَب فكرهوا أن يخلوه من حركة لأنه قد كان متمكناً فاختاروا له الضمة لأن الفتحة تلحق المعرب في النداء والكسرة تلحق المضاف اليك، وأجاز أبو عثمان المازني "يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسَ" على الموضع كما يقال: يا زيدُ الظريفَ. وزعم الأخفش أن "ٱلنَّاس" في صلة أيّ و "هاء" للتنبيه الا أنّها تفارق أيّاً لأنها عوض من الاضافة. ولغةً بعض بني مالك من بني أسد "يا أيُهُ الرجلُ" بضم الهاء لما كانت الهاء لازمة حركتها حَرّكها بحركة أيّ {ٱلنَّاس} تابع لأيٍّ كالنعت كما ينعت، لا يجوز نصبه عند أبي العباس لأنه لا يُسْتَغْنَى عنه فصار كما تقول: يا ناس، {ٱعْبُدُواْ} ألف وصل لأنه من يَعْبُد وضَمَمتها والأصل الكسر لئلا تجمع بين كسرة وضمة. قال سيبويه: ليس في الكلام "فِعلُ" وحذف النون للجزم عند الكوفيين ولأنه لم يضارع عند البصريين، {رَبَّكُم} نَصْبٌ باعبدوا الذي نعت له {خَلَقَكُمْ} في الصلة والكاف والميم نصب بالفعل {وَٱلَّذِينَ} عطف على الكاف والميم {مِن قَبْلِكُمْ} في الصلة {لَعَلَّكُمْ} الكاف والميم اسم لعل {تَتَّقُونَ} فعل مستقبل علامة رفعه النون وهو في موضع خبر لعل.
{
ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَاشاً..} [22]
"ٱلَّذِي" نعت لربكم وان شئت كان نعتاً للذي خلقكم، وصلح أنْ يقالَ نعت للنعت لأن النعت هو المنعوت في المعنى، ويجوز أن يكون منصوباً بتتقون، ويجوز أن يكون بمعنى أعنى، وأنْ يكون في موضع رفع على أنه خبر ابتداء محذوف ويجوز "جَعَلْ لَكُمْ" مدغماً لأن الحرفين مِثْلانِ قد كثرت الحركات، وتَرْكُ الادغام أجود لأنها من كلمتين، {ٱلأَرْضَ فِرَاشاً} مفعولان لجعل {وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً} عطف والسماء تكون جمعاً لسَمَاوَة وسَمَاءة، وتكون واحدة مؤنّثة مثل عَنَاق وتذكيرها شَاذّ وجَمْعُها سَمَاوات وسَمَاءات وأسْم وسَمَايا، وسماء المطرُ مذكرّ، وكذلك السقف في المستعمل، وجمعها أسْمِيَة وسُمِيّ وسِمِيّ. "وبِنَاءً" يقصر على أنه جمع بِنْيَة ومصدر، ويقال: بُنِيّ جمعُ بنْيَةٍ وفي الممدود في الوقف خمس لغات: أجودها و "وَٱلسَّمَاءَ بناءً" بهمزة بين ألفين ويجوز تخفيف الهمزة حتى تضعف، ويجوز حذفها لقربها من الساكن وهي بين ساكنين فإذا حَذَفتها حَذَفت الألف بعدها فقلت: "بِنَا" لفظه كلفظ المقصور، ومن العرب من يزيد بعده في صورته مَدّةً، ومنهم من يُعَوِضُ من الهمزة ياءاً فيقول: بنيت بنايا، والبصريون يقولون: هُو مشَبّهٌ بخطايا، والفراء يقول: ردت الهمزة إلى أصلها لأن أصلها الياء. {وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً} والأصل في ماء مَوَهٌ قلبت الواو ألفاً لِتَحَرّكِها وتحَرّك ما قبلها فَقُلتَ: ماه فالتقى حرفان خفيّان فأبْدَلْت من الهاء همزةً لأنها أجْلَدُ وهي بالألف أشْبَه فَقُلتَ: ماء؛ فالألف الأولى عَيْن الفعل وبعدها الهمزة التي هي بدل من الهاء وبعد الهمزة ألف بدل من التنوين. قال أبو الحسن عليّ: لا يجوز أن يُكْتَبَ الا 7/أ بألفين عند البصريين وانْ شِئتَ بثلاث فإذا جمعوا أو صغّروا ردّوا إلى الأصل فقالوا: مُويه وأمْواه وميَاه مثل: أجْمَال وجِمَال {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ} جمع ثمرة؛ ويقال: ثَمَرٌ مثل شَجَر، ويُقَال: ثُمُرُ مثل خُشُب، ويقال ثُمْر مثل بُدْنِ وثِمَار مثل إكام: {رِزْقاً لَّكُمْ} مفعول {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً} "تَجْعَلُواْ" جزم بالنهي فلِذَلِك حذفَتْ منه النون "أَندَاداً" مفعول أول و "لله" في موضع الثاني {وَأَنْتُمْ} مبتدأ {تَعْلَمُونَ} فعل مستقبل في موضع الخبر والجملة في موضع الحال.
{ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ }
{وَإِن كُنْتُمْ..} [23]
بفي
في موضع جزم بالشرط {فِي رَيْبٍ} خفض بفي {مِّمَّا نَزَّلْنَا} "ما" خفض بمن والعائد عليها محذوف لطول الاسم أي ما نَزّلناه {عَلَىٰ عَبْدِنَا} خفض بعلى {فَأْتُواْ} جواب الشرط، وان شئتَ قلت مجازاة. قال ابن كيسان: قَصَرْتَ فَأْتُوا لأنه من باب المجيء، وحكى الفراء في قراءته فتوا فيجوز فتوا، {بِسُورَةٍ} خفض الباء {مِّن مِّثْلِهِ} خفض بمن {وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم} نصب بالفعل، جمع شَهِيد. يقال: شَاهِدٌ وشَهِيدٌ مثل قادر وقدير.
{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ }
{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ..} [24]
يقال: كيف دَخَلَتْ "انْ" على "لَمْ" ولا يدخل عامل على عامل؟ فالجواب أنّ "انْ" هنا غير عاملة في اللفظ فَدَخَلَتْ على "لم" كما تَدْخلُ على الماضي لأنها لا تَعْمَلُ في لم كما لا تعمل في الماضي فمعنى "انْ لم تفعلوا" ان تركتم الفعل. قال الأخفش سعيد: انّما جَزَمُوا بِلم لأنها نَفْي فأشْبَهَتْ "لا" في قولك: لا رَجُلَ في الدارِ، فَحَذفْتَ بها الحركة كما حَذَفَت التنوين من الأسماء وقال غيره: جَزمتَ بها لأنها أشْبَهتْ إنْ التي للشرط لأنها تَردُّ المستقبل الى الماضي كما ترد "ان" فنحتاج إلى جواب فأشْبَهت الابتداء، والابتداء يَلْحَقُ به الأسماء الرفع وهو اولى بالأسماء فكذا حُذفَ مع "إنْ" لأن أولى ما للأفعال السكون، {وَلَن تَفْعَلُواْ} نَصْبٌ بلن وعلامة نصبه حذف النون، واستوى النصب والجزم في الأفعال لأنهما فَرْعان وهما بمنزلة النصب والخفض في الأسماء وحُكي عن الخليل رحمه الله: ان أصل "لن": لا انْ وردّ عليه هذا سيبويه وقال: لو كان كذا لما جاز: زيداً لن اضرِبَ. قال أبو عبيدة: من العرب من يجزم بلن كما يجزم بلم. {فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ} جواب الشرط في الفاء وما بعدها ولغة تميم وأسد "فَتَقُوا النارَ" وحكى سيبويه: تَقَى يَتَقِي، {ٱلنَّارَ} مفعولة {ٱلَّتِي} من نعتها {وَقُودُهَا} مبتدأ {ٱلنَّاسُ} خبر {وَٱلْحِجَارَةُ} عطف عليهم {أُعِدَّتْ} فعل ماض والتاء علامة التأنيث أسكَنَتْ عند البصريين لأنها حرف جاء لمعنى، وعند الكوفيين أنك لمَّا ضَمَمْتَ تاء المُخاطب وفتحت تاء المُخاطَبِ المذكر وكسرت تاء المؤنث وبقيت هذه التاء كان ترك العلامة لها علامة، واسم ما لَمْ يُسَمَّ فاعله مضمر في أُعِدَّتْ، {لِلْكَافِرِينَ} خفض باللام الزائدة. وقرأ الحسن ومجاهد وطَلْحَةُ بنُ مصَرّفٍ {ٱلَّتِي وَقُودُهَا}، بضم الواو. وقال الكسائي والأخفش سعيد: الوَقُودُ بفتح الواو الحَطبُ والوُقُودُ بضمها الفعل، قال أبو جعفر يجب على هذا أن لا يُقْرأ الاّ وَقُودُها بفتح الواو لأنّ المعنى حَطَبُها. إلا أنّ الأخفش قال: وحُكِيَ أنّ بعض العرب يجعل الوَقُود والوُقُود جميعاً بمعنى الحطب والمصدر، وذهب الى أن الأول كثر قال: كما أنّ الوَضُوء الماء والوُضُوء المصدر.
{
وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ}

{وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ..} [25]
{أًَنَّ} في موضع نصب والمعنى بأن لهم. قال الكسائي وجماعة من البصريين: "أنّ" في موضع خفض باضمار الباء {جَنَّاتٍ} في موضع نصب اسم أنّ وكُسِرت التاء عند البصريين لأنه/ جمع مُسَلَّم فوجب أن 7/ب يستوي خفضه ونصبه كما كان في المذكر جائزاً {تَجْرِي} في موضع نصب نعت للجنات، ومرفوع لأنه فعل مستقبل، وحذفت الضمة من الياء لثقلها معها {ٱلأَنْهَارُ} مرفوع بتجري. {كُلَّمَا} ظرف {قَالُواْ هَـٰذَا} مبتدأ و {ٱلَّذِي} خبره، ويجوز أن يكون هذا هو الذي، {رُزِقْنَا مِن قَبْلُ} غاية مبني على الضم لأنه قد حذف منه، وهو ظرف يدخله النصب والخفض في حال سلامته فلما اعتلّ بالحذف اعْطى حركةً لم تكن تلحقه، وقيل: أعطى الضمة لأنها غاية الحركات {وَأُتُواْ بِهِ} فُعِلُوا من أتَيْتُ {مُتَشَابِهاً} على الحال {أَزْوَاجٌ} مرفوع بالابتداء {مُّطَهَّرَةٌ} نعت وواحد الأزواج زوج. قال الأصمعي، ولا تكاد العرب تقول: زوجة. قال أبو جعفر: حكى الفراء أنه يقال: زوجة وأنشدَ:
إنَّ الذِي يَمْشِي يُحرِشُ زَوْجتي * كَمَاشٍ الى أُسْدِ الشَّرَى يَسْتَبيلُهَا
{وَهُمْ} مبتدأ {خَالِدُونَ} خبره والظرفُ ملغىً، ويجوز في غير القرآن نصب خالدين على الحال.

{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ }

{إِنَّ ٱللَّهَ..} [26]
اسم "إِنّ" والجملة الخبر. لغة تميم وبكر بن وائل {لاَ يَسْتَحْي} بياء واحدة وهكذا قرأ ابن كثير وابنُ مُحَيصنٍ وشِبْل وفيه قولان: قال الخليل: أسْكِنَت الياء الأولى كما سَكَنَتْ في "باع" وسكَنتَ الثانية لأنها لام الفعل، قال سيبويه وقال غيره: لمَّا كثر وكانتا ياءين حَذَفُوها وألقَوا حَرَكَتها على الحاء. قال أبو جعفر: شرح قول الخليل أنّ الأصل استَحْيَى فأعلهُ من جهتين اعلّ الياء الأولى كما يقال: استَبَاعَ واعلّ الثانية كما يقال: يرمِي فحذف الأولى لئلا يلتقي ساكنان، وهذا بعيد جداً لأنهم يجتنبون الاعلال من جهتين. والقول الآخر هو قول سيبويه سمعت أبا اسحاق يقول: اذا قال سيبويه بَعْدَ قول الخليل: وقال غيرُهُ فإِنما يعني نفسه ولا يُسمّي نفسه بعد الخليل اجلالاً منه له، وشرح قول سيبويه أنّ الأصل: اسْتَحْيَى كثر استعمالهم إيّاه فحذفوا الياء الأولى وألقوا حركتها على الحاء فأشبه افتعل نَحْوُ اقتَضَى فَصَرفُوهُ تَصرِيفه فقالوا: استَحَى يَسْتَحِي. {أَن يَضْرِبَ} في موضع نصب أي من أن يضرب {مَثَلاً} منصوب بيضرب {مَّا بَعُوضَةً} في نصبها ثلاثة أوجه: تكون "ما" زائدة و "بعوضة" بدلاً من مثل، ويجوز أن تكونَ "ما" في موضع نصب نكرة و"بعوضة" نعتاً لما وَصَلُحَ أنْ تكونَ نعتاً لأنها بمعنى قليل، والوجه الثالث قول الكسائي والفراء قالا: التقدير أن يضرب مثلاً ما بين بعوضةٍ حُذِفَت "بَيْنَ" وأعربت بعوضة باعرابها والفاء بمعنى "الى" :أي الى ما فوقها، ومعنى ضَرَبْتُ له مثلاً مثّلْت له مثلاً وهذه الابنيةُ على ضرْبٍ واحدٍ أي على مثال واحد {فَمَا فَوْقَهَا} عطف على "ما" الأولى، وحطى أنه سمع رؤبة يقرأ {انّ الله لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضرب مثلاً ما بَعُوضةٌ} بالرفع وهذه لغة تميم، جَعَل "ما" بمعنى الذي ورفع بعوضة على اضمار ابتداء والحذف في "ما" أقْبَحُ منه في الذي لأن الذي إنّما له وجه واحد والاسم معه أطَْوَلُ. {فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} "ٱلَّذِينَ" رفع بالابتداء وخبره ما بَعدَ الفاء فلا بُدَّ من الفاء في جواب أمّا لأن فيها معنى الشرط أي مهما يكُنْ من شَيْء فالأمر كذا {فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ} "أنّ" في موضع نصب بيعلمون والهاء اسمها والحق خبرها {مِن رَّبِّهِمْ} خفض بمن {وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} ولغة تميم وبني عامر "أَيْمَا" يبدلون من احدى الميمين ياءاً كَرَاهِيَة التضعيف وعلى هذا يُنْشَدُ بَيْتُ عُمرَ بن أبي ربِيعَة:
رَأتْ رَجُلاً أيْما اذا الشَّمْسُ عَارَضَتْ * فَيَضْحَى وأيْما بالعَشِيِّ فَيَخْصر
{فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً} إنْ شِئْتَ جَعَلتَ "ما" و "ذا" شيئاً واحداً في موضع نصب بأراد. قال ابن كيسان: وهو أجود وانْ شئتَ جعلتَ "ما" اسماً تاماً في موضع رفع بالابتداء و "ذا" بمعنى الذي هو خبر الابتداء، ويكون التقدير: ما الذي أراد الله بهذا مثلاً 0/ 8/ أ قال أحمد بن يَحْيَى ثعلب: "مَثَلاً" منصوب على القَطع وقال ابن كيسان: هو منصوب على التمييز الذي وقع موقعَ الحال {يُضِلُّ} فعل مستقبل {كَثِيراً} مفعول به {وَيَهْدِي} أسكِنَت الياء فيه استثقالاً للجمع بينها وبين ياء وكسرة {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَاسِقِينَ} بوقوع الفعل عليهم، والتقدير وما يُضِلّ به أحداً إلاّ الفاسقين، ولا يجوز أن تَنْصبهم على الاستثناء لأن الاستثناء لا يكون إلاّ بعد تمام الكلام.

{ ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ }

{ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ..} [27]
"ٱلَّذِينَ" في موضع نصب على النعت للفاسقين وانْ شئتَ جعلته في موضع رفع على أنه خبر ابتداء محذوف أي هم الذين، {يَنقُضُونَ} فعل مستقبل والمضمر الذي فيه يعود على الذين {عَهْدَ ٱللَّهِ} مفعول به {مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} خَفَضَتْ بعْداً بِمِنْ ومِيثاقه بَعْد اليهِ وهو بمعنى: ايثاقَهُ. قال ابن كيسان: هو اسم يُؤدِي عن المصدر كما قال القُطَامي:
أكُفْراً بَعْدَ رَدّ المَوْتِ عَنّي * وَبَعْدَ عَطَائِكَ المائةَ الرِتَاعَا
{وَيَقْطَعُونَ} عطف على ينقصون {مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ} "ما" في موضع نصب بيقطعُونَ. والمصدر قَطيعَة وقَطَعْتُ الحَبْلَ قطعاً وقَطَعْت النهرَ قُطوعاً وقَطَعتِ الطَّيرَ قِطَاعاً وقطاعاً إذا خَرَجَتْ من بلد إلى بلد، وأصابَ الناسَ قطعَةٌ اذا قَلّتْ مياهُهُم ورَجلٌ بِهِ قطْعٌ أي انبِهارٌ {وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ} عطف على يقطعون. {أُولَـۤئِكَ} مبتدأ {هُمُ} ابتداء ثان {ٱلْخَاسِرُونَ} خبر الثاني والثاني وخبره خبر الاول، ان شئتَ كانت هم زائدة والخاسرون الخبر.
{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ} [28]
"كيف" اسم في موضع نصب هي مبنية على الفتح. وكان سبيلها أن تكونَ ساكنة لان فيها موضع الاستفهام فأشْبَهَتِ الحروف واختير لها الفتح من أجل الياء {تَكْفُرُونَ} فعل مستقبل {بِٱللَّهِ} خفض بالباء {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} التقدير وقد كنتم أمواتاً ثم حذِفَتْ قَد {أَمْوَاتاً} خبر كنتم {فَأَحْيَاكُمْ} الكاف والميم في موضع نصب بالفعل وكذا {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فعل مستقبل.
{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ..} [29]
ابتداء وخبر {مَّا} في موضع نصب {جَمِيعاً} عند سيبويه نصب على الحال. {ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ} أهلُ الحجاز يُفَخّمونَ وأهلُ نَجْدِ يُميلونَ ليُدلوا على أنه من ذوات الياء {إِلَى ٱلسَّمَآءِ} خفض بإِلى {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} قال محمد بن الوليد سبع منصوب على أنه بدل من الهاء والنون أي فسوى سبع سموات قال أبو جعفر: يجوز عندي أن يكونَ فسوّى منهن كما قال جل وعز "واختارَ مُوسى قَومَهُ" أي من قومه. {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} مبتدأ وخبر.
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ..} [30]
قال أبو عبيدة: "إِذْ" اسم وهو ظرف زمان ليس ما يُزَادُ. قال أبو اسحاق ذكر الله عز وجل خَلْقَ الناس وغيرهم فالتقدير ابتدأ خَلْقَهُم "إِذْ قَالَ رَبُّكَ" {لِلْمَلاَئِكَةِ} خفض باللام والهاء لتأنيث الجماعة {إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ} الياء في موضع نصب جاعل خبر انّ. والاصل انني حذفت النون لاجتماع نونين "فِي ٱلأَرْضِ" خفض بفي {خَلِيفَةً} نصب بجاعل، ولا يجوز حذف التنوين للفصل ولو ولِيَهُ المفعول لجاز حذف التنوين "خَلِيفَةَ" يكون بمعنى فاعل أي يخلف من كان قبله من الملائكة في الأرض أو من كان قبله من غير الملائكة كما رُويَ ويجوز أن يكون "خَلِيفَةً" بمعنى مفعول أي يُخْلَفُ كما يقال ذَبِيحَةٌ بمعنى مفعولة. {قَالُواْ أَتَجْعَلُ} فعل مستقبل {فِيهَا مَن يُفْسِدُ} في موضع نصب بتجعل والمفعول الثاني يقوم مَقامَهُ "فِيهَا" "يُفْسِدُ" على اللفظ، ويجوز في غير القرآن يفسدون على المعنى، {وَيَسْفِكُ} عطف عليه، ورُويَ عن الأعرج {وَيَسفِكَ الدِمَاء} بالنصب/ 8/ ب يجعله جواب الاستفهام بالواو. وواحد الدماء دَمٌ ولا يكون اسم على حرفين إلا وقد حُذِفَ منه والمحذوف منه ياء وقد نُطِقَ به على الأصل قال الشاعر:
فَلَو أنّا عَلَى حَجَرٍ ذُبِحْنَا * جَرَى الدَّميَانِ بالخَبرِ اليقينِ
{وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} لا يجوز ادغام النون في النون لئلاّ يلتقي ساكنان {قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} منْ حَرّك الياء فقال "إِنِّيَ أَعْلَمُ مَا" كَرِهَ أن يكونَ اسم على حرف واحد ساكناً، ومن أسكَنَها قال: قد اتَّصَلَتْ بما قبلها "أَعْلَمُ" فعل مستقبل، ويجوز أن يكون اسمًا بمعنى فاعل كما يقال: الله أكْبَرُ بمعنى كبير، وكما قال:
لعمركَ ما أدْرِى وانّي لأوجَلََ * على أيِنَا تَغْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ
ويجوز إدغام الميم في الميم و "ما" في موضع نصب بأعلم اِذا جعلته فِعْلاً وان جَعلته اسمًا جاز أن يكونَ "ما" في موضع خفض بالاضافة وفي موضع نصب وتَحْذِفُ التنوين لانه لا ينصرف.


















 

رضا الجنايني

مزمار كرواني
6 يونيو 2008
2,850
27
0
الجنس
ذكر
رد: أعراب سورة البقرة كاملة :::: رضا الجنايني


اعراب سورة البقرة من الآية( 31 : 62 )

{وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ }

{وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا..} [31]
"آدم" و "ٱلأَسْمَآءَ" مفعولان لعلم. وآدم لا ينصرف في المعرفة باجماع النحويين لانه على أفْعَل وهو معرفة، ولا يَمْتنِعُ شيء من الصرف عند البصريين إلاّ بِعلّتينِ فإن نكّرتَ آدم وليس بنعت لم يصرفه الخليل وسيبويه وصَرَفَهُ الاخفش سعيد لانه إنّما مَنَعهُ من الصرف لانه كان نعتًا وهو على وزن الفعل فاذا لم يكن نعتًا صرفه. قال أبو اسحاق: القول قول سيبويه لا يفرق بين النعت وغيره لانه هو ذاك بعينه، وجمع آدم اذا كان صفة أَدْمٌ فان لم يكن نعتًا فجمعه آدَمون وأوادم وهكذا الباب كله. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا "عَرَضَهُمْ" في الكتاب الذي قبل هذا. {فَقَالَ أَنْبِئُونِي} ألف قطع لأنها من أنبأ يُنبِىءُ فإن خَفَّفْتَ الهمزة قلتَ أنبِئُوني بين بين فان جعلتها مبدلة قلت أنْبوني مثل اعطُوني {بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ} "بِأَسْمَآءِ" مخفوض بالباء و "هَـٰؤُلاۤءِ" في موضع مخفوض بالاضافة الاّ أنه مبني على الكسر لالتقاء الساكنين وهو مبني مثل هَذا وفيه وجوه اذا مَدَدْتَهُ وانْ شئتَ خَفّفْتَ الهمزة الثانية وحَققتَ الاولى. وهو أجود الوجوه عند الخليل وسيبويه. وهي قراءة نافع فقلتَ {هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ولا يجوز غير هذا في قول من خَفّف الثانية والدليل على هذا انّهم أجْمَعُوا على القراءة في قوله جل وعز {من النساءِ إلاّ ما قد سَلَفَ} على وجه واحد عن نافع ولا فرق بينهما، وان شئت خَفَّفْتَ الاولى وحَقّقت الثانية فقلت "هؤلااِن كنتم"، وإن شئتَ حقّقتَهما جميعاً فقلت "هؤلاءاِنْ"، وان شئتِ خَفّفتهما، وان شئت خففت الاولى فقلت "هؤلا إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ" وهو مذهب أبي عمرو بن العلاء في الهمزتين إذا اتفقتا. وتميم وبعض أسد وقيسَ يقْصُرُونَ "هَؤلا" فعلى لغتهم "هاؤلا إِن كُنْتُمْ" وقال الاعشى:
هَؤُلا ثمَّ هَؤلا كلاّ اعْطَيـْ * ـتَ نِعالاً مَحْذُوّةً بِمثالِ
ومن العرب من يقول: "هَؤلاَ" فيحذف الالف والهمزة {اِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} "كُنْتُمْ" في موضع جزم بالشرط وما قبله في موضع جوابه عند سيبويه، وعند أبي العباس الجواب محذوف، والمعنى انْ كنتم صادقين فأنبئوني. قال أبو عبَيدٍ: وزعم بعض المُفسِرين أنّ "انْ" بمعنى "اذْ"، وهذا خطأ انما هي "أنْ" المفتوحةَ التي تكون بمعنى "اذْ" فأمّا هذه فهي بمعنى شرط.

{ قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }

{قَالُواْ سُبْحَانَكَ..} [32]
منصوب على المصدر عند الخليل. وسيبويه، يؤدي عن معنى نُسَبِّحكَ سبحانك تسبيحًا، وقال الكسائي: هو منصوب لأنه لم يُوصَف قال: ويكون منصوباً على أنه نداء مضاف {لاَ عِلْمَ لَنَآ} مثل "لا رَيْبَ فيه" ويجوز "لا عِلمٌ لنا" يجعل "لا" بمعنى ليس المعنى ليس {إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ} "مَا" في موضع رفع كما تقول "لا الاه إلاّ الله" وخبر التبرية/ 9/ أ كخبر الابتداء، ويجوز النصب إذا تَمَّ الكلام على أصل الاستثناء {إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ} "أَنْتَ" في موضع نصب توكيداً للكاف. وانْ شئتَ كانت رفعاً بالابتداء، والعليم خبره، والجملة خبر انّ، وانْ شئتَ كانت فاصلة لا موضع لها، والكوفيون يقولونَ عمادُ الالفِ واللام في موضع رفع، {ٱلْحَكِيمُ} من نعت العليم.

{ قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }

{قَالَ يَآءَادَمُ..} [33]
نداء مفرد {أَنبِئْهُمْ} حذفت الضمة من الهمزة لانه أمر وانْ خَفّفْتَ الهمزة قلتَ: أنْبِيْهمْ كما قلتَ: ذِيْب وبيْرِ وان أبدلتَ منها قلت: أنْبِهمْ كما قَالَ زُهَيْرٌ:
جَرِيء مَتَى يَظْلِمْ يُعَاقِبِ بِظُلْمِهِ * سَرِيعًا وان لاَ يُبْدَ بالظُّلْمِ يَظْلِمِ
{بِأَسْمَآئِهِمْ} خفض بالباء {فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ} وان خَفّفتَ جَعلتَها بين الهمزة والالف، وانْ أبدلْت قلت "أنباهم" بألف خالصة. {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ} الاصل: أقول ألقِيَت حركة الواو على القاف فانضمت القاف وحُذِفَتِ الواو لسكونها وسكون اللام وأسكِنَت اللام للجزم. {إِنِيۤ} كَسَرتَ الالف لان ما بعد القول مبتدأ، وزعم سيبويه أن من العرب من يُجْري القول مجْرَى الظن وهي حكاية ابي الخطاب فعلى هذا "أنِيۤ أَعْلَمُ". قال الكسائي: رأيتُ العرب اذا لَقِيت الياءَ هَمْزةٌ، استَحبوا الفتحَ فيقولونَ: "إِنِيۤ أَعْلَمُ" ويجوز إعَلمُ لانه من عَلِمَ {غَيْبَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ} نَصبٌ بأَعلَم وكذا {مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} عطف عليه.
{
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ..} [34]
خفض باللام الزائدة {ٱسْجُدُواْ} أمْر فلذلك حَذَفْتَ منه النون وضَممتَ الهمزة اذا ابتدأتها لانه مِنْ يَسْجُدُ. وروَى عن أبي جعفر أنه قرأ {لِلْمَلاَئِكَةُ اسْجُدُواْ} وهذا لحن لا يجوز. وأحسن ما قيل فيه ما رُويَ عن محمد بن يزيد قال: أحْسِبُ أنّ أبا جعفر كان يخفض ثمّ يشِمّ الضَّمّةَ ليدلّ على أنّ الابتداء بالضم كما يقرأ {وَغُيِض الماءُ} فيشير الى الضّمةِ لِيَدُلّ على أنه لما لم يُسَمّ فاعله {لادَمَ} في موضع خفض باللام الاّ أنه لا ينصرف {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ} نصب على الاستثناء لا يجوز غيره عند البصريين لانه مُوجَبٌ، وأجاز الكوفيون الرفع. و "إِبْلِيسَ" اسم أعجمي فلذلك لم يُنَوَّنُ، وزعم أبو عبيدة أنّه عربي مُشْتَقّ من أبلَسَ الاّ أنه لم يَنصَرِفْ لانه لا نظير له. {أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ} أبَى يأبَى اباءاً، وهذا حرف نادر جاء على فَعَلَ يَفْعَلُ ليس فيه حرف من حروف الحَلق. قال أبو اسحاق: سمعتُ اسماعيل بن اسحاقَ يقول: القولُ فيه عندي أن الالف مضارعة لحروف الحلق. قال أبو جعفر: ولا أعلم أنّ أبا اسحاق رَوَى عن اسماعيل نَحْواً غيرَ هذا الحرف. {وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ} خفض بمن وفُتِحَتِ النون لالتقاء الساكنين.
{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ }
{وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ..} [35]
"أنت" توكيد للمضمر، ويجوز في غير القرآن على بُعْدٍ: قُمْ وزَيْدٌ {وَكُلاَ مِنْهَا} حُذِفت النون لأنه أمْرٌ وحُذِفَت الهمزة لكثرة الاستعمال فحذفها شاذ. قال سيبويه: ومن العرب من يقول: أُوْكُلْ فَيُتِمَّ. {رَغَداً} نعت لمصدر محذوف أي أكلاً رغداً. قال ابن كيسان: ويجوز أنْ يكون مصدراً في موضع الحال. {حَيْثُ شِئْتُمَا} "حَيْثُ" مبنية على الضم لأنها خَالَفَتْ اخواتها من الظروف في أنها لا تضاف فَأشْبَهَتْ قَبْل وبَعْدُ إذا أُفرِدتا فَضُمَّتْ. وحكى سيبويه: أنّ من العرب يفتحها على كل حال. قال الكسائي: الضَّمُّ لغة قيس وكنانة والفتح لغة بني تميم. قال الكسائي: وبنو أسد يَخْفِضُونَها في موضع الخفض وينصبونها في موضع النصب. قال {سَنَسْتدْرِجُهُمْ مِنْ حيث لا يَعْلمُونَ} ويضَمُّ ويُفْتَحُ ويقال: حَوَثُ، {وَلاَ تَقْرَبَا} نهي فلذلك حُذِفَتِ النون {هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ} في موضع نصب بتقربا والهاء في هذه بدل من ياء، الأصل هذِى، ولا اعلمُ في العربية هاء تأنيث مكسوراً ما قبلها الاّ هاء هذه، ومن العرب من يقول: هاتا هِندٌ ومنهم من يقول: هَاتِي هِندٌ. وحكى سيبويه، هذه هند باسكان الهاء/ 9/ ب {ٱلشَّجَرَةَ} نعت لهذه {فَتَكُونَا} جواب النهي منصوب على اضمار "أنْ" عند الخليل وسيبويه، وزعم الجرمي: أنّ الفاء هي الناصبة. ويجوز أنْ يكونَ "فَتَكُونَا" جزماً عطفاً على تقربا.
{ فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ }
{فَأَزَلَّهُمَا..} [36]
من أزلَلْتُهْ فزلَّ، وفأزالُهَما من أزلْتُه فَزالَ {ٱلشَّيْطَانُ} رفع بفعله {وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ} حُذِفَت الألف من اهبطوا لأنها الف وصل وحُذِفَت الألف من قلنا في اللفظ لسكونها وسكون الهاء بعدها. {بَعْضُكُمْ} مبتدأ {عَدُوٌّ} خبره والجملة في موضع نصب على الحال، والتقدير وهذه حالكم وحُذِفَتِ الواو لأن في الكلام عائداً كما يقال: رَأيتُكَ السّماءُ تَمْطُرُ عليكَ، ويقال: كيف قال "عَدُوٌّ" ولم يقل: اعداء؟ ففي هذا جوابان: أحَدُهُمَا أنّ بعضاً وكلاًّ يُخبَرُ عنهما بالواحد وذلك في القرآن قال الله جل وعز: {وكُلُّهُمُ آتيهِ يوم} وقال: {وكلٌ أتُوهُ داخِرينَ} والجواب الآخر أنَّ عدوّاً يُفْردُ في موضع الجمع. قال الله جل وعز {وهُم لكُم عدوّ بئسَ للظالمينَ} بمعنى أعداء {وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} مرفوع بالابتداء {وَمَتَاعٌ} عطف عليه.
{ فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }
{فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ..} [37]
رفع بفعله {كَلِمَاتٍ} نصب بالفعل وقرأ الأعمش {فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ} مدغماً {إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} "هُوَ" رفع بالابتداء و "ٱلتَّوَّابُ" خبره والجملة خبر انّ، ويجوز أن يكون هو توكيداً للهاء، ويجوز أن يكونَ فاصلة، وحكى أبو حاتم: أنّ أبا عمرو وعيسى وطلحة قرءوا {إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ} مُدغَماً وانّ ذلك لا يجوز لأن بين الهاءين واواً في اللفظ لا في الخط. قال أبو جعفر: أجاز سيبويه انْ تحذف هذه الواو وانشَدَ:
لَهُ زَجَلٌ كأنّهُ صَوتُ حادٍ * إذا طَلَبَ الوَسِيقَةَ أو زمِيرُ
فعلى هذا يجوز الادغام.
{ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
{قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً..} [38]
نصب على الحال، وزعم الفراء أنهُ يقال: انّما خُوطِبَ بهذا آدم صلى الله عليه وسلم وابليس بعينه ويعني ذُرّيتهُ فكأنه خاطبهم كما قال: "قالتا أتينا طائِعينَ" أي أتَيْنا بما فينا، وقال غير الفراء: يكون مخاطبة لآدمَ عليه السلام وحواء والحية، ويجوز أن يكون لآدم وحواء لأن الاثنين جماعة، ويجوز أنْ يكونَ ابليس ضمَّ إليهما في المخاطبة {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم} "مَّا" زائدة، والكوفيون يقولون صلة، والبصريون يقولون: فيها معنى التوكيد "يَأْتِيَنَّكُم" في موضع جزم بالشرط والنون مؤكدة واذا دخلت "مَّا" شُبِهَتْ بلامِ القسم فحسن المجيء بالنون وجواب الشرط الفاء في قوله {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ} و "من" في موضع رفع و "تَبِعَ" في موضع جزم بالشرط {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} جوابه، وقال الكسائي في "فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ" جواب الشرطين جميعاً، وقرأ عاصم الجَحْدَرِي وعيسى وابن أبي اسحاق {فَمَن تَبِعَ هُدَىً} قال أبو زيد: هذه لغة هذيل يقولون: هُدَيّ وعَصَيَّ وأنشد النحويون:
سَبقُوا هَويَّ وأعْنقوا لِهواهُمُ * فَتُخُرِّموا وَلِكُلّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
قال أبو جعفر: العلة في هذا عند الخليل وسيبويه وهذا معنى قولهما - أنّ سبيل ياء الاضافة أن يكْسرَ ما قبلَها فلما لم يجز أن تتحرك الألف جعل قبلها ياءاً عوضاً من التغيير. وقرأ الحسن وعيسى وابن أبي اسحاق {فَلاَ خَوْفَ عَلَيْهِمْ} والاختيار عند النحويين الرفع والتنوين لأن الثاني معرفة لا يكون فيه الاّ الرفع فاختاروا في الأول الرفع ايضاً ليكون الكلام من وجه واحد.
{وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }
{وَٱلَّذِينَ..} [39]
رفع بالابتداء {كَفَرواْ} من صلته {وَكَذَّبُواْ} عطف على كفروا {بِآيَاتِنَآ} خفض بالباء {أُولَـٰئِكَ} مبتدأ {أَصْحَابُ ٱلنَّارِ} خبره والجملة خبر الذين، {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ابتداء وخبر في موضع نصب على الحال.
{يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ }
{يَابَنِي..} [40]
نداء مضاف علامة النصب فيه الياء وحُذِفَتْ منه النون للاضافة الواحد ابن والاصل فيه بَنَيٌ وقيل فيه بنو ولو لم يُحذَفْ منه لقيل بنا كما يقال: عَصَاً فمن قال: المحذوف منه واو احتَجَّ بقولهم: البُنُوّة وهذا لا حُجّة فيه لأنهم قد قالوا الفُتُوّةُ. قال أبو جعفر: سمعتُ أبا اسحاق/ 10 أ/ يقولَ: المحذوف منه عندي ياء كأنه من بَنَيتُ. {إِسْرَائِيلَ} في موضع خفض الاّ أنه لا ينصرف لِعُجُومَتِه ويقال: إسرائل بغير ياء وبهمزة مكسورة ويقال اسراأَل بهمزة مفتوحة، وتميم يقولون: اسرائينُ بالنون. {ٱذْكُرُواْ} حُذِفَت النون منه لأنه أمْر وحُذِفَت الألف لأنها الف وصل وضَمَمْتَها في الابتداء لأنه من يَذْكُرُ {نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي} بتحريك الياء أكثر في كلام العرب اذا لقِيَها الف ولام فإِن أسكنتَها حَذَفتها لالتقاء الساكنين.. "ٱلَّتِي" في موضع نصب نعت لنعمتي {أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} من صلتها {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ} أمرٌ {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} جواب الأمر مجزوم لأن فيه معنى المجازاة وقرأ الزُّهْرِي {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} على التكثير، ويقال: وَفَى بالعهد أيضاً {وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ} وقع الفعل على النون والياء وحذفت الياء لأنه رأس آية، وقرأ ابن أبي اسحاق {فارْهَبُوني} بالياء وكذا فاتّقُوني، "وَإِيَّايَ" منصوب باضمار فعل وكذا الاختيار في الأمر والنهي والنفي والاستفهام.
{ وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ }
{وَآمِنُواْ..} [41]
عطف {بِمَآ} خفض بالباء، {أَنزَلْتُ} صلته والعائد محذوف لطول الاسم أي بما أنزلْتُهُ {مُصَدِّقاً} على الحال {لِّمَا} خفض باللام {مَعَكُمْ} صلة لما {وَلاَ تَكُونُوۤاْ} جزم بلا فلذلك حذفت منه النون {أَوَّلَ} خبر تكونوا، ولم يُنَوّنُه لأنه مضاف ولو لم يكن مضافاً جاز فيه التنوين على أنه اسم ليس بنعتٍ، وجاز الضمّ بغير تنوين على أنه غاية، وجاز ترك التنوين على أنه نعت قال {كَافِرٍ} ولم يقل: كافرين، فيه قولان: زعمِ الاخفش والفراء أنه محمول على المعنى لأن المعنى أول من كَفَر به، وحكى سيبويه: هو أظرفُ الفتيان وأجملهُ لأنه قد كان يقول كأنه يقول: هو أظرفُ فتى وأجملُه، والقول الآخر أنّ التقدير: ولا تكونوا أولَ فريق كافر به، والإِمالة في كافر لغة تميم، وهي حسنة لأنه مخفوض والراء بمنزلة حرفين وليس فيه حرف مانع والحروف الموانع الخاء والغين والقاف والصاد والضاد والطاء والظاء. قال أبو جعفر: وفي "أَوَّلَ" من العربية ما يلطف ونحن نشرحه إنْ شاء الله. "أول" عند سيبويه مما لم يُنْطَقْ منه بفعل وهو على أفْعلَ عينه وفاؤه واو. وانما لم يُنْطَقْ منه بفعل عنده لئلا يعتل من جِهَتَينِ وهذا مذهب البصريين، وقال الكوفيون: هو من وألَ، ويجوز أن يكون من أال فإذا كان من وألَ فالأصل فيه أوْأَلُ ثم خفّفت الهمزة فَقُلت: أول كما تُخَفّفُ همزة خطيئة فتقول: خطيّة وان كان من أال فالأصل فيه: أاولُ ثم أبدَلْتَ من الألف واواً لأنه لا ينصرف.
{ وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
{وَلاَ تَلْبِسُواْ..} [42]
نهيٌ فلذلك حُذِفَتْ منه النون {ٱلْحَقَّ} مفعول {بِٱلْبَاطِلِ} خفض بالباء {وَتَكْتُمُواْ} عطف على "تشتروا" وانْ شئتَ كان جواباً للنهي في موضع نصب على اضمار أنْ عند البصريين، والتقدير لا يكُنْ منكم أنْ تشتروا وتكتموا، والكوفيون يقولون: هو منصوب على الصَّرف، وشرحه أنه صُرِف عن الاداة التي عمِلَت فيما قَبلهُ ولم يُستأنفَ فَيُرفَعَ فلم يبقَ إلاّ النَّصْبُ فَشُبِّهتِ الواو والفاء بِكي فَنَصَبْتَ بها كما قال:
لا تَنْه عن خُلُقٍ وتَأتِي مِثْلَهُ * عارٌ عليك إذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
{وَأَنْتُمْ} مبتدأ {تَعْلَمُونَ} فعل مستقبل في موضع الخبر والجملة في موضع الحال.
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ}
{وَأَقِيمُوا..} [43]
أمرٌ وكذا {وَآتُواْ} {وَٱرْكَعُواْ}.
{ أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }
{أَتَأْمُرُونَ..} [44]
فعل مستقبل {وَتَنْسَوْنَ} عطف عليه {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} مثله.
{وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ}
{وَٱسْتَعِينُواْ..} [45]
أمرٌ {بِٱلصَّبْرِ} خفض بالباء قال أبو جعفر: وقد ذكرنا فيه أقوالاً في الكتاب الذي قبل هذا، وأصحُّها أن يكون الصبر عن المعاصي ويكون {وَٱلصَّلاَةِ} مثل قوله {وَجِبريلَ ومِيكَالَ} [يقال] فلانٌ صابرٌ؛ أي عن المعاصي فإذا صبَّر عن المعاصي فقد صبّرَ على الطاعة وقال جل وعز {إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ولا يقال لمن صَبَرَ على المصيبة: صابر انّما يقال: صابر على كذا فإِذا قلت: صابر مطلقاً فهو على ما ذكرنا {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} اسم "انّ" وخبرها، ويجوز/ 10/ ب في غير القرآن وانه، ويجوز وانهما.

{ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ }
{ٱلَّذِينَ..} [46]
في موضع خفض على النعت للخاشعين {يَظُنُّونَ} فعل مستقبل، وفتحت "أنّ" بالظن واسمها الهاء والميم والخبر {مُّلَٰقُواْ} والأصل ملاقون لأنه بمعنى تلاقون حَذَفت النون تخفيفاً {وَأَنَّهُمْ} عطف على الأول، ويجوز "وانّهم" بِقَطْعِهِ مما قبله.
{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }
{.. يَوْماً..} [48]
منصوب باتقوا، ويجوز في غير القرآن "يَوْمَ لاَّ تَجْزِي" على الاضافة. وفي الكلام حذف بين النحويين فيه اختلاف قال البصريون: التقدير يوماً لا تَجْزِي فيه نفس عن نفس شيئاً، ثم حَذَفَ "فيه" قال الكسائي: هذا خطأ لا يجوز حذف "فيه" ولو جاز هذا لجاز: الذي تَكَلمْتُ زيد، بمعنى تكلمتُ فيه، قال: ولكن التقدير واتقوا يوماً لا تجزيه نفس، ثم حَذَف الهاء، وقال الفراء: يجوز أن تحذِف "فيه" وأن تحذف الهاء، قال أبو جعفر: الذي قاله الكسائي لا يَلزَمُ لأن الظروف يُحذَفُ منها ولا يُحذَفُ من غيرها. تقول: تكلّمتُ في اليوم وكلمت وتكلّمت اليومَ. هذا احتجاج البصريين. فأما الفراء فردّ على الكسائي بأنْ قال: فإِذا قلتُ: كَلّمتُ زيداً وتكلّمتُ في زيد، فالمعنيان مختلفان فلهذا لم يَجز الحذف فَينقلِبَ المعنى والفائدة في الظروف واحدة، وهذه الجملة في موضع نصب عند البصريين على نعت لليومِ، ولهذا وجَبَ أنْ يَعُودَ عليه ضمير، وعند الكوفيين صلة {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} ويجوز "تُقْبَلُ" بالتاء لأنّ الشفاعة مؤنثة وانّما حَسَنُ تذكيرها لأنها بمعنى التّشفّع كما قال:
إنّ السماحَةَ والمُرُوءةَ ضُمّنا * قَبَراً بِمَرْوَ على الطريقِ الواضِحِ
وقال الأخفش: حَسُنَ التذكير لأنك قد فَرقتَ. قال سيبويه: وكُلّما طال الكلام فهو أحْسَنُ وهو في الموات أكثر فرقوا بين الحيوان والموات كما فرقوا بين الادميّينَ وغيرهم في الجمع. {شَفَاعَةٌ} اسم ما لم يُسَمَّ فاعله وكذا {عَدْلٌ} {وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} ابتداء وخبر.
{ وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }
{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم..} [49]
"إِذْ" في موضع نصب عطفاً على {اذكُرُوا نعْمتِي} {مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} قال الكسائي: انّما يُقَالُ: آلُ فلانٍ وآل فلانة، ولا يقال في البُلدان لا يقال: هو من آل حِمصَ ولا من آل المدنية، قال: انّما يُقَالُ في الرئيس الاعظم نحوُ آل مُحمدٍ عليه السلام اهل دينه واتباعه، وآل فرعون لأنه رئيسُهُم في الضلالة، قال: وقد سمعناه في البلدان قالوا: أهل المدينة وآل المدينة، قال أبو الحسن بن كيسان: إذا جَمَعْتَ آلاً قُلتَ: آلونَ فإِنْ جمعتَ آلا الذي هو بمنزلة السراب قلتَ: أوآلٌ مثل مال وأموال. قال أبو جعفر: الأصل في آل أهل ثم أبْدِل من الهاء ألف فإِن صغّرتَ ردَدْتَهُ الى أصله فقلت أُهَيْلٌ. {فِرْعَوْنَ} في موضع خفض إلاّ أنه لا ينصرف لعجمته. قال الأخفش: {يَسُومُونَكُمْ} في موضع رفع على الابتداء، وان شئتَ كان في موضع نصب على الحال أي سائمين لكم. قرأ ابن مُحَيْصنٍ {يَذْبَحُونَ أبناءكم} والتشديد أبلغ لأن فيه معنى التكثير {وَيَسْتَحْيُونَ} عطف {وَفِي ذَلِكُمْ بَلاۤءٌ} رفع بالابتداء {عَظِيمٌ} من نعته.

{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

{وَإِذْ فَرَقْنَا..} [50]
في موضع نصب، وحكى الأخفش {فَرّقنا} {البَحَر} مفعول.

{ وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ }

{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ..} [51]
وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر وشَيْبَةُ {وإذ وَعَدْنَا} بغير ألف وهو اختيار أبي عُبَيْدٍ وأنكر "وَاعَدْنَا" قال: لأن المواعدة انما تكون من البشر، فأما الله جل وعز فإِنما هو المُنْفرِد بالوعد والوعيد. على هذا وجدنا القرآن كقوله: {وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحقّ} وقوله: {وَعَدَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا وعملُوا الصَّالِحَاتِ} وقوله {وإذ يَعِدُكم الله احدَى الطائِفَتَيْنِ أنّها لكُم}. قال أبو جعفر: قد ذكرنا قول أبي اسحاق في الكتاب الذي قِيْلَ هذا. وكلام أبي عُبَيد هذا غلطَ بيّن لأنه أدخل باباً في بابٍ وأنكَرَ ما هو أحْسَنُ وأجود و "وَاعَدْنَا" أحسن وهي قراءة مجاهد والأعرج وابن كثير ونافع والأعمش وحمزة/ 11/ أ والكسائي، وليس قوله سبحانه: {وَعَدَ الله الذين آمَنُوا} من هذا في شيء، لأن "وَاعَدْنَا مُوسَىٰ" انما هو من باب الموافاة وليس هو من الوَعْدِ والوعيدِ في شيء وانما هو من قول: مَوْعِدُكَ يوم الجمعة، وموعدك موضع كذا، والفصيح في هذا ان يقال: واعدتُهُ. {مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} مفعولان. قال الأخفش: التقدير وإذ واعَدنَا موسى تمام أربعين لَيلةً ثم حَذَفَ كما قال: {وسْئَل القريةَ}. {ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ} بالادغام، وانْ شئتَ أظهرتَ لأن الذال مجهورة والتاء مهموسة فالاظهار حَسَنٌ، وانّما جاز الادغام لأن الثاني بمنزلة المنفصل.. "ٱلْعِجْلَ" مفعول أول والمفعول الثاني محذوف.

{ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ثُمَّ عَفَوْنَا..} [52]
"ثُمَّ" تدل على أن الثاني بعد الأول ومع ذلك تراخ، وموضع النون والألف رفع بالفعل.

{ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

{وَإِذْ آتَيْنَا..} [53]
بمعنى أعطينا {مُوسَى ٱلْكِتَابَ} مفعولان {وَٱلْفُرْقَانَ} عطف على الكِتاب. قال الفراء: وقُطْربٌ: يكون "وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ" أي التّوراة، ومحمداً صلى الله عليه وسلم الفرقانَ. قال أبو جعفر: هذا خطأ في الاعراب والمعنى أما الاعراب فإن المعطوف على الشيء مثله وعلى هذا القول يكون المعطوف على الشيء خِلافَهُ، وأما المعنى فقد قال فيه جل وعز: {ولقد آتينا موسى وهارونَ الفرقانَ}. قال أبو اسحاق: يكون الفرقانُ هذا الكتابَ أعِيدَ ذكرُهُ وهذا أيضاً بَعِيدٌ انما يَجيء في الشعر كما قال:
* وألفَى قولَهَا كَذباً ومَيْنَا *
وأحْسنُ ما قيل في هذا قول مجاهدٍ: فرقاناً بينَ الحق والباطل الذي علمه إيّاه.

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ..} [54]
حُذِفَتِ الياء لأن النداء موضع حذف والكسرة تَدلُّ عليها وهي بمنزلة التنوين فَحَذفتَها كما تحذف التنوين من المفرد، ويجوز في غير القرآن إثباتُها ساكنة فتقول: "يا قَومي" لأنها اسم وهي في موضع خفض، وانْ شئت فتحتها، وان شئت ألحقتَ معها هاءاً فقلت: يا قَوميهْ. وإن شئت أبدلتَ منها ألفاً لأنها أخفّ فقلتَ: يَا قَومَا، وإن شئت قلت: يا قَومُ بمعنى يا أيها القومُ وان جعلتهم نكرةً نصبتَ ونونتَ. {إِنَّكُمْ} كسرت انّ لأنها بعد القول فهي مبتدأة {ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} اسْتُغْنِيَ بالجمع القليل عن الكثير والكثير نفوس {بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ} مفعول أي بأن اتخذتم العجل والكاف والميم في موضع خفض بالاضافة وهما في التأويل في موضع رفع. {فَتُوبُوۤاْ} أمرٌ {إِلَىٰ بَارِئِكُمْ} خفض بإِلى، وروِي عن أبي عمرو باسكان الهمزة من {بَارِئكُمْ} وروى عنه سيبويه باختلاسِ الحركةِ. قال أبو جعفر: أما اسكان الهمزة فَزعَمَ أبو العباس أنه لَحْنُ لا يجوز في كلام ولا شعر لأنها حرف الاعراب، وقد أجاز ذلك النحويون القدماء الأئمة وأنشدُوا:
* إذَا اعوَجَجْنَ قُلْتُ صاحِبْ قَوّمِ *
ويجوز {إِلَىٰ بَارِيكُمْ} تبدل من الهمزة ياءاً. {إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} الهاء اسم "انّ" وهو مبتدأ و "ٱلتَّوَّابُ" الخبر والجملة خبر انّ، وإنْ شئت كانت "هو" زائدة، وان شئت كانت توكيداً للهاء "ٱلتَّوَّابُ" خبر "ان" و "ٱلرَّحِيمُ" من نعته.

{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

{وَإِذْ قُلْتُمْ..} [55]
معطوف {يَامُوسَىٰ} نداء مفرد {جَهْرَةً} مصدر في موضع الحال يقال: رأيت الأمير جهاراً أو جَهْرةً. أي غير مستتر بشيء ومنه: فلانٌ يُجاهرُ بالمَعَاصي أي لا يستتر من الناس {فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّاعِقَةُ} رفع بفعلها {وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} في موضع الحال أي ناظرين.


{ ثُمَّ بَعَثْنَٰكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٱكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}
{ثُمَّ بَعَثْنَاكُم..} [56]
موضع النون والألف رفع بالفعل والكاف والميم نصب الفعل.
قال الأخفش سعيد: واحد {ٱلْغَمَامَ} [57] غمامة كسحابةٍ وسَحَاب. قال الفراء: يجوز غمائم {وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ} نصب بوقوع الفعل عليه {وَٱلسَّلْوَىٰ} عطف ولا يَتَبَيّنُ فيه الاعراب لأنه مقصور وَوَجَبَ هذا في المقصور كلّه لأنه لا يخلو من أن يكون في آخره ألف. قال/ 11/ ب الخليل: والألف حرف هوائي لا مستقر له فأشبه الحركة فاستحالت حركته، وقال الفراء: لو حُرِّكَت الألف لصارتْ همزة. قال الأخفش: {ٱلْمَنَّ} جمع لا واحد له مثل الخير والشر و {ٱلسَّلْوَىٰ} لم يسمع له بواحد ولو قيل: على القياس لكان يقال: في واحدة سلوى كما يقال: سُمَانى وشُكَاعى في الواحد والجميع. {كُلُواْ} أمر {مِن طَيّباتٍ} خفض بمن {مَا رَزَقْنَاكُمْ} خفض بالاضافة.
{ وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ }
{وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ..} [58]
حذفت الألف من "قُلْنَا" لسكونها وسكونِ الدالِ بَعْدَهَا والألف التي يُبْتَدَأُ بها قبل الدال ألف وصل لأنها من يدخل، {فَكُلُواْ} عطف عليه، {رَغَداً} نعت لمصدر محذوف أي أكلاً رغداً، ويجوز أنْ يكون في موضع الحال، {وَٱدْخُلُواْ} عطف، {سُجَّداً} نصب على الحال. {وَقُولُواْ} عطف {حِطَّةٌ} على اضمار مبتدأ. قال الأخفش: وقُرِئت {حِطَّة} نصباً على أنها بدل من الفعل. قال أبو جعفر: الحديث عن ابن عباس أنهم قِيلَ لهم: "قولوا لا إله إلا اللهُ" وفي حديث آخر عنه قيل لهم: "قُولُوا مغفرة" تفسير للنصب أي قولوا شيئاً يحطّ عنكم ذنوبكم كما تقول: قُلْ خيراً. وحديث ابن مسعود "قالوا حطةٌ" تفسير على الرفع وهو أولَى في اللغة والأئمة من القراء على الرفع، وانما صار أولَى في اللغة لما حُكِي عن العرب في معنى بدّلَ قال أحمد بن يحيى: يقال: بَدّلتُ الشيء. أي غَيّرتُهُ ولم أزِلْ عَينَهُ وأبدلتُهُ أزلتُ عينَهُ وشَخصَهُ كما قال:
وقال الله جل وعز {قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ}.
{ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ..} [59]
في موضع رفع بالفعل {قَوْلاً} مفعول، {غَيْرَ ٱلَّذِي} نعت له. وقرأ الأعمش {يَفسِقُونَ} بكسر السين يقال: فَسَقَ يَفْسِقُ فهو فاسق عن الشيء إذا خرج عنه، فإذا قلتَ: فاسق ولم تقلّ عن كذا فمعناه خارج عن طاعة الله جل وعز. وفي {نَغْفِرْ لكُم خَطَايَاكُم} كلامٌ يغمض من العربية سنشرحه انْ شاء الله فمن ذلك قولُ الخليل رحمه الله: الأصل في جمع خَطيئَةٍ أنْ تقولَ: خَطَايِيء ثم قُلِبَ فقِيلَ: خَطَاءي بهمزة بعدها ياء ثم تبدل من الياء ألفاً بدلاً لازماً فتقول: خطاءَى وقد كان هذا البدل يجوز في غير هذا القول: عَذَارى إلاّ أنه زعم ههنَا تخفيفاً فَلمّا اجتمعت ألفان بينهما همزة والهمزة من جنس الألف صِرتَ كأنك قد جَمَعْتَ بين ثلاث ألفاتٍ فأبْدَلْتَ من الهمزة ياءاً فقلت: خَطَايَا. وأمّا سيبويه فمذهبه أنّ الأصل خَطَايِئُ مثل الأول ثم وجب عنده أن تَهْمِزَ الياء كما همزتها في مدائن فتقول: خَطَائئُ ولا تجتمع همزتان في كلمة فأبدلت من الثانية ياء فقلت: خَطَاءي ثم عملت كما عملت في الأول. وقال الفراء: خَطَايَا جمع خَطِيّةٍ بلا همز كما تقول: هَدِيّة وهدايا قال: ولو جمعت خَطِيئَة مهموزة لقلت خَطَاءِيءُ. وقال الكسائي: لو جمعتها مهموزة لأدغمتَ الهمزة في الهمزة كما قلت دَوَابّ وقرأ مجاهد {تُغْفَرْ لكُم خَطَايَاكم} فأنّثَ على الجماعة وقرأ الحسن وعاصم الجَحْدَرِي {تُغْفَر لكم خَطِيئَتَكُمْ} والبيّنُ {نَغْفِرْ لكم} لأن بعده {وسَنَزِيدُ} بالنون وخطاياكم اتباعاً للسواد وانّه على بابه.



{ وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ }
{وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ..} [60]
كسرت الذال لالتقاء الساكنين و "إذْ" غير مُعْرَبةٍ لأنها بمنزلة "في" انها اسم لا تَتِمّ إلاّ بما بَعْدَها {فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} "ٱثْنَتَا" في موضع رفع فانفجرت وعلامة الرفع فيها الألف وأعْرِبَت دون نظايرها لأن التثنية معربة أبداً لصحة معناها "عَيْناً" نصبٌ على البيان وقرأ مجاهد وطلحة وعيسى {ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} وهذه لغة بني تميم وهذا من لغتهم نادر لأن سبيلهم التخفيف، ولغة أهل الحجاز {عَشْرَةَ} وسبيلهم التثقيل، {وَلاَ تَعْثَوْاْ} نهي فلذلك حُذِفَت/ 12/ أ منه النون وهو من عَثى يَعْثَى.
{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }
{وَإِذْ قُلْتُمْ..} [61]
عطف {يَامُوسَىٰ} نداء مفرد {لَن نَّصْبِرَ} نصبٌ بلن {عَلَىٰ طَعَامٍ} خفض بعلى {وَاحِدٍ} من نعته {فَٱدْعُ} سؤال بمنزلةِ الأمر، فلذلك حُذِفَتْ منه الواو ولغة بني عامر "فَٱدْعِ لَنَا" بكسر العين لالتقاء الساكنين {يُخْرِجْ لَنَا} جزم لأنه جواب الأمر، وفيه معنى المجازاة {مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ} قال الأخفش: "مِن" زائدة. قال أبو جعفر: هذا خطأ على قول سيبويه لأن "مِنْ" [لا] تزاد عنده في الواجب وانّما دعا الاخفش الى هذا أنه لم يجد مفعولاً ليخرج فأرادَ أن يجعلَ ما مفعولاً. والأولى أنْ يكونَ المفعول محذوفاً دلّ عليه سائر الكلام والتقدير: يخرج لنا مما تُنبِتُ الأرض مأكولاً {مِن بَقْلِهَا} بدل باعادة الحروف {وَقِثَّآئِهَا} عطف. وقرأ طلحةُ ويَحيى بنُ وثّاب {وَقُثَّآئِهَا} بضَمّ القاف وتقول في جمعها: قَثَائيّ مثل علباء وعَلابيّ. إلاّ أنّ قثّاءً من ذوات الهمزة يقال: أقثأتُ القومِ. قال أبو جعفر: سمعت علي بن سليمان يقول لا يصح عندي في {أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ} إلاّ أنْ يكونَ من ذوات الهمز من قولهم: دَنيءٌ بَيّنُ الدَنَاءَة، ثم أبدلت الهمزة. قال أبو جعفر: هذا الذي ذكرنا انما يجوز في الشعر ولا يجوز في الكلام فكيف في كتاب الله جل وعز. قال أبو اسحاق: هو من الدنو أي الذي هو أقرب من قولهم ثَوبٌ مُقارِبٌ أي قليل الثمن. قال أبو جعفر: وأجود من هذَينِ القولينِ أنْ يكونَ المعنى - والله أعلم - أتستبدِلونَ الذي هو أقرب اليكم في الدنيا بالذي هو خير لكم يوم القيامة لأنهم اذا طلبوا غير ما أمِرُوا بقبوله فقد استَبدَلوا الذي هو أقرب اليهم في الدنيا مما هو خير لهم لما لهم فيه من الثواب {ٱهْبِطُواْ مِصْراً} نكرة. هذا أجود الوجوه لأنها في السواد بألفٍ، وقد يجوز أن تُصْرفَ تُجْعَلُ اسماً للبلاد وانما اخترنا الأول لأنه لا يكادُ يقال مثل مصر بلادٌ ولا بَلدٌ وانما يقال لها: بلدة وانما يسْتَعْمَلُ بلاد في مثل بلاد الروم. وقال الكسائي: يجوز أن تصرف مصر وهي معرفة لخفَّتها يريد أنها مثل هند. وهذا خطأ على قول الخليل وسيبويه والفراء، لأنك لو سَمّيْتَ امرأة بزيد لم تصرف، وقال الكسائي: يجوز أن تصرفَ مِصْر وهي معرفة لأن العرب تصرف كل ما لا ينصرف في الكلام الا أفعَلَ مِنكَ. {فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ} "مَّا" نصب بانّ {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ} اسم ما لم يُسَمّ فاعله {وَٱلْمَسْكَنَةُ} عطف وقد ذكرنا الهمز في {ٱلنَّبِيئينَ} في الكتاب الذي قبل هذا {ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ} قال الأخفش: أي بِعصيَانِهِمْ {وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} عطف عليه.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
{إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ..} [62]
اسم "إنَّ" آمنوا صلته {وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ} عطف كلّهُ {مَنْ آمَنَ} مبتدأ وآمن في موضع جزم بالشرط والفاء الجواب، وخبر المبتدأ {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} والجملة خبر إنّ والعائد على الذينَ من الجملة محذوف أي من آمن منهم. وقرأ الحسن البَصرِيّ {وَلاَ خَوْفَ عَلَيْهِمْ} على التبرئة والرفع على الابتداء أجود، ويجوز أن تجعل "لاَ" بمعنى ليس فأما {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} فلا يكون إلاّ بالابتداء لأن "لا" لا تعمل في معرفة.
















 

رضا الجنايني

مزمار كرواني
6 يونيو 2008
2,850
27
0
الجنس
ذكر
رد: أعراب سورة البقرة كاملة :::: رضا الجنايني

اعراب آيات سورة ( البقرة )من الآية (134:63){ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ }
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ..} [63]
قال الأخفش: أي واذكروا {إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم} أي فقلنا خذوا ما آتيناكم. {فلولا فَضْلُ اللهِ} [64] رفع بالابتداء عند سيبويه والخبر محذوف لا يجوز عنده اظهاره لان العرب استغنت عن اظهاره بأنهم اذا أرادوا ذلك جاءوا بأنّ فاذا جاءوا بها لم يحذفوا الخبر، والتقدير فلولا فضلُ اللهِ تَداركَكُم {ورَحمتُهُ} عطف على فضل {لكُنتُم} جواب لولا {مِنَ الخَاسِرِينَ} خبر كنتم.
{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ..} [65]
في موضع نصب ولا يحتاج الى مفعول ثانٍ اذا كانت علمتم بمعنى عرفتم. حكى الاخفش: لقد علمت زيداً ولم اكن 12/ ب أعلمه، {ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ} صلة الذين {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً} خبر كان {خَاسِئِينَ} نعت.
{ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }
{فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً..} [66]
مفعول ثان {لِّمَا بَيْنَ} ظرف {وَمَا خَلْفَهَا} عطف {وَمَوْعِظَةً} عطف على "نَكَالاً" {لِّلْمُتَّقِينَ} خفض باللام.
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ }
{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ..} [67]
كسرت اِنّ لانها بعد القول وحُكِيَ عن أبي عمرو {يَأْمُرُكُمْ} حذف الضمة من الراء لثقلها، قال أبو العباس: لا يجوز هذا لان الراء حرف الاعراب وانما الصحيح عن أبي عمرو أنه كان يختلس الحركة {أَنْ تَذْبَحُواْ} في موضع نصب بيأمركم أي بأن تذبحوا {بَقَرَةً} نصب بتذبحوا {قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} مفعولان، ويجوز تخفيف الهمزة تجعلها بين الواو والهمزة ويجوز حَذْفُ الضَّمَّة من الزاي كما تَحذِفُها من عَضُدٍ فتقولُ {هُزْؤاً} كما قرأ أهل الكوفة، فأما جُزْءٌ فليس مثل هُزْء لانه على فُعْلٍ من الاصل {قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ} ولغة تميم وأسد "عَنْ" في موضع "أَنْ".
{ قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ }
{قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ..} [68]
حُذِفَتِ الواو لانه طلب ولغة بني عامر "ٱدْعِ لَنَا" بكسرِ العين لالتقاء الساكنين {يُبَيِّن لَّنَا} تُدْغَمُ النون في اللام، وانْ شئتَ أَظهرتَ فاذا كانت النون متحركةً كان الاختيار الاظهار نحو {وزَيَّنَ لهُمُ الشَّيطَان} {يُبَيِّن} جزم لانه جواب الامر {مَا هِيَ} ابتداء وخبر، {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ} خبر اِنّ {لاَّ فَارِضٌ} قال الأخفش: لا يجوز نَصْبُ فارضٍ لانه نعت للبقرة كما تقول: مررتُ برجل لا قَائمٍ ولا جالسٍ، ويجوز أنْ يكونَ التقدير ولا هي فارضٌ، ويقال على هذا: مررتُ برجلٍ لا قائمٌ ولا جالسٌ. {وَلاَ بِكْرٌ} عطف على فارض {عَوَانٌ} على اضمار مبتدأ.
{ قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ }
{.. مَا لَوْنُهَا..} [69]
ابتداء وخبره، ويجوز "مَا لَوْنَهَا" على أنْ تكونَ ما زائدةً وتَنْصبُهُ بِيُبَيِّن. {بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ} لم تنصرف صفراء لأنَّ فيها ألفَ التأنيث وهي ملازمة فخالفت الهاء لان ما فيه الهاء ينصرف في النكرة {فَاقِـعٌ} نعت {لَّوْنُهَا} رفع بفاقع.
{ قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ }
{.. إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا..} [70]
ذكر البقر لانه بمعنى الجميع. قال الأصمعي: الباقر جَمْعُ باقرةٍ قال: ويُجمَعُ بقرٌ على باقورة، وقرأ الحسن {إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهُ عَلَيْنَا} جَعَلَهُ فعلاً مستقبلاً وأَنَّثَهُ والأَصلُ تَتَشابهُ ثم ادغمَ التاء في الشين، وقرأ يَحيى بن يَعْمُرَ {إِنَّ ٱلبَاقِرَ يَشَّابَهُ عَلَيْنَا} جَعَله فعلاً مستقبلاَ وذكرَ الباقرَ وأدْغَم، ويجوز اِنّ البقر تَشابَهُ علينا بتخفيف الشين وضم الهاء ولا يجوز يَشَابُه علينا بتخفيف الشين وبالياء، وانما جاز في التاء لان الاصل تتشابه فَحَذَفْتَ لاجتماع التاءين. {وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} خبر اِنَّ و "شَآءَ" في موضع جزم بالشرط وجوابه عند سيبويه الجملة وعند أبي العباس محذوف.
{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ }
{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ..} [71]
قال الاخفش: "لاَّ ذَلُولٌ" ولا يجوز نصبه. قال أبو جعفر: يجوز أن يكون التقدير لا هي ذلول، وقد قرأ أبو عَبدِ الرَّحمن السُلمي {لاَّ ذَلُولَ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ} وهو جائز على اضمار خبر النفي {تُثِيرُ ٱلأَرْضَ} متصل بالاول على هذا المعنى أي لا تثير الارض {وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ} وزعم عَلي ابن سليمان أنه لا يجوز أن يكون تثيرُ مستأنفاً لان بعده "ولا تَسقِى الحرث" فلو كان مُستَأنفاً لما جَمَع بين الواو و "لا" {مُسَلَّمَةٌ} أي هي مسلّمة ويجوز أن يكون "مسلّمة" نعتاً أي انها بقرة مسلمة من العرج وسائر العيوب ولا يقال: مسلمة من العمل لانه لا يصلحُ سالمةٌ مما هو خير لها. {لاَّ شِيَةَ فِيهَا} الاصل وشِيَةٌ حُذِفَتِ الواو كما حذفت من يَشِي والاصل يَوْشِى. {قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ} فيه أربعة أوجهٍ الهمز كما قرأ الكوفيون {قَالُواْ ٱلآنَ} وتخفيف الهمزة مع حذف الواو لالتقاء الساكنين كما قرأ أهل المدينة {قَالُواْ ٱلآنَ} وحكى الاخفش وجهين آخرين: أحدهما اثبات الواو مع تخفيف الهمزة {قَالُواْ لآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ} أثبتَ الواو لان اللام قد تَحَرّكَتْ بحركة الهمزة ونظير هذا {وأَنه أهلَكَ عاداً لُولا} على قراءة أهلِ المدينةِ وأبي عمرو، وقال أبو جعفر: سمعت محمد بن الوليد يقول: سمعت محمد بن يزيد يقول: ما علمتُ أنَّ أبا عمرو بن العلاء لَحَنَ في صَمَيمِ العربيةِ ألاّ في حرفين أحدُهما {عَاداً لُولا} والآخر {يُؤدّهْ اليكَ} وانما صار لَحْناً لانَّهُ أدغم حرفاً في حرف فأسكن الاول والثاني حُكمُه السكون وانّما حركته عارضة فكأنَّه/ 13أ/ جمع بين ساكنين وحكى الاخفش {قَالُواْ ألآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ} فقطع الالف الاولى وهي ألف وصل كما يقال: يا ألله. قال أبو إسحاق: الآنَ مَبنيّ على الفتح وفيها الالف واللام لأن الألف واللام دخلت لغير عهد تقول: كُنت اِلى الآن ههنا فالمعنى الى هذا الوقت فَبُنِيَتْ كما بُنِي هذا وفُتِحَتْ النون لالتقاء الساكنين. {فَذَبَحُوهَا} الهاء والالف نصب بالفعل والاسم الهاء ولا تُحذَفُ الألف لِخفّتها وللفرق بين المذكر والمؤنث {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} فعل مستقبل وأجاز سيبويه: كاد أنْ يفعلَ تَشبِيهاً بعسى.
{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }
{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً.} [72]
"إِذْ" ظرف معطوفة على ما قبلها. {فَٱدَّارَأْتُمْ} الأصل تدارأتم ثم أدغمت التاء في الدال ولم يَجُزْ أنْ تَبتَدِئَ بالمدغمِ لانه ساكن فَزِدتَ ألف الوصل {وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} "مَّا" في موضع نصب بِمُخرج ويجوز حذف التنوين على الاضافة.
فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }
{.. كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ..} [73]
موضع الكاف نَصْبٌ لانها نعت لمصدر محذوف ولا يجوز أنْ تُدْغَم الياء في الياء من "يُحْيِي" لئلا يلتقي ساكنان.
{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ..} [74]
تقول: قسا فاذا زِدتَ التاء حذفت الالف لالتقاء الساكنين {قُلُوبُكُمْ} مرفوعة بقسمت {فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ} والكاف في موضع رفع على خبر هي {أَوْ أَشَدُّ} عطف على الكاف ويجوز أن "أَشَدُّ قَسْوَةً" تعطفه على الحجارة {قَسْوَةً} على البيان. {وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ} "ما" في موضع نصب لانها اسم اِنّ واللام للتوكيد منه على لفظ "ما"، وفي قراءة أَبيّ {مِنْهَا} على المعنى. قال أبو حاتم: يجوز {لَمَا تَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ} ولا يجوز لما تَشَّقّقُ لأنه إِذا قال: تَتَفجَّر أَنّثَهُ بتأنيث الانهار، وهذا لا يكون في تَشَّققُ. قال أبو جعفر: يجوز ما أنكره يحمل على المعنى لان المعنى وإن منها لحجارةً تَشّققُ، وأمّا يَشققُ بالياء فمحمول على لفظ "ما" وأمّا الكسائي فيقول: هو مذكّر على تذكير البعض ومثله عنده: {نَسقِيكم مِمّا في بطونِهِ} أي مما في بطون بعضه. {وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ} في موضع نصب على لغة أهل الحجاز والباء توكيد {عَمَّا تَعْمَلُونَ} أي عن عملكم ولا تحتاج الى عائد اِلاّ أن تَجْعَلها بمعنى الذي فتحذف العائد لطول الاسم أي عن الذي تعملونه.
{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
{أَفَتَطْمَعُونَ..} [75]
فعل مستقبل {أَن} في موضع نصب أي في أن، {يُؤْمِنُواْ} نصب بأن فلذلك حَذفتَ منه النون {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ} قال الخليل: قد للتوقع "فَرِيقٌ" اسم كان والخبر {يَسْمَعُونَ} ويجوز أن يكون الخبر منهم ويكون "يَسْمَعُونَ" نعتاً لفريق وجمع "فَرِيقٌ" في أدنَى العدد: أَفْرِقَة والكثير أفرِقاء. قال سيبويه: واعلم أنَّ ناساً من ربيعة يقولون: "مِّنْهُمْ" أتبعوها الكسرة ولم يكن المسكّن حاجزاً حصيناً عِندَهم.
{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }
قال أبو جعفر: الأصل في {.. لَقُواْ...} [76] لَقِيُوا، وقد ذكرناه في أول السورة والاصل في {خَلاَ} خَلوَ قُلِبَت الواو ألفاً لِتَحرِّكها وانفتاح ما قبلها {لِيُحَآجُّوكُم} نصبٌ بلام كي واِنْ شئتَ باضمار أن وعلامة النصب حذف النون. قال يونس: وناس من العرب يَفتحونَ لام كَي. قال الاخفش: لأنَ الفتح الاصل قال خلف الاحمر: هي لغة بني العنبر.
{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ..} [78]
رفع بالابتداء {لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ} في موضع نصب {إِلاَّ أَمَانِيَّ} نصبٌ لانه استثناء ليس من الاول، ومثله {ما لَهُم بِهِ من عِلْم إلاّ اتّباعَ الظَّنِّ}. وقرأ أبو جعفر {إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ} قال هذا كما يُقال في جَمْع مفتاح : مَفَاتِح. قال أبو جعفر: الحذف في المعتل أكثرُ كما قال:
وهَلْ يُرجَع التَّسلِيمَ أو يَكْشِفُ العَمَا * ثَلاثُ الاثافي والرسُومُ البَلاقِعُ
{وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} ابتداء وخبر.
{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }
{فَوَيْلٌ..} [79]
مبتدأ قال الاخفش: ويجوز نصبُهُ على اضمار فعل أي ألزمُه الله ويلاً.
{ وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }
{وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ..} [80]
رَوَى سيبويه عن بعض أصحاب الخليل قال: الأصل في لَنْ "لا أنْ" وحَكَى هشام عن الكسائي مثلهُ وزعم سيبويه أنّ هذا خطأ وأنّ لن عاملة كأنْ واستدلَّ على ذلك بقول العرب/ 13/ ب: زيداً لن أضربَ. {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ} [مدغماً] وقرأ عاصم {أَتَخَذْتُمْ} بغير ادغام لأن الثاني بمنزلة المنفصل فَحَسُنَ الاظهار.
{ بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
{.. بَلَىٰ..} [81]
بمنزلة نَعَمْ اِلاّ أنها لا تقع اِلا بعدَ النفي، وزعم الكوفيون أنها بَلْ زيدَتْ عليها الياء فَبَلْ يَدلّ على رَدّ الجحد والياء تدلّ على الايجاب لما بعده، قالوا: ولو قال قائل: الم تأخذْ ديناراً فقلتَ نَعَمْ لكانَ المعنى لا لم آخذ لأنك حَقّقت النفي وما بعده واذا قلت: بلى صار المعنى قد أخذت {مَن} في موضع رفع بالابتداء وهي شرط {فَأُوْلَـۤئِكَ} ابتداء ثانٍ {أَصْحَابُ ٱلنَّارِ} خبر الثاني والثاني وخبره خبر الاول.
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ }
{.. لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ..} [83]
قد ذكرناه في الكتاب الذي قبل هذا. {وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} مصدر {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} مبني على فعْل وحكى الاخفش {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنى} على فُعْلى. قال أبو جعفر: وهذا لا يجوز في العربية، لا يقالُ من هذا شيء اِلاّ بالالف واللام نحو الفُضْلى والكُبرى والحُسنَى. هذا قول سيبويه، وقرأ عيسى بن عُمر {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسُناً} بضمتين، وهذا مثل الحُلُم، وقرأ الكوفيون {حَسَناً} أي قولاً حسَناً. قال الاخفش سعيد:
حُسْن وحَسن مثل بُخْل وبَخَل قال محمد بن يزيد: يَقْبُح في العربية أن تقول: مَررتْ بِحَسَن على أن تُقِيمَ الصفة مقام الموصوف لانه لا يُعرفُ ما أردْتَ. {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} منصوب على الاستثناء والمستثنى عند سيبويه منصوب لانه مُشَبّهٌ بالمفعول وقال محمد بن يزيد هو مفعول على الحقيقة المعنَى استَثنَيتُ قلِيلاً {وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ} ابتداء وخبر.
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ }
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ..} [84]
ويجوز ادغام القاف في الكاف لقرب إحداهما من الاخرى {لاَ تَسْفِكُونَ} مثل {لا تَعبُدُونَ} وقرأ طلحة {تَسْفُكُونَ} بضم الفاء {دِمَآءَكُمْ} جمع دم والاصل في دم فَعَل هذا البَيّنُ وقيلَ أصله دَمْيٌ على {فَعْلِ} اِلاّ أَنَّ الميم تُحرَّكُ في التثنية اِذا رُدَّ الى أصله ليدلَّ ذلك على أنها كانت حَرْف الاعراب في الحذف.
{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }
{ثُمَّ أَنْتُمْ..} [85]
فُتِحَت الميم من "ثُمَّ" لالتقاء الساكنين، ولا يجوز ضمُّها ولا كسرها كما جاز في "رُدَّ" لانها لا تَتَصرَّفُ {أَنْتُمْ} في موضع رفع بالابتداء ولا يُعْرَبُ المضمر وضَمَمْتَ التاء من أنتم لانها كانت مفتوحة اِذا خاطبتَ واحداً مُذكراً ومكسورةً اِذا خاطبتَ واحدةً مؤنّثةً فَلما ثَنّيْتَ وجَمعتَ لم تبقَ اِلاّ الضمّةُ {هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} قال القتبِي: التقدير يا هؤلاء. قال أبو جعفر: هذا خطأ على قول سيبويه لا يجوز عنده: هذا أقْبِلْ، وقال أبو اسحاق "هَـٰؤُلاۤء" بمعنى الذين وتقتلُونَ داخل في الصلة أي ثم أنتم الذين تقتلون وسمعتُ عليّ بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد يقول: أخْطأ من قال: اِنّ "هذا" بمعنى "الذي" واِنْ كانَ قد أنشدَ:
عَدَسْ ما لعبّادٍ عَليكِ امارَةٌ * نَجَوْتِ وهذا تَحْمِلينَ طلِيقُ
قال: فإِنَّ هذا بُطلان المعاني قال أبو الحسن: هذا على بابه و "طلِيقُ" و "تَحملينَ" خبر أيضاً، قال أبو جعفر: يجوز أنْ يكونَ التقدير والله أعلم أعني هؤلاء و "تَقْتُلُونَ" خبر أنتم "أَنْفُسَكُمْ" مفعولهُ، ولا يجيزُ الخليل وسيبويه أن يتصل المفعول في مثل هذا لا يجيزان: ضَرَبَتُنِي ولا ضَرَبَتَك. قال سيبويه: استَغنوا عنه بِضَربتُ نَفْسي وضَربتَ نفسَكَ، وقال أبو العباس: لم يجز هذا لئلا يكون المخاطَبُ فاعلاً مفعولاً في حال واحدة. {تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ} هذه قراءة أهل المدينة وأهل مكة تُدغِمُ التاء في الظاء لقربها منها، وقرأ الكوفيون {تَظَاهَرُونَ} حذفوا التاء الثانية لدلالة الأولى عليها، وقرأ قتادة {تظّهّرونَ} قال أبو جعفر: وهذا بعيد وليس هو مثل قوله {يَظَّهَّرونَ منكم من نسائهم} لأن معنى هذا أن يقول لها: أنت عَليّ كظَهرِ أمِّي، فالفعل في هذا من واحد، وقوله/ 14أ/ تَظّاهرونَ الفعل فيه لا يكون إلاّ من اثنين أو أكثر. {وَإِن يَأتُوكُمْ} شرط فلذلك حُذفَتْ مِنهُ النون {تُفَادُوهُمْ} جوابه {أُسَارَىٰ} على فَعْلَى هو الباب كما تقول: قَتِيل وقَتْلى وجَرِيح وجَرْحَى ومن قال: {أُسَارَىٰ} شبه بسكرانَ وسُكَارَى فكل واحد منهما مُشَبّهٌ بصاحبه قال سيبويه: وإِنما قالوا: سَكْران وسكْرى لأنها آفة تدخل على العقل. قال أبو حاتم: ولا يجوز أسَارى. قال أبو اسحاق: كما يقال: سَكارى وفَعَالى هو الأصل وفُعَالَى داخلة عليها، وحُكي عن محمد بن يزيد أنه قال يقال: أسير وأسراء كظريف وظُرَفاء {أسْرى} في موضع نصب على الحال. {وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} وإِنْ شئتَ أسكنتَ الهاء لثقل الضمة كما قال:
فَهو لا يَنْمي رَميَّتهُ * ما له لا عُدَّ من نَفَرِه
وإنْ شئتَ أسكنتَ الهاء لثقل الضمة وكذلك إنْ جِئتَ بالفاء واللام "وَهُوَ" في موضع رفع بالابتداء. وهو كناية عن الحديث، والجملة التي بعده خبر، وإِنْ شئتَ كان "هو" كناية عن الاخراج واخراجهم بدل من هو، وزعم الفراء انَّ "هُوَ" عماد وهذا عند البصريين خطأ لا معنى له لأن العماد لا يكون في أول الكلام. {فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا} ابتداء وخبر. وقرأ الحسن {وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ}.
{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }
{أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ..} [86] ابتداء وخبر.
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ..} [87]
مفعولان {وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ} قال هارون: لغة أهل الحجاز الرُّسُل بضمتين مضافاً كان أو غير مضافٍ ولغة تميم التخفيف مضافاً أو غير مضافٍ وأخذ أبو عمرو من اللغتين جميعاً فكان يُخَفّفُ إذا أضافَ الى حرفين ويُثَقّل إذا أضافَ الى حرف أو لم يضِف. وقرأ ابن مُحَيْصنٍ {وآايْدناه}، وقرأ مجاهد وابن كثير {بِرُوحِ ٱلْقُدْسِ}. {أَفَكُلَّمَا} ظرف {بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ} حذفت الهاء لطول الاسم أي تهواه {فَفَرِيقاً} منصوب بِكذّبتُمْ {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}.
{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ..} [88]
ابتداء وخبر مُشْتَقّ من قولهم اغلفُ أي على قلوبنا غطاء، ومثله {وقالوا قلوبنا في أكنةٍ}، وكذا {وقال الّذينَ كَفَروا لا تَسْمَعُوا لِهذا القُرآن والغَوا فيه} ومثله {واستَغْشَوا ثيابَهُمْ} وجوز أنْ يكونَ غلفٌ جمع غلاف وحُذِفَت الضمة لثقلها فأما غلفٌ فهو جمع غلاف لا غير أي قلوبنا أوعية للعلم وقِيلَ: أي قلوبنا لا تُجْلى بشيءٍ كالغُلْف.
{ وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }
{وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ..} [89]
نعت لكتاب، ويجوز في غير القرآن نصبُهُ على الحال، وفي قراءة عبد الله منصوب في {آل عمران} قال الأخفش سعيد: جواب لمّا محذوف لعلم السامع كما قال: {فإذا جاءَ وعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُئُوا وجُوهكُم} أي فإِذا جاء وعدُ الآخرة خلّيناكم واياهم بذنوبكُم ولم نحُلْ بينكم وبينهم، ومثله {وإذا قِيلَ لهُمْ اتّقُوا ما بينَ أيديكُمْ وما خَلْفَكُم} أي وإذا قِيلَ لهم هذا أعرَضُوا ودلّ عليه {فإِذا هُم معرضُونَ}، وقال الفراء: {فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ} كأن الفاء جواب لِلمّا الأولى والثانية ولم تَحْتَجْ الأولى الى جواب.
قال سيبويه: وقال جل وعز:
{بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ..}
{ بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }
{بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ..} [90]
كأنه قال: بئس الشيء اشتروا به أنفسهم ثم قال: "أنْ" على التفسير كأنه قِيلَ له: ما هو؟ كما يقول العرب: بِئسَما له. يُريدونَ: بئس الشيءُ له، وقال الكسائي: ما واشْتَروا اسمٌ واحدٌ في موضع رفع وقال الأخفش: هو مثل قولك: بئسَ رجلاً زيدٌ. والتقدير عنده بئس شيئاً اشتروا به أنفسهم، ومثلُهُ {إنْ تُبدوا الصَّدقاتِ فِنِعمَّا هِيَ} ومثله {إنَّ الله نِعِمّا يَعِظُكُم بِه}، وقال الفراء: يجوز أن تكون "ما" مع بئس بمنزلة كلّما. قال أبو جعفر: أبْينُ هذه الأقوال قولُ الأخفش ونظيره ما حُكِي عن العرب: بِئسَما تَزويجٌ ولا مَهْرٌ ودقَقْتُهُ دقّاً نِعِمّا. وقول سيبويه حسنٌ يجعل "ما" وحدها اسماً لابهَامِهَا وسبيل بئس ونعم أن لا تَدخَلا على معرفة 14/ ب إلاّ للجنس، فأما قول الكسائي فمردود من هذه الجهة، وقول الفراء: تكون "ما" مع بئس مثل كلّما لا يجوز لأنه يبقى الفعل بلا فاعل وإنما تكون "ما" كافّةً في الحروف نحو إِنَّما وربَّما. قال الكسائي والفراء: أنْ يكفروا إنْ شئتَ كانت "أنْ" في موضع خفض ردّاً على الهاء في بِه قال الفراء: أي اشتَروا أنفسَهُم بأنْ يكفروا بما أنزل الله. قال أبو جعفر: يقال: بَئِسَ ونَعِمَ هذا الاصل ويقال: بِئِسَ ونِعِم على الاتباع ويقال: بِئْسَ ونِعْم تَقْلِبُ حركةَ الهمزةِ على الباء. {بَغْياً} مفعول من أجلِهِ وهو على الحقيقة مصدر {أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ} في موضع نصب والمعنى لأنْ ينزل الله الفضل على نبِيّهِ.
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }
{وَرَآءَهُ..} [91]
ظرف {وَهُوَ ٱلْحَقُّ} ابتداء وخبر. {مُصَدِّقاً} حال مُؤكّدةٌ عِندَ سيبويه. {لِّمَا مَعَهُمْ} "ما" في موضع خفض باللام ومَعَهُم صلتها ومَعَهُم منصوب بالاستقرار ومن أسكَنَ جعله حرفاً. {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ} الأصل فلِمَا و "ما" في موضع خفض باللام وحُذِفَت الألف فرقاً بين الاستفهام والخبر ولا يَنبغي أنْ يوقفَ عليه لأنّه إِنْ وقفَ عليه بلا هاء كانَ لحناً فإِنْ وقف عليه بالهاء زيدَ في الشواذ.
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }
{.. وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ..} [93]
ضَمَمْتَ الميم لالتقاء الساكنين لأن أصلها الضم، وإِنْ شئتَ كَسرتَ على أصل التقاء الساكنين. وهو مثل {وسئَلِ القَريةَ} والمعنى وسُقُوا في قُلوبِهِم حُبَّ العِجْل.
{ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
{قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ..} [94]
شرط {ٱلدَّارُ}. اسم كانت {ٱلآخِرَةُ} من نعتها {خَالِصَةً} خبر كانت وإِن شئتَ كان حالاً وتكون {عِندَ ٱللَّهِ} في موضع الخبر. وقرأ ابن أبي اسحاق {فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ} كَسَرَ الواو لالتقاء الساكنين. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا في قوله: {اشتَروا الضلالةَ}.
{ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ }
{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ..} [95]
نصب بلن فلذلك حذفت منه النون {أَبَداً} ظرف زمان من طول العمر الى الموت {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} إِنْ جَعلَت "ما" بمعنى الذي فالتقدير قَدّمْتُه وإنْ جَعَلَتها مصدراً لم تَحتَج الى عائدٍ و {أَيْدِيهِمْ} في موضع رفع حُذِفَت الضمة من الياء لِثِقلَها مع الكسرة، وأجاز سيبويه ضمَّها وكَسرها في الشعر وأنشدَ:
لا باركَ الله في الغَوانِيِّ هَلْ * يُصْبِحْنَ إلا لهُنّ مُطَّلبُ
فإِن كانت في موضع نصب حرّكْتَهَا لأن النصبَ خفيف، ويجوز إسكَانُها في الشعر {وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ} ابتداء وخبر.
{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ..} [96]
مفعولان {وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ} على حذفٍ أي وأحرص ليعطف اسماً على اسم ويجوز في العربية {وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ}، بمعنى من الذين أشركوا قوم يودّ أحدهم إلا أنّ المعنى في الآية لا يحتمل هذا وإِن كان جائزاً في العربية والأصل في يودّ: يَوْدَدُ. أدغِمَتْ لئلا يُجْمَع بينَ حرفينِ من جنس واحدٍ مُتَحرّكَينِ وقُلِبتْ حركة الدال على الواو لِيدُلَّ ذلك على أنه يَفْعَل، وحكَى الكسائي: ودَدْتُ بِفَتحِها فيجوزُ على هذا "يَوِدُّ" بكسر الواو. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ} في الكتاب الذي قبل هذا. {وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} أي بما يعملُ هؤلاء الذين يودّ أحدهم لو يُعَمَّر ألفَ سنةٍ ومن قرأ {بِمَا تَعْمَلُونَ} فالتقدير عنده قل لهم يا محمد: الله بصير بما تعملونَ.
{ قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }
{قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ..} [97]
فيه خمسُ لغات للعرب: لغةُ أهلِ الحجازِ: جِبرِيل ولغة تميم وقيس {جَبْرئيل} كما قرأ الكوفيون. ولغة بني أسد "جِبْرين" بالنون، وقرأ الحسن وعبد الله بن كثير {لِجَبْرِيلَ} بفتح الجيم بغير همز. قال أبو جعفر: لا يُعْرفُ في كلام العرب فَعْليل بفتح الفاء وفيه فِعْليل نَحو دِهْليز وقِطْمِير وبِرْطِل وليس يُنْكَر أنْ يأتي في كلام العَجَم ما ليس له نَظيرٌ في كلام العرب ولا يُنكر أن يكثر تغييره كما قالوا: إبراهيم وابراهم وابراهَم وابراهَام. واللغة الخامسة "جَبْرئِلِ" ومَن تأول الحديث "جَبْرٌ عَبْدٌ والِ الله" وجبَ عليه أنْ يقولَ: هذا جَبْرُ إل ورأيت جَبْرَالٍ، ومَررتُ بِجُبرإلٍ. وهذا لا/ 15أ/ يُقَالُ فَوجبَ أن يكون معنى الحديثِ أنه مُسمَّى بهذا، والجمع في اللغات الأربع على التكسير جَبَارِيل.
{ مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ }
وفي {مِيْكائِيل..} [98] أربع لغات: فلُغةُ أهل الحجاز {مِيكَالَ} وبها قرأ أبو عمرو وحَادَ عنها نافع لأنه كان يكْرهُ مخالفةَ الخطّ كراهةً شَديدةً فلما رآه في السوادِ بياء ولام بعد الكاف قرأه {ومِيكايل} وذهب الى أنّ الألف حُذِفَتْ كما تُحْذَفُ من الأسماء الاعجمية نحوُ ابرَهيم إسمَعيل فهذه حُجّةٌ بَيّنَةٌ وحجةُ أبي عمرو أنّ حُروفَ المدّ والّلين يَقْلبُ بَعضُها الى بعض كثيراً كما كتبوا ابن أبي طالب بالواو فأبدَلوا من الياء واواً ولا يُقال: إلا ابن أبي طالب ويُقالُ: مِيكائل ويُقال: ميكاأل كما يقال: إسرَأَل بهمزة مفتوحة وهما اسمان أعجميّانِ فلذلك لم ينصرفا.
{ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ }
{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ..} [99]
"آيَاتٍ" في موضع نصب وكُسرت التاء عند البصريين ليَسْتوي النصب والخفض في المؤنث لأنه جمع مُسلَّم كما استَوى في المذكَّر، وقول الكوفيين لأن التاء غير أصلية والأصلُ في آية آيّةٌ ولا يُنْطَقُ منها بفعلٍ لِئلاّ تجتمع عِلّتانِ {وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ} مرفوعون بفعلهم. والتقدير وما يكفر بها أحدٌ إلاّ الفاسقون لأنه لا بدّ قبل الايجاب من النفي.
{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }
{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً..} [100]
قال الأخفش: الواو زائدة دخلَتْ عليها ألف الاستفهام، ومذهب الكسائي أنها "او" حركت الواو منها {كُلَّمَا} ظرف {عَهْداً}. مصدر {بَلْ أَكْثَرُهُمْ} ابتداء {لاَ يُؤْمِنُونَ} فعل مستقبل في موضع الخبر.
{ وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }
{وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ..} [101]
مرفوع بفعله {مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ} نعت، ويجوز على الحال. {نَبَذَ فَرِيقٌ} جواب لمّا {مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ} خبر ما لم يُسَمّ فاعله {كِتَابَ ٱللَّهِ} منصوب بنبذ {وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ} ظرف {كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} فعل مستقبل في موضع خبر كأن.
{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }
{وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ..} [102]
هذه آية مُشكِلة وقد تقصينا ما فيها من المعاني في الكتاب الذي قبل هذا. موضع "ما" نصب باتّبَعُوا وتتلو داخل في الصلة وحذفت منه الهاء لطول الاسم والاصل تتلوه الشياطين. "وسُلَيْمَانَ" صلى الله عليه وسلم لا ينصرف لأنه معرفة وفي آخره زائدتان فأشبه سكران {وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ} نصب بلكنّ وان خَفّفتَ لكن رفعتَ ما بعدها بالابتداء. {يُعَلِّمُونَ} في موضع نصب على الحال، ويجوز أن يكون في موضع رفع على أنه خبر ثان {ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ} مفعولان، {بِبَابِلَ} لا ينصرف لأنه أعجمي معرفة. {هَارُوتَ وَمَارُوتَ} مثله والجمع هَواريت مثل طواغِيت، ويقال: هوارتةٌ وهوارٍ ومَوارتَةٌ ومَوارٍ فاعلم ومثله جالوت وطالوت {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} مِنْ زائدة للتوكيد والتقدير وما يعلِمان أحداً {حَتَّىٰ يَقُولاَ} نصبٌ بحتّى فلذلك حُذِفَت منه النون ولغة هَذيلٍ وثَقيفٍ عَتَّى. {فَلاَ تَكْفُرْ} جزم بالنهي {فَيَتَعَلَّمُونَ} أحسنُ ما قِيلَ فيه انه مستأَنَفٌ، وقول الفراء: أنه نَسقٌ على "يُعَلِّمونَ" غلط لأنه لو كان كذا لوَجَبَ أن يكونَ فيتعلمون منهم، فقوله منهما يمنع أنْ يكون التقدير ولكن الشياطين كفروا يعلّمون الناس السحر فيتعلَّمون إلاّ على قول من قال: الشياطين هاروت وماروت، وللفراء قول آخر قال: يكون محمولاً على المعنى لأن معنى فلا تكفرْ فلا تتعلّم السحر أي فيأتونَ فَيَتَعلّمونَ، وقيل: التقدير يُعلّمانِ الناس فَيَتعلّمونَ. {مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ} في موضع نصب بِيُفرّقُونَ {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ} "مِنْ" زائدة وقول أبي اسحاق {إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ} إلاّ بعلم الله غلط لأنه انما يقال في العلم: إذن وقد أذنتُ به إذناً ولكن لمّا لم يُحَل فيما بينهم وبينَهُ وخُلّوا يفعلونَهُ كان كأنّه إباحةٌ مجازاً. {وَلَقَدْ عَلِمُواْ} لام توكيد {لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ} لام يمين وهي للتوكيد أيضاً 15/ ب وموضع "مَنْ" رفع بالابتداء، لأنه لا يعمل ما قبل اللام فيما بعدها ومن بمعنى الذي. قال الفراء: هي للجازاة. قال أبو اسحاق: ليس هذا موضع شرط ومَنْ بمعنى الذي كما تقول: لقد علمتُ لمن جاءَكَ ما له عقل {مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} "مِنْ" زائدة، والتقدير ما له في الآخرة خلاقُ. ولا تزادُ مِنْ في الواجب.
{ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }
{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ..} [103]
موضع أنّ موضع رفع أي لو وقَع إيمانُهم و {لَوْ} لا يليها إلا الفعل ظاهراً أو مضمراً لأنها بمنزلة حروف الشرط إذْ كانت لا بد لها من جوابِ وأن يليَها الفعل. قال محمد بن يزيد: وانما لم يُجَازَ بها لأن سبيل حروفِ المجازاة كلّها أنْ تقلِبَ الماضي الى معنى المستقبل فلَمّا لم يكن هذا في "لو" لم يجز أن يُجازَى بها. قال الأخفش سعيد: ليس للوهُنَا جواب في اللفظ ولكن في المعنى والمعنى لأُثِيبُوا.
{ يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
{يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا..} [104]
أمرٌ فلِذَلِكَ حُذِفَتْ منه الياء، وأحسنُ ما قِيلَ فيه قولُ مجاهد. قَالَ: لا تقولوا اسمَعْ منّا ونَسمَعُ منك ولكنْ قولوا فَهِمنا، {ٱنْظُرْنَا} بَيّنْ لنا، أمرٌ وأنْ يخاطبوه صلى الله عليه وسلم بالاجلال. وهذا حسنٌ أي لا تقولوا كافينا في المقال كما قال: {لا تَجْعَلوا دُعاءَ الرسولِ بَينكم كدُعاءِ بَعْضِكم بَعْضاً" وقرأ الحسن {رَاعِناً} منوناً نصبه على أنه مصدر أو نصبه بالقول أي لا تقولوا رعُونَةً. قال أبو جعفر: يقال لِمَا نَتأمن الجبل رَعْنٌ والجبل أرعنُ وجيشٌ أرعن أي مُتفرّقٌ ورجل أرعن أي متفرق الحجج ليس عقلهُ مجتمعاً.
{ مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }
{مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ..} [105]
معطوف على أهلِ ويجوز في النحو "وَلاَ ٱلْمُشْرِكونَ" يعطفه على الذين {أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ} "من" زائدة، والتقدير أن يُنَزَّلَ عليكُمْ خَيرٌ اسم ما لم يُسَمّ فاعله.
{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ..} [106]
شرط والجواب {نَأْتِ} وقوله {أَوْ نُنسِهَا} عطف على ننسخ وحذفت الياء للجزم، ومن قرأ {أَوْ نَنسَأها} حذف الضمة من الهمزة للجزم. {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ} جزم بلم وحرف الاستفهام لا يغيّرُ عَمَلَ العامِلِ. وفُتِحَتْ أنّ لأنها في موضع اسم.
{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ..} [107]
ملك رفع الابتداء و {لَهُ} الخبر والجملة خبر أنّ ومُلكٌ مشتقٌ من مَلَكت العجِينَ أي أحكمتُ عَجْنَهُ {وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} ويجوز رفع نصير عطفاً على الموضع لأن المعنى وما لكم من دون الله وليٌّ ولا نصيرٌ.
{ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ }
{أَمْ تُرِيدُونَ..} [108]
أي أبَلْ وحكى سيبويه إنّها لإِبلٌ أم شاءٌ. {أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ} في موضع نصب بِتُريدونَ. {كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ} الكاف في موضع نصب نعت لمصدر أي سؤالاً كما سُئِلَ موسى وإنْ خفّفتَ الهمزة وجعلتها بين الهمزة والياء فَقُلتَ: سُئِلَ، وقرأ الحسن {سِيْلَ} وهذا على لغة من قال: سِلْتُ اسالُ ويجوز أن يكون على بدل الهمزة إلاّ أنّ بدل الهمزة بعيد {مُوسَىٰ} اسم ما لم يُسَمّ فاعله لم يتبين فيه الاعراب لأنه مقصور ولم يُنوّنْ لأنه لا ينصرف لعجمته. {وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ} جزم بالشرط وكُسِرَتِ اللام لالتقاء الساكنين واختِيرَ الكسر لأنه أخو الجزم، وقيلَ: لأن الضّم والفتح يكونان بغير تنوين اعراباً. وجواب الشرط {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ}.
{ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
{وَدَّ كَثِيرٌ..} [109]
رفع بودّ {مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ} خفض بمن {لَوْ يَرُدُّونَكُم} فعل مستقبل {كُفَّاراً} مفعول ثان وإِنْ شئتَ كان حالاً {حَسَداً} مصدر وقال الفراء: هو كالمُفَسّر {فَٱعْفُواْ} أمرٌ والأصل فاعفُوا حُذِفَتِ الضمة لثقلها ثم حُذِفَتِ الواو لالتقاء الساكنينِ.
{ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
{وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ..} [111]
أجاز الفراء أن يكونَ هوداً بمعنى يهودي وحذف منه الزائدة وأنْ يكونَ جمعَ هائدٍ، والقول الثاني مذهب البصريين. قالَ الأخفش سعيد: {إِلاَّ مَن كَانَ} جعل كان واحداً على لفظ "من" ثم قال: هوداً فجمَعَ لأنّ معنى مَنْ جَمعٌ. {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} ابتداء وخبر ويجوز تلك أمانِيهمْ. {قُلْ هَاتُواْ} والأصل هاتِيوُا حُذِفَتِ الضمة لِثِقَلِها ثم 16/ أ حذفت الياء لالتقاء الساكنين يُقالُ في الواحد المذكر: هاتِ يا هذا، مثل رَامِ وفي المؤنث هاتِي، مثل رَامِي {إِن كُنْتُمْ} شرط أي إنْ كنتم صادقين فبيّنوا ما قلتم ببرهان.
{ بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
{بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ..} [112]
على لفظ مَنْ ثم قال: فلهم على المعنى.
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
{وَمَنْ أَظْلَمُ..} [114]
ابتداء وخبر أي وأي أحدٍ أظلَمُ {مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ} أنْ في موضع نصبٍ على البدل من مساجِد، ويجوز أنْ يكونَ التقدير من أنْ يُذكَر وحروف الخفضُ تُحذَفُ مع أنْ لطولِ الكلامِ، وقيل: لأنّ المعنىَ في الفِعلِ بَعدَها يَتَبَيَّنُ، {وَسَعَىٰ} معطوف على منع {أُوْلَـٰئِكَ} مبتدأ والجملة خبر {خَآئِفِينَ} حال {لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ} رفع بابتداء وإِنْ شئتَ على معنى وجَب وكذا {وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ} [115] {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ} شرط فلذلك حُذِفَت النون و "أين" العاملة و "ما" زائدة وقرأ الحسن {فَأَيْنَمَا تَوَلَّواْ} بفتح التاء واللام والأصل تَتولَّونَ {فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ} "ثَمَّ" في موضع نصب على الظرف ومعناها البُعْدُ إلاَ أنّها مبنيّة على الفتح غير مُعربةٍ لأنها مُبهَمَةٌ تكون بمنزلة هُنَاك لِلبُعدِ فإنْ أردتَ القربَ قلتَ هنا.
{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }
{.. سُبْحَانَهُ..} [116]
مصدر {بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ} "ما" في موضع رفع بالابتداء، وإنْ شئتَ بالاستقرار {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} ابتداء وخبر، والتقدير كلّهم ثم حُذِفت الهاء والميم.
{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
{بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ..} [117]
خبر ابتداء محذوف. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا رفع {فَيَكُونُ}. {مِّثْلَ قَوْلِهِمْ..} [118] مفعول وإِنْ شئت كان نعتاً لمصدر محذوف.

{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ }
{بَشِيراً..} [119]
نصبٌ على الحال {وَنَذِيراً} عطف عليه. قال الأخفش سعيد: ويجوز {وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ} بفتح التاء وضم اللام ويكون في موضع الحال تعطفه على بشيراً ونذيراً.
{ وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }
{وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ..} [120]
المصدر رضوانٌ ورُضْوان ومَرْضَاة ورضَى ورُضى، وهو من ذواتِ الواو، ويقال: في التثنية: رضوانَ، وحكى الكسائي: رِضيَان وحكى رضاءاً ممدوداً وكأنه مصدر رَاضَى {حَتَّىٰ تَتَّبِعَ} نَصِبٌ بحتّى وحتى بدل من أنْ {وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ} جمع هَوى كما تقول: جَمَلٌ وأجْمالٌ.
{ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ * يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }
{ٱلَّذِينَ..} [121]
رفع بالابتداء {آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ} صلتُه {يَتْلُونَهُ} خبر الابتداء وإِنْ شئتَ كان الخبر {أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}.
وقرأ الحسن {نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [122] بإِسكان الياء ثم حذفها في الوصل لالتقاء الساكنين {وَأَنِّي} في موضع نصب عطف على "نِعْمَتِيَ".

{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }
قرأ عبدالله وأبو رجاء والأعمش {قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ} [124] قال الفراء: لأنّ ما نالك فقد نلتَهُ كما تقول: نلتُ خيراً ونالني خيرٌ، وحُكي عن محمد بن يزيد أنه قال: المعنى يوجبُ نصبَ الظالمين. قال الله جل وعز لابراهيم صلى الله عليه وسلم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} فعهد إليه بهذا فسأل ابراهيم فقال: {وَمِن ذُرِّيَّتِي} فقال جل وعز: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ} لا أجعل إماماً ظالماً، ورُوِي عن ابن عباس أنه قال: سأل ابراهيم أنْ يُجْعَلَ من ذريتِهِ إمامٌ فعلم الله عز وجل أنّ في ذريته مَنْ يعصي فقال: "لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ".
{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }
{وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً..} [125]
مفعولان والأصل مَثْوبةٌ قلبت حركة الواو على الثاء فانقلبت الواو ألفاً اتباعاً لثاب يثوب. قال الأخفش: الهاء في "مَثَابَةً" للمبالغة لكثرة من يثوب إليه. {وَأَمْناً} يعطفه على مثابة {وَٱتَّخِذُواْ} معطوف على جَعَلنا. قال الأخفش: أي واذكروا إذ اتّخَذُوا معطوف على "اذكروا نِعمتِي"، ومن قرأ {وَٱتَّخِذُواْ} قطعه من الأول وجعله امراً وعطف جملةً على جملةٍ. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا أنه قِيلَ: الأولى أنْ يكون "مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ" 16/ ب الذي يصلي إليه الأئمة الساعة وإِذا كان كذا كان الأولى {وَٱتَّخِذُواْ} لحديث حُمَيْد عن أنس: قال أبو جعفر: وذلك الحديث لم يَرْوِهِ عن أنس إلاّ حُمَيْد إلاّ من جهةٍ فَضَعُف وليس يَبعدُ "وَٱتَّخِذُواْ" على الاختيار ثم يكون قد عمل به على أن حَمّاد بن سلمة قد روى عن هشام بن عروة عن أبيهِ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما صدراً من خلافته كانوا يصلون بازاء البيت ثم صلى عمر الى المقام. قال أبو جعفر: "مَّقَامٌ" من قام يقوم يكون مصدراً واسماً للموضع ومُقَام من أقام وتدخلهما الهاء للمبالغة {وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} في موضع خفض ولم ينصرفا لأنهما اعجميان وما لا ينصرف في موضع الخفض منصوب لأنه مُشبّهٌ بالفعل والفعل لا يخفض هذا قول البصريين، وقال الفراء: كان يجب أنْ يُخفَض بلا تنوين إلاّ أنهم كرهوا أن يُشبِه المضاف في لغة من قال: مررت بغلام يا هذا: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ} يجوز أن تكونَ أنْ في موضع نصب والتقدير بأنْ، ويجوز أن لا يكون لها موضع تكون تفسيراً لقول سيبويه تكون بمعنى أي، ويقول الكوفيون: تكون بمعنى القول {لِلطَّائِفِينَ} خفض باللام {وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ} عطف {ٱلسُّجُودِ} نعت.
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }
{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ..} [127]، [128]
الواحدة قاعدة، والواحدة من قوله {القَواعد من النّساءِ}، قاعدٌ {وَإِسْمَاعِيلُ} عَطْفٌ على ابراهيم {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ} قال الاخفش: الذي قال: "رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ" اسماعيل، وغيره يقول: هما جميعاً قالا. قال الفراء: وفي قراءة عبد الله {ويقولان ربّنا تقبّل منّا وأرنا مَنَاسِكنَا} ويبعُدُ {وأَرْنَا} بإسكان الراء لأن الأصل: أرِيْنا، حُذِفَت الياء لأنه أمر وألقِيَتْ حركة الهمزة على الراء وحُذِفِت الهمزة فانْ حذفتِ الكسرة كان ذلك اِجحافاً، وليس هذا مثل فَخِذٍ لأن الكسرة في أرِنَا تدلّ على الهمزة وليست الكسرة في فَخِذِ دالةً على شيء ولكن يجوز حذفها على بُعْد لأنها مُستثقَلةٌ كما أنّ الكسرة في فَخِذ مستثقلة. قال الاخفش: واحدُ المناسكَ مَنْسِك مثل مَسْجِد ويقال: مَنْسَك. قال أبو جعفر: يُقالُ: نَسَكَ يَنْسُكُ فكان يجب على هذا أنْ يقال: مَنْسُك اِلا أنه ليس في كلام العرب مَفْعُل.
{ رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ }
{رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ..} [129]
يتلو في موضع نصب لأنه نعت لرسول أي رسولاً تالياً، ويجوز في غير القرآن جزمُهُ يكون جواباً للمسألة {وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} عطف عليه.
{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ }
{وَمَن..} [130]
ابتداء وهو اسم تامٌ في الاستفهام والمُجازاةِ {يَرْغَبُ} فعلٌ مستقبَلٌ في موضع الخبر وهو تقرير وتوبيخ وقعَ فيه معنى النفي أي ما يرغب {عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} وقول الفراء: أنّ {نَفْسَهُ} مثل: ضقتُ بِهِ ذرعاً محال عند البصريين لأنه جَعَل المعرفة منصوبةً على التمييز. قال سيبويه: وذَكَرَ الحال واِنَّها مثلُ التمييز وهذا لا يكون اِلاّ نكرة يعني ما كان منصوباً على الحال كما أنّ ذلك لا يكونُ اِلاّ نكرةً يعني التمييز. قال أبو جعفر: فان جئت بمعرفةٍ زال معنى التمييز لأنك لا تبِيّنُ بها ما كان من جنسها. قال الفراء: ومثله: بَطِرَتْ مَعِيشتَهَا ولا يجوز عنده: نفسَه سَفِهَ زيدٌ ولا معِيشَتَها بَطِرَتْ القرية، وقال الكسائي: وهو أحد قولي الاخفش: المعنى اِلاّ من سَفِهَ في نفسه ويجيزان التقديم. قال الاخفش: ومثله {عُقْدة النِّكاحِ} أي على عقدة النكاح. قال أبو جعفر: وقد تَقصَّينَاهُ في الكتاب الذي قبل هذا. {وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ} يُقالُ: كيف جاز تقديم في الآخرة وهو داخل في الصلة؟ فالجواب أنه ليس التقدير وأنه لمن الصالحين في الآخرة فتكون الصلة قد تَقدمت ولأهل العربية فيه ثلاثة أقوال: منها أنْ يكونَ المعنى واِنه صالحٌ في الآخرة ثم حذف، وقيل في الآخرة متعلقٌ بمصدر محذوف أي صلاحه في الآخرة، والقول الثالث أن الصالحين ليس بمعنى الذينَ صلحوا ولكنه اسمٌ قائمٌ بنفسه كما يقال: الرجل والغلام. الأصل في {ٱصْطَفَيْنَاهُ} اصتفيناه أبدلَ من التاء طاء لأن الطاء مُطبقَةٌ كالصاد وهي من مخرج التاء ولم يجز أن تُدغَم الصاد لانها لا تدغم اِلاّ في اختيها الزاي والسين لما فيهن من الصفير ولكن يجوز أن تُدغم التاء فيها في غير القرآن فتقول: اصَّفَينَاه قَبْلُ.

{ وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ }
{وَوَصَّىٰ..} [132]
فيه معنى التكثير واِذا كان كذلك بَعُدَت القراءة به وأحسن من هذا أن يكون وصّى وأوصَى بمعنى واحد مثل كرّمنا وأكْرمنَا {إِبْرَاهِيمُ} رفع بفعله {وَيَعْقُوبُ} عطف عليه {يا بنيَّ} نداء مضاف، وهذه ياء النفس لا يجوز ههنا إِلاّ فتحها لأنها لو سكنتْ لالتقى ساكنان ومثله "بِمُصْرِ خِيَّ" {إِنَّ ٱللَّهَ} كسرتِ "إنّ" لأن أوصَى وقال 7/ ب واحد، وقيل: على اضمار القول. {فَلاَ تَمُوتُنَّ} في موضع جزم بالنهي أكّدَ بالنون الثقيلة وحُذِفَت الواو لالتقاء الساكنين {إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ} ابتداء وخبر في موضع الحال.
{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }
{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ..} [133]
خبر كان ولم يصرفه لأن فيه ألِفَ التأنيث ودَخَلَتْ لتأنيث الجماعة كما دخلت الهاء {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ} مفعول مقدم وفي تقديمه فائدة على مذهب سيبويه قال: لأنهم يقدمون الذي بيانه أهمُ عليهم وهم ببيانه أعنَى وان كانا جميعاً يهمانهم ويعنيانهم. {مَا تَعْبُدُونَ} "ما" في موضع نصب بتعبدون {قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} في موضع خفض على البدل ولم تصرف لأنها أعجميةٌ. قال الكسائي: إنْ شِئْتَ صرفتَ إِسحاقاً وجعلته من السُحْق وصرفتَ يعقوب وجعلته من الطير. قال أبو جعفر: ومن قرأ {وَإِلَـٰهَ أبِيكَ} فله فيه وجهان: أحدُهُما أن يكون أفرد لأنه كره أن يجعل إِسماعيل أباً لأنه عَمّ. قال أبو جعفر: هذا لا يجب، لأن العرب تُسمّى العم أباً. وأيضاً فإنّ هذا بعيد لأنه يقدر وإِله إِسماعيل وإِله إِسحاق فيخرج وهو أبوه الأدنَى من نسق ابراهيم ففي هذا من البُعْدِ ما لا خفاءَ بِهِ، وفيه وجهٌ آخر على مذهب سيبويه يكون أبيك جمعاً. حكى سيبويه: أبونَ وأَبِينَ كما قال:
* فَقُلْنَا أَسلِمُوا إِنَّا أَخُوكُم *
سيبويه والخليل يقولان: في جمع إِبراهيم واسماعيل بَراهيم وسَماعِيل وهذا قول الكوفيين، وحكموا أيضاً براهمة وسماعلة والهاء بدل من الياء كما يقال: زنادقة، وحكوا براهِم وسَماعِل. قال محمد بن يزيد: هذا غلط لأن الهمزة ليس هذا موضع زيادتها ولكن أقول: أبارِهُ وأَسَامعُ، ويجوز أباريه وأساميع وأجاز أحمد بن يحيى: بَراه كما يقال: في التصغير بُريهٌ وجمع اسحاق أساحيقُ، وحطى الكوفيون: أساحِقةُ وأساحِقُ وكذا يعقوب ويَعَاقِيب ويَعاقبة ويَعاقِب فأما إِسرائيل فَلا نعلم أحداً يجيز حذف الهمزة من أولِه وإنما يقال: أساريل وحكى الكوفيون: أسارلة وأسارِل. والباب في هذا كلّه أنْ يُجمَعَ مُسلّماً فيقال: إِبراهيمونَ وإِسحاقُونَ وإِسماعيلونَ ويَعقوبُونَ والمسلّم لا عملَ فيه. {إِلَـٰهاً وَاحِداً} نصب على الحال، وإِنْ شئتَ على البدل لأنه يجوز أنْ تبدلَ النكرة من المعرفةِ والمعرفة من النكرةِ.
{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
{تِلْكَ..} [134]
مبتدأ {أُمَّةٌ} خبره {قَدْ خَلَتْ} نعمت لأمةٍ وإِنْ شئتَ كان خبر المبتدأ ويكون أمة بدلاً من تلك {لَهَا مَا كَسَبَتْ} "ما" في موضع رفع بالابتداء، وبالصفة على قول الكوفيين {وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ} مثله.
 

رضا الجنايني

مزمار كرواني
6 يونيو 2008
2,850
27
0
الجنس
ذكر
رد: أعراب سورة البقرة كاملة :::: رضا الجنايني


اعراب آيات سورة ( البقرة ) من الآية (135 : 201 )
وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً..} [135]
جَمعُ هائدٍ، ويجوز أنْ يكون مصدراً بمعنى ذَوى هُودٍ كما يقال: قومٌ عدلٌ ورضىً. {تَهْتَدُواْ} جواب الأمر. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا "قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ" في الكتاب الذي قبل هذا. قال أبو إسحاق: {حَنِيفاً} منصوب على الحال. قال علي بن سليمان هذا خطأ لا يجوز: جاءني غلامُ هندٍ مسرعةً ولكنه منصوب على أعني وقال غيره: المعنى بل نتبعُ ابراهيمَ في هذه الحال.
{
قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }
{.. وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا..} [136]
في موضع خفض أي والذي أنزل إِلينا واسم ما لم يُسَمَّ فاعله مضمر في أنزل.
{
فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }
{فَسَيَكْفِيكَهُمُ..} [137]
الكاف والهاء والميم في موضع نصب مفعولان، ويجوز في غير القرآن فَسيكفيكَ إِياهم، وكذا الفعل إِذا تَعدّى إِلى المفعول الاول قَوِي فجاز أن يأتي في الثاني منفصلاً.

{
صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }
{صِبْغَةَ ٱللَّهِ..} [138]
قال الاخفش: أي دين الله قال: وهي بدلٌ من ملّةِ. قال أبو جعفر: وهو قول حَسَنٌ لأن أمر الله جل وعز ونَهيُهُ ودلائله مخالطة للمعقول كما يخالطُ الصبَغُ الثوبَ.
{
قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ }
{قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ..} [139]
جاز اجتماع حَرفين من جنس واحد متحركين لأن الثاني كالمنفصل، وقرأ ابن مُحَيْصنٍ 18/ أ {قُلْ أَتُحَآجُّونّا} مدغماً، وهذا جائز إِلاّ أنه مخالف للسواد وقد جمع أيضاً بين ساكنين وجاز ذلك لأن الأول حرفُ مَدٍّ ولينٍ، ويجوز أن تدغم ويُومَأ إِلى الفتحة كما قرئ {لا تأمنَّا} باشمام الضمة، ويجوز "أتُحاجُّونَا" بحذف النون الثانية كما قرأ نافع {فَبِمَ تَبشِرونِ}.
{
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }
قالوا: قرأ الكسائي {أَمْ تَقُولُونَ..} [140] بالتاء، وهي قراءة حسنة لأن الكلام متسقٌ أي أتحاجوننا أم تقولون، والقراءة بالياء من كلامين وتكون "أم" بمعنى "بَلْ". قال الاخفش: كما تقول: إِنها لاَبِلٌ أم شاءٌ . وكسرت "إِنّ" لأن الكلام مَحْكِيٌّ والاسباط من ولَدِ يعقوب بمنزلة القبائل من ولدِ إسماعيل {هُوداً} خبر كان وخبر "إِنّ" في الجملة ويجوز في غير القرآن رفع هود على خبر "إنّ" وتكون كان ملغاة، تم الجزء الاول من كتاب "اعراب القرآن" والحمد لله رب العالمين وصلى الله على النبي محمد وعلى آله الكرام الأبرار وسلم.
{
سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن اسماعيل في قوله عز وجل:
{سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ..} [142]
جَمعُ سفيهِ والنساء سفايه {مَا وَلاَّهُمْ} "ما" اسم تام في موضع رفع بالابتداء وولاّهم في موضع الخبر.
{
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }
{جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً..} [143]
مفعولان. قال القُتَبي: إنما قيل للخير وسط لأن الغُلو والتقصير مذمومان، وخيرُ الأمور أوساطُها. قال أبو اسحاق: العرب تشبِّه القبيلة بالوادي والقاع وخير الوادي وسطه وكذا خير القبيلة وسطها، وقيل: سبيلُ الجليل والرئيسِ أنْ لا يكون طرفاً وأن يكون متوسّطاً فلهذا قِيلَ للفاضل: وسط. {لِّتَكُونُواْ} لام كي أي لأن تكونوا {شُهَدَآءَ} خبر ويكون عطفاً. وقرأ الزهريّ {إِلاَّ لِيُعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ} "مَنْ" في موضع رفع على هذه القراءة لأنها اسم ما لم يُسمَّ فاعلهُ. وجَمْعُ قِبلةٍ في التكسير قِبَلُ وفي التسليم قِبلات، ويجوز أن تبدلَ من الكسرة فتحة، ويجوز أن تحذفَ السكرة، {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً} الفراء يذهب إلى أنّ "إن" واللام بمعنى "ما" و "إِلاَ"، والبصريون يقولونَ : هي "إن" الثقيلةُ خُفِّفتْ فَصلح الفعل بَعدها ولزمتها اللام لئلاّ تُشبِه "إِن" التي بمعنى "ما" قال الاخفش: أي وان كانت القبلة لكبيرةً {لَرَءُوفٌ} على وزن فَعُول والكوفيون يقرءون {لرؤُوفٌ}، وحكى الكسائي أن لغة بني أسد لَرأفٌ على فَعْل.
{
قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }
{.. شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ..} [144]
ظرف مكان كما تقول: تلقاءَهُ وجهَتَهُ وانتصبَ الظرفُ لأنه فضلةٌ بمنزلة المفعول به، وأيضاً فان الفعل واقع فيه.

{
وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ }
{وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ..} [145]
لأنهم كفروا وقد تَبَيّنُوا الحق فليس تنفعهم الآيات. قال الاخفش والفراء: أجيبت "إِنْ" بجوابِ "لو" لأن المعنَى ولو أتَيتَ الذينَ أوتُو الكتابَ بكُلِ آيةٍ {مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ} وكذا تجاب "لو" بجواب "إن" تقول: لو أحسَنْتَ أُحسن إِليك ومثله {ولئِنْ أرسَلْنا ريحاً فرأوهُ مُصْفَرّاً لَظَلُّوا} أي لو أرسلنا ريحاً، قال أبو جعفر: هذا أبو جعفر: هذا القول خطأ على مذهب سيبويه وهو الحق، لأن مَعنَى "إِنْ" خِلافُ مَعنَى "لو" يعني أنّ معنى إنْ يجب بها الشيء لوجوب غيره تقول: إنْ أكرمتني أكرمتُكَ ومعنى "لو" أنه يمتنع بها الشيء لامتناع غيره فلا تدخل واحدة منهما على الأخرى. والمعنى ولئِنْ أتيت الذين أُوتُوا الكتاب بكل آية لا يتبعُون قِبلَتِكَ. وقال سيبويه: المعنى ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لِيَظلنَّ.
{
ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
{ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ..} [146]
ابتداء {يَعْرِفُونَهُ} في موضع أي يعرفونَ التحويل أو يعرفونَ النبي صلى الله عليه وسلم.
{
ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ }
{ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ..} [147]
رفع بالابتداء أو على/ 18ب/ اضمار ابتداء وَرُوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ {ٱلْحَقَّ} منصوباً أي يعلمون الحق فأما الذي في "الأنبياء" {الحقَّ فهم معرضون} فلا نعلم أحداً قرأه إلاّ منصوباً والفرق الذي بَينهما أنّ الذي في سورة البقرة مبتدأ آيةٍ والذي في سورة الأنبياء ليس كذلك.
{
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا..} [148]
الهاء والألف مفعول أول والمفعول الثاني محذوف أي هو مولّيها وَجْهَهُ أو نفسَهُ والمعنى هو مولٍّ نحوها وجهَهُ والعرب تَحذِفُ من كلِّ وبعضٍ فيقولون كلٌ مُنْطِلقٌ: أي كل رجل والتقدير ولكلِّ أمةٍ وأهل ملة. {فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ} أمرٌ أي بَادِرُوا ما أمركُم اللهُ جل وعز بِهِ مِن استقبالِ شَطْرَ البيتِ الحرامِ.
{
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }
{لِئَلاَّ..} [150]
وان شئتَ خَفّفتَ الهمزة {يكونَ} نصب بأنْ، وإِنْ شئتَ قلتَ: تكون لتأنيث الحجةِ وهذا متعلقٌ بما تقدم من الاحتجاج عليهم. {إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} في موضع نصب استثناء ليس من الاول كما تقول العرب: ما نَفعَ إلاّ ما ضَرَّ وما زادَ إلاّ ما نَقصَ {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} قال الأخفش: هو معطوف على لِئلاَّ يكون أي ولأنْ أتمَّ نِعْمتِي عليكم.
{
كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }
{كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ..} [151]
قال أبو جعفر: قد ذكرنا معناه والكاف في موضع نصب أي لَعلَّكم تهتدونَ اهتداءاً مِثلَ ما أرسلنا ويجوز أنْ يكونَ التقدير ولأتم نعمتي عليكم إِيماناً مثلَ ما أرسلنا، ويجوز أن تكونَ الكاف في موضع نصب على الحال أي ولأتم نعمتى عليكم في هذه الحال ويجوز أن يكون التقدير: فاذكُروني ذِكراً مثلَ ما و "ما" في موضع خفض بالكاف وأرسلنا صِلتُها. {يَتْلُو} فعلٌ مُسْتقبلٌ والاصل فيه ضم الواو إلاَّ الضمَة مستثقلة وقبلها أيضاً ضمة فحُذِفَتْ وهو في موضع نصب نعت لرسول {وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ} عطف عليه.
{
فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }
{فَٱذْكُرُونِيۤ} [152]
أمرٌ {ۤ أَذْكُرْكُمْ} فيه معنى المجازاة فلذلك جُزِمَ. {وَلاَ تَكْفُرُونِ} نهى فلذلك حُذِفَتْ منه النون وحذفت الياء لأنه رأس آية واثباتُها حَسَنٌ في غير القرآن.
{
يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }
{يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ..} [153]
أي عن المعاصي. قال أبو جعفر: وقد ذكرناه.



وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ }
{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ..} [154]
على إضمار مبتدأ وكذلك {بَلْ أَحْيَاءٌ}.
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ }
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ..} [155]
هذه الواو مفتوحة عند سيبويه لالتقاء الساكنين وقال غيره: لمّا ضمت الى النون صارت بمنزلة خَمسةَ عَشَرَ.
{
ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }
{ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ..} [156]
نعت للصابرين {قَالُواْ إِنَّا للَّهِ}. قال الكسائي: إنْ شِئتَ كسرتَ الألفَ لاسْتعمالِهَا وكثرتِهَا، وقال الفراء: وإنما كُسِرت النون في "إِنَّا للَّهِ" لكثرةِ استعمالهم إيّاها. قال أبو جعفر: أمَّا قولُ الفراء فغلطٌ قبيحٌ لأَنَّ النون لا تُكْسَرُ ولا يكون ما قبل الألف أبداً مكسوراً ولا مضموماً وأما قول الكسائي: فيجوز على أنه يريدُ أنّ الألفَ مُمَالةٌ الى الكسرة وأما على أنْ تُكْسَرِ فمحالٌ لأن الألفَ لا تُحَرّكُ البتَةَ وإنما أميلت الألف في "إِنَّا للَّهِ" لِكسرةِ اللامِ في لله ولو قُلتَ: إنّا لزَيدِ شاكرونَ، لم يَجُز إِمالةُ الأَلف لأنها في حرفٍ آخر وجاز ذلك في إنا لله لأنه لمّا كثُر صار الشَيئانِ بمنزلةِ شَيءٍ واحدٍ، وإنْ شئتَ فَخَّمْتَ. والأصل إنّنا حُذِفَتْ إحدى النونينِ تخفيفاً، وكذا {وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
{
أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }
{أُولَـٰئِكَ..} [157]
مبتدأ والخبر {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ} {وَرَحْمَةٌ} عطف على صلوات {وَأُولَـٰئِكَ} مبتدأ و {هُمُ} ابتداء ثان و {ٱلْمُهْتَدُونَ} خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول، وإِن شئتَ كانت "هُمُ" زائدةً توكيداً و "ٱلْمُهْتَدُونَ" الخبر.

{
إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }
{إِنَّ ٱلصَّفَا..} [158]
اسم "إنّ" والألف منقلبة من واو {وَٱلْمَرْوَةَ} عطف على الصفا {مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ} الخبر مُشتق من شعرت به وهمز لأنه فعائل لا أصل للياء في الحركة فأُبدل منها همزة {فَمَنْ} 19/ أ في موضع رفع بالابتداء و {حَجَّ} في موضع جزم بالشرط، وجوابه وخبر الابتداء {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} والأصل: يتطوف ثم أدغمت التاء في الطاء، وحُكِي {أَن يُطَوَّفَ بِهِمَا} على التكثير، ورُوي عن ابن عباس {أن يَطّافَ} والأصلِ أيضاً يتطاف أدغِمَت التاء في الطاء. قال أبو جعفر: ولا نعلم أحداً قرأ: "أن يَطُوفَ بهما" {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ} فعلٌ ماضٍ في موضع جزم بالشرط وهذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وهي حَسَنةٌ لأنه لا علّةَ فيها، وقراءة أهل الكوفةِ إلاّ عاصماً {وَمَن يَطَوَّعَ خَيْراً} والأصل يتطوع أدعمت التاء في الطاء {فَإِنَّ ٱللَّهَ} اسم إنّ {شَاكِرٌ} خبره {عَلِيمٌ} نعت لشاكر. وإنْ شئتَ كان خبراً بعد خبر.
{
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ }
{إِنَّ ٱلَّذِينَ..} [159]
اسم "إنّ" وقرأ طلحةُ بنُ مُصرِفٍ {مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ} بمعنى بَيّنه الله {أُولَـٰئِكَ} مبتدأ {يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ} في موضع الخبر والجملة خبر "إنّ" ولعنه وطرده أي باعده من رحمته كما قال:
ذَعَرتُ بهِ القَطا ونَفيْتُ عنهُ * مَقَامَ الذِّئبِ كالرجُل اللّعِينِ
قال أبو جعفر: وقد بَيّنا معنى "وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ" لأن للقائل أن يقول: أهل دينهم لا يلعنونهم ومن أحسن ما قِيلَ فيه أنّ أهلَ دِينهم يلعنون على الحقيقة لأنهم يلعنونَ الظالمينَ وهم من الظالمين.
{
إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }
{إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ..} [160] نصب بالاستثناء.

{
إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }

{إِن الَّذِينَ كَفَرُوا..} [161]
اسم "إنّ" {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ} الخبر، وقرأ الحسن {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَٱلنَّاسُ أَجْمَعونَ} وهذا معطوف على الموضع كما تقول: عجبتُ مِن قيامِ زيدٍ وعَمْرٌو لأن موضع "زيدٍ" موضعُ رفع والمعنى من أنْ قامَ زيد والمعنى أولئِكَ عليهم أنْ يلعَنهم الله والملائكةُ والناسُ أجمعونَ.

{
خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ }

{خَالِدِينَ فِيهَا..} [162] حال.

{
إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

{إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ..} [164]
{لآيَاتٍ} في موضع نصب اسم إِنّ.
{
إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }
{إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ..} [164]
{لآيَاتٍ} في موضع نصب اسم إِنّ.
{
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ }
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً..} [165]
"مَنْ" في موضع رفع بالابتداء و "يَتَّخِذُ" على اللفظ، ويجوز في غير القرآن يتخذون {يُحِبُّونَهُمْ} على المعنى، ويجوز في غير القرآن يحبّهم وهو في موضع نصب على الحال من المضمر الذي في يَتّخذ، وإن شئت كان نعتاً لأنداد، وإن شئت كان في موضع رفع نعتاً لمن على أنّ مَنْ نكرة كما قال:
فكفى بنا فَضلاً على مَنْ غَيرِنَا * حُبُّ النبيّ مُحمدٍ إيّانا
{وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ} ابتداء وخبر {حُبّاً} على البيان {وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ} بالياء قراءة أهل مكة وأهل الكوفة وأبي عمرو وهي اختيار أبي عبيد، وقرأ أهل المدينة وأهل الشام {وَلَوْ تَرَى ٱلَّذِينَ} بالتاء وفي الآية اشكال وحذف زعم أبو عبيد أنه اختار القراءة بالياء لأنه يُروى في التفسير أنّ المعنى لو يرى الذين ظلموا في الدنيا عذاب الآخرة لَعَلموا أن القوة لله. قال أبو جعفر: رُوِي عن محمد بن يزيد أنه قال: هذا التفسير الذي جاء به أبو عبيد بعيد وليست عبارته فيه بالجيدة لأنه يُقَدِرُ ولو يَرى الذين ظلموا العذابَ وكأنه جعله مشكوكاً فيه، وقد أوجبه الله عز وجل. ولكن التقدير وهو قول أبي الحسن الأخفش سعيد. ولو يرى الذين ظلموا أنّ القوة لله، ويرى بمعنى يعلم أي لو يعلمون حقيقة قوة الله فيرى واقعة على "أن"، وجواب "لو" محذوف أي لَتبيّنُوا ضرر اتخاذهم الآلهة، كما قال {ولو ترى إذ وُقِفُوا على النار} {ولو ترى إذ وقِفُوا على ربهم} ولم يأت للو جواب. قال الزهري وقتادة: الاضمار أشدُّ للوعيد. قال أبو جعفر: ومن قرأ {ولو تَرى} بالتاء كان "ٱلَّذِينَ" مفعولين عنده وحَذفَ أيضاً جواب "لو" و {أنّ} في موضع نصب أي لأن القوة لِله وأنشدَ سيبويه:
وأغفِرُ عَوراءَ الكريمِ ادّخارهُ * وأعرِضُ عن شَتْمِ اللئِيمِ تكرّما
أي لادخاره، وأجاز الفراء أن تكونَ/ 19 ب/ "أنّ" في موضع نصب على اضمار الرؤية ومن كسر فقرأ {أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ} جعلها استئنافاً {جَمِيعاً} نصب على الحال {وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ} عطف على أنّ الأولى.
{
إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ }
{إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ..} [166]
ضمت الهمزة في اتبعوا اتباعاً للتاء وضمت التاء الثانية لتدل على أنه لما لم يُسَمّ فاعله فإن قيل: سبيل ما لم يسم فاعله أنْ يُضَمَّ أوله للدلالة فكيف ضُمَّ الثالث هذا للدلالة فالجواب أنّ سبيل فعل ما لم يُسَمَّ فاعله أن يضم أولُ متحركاتِهِ فلما كانت التاء الأولى ساكنة اجتُلِبَت لها الهمزة وحُرّكَت الثانية لأنها أول المتحركات. {وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ} ضُمّت الواو لالتقاء الساكنين.

{
وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ }
{.. لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً..} [167]
"أنّ" في موضع رفع أي لو وقع ذلك {فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ} جواب التمني {كَمَا} الكاف في موضع نصف أي تبرؤوا كما، ويجوز أن يكونَ نصباً على الحال {كَذَلِكَ} الكاف في موضع رفع أي الأمر كذلك، ويجوز أنْ تكونَ في موضع نصب نعتاً لمصدر محذوف أي رؤيةً كذلك {يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} مفعولان {حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} نصب على الحال.
{
يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }
{يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً..} [168]
نعت لمفعول أي شيئاً حلالاً أو أكلاً حلالاً. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا {خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ}.
{
إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }
{.. وَأَن تَقُولُواْ..} [169]
في موضع خفض عطفاً على قوله {بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ}.

{
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }
{.. أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ..} [170]
فتحت الواو لأنها واو عطف.
{
وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ..} [171]
مبتدأ، وخبره {كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ} قال أبو جعفر: وقد تَقَصّينا معناه. {بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً} نصب بيسمع {وَنِدَآءً} عطف عليه. {صُمٌّ} أي هم صُمّ.
{
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ..} [173]
نصب بحرّمَ و "ما" كافة، ويجوز أنْ تَجْعَلَها بمعنى الذي وترفع الميتة والدم ولحم الخنزير. {فَمَنِ ٱضْطُرَّ} ضمت النون لالتقاء الساكنين وأتبعت الضمة الضمة، ويجوز الكسر على أصل التقاء الساكنين، وقرأ أبو جعفر {فَمَنِ ٱضْطِرَّ} بكسر الطاء لأنّ الأصل اضطُرِرَ فلما ادغِمَ ألقى حركة الراء على الطاء ويجوز فمن اضُّرَّ لمّا لم يَجُز أن يُدغِم الضاد في الطاء أدغَم الطاء في الضاد، ويجوز أنْ تقلب الضاد طاء من غير إدغام ثم تدغم الطاء في الطاء فتقول: فمن اطّر وهذا في غير القرآن، {غَيْرَ بَاغٍ} "غَيْرَ" نصب على الحال، والأصل باغيٍ استثقلت الحركة في الياء فَسكنتْ والتنوين ساكن فَحُذِفَت الياء لسكونها وسكون التنوين وكانت أولى بالحذف لأن التنوين علامة وقبل الياء ما يدلّ عليها وكذا ولا عادٍ.

{
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ..} [174]
اسم "إنّ" والخبر {أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ}.
{
لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }
{لَّيْسَ ٱلْبِرُّ..} [177]
اسم ليس والخبر {أَن تُوَلُّواْ} وقرأ الكوفيون {لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ} جعلوا "أنْ" في موضع رفع والأول بغير تقديم ولا تأخير وفي قراءة أبيّ وابن مسعود {لَّيْسَ ٱلْبِرُّ بأَن تُوَلُّواْ} فلا يجوز في البر هاهنا إلاّ الرفع {وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ} وقرأ الكوفيون {وَلَـٰكِنِ ٱلْبِرُّ} رفع بالابتداء {مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ} الخبر، وفيه ثلاثة أقوال: يكون التقدير ولكنِ البرُّ برٌّ من آمَنَ بالله ثم حذف كما قال:
* فانما هِي إقبالٌ وإدْبَارُ *
أي ذات إِقبال، ويجوز أنْ يكونَ التقدير ولكنْ ذو البرّ من آمَنَ بالله ويجوز أنْ يكونَ البِرُّ بمعنى البار والبرّ كما يقال: رجلٌ عَدْلٌ، وفي الآية إِشكال من جهة الاعراب لأن بعد هذا {وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ} فيه خمسة أقوال: يكون و "ٱلْمُوفُونَ" رفعا عطفاً على "من"، و "ٱلصَّابِرِينَ" على المدح أي وأعني الصابرين، ويكون و "ٱلْمُوفُونَ" رفعاً بمعنى: وهم الموفونَ مدحاً للمضمرينَ و "ٱلصَّابِرِينَ" عطفاً على ذوي القُربى، ويكون و "ٱلْمُوفُونَ" رفعاً على وهم الموفونَ و "ٱلصَّابِرِينَ" بمعنى وأعني الصابرين فهذه ثلاثة أجوبة لا مطْعَنَ فيها من جهة/ 20أ/ الاعراب موجودة في كلام العرب وأنشد سيبويه:
لاَ يَبْعَدنْ قَومِي الذينَ هُمُ * سُمُّ العُداةِ وآفةُ الجُزْرِ
النّازلينَ بِكُلِّ مُعْتَركٍ * والطيبونَ مَعَاقِدَ الأُزرِ
وإِن شئتَ قلت: النازلونَ والطيبينَ، وإن شئت رفعتهما جميعاً، ويجوز نصبهما. قال الكسائي: يجوز أن يكونَ و "ٱلْمُوفُونَ" نسقاً على "من" و "ٱلصَّابِرِينَ" نسقاً على "ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ". قال أبو جعفر: وهذا القول خطأ وغلط بَيِّنٌ لأنك إذا نصبتَ والصابرين ونَسقتَهُ على ذَوِي القربى دَخَلَ في صلةِ "مَنْ" فقد نسقت على "مَنْ" من قَبْلِ أن تَتمَّ الصلة وفرقتَ بينَ الصلةِ والموصولِ بالمعطوف، والجواب الخامسِ: أن يكونَ و "ٱلْمُوفُونَ" عطفاً على المضمر الذي في آمَنَ "ٱلصَّابِرِينَ" عطفاً على "ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ" قال الكسائي: وفي قراءة عبد الله {الموفينَ وٱلصَّابِرِينَ} قال أبو جعفر: يكونان منسوقَيْنِ على ذوي القُربَى وعلى المدح. قال الفراء: وفي قراءة عبد الله في "النساء" {والمقيمونَ الصلاة والمؤتونَ الزكاة}.
{
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ..} [178]
اسم ما لم يُسَمّ فاعله {فِي ٱلْقَتْلَى} لم يتبيّن فيه الاعراب لأنّ فيه ألفَ التأنيث وجيءَ بها لتأنيثِ الجماعةِ {ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ} ابتداء وخبر {وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ} نسق عليه {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ} شرط والجواب {فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ} وهو رفع بالابتداء، والتقدير فعليه اتباعٌ بالمعروف ويجوز في غير القرآن فاتّباعاً وأداءاً يجعلهما مصدرين {ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ} ابتداء وخبر.

{
وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
{وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ..} [179]
رفع بالابتداء. وقراءة أبيّ وأبي الجوزاء {وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَصِ} شاذة والظاهر دلّ على غيرها. قال الله عز وجل "كُتِبَ عليكم القِصاص في القَتْلى" فدلّ بعضُ الكلام على بعض والتفسير على القِصاصِ. رَوَى سفيانُ الثوري عن السدّيّ عن أبي مالك "وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ" قال: ان لا يقتل بعضكم بعضاً ثم قال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} حُذِفَ المفعول لعلم السامع. روى الليث عن ربيعة في قوله {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} محارمَكُم وما نَهيتُ بعضكم فيهِ عن بعض.
{
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ }
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ..} [180]
في الكلام تقدير واو العطف المعنى وكُتِبَ عليكم ومثله في بعض الأقوال {لا يَصْلاها إلاّ الاشقَى الذِي كَذَّب وتَولّى} أي ولا يصلاها. {أَحَدَكُمُ} مفعول و {ٱلْمَوْتُ} فاعل {إِن تَرَكَ خَيْراً} شرط، وفي جوابه قولان: قال الأخفش سعيد: التقدير فالوصيّة ثم حذف الفاء كما قال:
مَن يَفْعَلِ الحَسَناتِ الله يَشْكُرها * والشرّ بالشّرِ عِنْدَ الله مِثْلانِ
والجواب الآخر أنّ الماضي يجوز أن يكون جوابه قَبله وبَعدَه فيكون التقدير الوصية للوالدين والأقربين إنْ تركَ خيراً فإنْ حذفت الفاء فالوصية رفع بالابتداء وإن لم تقدر الفاء جاز أنْ ترفَعَها أيضاً بالابتداء وأن ترفعها على أنها اسم ما لم يُسَمّ فاعله أي كتب عليكم الوصية. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا في الآية أقوالاً منها أنْ تكونَ منسوخة بالفرض ومنها أن تكونَ على الندب على الوصية. قال أبو جعفر: والقول أنه لا يجوز أنْ يكونَ شيء من هذا على الندب إلاّ بدليل وقد قِيل: أنها منسوخة بالحديث "لا وصيةَ لوارثٍ". {حَقّاً} مصدر، ويجوز في غير القرآن "حَقٌّ" بمعنى ذلك حق.
{
فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
{فَمَن بَدَّلَهُ..} [181]
شرط، وجوابه {فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} و "ما" كافة لأنّ عن العمل و "إِثْمُهُ" رفع بالابتداء "عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ" في موضع الخبر.

{
فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
{فَمَنْ خَافَ..} [182]
شرط، والأصل خَوفَ وقُلِبت الواو ألفاً لِتحرّكها وتَحرّك ما قبلها. وأهل الكوفة يُميلونَ "خافَ" ليدلّوا على الكسرة من فَعِلْتُ {مِن مُّوصٍ} ومن مُوصٍّ والتخفيف أبْينُ لأن أكثر النحويين يقول: مُوصّ للتكثير وقد يجوز أنْ يكون مثل كرّمَ وأكرم {جَنَفاً} من جَنَف يَجنُفُ إذا جازَ والاسم منه جَنَفٌ وجانف {فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ} عطف على خاف والكناية عن الورثة/ 20ب/ ولم يَجْرِ لهم ذِكرٌ لأنه قد عُرِفَ المعنى وجواب الشرط {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ}.
{
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ..} [183]
اسم ما لم يُسَمَّ فاعله {كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} الكاف في موضع نصب من ثلاث جهاتٍ: يجوز أن يكونَ نعتاً لمصدر من كُتِبَ أى كُتِبَ عليكم الصّيامُ كتباً كما، ويجوز أن يكونَ التقدير كُتب عليكم الصيام صوماً كما، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال أي كُتِب عليكم الصيامُ مشبهاً كما كُتِب على الذين من قبلكم، ويجوز أن يكونَ في موضع رفع نعتاً للصيام وما للصيام وما بيانُهُ "ٱلَّذِينَ آمَنُواْ" و "ما" في موضعِ خفض وصلتها كُتِبَ على الذينَ من قَبلِكُم والضمير في كُتِبَ يَعودُ على "ما".
{
أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
{أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ..} [184]
قال الأخفش: "أَيَّاماً" نصبٌ بالصيام أي كُتِبَ عليكم أن تصوموا أياماً معدوداتِ، وقال الفراء: هي نصبٌ بِكُتِبَ لأن فعل ما لم يُسَمَّ فاعله إذا رفعتَ بعده اسماً نصبتَ الآخر. وفي الآية شيء لطيف غامض من النحو يقال: لا يجيز النحويون: هذا صارفٌ ظريف زيداً وكيف يجوز أن تنصب "أَيَّاماً" بالصيامِ إذا كانت الكاف نعتاً للصيام؟ فالجواب أنك إِذا جعلت أياماً مفعولةً لم يَجْز هذا، وإنْ جَعلتَها ظرفاً جاز لأن الظروف تَعملُ فيها المعاني، وزعم أحمد بن يحيى: أنّ ذلك لا يجوز البَتَّة وإنْ جعلتَ الكاف في موضع نصب بِكُتِبَ لم يجز لأنك تفرق بين الصيامِ وبين ما عَمِلَ فيه بما لم يَعْمَلْ فيه وإن جعلت الكاف في موضع نصب بالصيام ونصبت أياماً بالصيام فلا اختلاف فيه إنّهُ جيدٌ بالغ {مَّعْدُودَاتٍ} نعت لأيام إلاّ أن التاء كسرت عند البصريين لأنه جمع مُسلّم، وعندَ الكوفيين لأنها غير أصلية. {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً} شرط بمن أي فمن كان منكم مريضاً في هذه الأيام {فَعِدَّةٌ} رفع بالابتداء، والخبر عليه حذفت. قال الكسائي: ويجوز فَعِدّةً أي فَلْيُصمْ عِدّة {منْ أَيَّامٍ أُخَرَ} لم تنصرف "أُخَر" عند سيبويه لأنها معدولة عن الألف واللام لأن سبيل فُعَل من هذا الباب أنْ يأتي بالألف واللام نحو الكُبَر والفُضَل. قال الكسائي: هي معدولة أخْر كما تقول: حمراء وحُمْر فلذلك لم تنصرف، وقيل: مُنِعَتْ من الصرف لأنها على وزن جُمَع. ويقال: إنما يقال يوم آخر ولا يقال: أخْرى وأُخْر إنما هي جمع أخرى ففي هذا جوابان: أحدهما أنّ نعت الأيام يكون مؤنثاً فلذلك نُعِتَتْ بأخَرَ، والجواب الآخر أن يكونَ أُخَر جمع أخْرى كأنه أيام أخْرى ثم كُثرتْ فقيل أيام أُخَر. {وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} والأصل يُطْوِقُونَهُ، وقد قرئ به فَقُلِبَت حركة الواو على الطاء فانقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها، وقرأ ابن عباس {يُطَوَّقُونَهُ} فَصَحّت الواو لأنه ليس قبلها كسرة، ويقرأ {يَطّوَّقُونَهُ} والأصل {يَتَطّوّقُونَهُ} ثم أدغِمَت التاء في الطاء. والقراءة المُجْمَعُ عليها {يُطِيقُونَهُ} وأصحُّ ما فيها أنّ الآية منسوخة كما ذكرناه. فأما يُطَيَّقُونَهُ وتَطَّيَّقُونَهُ فلا يجوز لأن الواو لا تُقلَبُ ياءً إلا لعلّة. {فِدْيَةٌ طَعَامُ مَساكِينَ} هذه قراءة أهل المدينة وابن عامر رواها عنه عبيد الله عن نافع، وقرأ أبو عمرو والكسائي وحمزة {وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} وهذا اختيار أبي عُبَيْدٍ وزعم أنه اختاره لأن معناه لكل يوم اطعام واحدٍ منهم فالواحد مترجم عن الجميع وليس الجميع بمترجمٍ عن الواحد. قال أبو جعفر: وهذا مردودٌ من كلام أبي عبيد لأن هذا إنّما يُعْرفُ بالدلالة فقد عُلِمَ أنّ معنى وعلى الذين يُطِيقُونَهُ فدية طعامِ مساكين أنّ لِكلِّ يومٍ مسكيناً/ 21أ/ فالاختيار هذه القراءة لِيردَ جمعاً على جمع. واختار أبو عبيد أن يُقْرأ "فدْيةٌ طعام مسكينٍ" قال: لان الطعام هو الفدية. قال أبو جعفر: لا يجوز أن يكون الطعام نعتاً لأنه جوهر ولكنه يجوز على البدل وأبين منه أنْ يُقرأ {فديةُ طعامِ} بالاضافة لأن فدية مبهمة تقع للطعام وغيره فصار مثل قولك: هذا ثوبُ خزٍّ. {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} شرط وجوابه {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} ابتداء وخبر أي فالصوم خير لكم.


{
شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
{شَهْرُ رَمَضَانَ..} [185]
حُكِيَتْ فيه ستة أوجه {شَهْرُ رَمَضَانَ} قراءة العامة، وقرأ مجاهد وشَهر ابن حوشب {شَهرَ رَمَضَانَ} بالنصب وحُكِي عن الحسن وأبي عمرو ادغام الراء في الراء وهذا لا يجوز لئلا يجتمع ساكنان، والقراءة الرابعة الاخفاء والوجه الخامس أنْ تقلبَ حَرَكَةَ الراء على الهاء فتضم الهاء، وهذا قولُ الكوفيين كما قال امروء القيس:
فَمَنْ كانَ يَنْسَانا وحُسنَ بَلائِنا * فليسَ بِنَا سِينَا على حالةٍ بَكُرْ
ويجوز "شَهَر رمضَانَ" من جهتين: احداهما على قراءة من نصب فقلب حركة الراء على الهاء، والأخرى على لغة من قال لَحْم ولَحَم ونَهْر ونَهَرَ "شَهرُ رمضانَ" رفع بالابتداء وخبره {ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ} ويجوز أن يكونَ شهرُ مرفوعاً على اضمار ابتداء، والتقدير المفترض عليكم صومهُ شهرُ رمضانَ أو ذلك شهرُ رمضانَ أو الصوم او الايامِ. ورمضانُ لا ينصرف لأن النون فيه زائدة. ونصبُ شهر رمضان شاذّ وقد قِيلَ فيه أقوال: قال الكسائي: المعنى كُتِبَ عليكم الصيام وأن تَصُومُوا شهرَ رمضانَ. قال الفراء: أي كُتِبَ عليكم الصيام أي أن تَصُومُوا شهرَ رمضانَ. قال أبو جعفر: لا يجوز أن تنصب شهرَ رمضانَ بتصوموا لأنه يدخل في الصلة ثم يُفَرقُ بَينَ الصلةِ والموصول وكذا إن نَصَبْتَهُ بالصيام، ولكن يجوز أن تنصبَهُ على الاغراء أي الزموا شهرَ رمضانَ وصوموا شهرَ رمضانَ. وهذا بعيد أيضاً لأنه لم يتقدم ذِكر الشهر فَيُغرى به. {هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ} في موضع نصب على الحال من القرآن والقرآن اسم ما لم يُسَمَّ فاعله {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ} يقال: ما الفائدة في هذا والحاضر والمسافر يشهدانِ الشهر؟ فالجواب أن الشهر ليس بمفعول وإنما هو ظرف زمان والتقدير فمن شَهِدَ منكم المصر في الشهر، وجواب آخر أن يكون التقدير فمن شهد منكم الشهر غير مسافرٍ ولا مريضٍ {فَلْيَصُمْهُ} وقرأ الحسن {فَلِيَصُمْهُ} وكان يكسر لام الأمر كانت مبتدأةً أو كانَ قَبلَها شيء وهو الأصل ومَنْ أسكن حذفَ الكسرة لأنها ثقيلة. {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ} اسم "كان" فيها مضمر "ومَرِيضاً" خبره "أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ" عطف أي أو مسافراً {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ} واليُسْرُ واليُسُرُ لغتان وكذا العُسْرُ والعُسُرُ {وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ} فيه خمسة أقوال. قال الأخفش: هو معطوف أي ويريد ولتكملوا العدة كما قال: {يُرِيدونَ لِيُطفِئوا نور الله بأفواهِهِم}، وقال غيره: يريد الله هذا التخفيف لِتُكملوا العدة، وقِيلَ الواو مقحمة، وقال الفراء: المعنى ولتكملوا العِدّةَ فَعَل هذا. قال أبو جعفر: وهذا قولٌ حَسَنٌ ومِثْلُهُ {وكذلِكَ نُرِي إبراهيمَ مَلكوتَ السمواتِ والأرضِ وليكون من المُوقِنينَ} أي وليكونَ من الموقنين فعلنا ذلك، والقول الخامس ذكره أبو اسحاق ابراهيم بن السري قال: هو محمول على المعنى والتقدير فَعَلَ الله ذلك لِيُسهّلَ عليكم ولِتُكملُوا العدة. قال: ومثله ما أنشده سيبويه:
بادَتْ وغَيّر آيَهُنَّ معَ البِلى * إلاّ رواكِدَ جَمرهنَّ هَبَاءُ
ومُشجَّجٌ أما سواءُ قَذالِهِ * فبدا وغير سَارَه المِعْزاءُ
لأن معنى: بادت إلاّ رواكد بها رواكدُ فكأنه/ 21 ب/ قال: وبها مُشجَّج أو ثَمَّ مُشَجّج، وقرأ الحسن وقتادة والعاصمان والاعرج {وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ} واختار الكسائي {وَلِتُكْمِلُواْ} لقوله {اليوم أكملت لكم دِينكم}. قال أبو جعفر: هما لغتان بمعنى واحد كما قال {فمهّلِ الكافرينَ أمْهِلْهُم رويداً} ولا يجوز ولتكملُوا باسكان اللام والفرق بين هذا وبين ما تقدم أن التقدير ولأن تُكْمِلُوا العدة فلا يجوز حذف أنْ والكسرة {وَلِتُكَبِّرُواْ} عطف عليه.

{
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
{.. فَإِنِّي قَرِيبٌ..} [186]
خبر انّ، {أُجِيبُ} خبر بَعدَ خبر حكى سيبويه: هذا حلوٌ حامضٌ. ويجوز أن يكونَ نعتاً ومستأنفاً. {فَلْيَسْتَجِيبُواْ} لام أمر وكذا {وَلْيُؤْمِنُواْ} وجزمتْ لامُ الأمرِ لأنها تجعل الفعل مستقبلاً لا غير فأشبَهتْ إنْ التي للشرط، وقِيل: لأنها لا تَقَعُ إلاّ على الفعل.

{
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ..} [187]
اسم ما لم يُسَمّ فاعله. قال أبو اسحاق: "ٱلرَّفَثُ" كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة. {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ} ابتداء وخبر وشدّدَتِ النون من هُنّ لأنها بمنزلة الميم والواو في المذكر. {عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ} فُتِحَتْ أنْ بعلم. {فَٱلآنَ بَاشِرُوهُنَّ} قد ذكرناه وهو اباحة. {وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ} عطف عليه وكذا {وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ} {فَلاَ تَقْرَبُوهَا} جزم بالنهي والكلام في "لا" كالكلام في لام الأمر. قال الكسائي: فلا تقربوها قُرباناً.


{
وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

{وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ..} [188]
عطف على تأكلوا، وفي قراءة أبيّ {ولا تُدْلُواْ} ويجوز أن يكون ولا تدلُوا جواب النهي بالواو كما قال:
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتَأتيَ مِثْلَه * عَارٌ عَليكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيمُ
{بِهَا} الهاء تعود على الأموال أي ترشوا بها أو تخاصمُوا من أجلها فكأنكم قد أدليتم بها ويجوز أن تكونَ الهاء تعود على الحجة وان لم يتقدم لها ذكر كما يقال: أدلَى بحجته. "أَمْوَالَكُمْ" إضافة الجنس أي الأموال التي لكم.

{
يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ..} [189]
وإن خَفّفتَ الهمزة ألقيتَ حركتها على السين وحَذفتَها فقلتَ: يسلُونَكَ وأهلة جَمْعُ هلال في القليل والكثير وكان يجب أن يقالَ في الكثير: هُللٌ فاستثقلوا ذلك كما استثقلوه في كِساء ورِداء من المعتل {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ} ابتداء وخبر، الواحد ميقات انقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلَها وهي ساكنة ولم تنصرف مواقيت عند البصريين لأنها جَمْعٌ وهو جمع لا يجمع ولا نظير له في الواحد وقال الفراء لم تنصرف لأنها غاية الجمع. {لِلنَّاسِ} خفض باللام، {وَٱلْحَجِّ} عطف عليه هذه لغة أهل الحجاز وأهل نجد يقولون الحِجّ بكسر الحاء فالفتح على المصدر والكسر على أنه اسم والحَجّةُ بفتح الحاء المرة الواحدة والحِجّة عمل سنة ومنه ذو الحِجّة ويقال للسنة أيضاً حِجّة كما قال:
وقَفْتُ بِهَا من بَعْدِ عشرينَ حِجّةً * فَلأياً عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهّمِ
{وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ} ولا يجوز نصب البِرّ لأن الباء إنما تدخل في الخبر ويقال: بِيُوت بالكسر وهي لغة رديئة لأنه يخالف الباب وجازت على أنْ تبدلَ من الضمة كسرة لمجاورتها الياء. {وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ}. قال أبو جعفر: قد ذكرناه والتقدير من اتقى ما نُهِيَ عنه.

{
وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ }

{وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ..} [190] لا تقتلوا من لم تؤمروا بقتله ويدخل في الأمر بهذا النساء والصبيان وقَتْل اثنين بواحد يقال: اعتدى إذا جاوزَ ما يجبُ {والفِتنَةُ أشدّ مِنَ القَتْلِ} ابتداء وخبر.

{
وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ }
{وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ..} [191] نهيٌ وهو منسوخ وقرأ الكوفيون {وَلاَ تَقَتُلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يَقْتُلُوكُمْ فِيهِ} على قول العرب: قتلنا بَني فلانٍ إذا قتلوا بعضَهم، ولا يجوز هذا حتى يُعرفَ المعنى، وحُكِي عن محمد بن يزيد أنه قال: لا ينبغي أن تُقْرأ هذه القراءةُ لأنه يجب على من قرأها أن يكون المعنى لا تقتلوهم ولا تقاتلوهم حتى يَقْتُلوا منكم.
{
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ }
{فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ..} [193] 22/ أ
قال الأخفش سعيد: المعنى فإن انتهى بعضهم فلا عدوان إلاّ على الظالمين منهم وقِيلَ: فإن انتهوا للجماعة.
{
ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }
{ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ..} [194]
ابتداء وخبر، والتقدير قتال الشهرِ الحرامِ بقتالِ الشهرِ الحرام. {وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} ويجوز فتح الراء واسكانها.


{
وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }
{.. وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ..} [195]
الأصل بأيدِيكم فاستثْقِلَتِ الحركة في الياء فسكنت. قال الأخفش: الباء زائدة وأبو العباس يذهب الى أنها متعلقة بالمصدر.
{
وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }
{وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ..} [196]
والعُمْرة عطف على الحَجّ وقراءة الشَّعبِي {وَٱلْعُمُرةُ للَّهِ} شاذة بعيدة لأن العمرة يجب أن يكون إعرابها كإعراب الحَج كذا سبيل المعطوف فإنْ قِيلَ: رفعها بالابتداء لم تكن في ذلك فائدة لأن العمرة لم تزل لله عز وجل، وأيضاً فإنه تخرج العمرة من الاتمام وقال من احتجَّ للرفع إذا نصبت وجبَ أن تكون العمرة واجبةً. قال أبو جعفر: وهذا الاحتجاج خطأ لأن هذا لا يجب به فرض وإنما الفرض {ولله على الناسِ حَجُّ البَيْتِ} ولو قال قائل: اتْمِمْ صلاة الفرضِ والتطوّعِ لمَا وجبَ من هذا أن يكونَ التطوعُ واجباً وإنما المعنى إذا دخلت في صلاة الفرض والتطوّع فأُتَمِّمُهَا. {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ}. قال أبو عمرو بن العلاء: واحد الهَدْيِ هَدْيَةٌ، وقال الفراء: لا واحدَ له. قال ابن السّكيتِ: ويقال: هَدِيٌّ وحكى غيره: إنها لغة بنِي تميم قال زهير:
فَلمْ أرَ مَعْشَراً أسَرُوا هَدِيّاً * ولم أرَ جَارَ بيتٍ يُسْتَبَاءُ
قال الأخفش: التقدير فَعليهِ ما اسْتَيْسَرَ من الهَدْيِ. {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} أي فعليه صيام ثلاثة أيام وثَبَتَتِ الهاء في ثلاثة فَرْقاً بَيْنَ المذكّر والمؤنثِ، وقِيلَ: كان المذكر أولى بالهاء لأن الهاء تدخل في المذكر في الجمع القليل نحوَ قردة. وهذا قولُ الكوفيينَ، وقال بعض البصريين: كان المذكر أولى بالهاء لأن تأنيثَهُ غَيرُ حقيقي فأنِّثَ باللفظ والمؤنث تأنيثه حقيقي فأنِّثَ بالمعنى والصيغة لأنها أوكد، وقال بعضهم: وقع بالمذكر التأنيث لأنه بمعنى جماعة {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} ابتداء وخبر، وتِيْكَ لغة. {ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ} الأصل حاضرين حُذفَتِ النون للاضافة وحذِفَت الياء من اللفظ في الادراج لسكونها وسكون اللام بعدها.
{
ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ }
{#1649;لْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ..} [197]
ابتداء وخبر، والتقدير أشهرُ الحَجِّ أشهرٌ معلومات، ويجوز "#1649;لْحَجّ أَشْهُراً" على الظرف أي الظرف أي في أشهر وزعم الفراء أنه لا يجوز النصب وعِلّتُهُ أنّ أشهراً نكرة غير محصورات، وليس هذا سبيل الظروف، وكذا عنده: المسلمونَ جانبٌ والكفارُ جانبٌ فإن قلت جانبَ أرْضِهِمِ وجانب بلادِهِم كان النصب هو الوجه. {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ} "مَنْ" في موضع رفع بالابتداء وهي شرط، وخبر الابتداء محمول على المعنى أي فلا يكن فيه رفث {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ} على التبرية وقرأ يزيد بن القعقاع {فَلاَ رَفَثٌ وَلاَ فُسُوقٌ وَلاَ جِدَالٌ فِي ٱلْحَجِّ} جَعَل "لا" بمعنى "ليس"، وإن شئت رفعت بالابتداء، وقال أبو عمرو المعنى فلا يكن فيه رفث إلاّ أنه نَصَب {وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ} وقطعه من الأول لأنّ معناه عنده أنه قد زال الشك في أنّ الحجّ في ذي الحجة، ويجوز "فلا رَفَثَ وَلاَ فُسُوقٌ" يعطفه على الموضع وأنشد النحويون:
لا نَسَبَ اليَومَ ولا خَلَّةُ * إِتّسَع الخَرقُ على الرّاقِعِ
ويجوز في الكلام: فلا رفثَ ولا فسوقاً ولا جدالاً في الحجّ عطفاً على اللفظ على ما كان يجب في "لا" قال الفراء: ومثلُهُ:
فَلا أبَ وابناً مِثْلَ مَروانَ وابنِه * إذا هُوَ بالمَجْدِ ارتَدَى وتَأزّرا
{وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ} شرط وجوابه {وتزوَّدُوا} / 22ب/ أمرٌ وهو إباحة {وَٱتَّقُونِ} أمرٌ فلذلك حُذِفَتْ منه النون {يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ} نداء مضاف وواحد الألباب لبُّ ولُبُّ كُلِّ شيء: خالصه، فلذلك قِيلَ للعقل لُبٌّ. قال أبو جعفر: سمعت أبا إسحاق يقول: قال لي أحمد بن يحيى أتعرفُ في كلام العرب من المضاعف شيئاً جاء على فَعُلَ؟ فقلتُ: نَعم حكى سيبويهِ عن يونس: لبُبتَ تَلُبُ فاستحسنَهُ وقال: ما أعرف له نظيراً.


{
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ }
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ..} [198]
اسم ليس {أَن تَبْتَغُواْ} في موضع نصب أي في أن تبتغوا، وعلى قول الكسائي والخليل إنها في موضع خفض. {فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ} بالتنوين وكذا لو سَمّيتَ امرأة بمسلمات لأن التنوين ليس فرقاً بين ما ينصرف وما لا ينصرف فَتَحذفَهُ وإنما هو بمنزِلة النون في مسلمين هذا الجيد، وحكى سيبويه عن العرب حَذْفَ التنوين من عرفاتِ يا هذا، ورأيت عرفاتِ يا هذا. بكسر التاء بغير تنوين. قال: لما جعلوها معرفة حذفوا التنوين، وحكى الأخفش: والكوفيون فتح التاء. قال الأخفش: تُجْرى مجرى الهاء فيقال: من عَرَفَاتَ يا هذا. وأنشدوا:
تَنّورتُها مِنْ أذْرعاتَ وأهْلُها * بيثْرِبَ أدنى دارِها نَظرٌ عالي
{فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ} ومَشْعَرُ مَفْعَل من شَعَرْتُ به أي علمتُ به أي مَعْلَم من مُتَعَبَّدَات الله جل وعز وكان يجب أن يكونَ على مَفْعُل بناءاً على يَشْعُر إِلاّ أنه ليس في كلام العرب اسم على مَفْعُل. {وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} الكاف في موضع نصب أي ذكراً مثلَ هدايته إيّاكم أي جزاء على هدايته إياكم {وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ} لام توكيدٍ إلاّ أنّها لازمة لئَلاّ تكون إنْ بمعنى ما.
{
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ }
{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ..} [200]
بالاظهار لأن الثاني بمنزلة المنفصل ويجوز {مَنَاسكّمْ} بالادغام {أينما تكُونوا يدركم الموتُ} فلا يكون إلاّ مُدغماً {فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ} الكاف في موضع نصب أي ذكراً كذكركم، ويجوز أن يكونَ في موضع الحال {أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} "أَشّدَّ" في موضع خفض عطفاً على ذكركم، والمعنى أو كأشدّ ذكراً. ولم ينصرف لأنه أفْعَل صِفَة، ويجوز أن يكونَ في موضع نصب بمعنى أو اذكروهُ أشدَّ ذكراً {ذِكْراً} على البيان {فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن} في موضع رفع بالابتداء وإن شئتَ بالصفة {يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا} صلة مَنْ {وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} مِنْ زائدة للتوكيد.
{
وِمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ }
{وَقِنَا..} [201]
إو قِنَا حُذِفَت الواو كما حذفت في يقي وحُذِفَت من يَقي لأنها بينَ ياء وكسرة مثل يَعِدُ. هذا قول البصريين، وقال الكوفيون: [حُذِفَتْ] فرقاً بين اللازم والمتعدّي، وقال محمد بن يزيد: هذا خطأ لأن العرب تقول: وَرِمَ يَرِمُ فيحذفون الواو.

 

رضا الجنايني

مزمار كرواني
6 يونيو 2008
2,850
27
0
الجنس
ذكر
رد: أعراب سورة البقرة كاملة :::: رضا الجنايني

{ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }
{وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ..} [203]
قال الكوفيون: الألف والتاء لأقل العدد، وقال البصريُّون: هما للقليل والكثير. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا المعدودات والمعلومات وقول العلماء فيهما. ونَشْرحُ ذلك هاهنا. أصحّ ما قيل في المعدودات: أنها ثلاثة أيامٍ: بعد يوم النحر، وقِيلَ المعدودات والمعلوماتُ واحد، وهذا غلط لقوله جل وعز "فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ"، والتقدير في العربية فمن تَعَجل في يومين منها والمعنى في أيام معدوداتٍ لذكر الله تعالى. وأصحّ ما قِيلَ فيه في المعلوماتِ قول ابن عمر رَحِمَهُ الله وهو مذهب أهل المدينة: إنها يوم النحر ويومان بعده لأن الله عز وجل قال {ويذكروا اسم الله في أيامٍ معلوماتٍ} فلا يجوز أن يكونَ هذا إِلاّ الأيام التي يُنْحَرُ فيها ولا يخلو يوم النحر من أن يكون أولها أو أوسطَها أو آخِرهَا فلو كان آخِرها أو أوسطها لكان النحر قبلهُ، وهذا مُحالٌ فوجب أن يكون أولهَا. {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} "مَن" رفع بالابتداء والخبر {فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ} ويجوز في غير القرآن فلا إثم عليهم لأن معنى "مَنْ" / 23أ/ جماعة كما قال عز وجل {ومنهم مَن يَسْتَمِعونَ إليك} وكذا {وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ} {لِمَنِ ٱتَّقَىٰ} يُقالُ: بأيّ شيءٍ اللام متعلقة؟ فالجواب وفيه أجوبة يكون التقدير المغفرةُ لِمَن اتقَى وهذا على تفسير ابن مسعود، وقال الأخفش: التقدير ذلك لِمَن اتّقَى، وقيل؛ التقدير السلامةُ لِمَن اتقى، وقيل، واذكروا يدلّ على الذكر فالمعنى الذكرُ لِمَن اتّقى.
{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ }
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا..} [204]
قيل "مَنْ" ههنا مخصوص وقال الحسن: الكاذب وقيل: الظالم وقيل: المنافق وقرأ ابن مُحَيْصِنٍ {وَيَشْهَدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ} بفتح الياء والهاء {وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ} الفعل مثل منه لَدِدْتُ تَلدّ وعلى قولِ أبي اسحاق: خِصَام جَمْعَ خَصْم وقال غيره: وهو مصدر خاصم.
{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ }
{وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا..} [205]
منصوب بلام كي {وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ} عطف عليه، وفي قراءة أُبَيّ {ولِيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ} وقرأ الحسن وقتادة {ويُهْلِكُ} بالرفع وفي رفعه أقوال: يكون معطوفاً على يعجبك، وقال أبو حاتم: هو معطوف على سَعى لأن معناهُ يسعى ويهلك، وقال أبو اسحاق: التقدير هو يهلك أي يَقدِر هذا، وروي عن ابن كثير أنه قرأ {وَيَهْلِكُ ٱلْحَرْثُ وَٱلنَّسْلُ} بفتح الياء وضم الكاف والحرث والنسل مرفوعان بيهلك.

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }
{ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ..} [207]
مفعول من أجله.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً..} [208]
قال الكسائي: السَّلم والسِّلم واحد، وكذا هو عند أكثر البصريين إلاّ أن أبا عمرو فَرّقَ بينهما وقرأ ههنا {#1649;دْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ} وقال: هو في الاسلام وقرأ التي في "الأنفال" والتي في "سورة محمد" صلى الله عليه وسلم "السَّلم" بفتح السين وقال: هي بالفتح المسالمة وقال عاصم الجحدري: "السِّلم" الاسلام و "السَلم" الصلح والسَلَمُ الاستسلام ومحمد بن يزيد ينكر هذه التفريقات وهي تكثر عن أبي عمرو واللغة لا تؤخذ هكذا وإنما توخذ بالسماع لا بالقياس ويحتاج من فَرقَ الى دليل وقد حَكى البصريون: بنو فلان سِلْم وسَلْم وسَلَم بمعنى واحد ولو صحَّ التفريق لكان المعنى واحداً لأنه إذا دخل في الاسلام فقد دخل في المسالمة. والصلح والسِّلم مؤنثة وقد تُذَكّر. {كَآفَّةً} نصب على الحال وهو مشتق من قولهم: كَفَفْتُ أي منعت أي لا يَمتَنعُ منكم أحد ومنه قيل: مكفوف وكِفّةُ المِيزان وقيل: كَفٌ لأنه يُمْتَنَعُ بها "وَلاَ تَتَّبِعُواْ" نَهيٌ "خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ" مفعول وقد ذكرناه.
{ فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
{فَإِن زَلَلْتُمْ..} [209]
المصدر زَلاًّ وزَلَلاً ومَزَلّةً وزلّ في الطين زَلِيلاً.
{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ..} [210]
وقرأ قتادة وأبو جعفر يزيد بن القعقاع {فِي ظِلاَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ} وقرأ أبو جعفر {وَٱلْمَلاۤئِكَةِ} بالخفض وظُللٌ جمع ظُلّةٍ في التكسير، وفي التسليم ظُلُلاَت، وأنشدَ سيبويه:
إذا الوَحشُ ضَمّ الوحشَ في ظُلُلاتِهَا * سَواقِطُ من حَرٍّ وقد كانَ أظهَرا
ويجوز ظُلَلات وظُلاّت، وظِلاّل جَمعُ ظلٍّ في الكثير، والقليلُ أظلال، ويجوز أن يكونَ ظِلالٌ جمع ظُلّةٍ [وقيل: بل القليل أظلالٌ، والكثير ظِلالَ، وقيلَ: ظِلالَ جمع ظُلّة] مثلهُ قلّة وقِلالَ كما قال:
* مَمْزُوجَةً بماءِ القِلاَلِ *
قال الأخفش سعيد: "وَٱلْمَلاۤئِكَةِ" بالخفض بمعنى وفي الملائكة قال: والرفع أجودُ كما قال {هل يَنظرونَ إِلاّ أن تأتيَهم الملائكة} {وجاء ربُّكَ والملكُ صفّاً صفّاً} قال الفراء: وفي قراءة عبد الله {هَلْ يُنظَرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ} قال أبو اسحاق: التقدير في ظُلَلٍ من الغمام ومن الملائكة.
{ سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }
{سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ..} [211]
بتخفيف الهمزة فلما تحركت السين لم تَحْتجْ إلى ألف الوصل {كَمْ} في موضع نصب لأنها مفعول ثانٍ لآتيناهم، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار عائد ولم يعرب وهي اسم لأنها بمنزلة الحروف لما وقع فيها معنى الاستفهام. قال سيبويه: 23/ فَبَعُدت من المضارعة بُعْدَ "كم" و "إذْ" من المتمكنة. {مِّنْ آيَةٍ} إذا فرقت بين كم وبين الاسم كان الاختيار أنْ تأتِي بمن فإن حذفَتها نصبتَ في الاستفهام والخبر، ويجوز الخفض في الخبر كما قال:
كَمْ بجودٍ مُقرِفٍ نالَ العُلَى * وَكرِيمٍ بُخْلهُ قد وَضَعَهْ
{ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }
{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا..} [212]
اسم ما لم يُسمَّ فاعله، وقرأ مجاهد وحُمَيدُ بن قيس {زَيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا} وهي قراءة شاذة لأنه لم يَتقدّمْ للفاعل ذكر {وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ} ابتداء {فَوْقَهُمْ} ظرف في موضع الخبر.
{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
{كَانَ ٱلنَّاسُ..} [213]
اسم كان {أُمَّةً} خبرها {وَاحِدَةً} نعت: قال أبو جعفر: قد ذكرنا قول أهل التفسير في المعنى، والتقدير في العربية: كان الناس أمةً واحدةً فاختلفوا فبعَثَ الله النبيينَ ودلّ على هذا الحذف {وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ} أي كان الناس على دينِ الحق فاختلفوا {فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} أي "مُبَشِّرِينَ" من أطاع و "مُنذِرِينَ" من عَصَى وهما نصب على الحال {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ} الكتاب بمعنى الكتب {لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ} نصب بإِضمار أنْ وهو مجاز مثل {هذا كِتَابُنَا يَنْطِقُ علَيْكُم بِالحقِّ}، وقرأ عاصم الجحدري {لِيُحْكم} شاذة لأنه قد تقدم ذكر الكتاب {وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ} موضع الذين رفع بفعلهم والذين اختلفوا فيه هم المخاطبون {فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ} قال أبو جعفر: قد ذكرنا قول أهل التفسير فيه وربما أعدنا الشيء مما تقدّم لنزيده شرحاً أو لنختار منه قولاً. فمن أحسن ما قيل فيه: ان المعنى فهدى الله الذين آمنوا بأن بيّنَ لهم الحق مما اختلفت فيه من كان قبلهُم فأما الحديث "في يومِ الجمعة فهم لنا تَبَعٌ" فمعناه فَعَليهِم أن يَتّبعونا لأن هذه الشريعة ناسخة لشرائعهم قال أبو اسحاق: معنى باذنِهِ بعلمِهِ. قال أبو جعفر: وهذا غلط وانما ذلك الإِذنُ والمعنى والله أعلمُ بأمره وإذا أذنِتَ في الشيء فكأنك قد أمرتَ بهِ أي فهدى الله الذين آمنوا بأن أمَرَهُم بما يجبُ أن يستعملوه.
{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ..} [214]
{أن} تقوم مقام المفعولينَ {وَلَمَّا يَأْتِكُم} حُذِفَت الياء للجزم {وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولُ ٱلرَّسُولُ} هذه قراءة أهل الحرمين، وقرأ أهل الكوفة والحسن وابن أبي اسحاق وأبو عمرو {حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ} بالنصب وهو اختيار أبي عُبَيْدٍ وله في ذلك حُجّتانِ: احداهما عن أبي عمر: قال: "زُلْزِلُواْ" فعل ماض و "يَقُولَ" فعلٌ مستقبل فلما اختلفا كان الوجه النصب، والحجة الأخرى حكاها عن الكسائي، قال: إذا تطاولَ الفعل الماضي صار بمنزلة المستقبل. قال أبو جعفر: أما الحجة الأولى بأنّ "زُلْزِلُوا" ماضٍ و "يقول" مستقبل فشيء ليس فيه علّة الرفع ولا النصب لأن حتّى ليست من حروف العطف في الأفعال ولا هي البتّة من عوامل الأفعال؛ وكذا قال الخليل وسيبويه. في نصبهم ما بعدَها على اضمار "أن" انما حذفوا أنْ لأنهم قد علموا أن حتى من عوامل الاسماء هذا معنى قولهما، وكأن هذه الحجة غلط وإنما تتكلم بها في باب الفاء. وحجة الكسائي: بأن الفعل إذا تطاول صار بمنزلة المستقبل كلا حُجّةٍ، لأنه لم يذكر العِلّة في النصب ولو كان الأول مستقبلاً لكان السؤال بحاله. ومذهب سيبويه في "حَتَّىٰ" أن النصب فيما بَعدَهَا من جِهَتينِ، والرفع من جهتين: تقول: سِرتُ حتّى أدخُلَها على أن السير والدخول جميعاً قد مضيا أي سرتُ الى أن أدخلها. وهذا غاية وعليه قراءة من قرأ بالنصب، والوجه الآخر في النصب في غير الآية سرت حتى أدخُلَها أي كي أدخلها، والوجهان في الرفع سِرتُ حتّى أدخُلُهما أي سرتُ فأدخُلها وقد مضيا جميعاً أي كنت سرتُ/ 24أ/ أ فدخلت ولا تعمل حتّى ها هنا بإضمار أنْ لأن بَعْدها جملة كما قال الفرزدق:
فَيَا عَجَباً حَتّى كُلَيبٌ تَسُبُّنِي * كأنَّ أباها نَهْشَلٌ أو مُجَاشع
فعلى هذه القراءة بالرفع وهي أبْينُ وأصحّ معنى أي وزلزلوا حتى الرسول يقول أي حتى هذه حاله، لأن القول إنما كان عن الزلزلة غير منقطع منها والنصب على الغاية ليس فيه هذا المعنى، والوجه الآخر في الرفع في غير الآية سرتُ أدخُلُها على أن يكونَ السير قد مضى والدخول الآن، وحكى سيبويه مَرِضَ حتّى ما يَرجونَهُ ومثله: سِرتُ حتّى أدخُلُها لا أمنَعُ. {مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ} رفع بالابتداء على قول سيبويه وعلى قول أبي العباس رفع بفعله أي مَتَى يقع نصر الله {أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ} اسم ان وخبرها ويجوز في غير القرآن إن نصر الله قريباً أي مكاناً قريباً والقريب لا تُثَنّيه العرب ولا تجمعهُ ولا تؤنّثُهُ في هذا المعنى قال عز وجل {إنّ رحمةَ اللهِ قريبٌ من المُحْسِنِينَ} وقال الشاعر:
لهُ الويلُ إنْ أمسَى ولا أمُّ هاشِمٍ * قَرِيبٌ ولا بسباسة ابنةُ يَشْكُرا
فإن قلتَ: فلانٌ قريبٌ، ثَنّيتَ وجمعت فقلت: قَرِيبونَ وأقْرِباء أو قُرباء.
{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ..} [215]
وإنْ خَفّفتَ الهمزة ألقيتَ حركتَها على السين فَفتحتَها وحذفتَ الهمزة فقلت: يَسَلُونَكَ. {مَاذَا يُنْفِقُونَ} "ما" في موضع رفع بالابتداء و "ذا" الخبر وهو بمعنى الذي وحذفت الياء لطول الاسم أي ما الذي ينفقونه وإن شئتَ كانت "ما" في موضع نصب بينفقون و "ذا" مع "ما" بمنزلة شيء واحد. {قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ} "ما" في موضع نصب بأنفقتم وكذا وما تنفقوا وهو شرط والجواب {فَلِلْوَالِدَيْنِ} وكذا {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}.
{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ..} [216]
اسم ما لم يسم فاعله {وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} ابتداء وخبر.
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلۤـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلۤـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ..} [217]
وفي قراءة عبدالله {عَن قِتَالٍ فِيهِ} وقراءة عكرمة {عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قَتْلٍ فِيهِ} بغير ألف وكذا. {قل قَتْلٌ فيه كبيرٌ} وقرأ الأعرج {ويَسألونَكَ} بالواو {عن الشهرِ الحرامِ قتالِ فيه} قال أبو جعفر: الخفض عند البصريين على بدل الاشتمال، وقال الكسائي: هو مخفوضٌ على التكرير أي عن قتال فيه، وقال الفراء: هو مخفوض على نِيّة ["عن"، وقال أبو عبيدة: هو مخفوض] على الجوار. قال أبو جعفر: لا يجوز أن يعرب شيء على الجوار في كتاب الله عز وجل ولا في شيء من الكلام وانما الجوار غلط وانما وقع في شيء شاذ وهو قولهم، هذا جُحْرُ ضبٍ خربٍ. والدليل على أنه غلط قول العرب في التثنية: هذانِ جُحرا ضبٍ خربان، وانما هذا بمنزلة الاقواء ولا يحْمَلُ شيء من كتاب الله عز وجل على هذا، ولا يكون إلاّ بأفصحِ اللغات وأصَحّها، ولا يجوز اضمار "عن"، والقول فيه أنه بدل، وأنشد سيبويه:
فما كانَ قَيسٌ هُلْكُهُ هُلْكَ واحدٍ * ولكنّهُ بنيَانُ قَومٍ تَهَدّمَا
فأما قتالٌ فيه بالرفع فغامض في العربية. والمعنى فيه يسألونك عن الشهر الحرام أجائز قتالٌ فيه فقوله: "يَسْأَلُونَكَ" يدلّ على الاستفهام كما قال:
أصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيكَ ومِيضَهُ * كلمعِ اليَدينِ في حَبيٍ مُكلَّلٍ
فالمعنى أتَرى برقاً فَحذْفَ ألف الاستفهام لأن الألف التي في اصاح بدل منها وتدل عليها وان كانت حرف النداء وكما قال:
* تَروحُ من الحيّ أم تَبْتكِرْ *
والمعنى أتروح فحذف الألف لأن أمْ تدلّ عليها. {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} ابتداء وخبر {وَصَدٌّ} ابتداء {عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ} خفض بعن {وَكُفْرٌ بِهِ} عطف على صدّ {وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ} عطف على سبيلِ الله {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ} عطف على صدّ وخبر الابتداء {أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ} و {وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ} ابتداء وخبر أي أعظم إثماً من القتال في الشهر الحرام، وقيل: في المسجد الحرام عطف على الشهر أي ويسألونك عن المسجد فقال تعالى واخراجُ أهله منه أكبر عند الله وهذا لا وجهَ له لأن القوم لم يكونوا في شكٍّ من عظيم ما أتى المشركون/ الى 24/ ب المسلمين في اخراجهم من منازلهم بمكة فيحتاجوا الى المسألة عنه هل كان ذلك لهم ومع ذلك فإِنه قول خارج عن قول العلماء لأنهم أجمعوا أنها نزلت في سبب قتل ابن الحضرمي.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلۤـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
{إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ..} [218]
اسم إن {وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ} عطف عليه {أُوْلۤـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ} ابتداء وخبر في موضع خبر إنَّ.

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ..} [219]
هذه قراءة أهل الحرمين وأبي عمرو بن العلاء، وقرأ الكوفيون {كثِيرٌ} واجماعهم على {حوباً كبيراً} يدلّ على أن كبيراً أولى أيضاً فكما يقال: إثم صغير كذا يقال: كبير ولو جاز كثير لقيل: إِثم قليل وأجمعَ المسلمون على قولهم: كبائر وصغائر. {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ} هكذا قرأ أهل الحرمين وأهل الكوفة، وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر وابن أبي اسحاق {قُلِ ٱلْعَفْوُ} بالرفع. قال أبو جعفر: إنْ جعلتَ "ذا" بمعنى الذي كانَ الاختيار الرفع وجاز النصب، وان جعلتَ ما وذا شيئاً واحداً كان الاختيار النصبَ وجاز الرفعُ، وحكى النحويون: ماذا تعلمتَ أنحواً أم شعراً؟ بالنصب والرفع على أنهما جَيدانِ حَسَنانِ إلا أن التفسير في الآية يدلّ على النصب. قال ابن عباس: الفضل، وقال: العفو ما يفضل عن أهلك فمعنى هذا ينفقون العفو، وقال الحسن: المعنى قل أنْفقُوا العفو، وقال أبو جعفر: وقد بَيّنَا {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ في الدّنيا والآخِرَةِ}.
{ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
{.. قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ..} [220]
ابتداء وخبر {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} شرط وجوابه، والتقدير فهم اخوانكم، ويجوز في غير القرآن فاخْوانكم، والتقدير فَتُخالِطونَ اخوانكم.
{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }
{وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ..} [221]
يقال: نَكَحَ يَنكِحُ إذا وطئ هذا الأصل ثم استُعمِلَ ذلك لمن تزوّجَ ويجوز ولا تُنكِحُوا أي لا تُزَوِجوا بضم التاء ولا تُنكِحُوا المشركين أي ولا تُزَوِّجُوهُمْ، وكل من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو مشرك يدلّ على ذلك القرآن، وسنذكره إن شاء الله في موضعه. {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ} ابتداء وخبر وكذا {أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ} وكذا {وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ} وكذا {وَٱلْمَغْفِرَةُ بِإِذْنِهِ} في قراءة الحسن، وفي قراءة أبي العالية {وَٱلْمَغْفِرَةِ} عطفاً على الجنة.
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ..} [222]
محيض مصدر ومِثلُهُ جاء مجيئاً وقالَ مَقِيلاً {قُلْ هُوَ أَذًى} ابتداء وخبر وأذىً من ذَواتِ الياء. يقال: اذيْتُ به أذىً واذاني وهما آذياني {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ} لم تحذف النون للنصب لأنها علامة التأنيث وقد ذكرناه. {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ} "حَيْثُ" في العربي للموضع فتأوّل قوم هذا على ما يجب في العربية أنه موضع بعينه وهو الفرجُ، وقال قوم: قد بَيّنَ ذلك الموضع بقوله {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ} [223] فأنَّى شِئْتُم وهو الذي أمر به. وأما قول مجاهد من حيثُ نُهُوا عنه في مَحِيضِهِنَّ فيدلّ على أنه جعل الأمر والنهيَ شيئاً واحداً، وهذا مردود. "أَنَّىٰ" ظرف وحقيقتُهُ: من أينَ شئتم، وقِيلَ: كيفَ شئتُمْ {وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ} أي الطاعة ثم حذف المفعول. {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ} حذفت النون للاضافة لأنه بمعنى المستقبل. وروى ابنُ عُيَيْنَة عن عمرو بن دينار قال: سمعت سعيد بن جبير يحدّث عن ابن عباس قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يقول: "انكم ملاقو اللهِ حُفاةً عراةً مُشاةً غرلاً" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ".
{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
{وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ..} [224]
نَهيٌ قال ابن عباس يحلف أن لايَصِلَ ذا قرابتِهِ {أَن تَبَرُّواْ} في موضع نصب، وان شئتَ في موضع خفض، وان شئتَ في موضع رفع فالنصب على ثلاث تقديرات منها في تَبَرّوا/ 25/ أ ثم حذف "في" فَتَعدّى الفعل، ومنها كراهة أن تَبرّوا ثم يُحذف ومنها لئلا تبرّوا والخفض في جهة واحدة على قول الخليل والكسائي يكون في أنْ تَبرّوا فأضمرت "في" وخفضتَ بها والرفع بالابتداء وحذفت الخبر، والتقدير أن تبروا وتتقوا وتُصلحوا بَيْنَ الناسِ أولى أو أمثل مِثلُ {طاعةٌ وقولٌ معروفٌ}.
{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }
{لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ..} [225]
يقال: لَغَا يَلغُوا ويَلْغَى لَغْواً ولَغِيَ يَلْغَى لِغىً إذا أتى بما لا يُحْتاجُ إليه في الكلام أو بما لا خَيرَ فيه أو بما لا يُلغَى اثمهُ.
{ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
{لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ..} [226]
أي يحلفون والمصدر إيلاءاً واليّةً وأُلْوَةً وإلْوَةً {تَرَبُّصُ} رفع بالابتداء أو بالصفة {أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} أثبت الهاء لأنه عدد لمذكر وقد ذكرنا علته.
{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
{وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ..} [228]
أثبت الهاء أيضاً لأنه عدد لمذكر، الواحد قَرءٌ، والتقدير عند سيبويه ثلاثة أقراء من قروء لأن قروءاً للكثير عنده، وقد زعم بَعضُهم أن ثلاثة قروء لما كانت بالهاء دلت الهاء على أنها أطْهَارٌ وليست لِحَيْض، قال: ولو كانت حيضاً لكانت ثلاث قروء. وهذا القول خَطأ قبيح لأن الشيء الواحد قد يكون له اسمان مذكر ومؤنث نحوُ دار ومنزل، وهذا بَيّنٌ كثيرٌ، وقد قال الله تعالى {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ} قال ابراهيم النخعي: يعني الحيض وهذا من أصحّ قول، وهكذا كلام العرب، والتقدير والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من القروء أي من الحيض، ومحال أن يكون ههنا الطهر لأنه إنما خلق الله جل وعز في أرحامهن الحيض. والولد ولم يَجرِ ههنا للولد ذكر فوجب أن يكونَ الحيضَ ومن الدليل على أنّ القُرْءَ الحَيْضةُ في قول الله جل وعز {ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ} فقوله تعالى: {فَطَلّقُوهُنّ لعدّتهنّ} والطلاق في الطهر. ولا يخلو قوله جل وعز لعدّتهن من أن يكون معناه قَبلَ عدتهنّ أو بعدها أو معها ومحال أن يكونَ معها أو بَعدها فلما وجبَ أن يكون قبلها وكان الطهر كلّه وقتاً للطلاق وجب أن يكونَ بَعدَهُ وليس بعده إلاّ الحيض، والتقدير في العربية لِيَعْتَدِدْنَ. {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} ابتداء وخبر. وبُعُولةٌ جمع بَعْلٍ والهاء لتأنيث الجماعة.
{ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ }
{ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ..} [229]
ابتداء وخبر، والتقدير عَدَدُ الطلاقِ الذي تُملَكُ مَعَهُ الرجعةُ مرتانِ. {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} ابتداء والخبر محذوف أي فعليكم امساك بمعروف ويجوز في غير القرآن فامساكاً على المصدر. {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} أنّ في موضع رفع بيحل {إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ} وقرأ أبو جعفر يزيد ابن القعقاع وحمزة {إِلاَّ أَن يُخَافَآ} بضم الياء وهو اختيار أبي عبَيْد قال: لقوله "فَإِنْ خِفْتُمْ" فجعل الخوف لغيرهما ولم يقلْ: فإن خافا، وفي هذا حُجّةٌ لمن جعل الخلع الى السلطان. قال أبو جعفر: أنا أنكر هذا الاختيار على أبي عُبيدٍ وما علمت في اختياره شيئاً أبعدَ من هذا الحرف لأنه لا يوجب الاعراب ولا اللفظُ ولا المعنَى ما اختاره فأما الاعراب فإنه يُحْتَجُّ له بأنّ عبدالله بن مسعود قرأ {إِلاَّ أَن تَخَافُوا أن لا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ} فهذا في العربية إذا رُدَّ الى ما لم يسم فاعله قيل إلاّ أن يُخَافَ أن لا يقيم حدود اللهِ وأما اللفظ فإن كان على لفظ يخَافَا وجب أن يقال: فإِن خِيفَ وإنْ كان على لفظ فإن خِفْتُمْ وجب أن يقال: إلاّ أنْ تخافوا وأمّا المعنى فإنه يبعدُ أنْ يُقالَ: لا يحلُّ لكم أن تأخذوا مما آتيتموهنَّ شيئاً إلاّ أن يَخَافَ غَيرُكم ولم يقلْ تعالى فلا جُنَاحَ عليكم أن/ 25 ب/ تأخذوا له منها فِديةً فيكون الخلع إلى السلطان، وقد صحَّ عن عمر وعثمان وابن عمر أنهم أجازوا الخَلْع بغير السلطان. وقال القاسم بن محمد "إِلاَّ أَن يَخَافَآ أن لا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ" ما يجب عليهما في الشعرة والصحبة فأما فإن خِفتُم وقبله إلا أن يَخَافَا فهذا مخاطبة الشريعةَ وهو من لطيف كلام العرب أي فإن كنتم كذا فإن خفتم ونظيره {فلا تَعضُلوهُنّ أنْ ينكِحْنَ أزواجهنَّ} لأن الولي يعضل غيره ونظيره {والذينَ يُظاهرون من نسائِهِم} و {أَن يَخَافَآ} في موضع نصب استثناء ليس من الأول "أَلاَّ يُقِيمَا" في موضع نصب أي من أن لا يقيما وبأن لا يقيما وعلى أن لا، فلما حذف الحرف تَعدّى الفعل وقول من قال: يَخَافا بمعنى يُوقنا لا يُعْرَفُ، ولكن يقع النشوز فيقع الخوف من الزيادة "أن لا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ" أكثر العلماء وأهل النظر على أن هذا للمرأة خاصة لأنها التي لا تقيم حدود الله في نشوزها وهذا معروف في كلام العرب بَيّنْ في المعقول ولو أن رجلاً وامرأة اجتمعا فصلّى الرجل ولم تُصَلّ المرأة لقلتَ ما صلّيا وهذا لا يكون إلا في النفي خاصة. {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ} يقال: إِنما الجناح على الزوج فكيف قال عليهما؟ فالجواب أنه قد كان يجوز أنْ يحظر عليهما أن يفتدي منه فأطلق لها ذلك وأعلمَ أنه لا اثم عليهما جميعاً، وقال الفراء: قد يجوز أن يكون فلا جناح عليهما للزوج وحده مثل {يَخرجُ منهما اللؤلؤ والمرجانُ} {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ} في موضع جزم بالشرط فلذلك حذفت منه الألف، والجواب {فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ}.
{ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }
{فَإِنْ طَلَّقَهَا..} [230]
أي فإن طلقها الثالثة {فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ} أي من بعد الثالة {حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} وبَيّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ النكاح ها هنا الجِماع وكذلك أصله في اللغة.
{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ..} [231]
في إذا معنى الشرط فلذلك تحتاج الى جواب، والجواب {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً} مفعول من أجله أي من أجل الضرار {لِّتَعْتَدُواْ} نصب باضمار أنْ {وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً} مفعولان.
{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِٱلْمَعْرُوفِ ذٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }

اعراب آيات سورة ( البقرة ){ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
{وَٱلْوَالِدَاتُ..} [233]
ابتداء {يُرْضِعْنَ} في موضع الخبر و فعل المولود رَضِعَ يَرضَعُ فهو راضع {حَوْلَيْنِ} ظرف زمان ولا يجوز أن يكون الفعل في أحدهما. هذا قول سيبويه. وقرأ مجاهد وحميد بن قيس وابن محيصن {لِمَنْ أَرَادَ أَن تَتِمَّ ٱلرَّضَاعَةُ} بفتح التاء الأولى ورفع الرضاعة بعدها. قال أبو جعفر: ويجوز "مَنْ أَرَادَ أَن يَتِمَّ ٱلرَّضَاعَةُ" بالياء لأن الرَّضاعة والرِّضاع واحد ولا يعرف البصريون: الرضاعة الا بفتح الراء والرضاع الا بكسر الراء مثل القتال، وحكَى الكوفيون كسر الراء مع الهاء وفتحها بغير هاء وقد قرأ أبو رجاء وكان فصيحاً {لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ} وقرأ {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ} بفتح التاء. {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} في موضع جزم بالنهي وفُتِحَت الراء لالتقاء الساكنين ويجوز كسرُها وهي قراءة، وقرأ أبو عمرو {لاَ تُضَآرُّ} جعله خبراً بمعنى النهي وهذا مَجاز والأول حقيقة. وروى أبان عن عاصم {لا تُضَارِرْ والدةٌ} وهذه لغة أهل الحجاز. قال أحمد بن يحيى: يجوز أن يكون تقدير "لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ" لا تضارَرْ ثم أدغم. قال أبو جعفر: لا تضارَّ والدةٌ اسم ما لم يُسَمَّ فاعله إذا كان التقدير لا تُضارَرُ وإن كان التقدير لا تُضارِر كانت رفعاً بفعلها. {وَلاَ مَوْلُودٌ} عطف عليها بالواو ولا توكيد {وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ} رفع بالابتداء أو الصفة/ 26 أ/ {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ} التقدير في العربية وإن أردتم أن تسترضعوا أجنبيةً لأولادكم وحُذِفَت اللام لأنه يَتَعدَّى الى مفعولين أحدهما بحرف وأنشد سيبويه:
أَمرتُكَ الخَيرَ فافعَلْ ما أُمِرتَ بِهِ * فَقَد تَركتُكَ ذا مَالٍ وذا نَشَبِ
{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً..} [234]
يقال أينَ خبر "ٱلَّذِينَ" ففيه أقوال قال الأخفش سعيد: التقدير والذين يُتَوفّونَ منكم ويذرون أزواجاً يتربّصْنَ بأنفسِهنّ بعدَهُمْ أو بعدَ مَوتِهِم ثم حذف هذا كما يُحذَفُ شيء كثير وقال الكسائي: في التقدير يتربّصُ أزواجهم كما قال جل وعز {والذينَ اتّخذُوا مسجداً ضراراً وكفراً -لا تقم فيه أبداً} أي لا تقم في مسجدهم وقال الفراء: إذا ذكرت اسماء ثم ذكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر وكان الاعتماد في الخبر على الثاني أخبر عن الثاني وترك الأول. قال أبو اسحاق: هذا خطأ لا يجوز أن يُبْتَدأ باسم ولا يُحَدّثُ عنه. قال أبو جعفر: ومن أحسن ما قيل فيها قول أبي العباس محمد بن يزيد قال: التقدير والذين يُتَوفّونَ منكم ويذَرُونَ أزواجاً أزواجهم يَتَربّصْنَ بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ثم حَذفَ كما قال الشاعر:
وما الدهرُ إلاّ تارتان فَمِنْهُما * أموتُ وأُخرَى ابتَغِي العيشَ أكدحُ
وفيها قول رابع يكون التقدير وأزواجُ الذين يُتَوفّونَ منكم وقد ذكرنا وعشراً.
{ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }
{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ..} [235]
خِطْبَةُ وخِطْبٌ واحد. والخُطْبةُ ما كان لها أول وآخر، وكذا ما كان على فُعْلَة نَحو الأكلَة والضُغْطَة. {أَوْ أَكْنَنتُمْ} يقال: أكنَنْتُ الشيء إذا أخفيتَهُ في نَفسِكَ، وكَنَنْتُهُ: صُنتَهُ ومنه {كأنهنّ بَيْضٌ مكنونٌ} هذه أفصح اللغات. {وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} أي على سِر حذف الحرف لأنه مما يتعدَّى إلى مفعولين أحدهما بحرف، ويجوز أن يكون في موضع الحال. {إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} استثناء ليس من الأول {وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ} أي على عقدةِ النكاحِ ثم حذف "على" كما تقدّم وحَكَى سيبويه: ضُرِبَ فلانٌ الظهرَ والبَطنَ أي "على" قال سيبويه: والحذف في هذه الأشياء لا يقاس. قال أبو جعفر: ويجوز أنْ يكون المعنى ولا تعقدوا عقدة النكاح لأن معنى تعقدوا وتَعزِموا واحد ويقال: تَعزُمُوا.

لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ }
{.. وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ..} [236]
ويقرأ {قَدَرُهُ} وأجاز الفراء: قَدَرهُ قال أبو جعفر: حَكَى أكثر أهل اللغة أن قَدْراً أو قَدَراً بمعنى واحد، وقال بعضهم: القَدْر بالتسكين الوُسْعُ. يقال فلانٌ ينفق على قَدْرِهِ أي على وُسْعِهِ. وأكثر ما يُستَعْمَلُ القَدَرُ بالتحريك للشيء إذا كان مساوياً للشيء. يقال: هذا على قَدَرِ هذا. فأما النصب فلان معنى مَتّعُوهُنّ وأعطُوهُن واحد. {مَتَاعاً} مصدر ويجوز أن يكونَ حالاً أي قَدْرُهُ في هذه الحال.
{ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
{.. فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ..} [237]
أي فعليكم، ويجوز النصب في غير القرآن أي فأدّوا نِصفَ ما فرضتم ويقال: نُصْفٌ ونَصْفٌ بمعنى نِصف {لاَّ أَن يَعْفُونَ} في موضع نصب بأن وعلامة النصب فيه مُطّرحة لأنه مبني وقد ذكرنا نظيره، إلاّ أنا نزيده شرحاً فقول سيبويه: إنه انما بُني لِمَا زادُوا فيه ولأنه مضارع للماضي، والماضي مَبنيّ فَبُنيَ كما يُبْنى الماضي ومَثّلَ هذا سيبويه بأن الأفعال أُعرِبَتْ لأنها مضارعة للاسماء والفعل بالفعل أولى من الفعل بالاسم، وهذا مما يُسْتَحْسَنُ من قول سيبويه. وقال الكوفيون: كان سبيلُه أن يُحذَفَ منه النون ولكنها علامة فلو حُذِفَتْ لذهب المعنى، وقال محمد بن يزيد: اعتلَّ هذا الفعل من ثلاثِ جهاتٍ والشيءُ إذا اعتلّ من ثلاثِ جهات بُنِيَ منها أنهُ فعل وأنه / 26 ب/ لجمع وأنه لمؤنث. قال أبو جعفر: وسمعت أبا اسحاق يُسأَلُ عن هذا فقال: هو غلط من قول أبي العباس: لأن لو سَمّينا امرأةً بفرعون لم نبنه. {أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ} معطوف {وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} ابتداء وخبر والأصل يَعقُو واسكنت الواو الأولى لِثِقَلِ الحركةِ فيها ثم حذِفَتْ لالتقاء الساكنين. {وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} قال طاووس: إصطناع المعروف. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا ضمة هذه الواو في {اشترُوا الضَّلالَةَ}.
{حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ }
{حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ..} [238]
قد ذكرناه، ونزيد شرحاً. قرأ الرؤاسي {حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ} بالنصب أي والزَمُوا الصلاةَ الوسطى وفي حرف ابن مسعود {وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ}، وروي عن ابن عباس "والصلاةِ الوسطى صلاةِ العصر". وهذه القراءة على التفسير لأنها زيادة في المصحف، والحديث المرويّ في القراءة والكتابة "حَافِظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاةِ العصرِ" لا يوجب أن يكون الوسطى خلاف العصر كما أنّ قوله عز وجل {فيهما فاكهة ونخلٌ ورمانٌ} أن يكون النخل والرمان خلافَ الفاكهة كما قال الشاعر:
النّازِلُونَ بِكُلّ مُعْتَركٍ * والطّيِّيونَ مَعَاقِدَ الأزُرِ
ليس الطيِبونَ فيه خلافَ النازلينَ، وحكى سيبويه: مررت بزيدٍ أخيكَ وصديقكَ. والصديق هو الأخ. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا احتجاج من قال: إن الصلاة الوسطى العصر لأنها بين الصلاتين من صلاةِ النهار وصلاتَينِ من صلاةِ الليل وأجودُ من هذا الاحتجاج أن يكونَ قِيلَ لها: الوسطى لأنها بين صلاتين إحداهما أولُ ما فُرِضَ والأخرَى الثالثة مما فرض وحَجّةُ من قال: انها الصبح أنها بين صلاتين من صلاةِ النهارِ وصلاتين من صلاةِ الليل وحجة من قال: انها الظهر أنها في وسط النهارِ وقال قوم: هي العشاء الآخرة وقال قوم: هي المغرب لأنها بين صلاتين من النهار وصلاتين من الليل. {وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ} منصوب على الحال وقد بينا معناه.

{ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }
{فَإنْ خِفْتُمْ..} [239]
شرط، وجوابه ما قلنا {فَرِجَالاً} نصب على الحال أي فصلّوا رجالاً، والمعنى فإن خفتم أن تقوموا لله قانتين فصلّوا مشاة أو ركباناً. قال أبو جعفر: يقال: راجِلٌ ورَجْلانٌ ورَجُل بمعنى واحد وفي الجمع لغات يقال: رجّالة رجال مِثلُ صَاحب وصِحَاب كما قال:
* وقَالَ صِحَابي قد شَأونَكَ فاطْلُبِ *
ويجوز أن يكونَ رِجال جمع رَجْل بمعنى راجل، ويقال في الجمع: رُجّال مِثلُ كاتِب وكُتّاب، ويقال: رَجْل مِثلُ تاجر وتَجْر، ويقال: راجِلِ ورِجْلَة ورَجْلَة اسم للجمع، وكذا رُجال مُخفّف ويقال: رُجَالَى ورَجَالَى ورَجْلَى جمع رَجْلان. {فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ} أي فقوموا للهِ قانتين.
{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ..} [240]
الذين في موضع رفع إن شئتَ بالابتداء، والتقدير يوصون وَصيّةً. والمعنى ليُوصُوا وصيّةً، وإن شئت كان الذين رفعاً باضمارِ فعلٍ أي يُوصّي الذينَ يُتَوفَّونَ منكم وصيّة، وفي الرفع وجه ثالث أي وفِيما فرض عليكم الذي يُتَوفَّون منكم ويَذَرُونَ أزواجاً يُوصُون وَصيّةً لأزواجِهِم والذينَ مَبنيّ على حالٍ واحدة لأنه لا تتمّ الا بصلةٍ ويقال: الّذونَ في موضع الرفع ومن قرأ {وَصِيّةٌ} بالرفع فتقديره والذين يُتَوفّون منكم عليهم وصِيّةٌ لأزواجِهِم، {مَّتَاعاً} مصدر عند الأخفش وعند أبي العباس أي ذوي متاع {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} في نصبه ثلاثة أوجه: قال الفراء: أي من غير إخراج وقال الأخفش: هو مصدر أي لا اخراجاً ثم جعل غيرا في موضع "لا" وقيل: هو حال/ 27/ أ أي غير ذوي اخراج، والمعنى يُوصونَ بهنّ غير مُخْرجينَ لهنّ وهذا كلُّهُ منسوخ {بالربع والثمن} و {أربعةَ أشهر وعشراً} و "لا وَصِيّةَ لوارثٍ" {فَإِنْ خَرَجْنَ} شرط والجواب {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فيما فعلنَ في أنفسهنّ من معروف.
{ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ }
{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً..} [241]
قال الأخفش: هو مصدر أي أحقُّ ذلك حقاً. قال أبو جعفر: {على} متعلّقةٌ بالفعل المحذوف أي يحق ذلك على المتّقين حقاً.


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }
{أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ..} [243]
هذه ترى من رؤية القلب أي ألم تَتَنَبّهْ على هذا وألم يأتِكَ علمه والأصل الهمز فَتُرك استخفافاً. {حَذَرَ ٱلْمَوْتِ} مفعول من أجله وهو مصدر {إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ} اسم إنّ وخبرها واللام زائدة للتوكيد. وأصل ذِي ذوىً فاعلمْ وقد نطق القرآن به على الأصل قال الله عز وجل: {ذَواتا أفنانٍ}. ومعنى لذو فضل على الناس ها هنا أنه أحْيَا هؤلاء بعد الموت وأراهم الآية العظمى.
{ وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ..} [244]
أمر أي لا تهربوا كما هرب هؤلاء {وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} اسم "انّ" وخبرها أي يسمع قولكم ان قلتم مثل ما قال هؤلاء ويعلم مرادكم به.
{ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ..} [245]
"مَنْ" رفع بالابتداء، وخبره "ذا" و "ٱلَّذِي" نعت لذا، وان شئت بدل {قَرْضاً} اسم للمصدر وأصل قَرَضْتُ قَطعت، ومنه سُميَ المقراضان ومنه {تَقْرضُهُم ذاتَ الشِّمالِ}، فمعنى أقرضْتُ الرجلَ أعطيته قطعة من مالي {فَيُضَاعِفُهُ لَهُ} عطف على يقرض وإن شئتَ كان مستأنفاً وقرأ ابن أبي اسحاق والأعرج {فيضاعِفَهُ له} نصباً وقد رُوِيَ أيضاً هذا عن عاصم والنصب على جواب الاستفهام و {أَضْعَافاً} بمعنى المصدر {كَثِيرَةً} من نعته {وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} وإن شئتَ قَلَبت السين صاداً لأن بعدها طاءاً.
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }
{أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ..} [246]
قيل: الملأ الأشراف لأنهم مليئون بما يدخلون فيه {إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} جزم لأنه جواب الطلب والطلب في لفظ الأمر، ويجوز نقاتلُ في سبيل الله رفعاً بمعنى نحن نقاتل أي فأنا مِمَّنْ يقاتل، ومن قرأ بالياء يقاتلُ فالوجه عنده الرفع لأنه نعت لملك. {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ} قال أبو حاتم: ولا وجه لِعَسِيتُم، وقد قرأ الحسن به ونافع وطلحة ابنُ مصرّف ولو كان كذا لقرئتْ {فَعَسِيَ الله}. قال أبو جعفر: حكى يعقوب بن السّكيت وغيره أنّ "عسيْت" لغة ولكنها لغة رديئة فإذا قال عسى الله ثم قال: فهل عسِيتُم استعمل اللغتين جميعاً إلاّ أنه ينبغي له أنْ يقرأ بأفصح اللغتين وهي فتح السين. {إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} شرط {أَلاَّ تُقَاتِلُواْ} في موضع نصب. قال أبو اسحاق: أي هل عسيتم مقاتلة {قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} قال الأخفش: أنْ زائدة وقال الفراء: هو محمول على المعنى أي وما مَنَعنا كما تقول: مالك ألاّ تصلي أي ما منعك، وقيل: المعنى وأيّ شيء لنا في ألا نُقاتِل في سبيل الله، وهذا أجودها {وأنْ} في موضع نصب. {وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا} أي سُبِيَتْ ذرارِينَا {تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} استثناء.
{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً..} [247]
"طَالُوتَ" مفعول، ولم ينصرف لأنه أعجميّ وكذا داود وجالوت، ولو سمّيت رجلاً بطاووس وراقود لَصَرفتَ وان كانا أعجميّين، والفرق بين هذا وبين الأول أنك تقول: الطاووس فَتدخِل فيه الألف واللام فَتمكّنَ في العربية، ولا يكون هذا في ذاك {مَلِكاً} نصب على الحال {قَالُوۤاْ أَنَّىٰ} من أيّ جهة وهي في موضع/ 27 ب/ نصب على الظرف {ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا} رفع اسم يكون {وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ} ابتداء وخبر {وَلَمْ يُؤْتَ} جزم بلم فلذلك حذفت منه الألف {سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ} خبر ما لم يُسَمَّ فاعله.
{ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }
{.. إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ..} [248]
اسم "إِن" وخبرها أي إتيان التابوت والآية في التابوت على ما رُويَ أنه كان يُسْمَعُ فيه أنين فإذا سمع ذلك ساروا نحوهم وإذا هدأ الأنينِ لم يسيروا ولم يسر التابوت. ولغة الأنصار التابُوهُ بالهاء. وَرُوِيَ عن زيد بن ثابت {التّبوت} {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} رفع بالابتداء أو بالاستقرار فيجوز أن تكون السكينة شيئاً فيه وكذا البقيّة، ويجوز أن يكون التابوت في نفسه سكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون. والأصل في آل أهل.



















 

رضا الجنايني

مزمار كرواني
6 يونيو 2008
2,850
27
0
الجنس
ذكر
رد: أعراب سورة البقرة كاملة :::: رضا الجنايني

أعراب سورة البقرة من الآية (239: 286) نهاية سورة البقرة ::: رضا الجنايني

{ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }

{فَإنْ خِفْتُمْ..} [239]
شرط، وجوابه ما قلنا {فَرِجَالاً} نصب على الحال أي فصلّوا رجالاً، والمعنى فإن خفتم أن تقوموا لله قانتين فصلّوا مشاة أو ركباناً. قال أبو جعفر: يقال: راجِلٌ ورَجْلانٌ ورَجُل بمعنى واحد وفي الجمع لغات يقال: رجّالة رجال مِثلُ صَاحب وصِحَاب كما قال:
* وقَالَ صِحَابي قد شَأونَكَ فاطْلُبِ *
ويجوز أن يكونَ رِجال جمع رَجْل بمعنى راجل، ويقال في الجمع: رُجّال مِثلُ كاتِب وكُتّاب، ويقال: رَجْل مِثلُ تاجر وتَجْر، ويقال: راجِلِ ورِجْلَة ورَجْلَة اسم للجمع، وكذا رُجال مُخفّف ويقال: رُجَالَى ورَجَالَى ورَجْلَى جمع رَجْلان. {فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ} أي فقوموا للهِ قانتين.

{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ..} [240]
الذين في موضع رفع إن شئتَ بالابتداء، والتقدير يوصون وَصيّةً. والمعنى ليُوصُوا وصيّةً، وإن شئت كان الذين رفعاً باضمارِ فعلٍ أي يُوصّي الذينَ يُتَوفَّونَ منكم وصيّة، وفي الرفع وجه ثالث أي وفِيما فرض عليكم الذي يُتَوفَّون منكم ويَذَرُونَ أزواجاً يُوصُون وَصيّةً لأزواجِهِم والذينَ مَبنيّ على حالٍ واحدة لأنه لا تتمّ الا بصلةٍ ويقال: الّذونَ في موضع الرفع ومن قرأ {وَصِيّةٌ} بالرفع فتقديره والذين يُتَوفّون منكم عليهم وصِيّةٌ لأزواجِهِم، {مَّتَاعاً} مصدر عند الأخفش وعند أبي العباس أي ذوي متاع {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} في نصبه ثلاثة أوجه: قال الفراء: أي من غير إخراج وقال الأخفش: هو مصدر أي لا اخراجاً ثم جعل غيرا في موضع "لا" وقيل: هو حال/ 27/ أ أي غير ذوي اخراج، والمعنى يُوصونَ بهنّ غير مُخْرجينَ لهنّ وهذا كلُّهُ منسوخ {بالربع والثمن} و {أربعةَ أشهر وعشراً} و "لا وَصِيّةَ لوارثٍ" {فَإِنْ خَرَجْنَ} شرط والجواب {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فيما فعلنَ في أنفسهنّ من معروف.

{ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ }

{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً..} [241]
قال الأخفش: هو مصدر أي أحقُّ ذلك حقاً. قال أبو جعفر: {على} متعلّقةٌ بالفعل المحذوف أي يحق ذلك على المتّقين حقاً.


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }
{أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ..} [243]
هذه ترى من رؤية القلب أي ألم تَتَنَبّهْ على هذا وألم يأتِكَ علمه والأصل الهمز فَتُرك استخفافاً. {حَذَرَ ٱلْمَوْتِ} مفعول من أجله وهو مصدر {إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ} اسم إنّ وخبرها واللام زائدة للتوكيد. وأصل ذِي ذوىً فاعلمْ وقد نطق القرآن به على الأصل قال الله عز وجل: {ذَواتا أفنانٍ}. ومعنى لذو فضل على الناس ها هنا أنه أحْيَا هؤلاء بعد الموت وأراهم الآية العظمى.
{ وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ..} [244]
أمر أي لا تهربوا كما هرب هؤلاء {وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} اسم "انّ" وخبرها أي يسمع قولكم ان قلتم مثل ما قال هؤلاء ويعلم مرادكم به.
{ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ..} [245]
"مَنْ" رفع بالابتداء، وخبره "ذا" و "ٱلَّذِي" نعت لذا، وان شئت بدل {قَرْضاً} اسم للمصدر وأصل قَرَضْتُ قَطعت، ومنه سُميَ المقراضان ومنه {تَقْرضُهُم ذاتَ الشِّمالِ}، فمعنى أقرضْتُ الرجلَ أعطيته قطعة من مالي {فَيُضَاعِفُهُ لَهُ} عطف على يقرض وإن شئتَ كان مستأنفاً وقرأ ابن أبي اسحاق والأعرج {فيضاعِفَهُ له} نصباً وقد رُوِيَ أيضاً هذا عن عاصم والنصب على جواب الاستفهام و {أَضْعَافاً} بمعنى المصدر {كَثِيرَةً} من نعته {وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} وإن شئتَ قَلَبت السين صاداً لأن بعدها طاءاً.

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }
{أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ..} [246]
قيل: الملأ الأشراف لأنهم مليئون بما يدخلون فيه {إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} جزم لأنه جواب الطلب والطلب في لفظ الأمر، ويجوز نقاتلُ في سبيل الله رفعاً بمعنى نحن نقاتل أي فأنا مِمَّنْ يقاتل، ومن قرأ بالياء يقاتلُ فالوجه عنده الرفع لأنه نعت لملك. {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ} قال أبو حاتم: ولا وجه لِعَسِيتُم، وقد قرأ الحسن به ونافع وطلحة ابنُ مصرّف ولو كان كذا لقرئتْ {فَعَسِيَ الله}. قال أبو جعفر: حكى يعقوب بن السّكيت وغيره أنّ "عسيْت" لغة ولكنها لغة رديئة فإذا قال عسى الله ثم قال: فهل عسِيتُم استعمل اللغتين جميعاً إلاّ أنه ينبغي له أنْ يقرأ بأفصح اللغتين وهي فتح السين. {إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} شرط {أَلاَّ تُقَاتِلُواْ} في موضع نصب. قال أبو اسحاق: أي هل عسيتم مقاتلة {قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} قال الأخفش: أنْ زائدة وقال الفراء: هو محمول على المعنى أي وما مَنَعنا كما تقول: مالك ألاّ تصلي أي ما منعك، وقيل: المعنى وأيّ شيء لنا في ألا نُقاتِل في سبيل الله، وهذا أجودها {وأنْ} في موضع نصب. {وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا} أي سُبِيَتْ ذرارِينَا {تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} استثناء.
{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً..} [247]
"طَالُوتَ" مفعول، ولم ينصرف لأنه أعجميّ وكذا داود وجالوت، ولو سمّيت رجلاً بطاووس وراقود لَصَرفتَ وان كانا أعجميّين، والفرق بين هذا وبين الأول أنك تقول: الطاووس فَتدخِل فيه الألف واللام فَتمكّنَ في العربية، ولا يكون هذا في ذاك {مَلِكاً} نصب على الحال {قَالُوۤاْ أَنَّىٰ} من أيّ جهة وهي في موضع/ 27 ب/ نصب على الظرف {ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا} رفع اسم يكون {وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ} ابتداء وخبر {وَلَمْ يُؤْتَ} جزم بلم فلذلك حذفت منه الألف {سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ} خبر ما لم يُسَمَّ فاعله.
{ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }
{.. إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ..} [248]
اسم "إِن" وخبرها أي إتيان التابوت والآية في التابوت على ما رُويَ أنه كان يُسْمَعُ فيه أنين فإذا سمع ذلك ساروا نحوهم وإذا هدأ الأنينِ لم يسيروا ولم يسر التابوت. ولغة الأنصار التابُوهُ بالهاء. وَرُوِيَ عن زيد بن ثابت {التّبوت} {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} رفع بالابتداء أو بالاستقرار فيجوز أن تكون السكينة شيئاً فيه وكذا البقيّة، ويجوز أن يكون التابوت في نفسه سكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون. والأصل في آل أهل.

{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }
قرأ حميد بن قيس {.. إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ..} [249] باسكان الهاء. وهي لغة إلا أن الكوفيين يقولون: ما كان ثانيه أو ثالثه حرفاً من حروف الحلق كان ذلك أن تسكّنه وأن تُحرِّكهُ نَحوُ نَهْز وسَمْع ولحْم فأما البصريون فَيَتبعُون في هذا اللغة السماع من العرب ولا يتجاوزون ذلك. {إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غَرْفَةً} "مَنْ" في موضع نصب بالاستثناء واختار أبو عُبَيْدٍ: {إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً} بضم الغين قال: لأنه لم يُقَلْ: غَرَفَ وانما هو الماء بعينِهِ.
قال أبو جعفر: الفتح في هذا أولَى لأن الغُرْفَةَ بالضم هي ملءُ الشيء يقع للقليل والكثير والغَرْفَةُ بالفتح المرة الواحدة وسياق الكلام يدلُّ على القليل فالفتح أشبهُ. فأما قول أبي عبيد أنه اختاره لأنه لم يُقَلْ: غَرفَ فمردود لأن غَرفَ واغترف بمعنى واحد {فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} استثناء {فَلَمَّا جَاوَزَهُ} الهاء تعود على النهر "وهو" توكيد "وَٱلَّذِينَ" في موضع رفع عطف على المضمر في جاوزه ويقبح أن تعطف على المضمر المرفوع حتى تؤكِّده لأنه لا علامة له فكأنك عطفت على بعض الفعل فإذا وُكِّد به والتوكيد هو الموكَّد فكأنك جئت به مُنْفَصِلاً {قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ} طاقة وطوق اسمان بِمعنَى الأطاقة. {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ} لو حَذَفْتَ من لكان الاختيار الخفض لأنه خبر.
{ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }
{.. وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ..} [251]
قيل: من ذلك منطق الطير وعمل الدروع {وَلَوْلاَ دِفاعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} اسم "الله" تعالى في موضع رفع بالفعل لولا أن يدفع و {دِفاع} مرفوع بالابتداء عند سيبويه "ٱلنَّاسَ" مفعولون "بَعْضَهُمْ" بدل من الناس "ببعضٍ" في موضع المفعول الثاني عند سيبويه وهو عنده مثل قولك: ذَهَبْتُ بِزَيدٍ، فبزيد في موضع مفعول واختار أبو عُبَيْدٍ {وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ} وأنكر دِفَاع وقال: لأن الله تعالى لا يغالبه أحد. قال أبو جعفر: القراءة بدفَاع حسنةَ جيدة وفيها قولان قال أبو حاتم: دَافَعَ ودَفَعَ واحد يذهب الى أنه مثل طَارَقْتُ النعلَ، وأجود من هذا وهو مذهب سيبويه لأن سيبويه قال: وعلى ذلك دَفَعْتُ الناس بعضهم ببعضٍ ثم قال: ومثل ذلك "وَلَوْلاَ دِفاعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ". قال أبو جعفر: هكذا قرأتُ على أبي اسحاق في كتابِ سيبويه أن يكون "دِفَاع" مصدر دَفَعَ كما تقول: حَسَبْتُ الشيء حِسَاباً ولَقِيتُهُ لقاءاً وهذا أحسن فيكون دِفَاعٌ ودَفْعٌ مصدرين لِدَفَعَ.
{ تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }
{تِلْكَ..} [252]
ابتداء {آيَاتُ ٱللَّهِ} خبره، وان شئت كانت بدلاً والخبر {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ} {وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ} خبر "إنّ" أي وإنك لمرسل/ 28/ أ تم الجزء الثالث من كتاب اعراب القرآن والحمد لله رب العالمين وصلى الله على النبي محمد وآله الكرام الابرار وسلم.


{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }
{تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ..} [253]
تلك لتأنيث الجماعة وهي رفع بالابتداء و "ٱلرُّسُلُ" نعت وخبر الابتداء الجملة. وعند الكوفيين "تلك" رفع بالعائد كما تقول: زَيدٌ كلّمتُ أباه {مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ} حذفتَ الهاء لطول الاسم، والمعنى من كلّمه الله ومَنْ لموسى صلى الله عليه وسلم قال: {وكلّمَ اللهُ موسَى تكليماً} {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} ههنا على مذهب ابن عباس والشَّعبِيّ ومجاهد محمد صلى الله عليه وسلم "بُعِثْتُ إلى الأحمر والأسود وجُعِلَتْ لي الأرضُ مَسجِداً وطهوراً ونُصِرت بالرعبِ مَسِيرَةَ شهرٍ وأُحِلَّتْ لي الغنائم وأُعْطِيَتُ الشفاعة". ومن ذلكَ القرآنُ وانشقاقَ القمر وتكليمه الشجرة واطعامه خلقاً عظيماً من تُمَيراتٍ ودُرَورُ شاة أم معبدٍ بعد جَفافٍ. {وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ} مفعولان {وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ} كُسِرت النون لالتقاء الساكنين ويجوز حذفها لالتقاء الساكنين في غير القرآن وأنشد سيبويه:
فَسَلتُ بآتِيهِ ولا أستَطِيعُهُ * وَلاَكِ اسقِني إنْ كان ماؤُكَ ذا فَضلِ
{فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ} "مَنْ" في موضع رفع بالابتداء أو بالصفة.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ }
{.. مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ..} [254]
[الجملة في موضع رفع نعت لليوم فإن شئت رفعتَ فقلتَ {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ}] تجعل "لا" بمعنى "ليس" أو بالابتداء وإنْ شئتَ نصبتَ على التَّبرِئَةِ وقد ذكرناه قبل هذا {وَٱلْكَافِرُونَ} ابتداء {هم} ابتداء ثان {ٱلظَّالِمُونَ} خبر الثاني وان شئت كانت "هُمُ" زائدة للفصل والظالمون خبر الكافرون.
{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ * لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
{ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ..} [255]، [256]
ابتداء وخبر، وهو مرفوع محمول على المعنى أي ما إله إلاّ هو، ويجوز لا إله إلاّ هو، ويجوز في غير القرآن لا إله إلاّ إيّاهُ نَصْبٌ على الاستثناء. قال أبو ذرٍّ: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أُنزِلَ إليكَ من القرآن أعظم فقال: {ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ}. وقال ابن عباس: أشرفُ آيةٍ في القرآن آيةُ الكرسي. {ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ} نعت لله عز وجل، وإن شئت كان بدلاً من هو وإنْ شئتَ كان خبراً بَعدَ خبر، وان شئت على اضمار مبتدأ، ويجوز في غير القرآن النصبُ على المدح. وقد ذكرنا التفسير والأصل فيه. {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} الأصل وِسْنَةٌ حُذِفَت الواو كما حُذِفَتْ من يَسِنُ ولا نوم الواو للعطف "ولا" توكيد، {لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ} في موضع رفع بالبتداء او بالصفة. {مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ} "مَنْ" رفع بالابتداء و "ذا" خبره والذي نعت لذا، وان شئت بدل، ولا يجوز أن تكون "ذا" زائدة كما زيدت مع "ما" لأن "ما" مبهمة فزيدت "ذا" معها لشبهها بها: يقال: كُرسِيّ وكِرْسِيٌّ. ويجوز {لاَ إِكْرَاهٌ فِي ٱلدِّينِ..} [256] وقرأ أبو عبدالرحمن {قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ} وكذا يُرْوَى عن الحسن والشَّعبِي. يقال: رَشَدَ يَرشُدُ رُشْداً ورَشِدَ يرشَدُ رَشَداً. إذا بَلَغَ ما يحب وغَوَى ضدّهُ كما قال:
* ومَن يَغْوِ لا يَعْدَمْ على الغيِّ لائِماً *
{فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ} جزم بالشرط والطاغوت مؤنث وقد ذكرنا معناها وما قيل فيها {وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ} عطف {فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ} جواب. وجَمْعُ الوُثْقَى الْوَثَقَ مثل الفُضْلى والفُضَل.


{ ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
{.. وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ..} [257]
ابتداء. {أَوْلِيَآؤُهُمُ} ابتداء ثان و {ٱلطَّاغُوتُ} خبره، والجملة خبر الأول.
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }
{أَلَمْ تَرَ..} [258]
حُذِفَتِ/ 28 ب/ الياء للجزم، وقد ذكرنا الصلة {أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ} في موضع نصب أي لأن {قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ} الاسم "أنَ" "فإذا قلتَ: أنا أو: أَنَه فالألف والهاء لبيان الحركة ولا يقال: أنا فَعَلتُ باثبات الألف إلاّ شاذاً في الشعر على أنّ نافعاً قد أثبت الألف فقرأ {قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ} ولا وَجهَ له. {فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ} الذي في موضع رفع اسم ما لم يُسمّ فاعله. يُقَال: بُهِتَ الرجل وبَهِتَ وبَهُتَ إذا انقطع وسكت مُتَحيِّراً.
{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
{أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ..} [259]
قيل: قرية لاجتماع الناس فيها من قولهم: قَريتُ الماء أي جَمعتُهُ. {وَهِيَ خَاوِيَةٌ} ابتداء وخبر {فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ} ظرف {قَالَ كَمْ لَبِثْتَ}، وقرأ أهل الكوفة {قال كم لَبِتَّ} ادغموا الثاء في التاء لقُربِهَا منها والاظهار أحسنُ {فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} أصَحُّ ما قِيلَ فيه: أنّ معناه لم تغيّره السنون. مَنْ قرأ {لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ} بالهاء في الوصل قال: أصل سَنَةٍ: سَنْهَةٌ، وقال: سُنَيْهَة في التصغير كما قال:
* ليست بِسَنْهاءَ ولا رُجَبِيّةٍ *
فَحَذَفَ الضمة للجزم، ومن قرأ {لَمْ يَتَسَنَّ وَٱنْظُرْ} قال: في التصغير سُنَيّةٌ وحذف الألف للجزم ويقف على الهاء فيقول: لم يَتسنّهْ تكون الهاء لبيان الحركة، وقرأ طلحة بنُ مُصَرّفٍ {لم يسَّنَّ} ادغم التاء في السين {وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} وَرُوِيَ عن ابن عباس والحسن {كَيْفَ نَنْشُزُهَا} والمعنى واحد كما يقال: رَجَعَ وَرَجَعْتُهُ إلا أنّ المعنى المعروف في اللغة أنشَرَ اللهُ الموتى فنشروا وقيل: نَنْشُرُها مثلُ نشَرتُ الثوب كما قال:
حَتّى يَقولَ النّاسَ مِمّا رَأَوا * يَا عَجباً لِلْمَيِّتِ الناشِرِ


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ..} [260]
ويجوز في غير القرآن رَبّي باثبات الياء فمن حذف قال: النداء موضع حذف ومن أثبتَ قال: هي اسم فإذا حَذفتُ كان الاختيار أن أَقِفَ بغير إشمام فأقول: رَبّ فيشبه هذا المفرد. {أَرِنِي} قد ذكرناه. {كَيْفَ} في موضع نصب أي بأي حالٍ تحيي الموتى {وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أي سألتك ليطمئن قلبي {ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا}. قال أبو اسحاق: المعنى ثم اجعل على كل جبل من كل واحد جزءاً، وقرأ أبو جعفر وعاصم {جُزُءًا} على فُعُل {يَأْتِينَكَ سَعْياً} نصب على الحال.
{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
{.. فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ..} [261]
رفع بالابتداء. قال يعقوب الحضرمي: وقرأ بعضهم {فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةَ حَبَّةٍ} على أَنبَتَتْ مائةَ حبةٍ وكذلك قرأ بعضهم {وللذين كفروا بربّهم عذابَ جَهنّم} على {واعتَدْنا لهم عَذابَ السَّعِير} واعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم.

{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ..} [263]
[ابتداء والخبر محذوف أي قول معروف أمثثَلُ وأولَى، ويجوز أن يكون قول معروف] خبر ابتداء محذوف أي الذي أُمِرتُمْ به قول معروف. {وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى} وهذا مُشْكِلٌ يُبَيِّنُه الاعراب {مَغْفِرَةٌ} رفع بالابتداء والخبر "خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ" والمعنى - والله أعلم - وفعلٌ يُؤدّي إلى المغفرة خير من صدقة يتبعها أذى وتقديره في العربية وفعل مغفرةٍ ويجوز أن يكونَ مثل قولك: تَفضُّلُ اللهِ عَليكَ أكثرُ من الصدقة التي تَمُنُّ بها أي غفران الله خير من صدقتكم هذه التي تمنّون بها.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ..} [264]
العرب تقول لِما يُمَنُّ به: يدٌ سوداء ولما يُعْطَى عن غير مسألة: يدٌ بيضاء ولما يعطى عن مسألة ولا يُمنّ به: يدٌ خضراء {كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ} الكاف في موضع نصب أي إِبطالاً كالذِي ينفق ماله رئاء الناس فهي نعت للمصدر المحذوف، ويجوز أن تكونَ في موضع الحال {مَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ} ابتداء وخبر، وقرأ سعيد بن المُسَيَّب والزُّهْرِي {كَمَثَلِ صَفَوان} بتحريك الفاء، وحكى قطرب {مثل صِفوان}. قال الأخفش: صَفْوان جماعة صَفْوانةٍ. قال: وقال بعضهم/ 29 أ/ صفوانٌ واحد مثل حجرٍ. قال الكسائي: صَفْوان واحد وجمعه صِفْوان وصُفِيُّ وصَفيّ. قال أبو جعفر: صَفْوان وصَفَوان يجوز أن يكون جمعاً وأن يكون واحداً إلاّ أن الأَولى أن يكون واحداً لقوله عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ وأن كان يجوز تذكير الجمع إلاّ أن الشيء لا يُخْرَجُ عن بابه إلاّ بدليل قاطع فأما ما حكاه الكسائي في الجمع فليس يَصحّ على حقيقة النظر ولكن صِفْوان جمع صَفاً بمعنى صَفْوان ونَظِيرُهُ وَرَلٌ وِررْلانٌ وأَخٌ وإخْوانٌ وكَرَى وكِرْوانٌ كما قال:
لَنَا يَومٌ ولِلكرْوانِ يَوم * تَطِيرُ البائِسَاتُ وما نَطيرُ
والضعيف في العربية يقول: كِرْوان جمع كَرَوان وصُفِيّ جَمْعُ صَفاً مثل عصاً وعصيّ. قال الكسائي: وهي الحجارة الملس التي لا تُنبتُ شيئاً {فَتَرَكَهُ صَلْداً} قال الكسائي: يقال: صَلِدَ يَصْلدُ صَلَداً بتحريك اللام فهو صَلْدٌ بالاسكان وهو كل ما لا يُنْبِتُ شيئاً ومنه جبين أَصْلَدُ وأنشد الأصمعيّ:
* بَرّاقَ أصْلادِ الجَبِينِ الأجْلَهِ *
{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ..} [265]
مفعول من أجله {وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} عطف عليه {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} وقرأ ابن عباس وأبو اسحاق السَّبِيعي {بِرِبوةٍ} بكسر الراء وقرأ الحسن وعاصم وابن عامر الشامي {بِرَبْوَةٍ} بفتح الراء. قال الأخفش: ويقال: برِبَاوَةٍ وبِرَبَاوَةٍ وكُلّهُ من الرابية وفِعلُهُ رَبَا يَرْبُو. {فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ}. قال أبو اسحاق: أي فالذي يصيبها طلٌّ. قال أبو جعفر: حكى أهل اللغة: وبَلَتْ وأَوبَلَتْ وطَلّتْ وأطَلّتْ.
{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَٱحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }
{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ..} [266]
يقال: "تَكُونَ" فعل مستقبل فكيفَ عَطفَ عليه بالماضي وهو {وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ} ففيه جوابان: أحَدُهُما أنّ التقدير وقد أصابه الكبر، والجواب الآخر أنهُ مَحمول على المعنى لأن المعنى أيودّ أحدكم لو كانت له جنة فعلى هذا وأصابه الكبر. {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ} وقال في موضع آخر {ذُرِّيَّةً ضِعَافاً} كما تقول: ظَرِيفٌ وظُرَفاءُ وظِرَافٌ.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }
{.. وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ..} [267]
وفي قراءة عبدالله {ولا تَأمَّمُوا} هما لغتان، وقرأ ابن كثير {وَلاَ تَيَمَّمُواْ} والأصل تَتَيَمّموا فادغم التاء في التاء، ومن قرأ {تَيَمَّمُواْ} حذف وقرأ مسلم بن جندبٍ {وَلاَ تَيَمَّمُواْ} {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} وقرأ قتادة {إِلاَّ أَن تَغمّضواْ} وقال: إلاّ أنْ تُغمّض لكم فيه، ورُوِيَ عنه {إِلاَّ أن تُغَمِّضُوا فِيهِ} أي تأخذوه بنقصانٍ فَكيفَ تُعطُونَه في الصدقة "أنْ" في موضع نصب والتقدير إلاّ بأن.
{ ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
{ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ..} [268]
مفعولان ويقال: الفُقْر {وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ} ويجوز في غير القرآنِ ويأمركُم الفحشاءَ بحذف الباء وانشد سيبويه.
أمرتُكَ الخَيْرَ فافعَلْ ما أُمِرتَ بِهِ * فَقَدْ تَركتُكَ ذا مالٍ وذَا نَشَبِ
{ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }
{.. وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ..} [269]
شرط فلذلك خُفِفَت الألف والجواب {فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}.




















{ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }

{وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ..} [270]
يكون التقدير وما أنفقتم من نفقة فإنّ الله يعلمها وما نذرتم من نذر فإنّ الله يعلمه ثم حذف، ويجوز أن يكونَ التقدير وما أنفقتم من نَفَقَةٍ فإنّ الله يعلمه وتعود الهاء على "ما" كما أُنشِدَ:
فَتوضِحَ فالمِقْرَاةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُهَا * لِمَا نَسَجَتْهُ مِنْ جَنُوبٍ وشَمْأَلِ
ويكون "أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ" معطوفاً عليه.

{ إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

{إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ..} [271]
هذه قراءة أبي عمرو وعاصم ونافع، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي {فَنَعِمَّا هِيَ} بفتح النون، ورُوِيَ عن أبي عمرو ونافع باسكان العين رواه قالون عن نافع، ويجوز في غير القرآن "فَنِعْمَ مَا هي" ولكنه في السواد مُتّصل فلزم الادغام وحكى النحويون في نِعْمَ أربعَ لُغَاتٍ يقال/ 29 ب/ نَعِمَ الرجل زيدٌ هذا الأصل ويقال: نِعِمَ الرجل فتكسر النون لكسرة العين، ويقال: نَعْمَ الرجل والأصل نَعِمَ حُذِفَتِ الكسرة لأنها ثقيلة، ويقال: نِعْمَ الرجل وهذه أفصح اللغات. والأصل: فيها نَعِمَ، وهي تقع في كل مدح فَخُفِّفَتْ وقلِبَت كسرة العين على النون وأُسكِنَت العين، فمن قرأ "فَنِعِمَّا هِيَ" فَلَهُ تقديران: أحدهما أن يكون جاء به على لغة من قال: نِعِمَ، والتقدير الآخر: أن يكون على اللغة الجَيّدة فيكون الأصل نِعْم ثم كسرت العين لالتقاء الساكنين فأما الذي حُكِيَ عن أبي عمرو ونافع من إِسكان العين فمحال. حُكِيَ عن محمد بن يزيد أنه قال: أما اسكان العين والميم مُشَدّدَةُ فلا يقدِرُ أحدٌ أن يَنطِقَ بِهِ وإنما يروم الجمع بين ساكنين ويُحرّك ولا يأبه. قال أبو جعفر: ومن قرأ "فَنَعِمّا هي" فَلَهُ تقديران: أحدهما أن يكون على لغة من قال : نعم الرجل، والآخر أن يكون على لغة من قال: نِعْمَ الرجلُ، فكسر العين لالتقاء الساكنين، ويجب على من قرأ: فَنَعِمَ أن يقول: بَئِس. {وَإِن تُخْفُوهَا} شرط فلذلك حُذِفَتْ منه النون {وَتُؤْتُوهَا} عطف عليه، والجواب {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} قرأ قتادة وابن أبي اسحاق وأبو عمرو {وَنُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} وقرأ نافع والأعمش وحمزة والكسائي {وَنُكَفِّرْ عَنكُم} إلا أنّ الحسين بن علي الجُعْفِي رَوَى عن الأعمش {وَنُكَفِّرَ عَنكُم} بالنصب. قال أبو حاتم: قرأ الأعمش {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ نُكَفِّرْ عَنكُم} بغير واو جزماً، والصحيح عن عاصم أنه قرأ مرفوعاً بالنون، وَرَوى عنه حفص أنه قرأ {وَيُكفّرُ} بالياء والرفع وكذلك رُوِيَ عن الحسن وَرُوِيَ عنه بالياء والجزم، وقرأ عبدالله بن عباس {وَتُكَفِّرْ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} بالتاء وكسر الفاء والجزم، وقرأ عكرمة {وَتُكَفَّرْ عنكم} بالتاء وفتح الفاء والجزم. قال أبو جعفر: أجود القراءات {وَنكفرُ عنكم} بالرفع هذا قول الخليل وسيبويه. قال سيبويه: والرفع ههنا الوجه وهو الجيد لأن الكلام الذي بعد الفاء جرى مجراه في غير الجزاء. وأجاز الجزم يحمله على المعنى لأن المعنى {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَنُكَفِّرْ عَنكُم} والذي حكاه أبو حاتم عن الأعمش بغير واو جزماً يكون على البدل كأنه في موضع الفاء والذي رُوِيَ عن عاصم "ويكفِّرُ عنكم" بالياء والرفع يكون معناه يكفر الله. هذا قول أبي عبيد، وقال أبو حاتم معناه يُكفّر الاعطاء، وقرأ ابن عباس "وَتُكفِّرْ" يكون معناه وتكفر الصدقات وقراءة عكرمة "وتُكفّر عنكم" أي أشياء من سيئاتكم فأما النصب "ونكفّرَ" فضعيف وهو على اضمار "أنْ" وجاز على بُعْدٍ لأن الجزاء إنما يجب به الشيء لوجوب غيره فَضَارعَ الاستفهام.

{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }

{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ..} [272]
تكلَّم جماعة في معنى يَهدِي ويُضلّ فمن أجلّ ما رُوِيَ في ذلك ما رواه سفيان عن خالد الحَذّاء عن عبدالأعلى القُرَشِي عن عبدالله بن الحارث عن عُمَرَ أنه قال في خطبته: {من يهده الله فلا مُضِلَّ له ومن يُضْلِلْ فلا هادي له} وكان الجاثليق حاضراً فأومأ بالانكار فقال عمر: ما يقول؟ فقالوا يقول: إنّ الله لا يهدي ولا يُضِلّ فقال له عمر: كَذبْتَ يا عدوَّ الله بل الذي خَلَقَكَ وهو يضلك ويدخلك النار إن شاء الله إن الله خلق أهل الجنة وما هم عاملون وخلق أهل الناء وما هم عاملون فقال هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه فما بَرِحَ الناس يختلفون في القَدَرِ. قال أبو عبيد" قال الله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}. {وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} "ما" الأولى في موضع نصب بتنفقوا والثانية لا موضع لها لأنها حرف والثالثة كالأولى.


{ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }
{.. تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ..}/ 30 أ/ [273] ويقال في هذا المعنى: سِيْمِيَاءُ {لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً} مصدر في موضع الحال ملحفين.
{ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
{ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ..} [274]
رفع بالابتداء والخبر {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} ودخلت الفاء ولا يجوز: زيد فمنطلقُ لأن في الكلام معنى الجزاء أي من أجل نفقتهم فلهم أجرهم وهكذا كلام العرب إذا قلتَ: السارقُ فاقطعه فمعناه من أجل سرقته فاقطعه ومعنى "بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ" في الليل والنهار.
{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
{#1649;لَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا..} [275]
رفع بالابتداء والخبر {لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ} {فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ} لأنه تأنيث غير حقيقي أي فمن جاءه وعظ كما قال:
* إنّ السَّماحَةَ والمروءَةَ ضُمِّنَا *
وقرأ الحسن {فَمَن جَآءَتهُ مَوْعِظَةٌ}.


{ يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }
{يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا..} [276]
الأصل في الربا الواو. قال سيبويه: تثنية ربَوان. قال الكوفيون: تكتبه بالياء وتثنيته بالياء وقال أبو جعفر: سمعت أبا اسحاق يقول: ما رأيتُ خطأً أقبح من هذا ولا أشنع لا يكفيهم الخطأ في الخط حتى يخطئون في التثنية وهم يقرءون {وما آتيتم من رباً ليربو في أموال الناس} وقال محمد بن يزيد: كتب الربا في المصحف بالواو فرقاً بينه وبين الزنا وكان الربا أولى بالواو لأنه من ربا يربو.
{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ }
{.. فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ..} [279]
حكى أبو عبيد عن الأصمعي "فَأْذَنُواْ" فكونوا على أذَنٍ من ذلك أي على علم. قال أبو جعفر: وهذا قول وجيز حَسَنٌ حَكَى أهل اللغة أنه يقال: أَذِنْتُ به أَذَناً إذا علمت به ومعنى {فآذِنوا} على قراءة الأعمش وحمزة وعاصم على حذف المفعول.
{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ..} [280]
"كان" بمعنى وقع. وأنشد سيبويه:
فِدى لِبَنِي ذُهلِ بنِ شَيْبَانَ ناقَتِي * إذا كانَ يومٌ ذو كَواكِبَ أشْهَب
فهذا أحسنُ ما قِيلَ فيه لأنه يكون عاماً لجميع الناس ويجوز أن يكونَ خبرُ كان محذوفاً أي وإن كانَ ذو عسرة في الدينِ وقال حجاج الوراق في مصحف عبدالله {وَإِن كَانَ ذَا عُسْرَةٍ}. قال أبو جعفر: والتقدير وان كان المُعَامِلُ ذا عسرة {فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ} أي فالذي تعاملون به نظرة وقرأ الحسن وأبو رجاء {فَنَظْرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ} حذف الكسرة لثقلها وقرأ مجاهد وعطاء {فَنَاظِرْهُ} على الأمرِ {إِلَىٰ مَيْسُرِهِ} بضم السين وكسر الراء واثبات الهاء في الادراج. وقال أبو اسحاق: وقرئ {فَناظِرةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ} وقرأ أهل المدينة {إِلَىٰ مَيْسُرَةٍ} ويجوز {فنظرةً إِلَىٰ مَيْسَرةٍ} بالنصب على المصدر. قال أبو حاتِم: ولا يجوز "فَنَاظِرةٌ" إنما ذلك في "النمل" {فناظرةٌ بَمَ يَرْجِعُ المُرْسَلونَ} لأنها امرأة تكلمت بهذا لنفسها من نَظَرتْ تَنْظُرُ فهي ناظرةٌ فأمّا "فَنَظِرَةٌ" في البقرة فمن التأخير من ذلك: أنظرتُكَ بالدَّينِ أي اخرتك به و {قال ربّ فأنظِرْني الى يوم يَبْعثونَ} وأجاز ذلك أبو اسحاق وقال: هي من أسماء المصادر مثل {ليس لِوقْعَتها كاذبة} {وأن يفعل بها فاقرة} قال أبو جعفر "مَيْسَرة" أفصح اللغات وهي لغة أهل نجد و"مَيْسُرَة" وإن كانت لغة أهل الحجاز فهي من الشواذ لا يوجد في كلام العرب مَفْعُلَة إلا حروف معدودة شاذة ليس منها شيء إلا يُقالُ فيه مَفْعَلة وأيضاً فإِن الهاء زائدة وليس في كلام العرب مَفْعُلٌ البتّةَ وقراءة من قرأ {إلى مَيْسُرِه} لحن لا يجوز. قال الأخفش سعيد: ولو قرءوا إلى مَيْسِرِه لكان أشبَهَ والذي قال الأخفش حسن يقال: جلستُ مَجلِساً ومَفْعِل كَثِير. قال الأخفش: ويجوز إلى مُوسَرةٍ مثلُ مُدْخَلَةٍ. {وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} ابتداء وخبر وفي قراءة عبدالله {وأنْ تتصدّقوا} وقرأ عيسى وطلحة {وأن تَصَدّقُوا}/ 30/ ب مخفّفاً تتصدقوا على الأصل وتصدّقوا تدغم التاء في الصاد لقربها منها ولا يجوز هذا في تتفكرون لِبَعْدِ التاء من الفاء ومن خَفّفَ حذف التاء للدلالة ولئلا يجمع بين ساكنين وتاءين.



{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }
{وَٱتَّقُواْ يَوْماً..} [281]
مفعول {تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ} من نعته.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ..} [282]
قد ذكرنا كلَّ ما فيه في كتابنا الأول "المعاني" {فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب} أثبت اللام في الثاني وحذفَها من الأول لأن الثاني غائب والأول للمخاطَبينَ فإن شئت حذفتَ اللام في المخاطب لكثرة استعمالهم ذلك وهو أجودُ، وإن شئتَ أثبتَّها على الأصل، فأما الغائب فزعم محمد بن يزيد أنه لا بد من اللام في الفعل إذا أمرته، وأجاز سيبويه والكوفيون حَذْفَها وأنشدوا:
مُحمدُ تَفْدِ نَفْسَك كلُّ نَفْسٍ * إذا ما خِفْتَ مِنْ قَومٍ تَبَالا
{وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ} هذه لغة أهل الحجاز وبني أسد، وتَمِيمٌ يقولون: أملَيت وجاء القرآن باللغتين جميعاً. قال جل وعز {فهي تُملَى عليه بُكرةً وأصيلاً} والأصل أمللت أُبدِلَ من اللام ياءٌ لأنه أخفّ {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ} رفع بالابتداء "وَٱمْرَأَتَانِ" عطف عليه والخبر محذوف أي فرجلٌ وامرأتان يقومون مقامَهُمَا وإن شئتَ أضمرت المبتدأ أي فالذي يُسْتَشْهَدُ رجلٌ وامرأتان ويجوز النصب في غير القرآن أي فاسْتَشهِدُوا وحكى سيبويه: إنْ خنْجراً فَخِنْجَراً أي فاتخذْ خِنْجراً. {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ} هذه قراءة الحسن وأبي عمرو بن العلاء وعيسى وابن كثير وَحُمَيْدٍ بفتح "أن" ونصب "تُذَكرَ" وتخفيفه وقرأ أهل المدينة {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ} بفتح "أن" ونصب "تذكر" وتشديده وقرأ ابان بن تغلب والأعمش وحمزة {إن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ} بكسر "إن" ورفع تذّكّرُ وتشديده. قال أبو جعفر: ويجوز تَضَلّ بفتح التاء والضاد ويجوز تِضَلَّ بكسر التاء وفتح الضاد والقراءة الأولى حسنة لأن الفصيح أن يُقالَ: أذكرتُكَ وذاكرتك وعَظْتُكَ قال جل وعز: {وذكّرْ فإنّ الذكرى تنفعُ المؤمنينَ} وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "رَحِمَ الله فُلاناً كأيٍّ من آية أذْكرنيها" وفي هذه القراءة على حسنها من النحو اشكالٌ شديد. قال الفراء: هو في مذهب الجزاء وإنْ جزاءٌ مقدم أصلُهُ التأخيرِ أي اسْتَشْهِدُوا امرأتينِ مكانَ الرجلِ كما تذكر الذاكرة الناسية إنْ نَسِيَتْ فلما تقدّمَ الجزاء اتّصلَ بما قَبلَه فَفُتِحَتْ أن فصار جوابه مردوداً عليه قال: ومثلُهُ: إني ليُعجِبُني أنْ يسألَ السائلُ فيُعْطَى. المعنى أنه يُعجِبُهُ الاعطاء وإن سأل السائل. قال أبو جعفر: وهذا القول خطأ عند البصريين لأن "إنْ" المجازاة لو فتحت انقلب المعنى وقال سيبويه: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ} انتصب لأنه أمَر بالإشهاد لأن تذكر ومن أجل أن تذكر. قال: فإنْ قال انسانُ: كيف جاز أن تقولَ أن تَضلَّ؟ ولم يُعَدَّ هذا للاضلال والالتباس فإنما ذكر أنْ تَضل لأنه سبب الإذكار كما يقول الرجل: أعددته أن يميل الحائط فأدعَمَهُ. وهو لا يطلب باعداده ذلك ميلان الحائط ولكنه أخبر بعلة الدعم وبسببه. قال أبو جعفر: وسمعتُ علي بن سليمان يحكي عن أبي العباس محمد ابن يزيد ان التقدير ممن ترضونَ من الشهداء كراهة أنْ تضلّ احداهما وكراهة أنْ تُذْكِرَ احداهما الأخرى. قال أبو جعفر: وهذا القول غلط وأبو العباس يُجَلُّ عن قول مثله لأن المعنى على خلافه وذلك أنه يَصيرُ المعنى كراهةَ أنْ تَضِلَّ احداهما وكراهةَ أنْ تُذْكِرَ إحداهما الأخرى وهذا محال وأصحُّ الأقوالِ قولُ سيبويه ومن قال تَضَلّ جاء به على لغة من قال: ضَلِلْتُ تَضَلُّ وعلى هذا تقول: تِضَلّ بكسر/ 31 أ/ التاء لتدلّ على أن الماضي فَعِلْت. {وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ} قال الأخفش: يُقالُ: سئمت أسأمُ سآمةً وسآماً وسأماً وسأَماً {أَن تَكْتُبُوهُ} في موضع نصب بالفعل كما قال:
* سَئِمتُ تكالِيفَ الحَياةِ وَمَن يَعِشْ *
{صَغِيراً أَو كَبِيراً} على الحال: أعطَيتُهُ دَيْنَهُ صَغُر أو كبُرَ. {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ} ابتداء وخبر {وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ} عطف عليه وكذا {وَأَدْنَىٰ أَلاَّ} في موضع نصب أي من ان لا. {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ} "أنْ" في موضع نصب استثناء ليس من الأول. قال الأخفش: أي إلاّ أن تقع تجارة وقال غيره {تُدِيرُونَهَا} الخبر وقرأ عاصم {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً} أي إلاّ أن تكونَ المدَاينة تجارةً حاضرةً {وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} أمرٌ فزعم قوم أنه على الندبِ والتأديب وكذا قالوا في قوله "إإِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ" هذا قول الفراء وزعم أنّ مثله {وإذا حَلَلْتُمْ فاصطادُوا} قال ومِثلُهُ {فإذا قُضِيَت الصلاة فانتشروا في الأرضِ}. قال أبو جعفر: هذا قول خطأ عند جميع أهل اللغة وأهل النظر ولا يشبه هذا قوله تعالى {وإذا حللتم فاصطادوا} ولا {فانتشروا في الأرض} لأن هذين إباحة بَعْدَ حَظْرٍ ولا يجوز في اللغة أن يُحْمَلَ الأمر على الندبِ إلاّ بما تستعمله العرب من تَقَدُّمِ الحَظْرِ أو ما أشبَهَ ذلك فزعم قوم أنّ هذا مما رُخّصَ في تركه بغير آية وعلى هذا فسّرُوا {أو نُنْسِهَا} قالوا: نُطْلِق لكم تركَها وقيل الاباحة في ترك المكاتبة بالدَّيْنِ فإن أمِنَ بَعضُكُم بعضاً وقيل: المكاتبة واجبة كما أمر الله عز وجل إذا كان الدين إلى أجَلٍ وأمر الله بهذا حفظاً لحقوقِ الناس وقال عبدالله بن عمر: المشاهدة واجبة في كل ما يُبَاعُ قليلٍ أو كثيرٍ كما قال الله تعالى {وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} يجوز أن يكونَ التقدير ولا يضارَرْ وأن يكون التقدير ولا يضارِر. قال أبو جعفر: ورأيتُ أبا اسحاق يَمِيلُ إلى هذا قال: لأن بعده "وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ" فالأولى أن تكونَ مَنْ شَهِدَ بِغَيْرِ الحقِّ أو حرّفَ في الكتابة أن يقال له: فاسق فهو أولى ممن سألَ شاهداً وهو مشغول أن يشهَدَ. قال المُفضّل: وقرأ الأعمش {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ}. قال أبو جعفر: كسر الراء لالتقاء الساكنين وكذلك مَن فَتَحَ إلاّ أن الفتح أخفُّ وقرأ عمر بن الخطاب وابن عباس وابن أبي اسحاق {ولا يُضَارِرْ} بكسر الراء الأولى وقرأ ابن مسعود {ولا يُضَارَرْ} بفتح الراء الأولى وهاتان القراءتان على التفسير ولا يجوز أنْ تُخالف التلاوة التي في المصحف {وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} أي فإن هذا الفعل ويجوز أن يكونَ التقدير فإن الضَرارَ فسوق بكم كما قال:
* إذا نُهِيَ السَّفِيهُ جَرَى إليهِ *
{ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }
{وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً..} [283]
وقرأ ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وأبو العالية {وَلَمْ تَجِدُواْ كَتاباً} وَرُوِيَ عن ابن عباس {وَلَمْ تَجِدُواْ كُتَّاباً} قال أبو جعفر: هذه القراءة شاذّةٌ والعامة على خلافها وقلَّ ما يَخرُجُ شيء عن قراءة العامة إلاّ كان فيه مَطْعَنٌ نَسَقُ الكلام يدلُّ على كاتب قال تعالى قبل هذا {وَلْيكتُبْ بَينكم كاتبٌ بالعدلِ} وكُتّابٌ يقضي جماعة. {فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} هذه قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل الكوفة وأهل المدينة وقرأ ابن عباس {فَرُهُنٌ} بضمتين وهي قراءة أبي عمرو وقرأ عاصم بن أبي النجود {فَرُهْنٌ} بإسكان الهاء وتُرْوَى عن أهل مكة. قال أبو جعفر: الباب في هذا رِهَان كما تقول: بَغْلٌ وبِغالٌ وكَبْشٌ وكِبَاشٌ 31/ ب و "رُهُنٌ" سبيله ان يكون جمع رِهان مِثلُ كِتَاب وكُتُب وقيل: هو جمع رَهْن مِثلُ سَقْفِ وسُقُف وليس هذا الباب و "رهْنٌ" بإسكان الهاء سبيله أن تكونَ الضمّة حُذِفَتْ منه لِثِقَلِها وقيلَ: هو جمع رَهْنِ مثلُ سَهْمٌ حَشْرٌ أي دقيق وسِهَامٌ حُشْرٌ والأول أولى لأن الأول ليس بِنَعْتٍ وهذا نَعتُ. {فَلْيُؤَدِّ} من الأداء مهموزٌ ويجوز تخفيف همزة فَتُقْلَبُ الهمزة واواً ولا تُقلَبُ ألفاً ولا تجعل بين بينَ لأن الألف لا يكون ما قبلها إلاّ مفتوحاً. {ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ} مهموز في الأصل لأنه من الأمانة ففاء الفعل همزة. والأصل في اؤتُمِنَ أُأْتُمِنَ كَرِهُوا الجمع بين همزتين فلما زالت إحداهُما هُمِزت فإن خَفّت الهمزة التقى ساكنان الياء التي في الذي والهمزة المُخفّفة فَحُذِفَتْ فقلت: الذي تُمِنَ وإذا همزت فقد كان التقى ساكنان أيضاً إلاّ أنك حَذَفت الياء لأن قبلها ما يدلّ عليها وإذا خَفّفت الهمزة لم يَجُزْ أن تأتي بواو بَعْدَ كسرة والابتداء أُؤْتُمِنَ وقرأ أبو عبدالرحمن {وَلاَ يَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ} جعله نهياً لِغَيبٍ {وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} فيه وجوه إنْ شئتَ رفعت آثماً على أنه خبر "إن" وقلبه فاعل سد مسد الخبر، وإن شئتَ رفعتَ آثماً على الابتداء وقلبه فاعل وهما في موضع خبر "إنَّ" وإن شئت رفعت آثماً على أنه خبر الابتداء يُنْوَى به التأخير، وإن شئت كان قلبه بدلاً من آثم كما تقول: هو قلب الآثم وإن شئت كان بدلاً من المضمر الذي في آثم وأجاز أبو حاتم "فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ" قال: كما تقول: هو آثمٌ قلب الإثم. قال: ومثله: أَنتَ عربيٌّ قلباً على المصدر. قال: أبو جعفر: وقد خُطّئ أبو حاتم في هذا لأن قلبه معرفة ولا يجوز ما قال في المعرفة، لا يقال: أنتَ عربيٌّ قلبَهُ.



{ للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
{.. وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ..} [284]
شرط {أَوْ تُخْفُوهُ} عطف عليه {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ} جواب الشرط {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} عطف على الجواب. قال سيبويه: وبلغنا أنّ بعضهم قرأ {فَيَغْفِرَ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ}. قال أبو جعفر: هذه القراءة مروية عن ابن عباس والأعرج وهي عند البصريين على اضمار "أنْ" وحقيقته أنه عطف على المعنى والعطف على اللفظ أجود كما قال:
وَمَتَى مايَعِ منك كلاماً * يَتكلّمْ فَيُجِبْكَ بِعَقْلِ
وقرأ الحسن ويزيد بن القعقاع وابن مُحَيصنٍ {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} قَطعَهُ من الأول ورُوي عن طلحة بن مُصرِّف {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} بغير فاء على البدل وأجود من الجزم لو كان بلا فاء، الرفع حتى يكونَ في موضع الحال كما قال:
مَتَى تأتِهِ تَعْشُو الى ضَوءِ نارِهِ * تَجِدْ خَيْرَ نَارِ عِنْدَها خَيرُ مُوْقِدِ
{ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ }
{.. كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ..} [285]
على اللفظ ويجوز في غير القرآن آمنوا على المعنى. {وَقَالُواْ سَمِعْنَا} على حذف أي سمعنا سماعَ قَابِلِينَ وقِيلَ: سَمِعَ بمعنى قَبِلَ، كما يقال: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ. {غُفْرَانَكَ} مصدر {رَبَّنَا} نداء مضاف.
{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }
{.. لاَ تُؤَاخِذْنَا..} [286]
جزم لأنه طلب، وكذا {وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً} {وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}. ولفظه لفظ النهي {وَٱعْفُ عَنَّا} طلب أيضاً ولفظه لفظ الأمر، ولذلك لم يعرب عند البصريين وجزم عند الكوفيين وكذا {وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ} وكذا {فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ}.






 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع