- 26 مايو 2009
- 25,394
- 1,156
- 0
- الجنس
- أنثى
- علم البلد
على رحبات الطفولة درجت معارج السماء ، تداعبنى لفحات الفجر الرطيبة ، ويلفنى الشفق المُشرق ببريق العَسجد
وأحلّق بأجنحة الليل الوسنانة فى أحلامٍ زاهرة ...
"الحُرية أثمن الأشياء"
فى يوم من أيام طفولتى الجميلة حيث المرح والبراءة ولفحات نسيم الخريف الرطيبة ، مع دفء الشمس وهى تتهادى على شُرفة منزلنا ، فتُلقى بأشعتها الذهبية على جدران غُرفتى ، وتعكس أشكالاً ظلالية ،
أحرّك أصابعى الصغيرة فأرسم ما يحلو لى أن أتخيّل . عصفور ، أرنب ، أو غزال . كلها خيالات وأوهام ..
فى تلك الأثناء ، رأيت عصفوراً صغيراً من ( الكناريا ) بألوانه الزاهية ، سبحان الخلاّق ، سقط فى الشُرفة ولم يستطع الطيران ، وببراءة الطفولة نادَيت أمى وطلبت منها قفصاً أضع فيه العصفور
ووعدتها أن أقوم على رعايته ، وتقديم الحَب والشَراب وقتما يحتاج . لكنها رفضت طلبى وعلّمتنى درسًا لن أنساه .
قالت يا صغيرتى . أيستطيع الطفل أن يبتعد عن أبواه ؟ ! أيستطيع الإنسان أن يحيا بدون تنفّس الهواء ؟ ! قلت : لا .
قالت يا بنيتى الحرية أغلى وأثمن الأشياء ...
" الأمانة "
فى بيت جدتى نافذة تطل على حديقة الجيران ، تدخل منها الشمس وقت الأصيل ، وفى المساء نسمات الهواء العليل ، وفى حديقة الجيران كَرمة عنب نَمت وارتفعت حتى تدلّت من النافذة العناقيد .
وكُنّا نحن الصغار نسمّيها ( عِنَباية )
وفى يوم من أيام الجُمع وكان يوم زيارتنا لجدتى ، رأيت عامل بناء ومعه رَمل وأسمنت ووحدات من الأحجار .
أصابنى الذُهول حين رأيته يَشرع فى البناء ، ويسدّ النافذة بالأحجار . تبدّدت حيرتى حين سألت جدتى باستغراب : و (العنًباية ) يا جدتى ؟ !
قالت يا صغيرتى نسدّ باب الحرام . عناقيد العنب نضجت وكادت تسقط من النافذة الأعناب .. ونحن لا نملكها ، إنما الجبران يملكونها . وهذا علينا حرام ...
" الأمومة "
فى ذلك الصيف البعيد حيث كُنّا نقضى أيامه الهانئة فى الساحل الشمالى بعيدًا عن ضوضاء المدينة ، فى ( شاليه ) صغير جهّزه والدى بما يليق واحتياجات المصيف والطفولة .
وفوق الأرجوحة البرتقالية بجوار شجرة الياسمين بزهورها البيضاء ، ورائحتها الفوّاحة ، كنت ألهو وفى يدى شُطيرة ، آخذ منها لقيمة ، ومع صعود الأرجوحة أرى مياه البحر الزرقاء ، وفى الهبوط أرى الورود والأزهار
فجأة , دخل كلب الحديقة ، خفت منه وتمالكت نفسى ، وفهمت أنه جوعان . وكلما اقترب منى أقتطع لقيمة وألقيها إليه . حتى شبع الجوعان، وما زلت ألقى إليه بلقيمات .
وبعد فترة حدث ما لم يكن فى الحُسبان !. وجدته يأخذ اللقيمة فى فمه ويخرج من باب الحديقة ثم يعود فألقى له بأخرى ، فتعجّبت من أمره !
لِمَ لا يأكلها أمامى كما كان يفعل من قبل ؟ ! هكذا استغربت . وبحب استطلاع طفولى خرجت وراءه وتتبعته ، فإذا هو يحفر فى الرمال ويخفى اللقيمات ، ويعود ليأخذ غيرها الطمّاع . ياله من دهاء !
أسرعت إلى أمى لأخبرها بما رأيت ، وكأن شيئاً خطيراً اكتشفت ، أو سراً رهيباً من أسرار الحيوانات قد عرفت .
وببساطة ، أفهمتنى أنها كلبة مؤنثة تدّخر لصغارها الطعام لتلجأ إليه وقت يندر الغذاء .
هكذا يا صغيرتى الأمومة فى جميع المخلوقات
" اختيار الألفاظ "
ذات يوم من الأيام جُرِح إصبع يدى ، وعرفت أن لون الدم أحمر ، والقطن لونه أبيض . هكذا كنت أردد الكلمات ، وأتعلم الألوان .
سمعتنى أمى فاحتوتنى بين ذراعيها ، وكان من عادتها عندما تعلمنى شيئاً تضمنى إلى صدرها فى حنان فترسخ فى ذهنى الأشياء .
قالت يا حبيبتى . تعالى نتعلم الألوان . لا تقولى أحمر لون الدم ،بل قولى لون الورد . ولا تقولى أبيض لون القطن ، بل قولى مثل الفل . بنيتى . ليس الأسود هو الليل ، بل الليل حالك الظلام
ولهب الشمعة يبعث الدفء والنور ، وليس النار . اختارى يا صغيرتى الألفاظ ؟؟؟
و هكذا تعلمت من هؤلاء...
( من ذكريات ابنة اليم )
http://www.mazameer.com/vb/t99016.html
صورة وذكريات طفولة
وأحلّق بأجنحة الليل الوسنانة فى أحلامٍ زاهرة ...
"الحُرية أثمن الأشياء"
فى يوم من أيام طفولتى الجميلة حيث المرح والبراءة ولفحات نسيم الخريف الرطيبة ، مع دفء الشمس وهى تتهادى على شُرفة منزلنا ، فتُلقى بأشعتها الذهبية على جدران غُرفتى ، وتعكس أشكالاً ظلالية ،
أحرّك أصابعى الصغيرة فأرسم ما يحلو لى أن أتخيّل . عصفور ، أرنب ، أو غزال . كلها خيالات وأوهام ..
فى تلك الأثناء ، رأيت عصفوراً صغيراً من ( الكناريا ) بألوانه الزاهية ، سبحان الخلاّق ، سقط فى الشُرفة ولم يستطع الطيران ، وببراءة الطفولة نادَيت أمى وطلبت منها قفصاً أضع فيه العصفور
ووعدتها أن أقوم على رعايته ، وتقديم الحَب والشَراب وقتما يحتاج . لكنها رفضت طلبى وعلّمتنى درسًا لن أنساه .
قالت يا صغيرتى . أيستطيع الطفل أن يبتعد عن أبواه ؟ ! أيستطيع الإنسان أن يحيا بدون تنفّس الهواء ؟ ! قلت : لا .
قالت يا بنيتى الحرية أغلى وأثمن الأشياء ...
" الأمانة "
فى بيت جدتى نافذة تطل على حديقة الجيران ، تدخل منها الشمس وقت الأصيل ، وفى المساء نسمات الهواء العليل ، وفى حديقة الجيران كَرمة عنب نَمت وارتفعت حتى تدلّت من النافذة العناقيد .
وكُنّا نحن الصغار نسمّيها ( عِنَباية )
وفى يوم من أيام الجُمع وكان يوم زيارتنا لجدتى ، رأيت عامل بناء ومعه رَمل وأسمنت ووحدات من الأحجار .
أصابنى الذُهول حين رأيته يَشرع فى البناء ، ويسدّ النافذة بالأحجار . تبدّدت حيرتى حين سألت جدتى باستغراب : و (العنًباية ) يا جدتى ؟ !
قالت يا صغيرتى نسدّ باب الحرام . عناقيد العنب نضجت وكادت تسقط من النافذة الأعناب .. ونحن لا نملكها ، إنما الجبران يملكونها . وهذا علينا حرام ...
" الأمومة "
فى ذلك الصيف البعيد حيث كُنّا نقضى أيامه الهانئة فى الساحل الشمالى بعيدًا عن ضوضاء المدينة ، فى ( شاليه ) صغير جهّزه والدى بما يليق واحتياجات المصيف والطفولة .
وفوق الأرجوحة البرتقالية بجوار شجرة الياسمين بزهورها البيضاء ، ورائحتها الفوّاحة ، كنت ألهو وفى يدى شُطيرة ، آخذ منها لقيمة ، ومع صعود الأرجوحة أرى مياه البحر الزرقاء ، وفى الهبوط أرى الورود والأزهار
فجأة , دخل كلب الحديقة ، خفت منه وتمالكت نفسى ، وفهمت أنه جوعان . وكلما اقترب منى أقتطع لقيمة وألقيها إليه . حتى شبع الجوعان، وما زلت ألقى إليه بلقيمات .
وبعد فترة حدث ما لم يكن فى الحُسبان !. وجدته يأخذ اللقيمة فى فمه ويخرج من باب الحديقة ثم يعود فألقى له بأخرى ، فتعجّبت من أمره !
لِمَ لا يأكلها أمامى كما كان يفعل من قبل ؟ ! هكذا استغربت . وبحب استطلاع طفولى خرجت وراءه وتتبعته ، فإذا هو يحفر فى الرمال ويخفى اللقيمات ، ويعود ليأخذ غيرها الطمّاع . ياله من دهاء !
أسرعت إلى أمى لأخبرها بما رأيت ، وكأن شيئاً خطيراً اكتشفت ، أو سراً رهيباً من أسرار الحيوانات قد عرفت .
وببساطة ، أفهمتنى أنها كلبة مؤنثة تدّخر لصغارها الطعام لتلجأ إليه وقت يندر الغذاء .
هكذا يا صغيرتى الأمومة فى جميع المخلوقات
" اختيار الألفاظ "
ذات يوم من الأيام جُرِح إصبع يدى ، وعرفت أن لون الدم أحمر ، والقطن لونه أبيض . هكذا كنت أردد الكلمات ، وأتعلم الألوان .
سمعتنى أمى فاحتوتنى بين ذراعيها ، وكان من عادتها عندما تعلمنى شيئاً تضمنى إلى صدرها فى حنان فترسخ فى ذهنى الأشياء .
قالت يا حبيبتى . تعالى نتعلم الألوان . لا تقولى أحمر لون الدم ،بل قولى لون الورد . ولا تقولى أبيض لون القطن ، بل قولى مثل الفل . بنيتى . ليس الأسود هو الليل ، بل الليل حالك الظلام
ولهب الشمعة يبعث الدفء والنور ، وليس النار . اختارى يا صغيرتى الألفاظ ؟؟؟
و هكذا تعلمت من هؤلاء...
( من ذكريات ابنة اليم )
http://www.mazameer.com/vb/t99016.html
صورة وذكريات طفولة
التعديل الأخير: