- 22 يوليو 2008
- 16,039
- 146
- 63
- الجنس
- أنثى
- علم البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6].
لم يقل: يا أيها الناس، كما قال في أول سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [النساء:1] لأن تقوى الله تعالى هي الإيمان به. والناس جميعاً مدعوّون إلى الإيمان. أما قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بالله شَهِيداً} [النساء:79]. فلم يقل: للعرب؛ وإنما قال: للناس عرباً وغير عرب. أما الصلاة والوضوء فهما فرعان على الإيمان.. فَحُقَّ ألاّ يُدعى إلى الصلاة والوضوء إلا من كان مؤمناً بالله تعالى، موصوفاً بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}.
ومعنى الآية: إذا قمتم إلى الصلاة فتوضأوا. وهذا يُستفاد منه أن القول: إذا قمتم إلى الصلاة.. معناه: إذا أردتم القيام إلى الصلاة. ولكن لماذا لم يورد الحقُّ "أردتم"؟ السبب – والله أعلم – أنه أراد أن يَشْعر المسلم أن هناك تلازماً بين الوضوء والصلاة، فلا تصحّ صلاة دون وضوء، وأن نية الصلاة يجب أن تكون واردة عند القيام بالوضوء. وأن الوضوء لكل صلاة واجب، كما كان يفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في معظم الأوقات.
ما سبب تقديم الوجه – في الترتيب – على اليدين والرجلين؟
الجواب: أن الوجه أشرف من سائر الأعضاء الظاهرة؛ لأنه، قبل غيره، هو الذي يدل على شخصية الإنسان. أما قدّم الرسول الكريم.. القلب على غيره من الأعضاء الخفية..
فقال: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله. ألا وهي (القلب)؟" (صحيح البخاري).
ثم قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} ولم يقل: وامسحوا رؤوسكم. لتدل الباء على شيئين:
الأول- الإلصاق. أي: لا بد من أن تلامس يدك أو يداك الشَّعر.
والثاني- التبعيض. أي: لا يمسح الرأس كله وإنما يمسح بعضه، وقد يكون هذا البعض الغرّة – كما فعل الرسول الكريم – مرّة. وقد يكون ضعف ذلك أو أربعة أضعافه. وقد يمسح الرأس كله. وهذا.. من التوسعة والتخفيف اللذين أراد الله تعالى بهما أن ييسر أمور الدين على الناس.
أما قال تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185].
أما دلالة {بِرُءُوسِكُمْ} على معنيين.. فهذا من غنى القرآن الكريم بالدلالة.
أما قال تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15].
وقد فسَّرها المفسرون بمعنيين متعاكسين: أكاد أسترها وأكاد أظهرها. لأن أشراط الساعة لا تكفي لإظهارها بالدقة. ولذلك فهي تكاد تختفي المعنيان واردان.
وقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قرئت اللام في الأرجل بفتح وكسر. أما الفتح فعطف لها على {أَيْدِيَكُمْ}. ولكنه تعالى – أخّرها لسببين: الأول – أن الرأس أشرف من الأرجل.. فقدَّمه عليها. والثاني – أن الأرجل مظنّة الاتساخ لاتصالها بالأرض، ولتعرّقها داخل الحذاء.. ولذلك فهي مظنة أن يبالغ المرء في صبّ الماء عليها. فجعلها بعد المسح ليُشعِر تعالى بألا يُبالَغ في صبّ الماء عليها. لأن الشيء يتأثر بمجاوِرِه سلباً وإيجاباً، أما قال الرسول الكريم: "ارجعن مأجورات غير مأزورات"؟ (ابن هشام الأنصاري – مغني اللبيب 2/684) فحوّل الواو في – موزورات – إلى همزة لجوارها إلى (مأجورات).
أما الكسر .. فكان سببه (المجاورة) كقول الرسول الكريم: "جُحْر ضبٍّ خرِبٍ" فـ (خرب) صفة للجُحر، وكان حقها النصب، ولكنها جُرَّت لجوارها من المجرور. (والأرجل) جُرَّت لمجاورتها (الرؤوس). ولكنها حتى مع الجرّ الظاهر إلا أن معناها يتصل بالأيدي وليس بالرؤوس. وعلى هذا .. فجرُّها لا يلغي غسلها وإنما يلغي المبالغة في الغسل. والدليل على ذلك .. أن المسح لم تحدّد حدوده شرعاً – كما قال الزمخشري – وهنا في الرِجلين وقع تحديده أي: حُدِّد إلى الكعبين
د. عودة الله القيسي / دكتوراه في الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6].
لم يقل: يا أيها الناس، كما قال في أول سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [النساء:1] لأن تقوى الله تعالى هي الإيمان به. والناس جميعاً مدعوّون إلى الإيمان. أما قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بالله شَهِيداً} [النساء:79]. فلم يقل: للعرب؛ وإنما قال: للناس عرباً وغير عرب. أما الصلاة والوضوء فهما فرعان على الإيمان.. فَحُقَّ ألاّ يُدعى إلى الصلاة والوضوء إلا من كان مؤمناً بالله تعالى، موصوفاً بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}.
ومعنى الآية: إذا قمتم إلى الصلاة فتوضأوا. وهذا يُستفاد منه أن القول: إذا قمتم إلى الصلاة.. معناه: إذا أردتم القيام إلى الصلاة. ولكن لماذا لم يورد الحقُّ "أردتم"؟ السبب – والله أعلم – أنه أراد أن يَشْعر المسلم أن هناك تلازماً بين الوضوء والصلاة، فلا تصحّ صلاة دون وضوء، وأن نية الصلاة يجب أن تكون واردة عند القيام بالوضوء. وأن الوضوء لكل صلاة واجب، كما كان يفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في معظم الأوقات.
ما سبب تقديم الوجه – في الترتيب – على اليدين والرجلين؟
الجواب: أن الوجه أشرف من سائر الأعضاء الظاهرة؛ لأنه، قبل غيره، هو الذي يدل على شخصية الإنسان. أما قدّم الرسول الكريم.. القلب على غيره من الأعضاء الخفية..
فقال: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله. ألا وهي (القلب)؟" (صحيح البخاري).
ثم قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} ولم يقل: وامسحوا رؤوسكم. لتدل الباء على شيئين:
الأول- الإلصاق. أي: لا بد من أن تلامس يدك أو يداك الشَّعر.
والثاني- التبعيض. أي: لا يمسح الرأس كله وإنما يمسح بعضه، وقد يكون هذا البعض الغرّة – كما فعل الرسول الكريم – مرّة. وقد يكون ضعف ذلك أو أربعة أضعافه. وقد يمسح الرأس كله. وهذا.. من التوسعة والتخفيف اللذين أراد الله تعالى بهما أن ييسر أمور الدين على الناس.
أما قال تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185].
أما دلالة {بِرُءُوسِكُمْ} على معنيين.. فهذا من غنى القرآن الكريم بالدلالة.
أما قال تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15].
وقد فسَّرها المفسرون بمعنيين متعاكسين: أكاد أسترها وأكاد أظهرها. لأن أشراط الساعة لا تكفي لإظهارها بالدقة. ولذلك فهي تكاد تختفي المعنيان واردان.
وقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قرئت اللام في الأرجل بفتح وكسر. أما الفتح فعطف لها على {أَيْدِيَكُمْ}. ولكنه تعالى – أخّرها لسببين: الأول – أن الرأس أشرف من الأرجل.. فقدَّمه عليها. والثاني – أن الأرجل مظنّة الاتساخ لاتصالها بالأرض، ولتعرّقها داخل الحذاء.. ولذلك فهي مظنة أن يبالغ المرء في صبّ الماء عليها. فجعلها بعد المسح ليُشعِر تعالى بألا يُبالَغ في صبّ الماء عليها. لأن الشيء يتأثر بمجاوِرِه سلباً وإيجاباً، أما قال الرسول الكريم: "ارجعن مأجورات غير مأزورات"؟ (ابن هشام الأنصاري – مغني اللبيب 2/684) فحوّل الواو في – موزورات – إلى همزة لجوارها إلى (مأجورات).
أما الكسر .. فكان سببه (المجاورة) كقول الرسول الكريم: "جُحْر ضبٍّ خرِبٍ" فـ (خرب) صفة للجُحر، وكان حقها النصب، ولكنها جُرَّت لجوارها من المجرور. (والأرجل) جُرَّت لمجاورتها (الرؤوس). ولكنها حتى مع الجرّ الظاهر إلا أن معناها يتصل بالأيدي وليس بالرؤوس. وعلى هذا .. فجرُّها لا يلغي غسلها وإنما يلغي المبالغة في الغسل. والدليل على ذلك .. أن المسح لم تحدّد حدوده شرعاً – كما قال الزمخشري – وهنا في الرِجلين وقع تحديده أي: حُدِّد إلى الكعبين
د. عودة الله القيسي / دكتوراه في الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم