إعلانات المنتدى


ألا تُحبُّون ؟! - مقالٌ لأخيتكم

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

أمجاد بنت محمد

مشرفة سابقة
10 أبريل 2011
787
83
28
الجنس
أنثى
الحمدُ للهِ وبعد ،

كلُ امرءٍ ماضٍ في هذه الدنيا لا يخلو من الخطأ ..
وكلُ من عاشرَ الناس واختلط بهم ، لا بُد وأن يلقى الأذى !
وكل من امتطى ركبَ الصداقةِ ، لا بُد أن يلقى المشكلات من كل حدبٍ وصوب !
سيّما أن الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم ، ولا يكاد يتركه طرفةَ عين إلا من بلغَ من الإيمانِ ما بلغ ، ونأى عنه وعمّا يقول !

وقد بتنا نحملُ من الحقدِ والكراهية لمن نحب بسبب هذا ، سيّما في زمننا هذا !
فافترق الصديقان ، وتغرّبت العائلات ، وتشتت الموظفون ، وانهارت كل العلاقات !

فلا يلبثُ أحدنا أن يفعل شيئًا إلا وقد أخذ من سوءِ الظن كل مأخذ .. والشيطان من وراءِ حجاب يُزيّن هذا ، ولا يتركك إلا بعد أن تبكي دمًا من فرطِ الندم لسوء ظنّك بأخيك !

ويعرفُ بهذا كل أحد ، غيرَ أن بعض الناس يتغاضى عن هذا لردِّ كرامته ، أو لفكرةِ الانتقام التي باتت تُسيطر عليه ..

وإنك لو عدتَ لكتابٍ فُصّلت آياته من لدن حكيمٍ خبير ، لوجدت الله قال فيه :
[
وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ]

وقد قرأتُ ذات يومٍ عبارة ما نسيتها قط :
العَفو أشد أنواع الانتقام !

ولقد صدق قائلها ، فالعفو سكبًا باردًا على القلب ، يضمحل كل حقدٍ كان فيه ، ينزع كل بذرةٍ ينبتها الشيطان !
وليجدنّ ذاك المُخطئ من فرطِ سياط الضمير ما لا يعلم كنهه إلا الله !

وهل يُظن باللهِ أنه يشرع أمرًا ثم يكون فيه الشر لعباده ؟!
حاشاهُ والله !

فإذا كان هو سبحانه يعفو عمن أساء إليه وتاب وأناب ، وهو الله الملك القدوس العزيز الحكيم فمن نحنُ لئلا نفعل !

وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي :
يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِيْ وَرَجَوتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِيْ، يَا ابْنَ آَدَمَ لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ استَغْفَرْتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيْتَنِيْ بِقِرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقِيْتَنِيْ لاَتُشْرِك بِيْ شَيْئَاً لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغفِرَةً ]

والأنموذج البشري يرتسم في خُلقٍ نبويٍّ عظيم ، على كل ما أصابه من أذى وتفريط ، وشتمٍ وادّعاء بغير حق ..
يوم أن بلغه ما بلغ وهو لا يفتأ يُردد : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ"

ومشهدٌ آخر .. لأولِ الخلفاء الراشدين ، وخيرُ صَحبِ نبيّنا – صلى الله عليه وسلم -
في حادثةٍ لو وقعت أشواكها على أحد لقطّعته ، ولو وُطئت جِمارها على أحد لمزّقته ..
يوم أن قال فيها من خاض في مآقيها قولًا شططًا ، وزورًا !
لو خُلط بماءِ البحر لأفسده !

يوم أن اتهمّوا الصدّيقة بنتُ الصدّيق – رضي الله عنهما وأرضاهما - ، زوجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحبُ أزواجه إليه .
فكان ممن خاض فيها مِسطح بن أثاثة قريبَ أبي بكرٍ – رضي الله عنه - ، وكان ينفقُ عليه إذ أنه رجلًا فقيرًا – أعني مسطح - ، فلما قال ما قاله في ابنته ونزلت الآيات مُخبرة بصدقِ براءتها وطُهرها قال أبو بكر : والله لا أُنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة !

فأنزل الله بعدها : [
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]
قال أبو بكر : بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي ، والله لا أنزعها منه أبدًا ..

وعاد لسابقِ عهده في النفقة ..
هكذا يكون القلبُ الذي يُعظّم شعائرَ الله ، هكذا يفعل العفو بمن يفعله ابتغاءَ رضوانِ الله ، هكذا يتجرّد المرء من هواه إذا عَلِم أن ما عندَ الله خيرٌ وأبقى !

أفرأيتم .. لو أن نبتةً زرعتموها واعتنيتم بها ، حتى إذا ما جاء يومٌ نسيتموها فأوُصيتم بسقايتها ، فسكبَ أحدهم عليها الماء صبًا !
أترونها قادرة على إكمال نموّها ؟!

كذلك والله من يعفو ويصفح !
يجدُ العفو سكبًا باردًا على قلبه ، فلا يكون للانتقام وشاكلته مكانًا في نفسه !
ولا ينوء بحمله على قلبه وكاهليه !

ولا تظنُ يا من تقرأ كلمي هذا أن ثمة خدشٌ للكرامة في العَفو ..
بلِ ابتغِ ما عند الله ، واصدق في نيّتك معه ..
وما عندكم ينفد وما عند الله باق !
أفلا تعقلون ؟!

ووالله لحسبُك من العفو أن تكون سليمَ الصدر على من عرفت ومن لم تعرف !
وإن من أهل الجنة - بإذنِ الله - الذين لا يحملون في قلوبهم غِلًا للذين آمنوا ..

- نسألُ الله من فضله -

من اليوم اعقد عزمًا على العفو ، ولا تنم إلا وقد قلت :
اللهم إني قد عفوت عن جميع من أساء إلي وظلمني ..

لتجدنَّ أثر قولها في انشراح صدرك ، ومُضيّ يومك التالي غيرَ ما كُنت عليه بالأمس !


وهل يُعقل بالله ؟!
أن يستوي من بات ليله يُخطط للانتقام ، يشتمُ ويدعو ، يتقلّب في فراشه ليعقد خطة مُحكمة !
كمن بات ليله يدعو الله أن يرزقه العفو والصفح ليعفو الله عنه ، ويتقرب بهذا العمل إليه !

هل يستويان مثلا ؟!

وأختمُ بقول الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله رحمةً واسعة - :
" ما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم بسببك ؟! "


هذا والعلمُ عند الله ..
وإني لأحوجُ والله لهذا الكلم والتذكير منكم ..
ويعلم الله فرطَ تقصيرنا .. والله المستعان

أسألُ الله أن يبارك عُمركم ، ويغمركم برضوانه ، ولا يجعل في قلوبكم غِلًا للذين آمنوا ..
ويعفو الله عن كثير .. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين .



أمجَاد مُحمَّد !

 
  • أعجبني
التفاعلات: 2 أشخاص

ابنةُ اليمِّ

مدير عام قديرة سابقة و عضو شرف
عضو شرف
26 مايو 2009
25,394
1,156
0
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: ألا تُحبُّون ؟! - مقالٌ لأخيتكم

عودة قوية بعد غيبة أختاه

صدقتِ والله فيما خطّت يداكِِ..
فما أحوجنا لمثل هذه التذكرة وخاصةً إن رصّعت بدرر المداد ووشّيت بحروف من ذهب
جزاك الله خيرًا غاليتي ونفع بكِ
أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا
ويستحق التقييم
 

محب الشيخ المحيسني

الفائز بالمركز الأول بمسابقة مزامير الرمضانية 1437
14 فبراير 2009
11,128
1,781
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد المحيسني
علم البلد

ابنةُ اليمِّ

مدير عام قديرة سابقة و عضو شرف
عضو شرف
26 مايو 2009
25,394
1,156
0
الجنس
أنثى
علم البلد

خادم المصحف

مشرف ركن مزامير أرض الكنانة
المشرفون
4 أكتوبر 2010
2,978
250
63
الجنس
ذكر
رد: ألا تُحبُّون ؟! - مقالٌ لأخيتكم

بارك الله فيكم و في قريحتكم
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع