إعلانات المنتدى


لغة العين واليد

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

أحمد النبوي

مراقب الأركان العلمية
مراقب عام
19 يناير 2009
2,950
662
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
لغة العين واليد
هناك عادة اجتماعية جرى عليها عرف الناس في مصر، وهي أن يقف أهل الميت لتلقي العزاء مرتين: مرة عند المقابر عقيب الدفن مباشرة، ويسمونها "أخذ الخاطر"، ومرة في مجلس العزاء بعد الدفن، وذلك في قاعة يسمونها "المضيفة" قد تكون ملحقة بمسجد أو تكون خاصة بعائلة أو قرية ما، وربما في سرادق يقيمونه لذلك خصيصًا.
وكلما كان الميت من من الأعيان والمشاهير؛ كان المعزُّون وحاضروا الجنازة أكثر، وهكذا تصعب مهمة السلام على المعزين، إذ يبلغ تعداد المعزين أحيانًا آلافًا كثيرة قد تزيد على الخمسة.
يتحول أهل الميت بعد قليل من بدء تلقي العزاء إلى آلات، حيث تتحرك أيديهم بلا شعورٍ للمصافحات الألفية، وتلهج ألسنتهم بنمطية وخدرٍ مكرِّرَةً عبارات المجاملة، ومرددة كلمات التحية والعزاء على الحاضرين بمثلها، في مشهد يكادون فيه يغيبون عن الوعي من كثرة المصافحة وتبادل عبارات العزاء.
هل تتخيل معنى أن تقف ساعاتٍ محدودة فتصافح فيها أكثر من سبعة آلاف شخصٍ، بعد أن تقضي ليلة بدون نومٍ في إتمام أوراق وتصريح الدفن وتجهيز الميت، وما يستتبعه من أمور! ناهيك عن صدمة الوفاة نفسها، ولعل هذه الانشغالات من ألطاف الله بأهل الميت حتى يتلهو عن مصابهم قليلا، خصوصًا أن وطأة الفراق يفترض أن تكون أثقل ما تكون في أول أيام الفاجعة.
لقد تكرر هذا المشهد معي أكثر من مرة، لكني وقت تلقي العزاء أسبح في عالم من التأمل العجيب، ومن ذلك أنني أحب أن أنظر في عيني مصافحي كنوعٍ من التقدير والاحترام، وعادة ما أشد على يده حتى وإن كانت قواي البدنية قد أرهقت وخارت بشكل كبير. ومع تكرار الموقف تولد في العقل الباطن رابط بين الشخص الذي أسلم عليه وبين قبضة يده. نعم الرابط عجيب، لكنه انتقل إلى العقل الواعي - ثم إلى الورق بعد ذلك - بشواهده وأمثلته وحيثياته.
فالصحة تنطبع كالخاتم في قبضة اليد، والمهنة كذلك، وكثير من الطباع تظهر في تسليم الشخص عليك، والمشاعر التي يخفيها تنتقل بمجرد تلامس الأيدى والتقاء الأعين.
أحس أن السلام مع النظر في العين يشكلان اتصالا قويًا بين اثنين، تنتقل فيه ملايين المعلومات والمشاعر والأحداث والأخبار!
فبعضهم ترى في عينيه عدم المبالاة والاهتمام، وبعضهم تقرأ في عينيه حضوره الرسمي المجامل فقط، دون مشاعر الحزن على الفقيد، وعلى العكس ترى في عيون بعضهم الحزن والأسى بدرجاتهما.
وبعضهم تحتويك قبضة يده، وتشد على يدك في رسالة تقول فعلا "شد حيلك"، بل تصل الحميمية أحيانًا في السلام إلى أن يحضن ظهر يدك بيسراه، فتشعر مع كلتا يديه بالتكاتف وشد الأزر. وآخرون ترى ضعفهم واعتلال صحتهم في تسليمتهم. ذاك فلاحٌ غلظت يده واخشوشنت، وآخر غلظت يده ولم تخشوشن، فبدت عليه سيما النعيم بعد الشقاء!
وثالثٌ تكاد يده ألا تلامس يدك من عجلته في السلام، بل وعينه على من يقف بعدك من شدة عجلته! ورابعٌ عيناه ترغرغان بالدمع ويده دافئة تشاركك المصاب، وتشي برابط قويٍّ بالفقيد.
هناك ذوو الأعين الباردة القاسية، التي تشي بفقر المشاعر، وهناك الأعين المطفأة التي تدل على مرض أو مشكلة أزاحت الأمل في الحياة.
هناك شاب يشد على يدك بشدةٍ تقرأ فيها استعراض الفتوة وزهوة الشباب تؤكدها براءة عينيه، وآخر ترى من عينيه مع هذه الفتوة ما يُشعرك ببيئة تحترم القوة وتتفاخر بها، وثالث ترى مع فتوته كِبْرًا تفضحه عيناه وهيئته.
وقد تُصادف ذلك الرجل الغامض الذي يخفي عينيه وراء نظارة الشمس، وقد لبس بزته الثمينة التي يرسل بها رسالة الفخامة في موقفٍ يحتقر الفخامة والدنيا كلها!
العجيب أن هذا التدفق في المعلومات والمشاعر والانطباعات قد لا يستغرق أكثر من ثانية من الزمن، في حالة من أعجب حالات تدفق البيانات والمعلومات بين طرفين، لكن عبئ الجمع والتحليل يقع على الطرف الواقف لتلقي العزاء.
ولا أراكم الله مكروها في عزيز لديكم.
أحمد عاصم - 16/08/2014م.
 

نادر الدين

مشرف سابق
3 سبتمبر 2011
4,031
91
0
الجنس
ذكر
رد: لغة العين واليد

​آمين ، بوركت أخي الغالي .
 
  • أعجبني
التفاعلات: شخص واحد

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,345
4,551
113
الجنس
ذكر
رد: لغة العين واليد

مقال رائع .. بارك الله فيك أخي الكريم
 
  • أعجبني
التفاعلات: شخص واحد

أحمد النبوي

مراقب الأركان العلمية
مراقب عام
19 يناير 2009
2,950
662
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
رد: لغة العين واليد

​آمين ، بوركت أخي الغالي .

شكرا وأهلا بك أخي الحبيب ومرحبًا.

الله يجزاك خير
وإياك أبا الحسن، أحسن الله إليك.

مقال رائع .. بارك الله فيك أخي الكريم
شكرًا على إطرائك، فالروعة - حقًا - منك وبك!
 

طموحـة

مشرفة سابقة
31 أكتوبر 2010
4,028
154
63
الجنس
أنثى
رد: لغة العين واليد

أسأل الله أن لا يفجعنا في من نحب
بارك الله فيكم كلام جميل
 
  • أعجبني
التفاعلات: شخص واحد

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع