إعلانات المنتدى

مسابقة مزامير القرآنية 1445هـ

فوائد ولطائف من سورة الفاتحة .. الشيخ مساعد الطيار

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

أبو خالد الدمشقي

مشرف سابق
18 مايو 2011
3,139
302
83
الجنس
ذكر
علم البلد
فوائد ولطائف من سورة الفاتحة .. الشيخ مساعد الطيار

1.


لفظ العالمين عامٌ، يراد به ما سوى الله، كما قال الأمير الملهم علي بن أبي طالب .
وتأتي هذه اللفظة عامةً يراد بها الخصوص في مثل قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام: 90]، فالمراد بالعالمين هنا: المكلفون من الجن والإنس، فخرج اللفظ مخرج العموم، والمراد به الخصوص؛ إذ لا يدخل في الخطاب من سواهم من المخلوقين، والله أعلم.



2.


ودلَّ الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة عن النبي، قال: (قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1]، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) = على أن الحمد ليس مجرَّد الثناء، وإنما تكرار المحامد هو الثناء.
أما الحمد فهو ذكر المحمود بصفات الكمال، فإذا كرَّر هذه الصفات كان ثناءً؛ لأن الثناء من الثَّنيِ، وهو ثني الصفة على الصفة، فكأنه إذا كرَّر الصفات كان كمن يثني آخر شيء على أولَّه، والله أعلم

.

3.


ومن آداب الدعاء التي أرشدت إليها الفاتحة أن يبدأ بالحمد والثناء على الله، ثم يظهر ضعف حاله، كما هو في إخباره بعبادته واستعانته بربه، ثم يطلب بعدها، كما في طلب الهداية.
وهذه الأحوال هي أحوال الأنبياء في الدعاء، وهي أكمل الأحوال، وانظر كيف أرشد لله نبيه موسى عليه الصلاة والسلام قبل نبوته في دعائه له إلى إظهار فقره، فقال: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}، فهو إخبار يتضمن الطلب من الله تعالى، فجاءه من الخير ما لم يكن بحسبانه: (القرب من الصالحين، والعمل الطيب، والكسب الطيب، والزوجة الصالحة، ثم جاءته النبوة التي لا يعلوها شرف).



4.


اتفق العلماء على أن عدد آيات الفاتحة سبعٌ، واختلفوا في السابعة:
فالأولون عدُّوا البسملة آية، ولم يعدوا {صراط الذين أنعمت عليهم} آية.
والآخرون لم يعدوا البسملة آية، وعدُّوا {صراط الذين أنعمت عليهم} آية.
ويبنى على هذا مسائل فقهية، منها:
أ - أن من عدَّها آية، فإنها لا تصح قراءة الفاتحة إلا بها.
ب - أن من لم يعدها آية، فإن قراءته بـ(الحمد لله...) تكون تامة.
ج - أن من عدَّها آية يجهر بها في الصلاة الجهرية؛ لأنها من الفاتحة.
د - أن من لم يعدها آية، فإنه لا يجهر بها، وإن جهر بالبسملة فليس على آنها آية من الفاتحة، وإنما لأنها آية مستقلة، وقد ثبت عن النبي أن كان يجهر بها أحيانًا.
وهذا يشير إلى أهمية معرفة ترابط العلوم الإسلامية بعضها ببعض، فعلم عدِّ آي القرآن له علاقة ببعض الأحكام الفقهية، كما هو هنا، وله ارتباط بغيره من العلوم الأخرى.
ومن ذلك: أن من عدَّ البسملة آية، فإنه يبحث عن سرِّ تكرار (الله، الرحمن، الرحيم)، وهذا مبحث بلاغي.



5


. اختلف العلماء في جملة {الحمد لله رب العالمين} هل هي خبر محض، أو خبر يتضمن الإنشاء، أي: احمدوا الله رب العالمين؟
وعلى كلا القولين فإن الأمر بالحمد مما تشير إليه الآية، فإن كانت خبرية، فإن من لوازم هذا الخبر أن يحمد العبد ربه، وإن كانت خبرية تتضمن الإنشاء (أي: طلب الحمد)، فهي نص في ذلك، والله أعلم .
وفائدة كون الجمل خبرية الثبوت والدوام، وحمده حاصل له الثبوت والدوام.
وفائدة كونها إنشائية طلب تجدد الحمد من العباد مرة بعد مرة، وفيه معنى الاستمرار؛ إذ حمد العباد له متجدد لا ينقطع.



6.


من لطائف القرآن أن ظهور الرب لعباده أولاً بالربوبية، ثم بالألوهية، فإذا عرفوه بربوبيته، عرَّفهم بألوهيته سبحانه، فالربوبية سابقة على الألوهية، ولعل هذا أحد أسرار ابتداء الوحي باسم الرب في قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم}،و قال في نبوة موسى في سورة طه: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} = فابتدأ باسم الربوبية، ثم ثنى باسم الألوهية، لما ابتدأ بذكر التكليف، والله أعلم.
أما في سورة الفاتحة، فإن مقام الربوبية قد عُلِم، فكان الابتداء باسم الألوهية مقدَّمًا؛ لأنه الاسم الأشرف لله، وهو العلم الذي تتبعه كل الأسماء، والله أعلم .



7.


من الآداب التي أرشدت إليها الفاتحة: أدب الخطاب مع رب الأرباب، فإذا كانت النِّعم؛ نُسبت إليه، وإن كان ما سواها لم يًنسب إليه، وهذا من باب التأدب في عدم نسب الشر إليه، مع أن الخير والشر بتقديره سبحانه.
ففي النعم أسند الداعون من المؤمنين النعمة إليه {أنعمت عليهم}، وفي الغضب جاء على صيغة اسم المفعول {المغضوب عليهم} الذي أصله الفعل المبني للمفعول، فلم يذكر فاعله تأدُّبًا مع الله، وفي القرآن من هذا الأدب قول إبراهيم: {... والذي هو يطعمني ويسقين . وإذا مرضت فهو يشفين ...} فلما جاء المرض، وهو علَّة وآفة = لم ينسبه إبراهيم إلى ربه تأدبًا، وأما النعم الأخرى فقد أسندها إليه تعالى.
ومثله قول نفر الجن: {وأنا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدًا}.




8. من إرشادات هذه السورة الكريمة أن المسلم يطلب الهداية إلى الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فهي، وهذا ما ينبغي له أن يكونه في كل أمر من أمور دينه ودنياه.
والنقص في الهداية للصراط المستقيم تأتي من جانبين:



الأول: الهوى، وهو الذي يكون عن علم، لكنه يترك ما آتاه الله من العلم، ويرتكب المخالفة، ويأخذ بالطرق المعوجَّة، وهذا هو حال اليهود، كما فسَّر النبي هذه اللفظة، ثم يقاس على تفسيره كل من آتاه الله العلم، ولم يعمل به، بل خالفه، وتركه وراءه ظهريًا.

وهذه الحالة لا تكون إلا من العبد، فالله هو المتفضل بالعلم على عباده، لكن خروجهم عن هذا العلم وما يقتضيه إنما هو من ذاتهم، فإذا ضلوا بأنفسهم أضلهم الله، ومصداق ذلك قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)} = فهذا العبد جاءه العلم من الله تفضلاً (آتيناه) لكنه قابل هذا التفضُّل بالإعراض والنكوص (فانسلخ منها)، ولم يُقَل: (فسلخناه منها) ليتبين لنا أن العبد هو الذي يبتدئ بالضلالة، فإذا لم يتب عاقبه الله بجنس فعله (ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض ...).



الثاني: الجهل، وهو نقص في العلم قد يلحق من يتصف بالعلم أيضًا، ولك أن ترى بعض الانحرافات الصوفية فيمن آتاه الله العلم بالأحكام الشرعية، فتتعجب من تقيده بالشريعة والعقل في الاستدلال للأحكام، وفي إلغائه للعقل في بعض شطحات المتصوفة.
وهذا من نقص العلم بلا ريب، وفيه شبه بالنصارى الذين عبدوا الله في بعض أمورهم على جهل، ومن عبد الله بما يظنه من شرع الله، وهو ليس كذلك، ففيه شبه من النصارى.




فائدة

:


إذا ورد عن النبي تفسير للفظة ما، والأحوال أو السياق يشعر بدخول غير ما فسر به النبي في معنى اللفظة، فإن أول ما يجب أن يُحكى تفسير، ثم يبيَّن وجه دخول غيره في المعنى الذي فسر به النبي، أو في معنى الآية، وهذا لا يتأتى في كل تفسيراته، وإنما في بعضها، والله أعلم.

 
  • أعجبني
التفاعلات: 3 أشخاص

ابنةُ اليمِّ

مدير عام قديرة سابقة و عضو شرف
عضو شرف
26 مايو 2009
25,394
1,156
0
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: فوائد ولطائف من سورة الفاتحة .. الشيخ مساعد الطيار

جزاك الله خيرًا وبارك في جهودك..
 
  • أعجبني
التفاعلات: شخص واحد

أبو خالد الدمشقي

مشرف سابق
18 مايو 2011
3,139
302
83
الجنس
ذكر
علم البلد
رد: فوائد ولطائف من سورة الفاتحة .. الشيخ مساعد الطيار

آمين وإياكم .. رفع ربي قدركم.
 
  • أعجبني
التفاعلات: شخص واحد

أبـو حـسـن

مزمار داوُدي
26 سبتمبر 2009
14,664
58
0
الجنس
ذكر
رد: فوائد ولطائف من سورة الفاتحة .. الشيخ مساعد الطيار

أحسن الله إليكم
 

أبو خالد الدمشقي

مشرف سابق
18 مايو 2011
3,139
302
83
الجنس
ذكر
علم البلد

أحمد النبوي

مراقب الأركان العلمية
مراقب عام
19 يناير 2009
2,950
662
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
رد: فوائد ولطائف من سورة الفاتحة .. الشيخ مساعد الطيار

موضوع متميز، بل بحث قيم.
نفع الله بكم وبنقولكم أخي الحبيب.
 
  • أعجبني
التفاعلات: شخص واحد

الموجودة

مشرفة قديرة سابقة
5 يناير 2010
8,498
406
83
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: فوائد ولطائف من سورة الفاتحة .. الشيخ مساعد الطيار

بارك الله فيك وأثابك الجنة
 
  • أعجبني
التفاعلات: شخص واحد

أبو خالد الدمشقي

مشرف سابق
18 مايو 2011
3,139
302
83
الجنس
ذكر
علم البلد
رد: فوائد ولطائف من سورة الفاتحة .. الشيخ مساعد الطيار

سلمكم ربي جميعاً
 
  • أعجبني
التفاعلات: شخص واحد

أبو خالد الدمشقي

مشرف سابق
18 مايو 2011
3,139
302
83
الجنس
ذكر
علم البلد

راضِي

الإدارة التقنية للمنتدى
إدارة المنتدى
10 مايو 2015
27,644
1
5,529
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الودود حنيف
علم البلد
رد: فوائد ولطائف من سورة الفاتحة .. الشيخ مساعد الطيار

جزاك الله خيرًا وبارك الله فيك.
 

أبو خالد الدمشقي

مشرف سابق
18 مايو 2011
3,139
302
83
الجنس
ذكر
علم البلد
رد: فوائد ولطائف من سورة الفاتحة .. الشيخ مساعد الطيار

جزاك الله خيرًا وبارك الله فيك.
آمين وإياكم أخي المبارك .
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع