- 30 أغسطس 2007
- 299
- 0
- 0
- الجنس
- ذكر
(بسم الل)
::
فهذا بحث قدمته لقسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وهذا هو
مقدمة البحث
الحمد لله الذي خلق الإنسان ، علمه البيان ، والصلاة والسلام على خير معلم بعثه الله عز وجل للإنس
والجان ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هديه واقتدى بسنته إلى لقاء الله الواحد
الديان .
أما بعد :
فمما لا ريب فيه ولا شك ، أن الإسلام هو الدين الخاتم الذي ختم الله به كافة أديانه وملله لعباده ،وكان
النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقول الله عز وجل : {خاتم النبيين} سورة الأحزاب آية 40 ، وكان
القرآن الكريم خاتم الكتب المنزلة من السماء ، وبموته ـ صلى الله عليه وسلم ـ انقطع الوحي من السماء
بعد أن أكمل الله الدين ، وأتم النعمة ، ورضي لعباده الإسلام دينا ؛ الذي ضمن الله عز وجل لعباده به
السعادة الدائمة في الدنيا والآخرة .
ومنذ بزوغ فجر الإسلام قبل أربعة عشر قرنا ؛ وإلى الآن من وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
سيظل الإسلام غضا طريا ، يواكب الأزمان على تجددها ويناسب العصور على اختلاف قضاياها
وتنوعها ، وصدق الله عز وجل حيث يقول :{ما فرطنا في الكتاب من شيء }سورة الأنعام آية 38
وقال سبحانه :{ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}سورة النحل آية 19،ولذا نجد الإسلام يجسد
للبشرية جمعاء ،ـ وليس للمسلمين فحسب ـ ، نهرا نقيا ومعينا نديا ومنهلا ثريا ، يرتاده كل جيل في كل
زمان ، وعلى مدار كل وقت ؛ فيأخذ ما يفيده في دينيه ودنياه ، ليقدم به على أخراه ، وقد حاز خيري
الدنيا والآخرة .
ومع كل اكتشاف علمي ، واختراع دنيوي ، إلا ونجد الإسلام قد سبق البشرية جمعاء ؛ في التحدث عنه
وتناوله أو التنويه بشأنه ؛إما صراحة أو إجمالا أو تفصيلا ، وما قوله تعالى:{وخلقنا لهم من مثله ما
يركبون}سورة يس آية 42،وقوله تعالى :{ويخلق مالا تعلمون} سورة النحل آية 8 ؛ إلا دليلا على
احتواء القرآن الكريم على كل يركب إلى أن تقوم الساعة ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ، ولأجل
ذلك ؛ وجدت لزاما عليَ أن أتناول في هذا البحث الذي يمثل قطرة من معين البحوث الإسلامية
المتعلقة بموضوع [مفهوم التجديد في ضوء الإسلام] ، لأحلق من خلاله على مفهوم التجديد لغة
واصطلاحا ،حديث المجدد وأقوال العلماء فيه ، ومجالات التجديد ، شروط المجدد، ونماذج من
المجددين في التاريخ الإسلامي ، وتجديد الخطاب الإسلامي كيف ولماذا؟.
ومن المسلم به أن الجهد البشري دائما يعتريه النقصان ولا يسلم من الخطأ والسهو والنسيان فما أصبت
فبفضل من الله وتوفيقه سبحانه وأحمد الله وما أخطأت فيه فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله .
ولي في توجيه أساتذتي الأجلاء ، ومشايخي النجباء ، ما يقيل عثراتي ، ويصوب زلاتي ، ويسدد
خطواتي ، سائلا المولى عز وجل أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى ، وأن يسدد على طريق الخير
خطانا ، والحمد لله أولا و آخرا .
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، وعلى آله وصحبه المتقين الشرفا .
أما بعد ,,,
فأستعين الله في كتابة البحث :
مدخل "تمهيد":
إن الله ـ عز وجل ـ بعث رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حين فترة من الرسل ، حيث كان
الناس في جاهلية جهلاء ،القوي يأكل الضعيف ، والغني يستعبد الفقير ، والشريف يستعلي ويستكبر
على الوضيع، أوثان تعبد ، ودماء تهدر ، وشرك ينتشر ويسود، وعداوة شائعة ،ونساء ضائعة معدودة
من سقط المتاع ،فأخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، وإلى الفسحة والسرور ، ومن عبادة العباد
إلى عبادة رب العباد ، و أحيا الله به قلوبا غلفا ،وأعينا عميا ، آذانا صما .
قال تعالى :{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن
كثيرقد جآءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من
الظلمات إلى النور }[سورة المائدة ،من الآيتين 15،16]،ومن هنا جاءت الشريعة الإسلامية منهجا
شاملا لجميع نواحي الحياة، متوافقة مع فطرة الإنسان وطبيعته ،فهي تامة كاملة ،وصالحة لكل زمان
ومكان وأمة.
قال تعالى:{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}[سورة المائدة،آية
3] ، فمن هذا المنطلق تميزت الشريعة الإسلامية عن غيرها من الأحكام والقوانين والآراء البشرية،
بمميزات فريدة ،ومحاسن أصيلة وكثيرة ، مما جعلها تهيمن عليها ، وتكون لها السيادة والريادة في
إيجاد الحل الأمثل ، والجواب الأشمل لكل ما تحتاجه البشرية مما يطرأ لها من حوادث وقضايا
ومشاكل في جميع أمورها الدينية والدنيوية في كل زمان ، وفوق كل أرض، وتحت كل سماء .
فالشريعة والحياة صنوان لا يفترقان ، ويخدم كل منهما الآخر ،ولكن لا يمكن أن يحدث ذلك على
أرض الواقع إلا إذا وجد العلاء الأفذاذ الأماجد ، الذين تأصلوا علميا ، وتقعدوا فكريا ، وصفوا منهجا وسلوكيا ، وأدركوا لب الشريعة ، وفهموا مقاصدها ومراميها ، وما جاءت به من أسباب السعادة للبشر
في معاشهم ومعادهم .
فالدين الإسلامي والفطرة البشرية على وفاق تام ، بمعنى أن الطبيعة البشرية تقبل التوحيد وجميع ما
جاء به الإسلام ؛ لأن العقل البشري يستحسن الفضائل ويدركها ويستقبح الرذائل ويرفضها ، والإسلام
هو دين الفضائل .
(ومن ادعى نقص الشريعة الإسلامية ، أو قصورها عن مسايرة الأحداث والأعصار ، وعدم قدرتها على الوفاء على الوفاء بمتطلبات وحوائج الأمصار، فهو ضال مبين وعلى خطر عظيم، ولايعدو أن يكون أحد ثلاثة :
1- إما جاهل جهلا مركبا ، وهو في مبادئ الشريعة من أجهل الناس ، فهذا عليه أن يتقي الله ويخافه ،
ويقوم بما يجب عليه من إزالة الجهل عن نفسه ، والتوبة من هذا الذنب العظيم ،قال تعالى :{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء}[سورة النساء،آية،48].
2- وإما صاحب هوى وبدعة ، إلى الي الزيادة على ما جاء به النبي _صلى الله عليه وسلم_،وإحداث ما لم يأمر به،أو الانتقاص من ذلك، بإنكار الشوامخ الراسية من الأدلة، وتحريف وتأويل النصوص التي لا تتمشى مع ما هو عليه ،فال تعالى :{أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل بصره غشاوة..}[الجاثية،آية23].
3- وإما ممن يتهجمون على الإسلام والشريعة الإسلامية ،ويتهمونها بالنقص والقصور وهؤلاء هم الأعداء أيا كان جنسهم أو دينهم ،ويقومون بذلك عن طريق تشويه مبادئ الإسلام والتشكيك فيها ووصفها بالجمود ، والمرحلية ، والتخلف ، وقد يكونون من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا بل بعضهم
ممن ينتسب لديننا . ا . هـ ) .
وفي هذا البحث قبل أن نبدأ يجب أن نعرف ما هو المقصود بـ [التجديد في الإسلام] ، فأقول قبل التعريف والدخول في فحوى البحث ، المقصود بالتجديد [والكلام سيكون نظرة عامة] هو التجديد الذي يتناول فروع الأحكام ،ولا يتناول أصولها ،حتى إن بعض العلماء ألف كنبا في أن الفتوى تتغير
باختلاف الوقائع والأزمنة ، بل ومن ذلك القاعدة الفقهية المعروفة ألا وهي لا ينكر تغير الفتوى والاجتهاد بتغير الأحوال ) ، وكلمة تجديد تعني شيئا جديدا ، لكن وكما سيمر معنا ؛ أنه يكون في ظل
الضوابط الشرعية ، وبما أننا في المدخل دعنا نأخذ القليل من الأمثلة التي ينطبق عليها معنى التجديد ؛ لأنه و بالمثال يتضح المقال .
الأول من هذه الأمثلة :
تجديد أخلاق المسامين ، ويكون ذلك بالرجوع إلى سيرة الهادي البشير، والسراج المنير، ففي سيرته الشفا لمن أراد السير على نهج المصطفى .
وليكن هذا المثال واضح المعالم .
الثاني من هذه الأمثلة :
[محاولة بعض من قد ينتسب إلى الدين ] ، من تقليد الغربيين ، بل سعي بعضهم إلى العيش معهم ، وهذا العمل فيه محذورين : الأول : التشبه وهو منهي عنه لحديث :{من تشبه بقوم فهو منهم} .
والثاني : النقص الذي يشعر به هذا المقلد ؛ لأن الذي يقلد إما فيه إعجاب بمن يقلده ؛ وهذا هو عين النقص ، وإما أنه يحب الذي يقلده _ ألا ترى أنك ترى الذين يحبون الدين ، يحاولون أنهم يقلدون جميع ما هذا الدين _ فكذلك الذي يحب رجلا فإنه يحاول تقليده ، سئل الشيخ صالح الفوزان _ حفظه الله_ عن محاولة تقليد الغرب ، فأجاب : إن كان التقليد تقليد في أمور الكفرة الخاصة بهم ؛ فهذا لا يجوز ، وأما إن كان شيء لا يختصون به بل المسلمين لهم فيه ما لهم فهذا جائز.
وأسلوب التجديد في هذا النوع : هو ما ذكره الشيخ وقد تقدم .
فمثلا : التقنية التي توجد عندهم لا مانع من أن نأخذها على الضوابط التي سنذكرها_ إن شاء الله_ في البحث ، فهذا يسمى تجديد لأنه لم يكن عندنا ؛ فأتينا بشيء جديد فسمي تجديد .
وكذلك التجديد في الفكر الإسلامي : وأنا لا أقصد به أن أسحب الدين شيئا فشيئا حتى ينتهي بي المطاف إلا وقد جعلت الدين غلالة رقيقة تحتمل جمع الأزياء ، لا نريد أن نقلد القدماء في بلاهة ولا نزعم أن التطور مع العصر يأتي بسذاجة ، فكما هو من المعلوم أن الإسلام مرن ومرونته تكمن في صلاحيته كل زمان ومكان .
وبعد أن حاولت أن أقرب الصورة لدى القارئ ، حاولت فيها بجهدي وحسب ما يقتضيه فهمي سأبدأ في كتابة هذا البحث الذي أسأل الله تعالى يوفقني فيه ويسددني لكل خير وهدى إنه ولي ذلك والقادر عليه .
المبحث الأول : في مفهوم التجديد في اللغة والاصطلاح .
أولاً: معنى التجديد لغةً:
التجديد في أصله اللُّغوي : مأخوذ من جدَّد الشيءَ، وتجدَّد الشيءُ، إذا صيَّره جديداً أو صار جديداً.
والتجديد فيه طلب واستدعاء، إذ التاء للطلب ، فيكون تجديد الشيءِ يعني طلب جِدَّتِه بالسعي والتوسّل
إلى ما يجعله جديداً.
والجديد نقيض الخَلَق والبِلى، وضدّ القديم بمعنييه ـ القديم زماناً، والقديم بقاءً، وهو
التقادم ـ، فيُقال: بلي بيت فلان ثمّ أجَدَّ بيتاً مِنْ شَعْر.. ويُقال لليل والنهار: الجديدان، لأنهما لا يبليان أبدا .
ومن معاني التجديد في أصل اللُّغة: التعظيم والإجلال، ومنه قوله تعالى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا}[ سورة الجن، الآية 3.]، أي عظمته وجلاله وغناه. ومن معانيه كذلك الوسطية، ويقولون: جادّة الطريق أي سواء الطريق ووسطه.
ومن هنا ندرك أنَّ التجديد لا يعني بحال الإتيان بجديد منقطع عما كان عليه الأمر أولاً، ولكن يعني:
• أنَّ الشيء المجدَّد قد كان في أول الأمر موجوداً وقائماً، وللناس به عهد.
• وأنَّ هذا الشيء أتت عليه الأيام، فأصابه البِلَى وصار قديماً خَلِقاً.
• وأنَّ ذلك الشيء قد أُعيد إلى مثل الحالة الأولى التي كان عليها قبل أنْ يبلى وَيَخْلَق
ثانيا : معنى التجديد اصطلاحا :
ومعنى التجديد اصطلاحا : يظهر أكثر بتعريف أبي الأعلى المودودي ـ رحمه الله تعالى ـ إذ يرى أنَّ المجدِّد هو: "كل من أحيا معالم الدِّين بعد طموسها، وجدَّد حبله بعد انتقاضه .
أو هو إعادة أمر الدين كما كان عليه ، يوم جاء من عند الله لم تعكره البدع والأهواء) .
ومراده رحمه الله: بالطموس لم يكن للدِّين، وإنما كان لمعالمه، ولا يريد بالطموس انتهاءه بالكلية من قلوب الناس وحياتهم ، ولكن أراد به عدم ظهوره في جوانبه كلها.
كما أنه ـ رحمه الله ـ لم يُلصِقْ الانتقاض بالدين، بل ألصقه بحبل الدِّين، وحبل الدِّين وسيلة التمسك به من شعائر، ومشاعر، ونُسُك، وارتباط الوجدان بالمشاهدة، والمراقبة، والصدق، والتوكل، واستمساك العروة الوثقى، توجهاً بالنفس، وتوجيهاً بالدعوة.
و يقول العلقمي في معنى التجديد: (معنى التجديد إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسُّنَّة والأمر بمقتضاهما، وإماتة ما ظهر من البدع والمحدثات) .
فالتجديد في مراد العلماء ـ إذاً ـ يصدق في أمور:
أولها : إحياء ما اندرس من العلم والعمل.
وثانيها : الأمر بمقتضى الكتاب والسُّنَّة عند غياب الأمر بهما أو التساهل في الاستمساك بمقتضاهما.
وثالثها : تبيين السُّنَّة وتمييزها عن البدعة إذا اختلطتا وتمازجتا، فلو لم يقوَ الناس أو يقتدروا على التمييز بينهما لتمكَّن الجهل وتفشَّت الشُّبهة.
ورابعها : إماتة ما ظهر من البدع والمحدثات، بنشر العلم والدعوة به وإكثاره، ونصرة أهله، وكسر أهل البدع والمحدِثين.
وخامسها : إحياء معالم الدِّين بعد ما أصابها الطموس، بعوامل القسوة وطول الأمد، كما أصيب أهل
الكتاب منهما، وقد أخبر الله عنهم في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا
نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ
فَاسِقُونَ}[ سورة الحديد، الآية 16.].
وسادسها : ربط حبل الدِّين وتوثيقه في وسائله ووسائطه التعبدية والخلقية والوجدانية، إذا أوشك أنْ
ينتقض، استمساكاً بعروة الدِّين الوثقى، وحفاظاً على أسبابه المثلى، التزاماً وثباتاً.
وهذا كله هو ما فعله الذين أخبر عنهم النبي الكريم في الخبر الصحيح من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله
عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)
وذلك كله مقصود المصطفى صلى الله عليه وسلم ، حين يطلب على حرص النبوة إصلاح الذات
وتنقية القلب، وتزكية النفس من رواسب طول الأمد، وتراخي الرباط الإيماني في قوله:_ صلى الله عليه وسلم _ : (جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَالَ: (أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) .
ولعله المراد من جهود الطائفة القائمة على الحق للاستمساك بعروة الدِّين الوثقى، وإبقاء شعائره
وشرائعه صافية نقية دون تغبّر ، أو تغيّر بجهود الطائفة الظاهرة بالحق على الحق كما في حديث ثَوْبَان_َ رضي الله عنه_ قَال:َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ..) ، و بهذا نكون قد تناولنا المفهوم الشرعي للتجديد ،فضلاً عن كون التجديد طبيعة وسمة من سمات هذا الدين .
هذا عن تعريف التجديد عند علماء أهل والجماعة ، فإذا كان مفهوم التجديد عند السلف الصالح هو العودة بالدين إلى ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإحياء لما اندرس من معالمه على وفق منهج السلف الصالح كما سبق ؛ ( فإن مفهوم التجديد عند العصرانيين اليوم : هو هدم لما كان عليه السلف، والقطيعة بين السلف والخلف، وتطويع الدين لإفرازات الحضارة الغربية المعاصرة، وتغيير الصورة التي ألفها المسلمون خلفاً عن سلف) ، ولأجل أن نعرف مفهوم التجديد عند العصرانيون ، فإننا يجب أن نجمل مفهوم التجديد عندهم في عدة نقاط :
"1 ـ التجديد عندهم هو تغير لحقائق الدين ومبادئه القطعية الثابتة ليوافق مع مبادئ الحضارة الغربية المعاصرة.
2 ـ التجديد عندهم هو تحقيق المصلحة التي اقتضتها الضغوط الواقعية والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
3 ـ مفهوم التجديد عند العصرانية فتح باب الاجتهاد على مصرعيه يلج فيه كل الناس، ويتساوى فيه العالم المجتهد، والجاهل.
يقول الدكتور/ حسن الترابي: (والاجتهاد مثل الجهاد، ينبغي أن يكون فيه لكل مسلم نصيب... إلى أن قال: وكذلك الاجتهاد)، ويقول أيضاً: (وتقدير أهلية الاجتهاد مسألة نسبية وإضافية، ولكن بعض الكُتَّاب المُتنطِّعين في الضبط يتوهمون أنها درجة معنية تميز طبقة المجتهدين من عامة الفقهاء)
وقول محمد عبده: (بأنه سهل المنال على الجمهور الأعظم من المتدينين، لا تختص به طبقة من طبقات)
4 ـ مفهوم التجديد عندهم هو إنكار السنة ـ كلياً أو جزئياً ـ بدعوى تعارضها مع العقل، أو القرآن بزعمهم، أو تعارضها مع علوم العصر الحاضر.
5 ـ مفهوم التجديد عندهم الإزدراء بفقه السلف الصالح، وبمناهجهم وأصولهم واعتباره فقهاً لا يفي بضروريات العصر.
يقول الدكتور/ حسن الترابي: (فأفكار السلف الصالح ونظمهم قد يتجاوزها الزمن من جراء قضائها على الأمراض التي نشأت من أجلها، وانتصارها على التحديات التي كانت استجابة لها)
6 ـ التجديد عندهم: القطيعة التامة بين الماضي والحاضر والسلف والخلف، واعتبار علم السلف واجتهادات الأئمة الأربعة وغيرهم من التراث الماضي يستأنس به، يقول الدكتور/ حسن الترابي: (ومهما كان تأريخ السلف الصالح إمتداداً لأصول الشرع، فإنه لا ينبغي أن يُوقَّر بانفعال، يحجب تلك الأصول، فما وُجد في تراث الأمة بعد الرسول ابتداءً بأبي بكر فهو تأريخ يستأنس به، فما أفتى به الخلفاء الراشدون مثلاً، والمذاهب الأربعة هو تراث لا يلزم به، وإنما يستأنس به في فهم سليم لشريعة تنزلت في الماضي على واقع متحرك، وهي تنزل اليوم على واقع متحرك)
ويقول أيضاً: (وقد بان لها (أي الحركة الإسلامية التجديدية) أن الفقه الذي بين يديها مهما تفنَّن حملته بالاستنتاجات و الاستخراجات ، ومهما دققوا في الأنابيش)، والمراجعات، لن يكون كافياً لحاجات الدعوة)
7 ـ مفهوم التجديد عند العصرانية تمجيد للفرق المبتدعة، من المعتزلة العقلانية والإشادة بمناهجهم، وجعلهم النموذج المثالي الذي يحتذى به.
يقول الدكتور/ محمد عمارة: (ويسلم الكثيرون بأن المعتزلة هم فرسان العقلانية في حضارتنا) .
ويصف الخوارج بأنهم: (حزب العدالة والجمهورية)،ويصف حركتهم (كانت التجسيد الحي لحرارة القيم الثورية التي جاء بها الإسلام)
8 ـ مفهوم التجديد عند العصرانية هي تمجيد العقل وتقديمه على نصوص الكتاب والسنة ولو خالفهما.
يقول الدكتور/ محمد عمارة ت(لقد أصبح الواقع الفكري للحياة العربية يتطلب فرساناً غير النصوصين، ويستدعي أسلحة غير النقول والمأثورات للدفاع عن الدين الإسلامي، وعن حضارة العرب والمسلمين)
ويقول ـ أيضاً ـ مادحاً طريقة المعتزلة العقلانية: (لقد أوجبوا عرض النصوص والمأثورات على العقل، فهو الحكم الذي يميز صحيحها من منحولها، ولا عبرة بالرواة ورجال السند مهما كانت هالات القداسة التي أحاطهم بها، المُحدِّثون، وإنما بحكم العقل في هذا المقام) .
ويقول أيضاً: (وهكذا كانت حجج العقل وبراهينه قاضية وحاكمة على حجج السمع).
9 ـ إعجابهم المفرط بما عند الغرب من نظام الحكم والديمقراطية، والخلط بينها وبين الشورى في الإسلام، يقول خالد محمد خالد: إن نظام الحكم في الإسلام هو الشورى، وما الشورى؟ إنها الديمقراطية التي نراها اليوم في بلاد الديمقراطيات)
وقال غيره: (الديمقراطية أفضل صيغة للحكم عرفتها البشرية)ا هـ "
والفرق بين التجديد عند أهل السنة والعصرانيون :
" 1 ـ المجددون من السلف الصالح: رجال معروفون مشهود لهم بالعلم والاجتهاد، والفضل والسابقة، كما قال السيوطي: (يشار بالعلم إلى مقامه)، بخلاف أدعياء التجديد من العصرانية فلم يشهد لهم أحد من أهل العلم أنهم أهل لذلك فضلاً أن يكونوا مجتهدين.
2 ـ المجددون على طريقة السلف الصالح مشهود لهم بمناصرة السُّنة علماً وعملاً وبمناصرة أهلها، بخلاف العصرانية فلم يؤثر عنهم مناصرة للسُّنة البتة، ولا الدفاع عن أهلها، بل هم على نقيض ذلك كما سبق.
3 ـ المجددون من أهل السُّنة معروفون بإحياء السُّنة وإماتة البدعة، بخلاف أدعياء التجديد العصرانيين فهم مجانبون للسنة، مناصرون لأهل البدعة ومدافعون عنها كما سبق.
4 ـ المجددون من أهل السُّنة جهودهم في العلم والدعوة إليه وتأثيرهم في الأمة ظاهرة بيِّنة ملموسة ومشاهدة، بخلاف أدعياء التجديد، فهم على العكس من ذلك فإنهم كانوا معول هدم وتخريب، وتمزيق للأمة، وتشكيكٌ في ثوابتها.
5 ـ إن الدعوة إلى التجديد السُّني لقائم على وفق منهج السلف الصالح، هو موصول بالماضي العريق، وما كانوا عليه من الالتزام بالكتاب والسنة، كذلك التجديد العصراني موصول بسلفهم من المتكلمين والفلاسفة العقلانية، وأهل الأهواء ولكل قوم وارث، والمرء على دين خليله.
6 ـ التجديد عند أهل السُّنة ربط للأمة بتراثها الماضي، وإحياء لما اندرس من ذلك التراث، بخلاف التجديد اليوم عند العصرانيين، فهم هدم لما كان عليه السلف، ورفض لكل ما هو سلفي.
يقول الدكتور/ حسن الترابي: (وعلينا أن ننظر في أصول الفقه الإسلامي، وفي رأيي أن النظرة السليمة لأصول الفقه تبدأ بالقرآن الذي يبدو أننا محتاجون فيه إلى تفسير جديد، فإذا قرأتم التفاسير المتداولة
بيننا تجدونها مرتبطة بالواقع الذي صيغت فيه، كل تفسيرا يعبر عن عقلية عصره... إلا هذا الزمان لا نكاد فيه تفسيراً عصرياً شافياً)
7 ـ إن تجديد السلف من السابقين كعمر بن عبد العزيز والإمام الشافعي وغيرهما كان تجديدهم تجديداً عملياً مؤصلاً، ولم يكن مجرد دعوى وإدعاء جوفاء لا حقيقة له في الواقع العملي، كالدعاء التجديد من العصرانيين اليوم، فعمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ كان إماماً عدلاً، قائماً به، حيث رد الحقوق التي اغتصبها بعض حكام بني أمية إلى أصحابها، فبدأ بنفسه ثم بزوجته، وأهله وأقاربه، حتى عمَّ العدل
جميع مملكته، وانتشر الغنى في أرجائها، حتى لم يبق فقير يحتاج إلى صدقة غني، قد أغناهم عمر رضي الله عنه، كما نشر عمر السنة وأمر بتدوينها كما سبق.
وأما الإمام الشافعي فكان بحق مجد القرن الثاني، فنشر العلم وأحيا السُّنة وأمات البدعة، وكان أول من ألف في أصول الفقه، وهكذا بقية المجددين، حتى شهدت الأمة كلها بفضلهم وتأثيرهم في الأمة بخلاف أدعياء التجديد من العصرانيين اليوم، ممن تخرجوا من جامعات الغرب، فكان تجديدهم هدماً لأصول الدين وفروعه، ونقضاً لجهود السلف الصالح، دون الإتيان بالبديل المزعوم، فكان تجديدهم معول هدم للدين، وتفريقاً لكلمة المسلمين، وإضعافاً لقوتهم.
8 ـ إن المجددين الأوائل ساروا على وفق مَنْ سبقهم من السلف الصالح، حيث ذكروهم بالجميل الحسن، ولم يخرجوا عن أصولهم، بل كانوا حريصين على الاتباع، لا الابتداع، قال عمر بن عبد العزيز: (سَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاةُ الأمر بعده سُنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمالٌ لطاعته، وقوةٌ على دين الله، ليس لأحدٍ تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، فمن اقتدى بما سَنُّوا اهتدى، ومن استبصر بها تبصَّر، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاَّهُ الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً)
انظر هذا الكلام الموفق من هذا الإمام المجدد الملهم، وقارنه مع اتهام أدعياء التجديد لعلماء الأمة بضيق الأفق وعدم فقه الواقع، والله المستعان.
9 ـ إن أحداً ممن رُشِحوا للتجديد من السلف لم يدّع أحدٌ منهم أنه المجدد للقرن الفلاني، حتى العلامة السيوطي رجا أن يكون هو مجدد القرن التاسع ، إنما كان العلماء يتوسمون في بعضهم الأهلية لذلك، ويرشحونه على أنه مجدد القرن الفلاني، لما لمسوا فيه من نشر للسنة وقمع البدعة، ونهوض بالمسلمين) ، بخلاف أدعياء التجديد اليوم.
فقد ادعى بعضهم أنه المجدد لهذا القرن، وصنفوا الكتب والرسائل باسم التجديد، وانظر على سبيل المثال تجديد أصول الفقه الإسلامي، وتجديد الفكر الإسلامي للدكتور حسن الترابي، ومَنْ على شاكلته، والله المستعان . ا هـ" .
يتبع إن شاء الله
::
فهذا بحث قدمته لقسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وهذا هو
مقدمة البحث
الحمد لله الذي خلق الإنسان ، علمه البيان ، والصلاة والسلام على خير معلم بعثه الله عز وجل للإنس
والجان ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هديه واقتدى بسنته إلى لقاء الله الواحد
الديان .
أما بعد :
فمما لا ريب فيه ولا شك ، أن الإسلام هو الدين الخاتم الذي ختم الله به كافة أديانه وملله لعباده ،وكان
النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقول الله عز وجل : {خاتم النبيين} سورة الأحزاب آية 40 ، وكان
القرآن الكريم خاتم الكتب المنزلة من السماء ، وبموته ـ صلى الله عليه وسلم ـ انقطع الوحي من السماء
بعد أن أكمل الله الدين ، وأتم النعمة ، ورضي لعباده الإسلام دينا ؛ الذي ضمن الله عز وجل لعباده به
السعادة الدائمة في الدنيا والآخرة .
ومنذ بزوغ فجر الإسلام قبل أربعة عشر قرنا ؛ وإلى الآن من وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
سيظل الإسلام غضا طريا ، يواكب الأزمان على تجددها ويناسب العصور على اختلاف قضاياها
وتنوعها ، وصدق الله عز وجل حيث يقول :{ما فرطنا في الكتاب من شيء }سورة الأنعام آية 38
وقال سبحانه :{ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}سورة النحل آية 19،ولذا نجد الإسلام يجسد
للبشرية جمعاء ،ـ وليس للمسلمين فحسب ـ ، نهرا نقيا ومعينا نديا ومنهلا ثريا ، يرتاده كل جيل في كل
زمان ، وعلى مدار كل وقت ؛ فيأخذ ما يفيده في دينيه ودنياه ، ليقدم به على أخراه ، وقد حاز خيري
الدنيا والآخرة .
ومع كل اكتشاف علمي ، واختراع دنيوي ، إلا ونجد الإسلام قد سبق البشرية جمعاء ؛ في التحدث عنه
وتناوله أو التنويه بشأنه ؛إما صراحة أو إجمالا أو تفصيلا ، وما قوله تعالى:{وخلقنا لهم من مثله ما
يركبون}سورة يس آية 42،وقوله تعالى :{ويخلق مالا تعلمون} سورة النحل آية 8 ؛ إلا دليلا على
احتواء القرآن الكريم على كل يركب إلى أن تقوم الساعة ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ، ولأجل
ذلك ؛ وجدت لزاما عليَ أن أتناول في هذا البحث الذي يمثل قطرة من معين البحوث الإسلامية
المتعلقة بموضوع [مفهوم التجديد في ضوء الإسلام] ، لأحلق من خلاله على مفهوم التجديد لغة
واصطلاحا ،حديث المجدد وأقوال العلماء فيه ، ومجالات التجديد ، شروط المجدد، ونماذج من
المجددين في التاريخ الإسلامي ، وتجديد الخطاب الإسلامي كيف ولماذا؟.
ومن المسلم به أن الجهد البشري دائما يعتريه النقصان ولا يسلم من الخطأ والسهو والنسيان فما أصبت
فبفضل من الله وتوفيقه سبحانه وأحمد الله وما أخطأت فيه فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله .
ولي في توجيه أساتذتي الأجلاء ، ومشايخي النجباء ، ما يقيل عثراتي ، ويصوب زلاتي ، ويسدد
خطواتي ، سائلا المولى عز وجل أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى ، وأن يسدد على طريق الخير
خطانا ، والحمد لله أولا و آخرا .
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، وعلى آله وصحبه المتقين الشرفا .
أما بعد ,,,
فأستعين الله في كتابة البحث :
مدخل "تمهيد":
إن الله ـ عز وجل ـ بعث رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حين فترة من الرسل ، حيث كان
الناس في جاهلية جهلاء ،القوي يأكل الضعيف ، والغني يستعبد الفقير ، والشريف يستعلي ويستكبر
على الوضيع، أوثان تعبد ، ودماء تهدر ، وشرك ينتشر ويسود، وعداوة شائعة ،ونساء ضائعة معدودة
من سقط المتاع ،فأخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، وإلى الفسحة والسرور ، ومن عبادة العباد
إلى عبادة رب العباد ، و أحيا الله به قلوبا غلفا ،وأعينا عميا ، آذانا صما .
قال تعالى :{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن
كثيرقد جآءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من
الظلمات إلى النور }[سورة المائدة ،من الآيتين 15،16]،ومن هنا جاءت الشريعة الإسلامية منهجا
شاملا لجميع نواحي الحياة، متوافقة مع فطرة الإنسان وطبيعته ،فهي تامة كاملة ،وصالحة لكل زمان
ومكان وأمة.
قال تعالى:{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}[سورة المائدة،آية
3] ، فمن هذا المنطلق تميزت الشريعة الإسلامية عن غيرها من الأحكام والقوانين والآراء البشرية،
بمميزات فريدة ،ومحاسن أصيلة وكثيرة ، مما جعلها تهيمن عليها ، وتكون لها السيادة والريادة في
إيجاد الحل الأمثل ، والجواب الأشمل لكل ما تحتاجه البشرية مما يطرأ لها من حوادث وقضايا
ومشاكل في جميع أمورها الدينية والدنيوية في كل زمان ، وفوق كل أرض، وتحت كل سماء .
فالشريعة والحياة صنوان لا يفترقان ، ويخدم كل منهما الآخر ،ولكن لا يمكن أن يحدث ذلك على
أرض الواقع إلا إذا وجد العلاء الأفذاذ الأماجد ، الذين تأصلوا علميا ، وتقعدوا فكريا ، وصفوا منهجا وسلوكيا ، وأدركوا لب الشريعة ، وفهموا مقاصدها ومراميها ، وما جاءت به من أسباب السعادة للبشر
في معاشهم ومعادهم .
فالدين الإسلامي والفطرة البشرية على وفاق تام ، بمعنى أن الطبيعة البشرية تقبل التوحيد وجميع ما
جاء به الإسلام ؛ لأن العقل البشري يستحسن الفضائل ويدركها ويستقبح الرذائل ويرفضها ، والإسلام
هو دين الفضائل .
(ومن ادعى نقص الشريعة الإسلامية ، أو قصورها عن مسايرة الأحداث والأعصار ، وعدم قدرتها على الوفاء على الوفاء بمتطلبات وحوائج الأمصار، فهو ضال مبين وعلى خطر عظيم، ولايعدو أن يكون أحد ثلاثة :
1- إما جاهل جهلا مركبا ، وهو في مبادئ الشريعة من أجهل الناس ، فهذا عليه أن يتقي الله ويخافه ،
ويقوم بما يجب عليه من إزالة الجهل عن نفسه ، والتوبة من هذا الذنب العظيم ،قال تعالى :{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء}[سورة النساء،آية،48].
2- وإما صاحب هوى وبدعة ، إلى الي الزيادة على ما جاء به النبي _صلى الله عليه وسلم_،وإحداث ما لم يأمر به،أو الانتقاص من ذلك، بإنكار الشوامخ الراسية من الأدلة، وتحريف وتأويل النصوص التي لا تتمشى مع ما هو عليه ،فال تعالى :{أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل بصره غشاوة..}[الجاثية،آية23].
3- وإما ممن يتهجمون على الإسلام والشريعة الإسلامية ،ويتهمونها بالنقص والقصور وهؤلاء هم الأعداء أيا كان جنسهم أو دينهم ،ويقومون بذلك عن طريق تشويه مبادئ الإسلام والتشكيك فيها ووصفها بالجمود ، والمرحلية ، والتخلف ، وقد يكونون من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا بل بعضهم
ممن ينتسب لديننا . ا . هـ ) .
وفي هذا البحث قبل أن نبدأ يجب أن نعرف ما هو المقصود بـ [التجديد في الإسلام] ، فأقول قبل التعريف والدخول في فحوى البحث ، المقصود بالتجديد [والكلام سيكون نظرة عامة] هو التجديد الذي يتناول فروع الأحكام ،ولا يتناول أصولها ،حتى إن بعض العلماء ألف كنبا في أن الفتوى تتغير
باختلاف الوقائع والأزمنة ، بل ومن ذلك القاعدة الفقهية المعروفة ألا وهي لا ينكر تغير الفتوى والاجتهاد بتغير الأحوال ) ، وكلمة تجديد تعني شيئا جديدا ، لكن وكما سيمر معنا ؛ أنه يكون في ظل
الضوابط الشرعية ، وبما أننا في المدخل دعنا نأخذ القليل من الأمثلة التي ينطبق عليها معنى التجديد ؛ لأنه و بالمثال يتضح المقال .
الأول من هذه الأمثلة :
تجديد أخلاق المسامين ، ويكون ذلك بالرجوع إلى سيرة الهادي البشير، والسراج المنير، ففي سيرته الشفا لمن أراد السير على نهج المصطفى .
وليكن هذا المثال واضح المعالم .
الثاني من هذه الأمثلة :
[محاولة بعض من قد ينتسب إلى الدين ] ، من تقليد الغربيين ، بل سعي بعضهم إلى العيش معهم ، وهذا العمل فيه محذورين : الأول : التشبه وهو منهي عنه لحديث :{من تشبه بقوم فهو منهم} .
والثاني : النقص الذي يشعر به هذا المقلد ؛ لأن الذي يقلد إما فيه إعجاب بمن يقلده ؛ وهذا هو عين النقص ، وإما أنه يحب الذي يقلده _ ألا ترى أنك ترى الذين يحبون الدين ، يحاولون أنهم يقلدون جميع ما هذا الدين _ فكذلك الذي يحب رجلا فإنه يحاول تقليده ، سئل الشيخ صالح الفوزان _ حفظه الله_ عن محاولة تقليد الغرب ، فأجاب : إن كان التقليد تقليد في أمور الكفرة الخاصة بهم ؛ فهذا لا يجوز ، وأما إن كان شيء لا يختصون به بل المسلمين لهم فيه ما لهم فهذا جائز.
وأسلوب التجديد في هذا النوع : هو ما ذكره الشيخ وقد تقدم .
فمثلا : التقنية التي توجد عندهم لا مانع من أن نأخذها على الضوابط التي سنذكرها_ إن شاء الله_ في البحث ، فهذا يسمى تجديد لأنه لم يكن عندنا ؛ فأتينا بشيء جديد فسمي تجديد .
وكذلك التجديد في الفكر الإسلامي : وأنا لا أقصد به أن أسحب الدين شيئا فشيئا حتى ينتهي بي المطاف إلا وقد جعلت الدين غلالة رقيقة تحتمل جمع الأزياء ، لا نريد أن نقلد القدماء في بلاهة ولا نزعم أن التطور مع العصر يأتي بسذاجة ، فكما هو من المعلوم أن الإسلام مرن ومرونته تكمن في صلاحيته كل زمان ومكان .
وبعد أن حاولت أن أقرب الصورة لدى القارئ ، حاولت فيها بجهدي وحسب ما يقتضيه فهمي سأبدأ في كتابة هذا البحث الذي أسأل الله تعالى يوفقني فيه ويسددني لكل خير وهدى إنه ولي ذلك والقادر عليه .
المبحث الأول : في مفهوم التجديد في اللغة والاصطلاح .
أولاً: معنى التجديد لغةً:
التجديد في أصله اللُّغوي : مأخوذ من جدَّد الشيءَ، وتجدَّد الشيءُ، إذا صيَّره جديداً أو صار جديداً.
والتجديد فيه طلب واستدعاء، إذ التاء للطلب ، فيكون تجديد الشيءِ يعني طلب جِدَّتِه بالسعي والتوسّل
إلى ما يجعله جديداً.
والجديد نقيض الخَلَق والبِلى، وضدّ القديم بمعنييه ـ القديم زماناً، والقديم بقاءً، وهو
التقادم ـ، فيُقال: بلي بيت فلان ثمّ أجَدَّ بيتاً مِنْ شَعْر.. ويُقال لليل والنهار: الجديدان، لأنهما لا يبليان أبدا .
ومن معاني التجديد في أصل اللُّغة: التعظيم والإجلال، ومنه قوله تعالى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا}[ سورة الجن، الآية 3.]، أي عظمته وجلاله وغناه. ومن معانيه كذلك الوسطية، ويقولون: جادّة الطريق أي سواء الطريق ووسطه.
ومن هنا ندرك أنَّ التجديد لا يعني بحال الإتيان بجديد منقطع عما كان عليه الأمر أولاً، ولكن يعني:
• أنَّ الشيء المجدَّد قد كان في أول الأمر موجوداً وقائماً، وللناس به عهد.
• وأنَّ هذا الشيء أتت عليه الأيام، فأصابه البِلَى وصار قديماً خَلِقاً.
• وأنَّ ذلك الشيء قد أُعيد إلى مثل الحالة الأولى التي كان عليها قبل أنْ يبلى وَيَخْلَق
ثانيا : معنى التجديد اصطلاحا :
ومعنى التجديد اصطلاحا : يظهر أكثر بتعريف أبي الأعلى المودودي ـ رحمه الله تعالى ـ إذ يرى أنَّ المجدِّد هو: "كل من أحيا معالم الدِّين بعد طموسها، وجدَّد حبله بعد انتقاضه .
أو هو إعادة أمر الدين كما كان عليه ، يوم جاء من عند الله لم تعكره البدع والأهواء) .
ومراده رحمه الله: بالطموس لم يكن للدِّين، وإنما كان لمعالمه، ولا يريد بالطموس انتهاءه بالكلية من قلوب الناس وحياتهم ، ولكن أراد به عدم ظهوره في جوانبه كلها.
كما أنه ـ رحمه الله ـ لم يُلصِقْ الانتقاض بالدين، بل ألصقه بحبل الدِّين، وحبل الدِّين وسيلة التمسك به من شعائر، ومشاعر، ونُسُك، وارتباط الوجدان بالمشاهدة، والمراقبة، والصدق، والتوكل، واستمساك العروة الوثقى، توجهاً بالنفس، وتوجيهاً بالدعوة.
و يقول العلقمي في معنى التجديد: (معنى التجديد إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسُّنَّة والأمر بمقتضاهما، وإماتة ما ظهر من البدع والمحدثات) .
فالتجديد في مراد العلماء ـ إذاً ـ يصدق في أمور:
أولها : إحياء ما اندرس من العلم والعمل.
وثانيها : الأمر بمقتضى الكتاب والسُّنَّة عند غياب الأمر بهما أو التساهل في الاستمساك بمقتضاهما.
وثالثها : تبيين السُّنَّة وتمييزها عن البدعة إذا اختلطتا وتمازجتا، فلو لم يقوَ الناس أو يقتدروا على التمييز بينهما لتمكَّن الجهل وتفشَّت الشُّبهة.
ورابعها : إماتة ما ظهر من البدع والمحدثات، بنشر العلم والدعوة به وإكثاره، ونصرة أهله، وكسر أهل البدع والمحدِثين.
وخامسها : إحياء معالم الدِّين بعد ما أصابها الطموس، بعوامل القسوة وطول الأمد، كما أصيب أهل
الكتاب منهما، وقد أخبر الله عنهم في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا
نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ
فَاسِقُونَ}[ سورة الحديد، الآية 16.].
وسادسها : ربط حبل الدِّين وتوثيقه في وسائله ووسائطه التعبدية والخلقية والوجدانية، إذا أوشك أنْ
ينتقض، استمساكاً بعروة الدِّين الوثقى، وحفاظاً على أسبابه المثلى، التزاماً وثباتاً.
وهذا كله هو ما فعله الذين أخبر عنهم النبي الكريم في الخبر الصحيح من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله
عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)
وذلك كله مقصود المصطفى صلى الله عليه وسلم ، حين يطلب على حرص النبوة إصلاح الذات
وتنقية القلب، وتزكية النفس من رواسب طول الأمد، وتراخي الرباط الإيماني في قوله:_ صلى الله عليه وسلم _ : (جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَالَ: (أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) .
ولعله المراد من جهود الطائفة القائمة على الحق للاستمساك بعروة الدِّين الوثقى، وإبقاء شعائره
وشرائعه صافية نقية دون تغبّر ، أو تغيّر بجهود الطائفة الظاهرة بالحق على الحق كما في حديث ثَوْبَان_َ رضي الله عنه_ قَال:َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ..) ، و بهذا نكون قد تناولنا المفهوم الشرعي للتجديد ،فضلاً عن كون التجديد طبيعة وسمة من سمات هذا الدين .
هذا عن تعريف التجديد عند علماء أهل والجماعة ، فإذا كان مفهوم التجديد عند السلف الصالح هو العودة بالدين إلى ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإحياء لما اندرس من معالمه على وفق منهج السلف الصالح كما سبق ؛ ( فإن مفهوم التجديد عند العصرانيين اليوم : هو هدم لما كان عليه السلف، والقطيعة بين السلف والخلف، وتطويع الدين لإفرازات الحضارة الغربية المعاصرة، وتغيير الصورة التي ألفها المسلمون خلفاً عن سلف) ، ولأجل أن نعرف مفهوم التجديد عند العصرانيون ، فإننا يجب أن نجمل مفهوم التجديد عندهم في عدة نقاط :
"1 ـ التجديد عندهم هو تغير لحقائق الدين ومبادئه القطعية الثابتة ليوافق مع مبادئ الحضارة الغربية المعاصرة.
2 ـ التجديد عندهم هو تحقيق المصلحة التي اقتضتها الضغوط الواقعية والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
3 ـ مفهوم التجديد عند العصرانية فتح باب الاجتهاد على مصرعيه يلج فيه كل الناس، ويتساوى فيه العالم المجتهد، والجاهل.
يقول الدكتور/ حسن الترابي: (والاجتهاد مثل الجهاد، ينبغي أن يكون فيه لكل مسلم نصيب... إلى أن قال: وكذلك الاجتهاد)، ويقول أيضاً: (وتقدير أهلية الاجتهاد مسألة نسبية وإضافية، ولكن بعض الكُتَّاب المُتنطِّعين في الضبط يتوهمون أنها درجة معنية تميز طبقة المجتهدين من عامة الفقهاء)
وقول محمد عبده: (بأنه سهل المنال على الجمهور الأعظم من المتدينين، لا تختص به طبقة من طبقات)
4 ـ مفهوم التجديد عندهم هو إنكار السنة ـ كلياً أو جزئياً ـ بدعوى تعارضها مع العقل، أو القرآن بزعمهم، أو تعارضها مع علوم العصر الحاضر.
5 ـ مفهوم التجديد عندهم الإزدراء بفقه السلف الصالح، وبمناهجهم وأصولهم واعتباره فقهاً لا يفي بضروريات العصر.
يقول الدكتور/ حسن الترابي: (فأفكار السلف الصالح ونظمهم قد يتجاوزها الزمن من جراء قضائها على الأمراض التي نشأت من أجلها، وانتصارها على التحديات التي كانت استجابة لها)
6 ـ التجديد عندهم: القطيعة التامة بين الماضي والحاضر والسلف والخلف، واعتبار علم السلف واجتهادات الأئمة الأربعة وغيرهم من التراث الماضي يستأنس به، يقول الدكتور/ حسن الترابي: (ومهما كان تأريخ السلف الصالح إمتداداً لأصول الشرع، فإنه لا ينبغي أن يُوقَّر بانفعال، يحجب تلك الأصول، فما وُجد في تراث الأمة بعد الرسول ابتداءً بأبي بكر فهو تأريخ يستأنس به، فما أفتى به الخلفاء الراشدون مثلاً، والمذاهب الأربعة هو تراث لا يلزم به، وإنما يستأنس به في فهم سليم لشريعة تنزلت في الماضي على واقع متحرك، وهي تنزل اليوم على واقع متحرك)
ويقول أيضاً: (وقد بان لها (أي الحركة الإسلامية التجديدية) أن الفقه الذي بين يديها مهما تفنَّن حملته بالاستنتاجات و الاستخراجات ، ومهما دققوا في الأنابيش)، والمراجعات، لن يكون كافياً لحاجات الدعوة)
7 ـ مفهوم التجديد عند العصرانية تمجيد للفرق المبتدعة، من المعتزلة العقلانية والإشادة بمناهجهم، وجعلهم النموذج المثالي الذي يحتذى به.
يقول الدكتور/ محمد عمارة: (ويسلم الكثيرون بأن المعتزلة هم فرسان العقلانية في حضارتنا) .
ويصف الخوارج بأنهم: (حزب العدالة والجمهورية)،ويصف حركتهم (كانت التجسيد الحي لحرارة القيم الثورية التي جاء بها الإسلام)
8 ـ مفهوم التجديد عند العصرانية هي تمجيد العقل وتقديمه على نصوص الكتاب والسنة ولو خالفهما.
يقول الدكتور/ محمد عمارة ت(لقد أصبح الواقع الفكري للحياة العربية يتطلب فرساناً غير النصوصين، ويستدعي أسلحة غير النقول والمأثورات للدفاع عن الدين الإسلامي، وعن حضارة العرب والمسلمين)
ويقول ـ أيضاً ـ مادحاً طريقة المعتزلة العقلانية: (لقد أوجبوا عرض النصوص والمأثورات على العقل، فهو الحكم الذي يميز صحيحها من منحولها، ولا عبرة بالرواة ورجال السند مهما كانت هالات القداسة التي أحاطهم بها، المُحدِّثون، وإنما بحكم العقل في هذا المقام) .
ويقول أيضاً: (وهكذا كانت حجج العقل وبراهينه قاضية وحاكمة على حجج السمع).
9 ـ إعجابهم المفرط بما عند الغرب من نظام الحكم والديمقراطية، والخلط بينها وبين الشورى في الإسلام، يقول خالد محمد خالد: إن نظام الحكم في الإسلام هو الشورى، وما الشورى؟ إنها الديمقراطية التي نراها اليوم في بلاد الديمقراطيات)
وقال غيره: (الديمقراطية أفضل صيغة للحكم عرفتها البشرية)ا هـ "
والفرق بين التجديد عند أهل السنة والعصرانيون :
" 1 ـ المجددون من السلف الصالح: رجال معروفون مشهود لهم بالعلم والاجتهاد، والفضل والسابقة، كما قال السيوطي: (يشار بالعلم إلى مقامه)، بخلاف أدعياء التجديد من العصرانية فلم يشهد لهم أحد من أهل العلم أنهم أهل لذلك فضلاً أن يكونوا مجتهدين.
2 ـ المجددون على طريقة السلف الصالح مشهود لهم بمناصرة السُّنة علماً وعملاً وبمناصرة أهلها، بخلاف العصرانية فلم يؤثر عنهم مناصرة للسُّنة البتة، ولا الدفاع عن أهلها، بل هم على نقيض ذلك كما سبق.
3 ـ المجددون من أهل السُّنة معروفون بإحياء السُّنة وإماتة البدعة، بخلاف أدعياء التجديد العصرانيين فهم مجانبون للسنة، مناصرون لأهل البدعة ومدافعون عنها كما سبق.
4 ـ المجددون من أهل السُّنة جهودهم في العلم والدعوة إليه وتأثيرهم في الأمة ظاهرة بيِّنة ملموسة ومشاهدة، بخلاف أدعياء التجديد، فهم على العكس من ذلك فإنهم كانوا معول هدم وتخريب، وتمزيق للأمة، وتشكيكٌ في ثوابتها.
5 ـ إن الدعوة إلى التجديد السُّني لقائم على وفق منهج السلف الصالح، هو موصول بالماضي العريق، وما كانوا عليه من الالتزام بالكتاب والسنة، كذلك التجديد العصراني موصول بسلفهم من المتكلمين والفلاسفة العقلانية، وأهل الأهواء ولكل قوم وارث، والمرء على دين خليله.
6 ـ التجديد عند أهل السُّنة ربط للأمة بتراثها الماضي، وإحياء لما اندرس من ذلك التراث، بخلاف التجديد اليوم عند العصرانيين، فهم هدم لما كان عليه السلف، ورفض لكل ما هو سلفي.
يقول الدكتور/ حسن الترابي: (وعلينا أن ننظر في أصول الفقه الإسلامي، وفي رأيي أن النظرة السليمة لأصول الفقه تبدأ بالقرآن الذي يبدو أننا محتاجون فيه إلى تفسير جديد، فإذا قرأتم التفاسير المتداولة
بيننا تجدونها مرتبطة بالواقع الذي صيغت فيه، كل تفسيرا يعبر عن عقلية عصره... إلا هذا الزمان لا نكاد فيه تفسيراً عصرياً شافياً)
7 ـ إن تجديد السلف من السابقين كعمر بن عبد العزيز والإمام الشافعي وغيرهما كان تجديدهم تجديداً عملياً مؤصلاً، ولم يكن مجرد دعوى وإدعاء جوفاء لا حقيقة له في الواقع العملي، كالدعاء التجديد من العصرانيين اليوم، فعمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ كان إماماً عدلاً، قائماً به، حيث رد الحقوق التي اغتصبها بعض حكام بني أمية إلى أصحابها، فبدأ بنفسه ثم بزوجته، وأهله وأقاربه، حتى عمَّ العدل
جميع مملكته، وانتشر الغنى في أرجائها، حتى لم يبق فقير يحتاج إلى صدقة غني، قد أغناهم عمر رضي الله عنه، كما نشر عمر السنة وأمر بتدوينها كما سبق.
وأما الإمام الشافعي فكان بحق مجد القرن الثاني، فنشر العلم وأحيا السُّنة وأمات البدعة، وكان أول من ألف في أصول الفقه، وهكذا بقية المجددين، حتى شهدت الأمة كلها بفضلهم وتأثيرهم في الأمة بخلاف أدعياء التجديد من العصرانيين اليوم، ممن تخرجوا من جامعات الغرب، فكان تجديدهم هدماً لأصول الدين وفروعه، ونقضاً لجهود السلف الصالح، دون الإتيان بالبديل المزعوم، فكان تجديدهم معول هدم للدين، وتفريقاً لكلمة المسلمين، وإضعافاً لقوتهم.
8 ـ إن المجددين الأوائل ساروا على وفق مَنْ سبقهم من السلف الصالح، حيث ذكروهم بالجميل الحسن، ولم يخرجوا عن أصولهم، بل كانوا حريصين على الاتباع، لا الابتداع، قال عمر بن عبد العزيز: (سَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاةُ الأمر بعده سُنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمالٌ لطاعته، وقوةٌ على دين الله، ليس لأحدٍ تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، فمن اقتدى بما سَنُّوا اهتدى، ومن استبصر بها تبصَّر، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاَّهُ الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً)
انظر هذا الكلام الموفق من هذا الإمام المجدد الملهم، وقارنه مع اتهام أدعياء التجديد لعلماء الأمة بضيق الأفق وعدم فقه الواقع، والله المستعان.
9 ـ إن أحداً ممن رُشِحوا للتجديد من السلف لم يدّع أحدٌ منهم أنه المجدد للقرن الفلاني، حتى العلامة السيوطي رجا أن يكون هو مجدد القرن التاسع ، إنما كان العلماء يتوسمون في بعضهم الأهلية لذلك، ويرشحونه على أنه مجدد القرن الفلاني، لما لمسوا فيه من نشر للسنة وقمع البدعة، ونهوض بالمسلمين) ، بخلاف أدعياء التجديد اليوم.
فقد ادعى بعضهم أنه المجدد لهذا القرن، وصنفوا الكتب والرسائل باسم التجديد، وانظر على سبيل المثال تجديد أصول الفقه الإسلامي، وتجديد الفكر الإسلامي للدكتور حسن الترابي، ومَنْ على شاكلته، والله المستعان . ا هـ" .
يتبع إن شاء الله
التعديل الأخير بواسطة المشرف: