إعلانات المنتدى

مسابقة مزامير القرآنية 1445هـ

مفهوم التجديد في ضوء الإسلام

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

خليل الشيخي

مزمار فعّال
30 أغسطس 2007
299
0
0
الجنس
ذكر
(بسم الل)
:x18:
فهذا بحث قدمته لقسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وهذا هو
مقدمة البحث

الحمد لله الذي خلق الإنسان ، علمه البيان ، والصلاة والسلام على خير معلم بعثه الله عز وجل للإنس

والجان ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هديه واقتدى بسنته إلى لقاء الله الواحد

الديان .
أما بعد :
فمما لا ريب فيه ولا شك ، أن الإسلام هو الدين الخاتم الذي ختم الله به كافة أديانه وملله لعباده ،وكان

النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقول الله عز وجل : {خاتم النبيين} سورة الأحزاب آية 40 ، وكان

القرآن الكريم خاتم الكتب المنزلة من السماء ، وبموته ـ صلى الله عليه وسلم ـ انقطع الوحي من السماء

بعد أن أكمل الله الدين ، وأتم النعمة ، ورضي لعباده الإسلام دينا ؛ الذي ضمن الله عز وجل لعباده به

السعادة الدائمة في الدنيا والآخرة .

ومنذ بزوغ فجر الإسلام قبل أربعة عشر قرنا ؛ وإلى الآن من وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها

سيظل الإسلام غضا طريا ، يواكب الأزمان على تجددها ويناسب العصور على اختلاف قضاياها

وتنوعها ، وصدق الله عز وجل حيث يقول :{ما فرطنا في الكتاب من شيء }سورة الأنعام آية 38

وقال سبحانه :{ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}سورة النحل آية 19،ولذا نجد الإسلام يجسد

للبشرية جمعاء ،ـ وليس للمسلمين فحسب ـ ، نهرا نقيا ومعينا نديا ومنهلا ثريا ، يرتاده كل جيل في كل

زمان ، وعلى مدار كل وقت ؛ فيأخذ ما يفيده في دينيه ودنياه ، ليقدم به على أخراه ، وقد حاز خيري

الدنيا والآخرة .


ومع كل اكتشاف علمي ، واختراع دنيوي ، إلا ونجد الإسلام قد سبق البشرية جمعاء ؛ في التحدث عنه

وتناوله أو التنويه بشأنه ؛إما صراحة أو إجمالا أو تفصيلا ، وما قوله تعالى:{وخلقنا لهم من مثله ما

يركبون}سورة يس آية 42،وقوله تعالى :{ويخلق مالا تعلمون} سورة النحل آية 8 ؛ إلا دليلا على

احتواء القرآن الكريم على كل يركب إلى أن تقوم الساعة ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ، ولأجل


ذلك ؛ وجدت لزاما عليَ أن أتناول في هذا البحث الذي يمثل قطرة من معين البحوث الإسلامية

المتعلقة بموضوع [مفهوم التجديد في ضوء الإسلام] ، لأحلق من خلاله على مفهوم التجديد لغة

واصطلاحا ،حديث المجدد وأقوال العلماء فيه ، ومجالات التجديد ، شروط المجدد، ونماذج من

المجددين في التاريخ الإسلامي ، وتجديد الخطاب الإسلامي كيف ولماذا؟.


ومن المسلم به أن الجهد البشري دائما يعتريه النقصان ولا يسلم من الخطأ والسهو والنسيان فما أصبت

فبفضل من الله وتوفيقه سبحانه وأحمد الله وما أخطأت فيه فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله .

ولي في توجيه أساتذتي الأجلاء ، ومشايخي النجباء ، ما يقيل عثراتي ، ويصوب زلاتي ، ويسدد

خطواتي ، سائلا المولى عز وجل أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى ، وأن يسدد على طريق الخير

خطانا ، والحمد لله أولا و آخرا .
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، وعلى آله وصحبه المتقين الشرفا .

أما بعد ,,,
فأستعين الله في كتابة البحث :

مدخل "تمهيد":

إن الله ـ عز وجل ـ بعث رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حين فترة من الرسل ، حيث كان

الناس في جاهلية جهلاء ،القوي يأكل الضعيف ، والغني يستعبد الفقير ، والشريف يستعلي ويستكبر

على الوضيع، أوثان تعبد ، ودماء تهدر ، وشرك ينتشر ويسود، وعداوة شائعة ،ونساء ضائعة معدودة

من سقط المتاع ،فأخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، وإلى الفسحة والسرور ، ومن عبادة العباد

إلى عبادة رب العباد ، و أحيا الله به قلوبا غلفا ،وأعينا عميا ، آذانا صما .

قال تعالى :{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن

كثيرقد جآءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من

الظلمات إلى النور }[سورة المائدة ،من الآيتين 15،16]،ومن هنا جاءت الشريعة الإسلامية منهجا

شاملا لجميع نواحي الحياة، متوافقة مع فطرة الإنسان وطبيعته ،فهي تامة كاملة ،وصالحة لكل زمان

ومكان وأمة.

قال تعالى:{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}[سورة المائدة،آية
3] ، فمن هذا المنطلق تميزت الشريعة الإسلامية عن غيرها من الأحكام والقوانين والآراء البشرية،

بمميزات فريدة ،ومحاسن أصيلة وكثيرة ، مما جعلها تهيمن عليها ، وتكون لها السيادة والريادة في

إيجاد الحل الأمثل ، والجواب الأشمل لكل ما تحتاجه البشرية مما يطرأ لها من حوادث وقضايا

ومشاكل في جميع أمورها الدينية والدنيوية في كل زمان ، وفوق كل أرض، وتحت كل سماء .

فالشريعة والحياة صنوان لا يفترقان ، ويخدم كل منهما الآخر ،ولكن لا يمكن أن يحدث ذلك على



أرض الواقع إلا إذا وجد العلاء الأفذاذ الأماجد ، الذين تأصلوا علميا ، وتقعدوا فكريا ، وصفوا منهجا وسلوكيا ، وأدركوا لب الشريعة ، وفهموا مقاصدها ومراميها ، وما جاءت به من أسباب السعادة للبشر
في معاشهم ومعادهم .

فالدين الإسلامي والفطرة البشرية على وفاق تام ، بمعنى أن الطبيعة البشرية تقبل التوحيد وجميع ما

جاء به الإسلام ؛ لأن العقل البشري يستحسن الفضائل ويدركها ويستقبح الرذائل ويرفضها ، والإسلام

هو دين الفضائل .

(ومن ادعى نقص الشريعة الإسلامية ، أو قصورها عن مسايرة الأحداث والأعصار ، وعدم قدرتها على الوفاء على الوفاء بمتطلبات وحوائج الأمصار، فهو ضال مبين وعلى خطر عظيم، ولايعدو أن يكون أحد ثلاثة :
1- إما جاهل جهلا مركبا ، وهو في مبادئ الشريعة من أجهل الناس ، فهذا عليه أن يتقي الله ويخافه ،
ويقوم بما يجب عليه من إزالة الجهل عن نفسه ، والتوبة من هذا الذنب العظيم ،قال تعالى :{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء}[سورة النساء،آية،48].
2- وإما صاحب هوى وبدعة ، إلى الي الزيادة على ما جاء به النبي _صلى الله عليه وسلم_،وإحداث ما لم يأمر به،أو الانتقاص من ذلك، بإنكار الشوامخ الراسية من الأدلة، وتحريف وتأويل النصوص التي لا تتمشى مع ما هو عليه ،فال تعالى :{أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل بصره غشاوة..}[الجاثية،آية23].
3- وإما ممن يتهجمون على الإسلام والشريعة الإسلامية ،ويتهمونها بالنقص والقصور وهؤلاء هم الأعداء أيا كان جنسهم أو دينهم ،ويقومون بذلك عن طريق تشويه مبادئ الإسلام والتشكيك فيها ووصفها بالجمود ، والمرحلية ، والتخلف ، وقد يكونون من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا بل بعضهم
ممن ينتسب لديننا . ا . هـ ) .
وفي هذا البحث قبل أن نبدأ يجب أن نعرف ما هو المقصود بـ [التجديد في الإسلام] ، فأقول قبل التعريف والدخول في فحوى البحث ، المقصود بالتجديد [والكلام سيكون نظرة عامة] هو التجديد الذي يتناول فروع الأحكام ،ولا يتناول أصولها ،حتى إن بعض العلماء ألف كنبا في أن الفتوى تتغير



باختلاف الوقائع والأزمنة ، بل ومن ذلك القاعدة الفقهية المعروفة ألا وهي :(لا ينكر تغير الفتوى والاجتهاد بتغير الأحوال ) ، وكلمة تجديد تعني شيئا جديدا ، لكن وكما سيمر معنا ؛ أنه يكون في ظل
الضوابط الشرعية ، وبما أننا في المدخل دعنا نأخذ القليل من الأمثلة التي ينطبق عليها معنى التجديد ؛ لأنه و بالمثال يتضح المقال .
الأول من هذه الأمثلة :
تجديد أخلاق المسامين ، ويكون ذلك بالرجوع إلى سيرة الهادي البشير، والسراج المنير، ففي سيرته الشفا لمن أراد السير على نهج المصطفى .
وليكن هذا المثال واضح المعالم .
الثاني من هذه الأمثلة :
[محاولة بعض من قد ينتسب إلى الدين ] ، من تقليد الغربيين ، بل سعي بعضهم إلى العيش معهم ، وهذا العمل فيه محذورين : الأول : التشبه وهو منهي عنه لحديث :{من تشبه بقوم فهو منهم} .
والثاني : النقص الذي يشعر به هذا المقلد ؛ لأن الذي يقلد إما فيه إعجاب بمن يقلده ؛ وهذا هو عين النقص ، وإما أنه يحب الذي يقلده _ ألا ترى أنك ترى الذين يحبون الدين ، يحاولون أنهم يقلدون جميع ما هذا الدين _ فكذلك الذي يحب رجلا فإنه يحاول تقليده ، سئل الشيخ صالح الفوزان _ حفظه الله_ عن محاولة تقليد الغرب ، فأجاب : إن كان التقليد تقليد في أمور الكفرة الخاصة بهم ؛ فهذا لا يجوز ، وأما إن كان شيء لا يختصون به بل المسلمين لهم فيه ما لهم فهذا جائز.
وأسلوب التجديد في هذا النوع : هو ما ذكره الشيخ وقد تقدم .
فمثلا : التقنية التي توجد عندهم لا مانع من أن نأخذها على الضوابط التي سنذكرها_ إن شاء الله_ في البحث ، فهذا يسمى تجديد لأنه لم يكن عندنا ؛ فأتينا بشيء جديد فسمي تجديد .
وكذلك التجديد في الفكر الإسلامي : وأنا لا أقصد به أن أسحب الدين شيئا فشيئا حتى ينتهي بي المطاف إلا وقد جعلت الدين غلالة رقيقة تحتمل جمع الأزياء ، لا نريد أن نقلد القدماء في بلاهة ولا نزعم أن التطور مع العصر يأتي بسذاجة ، فكما هو من المعلوم أن الإسلام مرن ومرونته تكمن في صلاحيته كل زمان ومكان .
وبعد أن حاولت أن أقرب الصورة لدى القارئ ، حاولت فيها بجهدي وحسب ما يقتضيه فهمي سأبدأ في كتابة هذا البحث الذي أسأل الله تعالى يوفقني فيه ويسددني لكل خير وهدى إنه ولي ذلك والقادر عليه .
المبحث الأول : في مفهوم التجديد في اللغة والاصطلاح .

أولاً: معنى التجديد لغةً:
التجديد في أصله اللُّغوي : مأخوذ من جدَّد الشيءَ، وتجدَّد الشيءُ، إذا صيَّره جديداً أو صار جديداً.
والتجديد فيه طلب واستدعاء، إذ التاء للطلب ، فيكون تجديد الشيءِ يعني طلب جِدَّتِه بالسعي والتوسّل
إلى ما يجعله جديداً.
والجديد نقيض الخَلَق والبِلى، وضدّ القديم بمعنييه ـ القديم زماناً، والقديم بقاءً، وهو
التقادم ـ، فيُقال: بلي بيت فلان ثمّ أجَدَّ بيتاً مِنْ شَعْر.. ويُقال لليل والنهار: الجديدان، لأنهما لا يبليان أبدا .
ومن معاني التجديد في أصل اللُّغة: التعظيم والإجلال، ومنه قوله تعالى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا}[ سورة الجن، الآية 3.]، أي عظمته وجلاله وغناه. ومن معانيه كذلك الوسطية، ويقولون: جادّة الطريق أي سواء الطريق ووسطه.
ومن هنا ندرك أنَّ التجديد لا يعني بحال الإتيان بجديد منقطع عما كان عليه الأمر أولاً، ولكن يعني:

• أنَّ الشيء المجدَّد قد كان في أول الأمر موجوداً وقائماً، وللناس به عهد.

• وأنَّ هذا الشيء أتت عليه الأيام، فأصابه البِلَى وصار قديماً خَلِقاً.

• وأنَّ ذلك الشيء قد أُعيد إلى مثل الحالة الأولى التي كان عليها قبل أنْ يبلى وَيَخْلَق

ثانيا : معنى التجديد اصطلاحا :

ومعنى التجديد اصطلاحا : يظهر أكثر بتعريف أبي الأعلى المودودي ـ رحمه الله تعالى ـ إذ يرى أنَّ المجدِّد هو: "كل من أحيا معالم الدِّين بعد طموسها، وجدَّد حبله بعد انتقاضه .
أو هو:( إعادة أمر الدين كما كان عليه ، يوم جاء من عند الله لم تعكره البدع والأهواء) .
ومراده رحمه الله: بالطموس لم يكن للدِّين، وإنما كان لمعالمه، ولا يريد بالطموس انتهاءه بالكلية من قلوب الناس وحياتهم ، ولكن أراد به عدم ظهوره في جوانبه كلها.
كما أنه ـ رحمه الله ـ لم يُلصِقْ الانتقاض بالدين، بل ألصقه بحبل الدِّين، وحبل الدِّين وسيلة التمسك به من شعائر، ومشاعر، ونُسُك، وارتباط الوجدان بالمشاهدة، والمراقبة، والصدق، والتوكل، واستمساك العروة الوثقى، توجهاً بالنفس، وتوجيهاً بالدعوة.
و يقول العلقمي في معنى التجديد: (معنى التجديد إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسُّنَّة والأمر بمقتضاهما، وإماتة ما ظهر من البدع والمحدثات) .


فالتجديد في مراد العلماء ـ إذاً ـ يصدق في أمور:

أولها : إحياء ما اندرس من العلم والعمل.

وثانيها : الأمر بمقتضى الكتاب والسُّنَّة عند غياب الأمر بهما أو التساهل في الاستمساك بمقتضاهما.

وثالثها : تبيين السُّنَّة وتمييزها عن البدعة إذا اختلطتا وتمازجتا، فلو لم يقوَ الناس أو يقتدروا على التمييز بينهما لتمكَّن الجهل وتفشَّت الشُّبهة.

ورابعها : إماتة ما ظهر من البدع والمحدثات، بنشر العلم والدعوة به وإكثاره، ونصرة أهله، وكسر أهل البدع والمحدِثين.

وخامسها : إحياء معالم الدِّين بعد ما أصابها الطموس، بعوامل القسوة وطول الأمد، كما أصيب أهل

الكتاب منهما، وقد أخبر الله عنهم في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا

نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ

فَاسِقُونَ}[ سورة الحديد، الآية 16.].

وسادسها : ربط حبل الدِّين وتوثيقه في وسائله ووسائطه التعبدية والخلقية والوجدانية، إذا أوشك أنْ

ينتقض، استمساكاً بعروة الدِّين الوثقى، وحفاظاً على أسبابه المثلى، التزاماً وثباتاً.

وهذا كله هو ما فعله الذين أخبر عنهم النبي الكريم في الخبر الصحيح من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله

عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)

وذلك كله مقصود المصطفى صلى الله عليه وسلم ، حين يطلب على حرص النبوة إصلاح الذات

وتنقية القلب، وتزكية النفس من رواسب طول الأمد، وتراخي الرباط الإيماني في قوله:_ صلى الله عليه وسلم _ : (جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَالَ: (أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) .
ولعله المراد من جهود الطائفة القائمة على الحق للاستمساك بعروة الدِّين الوثقى، وإبقاء شعائره
وشرائعه صافية نقية دون تغبّر ، أو تغيّر بجهود الطائفة الظاهرة بالحق على الحق كما في حديث ثَوْبَان_َ رضي الله عنه_ قَال:َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ..) ، و بهذا نكون قد تناولنا المفهوم الشرعي للتجديد ،فضلاً عن كون التجديد طبيعة وسمة من سمات هذا الدين .


هذا عن تعريف التجديد عند علماء أهل والجماعة ، فإذا كان مفهوم التجديد عند السلف الصالح هو العودة بالدين إلى ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإحياء لما اندرس من معالمه على وفق منهج السلف الصالح كما سبق ؛ ( فإن مفهوم التجديد عند العصرانيين اليوم : هو هدم لما كان عليه السلف، والقطيعة بين السلف والخلف، وتطويع الدين لإفرازات الحضارة الغربية المعاصرة، وتغيير الصورة التي ألفها المسلمون خلفاً عن سلف) ، ولأجل أن نعرف مفهوم التجديد عند العصرانيون ، فإننا يجب أن نجمل مفهوم التجديد عندهم في عدة نقاط :

"1 ـ التجديد عندهم هو تغير لحقائق الدين ومبادئه القطعية الثابتة ليوافق مع مبادئ الحضارة الغربية المعاصرة.
2 ـ التجديد عندهم هو تحقيق المصلحة التي اقتضتها الضغوط الواقعية والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
3 ـ مفهوم التجديد عند العصرانية فتح باب الاجتهاد على مصرعيه يلج فيه كل الناس، ويتساوى فيه العالم المجتهد، والجاهل.
يقول الدكتور/ حسن الترابي: (والاجتهاد مثل الجهاد، ينبغي أن يكون فيه لكل مسلم نصيب... إلى أن قال: وكذلك الاجتهاد)، ويقول أيضاً: (وتقدير أهلية الاجتهاد مسألة نسبية وإضافية، ولكن بعض الكُتَّاب المُتنطِّعين في الضبط يتوهمون أنها درجة معنية تميز طبقة المجتهدين من عامة الفقهاء)
وقول محمد عبده: (بأنه سهل المنال على الجمهور الأعظم من المتدينين، لا تختص به طبقة من طبقات)
4 ـ مفهوم التجديد عندهم هو إنكار السنة ـ كلياً أو جزئياً ـ بدعوى تعارضها مع العقل، أو القرآن بزعمهم، أو تعارضها مع علوم العصر الحاضر.

5 ـ مفهوم التجديد عندهم الإزدراء بفقه السلف الصالح، وبمناهجهم وأصولهم واعتباره فقهاً لا يفي بضروريات العصر.
يقول الدكتور/ حسن الترابي: (فأفكار السلف الصالح ونظمهم قد يتجاوزها الزمن من جراء قضائها على الأمراض التي نشأت من أجلها، وانتصارها على التحديات التي كانت استجابة لها)

6 ـ التجديد عندهم: القطيعة التامة بين الماضي والحاضر والسلف والخلف، واعتبار علم السلف واجتهادات الأئمة الأربعة وغيرهم من التراث الماضي يستأنس به، يقول الدكتور/ حسن الترابي: (ومهما كان تأريخ السلف الصالح إمتداداً لأصول الشرع، فإنه لا ينبغي أن يُوقَّر بانفعال، يحجب تلك الأصول، فما وُجد في تراث الأمة بعد الرسول ابتداءً بأبي بكر فهو تأريخ يستأنس به، فما أفتى به الخلفاء الراشدون مثلاً، والمذاهب الأربعة هو تراث لا يلزم به، وإنما يستأنس به في فهم سليم لشريعة تنزلت في الماضي على واقع متحرك، وهي تنزل اليوم على واقع متحرك)

ويقول أيضاً: (وقد بان لها (أي الحركة الإسلامية التجديدية) أن الفقه الذي بين يديها مهما تفنَّن حملته بالاستنتاجات و الاستخراجات ، ومهما دققوا في الأنابيش)، والمراجعات، لن يكون كافياً لحاجات الدعوة)
7 ـ مفهوم التجديد عند العصرانية تمجيد للفرق المبتدعة، من المعتزلة العقلانية والإشادة بمناهجهم، وجعلهم النموذج المثالي الذي يحتذى به.
يقول الدكتور/ محمد عمارة: (ويسلم الكثيرون بأن المعتزلة هم فرسان العقلانية في حضارتنا) .

ويصف الخوارج بأنهم: (حزب العدالة والجمهورية)،ويصف حركتهم (كانت التجسيد الحي لحرارة القيم الثورية التي جاء بها الإسلام)

8 ـ مفهوم التجديد عند العصرانية هي تمجيد العقل وتقديمه على نصوص الكتاب والسنة ولو خالفهما.
يقول الدكتور/ محمد عمارة ت(لقد أصبح الواقع الفكري للحياة العربية يتطلب فرساناً غير النصوصين، ويستدعي أسلحة غير النقول والمأثورات للدفاع عن الدين الإسلامي، وعن حضارة العرب والمسلمين)
ويقول ـ أيضاً ـ مادحاً طريقة المعتزلة العقلانية: (لقد أوجبوا عرض النصوص والمأثورات على العقل، فهو الحكم الذي يميز صحيحها من منحولها، ولا عبرة بالرواة ورجال السند مهما كانت هالات القداسة التي أحاطهم بها، المُحدِّثون، وإنما بحكم العقل في هذا المقام) .
ويقول أيضاً: (وهكذا كانت حجج العقل وبراهينه قاضية وحاكمة على حجج السمع).

9 ـ إعجابهم المفرط بما عند الغرب من نظام الحكم والديمقراطية، والخلط بينها وبين الشورى في الإسلام، يقول خالد محمد خالد: إن نظام الحكم في الإسلام هو الشورى، وما الشورى؟ إنها الديمقراطية التي نراها اليوم في بلاد الديمقراطيات)
وقال غيره: (الديمقراطية أفضل صيغة للحكم عرفتها البشرية)ا هـ "

والفرق بين التجديد عند أهل السنة والعصرانيون :

" 1 ـ المجددون من السلف الصالح: رجال معروفون مشهود لهم بالعلم والاجتهاد، والفضل والسابقة، كما قال السيوطي: (يشار بالعلم إلى مقامه)، بخلاف أدعياء التجديد من العصرانية فلم يشهد لهم أحد من أهل العلم أنهم أهل لذلك فضلاً أن يكونوا مجتهدين.

2 ـ المجددون على طريقة السلف الصالح مشهود لهم بمناصرة السُّنة علماً وعملاً وبمناصرة أهلها، بخلاف العصرانية فلم يؤثر عنهم مناصرة للسُّنة البتة، ولا الدفاع عن أهلها، بل هم على نقيض ذلك كما سبق.
3 ـ المجددون من أهل السُّنة معروفون بإحياء السُّنة وإماتة البدعة، بخلاف أدعياء التجديد العصرانيين فهم مجانبون للسنة، مناصرون لأهل البدعة ومدافعون عنها كما سبق.

4 ـ المجددون من أهل السُّنة جهودهم في العلم والدعوة إليه وتأثيرهم في الأمة ظاهرة بيِّنة ملموسة ومشاهدة، بخلاف أدعياء التجديد، فهم على العكس من ذلك فإنهم كانوا معول هدم وتخريب، وتمزيق للأمة، وتشكيكٌ في ثوابتها.

5 ـ إن الدعوة إلى التجديد السُّني لقائم على وفق منهج السلف الصالح، هو موصول بالماضي العريق، وما كانوا عليه من الالتزام بالكتاب والسنة، كذلك التجديد العصراني موصول بسلفهم من المتكلمين والفلاسفة العقلانية، وأهل الأهواء ولكل قوم وارث، والمرء على دين خليله.

6 ـ التجديد عند أهل السُّنة ربط للأمة بتراثها الماضي، وإحياء لما اندرس من ذلك التراث، بخلاف التجديد اليوم عند العصرانيين، فهم هدم لما كان عليه السلف، ورفض لكل ما هو سلفي.


يقول الدكتور/ حسن الترابي: (وعلينا أن ننظر في أصول الفقه الإسلامي، وفي رأيي أن النظرة السليمة لأصول الفقه تبدأ بالقرآن الذي يبدو أننا محتاجون فيه إلى تفسير جديد، فإذا قرأتم التفاسير المتداولة
بيننا تجدونها مرتبطة بالواقع الذي صيغت فيه، كل تفسيرا يعبر عن عقلية عصره... إلا هذا الزمان لا نكاد فيه تفسيراً عصرياً شافياً)

7 ـ إن تجديد السلف من السابقين كعمر بن عبد العزيز والإمام الشافعي وغيرهما كان تجديدهم تجديداً عملياً مؤصلاً، ولم يكن مجرد دعوى وإدعاء جوفاء لا حقيقة له في الواقع العملي، كالدعاء التجديد من العصرانيين اليوم، فعمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ كان إماماً عدلاً، قائماً به، حيث رد الحقوق التي اغتصبها بعض حكام بني أمية إلى أصحابها، فبدأ بنفسه ثم بزوجته، وأهله وأقاربه، حتى عمَّ العدل
جميع مملكته، وانتشر الغنى في أرجائها، حتى لم يبق فقير يحتاج إلى صدقة غني، قد أغناهم عمر رضي الله عنه، كما نشر عمر السنة وأمر بتدوينها كما سبق.

وأما الإمام الشافعي فكان بحق مجد القرن الثاني، فنشر العلم وأحيا السُّنة وأمات البدعة، وكان أول من ألف في أصول الفقه، وهكذا بقية المجددين، حتى شهدت الأمة كلها بفضلهم وتأثيرهم في الأمة بخلاف أدعياء التجديد من العصرانيين اليوم، ممن تخرجوا من جامعات الغرب، فكان تجديدهم هدماً لأصول الدين وفروعه، ونقضاً لجهود السلف الصالح، دون الإتيان بالبديل المزعوم، فكان تجديدهم معول هدم للدين، وتفريقاً لكلمة المسلمين، وإضعافاً لقوتهم.

8 ـ إن المجددين الأوائل ساروا على وفق مَنْ سبقهم من السلف الصالح، حيث ذكروهم بالجميل الحسن، ولم يخرجوا عن أصولهم، بل كانوا حريصين على الاتباع، لا الابتداع، قال عمر بن عبد العزيز: (سَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاةُ الأمر بعده سُنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمالٌ لطاعته، وقوةٌ على دين الله، ليس لأحدٍ تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، فمن اقتدى بما سَنُّوا اهتدى، ومن استبصر بها تبصَّر، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاَّهُ الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً)
انظر هذا الكلام الموفق من هذا الإمام المجدد الملهم، وقارنه مع اتهام أدعياء التجديد لعلماء الأمة بضيق الأفق وعدم فقه الواقع، والله المستعان.

9 ـ إن أحداً ممن رُشِحوا للتجديد من السلف لم يدّع أحدٌ منهم أنه المجدد للقرن الفلاني، حتى العلامة السيوطي رجا أن يكون هو مجدد القرن التاسع ، إنما كان العلماء يتوسمون في بعضهم الأهلية لذلك، ويرشحونه على أنه مجدد القرن الفلاني، لما لمسوا فيه من نشر للسنة وقمع البدعة، ونهوض بالمسلمين) ، بخلاف أدعياء التجديد اليوم.
فقد ادعى بعضهم أنه المجدد لهذا القرن، وصنفوا الكتب والرسائل باسم التجديد، وانظر على سبيل المثال تجديد أصول الفقه الإسلامي، وتجديد الفكر الإسلامي للدكتور حسن الترابي، ومَنْ على شاكلته، والله المستعان . ا هـ" .
يتبع إن شاء الله
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

خليل الشيخي

مزمار فعّال
30 أغسطس 2007
299
0
0
الجنس
ذكر
رد: مفهوم التجديد في ضوء الإسلام

المبحث الثاني : حديث المجدد وأقوال العلماء فيه .

قال الإمام أبو داود : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ
شَرَاحِيلَ بْنِ يَزِيدَ الْمُعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا أَعْلَمُ عنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأمة عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا )
قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ لَمْ يَجُزْ بِهِ شَرَاحِيلَ .
" رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد من طريق عثمان ابن صالح عن ابن وهب ، وابن عدي في الكامل ، والبيهقي .
وقول أبي داود : لم يجز به شراحيل ، فمعناه أنه قد أعضله فأسقط من إسناده أبي علقمة وأبي هريرة
وطريق سعيد بن أبي أيوب هي المتصلة الراجحة ، وإن كانا كلاهما ثقتين إلا إنها من باب زيادة الثقة
وهي مقبولة إذا لم يعارضها ما أثبت منها ، وهذا الحاصل هنا فيتعين قولها والمصير إليه .
[صحة الحديث]
وقد صحح الأئمة هذا الحديث حتى نقل بعضهم الإجماع على تصحيحه :
1ــ وسكت عنه الحاكم ثم الذهبي كما في مطبوعة المستدرك ، ونقل غير واحد تصحيح الحاكم له ، منهم : السيوطي ثم المناوي .
2ــ وقال ابن حجر _ بعد سياقه لأقوال الأئمة في المجدد _ : (وهذا يشعر أن الحديث كان مشهورا في ذلك العصر ، ففيه تقوية للسند المذكور ، مع أنه قوي لثقة رجاله ) .
3ــ وقال السيوطي : (اتفق الحفاظ على أنه حديث صحيح .... ثم قال : وأما المتقدمون فكلهم لهجوا بذكر هذا الحديث ).، ورمز لصحته في الجامع الصغير .
4ــ وقال العراقي : سنده صحيح .
5ــ وقال السخاوي : وسنده صحيح ورجاله ثقات .
6ــ وقال المناوي : بإسناد صحيح .
7ــ وقال الشيخ الألباني : والسند صحيح ، ورجاله ثقات ، رجال الإمام مسلم .
وبالجملة فقد اعتمده العلماء : الزهري ، وسفيان ابن عيينة ، وأحمد والحاكم ، والبيهقي ، وابن عساكر والنووي ، وابن السبكي ، وابن حجر العسقلاني ، والحافظ الذهبي ، والحافظ الزين العراقي ، والحافظ ولي الدين العراقي ، وابن الجزري ، وغيرهم كثير ومئات غير هؤلاء كلهم اعتمدوا هذا الحديث واشتغلوا في تحديد من ينطبق عليه هذا الحديث . "

أما عن أقوال العلماء فيه [المجدد] :
استنبط العلماء_ صفات المجدد وهل يجتمع عدد من المجددين في زمان واحد ؟ _، من ورود جملة في الحديث توحي بذلك ، ألا وهي قوله _صلى الله عليه وسلم _:(من يجدد لها دينها ) ، فمن هذا المنطلق سنحَلق لمعرفة ما قاله العلماء في المجدد .
وسنتحدث في هذه النقطة عن :
أولا : ــ هل المقصود بذلك فرد أو رجل كما صرحت به الراويات التي رويت عن أحمد وسفيان ؟ إن المقصود أوسع من ذلك ؟
ثانيا : ــ هل يجتمع عدد من المجددين في آن واحد ؟ وثالثا : ــ هل لكل طائفة من الفرق مجدد ؟ فأقول وبالله التوفيق :
" أولا : لفظ "مَن" فمما لا يخفى أنه يطلق على المفرد والجماعة هذا من حيث اللفظ ، أما من حيث المراد به في هذا الحديث : قال بعضهم : المقصود به فرد ، وحملوا "من" في الرواية على لفظ (رجل) أو (عالم) ، واختار هذا الرأي عدد من العلماء منهم السيوطي ونسبه إلى الجمهور ، فقال في منظومته :
وكونه فردا هو المشهور قد نطق الحديث والجمهور
وحمل بعضهم اللفظ على (العلماء) ، واختار آخرون العموم منهم : الحافظ ابن حجر، وابن الأثير والذهبي ، والمناوي والعظيم آبادي وغيرهم .
يقول ابن حجر _وهو أحد القائلين بالعموم _ : (ولكن الذي يتعين فيمن تأخر المحمل على أكثر من الواحد ، لأن في الحديث إشارة إلى أن المجدد المذكور يكون تجديده عاما في جميع أهل ذلك العصر ، وهذا ممكن في حق عمر بن عبد العزيز جدا ، ثم في حق الشافعي ، أما من جاء بعد ذلك ، فلا يعدم من يشاركه في ذلك ) .
يقول الإمام الذهبي _وهو أحد القائلين بالعموم _ : ( مَن_هنا _ للجمع ، لا للمفرد ، نقول مثلا : على رأس الثلاثمائة : ابن سريج في الفقه والأشعري في الأصول ، والنسائي في الحديث ...إلخ ) "
ثانيا : ذُكر فيما سبق أن من يرى بالعموم يرى أنه يوجد عدد من المجددين آن واحد ، لكن من يرى أنه لا بد أن يكون رجل أو عالم لا يرى ذلك وحجتهم أنه في الحديث ورد : (من يجدد لها دينها ) و"مَن" المقصود بها عندهم رجل أو عالم كما سبق .

ثالثا : على القول بتعدد المجددين فإنه يوجد لكل طائفة مجدد لكن هل من قال بذلك يقول مثلا : أن الشيعة لهم مجدد ،وأن الصوفية له مجدد ؟ أهل الحق منهم يقولون : لابد أن يكون المجدد من أهل السنة مستدلين بذلك على ما جاء عن الطائفة المنصورة ، حيث قال : _صلى الله عليه وسلم _( حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ هَانِئٍ حَدَّثَهُ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يقول : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ.) .
فيستحيل أن يكون المجدد من غير أهل السنة والجماعة ؛ لما ورد من هذا الحديث الصريح الصحيح
وقد سبق أن نقلت قول الإمام النووي : أن للفقه ابن سريج وللأصول الأشعري ...إلخ.
فالقول : أنه إن كانت من أهل السنة والجماعة فلها ، وإلا تكن فليس لها مجدد . والله أعلم
أمَََََََََََََََََا ما يذكره أهل البدع ، كالصوفية : أن المجدد عندهم هو: التيجاني أو الشاذلي ، أو محمد عبده ، أو الشيعة ، أن المجدد عندهم هو: صاحب نهج البلاغة ، أو الخوئي ؛ فهذا ليس بصحيح ؛لأمور :
الأول : أنه مخالف للحديث المذكور آنفا .
الثاني : أنه مصداق لقوله تعالى : {نوله ما تولى }[سورة النساء آية رقم48] .
الثالث : أنه في الأصل لم هناك صوفية ولا تشيع في عهد رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ فبهذا تبين بطلان ما يدعون إليه .
قال تعالى : {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}[ الروم آية ] .


المبحث الثالث : مجالات التجديد وضوابطه .
من المهم أن نحدد هل لنا في العالم الإسلامي خطاب واحد ؟ , فنأخذ في تحليله ومحاولة تجديده أو لدينا خطابات عديدة , يحتاج كل منها إلى معالجة , كثير من أولئك يوجهون سهام النقد إلى الخطاب الإسلامي , ومن المعلوم أننا سنتلكم في هذا البحث عن الخطاب الإسلامي فهو :
باعتبار ميادين التجديد ومجالاته ، فضروب التجديد بهذا الاعتبار ثلاثة ، وهي إجمالا :
أ ــ في أصول الدين كالعقائد وعلم الكلام ، وما يتبع ذلك .
ب ــ وفي علوم الشريعة كالتفسير وأصوله ، وعلوم القرآن والسنة ، وكالفقه وأصوله ، والقواعد الفقهية وما إليه .
ج ــ وفي أصول التاريخ والحضارة وما يتبع ذلك من علم التراجم وفن الرجال .
أما عن مجالات التجديد ، تفصيلا :
أولا : التجديد في مجال العقيدة :
وهيهات أن يكون التجديد يعني إضافة شيء آخر إلى العقيدة الربانية !! ، كلا بل التجديد في مجال العقيدة هو : تخليصها من الإضافات البشرية لتصبح نقية صافية ليس فيها أثر لصنع البشر وآرائهم وفلسفاتهم ، ولتفهم بالبساطة والوضوح التي فهمها سلف هذه الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين لهم بإحسان .

فالتجديد في العقيدة يتمثل في عدة نقاط :
• تنقية العقيدة من آثار علم الكلام ومن جميع ما علق بها .
• ربط آثارها الواقعية بها ، فلا يكفي أن يؤمن المرء بالله وأسمائه وصفاته فقط ، بل لا بد من الإيمان بهذه الأسماء والصفات والعمل على إحياء الآثار القلبية النابعة من صدق الإيمان .
• لا بد أن تطرُق المعاني الباطنة التي هي التي جزء لا يتجزأ من العقيدة والإيمان كـ : عمل القلب ، والمعاني القلبية بعدا عن الإسراف كالصوفية الذين عبدوا الله بالحب دون أعمال القلوب ، أو كالمرجئة الذين عبدوا الله بالخوف ولم يعملوا سائر الأعمال ؛ فوقعوا في المحظور بل الواجب أن يعبد الله بالحب والخوف والرجاء ، وهذا هو مذهب أهل السنة .
• لا تتم معالجة النفس ظاهرا إلا إن عالجتها باطنا ، [فلا يمكن أن يعالج صوفي أشياء في مذهب أهل السنة ؛ لأنه وكما قيل : فاقد الشيء لا يعطيه] .

ثانيا : التجديد في مجال النظر والاستدلال ، وإحياء الحركة العلمية التي تهدف إلى دراسة القضايا العلمية الشرعية دراسة مبنية على الدليل دون تعصب مذهبي .
ـــ الحق ليس محصورا في مذهب معين ، فهو ضالة المسلم أين ما وجده فليأخذه .
ـــ لا بد من صياغة المنهج السليم للتفقه ؛ لضمان سير منهج التفقه والاستنباط سيرا سليما بعيدا عن الانحراف أو الفوضى ؛ من خلال استقراء طريقة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين .

ثالثا : التجديد في السلوك الفردي والاجتماعي .
والكلام عليه من خلال نقاط :
• العمل على صياغة حياة المسلم بتفصيلاتها ، صياغة إسلامية شرعية والإفادة من المعاني الوجدانية التي يفترض أنها بدأت تستيقظ في النفوس ، بربط الأحكام التفصيلية بها .
• الانحراف السلوكي بين المسلمين يرجع إلى أحد سببين :
1 ــ الجهل بحكم الله ورسوله في هذه المسألة .
2ــ ضعف الإيمان وضعف الإرادة ، بحيث تغلب الإنسان شهوته .
• فشل الأسلوب الذي يستخدمه بعض الوعاظ والمعلمين وعدم القدرة على التسلل اللطيف إلى قلوب من يتلقى .
• يلاحظ على أهل الفقه بيان الأحكام دون ربطها بأصولها الإيمانية التي تدعو إلى امتثال شيء أو اجتنابه .
• المتأمل لطريقة القرآن يجده يبين الأحكام بربطها بأصولها الإيمانية ويتسلل إلى قلوب المتلقين بكل لين وسهولة ، فإذا اتبعت طريقة القرآن سيلاحظ تأثيرها ولو بعد حين .




رابعا : التجديد في فضح المناهج والاتجاهات والأوضاع والمبادئ والسبل المخالفة للإسلام .

* سبق أن التجديد إعادة الدين كما كان عليه ، فكل ما خالفه فيفضح ، قال تعالى :{وكذلك نفصل الآيات ولتستبن سبيل المجرمين}[سور ة الأنعام ، آية 55] ،فالدعوة تزيل أي التباس أو غموض ".

أما عن ضوابط التجديد ، فله ثلاث ضوابط :
الأول : أن يكون التجديد في المتغيرات لا في الثوابت .
فمن المعلوم أن الفكر الإسلامي الشارح للشريعة المطهرة ؛ قسمان : 1ـ ثوابت ، 2 ـ متغيرات .
أما الثوابت فلا تقبل الجدل ولا المناقشة ، ولا تجديد فيها باعتبار الجوهر والمضمون ، اللهم إلا إذا كان التجديد يتناول حسن العرض والصياغة والتبويب والفهرسة فقط ، وأما ما عدا ذلك فلا ، بينما المتغيرات تدخل تحت القاعدة الفقهية الكلية :( لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمنة والأماكن) .

الثاني : أن يكون التجديد داخلا تحت أصل عام من أصول التشريع .
فلم يقبل العلماء مطلقا تجويز الربا بأي شبهة سيقت ، ومن أي فم خرجت إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة ؛ لأن الربا بجميع أنواعه وصنوفه ؛ حرام ومن الكبائر .

الثالث : أن يشهد له صحيح المنقول ، وصريح المعقول ، وتعين عليه اللغة .
فلم يقبل فقهاء المالكية ولا غيرهم من الخليفة الأموي في الأندلس ، أن يكفر بالإطعام بدلا عن الصيام في كفارة الفطر عامدا في رمضان ؛ لأنه قادر على الصوم للتكفير ورفضوا ذلك بالإجماع .


المبحث الرابع : شروط المجدد .

نستطيع أن نصف المجدد بأنه يعيش في قمة عالية , وأمته تعيش في سفح هابط , وهو يعمل لانتشال هذه الأمة من سفحها لتحاول الصعود إلى القمة , لذلك فنحن بحاجة إلى وضع بعض الضوابط والإحترازات المفيدة في هذا الباب وما ذاك إلا لتمييز الأصوات المحقة دون المبطلة ولا يلتبس علينا هذا بذاك .
فمن هنا نستطيع أن نلخص الشروط التي يجب توافرها في المجدد , وهي :
أولا : يوصف المجدد بأنه سالم من علل الأمة وأمراضها ناج من الآفات والانحرافات التي تنخر فيها متحل بالصفات التي يدعو إليها .

ثانيا : التجديد مهمة الفرقة الناجية , وهم أهل السنة والجماعة , والكلام على هذا الشرط سيكون من خلال النقاط التالية :
• التجديد لا بد أن ينطلق من وضوح في الاعتقاد بحيث يكون مذهب أهل السنة والجماع في جميع ذلك .
• الدين ليس عاطفة هوجاء غامضة , وهو ليس تصفيقا لكل من يهتف باسم الإسلام ولو كان يرفع راية بيد , ويسعى للإجهاز عليه باليد الأخرى , وهو وحي منزل مضبوط محفوظ يحتكم إليه في تقويم الناس .
• كما مر معنا انه لا يشترط أن يكون المجدد من الطوائف غير أهل السنة والجماعة , حتى وإن كان من أهل السنة والجماعة فإنه لا يشترط أن يدعو أهل كل مذهب إلى فقيه أو عالم عندهم لم تتوافر فيه شروط المجدد .

ثالثا : لا بد أن يكون المجدد من أهل العلم الشرعي الصحيح , بل اشترط بعضهم الاجتهاد كشرط أساسي للمجدد , قال السيوطي :
بـأنـه فـي رأس كــل مئة يـبـعـث ربـنا لهـذي الأمــة
مـنا عــليها عـالـم يجــدد ديـــن الـهـدى لأنـه مجـتـهـد


وقال ضمن الشروط :
يشار بالعـلـم إلى مـقـامه وينصر السنة في كلامـه
وأن يكون جامعا لكل فن وأن يعم علمه أهل الزمن

هل يشترط أن يكون المجدد من أهل الاجتهاد ؟
اختلف أهل العلم من قائل : بأنه يشرط في المجدد أن يكون من أهل الاجتهاد , وأبز من قال بهذا القول ـ كما مر ـ الإمام السيوطي .
ومن قائل : بأنه لا يشترط أن يكون المجدد من أهل الاجتهاد , وحجتهم في هذا القول ؛ أن اشتراط الاجتهاد يحتاج إلى دليل , ولا دليل معهم على اشتراط الاجتهاد .
رابعا : يجب في المجدد أن يكون صاحب إرادة فاعلة ووثابة في التغيير , فهو ينطلق بالأمة من واقعها المرفوض المنحرف صعدا في طريق الصلاح والنجاح .

والكلام على هذا الشرط سيكون في النقاط التالية :
• أن لا يكون راضيا بالواقع السيئ , وأن لا ينبهر بالأمم في أي عصر من العصور , فهيهات أن يكون من الجديد في شيء , نقول : أن المجدد أو المجددين يجب أن يكونوا من أهل الطائفة المنصورة المستمسكون بالحق , ويجب أن يتحقق فيهم ما قاله صلى الله عليه وسلم : ( أن يكونوا ظاهرين ) , وفي بعض الألفاظ : ( لعدوهم قاهرين ) , وفي بعض ألفاظ الحديث : ( لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلا ما يصيبهم من اللأواء ) .
• ومن مجموع ما مر معنا ندرك أن التجديد :
1 / إدراك واع لحال هذه الأمة وما تعانيه .
2 / إرادة مصممة على التغيير .
3 / إمضاء لهذه الإرادة وتحقيق عملي لها .
قال تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } [ سورة العنكبوت آية 69 ] .


المبحث الخامس : نماذج من المجددين في التاريخ الإسلامي .

إنه كما عرف من عهد الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ من التمسك بالدين الصحيح , ومن حرصهم على التفاني في خدمة هذا الدين الحنيف وصرحه المنيف , فكانوا بتمسكهم بالدين ؛ على بصيرة وعلم بأمر دينهم فكانوا يعرفون الحلال والحرام والعقيدة الصحيحة , بل لم تأتنا هذه الشريعة الغراء إلا من عندهم , فوجب أن يكونوا عدولا ثقات ؛ لأننا لم نأخذ ديننا إلا من عندهم , فلما فتحت البلاد الإسلامية , اختلطت الثقافات وامتزجت الألسنة , ودخل ناس في هذا الدين كرها , فأصبحوا يريدون التغيير والتبديل فيه بأي وسيلة من الوسائل , ولما انتشر الجهل بين الناس , وأصبح الناس يتلقون كل ما يسمعونه من الناس فكان ما يتلقونه إما أقوالا جاهلة أو أفعالا مبدعة , فانتشرت من هنا الفرق المبتدعة والتيارات المضلة فأصبحوا يقذفون السموم على الناس فلما كان حال الناس هذا أي : الجهل وتلقي هذا الدين ممن لا ينتسب إلى الدين , انتشرت الفوضى وعم الجهل , وانتشر الشرك , فكان من واجب العلماء الأفذاذ السائرين على منهج السلف الصالح والمتبعين لسنة الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ , أن يتصدوا ويبينوا للناس ما وقعوا فيه ن الجهل إعادة الدين كما كان عليه , وتحقيقا لقول الرسول ـ صلى الله لي وسلم ـ : ( يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها ) , فكان من هؤلاء العلماء أو الحكام : ــ سنتكلم عنهم في عدة نقاط حفاظا على عدم الإطالة ــ
أولاً : الخليفة عمر بن عبد العزيز :
• نسبه : عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو حفص القرشي الأموي ، المعروف بأمير المؤمنين .
• مولده : قيل : سنة إحدى وستين ، وقيل : ثلاث وستين ،وقيل : سنة : تسع وخمسين . فالله أعلم.
• توليه الخلافة : بويع له بالخلافة في يوم الجمعة لعشر مضين ، أو بقين من صفر من سنة تسع وتسعين .
• تجديده الدين في خلافته : في أول أيام خلافته رد المظالم إلى أهلها ، وظهرت في عهده فتنة الحرورية وقمعها ، ووسع مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، محبا للعلم والعلماء .

• من أعماله التجديدية : 1 ــ إعفاء الناس من الملك العضوض إلى الشورى .
2 ــ حركة التغيير الواسعة ، من تولية الفقهاء على الأمارات

3 ــ عمل على تزكية نفوس الناس ، وأخلاقهم ، وبيئاتهم ، وحارب المفاسد
الموروثة ، قضى على العصبية ، ومنع غيبة أي أحد من السالفين والحاضرين.
4 ــ تدوين السنة ، فقام بتكليف العلماء على تدوين السنة وآثار الصحابة .
ثانيا : الإمام الشافعي .
• نسبه : محمد بن إدريس بن العباس بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي ، القرشي المطلبي .
• مولده : كان مولده بغزة ، وقيل عسقلان ، وقيل : باليمن ، سنة : خمسين ومئة .
• من أعماله التجديدية : تجديده للفقه ؛ بأن يؤخذ من الدليل وأن يضرب بقوله بعرض الحائط إذا عارض قوله قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأرج الناس إلى أصحاب الحديث ، وقال : "عليكم بأصحاب الحديث ،فإنهم أكثر الناس صوابا "
• وفاته : كانت في السنة الخامسة بعد المئتين .
• من أعماله التجديدية : يعد الشافعي من أبرز المجددين في أصول الفقه ، بل قال بعض العلماء : أنه هو أول من دون علم أصول الفقه ، وكذلك الفقه ، فتجديده المأثور هو : رد الناس إلى السنة ، من حيث كان الناس من مبتدع ومن راد لها ومن قابل لها ، فأتى رحمه الله وقرب السنة للناس ، فتارة بالجمع ، وتارة بالتوضيح والبيان .
ــ التزامه بالدليل دون الدوران إلى غيره ، حيث قال : (إذا صح الحديث فهو مذهبي) .
• تفريقه بين الرأي والقياس ، فلما رأى في صنيع الأوائل مثل هذه الأمور ، أخذ الفقه من الرأس ، فأسس الأصول ، وفرع الفروع ، وصنف الكتب ، وأفاد وأجاد .
• أنه لم يحصر علمه في الأصول فقط ، أو الفقه فقط ، أو الحديث فقط ، بل كان فقيها محدثا أصوليا ، مجتهدا .
• أنه علم المناظرة بالحق ، فناظر حين قدم العراق محمد بن الحسن الشيباني ،وأعجب الخليفة هارون الرشيد .

ثالثا : الإمام أحمد بن حنبل .
• نسبه : أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف – وساق نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل – عليه السلام – أبو عبد الله الشيباني ثم المروزي ثم البغدادي .
• مولده : وضعته أمه ببغداد في ربيع الأول من سنة أربع وستين و مئة .
• من أعماله التجديدية : كان ورعا وزاهدا في وقت كان الناس في غنى , ورجع بالناس إلى الحديث .
• ذكر ما جاء في محنته : قد استحوذ على المأمون جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق , وزينوا له القول بخلق القرآن ونفي الصفات , فحينما كان خارجا إلى غزو الروم أعطى كتابه إلى نائبه يأمره بجبر الناس على القول بخلق القرآن فاستدعى أهل الحديث ودعاهم إلى ذلك فامتنعوا , فتهددهم بالضرب وقطع الأرزاق , فأجاب أكثرهم مكرهين إلا الإمام المبجل أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح الجنديسابوري , فحملا على بعير وسير بهما إلى الخليفة , فلما كانا ببلاد الرحبة جاءهما رجل من الأعراب من عبادهم يقال له جابر بن عامر فسلم على الإمام وقال له : يا هذا إنك وافد على الناس فلا تكن شؤما عليهم وإنك رأس الناس اليوم فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه فيجيبوا , فتحمل أوزارهم إلى يوم القيامة وإن كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه ، فما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل ، وإنك إن لم تقتل تمت ، وإن عشت عشت حميدا ، فأقسم المأمون إن لم يقل الإمام بقوله فسيقتله فدعا الإمام ( اللهم اكفنا مؤنته ) فمات المأمون ، وأتى بعده المعتصم - وكان رجلا جاهلا- ، وقال بقول المأمون وأتى معه ابن أبي دؤاد ، ثم تحاج هو وابن أبي دؤاد فحجه الإمام ، فسجنه الخليفة ، وأمر بضربه ، قضرب ضربا مبرحا ، إلى أن أتى المتوكل وأفرج عنه .
• وفاته : كان مرضه سنة إحدى وأربعين ومئتين , ومات رحمه الله يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومئتين .
• لقد كان انتصار الإمام في تلك المحنة الرهيبة القاسية انتصار للتيار الأثري الملتزم بما كان عليه سلف الأمة ، فهذا هو التجديد بعينه .


هؤلاء هم أبرز المجددين ، وقد أتى بعدهم مجددون برزوا في مجالهم وجددوا دينهم للناس فمن أبرز هؤلاء العلماء :
1 ــ شيخ الإسلام ابن تيمية :
* نسبه : أبو العباس أحمد بن الشيخ شهاب الدين عبد الحليم بن أبي القاسم بن تيمية الحراني
* مولده : ولد في السنة الحادية والستين بعد الستمئة .
* من أعماله التجديدية :
1 ــ نقد منهج الفلاسفة ، وأهل الكلام ، وحاربهم بنفس سلاحهم ، وأثبت أن الإسلام لا تحتاج
إليه ، وأن ما يسمونه الأدلة البرهانية موجودة في القرآن والسنة .
2 ــ نقد الفرق المنحرفة نقدا وبيانا ناصعا كـالجهمية والرافضية وغلاة الرافضة ، وكذلك
النصارى في كتابه الجواب الصحيح .
3 ــ أحيا الاجتهاد ، والرجوع إلى النصوص الشرعية ، وتحكيم الدليل بقوله وفعله ،
4 ــ زاول بنفس القيادة الحقيقية للأمة .
5 ــ استطاع أن يعمل أصول السلف في بعض الاجتهادات المستجدة .
* وفاته : توفي سنة سبع وعشرين بعد السبعمئة .
2 ــ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب :
* نسبه : محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد
ابن مشرف بن عمر من أوهبة بني تميم .
* مولده : ولد في بلدة العيينة سنة خمسة عشر بعد مئة فألف للهجرة .
* من أعماله التجديدية :
1 -- نشر الدعوة في زمن تجلى فيه مظاهر الشرك والتصوف ، وأعاد الناس - بفضل الله - إلى
دين الله تعالى .
2 -- استطاع أن ينشئ دولة تحمي دعوته بالقوة .
3 -- فضح أصحاب البدع والشبهات .
4 -- لم تأثير الدعوة في الدولة فحسب بل تعدى إلى غيرها من الهند والسودان وما جاوره .
5 -- أما من حيث الزمان فلم يكن يطمع أن تكون في وقته ، بل إلى وقتنا الحاضر ، أقامها الله
أدامها .

المبحث السادس : تجديد الخطاب الإسلامي ... كيف ولماذا ؟
أولا : يجب أن نعلم المقصود بتجديد الخطاب الإسلامي .
ثانيا : الإجابة عن السؤال .

أقول وبالله التوفيق :
يقف المتابع لحركة الفكر الإسلامي المعاصر، على مقولات وأطروحات يتجاوز بها قائلوها وواضعوها أصول ومقررات المعرفة الأصولية، حيث يتم الترويج لتلك الأطروحات وتسويقها تحت عناوين شرعية قويمة، كالتجديد ، فهل التجديد يعني إلغاء ما قرره الأئمة المتقدمون وتجاوزه، وإدارة الظهر له بالكلية؟
المقصود بتجديد الخطاب الإسلامي التغيير في المتغيرات لا الثوابت ؛ لأن كلمة (تجديد) تعني التغيير و(الخطاب الإسلامي) هو: الثابت الذي لا يتغير ، فكما مر معنا أنه يتم التغيير ضمن الضوابط الشرعية.
والتجديد لا يعني إلغاء ما قرره العلماء وإدارة الظهر له بالكلية ، بل رجوع الناس إليه ، لكن لا يتم رجوع الناس إلى كل ما كانوا فيه كـالهيئة في اللباس ، بل هذا هو التخلف "أن يبقى الإنسان والعالم من حوله في تطور وازدهار "، لكن أيضا لا يجب الأخذ بكل ما أخذ العالم به بالكلية بل يجب على المسلم أن يعتز بقيمه وبثوابته ، وأن يسعى للتطور والرقى والازدهار لكن ضمن الضوابط الشرعية التي سبق ذكرها في ثنايا هذا البحث ، بل أقول : إن تطور العالم وما صاروا إليه هو امتداد للحضارة الإسلامية في الأندلس ، فمن هنا يجب علينا أن نرجع إلى ما كنا عليه من حضارة ، وهذا كما سبق ليس رد لعرى هذا الدين الحنيف ، بل هذا الدين الحنيف هو من أمر بالتطور والازدهار .
ويجب أن نعلم ، أن كل ضرورة قدرت في زمن لا تؤخذ في زمن آخر إلا إن وجدت مثل حالة الضرورة التي قدرت في تلكم الأزمان ، فليست كل ضرورة نعتبرها تجديد ، ولا الأخذ بالأقوال الشاذة فتجديد الخطاب الإسلامي إذا : التغيير الذي يقوم على إعادة الناس لأمر دينهم ، مراعيا أحوال الناس في ذلك ، وجعل هذا الخطاب هو الحاكم على الناس ، لا العكس .
إذا : كيف يتم تجديد الخطاب الإسلامي ؟
بإعادة الدين كما كان عليه من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعله مواكبا لكل زمان ومكان ومراعاة أحوال الناس ، حتى يوافق ما هم عليه في الحد الذي لا يجعل هذا الدين يحل الحرام ويحرم الحلال ، ولا يجعل الناس حاكمين عليه ؛ لأنه ينافي مقصود الدين الحنيف .


ولماذا يتم تجديد الخطاب الإسلامي ؟
هل نقول أن الخطاب الإسلامي ناقص ؟
لا ، فالخطاب الإسلامي كامل وتام .
إذا : فلماذا يتم التجديد ؟
تحقيقا لقول الله تعالى :{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } [سورة المائدة، آية رقم3] ، وتصديقا لما وعد به الرسول - صلى الله عليه سلم - ، فلكمال هذا الدين وضعف الناس في تطبيقه ؛ كان واجبا ولزاما على العلماء أن يجددوا هذا الدين .
ولأجل أن نجدد الخطاب الإسلامي يجب علينا أن نجعله يقوم على عدة معالم :
المعلم الأول : دراسة المجتمع ؛ حتى نستطيع إيصال هذا الدين بالحجة والبرهان بكل لين وسهولة .
المعلم الثاني : يجب النظر في أولويات المدعو ، لكن كما سبق لا نجعلها حاكمة .
المعلم الثالث : مراعاة اختلاف الأزمنة الأمكنة ، فلا يمكن أن نكرر نفس الكلام الذي كررناه قبل
خمس سنوات مثلا .
المعلم الرابع : يجب علينا أ نتفقه في الدين، بل لا بد علينا أن نصبح فقهاء، وقد مر هذا في
الشروط .
المعلم الخامس : أن نجدد النظر في كثير من القضايا ، والنظر إلى واقع الأمة في كثير من
القضايا .



الخاتمة
سرني جدا كتابة البحث ، لأنه مما يثري المخزون الثقافي لدى الباحث ، وأريد القول بأن الناس يتبدلون في هذا الزمن صعودا وهبوطا ، ولكن المبادئ لا تتغير ، وإن كان نفر من الناس يقولون أن الحق والأمانة تتبدل فنقول هذا غلط ووهم ، وإن نظر الناس إليها يختلف أما هي فلا تتغير ، والإسلام لا يزال هو الإسلام الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإنما فهم الناس هو الذي اختلف .
فالتجديد لا يعني أن نأتي بدين جديد ، أو نغيره على حسب أهوائنا ، أو نبتدع شيئا جديدا فيه ، كلا وهذا لا ينطبق على ما كتبته أنا ، أو ما نقلته عمن رجعت إليه ، بل التجديد رد الناس إلى هذا الدين .
وفي الختام لا يسعني إلا أن أشكر كل من أعانني على كتابة البحث ، وأخص بالذكر أبي وأمي الأعزاء، وفضيلة المشرف على البحث الموقر .








،،،،،،،،،،،،،،، هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

الكاسر

مزمار داوُدي
27 فبراير 2006
4,050
12
0
الجنس
ذكر
رد: مفهوم التجديد في ضوء الإسلام

أحسن الله إليك أخي الشيخيّ

هل البحث هو رسالة ليسانس أم ماجستير أم دكتوراه أم مجرّد بحث مقرر :)
و هل تمّ البحث


لم أقرأه بعد كاملاً بل مررت عليه مروراً و اقتنصت من ذلك المرور فوائد لطيفة في انتظار ايجاد الوقت اللازم لإتمامه

قد قمت بحذف الوجوه التعبيريّة التي خرجت عن غير قصد :)
 

ايمن شعبان

مزمار ألماسي
8 مايو 2008
1,568
0
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمود خليل الحصري
رد: مفهوم التجديد في ضوء الإسلام

جزاك الله خيرا
 

خليل الشيخي

مزمار فعّال
30 أغسطس 2007
299
0
0
الجنس
ذكر
رد: مفهوم التجديد في ضوء الإسلام

(بسم الل)
:x18:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد (ص) ، وآله وصحبه وسلم .
أشكرك أخي الكاسر وأخي أيمن شعبان على المرور الكريم
وبالنسبة للبحث فهو بحث ليسانس ومناقشته الأسبوع الجي إن شاء الله ، وشكرا على حذف الوجوه التعبيرية .
t7
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع