إعلانات المنتدى


الأعجاز العلمي في القران وجعلنا من الماء كل شيئ حي

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

ام العيدي

مزمار ألماسي
4 نوفمبر 2007
1,989
18
0
القارئ المفضل
عبد الرحمن السديس
[align=CENTER][tabletext="width:70%;background-color:eek:range;"][cell="filter:;"][align=center]


وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ




الدكتور منصور العبادي
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
لقد ذكرنا في مقالتين سابقتين نشرتا على هذا الموقع وهما مقالة "خلق الأرض في يومين" ومقالة "وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين" إن الحياة على هذه الأرض لم يكن لها لتظهر لو لم يتم تصميم جميع أجزاء هذا الكون بتقدير بالغ في جميع مراحل خلقه حيث أن خللا بسيطاﹰ في تصميم مرحلة ما من هذه المراحل قد يحول دون أن تكون الأرض بالشكل والمواصفات التي هي عليها الآن.
وذكرنا كذلك بأن الأرض قد تم تصميمها بتقدير بالغ لكي تكون مؤهلة لظهور الحياة عليها وذلك من حيث تحديد بعدها عن الشمس التي تمدها بالطاقة وسرعة دورانها حول نفسها وحول الشمس وكذلك إمالة وتأرجح محورها وشدة مجالها المغناطيسي وسمك قشرتها.
وبما أن الكائنات الحية تحتاج لبناء أجسامها إلى عدد كبير من العناصر الطبيعية فقد تم توفير جميع العناصر التي أنتجتها نجوم هذا الكون في قشرة هذه الأرض بنسب متفاوتة. وأما تضاريس الأرض فقد تم تشكيلها بشكل بارع بحيث يكون فيها مناطق منخفضة لاستيعاب مياه الأرض فيها ومناطق مرتفعة لا يمكن للمياه أن تغمرها وذلك لتكون مناسبة لظهور مختلف أشكال الحياة عليها.
أما جو الأرض فقد تم تصميمه بحيث أن محتوياته عند بداية تكونه تختلف عن محتوياته عما هي عليه الآن وذلك لأن جو الأرض الأولي المكون من غازات الهيدروجين والأمونيا والميثان وبخار الماء قد لعب دوراً بالغ الأهمية في تكون المواد العضوية البسيطة التي تلزم لظهور الحياة لاحقا.
ونظرا للدور البالغ الأهمية الذي يلعبه الماء في ظاهرة الحياة على الأرض فقد لزم أن نفرد له مقالة خاصةنبين فيها بعض الحقائق العلمية المتعلقة بخصائص الماء وكذلك الدور الذي يلعبه في ظاهرة الحياة على الأرض مصداقاﹰ لقوله تعالى "وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ أفلا يؤمنون" الأنبياء 30.
يقدّر علماء الجيولوجيا كمية الماء الموجودة على الأرض بستة عشر بليون كيلومتر مكعب أو ما يساوي ستة عشر بليون بليون طن أي أن نسبة كتلته إلى كتلة الأرض تبلغ خمسة وعشرون بالألف. ويوجد القسم الأكبر من هذه الكمية والتي تقدر بثلاثة عشر بليون كيلومتر مكعب في طبقات الأرض الواقعة تحت القشرة الأرضية وهي موجودة على شكل بخار ماء مضغوط وذلك بسبب الحرارة العالية لباطن الأرض. أما الكمية المتبقية والتي تقدّر بثلاثة بلايين كيلومتر مكعب فإن نصفها يدخل في تركيب الصخور والمعادن الموجودة في القشرة الأرضية بينما يوجد النصف الآخر في المحيطات والبحار والأنهار. ويتجمع معظم الماء الموجود على سطح الأرض في محيطات وبحار الأرض إلا أن هناك ما يقرب من مائة مليون كيلومتر مكعب من الماء موجودة على اليابسة في تجاويف القشرة الأرضية وفي البحيرات والأنهار والتربة على شكل سائل وفي المناطق الجبلية والجليدية على شكل جليد. ويعتقد العلماء أن الماء الموجود على سطح الأرض قد خرج من باطنها فبعد أن تكونت القشرة الأرضية الصلبة بدأ الماء يخرج من باطن الأرض على شكل بخار مع الحمم التي تقذفها البراكين من باطن الأرض إلى سطحها وذلك مصداقا لقوله تعالى "والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها مائها ومرعاها" النازعات 30-31. ويقدّر علماء الجيولوجيا كمية الماء الذي يخرج من باطن الأرض في السنة الواحدة بحوالي كيلومتر مكعب واحد أو ما يعادل ألف مليون طن ويعتقدون أن هذه الكمية كافية لتشكيل الاحتياطي الإجمالي للماء على سطح الأرض بمرور بلايين السنين على نشأة الأرض.
لقد كان هذا الماء عند أول نشأة الأرض على شكل بخار يملأ جو الأرض الأولي بسبب ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض في تلك الحقّبة من الزمن وبعد أن برد هذا السطح بدأ بخار الماء بالتكثف ليسقط على شكل أمطار غزيرة لعبت دوراً كبيرا في تشكيل بعض تضاريس الأرض كالأودية والسهول الغنية بالتراب. ولو أن جميع ما في الأرض من ماء قد خرج من باطنها واستقر على سطحها لما وسعته المحيطات ولوصل ارتفاع الماء فوق سطح الأرض إلى ثلاثين كيلومتر ولكن من لطف الله بالناس أن تسعين بالمائة من هذا الماء لا زال محبوساً كبخار تحت القشرة الأرضية. ويقوم هذا المخزون الضخم من الماء المحبوس تحت القشرة الأرضية بتعويض كمية الماء الموجودة على السطح إذا ما نقص بسبب هروب بعضه إلى الفضاء الخارجي أو اتحاده بشكل دائم مع بعض العناصر والمركبات الأرضية. ولو أن الأرض بقيت على شكل كرة ملساء كما كان حالها عند بداية خلقها لغطت كمية الماء الموجودة على سطحها فقط جميع سطح الأرض بارتفاع ثلاثة كيلومترات. ولكن بتقدير من الله عز وجل وبسبب ضغط الماء الهائل على قشرة الأرض التي كانت طرية ورقيقة عند بداية تكونها فقد بدأ جزء من سطح الأرض بالانخفاض تحت وطأة هذا الضغط ممّا جلب مزيداً من الماء لهذا الجزء الذي واجه مزيداً من الانخفاض. وقد توالت هذه العملية حتى تجمع الماء في جهة واحدة من سطح الأرض وانحسر عن الجزء المتبقي من السطح الذي ارتفع مستواه بسبب الضغط المعاكس على القشرة من داخل الأرض مكونا اليابسة. ولقد تأكدت هذه الحقيقة بعد اكتشاف علماء الجيولوجيا أن المحيطات الحالية كانت محيطا واحدا وكذلك القارات التي كانت قارة واحدة ولكن وبسبب حركة الصفائح التي تتكون منها القشرة الأرضية بدأت القارة الأولية بالانقسام إلى عدة قارات بشكل بطيء جدا بما يسمى ظاهرة انجراف القارات.
وتغطي المحيطات الآن ما يقرب من سبعين بالمائة من سطح الأرض بينما تشكل اليابسة ثلاثين بالمائة من سطحها ويبلغ متوسط ارتفاع اليابسة عن سطح البحر ما يقرب من كيلومتر واحد بينما يبلغ متوسط انخفاض المحيطات عن سطح البحر أربعة كيلومترات تقريباً. إن تحديد نسبة مساحة سطح اليابسة إلى مساحة سطح المحيطات لم يتم بطريقة عشوائية بل تم تقديره بشكل بالغ حيث بينت دراسات العلماء أن أية زيادة أو نقصان فيها قد يحول دون ظهور الحياة على الأرض. فمتوسط درجة حرارة سطح الأرض سيختلف عن الرقم الحالي البالغ خمسة عشر درجة فيما لو تغيرت هذه النسبة وذلك بسبب الاختلاف الكبير في الحرارة النوعية لكل من تراب اليابسة وماء المحيطات. وستتغير كذلك كمية ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي بسبب تفاوت نسب امتصاص البر والبحر لهذا الغاز الذي يعتبر مصدر الغذاء الرئيسي لجميع الكائنات الحية وكذلك فإن كمية الماء التي ستسقط على اليابسة ستزداد أو تنقص تبعاً لقيمة النسبة بين مساحة كل من البر والبحر. وقد يقول قائل أن كمية الماء الهائلة الموجودة في المحيطات قد تكون أكبر ممّا تحتاجه الكائنات الحية وأن محيطات بمتوسط عمق أقل من ذلك قد تكون كافية لهذا الغرض. ولكن هنالك حكمة بالغة وراء تقدير تلك الكمية من الماء حيث أن مياه الأمطار التي تعود للمحيطات من خلال الأنهار تحمل معها كميات كبيرة من أملاح تراب اليابسة ممّا يزيد من ملوحتها مع مرور الزمن. إن زيادة ملوحة المحيطات عن حد معين سيؤدي حتما إلى موت جميع الكائنات الحية فيها وأكبر دليل على ذلك الحال الذي هو عليه البحر الميت في الأردن. ولكن بتقدير من الله وبفضل منه وبسبب هذه الكمية الهائلة من المياه في المحيطات فإن ملوحتها لا زالت دون الحد الذي يمنع عيش الكائنات الحية فيها رغم أن أنهار الأرض تلقي فيها كميات كبيرة من الأملاح منذ ما يزيد عن أربعة آلاف مليون سنة وصدق الله العظيم القائل "وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها" فاطر 12.
water_earth.jpg
إن تحديد نسبة مساحة سطح اليابسة إلى مساحة سطح المحيطات لم يتم بطريقة عشوائية بل تم تقديره بشكل دقيق حيث بينت دراسات العلماء أن أية زيادة أو نقصان فيها قد يحول دون ظهور الحياة على الأرض

ويتفرد كوكب الأرض من بين جميع كواكب المجموعة الشمسية بوجود هذه الكمية الضخمة من الماء على سطحه وذلك يعد أن تأكد للعلماء من خلال إرسال مركبات فضائية إلى كواكب المجموعة الشمسية أن سطوحها تخلو تماماً من الماء. ولا زال العلماء يتساءلون عن مصير الماء الذي كان موجوداً على هذه الكواكب حيث أنها قد تكونت بنفس الطريقة التي تكونت بها الأرض ولا بد والحال هذا أن جميعها قد أخذ نصيبه من الماء وكذلك من بقية العناصر والمركبات الطبيعية. ومن الخطأ أن نعتقد أن الماء إذا ما توفر في كوكب ما فلابد أن يشكل محيطات وبحار على سطحه كما هو الحال مع الأرض وذلك لأن الظروف التي يتشكل خلالها الكوكب هي التي تحدد الطريقة التي سيكون عليها حال الماء على سطحه. وهذا يعني أن ضمان ظهور الماء على سطح الكوكب يحتاج لتقدير بالغ في تحديد تسلسل الأحداث التي يمر بها تشكل الكوكب عند نشأته وأن حدوث خطأ بسيط في تسلسل هذه الأحداث قد يحول دون ظهور الماء عليه. ولو قمنا بتقصي الأسباب التي قد تحول دون ظهور الماء على سطح كوكب ما، على الرغم من توفر الماء في جوفه لما أحصيناها عدداً. فعلى سبيل المثال،فمن الممكن أن الكواكب التي هي أبعد من الأرض عن الشمس قد تكونت قشرتها بشكل أسرع ممّا حدث على الأرض ممّا حالت دون خروج الماء من باطنها إلى ظاهرها من خلال البراكين. ومن الممكن أن هذا الماء قد تجمد بكامله في الكواكب الأبعد من الأرض عن الشمس بسبب البرودة الشديدة وتجمع في طبقات قشرة الكوكب أو عند أقطابه. ومن الممكن أنه قد تسرب إلى الفضاء الخارجي مع مرور الزمن وخاصة في الكواكب القريبة من الشمس بسبب ارتفاع درجة حرارة سطحها. ومن الممكن أيضا أن تكون قشرة الكوكب من السماكة بحيث أن الماء قد غار في طبقاتها المختلفة ولم يصل إلى باطن الكوكب الحار الذي يستطيع أن يخرجه كبخار مع البراكين وصدق الله العظيم القائل " وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا علي ذهاب به لقادرون ".
إن عملية نقل الماء من المحيطات وتوزيعها على اليابسة تتم بآليات بالغة الإتقان حيث تستخدم الطاقة الشمسية لتبخير الماء من المحيطات بدون أن يتم رفع درجة حرارة الماء إلى درجة الغليان.
ويقدّر العلماء كمية الماء المتبخر من المحيطات في السنة الواحدة بأربعمائة ألف كيلومتر مكعب ومن اليابسة بستين ألف كيلومتر مكعب وتحتاج هذه الكمية الهائلة من الماء المتبخر من المحيطات إلى كمية هائلة من الطاقة تقدّر بمائتين وخمسين مليون بليون كيلواط ساعة في السنة الواحدة.
rain01.jpg
تستخدم الطاقة الشمسية لتبخير الماء من المحيطات بدون أن يتم رفع درجة حرارة الماء إلى درجة الغليان.
وتتكفل الشمس بتوفير هذه الكمية الهائلة من الطاقة لعملية تبخير الماء من خلال الإشعاع الذي يصل إلى الأرض على شكل أمواج ضوئية وحرارية. ومن حسن التقدير أن طاقة التبخير هذه لا تذهب هدراً بل يتم الاستفادة منها عندما يتكثف بخار الماء في الجو فتنطلق هذه الطاقة لتسخن جو الأرض وخاصة أثناء الليل. وبعد أن يصعد هذا الماء المتبخر إلى طبقات الجو العليا مع التيارات الهوائية الصاعدة يبدأ البخار بالتكثف على شكل غيوم بسبب البرودة الشديدة لطبقات الجو العليا وصدق الله العظيم القائل "وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتّى إذا أقلّت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون" الأعراف 57.
إن رفع هذا الكمية الهائلة من الماء إلى ارتفاع عدة كيلومترات فوق سطح البحر يحتاج إلى كمية هائلة من الطاقة لا تقل عن كمية الطاقة التي لزمت لتبخيرها. وتقوم الشمس أيضا بتوفير هذه الطاقة من خلال تسخين الهواء الملامس لسطح الأرض والذي يرتفع إلى الأعلى حاملاً معه بخار الماء وذلك بسبب أن كثافة الهواء الساخن أقل من كثافة الهواء البارد. إن هذه الطاقة تعاد بكاملها إلى الأرض عند نزول الماء على شكل أمطار من خلال تحول طاقتها الوضعية إلى طاقة حركية ويتحول جزء كبير من هذه الطاقة الحركية إلى طاقة حرارية عند ارتطام قطرات الماء بسطح الأرض أماالجزء المتبقي فيبقى كطاقة حركية تنقل مياه الأنهار والسيول والجداول من أعالي الجبال إلى المحيطات والبحار والبحيرات. ويستفاد من هذه الطاقة الحركية في مياه الأمطار لنقل التراب من رؤوس الجبال الشاهقة إلى السهول المنبسطة الصالحة للزراعة.ولولا هذا التقدير لخلت هذه السهول مع مرور الزمن من العناصر والمركبات اللازمة للحياة. وقد استفاد الإنسان في العصور الماضية من هذه الطاقة الحركية في تشغيل النواعير لرفع الماء من الأنهار والطواحين لطحن الحبوب وفي هذا العصر في توليد كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية. وبعد أن يرتفع بخار الماء إلى طبقات الجو المختلفة يبدأ بالتكثف ليكون الغيوم التي تسوقها الرياح إلى مناطق اليابسة حيث تبدأ حبيبات الماء بالتكون لتسقط على شكل أمطار وثلوج وبرد وصدق الله العظيم القائل "ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثمّ يؤلّف بينه ثمّ يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزّل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقلّب الله الليل والنهار إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار" النور 43-44.
cloudes.jpg
وصف الله سبحانه السحاب أنه ثقيل (أقلّت سحاباً ثقالاً) كشف العلم الحديث أنه كل عام تهطل أمطار حجمها حوالي 460.000كم3 أما ثقلها فيقدر بآلاف ملايين الأطنان فمن أخبر محمد أنها ثقيلة
ولو قدر لهذه الكمية الهائلة من الماء المتبخر أن تنزل دفعة واحدة على سطح جميع القارات لوصل ارتفاع الماء إلى عشرة أمتار ولكن من لطف الله بعباده أن 370 ألف كيلومتر مكعب منها ينزل على المحيطات بينما ينزل على اليابسة فقط 90 ألف كيلومتر مكعب.ولو وزع هذا الرقم الأخير على جميع مناطق اليابسة بالتساوي لكان نصيب كل متر مربع من الأرض مترا مكعبا واحدا من الماء. ومن لطف الله بالناس أن هذا الماء ينزل على مدى عدة أشهر وإلا فان نزول مثل هذه الكمية خلال يوم أو حتى أسبوع قد يتسبب في حدوث كوارث لا تحمد عقباها وصدق الله العظيم القائل "وأنزلنا من السماء مآء بقدر فأسكناه في الأرض وإنّا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنّات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للأكلين" المؤمنون 18-20. وإن ما حل بقوم سيدنا نوح عليه السلام من دمار وعذاب كان بسبب زيادة سقوط المطر عن الحدود التي قدرها الله وقد صور القران الكريم هذا المشهد العجيب بقوله سبحانه "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجّرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد ٌقدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر" القمر 11-14.
إن كمية الماء التي تسقط على اليابسة والتي تقدّر بتسعين ألف كيلومتر مكعب تعود في النهاية إلى المحيطات والبحار حيث يعود ثلاثون ألف كيلومتر مكعب منها بشكل مباشر بواسطة الأنهار بينما تعود الستين ألف المتبقية بطريقة غير مباشرة من خلال عملية التبخر وذلك بعد أن يتم الاستفادة منها من قبل الكائنات الحية المختلفة وخصوصا النباتات التي تستهلك الجزء الأكبر من هذه الكمية بامتصاصها من التربة. ومن الجدير بالذكر أن مجموع ما يستهلكه البشر سنوياً من الماء للأغراض الزراعية والمنزلية والصناعية يقدّر بثلاثة آلاف كيلومتر مكعب أي ما يساوي ثلاثة آلاف بليون متر مكعب فقط.إن عملية توزيع مياه الأمطار على جميع مناطق اليابسة لا تتم بشكل متساوي بسبب التفاوت الكبير لتضاريس اليابسة ومقدار بعدها عن المحيطات حيث تسقط الأمطار بكميات كبيرة على المناطق الساحلية وتقل تدريجياً كلما ابتعدنا عن شواطئ المحيطات والبحار.ومن فضل الله على الناس أن قام بتوفير آليات مختلفة لتزويد المناطق التي لا تسقط عليها كمية كافية من الأمطار بما يكفيها من الماء الذي يبعث فيها الحياة.فقد سخّر الله الأنهار التي تحمل الماء من المناطق الغنية به إلى المناطق الصحراوية الجافة كنهر النيل الذي يجلب الماء من الحبشة إلى السودان ومصر وكنهري دجلة والفرات التي تجلب الماء من تركيا إلى سوريا والعراق وكذلك الحال مع بقية أنهار الأرض وصدق الله العظيم القائل "أمّن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أءلهٌ مع الله بل أكثرهم لا يعلمون" النمل 61.ومن عجائب تصميم الأنهار أن ميلان الأرض قد تم تقديره بشكل بالغ الدقة بحيث أن الماء ينساب بشكل طبيعي من منابع الأنهار إلى مصابها رغم أنها تجري لآلاف الكيلومترات وصدق الله العظيم القائل " وهو الذي مدّ الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كلّ الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون " الرعد 3.
وبما أن الأمطار لا تسقط إلا في أشهر محددة من السنة في معظم أرجاء اليابسة فقد وفر الله وسائل عدة لحفظ مياه هذه الأمطار لتزود الكائنات الحية بالماء على طول أشهر السنة. ومن هذه الوسائل الثلوج التي تغطي قمم الجبال الشاهقة والتي تذوب في الصيف لتمد الأنهار والينابيع وبحيرات الماء العذب بكميات كبيرة من الماء وكذلك طبقات الصخور التي تختزن كميات كبيرة من المياه الجوفية فتخرج على شكل ينابيع لا تكاد تخلو منها أيّ منطقة علىهذه اليابسة. ومن عجائب التقدير أن هذه الينابيع قد تتفجر في مناطق قاحلة لا يسقط عليها المطر أبداً فيأتيها الماء من أماكن بعيدة على شكل أنهار تجري عبر طبقات الصخور وصدق الله العظيم القائل "ألم تر أنّ الله أنزل من السماء مآء فسلكه ينابيع في الأرض ثمّ يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثمّ يهيج فتراه مصفرا ثمّ يجعله حطاما إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب" الزمر 21 والقائل سبحانه "وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء مآء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين" الحجر 22. وبما أنه لا يمكن لكثير من الكائنات الحية أن تعيش بدون الماء لفترات لا تتجاوز عدة أيام فإن من فضل الله عليها أن قام بتوزيع مصادر الماء في كل ركن من أركان هذه الأرض لكي ينتشر البشر وبقية الكائنات الحية في جميع أرجاء الكرة الأرضية وصدق الله العظيم القائل "وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء مآء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه ممّا خلقنا أنعاما وأناسيّ كثيرا ولقد صرّفناه بينهم ليذّكروا فأبي أكثر الناس إلاّ كفورا" الفرقان 48-50.
وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد مكن الحيوانات من الحركة لتصل إلى مصادر الماء والغذاء لتأخذ منهما حاجتها فقد صمم آليات معقدة لتوفير الماء للنباتات التي لا يمكنها الحركة على الإطلاق. فقد تم تهيئة تراب الأرض وتشكيل الصخور التي تحتها بحيث تحتفظ بماء الأمطار لفترات طويلة ولكي تتمكن النباتات بمختلف أنواعها من الحصول على حاجتها من الماء في فترات انقطاع المطر عنها. وقد زود الله هذه النباتات بجذور يمكنها الغوص في أعماق التراب والصخور لكي تصل إلى أماكن الماء وصدق الله العظيم القائل "وأنزلنا من السماء مآء بقدر فأسكناه في الأرض وإنّا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنّات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون" المؤمنون 18-19.
ومن البدهي أن يثار التساؤل حول السبب الذي جعل الماء أحد أهم عناصر الحياة التي لا يمكن لها أن تظهر على الأرض ولا على أيّ كوكب آخر بدونه. وللإجابة على هذه التساؤل لابد من التذكير بحقيقة مهمة عن طبيعة الحياة وهي قدرة الكائنات الحية على أن تصنع نسخاً عن نفسها بنفسها من العناصر والمركبات الموجودة على الأرض. فجميع أنواع الكائنات الحية تبدأ عملية تصنيعها من خلية واحدة يحتوي شريطها الوراثي على جميع مواصفات جسم الكائن الحي ويتم تصنيع الكائن من خلال التعليمات التي يصدرها هذا الشريط لبعض مكونات الخلية. وتحتاج الكائنات الحية لبناء أجسامها إلى مواد مختلفة بمواصفات محددة وهذه المواد يتم تصنيعها من تراب هذه الأرض الذي يحتوي على جميع العناصر الطبيعية التي أنتجتها نجوم هذا الكون. وبما أن عملية تصنيع الكائنات الحية وما تحتاجه من مواد عضوية تتم بدون تدخل أيّ قوة خارجية فعلى هذه المواد أن تصنع نفسها بنفسها وأن تأخذ مواقعها في جسم الكائن من تلقاء نفسها. وبما أن هذه المواد ليس لها أيدي تمسك بها أو أرجل تمشي عليها فمن المستحيل أن تقوم بهذه المهمة إذا ما بقيت في أماكن تواجدها في تراب هذه الأرض. إن الطريقة الوحيدة التي تسهل حركة هذه المواد هو من خلال إذابتها في سائل ما يسمح لجزيئاتها بالحركة من خلال ظاهرة طبيعية وهي ظاهرة الانتشار. وفي مثل هذا السائل يمكن لجزيئات المواد المختلفة أن تتحرك بحرية ممّا يساعدها على الالتقاء ببعضها البعض وقد يؤدي هذا الالتقاء إلى حدوث التفاعلات الكيميائية بين هذه المواد لإنتاج مواد أكثر تعقيداً. إن وجود مثل السائل هو أول شرط من شروط ظهور الحياة في أيّ مكان في هذا الكون فالمواد في حالتها الصلبة وخارج هذا الوسط السائل تحتاج إلى من يخلطها باستمرار لكي يحدث التفاعل فيما بينها أما في حالة وجودها مذابة في السائل فإن هذه المواد ستتحرك من تلقاء نفسها بسبب خاصية الانتشار.
water.jpg
جعل الله الماء أحد أهم عناصر الحياة التي لا يمكن لها أن تظهر على الأرض ولا على أيّ كوكب آخر بدونه
ويؤكد العلماء على أن الحياة ظهرت على الأرض بسبب الخصائص الفريدة والعجيبة للماء فبدون هذه الخصائص لا يمكن للحياة أن تظهر أبداً. وممّا أثار استغراب العلماء أن جميع خصائص الماء الفيزيائية والكيميائية هي خواص شاذة أيّ أنها تختلف عن خواص مركبات مشابهة لها في التركيب ممّا حدا بعالم الكيمياء الفيزيائية الروسي "إيغور بتريانوف"بأن يصفه بأنه أغرب مادة في هذا الكون وذلك في كتابه "الماء تلك المادة العجيبة". لقد اثبت العلماء أن الماء هو السائل الوحيد من بين جميع السوائل الطبيعية الذي يصلح لأن يكون وسطاً مناسباً لحدوث التفاعلات الكيميائية التي تلزم لتصنيع المواد التي تحتاجها أجسام الكائنات الحية. فقد وجد العلماء أن الماء هو أفضل المذيبات على الإطلاق بسبب ارتفاع مثبت عزله الكهربائي وهذه الخاصية بالغة الأهمية للحياة حيث أن الكائنات الحية تحتاج لآلاف الأنواع من الجزيئات التي يجب أن تصنع في داخل هذا الماء وهذا لا يمكن أن يتم إلا إذا كانت هذه الجزيئات قابلة للذوبان في الماء. ويستطيع الماء إذابة مختلف أنواع العناصر والمركبات العضوية وغير العضوية وسواء أكانت هذه المواد في حالتها الصلبة أو السائلة أو الغازية. أما الخاصية الثانية التي لا تقل أهمية عن الأولى فهي أن الماء له القدرة على تأيين أنواع مختلفة من الجزيئات الضرورية للحياة أيّ أن الجزيء يتفكك إلى أيونات موجبة وأخرى سالبة وهذا شرط ضروري لحدوث التفاعلات الكيميائية بين المواد المختلفة. بل الأعجب من ذلك أن الماء له القدرة على تأيين بعض جزيئاته وهذه الظاهرة ضرورية لإتمام كثير من التفاعلات الكيميائية التي تجري في داخل الخلايا الحية. فجزيء الماء المتأين ينتج أيون الهيدروجين الموجب والمسؤول عن ظاهرة الحموضة وأيون الهيدروكسايد السالب المسؤول عن ظاهرة القاعدية. وقد وجد العلماء أن بعض الأنزيمات لا تعمل إلا عند درجات محددة من الحموضة أو القاعدية في الماء.
أما الخاصية الثالثة فهي قدرة الماء العالية للالتصاق بالأشياء التي يلامسها وهذه الخاصية تساعد في انتشار الماء بكل سهولة في أجسام الكائنات الحية بحيث يمكنه الوصول لكل خلية من خلايا أجسامها التي لا يمكن لها أن تعيش بدونه. وبما أن الماء لا يقوم بدوره هذا إلا وهو في الحالة السائلة فهذا يتطلب أن يكون الماء في هذه الحالة السائلة على مدى نطاق واسع من درجات الحرارة. وقد وجد العلماء أن الماء يتميز على جميع المركبات السائلة الأخرى في وجود فرق كبير بين درجة تجمده ودرجة غليانه فهو يتجمد عند درجة الصفر ويغلي عند درجة مائة درجة مئوية أيّ بفارق مائة درجة. وبهذه الخاصية فإن الماء يشذ شذوذا كبيرا عن بقية هيدرات العناصر الأخرى فدرجة تجمده كان يجب أن تكون مائة درجة تحت الصفر ودرجة غليانه كان يجب أن تكون ثمانين درجة تحت الصفر إذا ما قورن مع مركبات مشابهة له في التركيب. ومن عجائب التقدير في خلق الأرض أن التفاوت في درجة حرارة معظم مناطق سطحها يقع ضمن المدى الذي يكفل بقاء الماء في حالته السائلة ولهذا نرى أن معظم الماء الموجود على سطح الأرض هو في الحالة السائلة. ومن العجيب أن الكائنات الحية التي تعيش في مناطق تهبط فيها درجات الحرارة إلى ما دون درجة تجمد الماء قد تم تزويدها بآليات تمنع الماء الموجود في أجسامها من التجمد على الرغم من أن الماء يشكل ما يزيد عن ثمانين بالمائة من أجسامها.
أما الخاصية الرابعة للماء فهي خاصية عجيبة لا يمكن أن توجد فيه إلا إذا كان الذي صنع هذا الماء من عناصره يعلم علم اليقين أن هذا الماء سيلعب دورا بالغ الأهمية في ظهور الحياة على الأرض. وتتلخص هذا الخاصية في أن أكبر كثافة للماء تحدث عندما تكون درجة حرارته أربع درجات مئوية أيّ أن الماء في حالته الصلبة أخف منه في حالته السائلة وهذا على عكس جميع السوائل الأخرى التي تزيد كثافتها كلما قلت درجة حرارتها. وهذه الخاصية ضرورية جدا لبقاء معظم الماء على سطح الأرض في حالته السائلة فلو كان حال الماء كحال بقية السوائل لتحولت جميع محيطات وبحار الأرض إلى جليد باستثناء طبقة رقيقة سائلة على سطوحها المعرضة للشمس. ولكن بسبب هذه الخاصية العجيبة فإن الماء عند سطح المحيطات إذا ما تعرض لدرجات حرارة منخفضة فإنه يهبط للأسفل إذا ما بلغت درجة حرارته أربع درجات مئوية ويتم استبداله بماء أسخن منه من أسفل المحيطات ممّا يحول دون تجمد السطح. وإذا ما بلغت درجة حرارة جميع ماء البحر أربع درجات مئوية فإن أول ما يبدأ بالتجمد ماء السطح ممّا يشكل طبقة عازلة تحول دون تجمد بقية ماء البحر وبهذا وفرت هذه الآلية العجيبة حياة آمنة لجميع الكائنات الحية البحرية في مياه البحار والمحيطات وعند درجة حرارة لا تقل عن أربع درجات مئوية فسبحان القائل "وخلق كلّ شيء فقدّره تقديرا".
أما الخاصية الخامسة للماء التي لا تقل في الأهمية عن سابقاتها فهي ارتفاع حرارته النوعية حيث يمتلك أعلى حرارة نوعية من بين جميع العناصر والمركبات الموجودة على الأرض وقد تصل الحرارة النوعية للماء إلى مائة ضعف الحرارة النوعية لكثير من المعادن. والحرارة النوعية مقياس لكمية الطاقة التي تختزنها كمية محددة من المادة عندما ترتفع درجة حرارتها بمقدار درجة مئوية واحدة فعند يتم تسخين المواد فإن كمية الطاقة التي تختزنها تتناسب مع كتلتها ومقدار الزيادة في درجة حرارتها وكذلك حرارتها النوعية. وعندما تبرد هذه المواد فإنها تشع جميع الطاقة التي اختزنتها إلى الجو المحيط بها إذا ما هبطت درجة حرارتها إلى نفس الدرجة التي كانت عليها قبل تسخينها. إن الحرارة النوعية العالية للماء هي التي وفرت للكائنات الحية درجات الحرارة المناسبة لعيشها على سطح الأرض فلولا وجود الماء بهذه الكميات الكبيرة على سطح الأرض لهبطت درجة حرارة سطح الأرض إلى درجات متدنية جدا بسبب تدني الحرارة النوعية للمواد المكونة للقشرة الأرضية. ولكن مياه المحيطات التي تغطي سبعين بالمائة من مساحة سطح الأرض تقوم بامتصاص كميات كبيرة من الطاقة الشمسية خلال النهار ومن ثم تقوم أثناء الليل بإشعاع هذه الحرارة إلى جو الأرض لكي يحافظ على درجة حرارة سطح الأرض ضمن الحدود المسموح بها.
وأما الخاصية السادسة للماء فهي شفافيته للضوء حيث أنه يسمح بمرور الضوء المنبعث من الشمس من خلاله بأقل فقد ممكن وهذه خاصية بالغة الأهمية لدوام حياة الكائنات في بحار ومحيطات الأرض فحياة جميع الكائنات البحرية تقوم على ما تنتجه الطحالب من مواد عضوية. وهذه الطحالب تقوم بتصنيع المواد العضوية من العناصر والمركبات الذائبة في الماء بوجود الطاقة الشمسية من خلال عملية التركيب الضوئي. ولو لم يكن الماء شفافا للضوء لما تمكنت أشعة الشمس من الوصول إلى الطحالب التي تعيش في الطبقات العليا من مياه المحيطات ولتوقفت عملية تصنيع المواد العضوية التي تتغذى عليها جميع الكائنات البحرية. وتساعد شفافية الماء الكائنات الحية البحرية على رؤية الأشياء من حولها من خلال نظام الإبصار التي زودها الله بها وتساعد كذلك الإنسان والحيوان على كشف وجود شوائب ضارة في الماء قبل أن تقوم بشربه. وأما الخاصية السابعة للماء فهي إمكانية تحوله إلى بخار الماء عند درجات حرارة أقل بكثير من درجة الغليان وبكميات كبيرة من خلال عملية التبخر المعروفة. وهذه الخاصية تقوم عليها حياة جميع الكائنات الحية التي تعيش على بر الأرض فبخار الماء المتكون على سطوح المحيطات تحمله تيارات الحمل إلى طبقات الجو الباردة فتحوله إلى غيوم تسوقها الرياح إلى اليابسة فتسقط أمطارا توفر الماء الذي يلزم لحياة الكائنات الحية البرية.


formation3.jpg
"وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتّى إذا أقلّت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون" الشكل فوق يبين كيفية سوق الماء إلى الصحارى (الأرض الميتة كما وصفها القرآن).


وأما الخاصية الثامنة فهي أن درجة تجمده تقل عن الصفر المئوي في حالة وجود مواد ذائبة فيه وهذه خاصية بالغة الأهمية لحياة الكائنات الحية حيث أنها تتعرض في المناطق الباردة إلى درجات حرارة تقل عن الصفر في كثير من الأحيان. ولكن الماء في أجسام هذه الكائنات لا يتجمد بسبب المواد الذائبة فيه ولو كان الحال غير ذلك لماتت الكائنات الحية بمجرد تعرضها لدرجات حرارة تقل عن الصفر لفترة قصيرة من الزمن. وأما الخاصية التاسعة فهي الخاصية الشعرية والناتجة عن التوتر السطحي العالي للماء وتساعد هذه الخاصية الماء على الارتفاع في الأنابيب الشعرية بدون الحاجة لقوة تضخه إلى أعلى رغم وجود الجاذبية الأرضية وبهذه الخاصية يصل الماء من جذور الأشجار إلى معظم أجزاءها رغم ارتفاعها الكبير عن سطح الأرض. بل إن هذه الخاصية هي التي تعمل على حفظ الماء في خلايا جميع الكائنات الحية بنفس النسبة رغم تفاوت ارتفاع مواقعها في جسم الكائن ولولا هذه الخاصية لتجمع الماء في الأجزاء السفلى من جسم الكائن بسبب فعل الجاذبية الأرضية. وأما الخاصية العاشرة فهو أن الماء لا طعم له ولا رائحة ولو كان الحال غير هذا لطغى طعمه ورائحته على طعم ورائحة جميع المواد التي يدخل في تركيبها وخاصة تلك الموجودة في أجسام الكائنات الحية كثمار وأزهار النباتات ولحوم وألبان الحيوانات.
ولا يقتصر دور الماء في ظاهرة الحياة على كونه السائل الوحيد الذي يسهل التفاعلات الكيميائية بين جزيئات المواد التي تلزم لبناء أجسام الكائنات الحية بل إنه يدخل في تركيب المواد العضوية التي تنتجها الخلايا الحية. فالمواد العضوية تتكون بشكل رئيسي من أربعة عناصر وهي الكربون والهيدروجين والأوكسجين والنيتروجين وكميات قليلة من بقية العناصر الأرضية كالكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم والحديد والفوسفور واليود. إن المصدر الرئيسي للكربون والأوكسجين هو ثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء أو المذاب في الماء وأما مصدر الهيدروجين فهو الماء وأما مصدر النيتروجين فهو الهواء الذي تقوم الكائنات الحية الدقيقة بتثبيته في تراب الأرض ومياهها. إن عملية تصنيع المواد العضوية من مكوناتها الأساسية أو موادها الخام تبدأ أولا بتصنيع سكر الجلوكوز في خلايا النباتات والطحالب ومن ثم يستخدم هذا السكر لاحقا لتصنيع مختلف أنواع المواد العضوية. ويتم تصنيع سكر الجلوكوز من ثاني أكسيد الكربون والماء في داخل البلاستيدات الخضراء الموجودة في خلايا النباتات والطحالب بوجود الطاقة الشمسية من خلال عملية التركيب الضوئي. وفي هذه العملية تتحد ستة جزيئات من ثاني أكسيد الكربون وستة جزيئات من الماء لتنتج جزيئاواحدامن سكر الجلوكوز وستة جزيئات من الأوكسجين. إن عملية إنتاج سكر الجلوكوز من الماء وثاني أكسيد الكربون من التعقيد بحيث أن علماء هذا العصر لا زالوا يقفون عاجزين عن تقليد هذه العملية رغم توفر التكنولوجيا المتقدمة في مختبراتهم ومصانعهم. ويقدّر العلماء كمية الماء الذي تمتصه النباتات من الأرض والطحالب من البحر بأربعمائة وعشرة بلايين طن وكمية ثاني أكسيد الكربون التي تأخذه النباتات من الهواء والطحالب من البحر بخمسمائة بليون طن وكمية الطاقة التي تستمدها من ضوء الشمس بجزء من ألفي جزء من مجموع الطاقة الشمسية التي تصل إلى الأرض وذلك في السنة الواحدة. وفي المقابل تنتج البلاستيدات الموجودة في النباتات والطحالب ثلاثمائة وواحد وأربعين بليون طن من سكر الجلوكوز ومائتين وخمسة بلايين طن من الماء وثلاثمائة وأربعة وستون بليون طن من الأوكسجين. ومن عجائب التقدير أن سكر الجلوكوز عند تحلله بعد الاستفادة من الطاقة المخزنة فيه يعيد هذه الكميات الضخمة من الماء وثاني أكسيد الكربون إلى الطبيعة ليعاد استخدامها من جديدولولا هذا التقدير لنفدت جميع الكميات الموجودة على الأرض من الماء وثاني أكسيد الكربون منذ زمن بعيد. ويشكل الماء نسبه عالية من وزن أجسام الكائنات الحية حيث تتراوح هذه النسبة بين خمس وستين بالمائة وتسعين بالمائة وتذكرنا هذه النسبة بنسبة مساحة سطح المحيطات إلى مساحة سطح الأرض الكلية والتي تبلغ ما يقرب من سبعين بالمائة.وقد ذكرنا سابقا أن هذه النسبة كانت ضرورية لحفظ درجات حرارة سطح الأرض ضمن حدود تناسب الكائنات وذلك بسبب الحرارة النوعية العالية للماء. وهذا أيضا ما ينطبق على أجسام الكائنات الحية فإن كمية الماء العالية في أجسامها تساعد نظام حفظ الحرارة على حفظ حرارة أجسامها عند درجات حرارة محددة وذلك لأن درجة حرارة الماء لا تستجيب بسرعة للتغيرات في درجة حرارة الجو المحيط به بسبب ارتفاع حرارته النوعية.


spring.jpg
"ألم تر أنّ الله أنزل من السماء ماءًَ فسلكه ينابيع في الأرض "


ونظرًا للدور البالغ الأهمية الذي يلعبه الماء في ظاهرة الحياة على سطح هذه الأرض فقد أكثر القرآن الكريم من ذكره فتحدث عن أهميته وطرق تكونه وتوزيعه على مناطق الأرض ووسائل تخزينه في الأرض ودوره في خلق الحياة الأرض ودوره في حياة الكائنات الحية. فقد أكد القرآن الكريم أنه لا يمكن للحياة أن تظهر بدون الماء مصداقاﹰ لقوله تعالى "أولم ير الذين كفروا أنّ السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ أفلا يؤمنون" الأنبياء 30. وأكد على أن جميع الكائنات الحية قد خلقت من هذا الماء مصداقاﹰ قوله تعالى "والله خلق كلّ دآبّة من مآء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إنّ الله على كلّ شيء قدير" النور 45وقوله تعالى "ألم تر أنّ الله أنزل من السماء مآء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها" فاطر 27. وبين كذلك طرق توزيع الماء على جميع أرجاء الأرض كما في قوله تعالى "أولم يروا أنّا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون" السجدة 27. وأشار كذلك إلى طرق تخزينه في بحيرات على ظاهرها وأحواض في باطنها ومن ثم إخراجه على شكل أنهار وينابيع كما في قوله سبحانه "ألم تر أنّ الله أنزل من السماء مآء فسلكه ينابيع في الأرض ثمّ يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثمّ يهيج فتراه مصفرا ثمّ يجعله حطاما إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب" الزمر 21. ونبه القرآن البشر إلى أنه من السهل أن يغور الماء الذي ينزل على الأرض في أعماق القشرة الأرضية لولا أن الله قد صمم الطبقات العليا لقشرة الأرض بشكل بارع لكي تحتفظ بالمياه وعلى مسافات قريبة من سطح الأرض لقوله تعالى "وأنزلنا من السماء مآء بقدر فأسكناه في الأرض وإنّا على ذهاب به لقادرون" المؤمنون 18وقوله تعالى "قل أرءيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين" الملك 30. وأكد القرآن كذلك على أن الماء على اليابسة قد تم توزيعه على جميع أرجائها بحيث يضمن الحياة لكل كائن حي على ظهرها مصداقاﹰ لقوله تعالى "وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء مآء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه ممّا خلقنا أنعاما وأناسيّ كثيرا ولقد صرّفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا" الفرقان 48- 50. وأكد القرآن الكريم على أن كمية الماء التي تسقط على اليابسة قد تم تقديرها بشكل بالغ حيث أن الزيادة في كمية الأمطار الساقطة على الأرض قد تؤدي لتدمير الحياة عليها وذلك مصداقاﹰ لقوله تعالى "والذي نزّل من السماء مآء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون" الزخرف 11وقوله تعالى "أنزل من السماء مآء فسالت أودية بقدرها" الرعد 17. وأكد على الدور المهم الذي تلعبه الرياح في نقل السحاب المحمل بالماء ومن ثم توزيعه على جميع مناطق اليابسة كما في قوله تعالى "وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتّى إذا أقلّت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون" الأعراف 57 وقوله سبحانه "وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء مآء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين" الحجر 22. وأشار القرآن الكريم كذلك إلى أن حصول خطأ بسيط في مكونات جو الأرض أو تراب الأرض قد يحول الماء العذب إلى ماء حامض أو مالح فقال عز من قائل "أفرءيتم الماء الذي تشربون ءأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون" الواقعة 68-70.
ولقد أكد القرآن الكريم على أن الحياة منذ نشأتها الأولى احتاجت إلى الماء كعامل أساسي لظهورها حيث ذكر أن الطين كان أول مراحل خلق الكائنات الحية والطين هو التراب المعجون بالماء فقال عز من قائل "الذي أحسن كلّ شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين" السجدة 7.
إن الدور المهم الذي يلعبه الماء في حياة الكائنات الحية يمكن أن ندركه عندما نقارن حال الأرض قبل وبعد نزول الماء عليها فهي جرداء قاحلة في غياب الماء وخضراء يانعة بعد نزوله عليها وصدق الله العظيم القائل "وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج" الحج 5 والقائل سبحانه "ألم تر أنّ الله أنزل من السماء مآء فتصبح الأرض مخضرّة إنّ الله لطيف خبير" الحج 63 والقائل سبحانه "هو الذي أنزل من السماء مآء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كلّ الثمرات إنّ في ذلك لآية لقوم يتفكّرون" النحل 10-11.
الكاتب: الأستاذ الدكتور منصور ابراهيم أبوشريعة العبادي
قسم الهندسة الكهربائية-جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، اربد – الأردن

[/align][/cell][/tabletext][/align]
 

ام العيدي

مزمار ألماسي
4 نوفمبر 2007
1,989
18
0
القارئ المفضل
عبد الرحمن السديس
رد: الأعجاز العلمي في القران وجعلنا من الماء كل شيئ حي

[FONT=Arial (Arabic)][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-color:black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[FONT=Arial (Arabic)]قضايا و اراء


[FONT=Arial (Arabic)]42399[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]‏السنة 126-العدد[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]2003[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]يناير[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]6[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]‏3 من ذى القعدة 1423 هـ[/FONT][FONT=Arial (Arabic)]الأثنين[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]من أسرار القرآن[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏(77)...‏ وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون‏*‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]بقلم: د.‏ زغـلول النجـار[/FONT]
zaglol-najar.jpg


[FONT=Arial (Arabic)]هذا النص القرآني المعجز جاء في مطلع الربع الثاني من سورة الأنبياء وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها‏112‏ بعد البسملة‏,‏ ويدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة الإسلامية ومن ركائزها الإيمان بالله ربا وبملائكته‏,‏ وكتبه‏,‏ ورسله‏,‏ واليوم الآخر‏,‏ والتوحيد الخالص لجلال الله‏(‏ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا زوجة‏,‏ ولا ولد‏,‏ ولا منازع له في سلطانه‏).‏[/FONT]​


[FONT=Arial (Arabic)]وابتدأت السورة الكريمة بالإشارة إلي غفلة الناس عن الحساب‏,‏ وعللت تلك الغفلة بانصراف أغلب الناس عن الهداية الربانية التي أنزلها الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي فترة من الأنبياء والمرسلين‏,‏ وأتمها‏,‏ وأكملها‏,‏ وحفظها في القرآن الكريم‏,‏ وفي سنة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏).‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]وضربت سورة الأنبياء مثلا علي ذلك بغفلة كفار قريش‏,‏ الذين أنكروا نبوة ورسالة هذا الرسول الخاتم ـ وأمثالهم في هذا الزمان كثير ـ واتهموه‏(‏ شرفه الله تعالي‏)‏ ـ كما يتهمه كفار ومشركو اليوم ـ بالسحر‏,‏ والهلوسة‏,‏ والافتراء‏,‏ والشعر‏,‏ وطالبوه بعدد من المعجزات الحسية كالتي جاء بها سلفه من الأنبياء والمرسلين ـ ناسين أو متناسين كفر الكافرين بتلك السلسلة الطويلة من رسل الله وأنبيائه‏,‏ علي الرغم من تأييد الله لهم بالمعجزات‏,‏ وناسين أو متناسين أن جميع هؤلاء الأنبياء والمرسلين كانوا بشرا مختارين‏,‏ مما يدحض اعتراضهم علي بشرية خاتمهم‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏),‏ وناسين أو متناسين أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد أهلك المتقدمين من الكفار والمشركين‏,‏ ومن الطغاة المتجبرين‏,‏ فلم يعتبروا بهلاكهم حتي إذا فاجأتهم عقوبة من الله رفعوا أصواتهم بالاستغاثة والضراعة صاغرين‏,‏ متذللين‏....!!‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]وأكدت الآيات في سورة الأنبياء أنه لو أعرض أهل الأرض جميعا عن طاعة خالقهم‏,‏ وعبادته بما أمر‏,‏ فإن الملائكة لا يستكبرون عن الخضوع الدائم لجلاله‏,‏ ولا عن تسبيحه‏,‏ وتمجيده‏,‏ وحمده‏,‏ ولا يملون ذلك أبدا‏:‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]‏(‏يسبحون الليل والنهار لا يفترون‏*).‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]واستشهدت سورة الأنبياء بالعديد من الآيات الكونية علي عظمة الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ في إتقانه لصنعته‏,‏ وعلي وحدانيته المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ وعلي تنزيهه‏(‏ سبحانه‏)‏ عن الشريك‏,‏ والزوجة‏,‏ والولد‏,‏ وهو‏(‏ تعالي‏)‏ رب كل شيء ومليكه‏,‏ ومن ينازعه في سلطانه فجزاؤه جهنم وبئس المصير‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]وتؤكد السورة الكريمة أن‏(‏ كل نفس ذائقة الموت‏),‏ وأن الدنيا دار ابتلاء بالخير والشر‏,‏ وأن جميع المخلوقين عائدون حتما إلي خالقهم‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]وتواسي الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ بأن جميع من سبقوه تاريخيا من أنبياء الله ورسله قد لاقوا من كفار أقوامهم‏,‏ وشراذم أممهم‏,‏ وحثالات مجتمعاتهم مثل ما لاقي‏(‏ ولا يزال يلاقي‏)‏ من التكذيب والسخرية والاستهزاء‏,‏ وقد نال السابقين من هؤلاء المكذبين نكال من الله في الدنيا‏,‏ ولهم في الآخرة العذاب المقيم‏,‏ وهو نفس جزاء المكذبين من بعد ذلك إلي أيامنا هذه وإلي يوم الدين‏,‏ فالله‏(‏ تعالي‏)‏ يضع الموازين العادلة فلا تظلم نفس شيئا‏...!!‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]واستعرضت سورة الأنبياء قصص عدد من هؤلاء المصطفين الأخيار منهم موسي وهارون وقد آتاهما الله‏(‏ تعالي‏)‏ التوراة نورا وضياء وجعلها فارقة بين الحق والباطل‏,‏ وتذكرة للمتقين‏(‏ الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون‏).‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]وتؤكد الآيات أن القرآن الكريم قد جاء من نفس المشكاة‏,‏ وهو كتاب مبارك‏,‏ أنزله الذي أنزل التوراة من قبل‏,‏ فلا ينكره إلا ضال‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]وممن ذكرت بهم السورة من أنبياء الله ورسله‏:‏ إبراهيم الخليل أبو الأنبياء‏,‏ ولخصت حواره مع قومه من عبدة الأوثان‏,‏ ودعوته إياهم إلي التوحيد الخالص‏,‏ وتنجية الله له من كيدهم‏,‏ وبعثه وابن أخيه لوطا إلي أرض فلسطين المباركة‏,‏ ووهبه ـ علي الكبر ـ ذرية صالحة‏,‏ وتنجية لوط من القرية التي كانت تعمل الخبائث والتي دمرها الله‏(‏ تعالي‏)‏ تدميرا‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]وأضافت السورة الكريمة ذكر نوح‏(‏ عليه السلام‏)‏ وقصته مع قومه الذين كذبوه فأغرقهم الله‏(‏ تعالي‏),‏ ونجي نوحا ومن آمن معه‏,‏ وقصة كل من داود وسليمان‏,‏ وما أكرمهما الله‏(‏ تعالي‏)‏ به من معجزات وكرامات‏,‏ وقصة أيوب وما مسه من ضر وبلاء صبر عليه فكشفه الله‏(‏ تعالي‏)‏ عنه‏,‏ وقصص كل من إسماعيل‏,‏ وإدريس‏,‏ وذي الكفل‏,‏ الذين كانوا من أهل الإحسان والصبر‏,‏ وقصة يونس‏(‏ علي نبينا وعليه وعلي أنبياء الله جميعا من الله السلام‏)‏ والحوت الذي التقمه‏,‏ وتنجية الله‏(‏ تعالي‏)‏ له منه‏,‏ وقصة زكريا‏(‏ عليه السلام‏)‏ وقد رزقه الله تعالي ـ علي الكبر ـ ابنا صالحا‏,‏ وقصة السيدة مريم البتول وولادتها بمعجزة حقيقية لابنها عيسي‏(‏ عليها وعليه من الله السلام‏),‏ ومن هنا كانت تسمية هذه السورة المباركة باسم سورة الأنبياء‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]وبعد هذا السرد التاريخي المعجز يأتي القرار الإلهي الحاسم‏:‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون‏*‏ الأنبياء‏:92‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]وفيه من التأكيد علي وحدة الرسالة السماوية‏,‏ ووحدة هذه السلسلة الطويلة من الأنبياء والمرسلين‏,‏ ما يدعم صدورها عن الإله الواحد الذي خلق الخلق‏,‏ واصطفي منهم الأنبياء والمرسلين‏,‏ وأوحي إليهم جميعا بدينه القويم ـ الإسلام ـ الذي أكمله‏,‏ وأتمه وحفظه في الرسالة الخاتمة ـ القرآن الكريم ـ المنزل علي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏).‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]وعلي الرغم من هذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في وسط النهار فقد اختلف الناس في أمر الدين‏,‏ وأصبحوا فيه شيعا متعارضين‏,‏ والجميع راجعون إلي الله‏(‏ تعالي‏)‏ ليحاسبهم‏,‏ ويجازيهم علي ما كانوا يعتقدون‏,‏ وما كانوا يعملون‏.‏ وقد أوضح الله‏(‏ تعالي‏)‏ للجميع أن الذين أهلكوا في الدنيا لكفرهم وشركهم وطغيانهم قد أدركوا ذلك بعد هلاكهم‏,‏ وتمنوا العودة مرة أخري إلي الحياة الدنيا ليتوبوا إلي الله‏,‏ ويعودوا إلي طاعته وعبادته وتوحيده ولكن هيهات لهم أن يعودوا إلا عند قيام الساعة حين يبعث الخلق أجمعون‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]وتتحدث الآيات في سورة الأنبياء عن سد يأجوج ومأجوج‏,‏ وعن الإشعار بقرب فتحه‏,‏ وتدافع هذا الخلق للخروج منه‏,‏ وانتشارهم‏,‏ في كل فج‏,‏ وتزاحمهم علي النزول من كل مرتفع متسارعين للإفساد في الأرض‏,‏ وخروجهم من العلامات الكبري للساعة ومن نبوءات القرآن العظيم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ باقتراب وقتها‏....‏ ويومئذ يري الكافرون والمشركون وأبصارهم شاخصة من شدة الهول والفزع‏,‏ وتصف الآيات جانبا من مشاهد هذا اليوم العصيب‏,‏ وتمايز بين موقف كل من المؤمنين والكافرين فيه‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]وتؤكد السورة في أواخرها أن الرسول الخاتم والنبي الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قد أرسله الله‏(‏ تعالي‏)‏ رحمة للعالمين‏,‏ داعيا للناس جميعا إلي التوحيد الخالص لله الخالق‏,‏ فإن تولوا فما عليه إلا أن يقول‏:‏ قد أعلمتكم جميعا بالحق‏,‏ أنذرتكم بما توعدون‏,‏ ولا أدري أقريب هو أم بعيد‏,‏ وأخبرتكم بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو علام الغيوب‏,‏ الذي لا يخفي عليه شيء‏,‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ سوف يجازي كلا بعمله‏,‏ ولست أدري إن كان إمهالكم لمزيد من البقاء في الدنيا هو ابتلاء لكم أم فتنة‏,‏ وتختتم السورة الكريمة بهذا الدعاء الكريم علي لسان خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان علي ما تصفون‏*‏ أي‏:‏ يا رب احكم بيني وبين هؤلاء المكذبين بالحق الذي أرسلتني به‏,‏ وأنت المستعان علي ما يصفون من الكفر والتكذيب‏,‏ وبهذا التفويض لله‏(‏ تعالي‏)‏ والاستعانة به والضراعة إليه تختتم سورة الأنبياء‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]من الآيات الكونية في سورة الأنبياء[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]في مقام الاستدلال علي طلاقة القدرة‏..‏ الإلهية المبدعة في الخلق‏,‏ وعلي وحدانية الخالق العظيم[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]أشارت سورة الأنبياء إلي عدد من الآيات الكونية التي يمكن إيجازها فيما يلي‏:‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]‏1‏ـ خلق السماوات والأرض بالحق‏,‏ أي بنظم فائقة الدقة والانتظام‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏2‏ـ وحدة البناء في الخلق تؤكد وحدانية الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏).‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏3‏ـ حقيقة أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقهما الله‏(‏ تعالي‏).‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏4‏ـ حقيقة أن الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ قد جعل من الماء كل شيء حي‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏5‏ـ حقيقة أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ خلق الجبال‏,‏ وجعلها رواسي للأرض‏,‏ وجعل فيها فجاجا سبلا للناس يسلكونها ويهتدون بها‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏6‏ـ تأكيد أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد جعل السماء سقفا محفوظا‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏7‏ـ الإشارة إلي دوران الأرض حول محورها أمام الشمس بخلق كل من الليل والنهار وتبادلهما‏,‏ وتأكيد جري كل من الأرض والشمس والقمر بالوصف القرآني المعجز‏:‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]كل في فلك يسبحون‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏8‏ـ تأكيد حقيقة أن كل نفس ذائقة الموت‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏9‏ـ الإشارة إلي أن الإنسان خلق من عجل‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏10‏ـ الإشارة إلي حقيقة إنقاص الأرض من أطرافها في مجاز معجز‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]‏11‏ـ الإشارة إلي طي السماء كطي السجل للكتب‏,‏ والعودة بالكون إلي هيئته الأولي‏(‏ رتقا متصلا قبل فتقه إلي السماوات والأرض‏).‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]ومن إعجاز القرآن الكريم أن تأتي الإشارة إلي كيفية خلق الكون‏,‏ وإلي كيفية إفنائه في سورة واحدة‏,‏ والإشارة إلي خلق كل شيء حي بين هذين الحدين‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة مستقلة‏,‏ ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الرابعة فقط في هذه القائمة والتي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏.....‏ وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون‏*‏ وقبل الدخول إلي ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين القدامي والمعاصرين في شرح هذه الآية الكريمة‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]من أقوال المفسرين[/FONT]

42399_44m.jpg
[FONT=Arial (Arabic)]في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏[/FONT]​


[FONT=Arial (Arabic)]‏...‏ وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون‏*‏ الأنبياء‏:30‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:...‏ وقوله‏(‏ وجعلنا من الماء كل شيء حي‏)‏ أي أصل كل الأحياء‏,‏ عن أبي هريرة قال‏,‏ قلت‏:‏ يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني‏,‏ فأنبئني عن كل شيء‏,‏ قال‏:‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]كل شيء خلق من ماء قال‏,‏ قلت أنبئني عن أمر إذا عملت به دخلت الجنة؟[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]قال‏:‏ أفش السلام‏,‏ وأطعم الطعام‏,‏ وصل الأرحام‏,‏ وقم بالليل والناس نيام‏,‏ ثم ادخل الجنة بسلام‏(‏ مسند أحمد بن حنبل‏).‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏*‏ وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ ما نصه‏:...(‏ وجعلنا من الماء‏)‏ النازل من السماء والنابع من الأرض‏(‏ كل شيء حي‏)‏ نبات وغيره‏,‏ أي‏:‏ فالماء سبب لحياته‏(‏ أفلا يؤمنون‏)‏ بتوحيدي؟‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏*‏ وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:...‏ فأما شطر الآية الثاني‏:(‏ وجعلنا من الماء كل شيء حي‏)‏ فيقرر كذلك حقيقة خطيرة‏,‏ يعد العلماء كشفها وتقريرها أمرا عظيما‏..‏ إن الماء هو مهد الحياة الأول‏.‏ وهي حقيقة تثير الانتباه حقا‏,‏ وإن كان ورودها في القرآن الكريم لا يثير العجب في نفوسنا‏,‏ ولا يزيدنا يقينا بصدق هذا القرآن‏,‏ فنحن نستمد الاعتقاد بصدقه المطلق في كل ما يقرره من إيماننا بأنه من عند الله‏,‏ لا من موافقة النظريات أو الكشوف العلمية له‏..‏ ومنذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا كان القرآن الكريم يوجه أنظار الكفار إلي عجائب صنع الله في الكون‏,‏ ويستنكر ألا يؤمنوا بها وهم يرونها مبثوثة في الوجود‏:‏ أفلا يؤمنون؟ وكل ما حولهم في الكون يقود إلي الإيمان بالخالق المدبر الحكيم‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]‏*‏ وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحم الله كاتبه‏)‏ ما نصه‏:...(‏ وجلعنا من الماء كل شيء حي‏)‏ خلقنا من الماء كل شيء حي‏,‏ أي متصف بالحياة الحقيقية وهو الحيوان‏,‏ أو كل شيء نام فيدخل النبات‏,‏ ويراد من الحياة ما يشمل النمو‏.‏ وهذا العام مخصوص بما سوي الملائكة والجن مما هو حي‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏*‏ وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:‏ أعمي الذين كفروا‏,‏ ولم يبصروا‏....,‏ وجعلنا من الماء الذي لا حياة فيه كل شيء حي؟‏!‏ فهل بعد كل هذا يعرضون‏,‏ فلا يؤمنون بأنه لا إله إلا الله؟‏!‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]وجاء بالهامش هذا التعليق‏:(‏ وجعلنا من الماء كل شيء حي‏):‏ تقرر هذه الآية حقيقة علمية أثبتها أكثر من فرع من فروع العلم‏,‏ فقد أثبت علم الخلية أن الماء هو المكون المهم في تركيب مادة الخلية‏,‏ وهي وحدة البناء في كل كائن حي نباتا كان أو حيوانا‏,‏ وأثبت علم الكيمياء الحيوية أن الماء لازم لحدوث جميع التفاعلات والتحولات التي تتم داخل أجسام الأحياء‏,‏ فهو إما وسط‏,‏ أو عامل مساعد‏,‏ أو داخل في التفاعل‏,‏ أو ناتج عنه‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]وأثبت علم وظائف الأعضاء أن الماء ضروري لقيام كل عضو بوظائفه التي بدونها لا تتوافر له مظاهر الحياة ومقوماتها‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]‏*‏ وجاء في صفوة التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبها خيرا‏)‏ ما نصه‏:‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏.....(‏ وجعلنا من الماء كل شيء حي‏)‏ أي جعلنا الماء أصل كل الأحياء وسببا للحياة فلا يعيش بدونه إنسان ولا حيوان ولا نبات‏(‏ أفلا يؤمنون‏)‏ أي‏:‏ أفلا يصدقون بقدرة الله؟‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]الماء في القرآن الكريم[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]الماء سائل شفاف تقوم عليه الحياة‏,‏ وهو في نقائه لا لون له‏,‏ ولا طعم ولا رائحة‏,‏ وقد وهبه الله‏(‏ تعالي‏)‏ من الصفات الطبيعية والكيميائية ما يمكنه من القيام بدوره الأساسي في أجساد كل صور الحياة‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]والهمزة في اسمه مبدلة من الهاء لأن أصله‏(‏ موه‏)‏ وجمعه‏(‏ أمواه‏)‏ في القلة‏,‏ و‏(‏مياه في الكثرة‏),‏ وتصغيره‏(‏ مويه‏),‏ والنسبة إلي‏(‏ ماء‏)‏ هي‏(‏ مائي‏)‏ أو‏(‏ ماوي‏).‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]ولفظة‏(‏ ماء‏)‏ وردت في القرآن الكريم‏(63)‏ مرة‏,‏ وهي لفظة تدل علي الجمع والمفرد معا‏(‏ فتقول ماء البحر كما تقول قطرة ماء‏).‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]ومن هذه المرات الثلاث وستين والتي جاءت ـ في معظمها ـ بمعني السائل المعروف الذي يشربه كل من الإنسان والحيوان‏,‏ ويروي به النبات‏,‏ جاءت لفظة‏(‏ ماء‏)‏ في القرآن الكريم أربع مرات بمعني النطفة‏(‏ أي‏:‏ ماء التناسل‏),‏ كما جاءت كلمة‏(‏ ماء‏)59‏ مرة غير متصلة بضمير‏,4‏ مرات متصلة بضمير من الضمائر‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]وهذه المرات الثلاث وستون التي جاء فيها ذكر لفظة‏(‏ ماء‏)‏ أو‏(‏ الماء‏)‏ في كتاب الله‏(‏ في إحدي وستين آية مباركة ورد في اثنتين منها ذكر الماء مرتين‏)‏ يمكن تصنيفها في المجموعات العشر التالية‏:‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]أولا‏:‏ آية واحدة تدل علي أن عرش الله‏(‏ تعالي‏)‏ كان علي الماء هود‏:7.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]ثانيا‏:‏ آية واحدة تدل علي أن أصل ماء الأرض كله من داخل الأرض‏(‏ النازعات‏:3).‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]ثالثا‏:‏ آيتان كريمتان تثبتان أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد خلق كل شيء من الماء الأنبياء‏:30,‏ النور‏:45.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]رابعا‏:‏ ثمان وعشرون آية كريمة تصف دورة الماء حول الأرض بإنزاله من السماء‏,‏ ودور كل من الرياح والسحاب في تلك الدورة التي جعلها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ لتطهير ماء الأرض‏,‏ ولسقيا كل من الإنسان والحيوان وإنبات مختلف أنواع النباتات وريها بانتظام البقرة‏:164,22,‏ الأنعام‏:99,‏ الأعراف‏:57,‏ الأنفال‏:11,‏ الرعد‏:17,4,‏ إبراهيم‏:32,‏ الحجر‏:22,‏ النحل‏:65,10,‏ طه‏:53,‏ الحج‏:63,5,‏ الفرقان‏:48,‏ النمل‏:60,‏ العنكبوت‏:63,‏ الروم‏:24,‏ لقمان‏:10,‏ السجدة‏:27,‏ فاطر‏:27,‏ فصلت‏:39,‏ الزخرف‏:11,‏ ق‏:9,‏ الواقعة‏:68,‏ المرسلات‏:27,‏ النبأ‏:14,‏ عبس‏:25.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]خامسا‏:‏ خمس آيات تصف خزن ماء المطر تحت سطح الأرض بتدبير من الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وتقدير حكيم منه‏,(‏ منها آية واحدة الملك‏:30‏ ذكر فيها الماء مرتين البقرة‏:74,‏ المؤمنون‏:18,‏ الكهف‏:41,‏ الزمر‏:21,‏ الملك‏:30.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]سادسا‏:‏ ثماني آيات مباركات تشير إلي ماء له علاقة بأحداث تاريخية هود‏:44,24,23,‏ القصص‏:23,‏ القمر‏:28,12,11,‏ الحاقة‏:11.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]سابعا‏:‏ آيتان كريمتان تشيران إلي التيمم في غيبة وجود الماء النساء‏:43,‏ المائدة‏:6.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]ثامنا‏:‏ خمس آيات مباركات تذكر الماء في الآخرة إما في الجنة أو في النار‏(‏ أشير في إحداها محمد‏:15‏ إلي الماء مرتين‏.‏ الأعراف‏:50,‏ إبراهيم‏:16,‏ الكهف‏:29,‏ محمد‏:15,‏ الواقعة‏:31).‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]تاسعا‏:‏ خمس آيات كريمات استخدمت للتشبيه أو لضرب المثل يونس‏:24,‏ الرعد‏:14,‏ الكهف‏:45,‏ النور‏:39,‏ الجن‏:16.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]عاشرا‏:‏ أربع آيات تشير بالماء إلي النطف أي‏:‏ ماء التناسل‏(‏ الفرقان‏:54,‏ السجدة‏:8,‏ المرسلات‏:20,‏ الطارق‏:6).‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]من الدلالات العلمية للآية الكريمة[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]من الدلالات العلمية التي يمكن استخلاصها من قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]‏..‏ وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون الأنبياء‏:30‏ ما يلي‏:‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]أولا‏:‏ أن الماء سابق في وجوده علي جميع الخلائق‏,‏ فقد أثبتت دراسات علوم الأرض أن هذا الكوكب يرجع عمره إلي أكثر من‏4.6‏ بليون سنة مضت‏,‏ بينما يرجع عمر أقدم أثر للحياة في صخور الأرض إلي‏3.8‏ بليون سنة مضت‏,‏ وهذا يعني ان عملية إعداد الأرض لاستقبال الحياة استغرقت أكثر من ثمانمائة مليون سنة ـ وربنا تبارك وتعالي قادر علي أن يقول للشيء كن فيكون‏,‏ وإنما جاء الخلق علي مراحل متطاولة من الزمن بهدف إعانة الإنسان علي تتبع سنن الله في الأرض‏,‏ وعلي حسن توظيفها في عمارة الحياة‏,‏ لأن كلا من الزمان والمكان إذا كان من أبعاد المادة‏,‏ وحدود الإنسان‏,‏ فهو من خلق الله‏,‏ والمخلوق لا يحد الخالق أبدا‏...‏ فالله‏(‏ تعالي‏)‏ فوق جميع خلقه بما في ذلك المادة والطاقة والزمان والمكان‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]وخلال هذه الفترة الطويلة من إعداد الأرض لاستقبال الحياة فجر الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض بالثورات البركانية التي أخرجت كلا من أغلفة الأرض الصخرية‏,‏ والمائية‏,‏ والهوائية‏,‏ كما كونت السلاسل الجبلية التي اندفعت من قاع المحيط الأولي الغامر للأرض‏.‏ حتي أصبح كوكبنا مهيأ ليكون محضنا لنوع الحياة الأرضية‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]ثانيا‏:‏ إن الله‏(‏ تعالي‏)‏ خلق كل صور الحياة الأرضية الباكرة في الماء‏,‏ لأن الأوساط المائية في بدء خلق الأرض كانت أنسب البيئات لاستقبال الحياة‏,‏ ودراسات بقايا الحياة في صخور الأرض تشير إلي أن الحياة المائية استمرت علي الأرض قرابة‏3360‏ مليون سنة‏(‏ في الفترة من‏3800‏ مليون سنة مضت إلي‏440‏ مليون سنة مضت‏)‏ قبل خلق أول نباتات علي اليابسة‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]ثالثا‏:‏ كذلك أثبتت دراسات علوم الأرض أن خلق النبات كان دوما سابقا لخلق الحيوان‏,‏ وأن عملية الخلق قد توجها الله‏(‏ تعالي‏)‏ بخلق الإنسان‏,‏ وعلي ذلك فإن خلق النباتات البحرية كان سابقا لخلق الحيوانات البحرية‏,‏ وكذلك خلق النباتات الأرضية علي اليابسة كان سابقا لخلق الحيوانات علي اليابسة‏,‏ وكل ذلك كان سابقا لخلق الإنسان وهو المخلوق الذي كرمه الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ فقال‏(‏ عز من قائل‏):‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]ولقد كرمنا بني آدم‏...‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]والحكمة من ذلك جلية‏,‏ بينة واضحة‏,‏ لأن الإنسان يعتمد في غذائه علي كل من النبات والحيوان‏.‏ ولأن كلا من الإنسان والحيوان يعتمد في غذائه علي النبات‏,‏ ولأن النباتات لعبت ـ ولا تزال تلعب ـ الدور الرئيسي في إمداد الغلاف الغازي للأرض بالأوكسجين الذي بدونه ما كانت حياة أي من الحيوان أو الإنسان ممكنة‏...!!‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]يضاف إلي ذلك أن النبات الأخضر هو المصنع الرباني الذي تتخلق فيه الجزيئات العضوية اللازمة لبناء اجساد كل صور الحياة النباتية والحيوانية والانسية وذلك بواسطة الماء المقبل مع العصارة الغذائية المستمدة من الأرض‏,‏ وثاني أوكسيد الكربون المستمد من الغلاف الغازي للأرض‏,‏ والطاقة المستمدة من الشمس وعملية التمثيل الضوئي في النباتات الخضراء لا تتم في غيبة الماء‏,‏ الذي يتكون كل جزيء فيه من ذرتي إيدروجين‏,‏ وذرة أوكسجين واحدة‏,‏ والنبات يستمد الماء من العصارة الغذائية التي تمتصها جذوره من تربة وصخور الأرض‏,‏ ويستمد الطاقة من ضوء الشمس بواسطة الصبغة الخضراء التي أودعها الله‏(‏ تعالي‏)‏ في خلايا النبات والمعروفة باسم اليخضور‏,‏ والتي أعطاها الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ القدرة علي تحليل جزيء الماء إلي أيون من الإيدروجين يحمل شحنة كهربائية موجبة‏,‏ وأيون آخر من الإيدروكسيد يحمل شحنة كهربائية سالبة‏,‏ وباتحاد كل اثنين من أيونات الإيدروكسيد يتكون جزيء من الماء وذرة من ذرات الأوكسجين الذي ينطلق إلي الغلاف الغازي للأرض لتعويض ما تستهلكه بقية الكائنات الحية من هذا الغاز الضروري للحياة عن طريق التنفس‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]وتتحد أيونات الإيدروجين الناتجة عن عملية تحلل الماء مع جزيئات ثاني أوكسيد الكربون الذي يستمده النبات من الجو المحيط به ليكون جميع أنواع الجزيئات العضوية اللازمة لبناء الخلايا الحية‏,‏ مبتدئا بأبسطها‏,‏ وهو سكر العنب‏(‏ الجلوكوز‏)‏ وغيره من السكاكر والنشويات‏(‏ الكربوهيدرات‏),‏ منتهيا إلي البروتينات‏,‏ والزيوت‏,‏ والدهون‏,‏ ومركبات ذلك من الأحماض الأمينية‏,‏ والأحماض النووية التي تكتب بها الشفرة الوراثية لكل كائن حي‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]وبهذه العملية يختزن جزء من طاقة الشمس علي هيئة روابط كيميائية تلعب الدور الرئيسي فيها أيونات الإيدروجين الموجودة في الماء‏,‏ بينما الأوكسجين المنطلق من الماء إلي الجو عن طريق عملية التمثيل الضوئي فإنه يستخدم بواسطة بقية الكائنات الحية في عملية التنفس وهي عملية ينتج عنها أكسدة المواد العضوية في الطعام والمأخوذة أصلا من النبات مباشرة‏(‏ أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الحيوان إلي ثاني أوكسيد كربون وماء‏,‏ وبذلك يسترجع الغلاف الغازي للأرض ثاني أوكسيد الكربون الذي أخذه منه النبات‏,‏ كما يسترجع قدرا من طاقة الشمس التي استفاد بها النبات علي شكل حرارة ناتجة عن جميع الأنشطة التي تقوم بها الكائنات الحية‏,‏ أو تتركها علي هيئة بقايا وفضلات تتأكسد وتعود هي الأخري إلي الجو‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]من هنا يتضح أن الماء ضروري لبناء أجساد كل الكائنات الحية‏,‏ كما أنه ضروري لمساعدتها علي الاستمرار في القيام بمختلف نشاطاتها ومظاهرها الحيوية‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]رابعا‏:‏ أن الماء أعظم مذيب يعرفه الإنسان ولذلك يشكل الوسط المذيب للعديد من العناصر والمركبات التي يقوم بنقلها من تربة وصخور الأرض إلي مختلف أجزاء النبات‏,‏ ومن الطعام إلي مختلف أجزاء جسم كل من الإنسان والحيوان‏.‏ وذلك بما له من درجة عالية من اللزوجة والتوتر السطحي‏,‏ وخاصية شعرية فائقة‏..‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]خامسا‏:‏ أن الماء يشكل العنصر الأساسي في بناء أجساد جميع الكائنات الحية‏,‏ فقد ثبت بالتحليل أن نسبة الماء في جسم الإنسان تتراوح بين حوالي‏71%‏ في الإنسان البالغ‏,‏ و‏93%‏ في الجنين ذي الأشهر المحدودة‏,‏ بينما يكون الماء أكثر من‏80%‏ من تركيب دم الإنسان‏,‏ وأكثر من‏90%‏ من أجساد العديد من النباتات والحيوانات‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]سادسا‏:‏ أن جميع الأنشطة الحياتية وتفاعلاتها المتعددة من التغذية إلي الإخراج ومن النمو إلي التكاثر لا تتم في غيبة الماء بدءا من التمثيل الغذائي‏,‏ وتبادل المحاليل بين الخلايا وبعضها البعض‏,‏ وبينها وبين المسافات الفاصلة بينها‏,‏ وذلك بواسطة الخاصية الشعرية للمحاليل المائية التي تعمل من خلال جدر الخلايا‏,‏ وانتهاء ببناء الخلايا والأنسجة الجديدة مما يعين علي النمو والتكاثر‏,‏ وقبل ذلك وبعده التخلص من سموم الجسم وفضلاته عن طريق مختلف صور الإفرازات والإخراجات‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]هذا بالإضافة إلي ما يقوم به الماء من أدوار أساسية في عمليات بلع الطعام‏,‏ وهضمه‏,‏ وتمثيله‏,‏ ونقله‏,‏ وتوزيعه‏,‏ ونقل كل من الفيتامينات‏,‏ والهرمونات‏,‏ وعناصر المناعة‏,‏ ونقل الأوكسجين إلي جميع أجزاء الجسم‏,‏ وإخراج السموم والنفايات إلي خارج الجسم‏,‏ وحفظ حرارة الجسم ورطوبته وما يقدم لذلك أو يترتب عليه من العمليات الحيوية‏,‏ وعلي ذلك فلا يمكن للحياة أن تقوم بغير الماء أبدا‏,‏ فمن الكائنات الحية ما يمكنه الاستغناء كلية عن أوكسجين الهواء‏,‏ ولكن لا يوجد كائن حي واحد يمكنه الاستغناء عن الماء كلية‏,‏ فبالإضافة إلي منافعه العديدة وفي مقدمتها أنه منظم لدرجة حرارة الجسم‏,‏ بما له من سعة حرارية كبيرة‏,‏ ومنظم لضغط الدم‏,‏ ولدرجات الحموضة‏,‏ فإن في نقصه تعطش الخلايا ويضطرب عملها‏,‏ وتتيبس الأنسجة‏,‏ وتتلاصق المفاصل‏,‏ ويتجلط الدم ويتخثر‏,‏ ويوشك الكائن الحي علي الهلاك ولذلك فإن أعراض نقص الماء بالجسم الحي خطيرة للغاية‏,‏ فإذا فقد الإنسان علي سبيل المثال‏1%‏ من ماء جسده أحس بالظمأ‏,‏ وإذا ارتفعت نسبة فقد الماء إلي‏5%‏ جف حلقه ولسانه‏,‏ وصعب نطقه‏,‏ وتغضن جلده‏,‏ وأصيب بانهيار تام‏,‏ فإذا زادت النسبة المفقودة علي‏10%‏ أشرف الإنسان علي الهلاك بالموت‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]وفي المقابل فإن الزيادة في نسبة الماء بجسم الكائن الحي علي القدر المناسب له قد تقتله‏,‏ فالزيادة في نسبة الماء بجسم الإنسان قد تسبب الغثيان‏,‏ والضعف العام وتنتهي بالغيبوبة التي تفضي إلي الموت‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]سابعا‏:‏ يغطي الماء في زماننا الراهن حوالي‏71%‏ من مساحة سطح الأرض المقدرة بنحو‏(510)‏ ملايين كيلو متر مربع‏,‏ بينما تشغل مساحة اليابسة حوالي‏29%‏ من تلك المساحة‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]والأرض هي أغني كواكب المجموعة الشمسية بالماء الذي تقدر كميته علي السطح بنحو‏1,4‏ بليون كيلو متر مكعب‏,‏ بالإضافة إلي مخزون يقدر بمئات أضعاف هذا الرقم في نطاق الضعف الأرضي‏,‏ يخرجه لنا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بقدر معلوم مع ثورات البراكين‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]ويتوزع أغلب الماء علي سطح الأرض‏(‏ حوالي‏97,22%)‏ في البحار والمحيطات التي تغطي مساحة تزيد علي‏362‏ مليون كيلو متر مربع‏,‏ بمتوسط عمق يقدر بحوالي‏3800‏ مترا مما يعطي لبحار ومحيطات الأرض حجما يزيد قليلا علي‏(1375)‏ مليون كيلو متر مكعب من الماء المالح‏.‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]هذا بالإضافة إلي كم من الجليد يغطي قطبي الأرض‏,‏ وقمم الجبال بسمك يصل إلي أربعة كيلو مترات في القطب الجنوبي وإلي‏3800‏ متر في القطب الشمالي‏,‏ ويقدركم الماء في هذا الغطاء الجليدي بحوالي‏(2,15%)‏ من مجموع الماء علي سطح الأرض‏,‏ والنسبة الباقية وتقدر بحوالي‏(0,63%)‏ من مجموع ماء الأرض تمثل أغلبها بالمخزون المائي في صخور قشرة الأرض ونسبته‏0,613%‏ ويمثل الباقي‏(‏ وتقدر نسبته بحوالي‏0,017%)‏ بمخزون البحيرات الداخلية‏,‏ وكم الماء الجاري في الأنهار والجداول‏,‏ ورطوبة كل من الجو والتربة‏,‏ التي تعين الأرض علي الإنبات‏,‏ وتلعب دورا مهما في تكوين السحب التي تدفع عن الأرض جزءا كبيرا من حرارة وأشعات الشمس بالنهار‏,‏ كما ترد إلي الأرض معظم الدفء الذي تشعه صخورها إلي الجو بمجرد غياب الشمس‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]وهذا التوزيع المعجز للماء علي سطح الأرض لعب ـ ولا يزال يلعب ـ دورا أساسيا في تهيئة مناخ الأرض لاستقبال الحياة‏,‏ فلولا هذه المساحات المائية والجليدية الشاسعة لاستحالت الحياة التي نعرفها علي سطح الأرض‏,‏ لأن درجة حرارة نطاق المناخ كان من الممكن أن تصل إلي أكثر من مائة درجة مئوية بالنهار‏,‏ وأن تنخفض إلي ما دون المائة درجة تحت الصفر المئوي بالليل‏,‏ وهو تباين لا تقوي عليه كل صور الحياة المعروفة لنا‏,‏ ولكن شاءت إرادة الله ورحمته أن تحمينا من هذه المخاطر بواسطة الغلاف المائي للأرض الذي ينظم درجة حرارتها‏,‏ وحرارة الهواء المحيط بها في نطاق المناخ‏,‏ وذلك بتكرار عمليات التبخير بكميات كبيرة من الماء‏(‏ تقدر سنويا بحوالي‏380,000‏ كيلو متر مكعب‏),‏ وتكثيف هذا الكم الهائل من بخار الماء علي هيئات السحاب والضباب والندي‏,‏ وإنزاله إلي الأرض علي هيئة المطر‏,‏ والثلج والبرد‏,‏ وما يصاحب ذلك من رعد وبرق‏,‏ وما ينزل معهما من مركبات النيتروجين وغيره من العناصر التي تثري تربة الأرض بما يحتاجه النبات من مركبات‏,‏ وما يصاحب كل ذلك من إحياء للأرض بعد موتها‏,‏ بتقدير من الخالق البارئ المصور الذي خلق فسوي‏*‏ والذي قدر فهدي‏*(‏ الأعلي‏:2‏ و‏3).‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]ثامنا‏:‏ الماء يساعد علي حفظ درجات الحرارة في البحار والمحيطات في الحدود التي تعين الحياة البحرية علي النشاط‏,‏ وذلك باختلاط التيارات البحرية الدافئة والباردة‏,‏ وبامتصاص جزء كبير من آشعة الشمس ومما تنتجه الأحياء البحرية من حرارة نتيجة لمختلف أنشطتها الحيوية‏,‏ والعمل علي إعادة توزيعها‏,‏ وكذلك توزيع الحرارة الناتجة عن ثورات البراكين فوق قيعان كل محيطات الأرض‏,‏ وقيعان أعداد من بحارها‏,‏ وقبل ذلك وبعده وقاية الأحياء البحرية من مختلف التقلبات الجوية خاصة عندما تنخفض درجات الحرارة إلي ما دون الصفر المئوي‏,‏ وهنا يلحظ كل عاقل دور القدرة المبدعة في الخلق والتي أعطت الماء عددا من الخصائص الفيزيائية والكيميائية التي لا تتوافر لغيره من العناصر ومركباتها‏,‏ وأبرزها قلة كثافة الماء عند تجمده مما يضطره إلي الطفو علي سطح مياه البحار والمحيطات في المناطق الباردة والمتجمدة بدلا من الغوص إلي قيعانها والقضاء علي مختلف صور الحياة فيها‏,‏ ويقوم الجليد الطافي علي سطح الماء بدور العازل بين درجات حرارة الهواء الشديد البرودة من فوقه‏,‏ والماء الدافئ نسبيا من تحته وما فيه من حياة زاخرة‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]هذا قليل من كثير مما حبا الله‏(‏ تعالي‏)‏ به الماء من صفات طبيعية وكيميائية فريدة‏,‏ التي من أهمها أيضا قدرته الفائقة علي إذابة أعداد كبيرة من المواد الصلبة والسائلة والغازية‏,‏ وبناؤه الجزيئي ذو القطبية المزدوجة والمقاوم للتحلل والتأين‏,‏ ودرجتا التجمد والغليان المتميزتان‏,‏ والحرارة النوعية المرتفعة‏,‏ والحرارة الكامنة العالية‏,‏ واللزوجة والتوتر السطحي الفائقان‏,‏ وقلة كثافته عند التجمد‏,‏ وقدرته الكبيرة علي الأكسدة والاختزال‏,‏ وعلي التفاعل مع العديد من المركبات الكيميائية‏,‏ وعلي تصديع التربة وشقها لمساعدتها علي الإنبات‏,‏ وبذلك هيأه الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ للقيام بدوره الرئيسي في أجساد كل أنواع الحياة النباتية والحيوانية والإنسية مما يعتبر معجزة كبري من معجزات الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق‏:‏[/FONT]

[FONT=Arial (Arabic)]‏...‏وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون وجاء ذلك مباشرة بعد تقرير خلق السماوات والأرض بعملية فتق الرتق وهي من أعظم معجزات الخالق‏(‏ سبحانه‏)‏ في إبداعه للكون‏,‏ والخطاب في مطلع الآية الكريمة موجه للذين كفروا‏,‏ ولذلك ختمت بهذا الاستفهام التقرير‏,‏ التقريعي‏,‏ التوبيخي‏:‏ أفلا يؤمنون‏.‏[/FONT]
[FONT=Arial (Arabic)]وهذه حقائق لم يصل إليها علم الإنسان الكسبي إلا في منتصف القرن العشرين‏,‏ وورودها في كتاب الله بهذه الدقة العلمية المبهرة‏,‏ والإيجاز المعجز‏,‏ مع الشمول والإحاطة لمما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد بالنبوة والرسالة للرسول والنبي الخاتم الذي تلقاه‏,‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه‏,‏ وعلي آله وصحبه‏,‏ ومن تبع هداه‏,‏ ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ والحمد لله رب العالمين‏.‏[/FONT]

[/ALIGN]
[/FONT][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[/FONT]
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع