- 6 يونيو 2008
- 2,850
- 27
- 0
- الجنس
- ذكر
اعراب آيات سورة ( البقرة ) من الآية رقم (1 : 30){ الۤمۤ }
من ذلك قوله عز وجل: {الۤمۤ..} [1]
مذهل الخليل وسيبويه في "الۤمۤ" وما أشبهها أنها لم تُعْرَبْ لأنها بمنزلة حروف التهجّي فهي محكيّة ولو أعرِبَتْ ذهب معنى الحكاية وكان قد أعرب بعض الاسم، وقال الفراء: إنما لم تُعْرَب لأنك لم ترد أن تخبرَ عنها بشيء، وقال أحمد بن يحيى: لا يعجبني قول الخليل فيها لأنك إذا قلت: زايٌ فليست هذه الزاي التي في زيد لأنك قد زدتَ عليها. قال أبو جعفر: هذا الرد لا يلزم لأنك لا تقدر أن تنطق بحرف واحد حتى تزيد عليه، قال ابن كيسان: "الۤمۤ" في موضع نصب بمعنى اقرأ "الۤمۤ" أو عليك "الم" ويجوز أن يكون موضعه رفعاً بمعنى: هذا الم أو هو أو ذاك. ثم قال عز وجل:
{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }
{ذَلِكَ..} [2]
فيه ستةُ أوجه: يكون بمعنى هذا ذلك الكتاب، فيكون خبر هذا ويكون بمعنى "الم ذلك" هذا قول الفراء أي حروف المعجم ذلك الكتاب واجتُزئ ببعضها من بعض، ويكون هذا رفعاً بالابتداء و "ٱلْكِتَابُ" خبره، والكوفيون يقولون: رفعنا هذا بهذا وهذا بهذا، ويكون "ٱلْكِتَابُ" عطف البيان الذي يقوم مقام النعت و "هدى" خبراً، ويكون "لاَ رَيْبَ فِيهِ" الخبر، والكوفيون يقولون: الهاء العائِدة الخبر. والوجه السادس: أن يكونَ الخبر "لاَ رَيْبَ فِيهِ" لأن معنى لا شك: حقٌ، ويكون التمام على هذا لا ريب، ويقال: ذلِكَ، ولغة تميم ذاك. ولم تعرب ذلك ولا هذا لأنها لا يثبتان على المُسَمَّى. قال البصريون: اللام في ذلك توكيد، وقال الكسائي والفراء: جيء باللام في ذلك لئلا يُتَوَهَّم أنّ ذا مضاف إلى الكاف، وقيل: جيء باللام بدلاً من الهمزة ولذلك كسرت، وقال علي ابن سليمان: جيء باللام لتدل على شدة التراخي. قال أبو إسحاق: كُسِرتْ فرقًا بَينها وبَين لام الجر ولا موضع للكاف، والاسم عند البصريين "ذا" وعند الفراء الذال. ثم قال الله جل وعز {لاَ رَيْبَ فِيهِ} نصب "رَيْبَ" لأن "لا" عند البصريين مضَارعة لأنّ فنصبوا بها وانّ "لا" لم تعمل إلاّ في نكرة لأنها جواب نكرة فيها معنى "مِنْ" بنيت مع النكرة فَصُيّرا شيئاً واحداً، وقال الكسائي: سبيل النكرة أنْ يتقدمها أخبارها فتقول: قَامَ رجلٌ، فلما تأخر الخبر في التبرئة نَصبوا يُنَونوا لأنه نصب ناقص، وقال الفراء: سبيل "لا" أنْ تأتيَ بمعنى غير، تقول: مررتُ بلاَ واحدٍ ولا اثنينِ، فلما جئت بها بغير معنى "غير" وليس، نصبت بها ولم تنون لِئلاَ يَتَوهَّم أنك أقمتَ الصفة مقام الموصوف، وقيل: إنّما نصبت لأن المعنى لا أجدُ ريباً فلما حَذفتَ الناصب حذفتَ التنوين، ويجوز {لا ريْبٌ فيهِ} تجعل "لا" بمعنى ليس. وأنشد سيبويه:
مَنْ صَدَّ عَن نِيرانِهَا * فأنا ابنُ قَيْسٍ لاَ بَراحُ
{فِيهِ هُدًى} الهاء في موضع خفض بفي. وفي الهاء خمسةُ أوجه: أجودها {فِيهِ هُدًى} ويليه {فِيهُ هُدًى} بضم الهاء بغير واو، وهي قراءة الزهري وسَلاّم أبي المنذر ويليه {فيهي هُدًى} باثبات الياء وهي قراءة ابن كثير، ويجوز {فيهُو هدًى} بالواو ويجوز {فِيهْ هدًى} مدغماً والاصل "فيهو هُدًى" الاسم الهاء وزيدت الواو عند الخليل لأن الهاء خَفِيّة فَقُوِيت بحرف جلدٍ متباعد منها وتبدل منها ياءاً لأن قبلها ياءاً أو يحذف لاجتماع الواو والياء عند سيبويه، ولاجتماع 4/ أ الساكنين عند أبي العباس، وكذا الياء، ويُدغمَ لاجتماع هاءين وليس بجيد، لأنّ حروف الحلق ليست أصلاً بالادغام ويجتمع ساكنان، وقال سيبويه: إنما زيدت الواو كما زيدت الألف في المؤنث. وفي "هُدى" ستة أوجه: تكون في موضع رفع خبراً عن ذلك، وعلى اضمار مبتدأ وعلى أن تكون خبراً بعد خبر، وعلى أنْ تكون رفعاً بالابتداء. قال أبو اسحاق: يكون المعنى فيه هدى ولا ريب. فهذه أربعة أوجه. في الرفع، وحكَى خامس وهو أنْ يكون على موضع لا ريب فيه أي حق هُدىً، ويكون نصباً على الحال من ذلك والكوفيون يقولون: قَطْعٌ، ويكون حالاً من الكتاب وتكون حالاً من الهاء، قال الفراء: بعض بني أسد يؤنث الهدى فيقول: هذه هُدىً حَسَنة، ولم يُعرَبْ لأنه مقصور والألف لا يُحَرَّك. ثم قال جل وعز {لِلمتَّقِين} مخفوض باللام الزايدة ولغة أهل الحجاز: فلان مُوتَقٍ. وهذا هو الأصل والتَّقيّة أصلها الوقيّة من وَقَيتُ أُبْدلَتْ من الواو تاء لأنها أقربُ الزوائد اليها وقد فعلوا ذلك من غير أنْ يكونَ ثَمَّ تاء كما حَدّثنا عليّ بن سليمان عن محمد بن يزيد عن المازني قال: سألتُ الأصمعي عن قول الشاعر:
* فإنْ يكُنْ أمْسَى البِلى تَيْقُوري *
وقلت له: قال الخليل: هو فيْعُول من الوقار فأُبدِلَ من الواو تاء فقال: هذا قول الاشياخ والأصل للمتّقين بياءين مخففتين وحذفت الكسرة من الياء الأولى لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، ثم قال جل وعز:
{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }
{ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ..} [3]
"ٱلَّذِينَ" في موضع خفض نعت للمتقين ويجوز أن يكون نصباً بمعنى أعني، ورفعاً من جهتين بالابتداء، والخبر "أُولئِكَ عَلَى هُدًى من رَّبِّهِمْ" وعلى اضمار "هم" "يُؤمنونَ" بالهمز لأن أصل آمن: أأمنَ كُرِهَ الجمع بين همزتين فَأُبدِلتْ من الثانية ألف فلما قلتَ: يؤمنونَ فزالت احدى الهمزتين هَمَزت على الأصل، وانْ خففت قلت: يومنونَ بغير همز. ويؤمنون مثل يُكرمون الأصل فيه يُؤكْرِمونَ لأن سبيل المستقبلِ أنْ يكونَ زائداً على الماضي حرفاً إلاّ أنه حذف منه الزايد لأن الضمّةَ تدلُّ عليه ولو جئتَ به على الأصل لاجتمعت الهمزات. والمضمر في يؤمنون يعود على الذين، وهُذَيل تقول: الّذون في موضع الرفع، ومن العرب من يقول: الذي في الجمع كما قال:
[و] إنّ الذي حَانَتْ بَفَلْج دِماؤُهُمْ * هُم القَومُ كلُّ القَوم يا أُمَّ خَالِدِ
{بِٱلْغَيْبِ} مخفوض بالباء الزائدة والباء متصل بيؤمنون {وَيُقِيمُونَ} معطوف على يؤمنون والأصل يُقْوِمُونَ قلبت كسرة على القاف فانقلبت ياءاً، {ٱلصَّلاةَ} منصوبة بيقيمون، وجمعها صلوات، وصلاءة، وصلاوة، {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} "ما" في موضع خفض بمِنْ وهي مصدر لا يحتاج إلى عائد، ويجوز أنْ يكون بمعنى الذي وتَحذِفُ العائد، والنون والألف رفع بالفعل والهاء والميم نصب به ومن متصلة بينفقون أي وينفقون مما رزقناهم.
{ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }
{وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ..} [4]
عطف على الذين الأولينَ {بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} "ما" خفض بالباء والضمير الذي في أنزل يعود على "ما" وهو اسم ما لم يسَمَّ فاعله والكاف خفض بإِلى والأصل الاَكَ أُبدِلَ من الألف ياء للفرق بين الالفات المتمكنة، والتي ليست بمتمكنة ويلزمها الاضافة، وأجازَ الكسائي حذف الهمزة وأن يقرأ {وما أُنْزِلَّيْكَ}، وشَبَّهه بقوله "لكنَّا هُوَ اللهُ ربّي" قال ابن كيسان: ليس مثله لأنّ النون من لكنْ ساكنة واللام من أُنزِلَ متحركة. {وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ} [عطف] و "قبلك" مخفوض بِمنْ والكاف خفض باضافة قبل اليها {وَبِٱلآخِرَةِ} خفض بالباء/ 4/ ب والباء متعلقة بيوقنون و {هُمْ} رفع بالابتداء و {يُوقِنُونَ} فعل مستقبل في موضع الخبر.
{ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }
{أُوْلَـٰئِكَ..} [5]
ابتداء والخبر {عَلَىٰ هُدًى} وأهل نجد يقولون: أُلاَّك، وبعضهم يقول: أُلاَلِكَ، و {هُدًى} خفض بعلى {مِّن رَّبِّهِمْ} خفض بمن، والهاء والميم خفض بالاضافة ويقال: كيف قرأ أهل الكوفة {عَلَيْهُمْ} ولم يقرؤوا "من رَبّهُمْ" "ولا" "فِيهُمْ"؟ والجواب أنّ "عليهُم" الياء فيه منقلبة من ألف والأصل عَلاهُم قال:
* طَارَت عَلاَهُنّ فَطِرْ عَلاَهَا *
فأقرت الهاء على ضمتها، وليس هذا في "فيهِم" "ولا من ربّهم" {وَأُوْلَـٰئِكَ} رفع بالابتداء {همُ} ابتداء ثان {ٱلْمُفْلِحُونَ} خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول، ويجوز أن يكون "هم" زيادة، يسميها البصريون فاصلة ويسميها الكوفيون عماداً و {ٱلْمُفْلِحُونَ} خبر أولئك.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }
{إِنَّ ٱلَّذِينَ..} [6]
"ٱلَّذِينَ" نصب بان وعملت إنّ لأنها أشبهت الفعل في الاضمار ويقع بعدها اسمان وفيها معنى التحقيق، {كَفَرُواْ} صلة "ٱلَّذِينَ" والمضمر يعود على الذين. قال محمد بن يزيد {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ} رفع بالابتداء {أَأَنذَرْتَهُمْ} {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} الخبر والجملة خبر "إنّ" أي أنهم تبالهوا حتى لم تُغْن فيهم النذارة والتقدير سواء عليهم الانذار وتركه، أي سواء عليهم هذان، وجيء بالاستفهام من اجل التسوية. قال ابن كيسان: يجوز أن يكونَ سواء خبر ان وما بعده، يقوم مقام الفاعل، ويجوز أن يكونَ خبر إنّ "لاَ يُؤْمِنُونَ" أي انّ الذين كفروا لا يؤمنون {أَأَنْذَرْتَهُمْ} فيه ثمانية أوجه: أجودها عند الخليل وسيبويه تخفيف الهمزة الثانية وتحقيق الأولى. وهي لغة قريش وسعد بن بكر وكنانة، وهي قراءة أهل المدينة وأبي عمرو والأعمش {أَأَنْذَرْتَهُمْ}، قال ابن كيسان: ورُويَ عن ابن محيْصِن أنّه قرأ بحذف الهمزة الأولى {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَنذَرْتَهُمْ} فحذف لالتقاء الهمزتين، وانْ شئت قلت: لأن "أم" تدلّ على الاستفهام كما قال:
تَروح مِنَ الحَيّ أمْ تَبْتكِرْ * وماذا يَضُرُّكَ لَوْ تَنْتَظِرْ
ورُوي عن ابن أبي اسحاق أنه قرأ {أَاأَنذَرْتَهم} حقق الهمزتين وأدخل بينهما ألفاً لئلا يجمع بينهما. قال أبو حاتم: ويجوز أن يُدخِلَ بينهما ألفاً ويخفف الثانية وأبو عمرو ونافع يفعلان ذلك كثيراً، وقرأ حمزة وعاصم والكسائي بتحقيق الهمزتين {أَأَنْذرتَهُم} وهو اختيار أبي عُبَيْد، وذلك بعِيد عند الخليل وسيبويه يُشْبِهُه الثقل بضَننُوا. قال سيبويه: الهمزة بَعُد مَخرَجُها وهي نبرة تخرج من الصدر باجتهاد، وهي أبعد الحروف مخرجاً فثقلت لأنها كالتهوّع.
فهذه خمسة أوجه، والسادس قاله الأخفش قال: يجوز أن تُخَفَّفَ الأولى من الهمزتين وذلك رديء لأنهم انّما يُخفّفون بعد الاستثقال وبعد حصول الواحدة. قال أبو حاتم: ويجوز تخفيف الهمزتين جميعاً. فهذه سبعة أوجه، والثامن يجوز في غير القرآن لأنه مخالف للسواد. قال الأخفش سعيد: تبدل من الهمزة هاء فتقول "هَانْذَرْتَهُم" كما يقال: إيّاكَ وهَيّاك: وقال الأخفش: في قول الله عز وجل "هأَنْتُمْ" إنّما هو أأنتم.
والتاء في "أَأَنذَرْتَهُمْ" في موضع رفع وفَتَحْتَها فرقاً بين المُخَاطِبِ والمُخَاطبِ، والهاء والميم نَصْبٌ بوقوع الفعل عليهما "أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ" جَزْمٌ بلم وعلامة الجزم حذف الضمة من الراء، والهاء والميم نَصْب أيضاً "لاَ يُؤْمِنُونَ" فعل مستقبل ولا موضع للا من الاعراب.
{ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }
{خَتَمَ ٱللَّهُ..} [7]
"خَتَمَ" فعل ماض واسم الله جل وعز مرفوع بالفعل {عَلَىٰ قُلُوبِهمْ} مخفوض بعلى والهاء والميم خفض بالاضافة {وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ} مثْلهُ. وَلِمَ لَمْ يَقلْ و "على 5/ أ اسماعهم" وقد قال "عَلَىٰ قُلُوبِهمْ" ففيه ثلاثة أجوبة: منها أن السمع مصدر فلم يُجْمَع، وقيل: هو واحد يؤدي عن الجميع، وقيل: التقدير وعلى موضع سمعهم. {وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} رفع بالابتداء، وعند الكوفيين بالصفة، وَرَوَى المُفَضّل عن عاصم بن بَهْدَلَة {وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً} بالنصبِ أضمر وجعل، وقرأ الحسن {غُشَاوَة} بضم العين، وقرأ أبو حَيْوَة {غَشَاوَة} بفتح. قال أبو جعفر: وأجودها {غِشَاوَةَ} بكسر الغين كذلك تستعمل العرب في كل ما كان مشتملاً على الشيء نَحْوُ عِمامَة وقِلاَدَة، رُوي عن الأعمش {غَشْوة} رَدّهُ إلى أصل المصدر. قال ابن كيسان، وهو النحويّ، فكلما قلنا: قال ابن كيسان فإِيّاه نعني: يجوز غِشْوَة وغُشْوة فإِنْ جمعت غِشَاوة تحذف الهاء قلتَ: غشَاءٌ، وحَكى الفراء غَشَاوَى مثل أدَاوى. {وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} رفع بالابتداء {عَظِيمٌ} من نعته.
{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ..} [8]
خفض بمن وفتحت النون وأنت تقول. مِنَ الناس، لأن قبل النون في "مِنْ" كسرةً فَحرّكوها بأخف الحركات في أكثر المواضع ورجعوا الى الأصل في الأسماء التي فيها ألف الوصل، ويجوز في كل واحد منهما ما جاز في صاحبه و "ٱلنَّاسِ" اسم يجمع انساناً وانسانة والأصل عند سِيبويه أناس. قال الفراء: الأصل الاناس خففت الهمزة ثم ادغِمَت اللام في النون قال الكسائي: هما لغتان ليست احداهما أولى من الأخرى: يَدلّ على ذلك أن العرب تُصَغِرّ ناساً نويساً ولو كان ذلك الأصل لقالوا: أُنَيْس. {مَن يَقُولُ آمَنَّا} في موضع رفع بالابتداء "ويقول" على اللفظ {وَمَا هُم} على المعنى و "هم" اسم "ما" على لغة أهل الحجاز ومبتدأ على لغة بني تميم {بِمُؤْمِنِينَ} خفض بالباء، وهي توكيد عند البصريين وجواب لمن قال: أنّ زيداً لَمنطَلقٌ عند الكوفيين.
{ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }
{يُخَادِعُونَ..} [9]
فعل مستقبل، وكذا {وما يَخْدَعُونَ} ولا موضع لها من الاعراب {إِلاَّ أَنْفُسَهُم} مفعول {وَمَا يَشْعُرُونَ} مثل الأول.
{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }
{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ..} [10]
رفع بالابتداء {فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً} مفعولان، وبعض أهل الحجاز يُمِيلُ "فَزَادَهُمُ" لِيَدُلّ على أنه من زِدْتُ {وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} جمع "أليم" إلاَمٌ وأُلَماءُ مثل كرِيم وكُرمَاء، ويقال: أَلآْم مثل أشراف {بِمَا كَانُوا} "ما" خفض بالباء {يَكْذِبُونَ} في موضع نصب على خبر كان.
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }
{وَإِذَا..} [11]
في موضع نصب على الظرف {قِيلَ لَهُمْ} فعل ماض ويجوز {قِيلْ لَهمُ} بالادغام. وجاز الجمع بين ساكنين لأن الياء حرفُ مدٍّ ولين والأصل: قُوِلَ ألِقيتْ حركةُ الواو على القاف فانكسر ما قبل الواو فقلبت ياءاً. قال الأخفش: ويجوز قُيْل بضم القاف وبالياء، ومذهب الكسائي اشمامُ القاف الضَّم ليدلّ على أنه لما لم يُسَمَّ فاعله وهي لغة كثير من قيَس، فأما هُذَيلٌ وبنو دُبَيْرٍ من بني أسد وبنو فَقْعَس فيقولون: قُوْلَ بواو ساكنة "لهم" الهاء والميم خفض باللام {لاَ تُفْسِدُواْ} جزم بلا وعلامة الجزمِ حذف النون {فِي ٱلأَرْضِ} خفض بفي، وإنْ خفَّفتَ الهمزة ألقيتَ حركتها على اللام وحذفتها ولم تحذف ألف الوصل لأن الحركة عارضة فقلت: الأرض، وحكى الكسائي ألَلرضْ لمَّا خفِّفتِ الهمزة فحذفَها أبدل منها لاماً. قال الفراء: لمَّا خُفّفَتِ الهمزة تحركت اللام فكَرِهَ حَركتها لأنّ أصلها السكون زاد عليها لاماً أخرى ليسلم السكون. {قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} ابتداء وخبر و "ما" عند سيبويه كافة لأنّ عن العمل، فأما ضمّ "نَحْنُ" ففيه أقوال للنحويين قال هشام: الأصل نَحُنْ قُلِبَتْ حركة الحاء على النون وأسكِنَت الحاء، وقال محمد بن يزيد: نحن مثل قَبْلُ وبَعْدُ لأنها متعلقة بالاخبار عن اثنين وأكثر قال أحمد بن يحيى: هي مثل حَيْتُ تحتاج الى شيئَيْنِ بعدها. قال أبو اسحاق الزجاج: "نحن" للجماعة ومن علامة الجماعة الواو، والضمة من جنس الواو فلما اضطروا إلى حركة نحن لالتقاء الساكنين حركوها بما يكون للجماعة قال: ولهذا ضَمّوا واو الجَمْعِ 5/ ب في قول {أولِئكَ الذينَ اشتَرَوا الضَّلاَلَةَ بِالهُدَى} وقال عليّ بنُ سُليمانَ: نحن يكون للمرفوع فحركوها بما يشبه الرفع.
{ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }
{أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ.} [12]
كُسِرتْ "إنّ" لأنها مبتدأة. قال عليُّ بنُ سليمان: يجوز فَتْحُهَا كما أجاز سيبويه: حقاً أنّكَ مُنْطلِقٌ بمعنى "ألاَ" والهاء والميم اسم "انّ" و "هم" مبتدأ و "ٱلْمُفْسِدُونَ" خبر المبتدأ، والمبتدأ وخبره خبر "انّ" ويجوز أنْ يكونَ "هم" توكيداً للهاء والميم، ويجوز أن يكونَ فاصلة والكوفيون يقولون: عمادَ.
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ }
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ..} [13]
ألف قطع لأنك تقول: يؤمن {كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ} الكاف في موضع نصب لأنها نعت لمصدر محذوف أي إيماناً كإيمان الناس {قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ} فيه أربعة أقوال أجودها أنْ تُخَفِّف الهمزة الثانية فتقلبها واواً خالصة وتُحَقِق الأولى فتقول {ٱلسُّفَهَآءُ وَلاَ} وهي قراءة أهل المدينة والمعروف من قراءة أبي عمرو، وإنْ شئت خَفّفتهما جميعاً فجعلتَ الأولى بين الهمزة والألف وجعلت الثانية واواً خالصة، وإن شئت خَفّفت الأولى وحَقّق الثانية وإن شئت حَقّقتَها جميعاً.
{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ }
{وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ..} [14]
الأصل لَقِيُوا حُذِفَت الضمة من الياء لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وقرأ محمدُ بنُ السُّميْفَعِ اليمانيّ {وَإِذَا لاَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ}، والأصل لاَقَيوا، فإِن قِيلَ: لِم ضُمّت الواو من "لاَقوا" في الادراج وحُذِفتْ من "لَقُوا"؟ فالجواب أنّ قبل الواو التي في لَقُوا ضَمّةً تدلّ عليها فحذفت لالتقاء الساكنين وحُرّكتْ في "لاَقَوا" لأن قبلها فتحة. "ٱلَّذِينَ" في موضع نصب بالفعل "آمَنوا" داخل في الصلة {قَالُوۤا آمَنَّا} جواب إذا {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ} فإنْ خَفّفتَ الهمزة ألقيتَ حركتها على الواو وحذفتها كما يقرأ أهل المدينة، "شياطينهم" خفض بإلى جمع مكسر فلذلك لم تُحْذَفْ منه النون بالإضافة، والهاء والميم خفض بالإضافة {قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ} الأصل انّنَا حُذِفَتْ منه لاجتماع النونات "مَعَكم" نَصْبٌ بالاستقرار ومن أسكن العين جعل "مَعَ" حرفاً. {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} مبتدأ وخبر فإن خَفَّفتَ الهمزة فسيبويه يجعلها بَيْنَ الهمزة والواو وحجته أنّ حركتها أولى بها، وزعم الأخفش أنه يجعلها ياءاً محضة فيقول: {مُسْتهزيُونَ} قال الأخفش: أفْعَلُ في هذا كما فعلتُ في قوله: "السفهاءُ ولا" قال محمد بن يزيد ليس كما قال الأخفش لأن قوله: "السفهاءُ الاَ" لو جئتَ بها بَيْنَ بَيْنَ كنت تَنْحُو بها نحو الألف، والألف لا يكون ما قبلها إلاّ مفتوحاً فاضطررت إلى قلبها واواً وليس كذا مُسْتَهزِئونَ، ومن أبدل الهمزة قال: مُسْتَهزُونَ وعلى هذا كُتِبَتْ في المصحف.
{ ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }
{ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ..} [15]
"يَسْتَهْزِىءُ" فعل مستقبل في موضع خبر الابتداء، والهاء والميم في موضع خفض بالباء {وَيَمُدُّهُمْ} عطف على يستهزئ والهاء والميم في موضع نصب بالفعل {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} في موضع الحال
{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }
{أُوْلَـٰئِكَ..} [16]
مبتدأ {ٱلَّذِينَ} خبر {ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ} في صلة الذين وفي ضم الواو أربعة أقوال قول سيبويه: أنّها ضُمّ فرقاً بينها وبين الواو الأصلية نحو {وأن لَّوِ استقامُوا على} وقال الفراء: كانَ يجبُ أنْ يكونَ قَبلَها واو مضمومة لأنها واو جمع فَلمَّا حذِفَت الواو التي قبلها واحتاجوا الى حركتها حَرّكوها بحركة التي حُذِفَتْ. قال ابن كيسان: الضمة في الواو أخفّ من غيرها لأنها من جنسها، قال أبو إسحاق: هي واو جمع حُرّكَتْ بالضم كما فُعِلَ في نَحْنُ، وقرأ ابنُ أبي إسحاق ويحيى بن يَعْمرَ {ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ} بكسر الواو وعلى الأصل لالتقاء/ الساكنين: 6/أ وَرَوَى أبو زيد الأنصاري عن قَعْنَبٍ أبي السّمال العَدَويّ أنه قرأ {ٱشْتَرَوَاْ ٱلضَّلاَلَةَ} بفتح الواو ولِخفّة الفتحة وأنّ قبلها مفتوحاً، وأجاز الكسائي {ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ} بضم الواو كما يقال: "أُقِّتتْ" وأدؤر. قال أبو جعفر:
وهذا غلط لأن همزة الواو اذا انضمَّت إنّما يجوز فيها إذا انضّمت لغير عِلّة. {فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} رفع بربحت {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} نصب على خبر كان، والفراء يقول: حال غير مُسْتَغنىً عنها. قال ابن كيسان: يجوز تجارة وتجاير وضلالة وضلايل.
{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }
{مَثَلُهُمْ..} [17]
ابتداء {كَمَثَلِ ٱلَّذِي} خبره والكاف بمعنى مثل و {ٱلَّذِي} خفض بالاضافة {ٱسْتَوْقَدَ نَاراً} صلته، {فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} "مَا" في موضع نصب بمعنى الذي وكذا إنْ كانت نكرة إلاّ أنّ النعت يلزمها إذا كانت نكرة وإن كانت زائدة فلا موضع لها و {حَوْلَهُ} ظرف مكان والهاء في موضع خفض بإضافته إليها {ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ} وأذْهَبَ نُورَهُم بمعنى واحد {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ}وقرأ أبو السّمال {وتَركَهُم في ظُلْماتٍ} باسكان اللام حَذفَ الضمة لثقلها، وَمَنْ أثْبتَها فَلِلفَرْق بيْنِ الاسم والنعت، ويقال: "ظلمَات" بفتحِ اللام. قال البصريون: أُبْدِلَ من الضمةِ فَتْحةٌ لأنّها أخَفُّ، وقال الكسائي: ظُلَماتٌ جمع الجمع جمع ظُلَم {لاَّ يُبْصِرُونَ} فعل مستقبل في موضع الحال.
{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }
{صُمٌّ..} [18]
على إضمار مبتدأ أي [هم] صُمّ {بُكْمٌ عُمْيٌ} وفي قراءة عبد الله وحَفصة {صمّاً بكماً عمياً} لأنّ المعنى وتركهم غير مبصرين صماً بكماً عمياً. ويكون أيضاً بمعنى أعني.
{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }
{أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ..} [19]
الأصل عند البصريين صَيْوبٌ ثم أدغِمَ مثل ميّت، وعند الكوفيين الأصل صَوِيْبُ ثم أُدغِمَ ولو كان كما قالوا لمَا جاز ادغامُهُ كما لا يجوز ادغام طويل. وجمع صيّبٍ صَيَايِب والتقدير في العربية مثلُهم كمثل الذي اسْتَوقَدَ ناراً أو كمثل صَيبٍ. {فِيهِ ظُلُمَاتٌ} ابتداء {وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} معطوف عليه. {يَجْعَلُونَ} مستأنَف وإن شئت كان حالاً من الهاء التي في "فيه" فإنْ قِيلَ: كيف يكون حالاً ولم يعد على الهاء شيء؟ فالجواب أنّ التقدير في صواعقه مثل {يُصْهَرُ بِهِ ما في بُطونِهم والجلود} {أَصَابِعَهُمْ} في واحد الأصابع خمس لغات يقال: إِصْبع بكسر الهمزة وفتح الباء ويقال أَصْبع بفتح الهمزة وكسر الباء، ويقال: بفتحهما جميعاً وبكسرهما وجميعاً وبضمّهما جميعاً. وهي مؤنثة وكذلك الأذن، وَرُوِي عن الحسن أنه قرأ {من الصَّواقِع} وهي لغة تميم وبعض ربيعة {حَذَرَ ٱلْمَوْتِ} ويقال: حِذارَ قال سيبويه: هو منصوب لأنه موقوع له أي مفعول من أجله وحقيقته أنه مصدر، وأنشد سيبويه:
وأغْفِرُ عَوْراءَ الكَرِيم ادِّخَارَهُ * وأُعرِضُ عن شَتْمِ اللَّئِيمِ تَكَرُّمَا
{وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَافِرِينَ} ابتداء وخبر.
{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
{يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ..} [20]
ويجوز في غير القُرآن يكاد أنْ يَفْعَلَ كما قال.
* قد كَادَ مِنْ طُولِ البِلَى أنْ يَمْصَحَا *
وفي "يخطف" سبعة أوجه القراءة الفصيحة {يَخْطَفُ}، وقرأ عليّ ابن الحسين ويَحْيى بن وَثّاب {يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطِفُ أَبْصَارَهُمْ} بكسر الطاء قال سعيد الأخفش: هي لغة. وقرأ الحسن وقتادة وعاصم الجَحْدَري وأبو رجاء العُطَارِدي {يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطِفِ} بفتح الياء وكسر الخاء والطاء، ورُوي عن الحسن أنّه قرأ بفتح الخاء. قال الفراء: وقرأ بعض أهل المدينة بتسكين الخاء وتشديد الطاء، وقال الكسائي والأخفش والفراء: يجوز {يخطفُ} بكسر الياء والخاء والطاء، فهذه ستة أوجه موافقة للسواد، والسابع حكاه عبد الوارث قال: رأيت في مصحف أبَيّ "يكادُ البرق يَتَخطّف أبصارهم" وزعم سيبويه والكسائي أنّ من قرأ {يَخِطِفّ} بكسر الخاء والطاء فالأصل عنده "يَخْتِطفُ" ثم أدْغَم التاء/ في الطاء 6/ب فالتقى ساكنان وكسر الخاء لالتقاء الساكنين. قال سيبويه: ومن فتحها ألقَى حركة التاء عليها، قال الفراء: هذا خطأ ويلزم من قاله أنْ يقول في يَمُدُّ: يَمِدُّ لأن الميم كانت ساكنة وأسكتت الدال بعدها وفي يَعَضُّ يَعِضُّ، قال الفراء: وإنما الكسر لأن الألف في "اخْتَطَفَ" مكسورة. قال أبو جعفر: قال أصحاب سيبويه: الذي قال الفراء لاَ يَلْزمُ لأنه لو قيل: يَمِدّ ويَعِضّ لا شَكَل بيفعِل، ويفتعل لا يكون إلاّ على جهة واحدة. قال الكسائي: من قال: يخطِفُ كسر الياء لأن الألف في اختطف مكسورة. فأما ما حكاه الفراء عن أهل المدينة من اسكان الخاء والادغام فلا يُعْرَفُ ولا يجوز لأنه جمع بين ساكنين. {كُلَّمَا} منصوب لأنه ظرف وإذا كانت كلّما بمعنى إذا فهي موصولة. قال الفراء: يقال: أضاءك وضاءك ويجوز "لَذَهبّ بسمعهم" مدغماً، و {أبْصارِهِم} عطف عليه {إنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} اسم انّ وخبرها.
{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
{يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ..} [21]
"يَا" حرف النداء" و "أيُّ" نداء مفرد ضمّ لأنه في موضع المكْنيّ، وكان يجب أنْ لا يُعْرَب فكرهوا أن يخلوه من حركة لأنه قد كان متمكناً فاختاروا له الضمة لأن الفتحة تلحق المعرب في النداء والكسرة تلحق المضاف اليك، وأجاز أبو عثمان المازني "يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسَ" على الموضع كما يقال: يا زيدُ الظريفَ. وزعم الأخفش أن "ٱلنَّاس" في صلة أيّ و "هاء" للتنبيه الا أنّها تفارق أيّاً لأنها عوض من الاضافة. ولغةً بعض بني مالك من بني أسد "يا أيُهُ الرجلُ" بضم الهاء لما كانت الهاء لازمة حركتها حَرّكها بحركة أيّ {ٱلنَّاس} تابع لأيٍّ كالنعت كما ينعت، لا يجوز نصبه عند أبي العباس لأنه لا يُسْتَغْنَى عنه فصار كما تقول: يا ناس، {ٱعْبُدُواْ} ألف وصل لأنه من يَعْبُد وضَمَمتها والأصل الكسر لئلا تجمع بين كسرة وضمة. قال سيبويه: ليس في الكلام "فِعلُ" وحذف النون للجزم عند الكوفيين ولأنه لم يضارع عند البصريين، {رَبَّكُم} نَصْبٌ باعبدوا الذي نعت له {خَلَقَكُمْ} في الصلة والكاف والميم نصب بالفعل {وَٱلَّذِينَ} عطف على الكاف والميم {مِن قَبْلِكُمْ} في الصلة {لَعَلَّكُمْ} الكاف والميم اسم لعل {تَتَّقُونَ} فعل مستقبل علامة رفعه النون وهو في موضع خبر لعل.
{ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَاشاً..} [22]
"ٱلَّذِي" نعت لربكم وان شئت كان نعتاً للذي خلقكم، وصلح أنْ يقالَ نعت للنعت لأن النعت هو المنعوت في المعنى، ويجوز أن يكون منصوباً بتتقون، ويجوز أن يكون بمعنى أعنى، وأنْ يكون في موضع رفع على أنه خبر ابتداء محذوف ويجوز "جَعَلْ لَكُمْ" مدغماً لأن الحرفين مِثْلانِ قد كثرت الحركات، وتَرْكُ الادغام أجود لأنها من كلمتين، {ٱلأَرْضَ فِرَاشاً} مفعولان لجعل {وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً} عطف والسماء تكون جمعاً لسَمَاوَة وسَمَاءة، وتكون واحدة مؤنّثة مثل عَنَاق وتذكيرها شَاذّ وجَمْعُها سَمَاوات وسَمَاءات وأسْم وسَمَايا، وسماء المطرُ مذكرّ، وكذلك السقف في المستعمل، وجمعها أسْمِيَة وسُمِيّ وسِمِيّ. "وبِنَاءً" يقصر على أنه جمع بِنْيَة ومصدر، ويقال: بُنِيّ جمعُ بنْيَةٍ وفي الممدود في الوقف خمس لغات: أجودها و "وَٱلسَّمَاءَ بناءً" بهمزة بين ألفين ويجوز تخفيف الهمزة حتى تضعف، ويجوز حذفها لقربها من الساكن وهي بين ساكنين فإذا حَذَفتها حَذَفت الألف بعدها فقلت: "بِنَا" لفظه كلفظ المقصور، ومن العرب من يزيد بعده في صورته مَدّةً، ومنهم من يُعَوِضُ من الهمزة ياءاً فيقول: بنيت بنايا، والبصريون يقولون: هُو مشَبّهٌ بخطايا، والفراء يقول: ردت الهمزة إلى أصلها لأن أصلها الياء. {وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً} والأصل في ماء مَوَهٌ قلبت الواو ألفاً لِتَحَرّكِها وتحَرّك ما قبلها فَقُلتَ: ماه فالتقى حرفان خفيّان فأبْدَلْت من الهاء همزةً لأنها أجْلَدُ وهي بالألف أشْبَه فَقُلتَ: ماء؛ فالألف الأولى عَيْن الفعل وبعدها الهمزة التي هي بدل من الهاء وبعد الهمزة ألف بدل من التنوين. قال أبو الحسن عليّ: لا يجوز أن يُكْتَبَ الا 7/أ بألفين عند البصريين وانْ شِئتَ بثلاث فإذا جمعوا أو صغّروا ردّوا إلى الأصل فقالوا: مُويه وأمْواه وميَاه مثل: أجْمَال وجِمَال {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ} جمع ثمرة؛ ويقال: ثَمَرٌ مثل شَجَر، ويُقَال: ثُمُرُ مثل خُشُب، ويقال ثُمْر مثل بُدْنِ وثِمَار مثل إكام: {رِزْقاً لَّكُمْ} مفعول {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً} "تَجْعَلُواْ" جزم بالنهي فلِذَلِك حذفَتْ منه النون "أَندَاداً" مفعول أول و "لله" في موضع الثاني {وَأَنْتُمْ} مبتدأ {تَعْلَمُونَ} فعل مستقبل في موضع الخبر والجملة في موضع الحال.
{ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ }
{وَإِن كُنْتُمْ..} [23]
بفي
في موضع جزم بالشرط {فِي رَيْبٍ} خفض بفي {مِّمَّا نَزَّلْنَا} "ما" خفض بمن والعائد عليها محذوف لطول الاسم أي ما نَزّلناه {عَلَىٰ عَبْدِنَا} خفض بعلى {فَأْتُواْ} جواب الشرط، وان شئتَ قلت مجازاة. قال ابن كيسان: قَصَرْتَ فَأْتُوا لأنه من باب المجيء، وحكى الفراء في قراءته فتوا فيجوز فتوا، {بِسُورَةٍ} خفض الباء {مِّن مِّثْلِهِ} خفض بمن {وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم} نصب بالفعل، جمع شَهِيد. يقال: شَاهِدٌ وشَهِيدٌ مثل قادر وقدير.
{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ }
{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ..} [24]
يقال: كيف دَخَلَتْ "انْ" على "لَمْ" ولا يدخل عامل على عامل؟ فالجواب أنّ "انْ" هنا غير عاملة في اللفظ فَدَخَلَتْ على "لم" كما تَدْخلُ على الماضي لأنها لا تَعْمَلُ في لم كما لا تعمل في الماضي فمعنى "انْ لم تفعلوا" ان تركتم الفعل. قال الأخفش سعيد: انّما جَزَمُوا بِلم لأنها نَفْي فأشْبَهَتْ "لا" في قولك: لا رَجُلَ في الدارِ، فَحَذفْتَ بها الحركة كما حَذَفَت التنوين من الأسماء وقال غيره: جَزمتَ بها لأنها أشْبَهتْ إنْ التي للشرط لأنها تَردُّ المستقبل الى الماضي كما ترد "ان" فنحتاج إلى جواب فأشْبَهت الابتداء، والابتداء يَلْحَقُ به الأسماء الرفع وهو اولى بالأسماء فكذا حُذفَ مع "إنْ" لأن أولى ما للأفعال السكون، {وَلَن تَفْعَلُواْ} نَصْبٌ بلن وعلامة نصبه حذف النون، واستوى النصب والجزم في الأفعال لأنهما فَرْعان وهما بمنزلة النصب والخفض في الأسماء وحُكي عن الخليل رحمه الله: ان أصل "لن": لا انْ وردّ عليه هذا سيبويه وقال: لو كان كذا لما جاز: زيداً لن اضرِبَ. قال أبو عبيدة: من العرب من يجزم بلن كما يجزم بلم. {فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ} جواب الشرط في الفاء وما بعدها ولغة تميم وأسد "فَتَقُوا النارَ" وحكى سيبويه: تَقَى يَتَقِي، {ٱلنَّارَ} مفعولة {ٱلَّتِي} من نعتها {وَقُودُهَا} مبتدأ {ٱلنَّاسُ} خبر {وَٱلْحِجَارَةُ} عطف عليهم {أُعِدَّتْ} فعل ماض والتاء علامة التأنيث أسكَنَتْ عند البصريين لأنها حرف جاء لمعنى، وعند الكوفيين أنك لمَّا ضَمَمْتَ تاء المُخاطب وفتحت تاء المُخاطَبِ المذكر وكسرت تاء المؤنث وبقيت هذه التاء كان ترك العلامة لها علامة، واسم ما لَمْ يُسَمَّ فاعله مضمر في أُعِدَّتْ، {لِلْكَافِرِينَ} خفض باللام الزائدة. وقرأ الحسن ومجاهد وطَلْحَةُ بنُ مصَرّفٍ {ٱلَّتِي وَقُودُهَا}، بضم الواو. وقال الكسائي والأخفش سعيد: الوَقُودُ بفتح الواو الحَطبُ والوُقُودُ بضمها الفعل، قال أبو جعفر يجب على هذا أن لا يُقْرأ الاّ وَقُودُها بفتح الواو لأنّ المعنى حَطَبُها. إلا أنّ الأخفش قال: وحُكِيَ أنّ بعض العرب يجعل الوَقُود والوُقُود جميعاً بمعنى الحطب والمصدر، وذهب الى أن الأول كثر قال: كما أنّ الوَضُوء الماء والوُضُوء المصدر.
{وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ}
{وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ..} [25]
{أًَنَّ} في موضع نصب والمعنى بأن لهم. قال الكسائي وجماعة من البصريين: "أنّ" في موضع خفض باضمار الباء {جَنَّاتٍ} في موضع نصب اسم أنّ وكُسِرت التاء عند البصريين لأنه/ جمع مُسَلَّم فوجب أن 7/ب يستوي خفضه ونصبه كما كان في المذكر جائزاً {تَجْرِي} في موضع نصب نعت للجنات، ومرفوع لأنه فعل مستقبل، وحذفت الضمة من الياء لثقلها معها {ٱلأَنْهَارُ} مرفوع بتجري. {كُلَّمَا} ظرف {قَالُواْ هَـٰذَا} مبتدأ و {ٱلَّذِي} خبره، ويجوز أن يكون هذا هو الذي، {رُزِقْنَا مِن قَبْلُ} غاية مبني على الضم لأنه قد حذف منه، وهو ظرف يدخله النصب والخفض في حال سلامته فلما اعتلّ بالحذف اعْطى حركةً لم تكن تلحقه، وقيل: أعطى الضمة لأنها غاية الحركات {وَأُتُواْ بِهِ} فُعِلُوا من أتَيْتُ {مُتَشَابِهاً} على الحال {أَزْوَاجٌ} مرفوع بالابتداء {مُّطَهَّرَةٌ} نعت وواحد الأزواج زوج. قال الأصمعي، ولا تكاد العرب تقول: زوجة. قال أبو جعفر: حكى الفراء أنه يقال: زوجة وأنشدَ:
إنَّ الذِي يَمْشِي يُحرِشُ زَوْجتي * كَمَاشٍ الى أُسْدِ الشَّرَى يَسْتَبيلُهَا
{وَهُمْ} مبتدأ {خَالِدُونَ} خبره والظرفُ ملغىً، ويجوز في غير القرآن نصب خالدين على الحال.
{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ }
{إِنَّ ٱللَّهَ..} [26]
اسم "إِنّ" والجملة الخبر. لغة تميم وبكر بن وائل {لاَ يَسْتَحْي} بياء واحدة وهكذا قرأ ابن كثير وابنُ مُحَيصنٍ وشِبْل وفيه قولان: قال الخليل: أسْكِنَت الياء الأولى كما سَكَنَتْ في "باع" وسكَنتَ الثانية لأنها لام الفعل، قال سيبويه وقال غيره: لمَّا كثر وكانتا ياءين حَذَفُوها وألقَوا حَرَكَتها على الحاء. قال أبو جعفر: شرح قول الخليل أنّ الأصل استَحْيَى فأعلهُ من جهتين اعلّ الياء الأولى كما يقال: استَبَاعَ واعلّ الثانية كما يقال: يرمِي فحذف الأولى لئلا يلتقي ساكنان، وهذا بعيد جداً لأنهم يجتنبون الاعلال من جهتين. والقول الآخر هو قول سيبويه سمعت أبا اسحاق يقول: اذا قال سيبويه بَعْدَ قول الخليل: وقال غيرُهُ فإِنما يعني نفسه ولا يُسمّي نفسه بعد الخليل اجلالاً منه له، وشرح قول سيبويه أنّ الأصل: اسْتَحْيَى كثر استعمالهم إيّاه فحذفوا الياء الأولى وألقوا حركتها على الحاء فأشبه افتعل نَحْوُ اقتَضَى فَصَرفُوهُ تَصرِيفه فقالوا: استَحَى يَسْتَحِي. {أَن يَضْرِبَ} في موضع نصب أي من أن يضرب {مَثَلاً} منصوب بيضرب {مَّا بَعُوضَةً} في نصبها ثلاثة أوجه: تكون "ما" زائدة و "بعوضة" بدلاً من مثل، ويجوز أن تكونَ "ما" في موضع نصب نكرة و"بعوضة" نعتاً لما وَصَلُحَ أنْ تكونَ نعتاً لأنها بمعنى قليل، والوجه الثالث قول الكسائي والفراء قالا: التقدير أن يضرب مثلاً ما بين بعوضةٍ حُذِفَت "بَيْنَ" وأعربت بعوضة باعرابها والفاء بمعنى "الى" :أي الى ما فوقها، ومعنى ضَرَبْتُ له مثلاً مثّلْت له مثلاً وهذه الابنيةُ على ضرْبٍ واحدٍ أي على مثال واحد {فَمَا فَوْقَهَا} عطف على "ما" الأولى، وحطى أنه سمع رؤبة يقرأ {انّ الله لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضرب مثلاً ما بَعُوضةٌ} بالرفع وهذه لغة تميم، جَعَل "ما" بمعنى الذي ورفع بعوضة على اضمار ابتداء والحذف في "ما" أقْبَحُ منه في الذي لأن الذي إنّما له وجه واحد والاسم معه أطَْوَلُ. {فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} "ٱلَّذِينَ" رفع بالابتداء وخبره ما بَعدَ الفاء فلا بُدَّ من الفاء في جواب أمّا لأن فيها معنى الشرط أي مهما يكُنْ من شَيْء فالأمر كذا {فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ} "أنّ" في موضع نصب بيعلمون والهاء اسمها والحق خبرها {مِن رَّبِّهِمْ} خفض بمن {وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} ولغة تميم وبني عامر "أَيْمَا" يبدلون من احدى الميمين ياءاً كَرَاهِيَة التضعيف وعلى هذا يُنْشَدُ بَيْتُ عُمرَ بن أبي ربِيعَة:
رَأتْ رَجُلاً أيْما اذا الشَّمْسُ عَارَضَتْ * فَيَضْحَى وأيْما بالعَشِيِّ فَيَخْصر
{فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً} إنْ شِئْتَ جَعَلتَ "ما" و "ذا" شيئاً واحداً في موضع نصب بأراد. قال ابن كيسان: وهو أجود وانْ شئتَ جعلتَ "ما" اسماً تاماً في موضع رفع بالابتداء و "ذا" بمعنى الذي هو خبر الابتداء، ويكون التقدير: ما الذي أراد الله بهذا مثلاً 0/ 8/ أ قال أحمد بن يَحْيَى ثعلب: "مَثَلاً" منصوب على القَطع وقال ابن كيسان: هو منصوب على التمييز الذي وقع موقعَ الحال {يُضِلُّ} فعل مستقبل {كَثِيراً} مفعول به {وَيَهْدِي} أسكِنَت الياء فيه استثقالاً للجمع بينها وبين ياء وكسرة {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَاسِقِينَ} بوقوع الفعل عليهم، والتقدير وما يُضِلّ به أحداً إلاّ الفاسقين، ولا يجوز أن تَنْصبهم على الاستثناء لأن الاستثناء لا يكون إلاّ بعد تمام الكلام.
{ ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ }
{ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ..} [27]
"ٱلَّذِينَ" في موضع نصب على النعت للفاسقين وانْ شئتَ جعلته في موضع رفع على أنه خبر ابتداء محذوف أي هم الذين، {يَنقُضُونَ} فعل مستقبل والمضمر الذي فيه يعود على الذين {عَهْدَ ٱللَّهِ} مفعول به {مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} خَفَضَتْ بعْداً بِمِنْ ومِيثاقه بَعْد اليهِ وهو بمعنى: ايثاقَهُ. قال ابن كيسان: هو اسم يُؤدِي عن المصدر كما قال القُطَامي:
أكُفْراً بَعْدَ رَدّ المَوْتِ عَنّي * وَبَعْدَ عَطَائِكَ المائةَ الرِتَاعَا
{وَيَقْطَعُونَ} عطف على ينقصون {مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ} "ما" في موضع نصب بيقطعُونَ. والمصدر قَطيعَة وقَطَعْتُ الحَبْلَ قطعاً وقَطَعْت النهرَ قُطوعاً وقَطَعتِ الطَّيرَ قِطَاعاً وقطاعاً إذا خَرَجَتْ من بلد إلى بلد، وأصابَ الناسَ قطعَةٌ اذا قَلّتْ مياهُهُم ورَجلٌ بِهِ قطْعٌ أي انبِهارٌ {وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ} عطف على يقطعون. {أُولَـۤئِكَ} مبتدأ {هُمُ} ابتداء ثان {ٱلْخَاسِرُونَ} خبر الثاني والثاني وخبره خبر الاول، ان شئتَ كانت هم زائدة والخاسرون الخبر.
{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ} [28]
"كيف" اسم في موضع نصب هي مبنية على الفتح. وكان سبيلها أن تكونَ ساكنة لان فيها موضع الاستفهام فأشْبَهَتِ الحروف واختير لها الفتح من أجل الياء {تَكْفُرُونَ} فعل مستقبل {بِٱللَّهِ} خفض بالباء {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} التقدير وقد كنتم أمواتاً ثم حذِفَتْ قَد {أَمْوَاتاً} خبر كنتم {فَأَحْيَاكُمْ} الكاف والميم في موضع نصب بالفعل وكذا {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فعل مستقبل.
{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ..} [29]
ابتداء وخبر {مَّا} في موضع نصب {جَمِيعاً} عند سيبويه نصب على الحال. {ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ} أهلُ الحجاز يُفَخّمونَ وأهلُ نَجْدِ يُميلونَ ليُدلوا على أنه من ذوات الياء {إِلَى ٱلسَّمَآءِ} خفض بإِلى {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} قال محمد بن الوليد سبع منصوب على أنه بدل من الهاء والنون أي فسوى سبع سموات قال أبو جعفر: يجوز عندي أن يكونَ فسوّى منهن كما قال جل وعز "واختارَ مُوسى قَومَهُ" أي من قومه. {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} مبتدأ وخبر.
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ..} [30]
قال أبو عبيدة: "إِذْ" اسم وهو ظرف زمان ليس ما يُزَادُ. قال أبو اسحاق ذكر الله عز وجل خَلْقَ الناس وغيرهم فالتقدير ابتدأ خَلْقَهُم "إِذْ قَالَ رَبُّكَ" {لِلْمَلاَئِكَةِ} خفض باللام والهاء لتأنيث الجماعة {إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ} الياء في موضع نصب جاعل خبر انّ. والاصل انني حذفت النون لاجتماع نونين "فِي ٱلأَرْضِ" خفض بفي {خَلِيفَةً} نصب بجاعل، ولا يجوز حذف التنوين للفصل ولو ولِيَهُ المفعول لجاز حذف التنوين "خَلِيفَةَ" يكون بمعنى فاعل أي يخلف من كان قبله من الملائكة في الأرض أو من كان قبله من غير الملائكة كما رُويَ ويجوز أن يكون "خَلِيفَةً" بمعنى مفعول أي يُخْلَفُ كما يقال ذَبِيحَةٌ بمعنى مفعولة. {قَالُواْ أَتَجْعَلُ} فعل مستقبل {فِيهَا مَن يُفْسِدُ} في موضع نصب بتجعل والمفعول الثاني يقوم مَقامَهُ "فِيهَا" "يُفْسِدُ" على اللفظ، ويجوز في غير القرآن يفسدون على المعنى، {وَيَسْفِكُ} عطف عليه، ورُويَ عن الأعرج {وَيَسفِكَ الدِمَاء} بالنصب/ 8/ ب يجعله جواب الاستفهام بالواو. وواحد الدماء دَمٌ ولا يكون اسم على حرفين إلا وقد حُذِفَ منه والمحذوف منه ياء وقد نُطِقَ به على الأصل قال الشاعر:
فَلَو أنّا عَلَى حَجَرٍ ذُبِحْنَا * جَرَى الدَّميَانِ بالخَبرِ اليقينِ
{وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} لا يجوز ادغام النون في النون لئلاّ يلتقي ساكنان {قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} منْ حَرّك الياء فقال "إِنِّيَ أَعْلَمُ مَا" كَرِهَ أن يكونَ اسم على حرف واحد ساكناً، ومن أسكَنَها قال: قد اتَّصَلَتْ بما قبلها "أَعْلَمُ" فعل مستقبل، ويجوز أن يكون اسمًا بمعنى فاعل كما يقال: الله أكْبَرُ بمعنى كبير، وكما قال:
لعمركَ ما أدْرِى وانّي لأوجَلََ * على أيِنَا تَغْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ
ويجوز إدغام الميم في الميم و "ما" في موضع نصب بأعلم اِذا جعلته فِعْلاً وان جَعلته اسمًا جاز أن يكونَ "ما" في موضع خفض بالاضافة وفي موضع نصب وتَحْذِفُ التنوين لانه لا ينصرف.
من ذلك قوله عز وجل: {الۤمۤ..} [1]
مذهل الخليل وسيبويه في "الۤمۤ" وما أشبهها أنها لم تُعْرَبْ لأنها بمنزلة حروف التهجّي فهي محكيّة ولو أعرِبَتْ ذهب معنى الحكاية وكان قد أعرب بعض الاسم، وقال الفراء: إنما لم تُعْرَب لأنك لم ترد أن تخبرَ عنها بشيء، وقال أحمد بن يحيى: لا يعجبني قول الخليل فيها لأنك إذا قلت: زايٌ فليست هذه الزاي التي في زيد لأنك قد زدتَ عليها. قال أبو جعفر: هذا الرد لا يلزم لأنك لا تقدر أن تنطق بحرف واحد حتى تزيد عليه، قال ابن كيسان: "الۤمۤ" في موضع نصب بمعنى اقرأ "الۤمۤ" أو عليك "الم" ويجوز أن يكون موضعه رفعاً بمعنى: هذا الم أو هو أو ذاك. ثم قال عز وجل:
{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }
{ذَلِكَ..} [2]
فيه ستةُ أوجه: يكون بمعنى هذا ذلك الكتاب، فيكون خبر هذا ويكون بمعنى "الم ذلك" هذا قول الفراء أي حروف المعجم ذلك الكتاب واجتُزئ ببعضها من بعض، ويكون هذا رفعاً بالابتداء و "ٱلْكِتَابُ" خبره، والكوفيون يقولون: رفعنا هذا بهذا وهذا بهذا، ويكون "ٱلْكِتَابُ" عطف البيان الذي يقوم مقام النعت و "هدى" خبراً، ويكون "لاَ رَيْبَ فِيهِ" الخبر، والكوفيون يقولون: الهاء العائِدة الخبر. والوجه السادس: أن يكونَ الخبر "لاَ رَيْبَ فِيهِ" لأن معنى لا شك: حقٌ، ويكون التمام على هذا لا ريب، ويقال: ذلِكَ، ولغة تميم ذاك. ولم تعرب ذلك ولا هذا لأنها لا يثبتان على المُسَمَّى. قال البصريون: اللام في ذلك توكيد، وقال الكسائي والفراء: جيء باللام في ذلك لئلا يُتَوَهَّم أنّ ذا مضاف إلى الكاف، وقيل: جيء باللام بدلاً من الهمزة ولذلك كسرت، وقال علي ابن سليمان: جيء باللام لتدل على شدة التراخي. قال أبو إسحاق: كُسِرتْ فرقًا بَينها وبَين لام الجر ولا موضع للكاف، والاسم عند البصريين "ذا" وعند الفراء الذال. ثم قال الله جل وعز {لاَ رَيْبَ فِيهِ} نصب "رَيْبَ" لأن "لا" عند البصريين مضَارعة لأنّ فنصبوا بها وانّ "لا" لم تعمل إلاّ في نكرة لأنها جواب نكرة فيها معنى "مِنْ" بنيت مع النكرة فَصُيّرا شيئاً واحداً، وقال الكسائي: سبيل النكرة أنْ يتقدمها أخبارها فتقول: قَامَ رجلٌ، فلما تأخر الخبر في التبرئة نَصبوا يُنَونوا لأنه نصب ناقص، وقال الفراء: سبيل "لا" أنْ تأتيَ بمعنى غير، تقول: مررتُ بلاَ واحدٍ ولا اثنينِ، فلما جئت بها بغير معنى "غير" وليس، نصبت بها ولم تنون لِئلاَ يَتَوهَّم أنك أقمتَ الصفة مقام الموصوف، وقيل: إنّما نصبت لأن المعنى لا أجدُ ريباً فلما حَذفتَ الناصب حذفتَ التنوين، ويجوز {لا ريْبٌ فيهِ} تجعل "لا" بمعنى ليس. وأنشد سيبويه:
مَنْ صَدَّ عَن نِيرانِهَا * فأنا ابنُ قَيْسٍ لاَ بَراحُ
{فِيهِ هُدًى} الهاء في موضع خفض بفي. وفي الهاء خمسةُ أوجه: أجودها {فِيهِ هُدًى} ويليه {فِيهُ هُدًى} بضم الهاء بغير واو، وهي قراءة الزهري وسَلاّم أبي المنذر ويليه {فيهي هُدًى} باثبات الياء وهي قراءة ابن كثير، ويجوز {فيهُو هدًى} بالواو ويجوز {فِيهْ هدًى} مدغماً والاصل "فيهو هُدًى" الاسم الهاء وزيدت الواو عند الخليل لأن الهاء خَفِيّة فَقُوِيت بحرف جلدٍ متباعد منها وتبدل منها ياءاً لأن قبلها ياءاً أو يحذف لاجتماع الواو والياء عند سيبويه، ولاجتماع 4/ أ الساكنين عند أبي العباس، وكذا الياء، ويُدغمَ لاجتماع هاءين وليس بجيد، لأنّ حروف الحلق ليست أصلاً بالادغام ويجتمع ساكنان، وقال سيبويه: إنما زيدت الواو كما زيدت الألف في المؤنث. وفي "هُدى" ستة أوجه: تكون في موضع رفع خبراً عن ذلك، وعلى اضمار مبتدأ وعلى أن تكون خبراً بعد خبر، وعلى أنْ تكون رفعاً بالابتداء. قال أبو اسحاق: يكون المعنى فيه هدى ولا ريب. فهذه أربعة أوجه. في الرفع، وحكَى خامس وهو أنْ يكون على موضع لا ريب فيه أي حق هُدىً، ويكون نصباً على الحال من ذلك والكوفيون يقولون: قَطْعٌ، ويكون حالاً من الكتاب وتكون حالاً من الهاء، قال الفراء: بعض بني أسد يؤنث الهدى فيقول: هذه هُدىً حَسَنة، ولم يُعرَبْ لأنه مقصور والألف لا يُحَرَّك. ثم قال جل وعز {لِلمتَّقِين} مخفوض باللام الزايدة ولغة أهل الحجاز: فلان مُوتَقٍ. وهذا هو الأصل والتَّقيّة أصلها الوقيّة من وَقَيتُ أُبْدلَتْ من الواو تاء لأنها أقربُ الزوائد اليها وقد فعلوا ذلك من غير أنْ يكونَ ثَمَّ تاء كما حَدّثنا عليّ بن سليمان عن محمد بن يزيد عن المازني قال: سألتُ الأصمعي عن قول الشاعر:
* فإنْ يكُنْ أمْسَى البِلى تَيْقُوري *
وقلت له: قال الخليل: هو فيْعُول من الوقار فأُبدِلَ من الواو تاء فقال: هذا قول الاشياخ والأصل للمتّقين بياءين مخففتين وحذفت الكسرة من الياء الأولى لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، ثم قال جل وعز:
{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }
{ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ..} [3]
"ٱلَّذِينَ" في موضع خفض نعت للمتقين ويجوز أن يكون نصباً بمعنى أعني، ورفعاً من جهتين بالابتداء، والخبر "أُولئِكَ عَلَى هُدًى من رَّبِّهِمْ" وعلى اضمار "هم" "يُؤمنونَ" بالهمز لأن أصل آمن: أأمنَ كُرِهَ الجمع بين همزتين فَأُبدِلتْ من الثانية ألف فلما قلتَ: يؤمنونَ فزالت احدى الهمزتين هَمَزت على الأصل، وانْ خففت قلت: يومنونَ بغير همز. ويؤمنون مثل يُكرمون الأصل فيه يُؤكْرِمونَ لأن سبيل المستقبلِ أنْ يكونَ زائداً على الماضي حرفاً إلاّ أنه حذف منه الزايد لأن الضمّةَ تدلُّ عليه ولو جئتَ به على الأصل لاجتمعت الهمزات. والمضمر في يؤمنون يعود على الذين، وهُذَيل تقول: الّذون في موضع الرفع، ومن العرب من يقول: الذي في الجمع كما قال:
[و] إنّ الذي حَانَتْ بَفَلْج دِماؤُهُمْ * هُم القَومُ كلُّ القَوم يا أُمَّ خَالِدِ
{بِٱلْغَيْبِ} مخفوض بالباء الزائدة والباء متصل بيؤمنون {وَيُقِيمُونَ} معطوف على يؤمنون والأصل يُقْوِمُونَ قلبت كسرة على القاف فانقلبت ياءاً، {ٱلصَّلاةَ} منصوبة بيقيمون، وجمعها صلوات، وصلاءة، وصلاوة، {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} "ما" في موضع خفض بمِنْ وهي مصدر لا يحتاج إلى عائد، ويجوز أنْ يكون بمعنى الذي وتَحذِفُ العائد، والنون والألف رفع بالفعل والهاء والميم نصب به ومن متصلة بينفقون أي وينفقون مما رزقناهم.
{ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }
{وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ..} [4]
عطف على الذين الأولينَ {بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} "ما" خفض بالباء والضمير الذي في أنزل يعود على "ما" وهو اسم ما لم يسَمَّ فاعله والكاف خفض بإِلى والأصل الاَكَ أُبدِلَ من الألف ياء للفرق بين الالفات المتمكنة، والتي ليست بمتمكنة ويلزمها الاضافة، وأجازَ الكسائي حذف الهمزة وأن يقرأ {وما أُنْزِلَّيْكَ}، وشَبَّهه بقوله "لكنَّا هُوَ اللهُ ربّي" قال ابن كيسان: ليس مثله لأنّ النون من لكنْ ساكنة واللام من أُنزِلَ متحركة. {وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ} [عطف] و "قبلك" مخفوض بِمنْ والكاف خفض باضافة قبل اليها {وَبِٱلآخِرَةِ} خفض بالباء/ 4/ ب والباء متعلقة بيوقنون و {هُمْ} رفع بالابتداء و {يُوقِنُونَ} فعل مستقبل في موضع الخبر.
{ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }
{أُوْلَـٰئِكَ..} [5]
ابتداء والخبر {عَلَىٰ هُدًى} وأهل نجد يقولون: أُلاَّك، وبعضهم يقول: أُلاَلِكَ، و {هُدًى} خفض بعلى {مِّن رَّبِّهِمْ} خفض بمن، والهاء والميم خفض بالاضافة ويقال: كيف قرأ أهل الكوفة {عَلَيْهُمْ} ولم يقرؤوا "من رَبّهُمْ" "ولا" "فِيهُمْ"؟ والجواب أنّ "عليهُم" الياء فيه منقلبة من ألف والأصل عَلاهُم قال:
* طَارَت عَلاَهُنّ فَطِرْ عَلاَهَا *
فأقرت الهاء على ضمتها، وليس هذا في "فيهِم" "ولا من ربّهم" {وَأُوْلَـٰئِكَ} رفع بالابتداء {همُ} ابتداء ثان {ٱلْمُفْلِحُونَ} خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول، ويجوز أن يكون "هم" زيادة، يسميها البصريون فاصلة ويسميها الكوفيون عماداً و {ٱلْمُفْلِحُونَ} خبر أولئك.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }
{إِنَّ ٱلَّذِينَ..} [6]
"ٱلَّذِينَ" نصب بان وعملت إنّ لأنها أشبهت الفعل في الاضمار ويقع بعدها اسمان وفيها معنى التحقيق، {كَفَرُواْ} صلة "ٱلَّذِينَ" والمضمر يعود على الذين. قال محمد بن يزيد {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ} رفع بالابتداء {أَأَنذَرْتَهُمْ} {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} الخبر والجملة خبر "إنّ" أي أنهم تبالهوا حتى لم تُغْن فيهم النذارة والتقدير سواء عليهم الانذار وتركه، أي سواء عليهم هذان، وجيء بالاستفهام من اجل التسوية. قال ابن كيسان: يجوز أن يكونَ سواء خبر ان وما بعده، يقوم مقام الفاعل، ويجوز أن يكونَ خبر إنّ "لاَ يُؤْمِنُونَ" أي انّ الذين كفروا لا يؤمنون {أَأَنْذَرْتَهُمْ} فيه ثمانية أوجه: أجودها عند الخليل وسيبويه تخفيف الهمزة الثانية وتحقيق الأولى. وهي لغة قريش وسعد بن بكر وكنانة، وهي قراءة أهل المدينة وأبي عمرو والأعمش {أَأَنْذَرْتَهُمْ}، قال ابن كيسان: ورُويَ عن ابن محيْصِن أنّه قرأ بحذف الهمزة الأولى {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَنذَرْتَهُمْ} فحذف لالتقاء الهمزتين، وانْ شئت قلت: لأن "أم" تدلّ على الاستفهام كما قال:
تَروح مِنَ الحَيّ أمْ تَبْتكِرْ * وماذا يَضُرُّكَ لَوْ تَنْتَظِرْ
ورُوي عن ابن أبي اسحاق أنه قرأ {أَاأَنذَرْتَهم} حقق الهمزتين وأدخل بينهما ألفاً لئلا يجمع بينهما. قال أبو حاتم: ويجوز أن يُدخِلَ بينهما ألفاً ويخفف الثانية وأبو عمرو ونافع يفعلان ذلك كثيراً، وقرأ حمزة وعاصم والكسائي بتحقيق الهمزتين {أَأَنْذرتَهُم} وهو اختيار أبي عُبَيْد، وذلك بعِيد عند الخليل وسيبويه يُشْبِهُه الثقل بضَننُوا. قال سيبويه: الهمزة بَعُد مَخرَجُها وهي نبرة تخرج من الصدر باجتهاد، وهي أبعد الحروف مخرجاً فثقلت لأنها كالتهوّع.
فهذه خمسة أوجه، والسادس قاله الأخفش قال: يجوز أن تُخَفَّفَ الأولى من الهمزتين وذلك رديء لأنهم انّما يُخفّفون بعد الاستثقال وبعد حصول الواحدة. قال أبو حاتم: ويجوز تخفيف الهمزتين جميعاً. فهذه سبعة أوجه، والثامن يجوز في غير القرآن لأنه مخالف للسواد. قال الأخفش سعيد: تبدل من الهمزة هاء فتقول "هَانْذَرْتَهُم" كما يقال: إيّاكَ وهَيّاك: وقال الأخفش: في قول الله عز وجل "هأَنْتُمْ" إنّما هو أأنتم.
والتاء في "أَأَنذَرْتَهُمْ" في موضع رفع وفَتَحْتَها فرقاً بين المُخَاطِبِ والمُخَاطبِ، والهاء والميم نَصْبٌ بوقوع الفعل عليهما "أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ" جَزْمٌ بلم وعلامة الجزم حذف الضمة من الراء، والهاء والميم نَصْب أيضاً "لاَ يُؤْمِنُونَ" فعل مستقبل ولا موضع للا من الاعراب.
{ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }
{خَتَمَ ٱللَّهُ..} [7]
"خَتَمَ" فعل ماض واسم الله جل وعز مرفوع بالفعل {عَلَىٰ قُلُوبِهمْ} مخفوض بعلى والهاء والميم خفض بالاضافة {وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ} مثْلهُ. وَلِمَ لَمْ يَقلْ و "على 5/ أ اسماعهم" وقد قال "عَلَىٰ قُلُوبِهمْ" ففيه ثلاثة أجوبة: منها أن السمع مصدر فلم يُجْمَع، وقيل: هو واحد يؤدي عن الجميع، وقيل: التقدير وعلى موضع سمعهم. {وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} رفع بالابتداء، وعند الكوفيين بالصفة، وَرَوَى المُفَضّل عن عاصم بن بَهْدَلَة {وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً} بالنصبِ أضمر وجعل، وقرأ الحسن {غُشَاوَة} بضم العين، وقرأ أبو حَيْوَة {غَشَاوَة} بفتح. قال أبو جعفر: وأجودها {غِشَاوَةَ} بكسر الغين كذلك تستعمل العرب في كل ما كان مشتملاً على الشيء نَحْوُ عِمامَة وقِلاَدَة، رُوي عن الأعمش {غَشْوة} رَدّهُ إلى أصل المصدر. قال ابن كيسان، وهو النحويّ، فكلما قلنا: قال ابن كيسان فإِيّاه نعني: يجوز غِشْوَة وغُشْوة فإِنْ جمعت غِشَاوة تحذف الهاء قلتَ: غشَاءٌ، وحَكى الفراء غَشَاوَى مثل أدَاوى. {وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} رفع بالابتداء {عَظِيمٌ} من نعته.
{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ..} [8]
خفض بمن وفتحت النون وأنت تقول. مِنَ الناس، لأن قبل النون في "مِنْ" كسرةً فَحرّكوها بأخف الحركات في أكثر المواضع ورجعوا الى الأصل في الأسماء التي فيها ألف الوصل، ويجوز في كل واحد منهما ما جاز في صاحبه و "ٱلنَّاسِ" اسم يجمع انساناً وانسانة والأصل عند سِيبويه أناس. قال الفراء: الأصل الاناس خففت الهمزة ثم ادغِمَت اللام في النون قال الكسائي: هما لغتان ليست احداهما أولى من الأخرى: يَدلّ على ذلك أن العرب تُصَغِرّ ناساً نويساً ولو كان ذلك الأصل لقالوا: أُنَيْس. {مَن يَقُولُ آمَنَّا} في موضع رفع بالابتداء "ويقول" على اللفظ {وَمَا هُم} على المعنى و "هم" اسم "ما" على لغة أهل الحجاز ومبتدأ على لغة بني تميم {بِمُؤْمِنِينَ} خفض بالباء، وهي توكيد عند البصريين وجواب لمن قال: أنّ زيداً لَمنطَلقٌ عند الكوفيين.
{ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }
{يُخَادِعُونَ..} [9]
فعل مستقبل، وكذا {وما يَخْدَعُونَ} ولا موضع لها من الاعراب {إِلاَّ أَنْفُسَهُم} مفعول {وَمَا يَشْعُرُونَ} مثل الأول.
{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }
{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ..} [10]
رفع بالابتداء {فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً} مفعولان، وبعض أهل الحجاز يُمِيلُ "فَزَادَهُمُ" لِيَدُلّ على أنه من زِدْتُ {وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} جمع "أليم" إلاَمٌ وأُلَماءُ مثل كرِيم وكُرمَاء، ويقال: أَلآْم مثل أشراف {بِمَا كَانُوا} "ما" خفض بالباء {يَكْذِبُونَ} في موضع نصب على خبر كان.
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }
{وَإِذَا..} [11]
في موضع نصب على الظرف {قِيلَ لَهُمْ} فعل ماض ويجوز {قِيلْ لَهمُ} بالادغام. وجاز الجمع بين ساكنين لأن الياء حرفُ مدٍّ ولين والأصل: قُوِلَ ألِقيتْ حركةُ الواو على القاف فانكسر ما قبل الواو فقلبت ياءاً. قال الأخفش: ويجوز قُيْل بضم القاف وبالياء، ومذهب الكسائي اشمامُ القاف الضَّم ليدلّ على أنه لما لم يُسَمَّ فاعله وهي لغة كثير من قيَس، فأما هُذَيلٌ وبنو دُبَيْرٍ من بني أسد وبنو فَقْعَس فيقولون: قُوْلَ بواو ساكنة "لهم" الهاء والميم خفض باللام {لاَ تُفْسِدُواْ} جزم بلا وعلامة الجزمِ حذف النون {فِي ٱلأَرْضِ} خفض بفي، وإنْ خفَّفتَ الهمزة ألقيتَ حركتها على اللام وحذفتها ولم تحذف ألف الوصل لأن الحركة عارضة فقلت: الأرض، وحكى الكسائي ألَلرضْ لمَّا خفِّفتِ الهمزة فحذفَها أبدل منها لاماً. قال الفراء: لمَّا خُفّفَتِ الهمزة تحركت اللام فكَرِهَ حَركتها لأنّ أصلها السكون زاد عليها لاماً أخرى ليسلم السكون. {قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} ابتداء وخبر و "ما" عند سيبويه كافة لأنّ عن العمل، فأما ضمّ "نَحْنُ" ففيه أقوال للنحويين قال هشام: الأصل نَحُنْ قُلِبَتْ حركة الحاء على النون وأسكِنَت الحاء، وقال محمد بن يزيد: نحن مثل قَبْلُ وبَعْدُ لأنها متعلقة بالاخبار عن اثنين وأكثر قال أحمد بن يحيى: هي مثل حَيْتُ تحتاج الى شيئَيْنِ بعدها. قال أبو اسحاق الزجاج: "نحن" للجماعة ومن علامة الجماعة الواو، والضمة من جنس الواو فلما اضطروا إلى حركة نحن لالتقاء الساكنين حركوها بما يكون للجماعة قال: ولهذا ضَمّوا واو الجَمْعِ 5/ ب في قول {أولِئكَ الذينَ اشتَرَوا الضَّلاَلَةَ بِالهُدَى} وقال عليّ بنُ سُليمانَ: نحن يكون للمرفوع فحركوها بما يشبه الرفع.
{ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }
{أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ.} [12]
كُسِرتْ "إنّ" لأنها مبتدأة. قال عليُّ بنُ سليمان: يجوز فَتْحُهَا كما أجاز سيبويه: حقاً أنّكَ مُنْطلِقٌ بمعنى "ألاَ" والهاء والميم اسم "انّ" و "هم" مبتدأ و "ٱلْمُفْسِدُونَ" خبر المبتدأ، والمبتدأ وخبره خبر "انّ" ويجوز أنْ يكونَ "هم" توكيداً للهاء والميم، ويجوز أن يكونَ فاصلة والكوفيون يقولون: عمادَ.
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ }
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ..} [13]
ألف قطع لأنك تقول: يؤمن {كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ} الكاف في موضع نصب لأنها نعت لمصدر محذوف أي إيماناً كإيمان الناس {قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ} فيه أربعة أقوال أجودها أنْ تُخَفِّف الهمزة الثانية فتقلبها واواً خالصة وتُحَقِق الأولى فتقول {ٱلسُّفَهَآءُ وَلاَ} وهي قراءة أهل المدينة والمعروف من قراءة أبي عمرو، وإنْ شئت خَفّفتهما جميعاً فجعلتَ الأولى بين الهمزة والألف وجعلت الثانية واواً خالصة، وإن شئت خَفّفت الأولى وحَقّق الثانية وإن شئت حَقّقتَها جميعاً.
{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ }
{وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ..} [14]
الأصل لَقِيُوا حُذِفَت الضمة من الياء لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وقرأ محمدُ بنُ السُّميْفَعِ اليمانيّ {وَإِذَا لاَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ}، والأصل لاَقَيوا، فإِن قِيلَ: لِم ضُمّت الواو من "لاَقوا" في الادراج وحُذِفتْ من "لَقُوا"؟ فالجواب أنّ قبل الواو التي في لَقُوا ضَمّةً تدلّ عليها فحذفت لالتقاء الساكنين وحُرّكتْ في "لاَقَوا" لأن قبلها فتحة. "ٱلَّذِينَ" في موضع نصب بالفعل "آمَنوا" داخل في الصلة {قَالُوۤا آمَنَّا} جواب إذا {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ} فإنْ خَفّفتَ الهمزة ألقيتَ حركتها على الواو وحذفتها كما يقرأ أهل المدينة، "شياطينهم" خفض بإلى جمع مكسر فلذلك لم تُحْذَفْ منه النون بالإضافة، والهاء والميم خفض بالإضافة {قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ} الأصل انّنَا حُذِفَتْ منه لاجتماع النونات "مَعَكم" نَصْبٌ بالاستقرار ومن أسكن العين جعل "مَعَ" حرفاً. {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} مبتدأ وخبر فإن خَفَّفتَ الهمزة فسيبويه يجعلها بَيْنَ الهمزة والواو وحجته أنّ حركتها أولى بها، وزعم الأخفش أنه يجعلها ياءاً محضة فيقول: {مُسْتهزيُونَ} قال الأخفش: أفْعَلُ في هذا كما فعلتُ في قوله: "السفهاءُ ولا" قال محمد بن يزيد ليس كما قال الأخفش لأن قوله: "السفهاءُ الاَ" لو جئتَ بها بَيْنَ بَيْنَ كنت تَنْحُو بها نحو الألف، والألف لا يكون ما قبلها إلاّ مفتوحاً فاضطررت إلى قلبها واواً وليس كذا مُسْتَهزِئونَ، ومن أبدل الهمزة قال: مُسْتَهزُونَ وعلى هذا كُتِبَتْ في المصحف.
{ ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }
{ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ..} [15]
"يَسْتَهْزِىءُ" فعل مستقبل في موضع خبر الابتداء، والهاء والميم في موضع خفض بالباء {وَيَمُدُّهُمْ} عطف على يستهزئ والهاء والميم في موضع نصب بالفعل {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} في موضع الحال
{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }
{أُوْلَـٰئِكَ..} [16]
مبتدأ {ٱلَّذِينَ} خبر {ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ} في صلة الذين وفي ضم الواو أربعة أقوال قول سيبويه: أنّها ضُمّ فرقاً بينها وبين الواو الأصلية نحو {وأن لَّوِ استقامُوا على} وقال الفراء: كانَ يجبُ أنْ يكونَ قَبلَها واو مضمومة لأنها واو جمع فَلمَّا حذِفَت الواو التي قبلها واحتاجوا الى حركتها حَرّكوها بحركة التي حُذِفَتْ. قال ابن كيسان: الضمة في الواو أخفّ من غيرها لأنها من جنسها، قال أبو إسحاق: هي واو جمع حُرّكَتْ بالضم كما فُعِلَ في نَحْنُ، وقرأ ابنُ أبي إسحاق ويحيى بن يَعْمرَ {ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ} بكسر الواو وعلى الأصل لالتقاء/ الساكنين: 6/أ وَرَوَى أبو زيد الأنصاري عن قَعْنَبٍ أبي السّمال العَدَويّ أنه قرأ {ٱشْتَرَوَاْ ٱلضَّلاَلَةَ} بفتح الواو ولِخفّة الفتحة وأنّ قبلها مفتوحاً، وأجاز الكسائي {ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ} بضم الواو كما يقال: "أُقِّتتْ" وأدؤر. قال أبو جعفر:
وهذا غلط لأن همزة الواو اذا انضمَّت إنّما يجوز فيها إذا انضّمت لغير عِلّة. {فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} رفع بربحت {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} نصب على خبر كان، والفراء يقول: حال غير مُسْتَغنىً عنها. قال ابن كيسان: يجوز تجارة وتجاير وضلالة وضلايل.
{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }
{مَثَلُهُمْ..} [17]
ابتداء {كَمَثَلِ ٱلَّذِي} خبره والكاف بمعنى مثل و {ٱلَّذِي} خفض بالاضافة {ٱسْتَوْقَدَ نَاراً} صلته، {فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} "مَا" في موضع نصب بمعنى الذي وكذا إنْ كانت نكرة إلاّ أنّ النعت يلزمها إذا كانت نكرة وإن كانت زائدة فلا موضع لها و {حَوْلَهُ} ظرف مكان والهاء في موضع خفض بإضافته إليها {ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ} وأذْهَبَ نُورَهُم بمعنى واحد {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ}وقرأ أبو السّمال {وتَركَهُم في ظُلْماتٍ} باسكان اللام حَذفَ الضمة لثقلها، وَمَنْ أثْبتَها فَلِلفَرْق بيْنِ الاسم والنعت، ويقال: "ظلمَات" بفتحِ اللام. قال البصريون: أُبْدِلَ من الضمةِ فَتْحةٌ لأنّها أخَفُّ، وقال الكسائي: ظُلَماتٌ جمع الجمع جمع ظُلَم {لاَّ يُبْصِرُونَ} فعل مستقبل في موضع الحال.
{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }
{صُمٌّ..} [18]
على إضمار مبتدأ أي [هم] صُمّ {بُكْمٌ عُمْيٌ} وفي قراءة عبد الله وحَفصة {صمّاً بكماً عمياً} لأنّ المعنى وتركهم غير مبصرين صماً بكماً عمياً. ويكون أيضاً بمعنى أعني.
{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }
{أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ..} [19]
الأصل عند البصريين صَيْوبٌ ثم أدغِمَ مثل ميّت، وعند الكوفيين الأصل صَوِيْبُ ثم أُدغِمَ ولو كان كما قالوا لمَا جاز ادغامُهُ كما لا يجوز ادغام طويل. وجمع صيّبٍ صَيَايِب والتقدير في العربية مثلُهم كمثل الذي اسْتَوقَدَ ناراً أو كمثل صَيبٍ. {فِيهِ ظُلُمَاتٌ} ابتداء {وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} معطوف عليه. {يَجْعَلُونَ} مستأنَف وإن شئت كان حالاً من الهاء التي في "فيه" فإنْ قِيلَ: كيف يكون حالاً ولم يعد على الهاء شيء؟ فالجواب أنّ التقدير في صواعقه مثل {يُصْهَرُ بِهِ ما في بُطونِهم والجلود} {أَصَابِعَهُمْ} في واحد الأصابع خمس لغات يقال: إِصْبع بكسر الهمزة وفتح الباء ويقال أَصْبع بفتح الهمزة وكسر الباء، ويقال: بفتحهما جميعاً وبكسرهما وجميعاً وبضمّهما جميعاً. وهي مؤنثة وكذلك الأذن، وَرُوِي عن الحسن أنه قرأ {من الصَّواقِع} وهي لغة تميم وبعض ربيعة {حَذَرَ ٱلْمَوْتِ} ويقال: حِذارَ قال سيبويه: هو منصوب لأنه موقوع له أي مفعول من أجله وحقيقته أنه مصدر، وأنشد سيبويه:
وأغْفِرُ عَوْراءَ الكَرِيم ادِّخَارَهُ * وأُعرِضُ عن شَتْمِ اللَّئِيمِ تَكَرُّمَا
{وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَافِرِينَ} ابتداء وخبر.
{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
{يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ..} [20]
ويجوز في غير القُرآن يكاد أنْ يَفْعَلَ كما قال.
* قد كَادَ مِنْ طُولِ البِلَى أنْ يَمْصَحَا *
وفي "يخطف" سبعة أوجه القراءة الفصيحة {يَخْطَفُ}، وقرأ عليّ ابن الحسين ويَحْيى بن وَثّاب {يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطِفُ أَبْصَارَهُمْ} بكسر الطاء قال سعيد الأخفش: هي لغة. وقرأ الحسن وقتادة وعاصم الجَحْدَري وأبو رجاء العُطَارِدي {يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطِفِ} بفتح الياء وكسر الخاء والطاء، ورُوي عن الحسن أنّه قرأ بفتح الخاء. قال الفراء: وقرأ بعض أهل المدينة بتسكين الخاء وتشديد الطاء، وقال الكسائي والأخفش والفراء: يجوز {يخطفُ} بكسر الياء والخاء والطاء، فهذه ستة أوجه موافقة للسواد، والسابع حكاه عبد الوارث قال: رأيت في مصحف أبَيّ "يكادُ البرق يَتَخطّف أبصارهم" وزعم سيبويه والكسائي أنّ من قرأ {يَخِطِفّ} بكسر الخاء والطاء فالأصل عنده "يَخْتِطفُ" ثم أدْغَم التاء/ في الطاء 6/ب فالتقى ساكنان وكسر الخاء لالتقاء الساكنين. قال سيبويه: ومن فتحها ألقَى حركة التاء عليها، قال الفراء: هذا خطأ ويلزم من قاله أنْ يقول في يَمُدُّ: يَمِدُّ لأن الميم كانت ساكنة وأسكتت الدال بعدها وفي يَعَضُّ يَعِضُّ، قال الفراء: وإنما الكسر لأن الألف في "اخْتَطَفَ" مكسورة. قال أبو جعفر: قال أصحاب سيبويه: الذي قال الفراء لاَ يَلْزمُ لأنه لو قيل: يَمِدّ ويَعِضّ لا شَكَل بيفعِل، ويفتعل لا يكون إلاّ على جهة واحدة. قال الكسائي: من قال: يخطِفُ كسر الياء لأن الألف في اختطف مكسورة. فأما ما حكاه الفراء عن أهل المدينة من اسكان الخاء والادغام فلا يُعْرَفُ ولا يجوز لأنه جمع بين ساكنين. {كُلَّمَا} منصوب لأنه ظرف وإذا كانت كلّما بمعنى إذا فهي موصولة. قال الفراء: يقال: أضاءك وضاءك ويجوز "لَذَهبّ بسمعهم" مدغماً، و {أبْصارِهِم} عطف عليه {إنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} اسم انّ وخبرها.
{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
{يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ..} [21]
"يَا" حرف النداء" و "أيُّ" نداء مفرد ضمّ لأنه في موضع المكْنيّ، وكان يجب أنْ لا يُعْرَب فكرهوا أن يخلوه من حركة لأنه قد كان متمكناً فاختاروا له الضمة لأن الفتحة تلحق المعرب في النداء والكسرة تلحق المضاف اليك، وأجاز أبو عثمان المازني "يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسَ" على الموضع كما يقال: يا زيدُ الظريفَ. وزعم الأخفش أن "ٱلنَّاس" في صلة أيّ و "هاء" للتنبيه الا أنّها تفارق أيّاً لأنها عوض من الاضافة. ولغةً بعض بني مالك من بني أسد "يا أيُهُ الرجلُ" بضم الهاء لما كانت الهاء لازمة حركتها حَرّكها بحركة أيّ {ٱلنَّاس} تابع لأيٍّ كالنعت كما ينعت، لا يجوز نصبه عند أبي العباس لأنه لا يُسْتَغْنَى عنه فصار كما تقول: يا ناس، {ٱعْبُدُواْ} ألف وصل لأنه من يَعْبُد وضَمَمتها والأصل الكسر لئلا تجمع بين كسرة وضمة. قال سيبويه: ليس في الكلام "فِعلُ" وحذف النون للجزم عند الكوفيين ولأنه لم يضارع عند البصريين، {رَبَّكُم} نَصْبٌ باعبدوا الذي نعت له {خَلَقَكُمْ} في الصلة والكاف والميم نصب بالفعل {وَٱلَّذِينَ} عطف على الكاف والميم {مِن قَبْلِكُمْ} في الصلة {لَعَلَّكُمْ} الكاف والميم اسم لعل {تَتَّقُونَ} فعل مستقبل علامة رفعه النون وهو في موضع خبر لعل.
{ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَاشاً..} [22]
"ٱلَّذِي" نعت لربكم وان شئت كان نعتاً للذي خلقكم، وصلح أنْ يقالَ نعت للنعت لأن النعت هو المنعوت في المعنى، ويجوز أن يكون منصوباً بتتقون، ويجوز أن يكون بمعنى أعنى، وأنْ يكون في موضع رفع على أنه خبر ابتداء محذوف ويجوز "جَعَلْ لَكُمْ" مدغماً لأن الحرفين مِثْلانِ قد كثرت الحركات، وتَرْكُ الادغام أجود لأنها من كلمتين، {ٱلأَرْضَ فِرَاشاً} مفعولان لجعل {وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً} عطف والسماء تكون جمعاً لسَمَاوَة وسَمَاءة، وتكون واحدة مؤنّثة مثل عَنَاق وتذكيرها شَاذّ وجَمْعُها سَمَاوات وسَمَاءات وأسْم وسَمَايا، وسماء المطرُ مذكرّ، وكذلك السقف في المستعمل، وجمعها أسْمِيَة وسُمِيّ وسِمِيّ. "وبِنَاءً" يقصر على أنه جمع بِنْيَة ومصدر، ويقال: بُنِيّ جمعُ بنْيَةٍ وفي الممدود في الوقف خمس لغات: أجودها و "وَٱلسَّمَاءَ بناءً" بهمزة بين ألفين ويجوز تخفيف الهمزة حتى تضعف، ويجوز حذفها لقربها من الساكن وهي بين ساكنين فإذا حَذَفتها حَذَفت الألف بعدها فقلت: "بِنَا" لفظه كلفظ المقصور، ومن العرب من يزيد بعده في صورته مَدّةً، ومنهم من يُعَوِضُ من الهمزة ياءاً فيقول: بنيت بنايا، والبصريون يقولون: هُو مشَبّهٌ بخطايا، والفراء يقول: ردت الهمزة إلى أصلها لأن أصلها الياء. {وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً} والأصل في ماء مَوَهٌ قلبت الواو ألفاً لِتَحَرّكِها وتحَرّك ما قبلها فَقُلتَ: ماه فالتقى حرفان خفيّان فأبْدَلْت من الهاء همزةً لأنها أجْلَدُ وهي بالألف أشْبَه فَقُلتَ: ماء؛ فالألف الأولى عَيْن الفعل وبعدها الهمزة التي هي بدل من الهاء وبعد الهمزة ألف بدل من التنوين. قال أبو الحسن عليّ: لا يجوز أن يُكْتَبَ الا 7/أ بألفين عند البصريين وانْ شِئتَ بثلاث فإذا جمعوا أو صغّروا ردّوا إلى الأصل فقالوا: مُويه وأمْواه وميَاه مثل: أجْمَال وجِمَال {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ} جمع ثمرة؛ ويقال: ثَمَرٌ مثل شَجَر، ويُقَال: ثُمُرُ مثل خُشُب، ويقال ثُمْر مثل بُدْنِ وثِمَار مثل إكام: {رِزْقاً لَّكُمْ} مفعول {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً} "تَجْعَلُواْ" جزم بالنهي فلِذَلِك حذفَتْ منه النون "أَندَاداً" مفعول أول و "لله" في موضع الثاني {وَأَنْتُمْ} مبتدأ {تَعْلَمُونَ} فعل مستقبل في موضع الخبر والجملة في موضع الحال.
{ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ }
{وَإِن كُنْتُمْ..} [23]
بفي
في موضع جزم بالشرط {فِي رَيْبٍ} خفض بفي {مِّمَّا نَزَّلْنَا} "ما" خفض بمن والعائد عليها محذوف لطول الاسم أي ما نَزّلناه {عَلَىٰ عَبْدِنَا} خفض بعلى {فَأْتُواْ} جواب الشرط، وان شئتَ قلت مجازاة. قال ابن كيسان: قَصَرْتَ فَأْتُوا لأنه من باب المجيء، وحكى الفراء في قراءته فتوا فيجوز فتوا، {بِسُورَةٍ} خفض الباء {مِّن مِّثْلِهِ} خفض بمن {وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم} نصب بالفعل، جمع شَهِيد. يقال: شَاهِدٌ وشَهِيدٌ مثل قادر وقدير.
{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ }
{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ..} [24]
يقال: كيف دَخَلَتْ "انْ" على "لَمْ" ولا يدخل عامل على عامل؟ فالجواب أنّ "انْ" هنا غير عاملة في اللفظ فَدَخَلَتْ على "لم" كما تَدْخلُ على الماضي لأنها لا تَعْمَلُ في لم كما لا تعمل في الماضي فمعنى "انْ لم تفعلوا" ان تركتم الفعل. قال الأخفش سعيد: انّما جَزَمُوا بِلم لأنها نَفْي فأشْبَهَتْ "لا" في قولك: لا رَجُلَ في الدارِ، فَحَذفْتَ بها الحركة كما حَذَفَت التنوين من الأسماء وقال غيره: جَزمتَ بها لأنها أشْبَهتْ إنْ التي للشرط لأنها تَردُّ المستقبل الى الماضي كما ترد "ان" فنحتاج إلى جواب فأشْبَهت الابتداء، والابتداء يَلْحَقُ به الأسماء الرفع وهو اولى بالأسماء فكذا حُذفَ مع "إنْ" لأن أولى ما للأفعال السكون، {وَلَن تَفْعَلُواْ} نَصْبٌ بلن وعلامة نصبه حذف النون، واستوى النصب والجزم في الأفعال لأنهما فَرْعان وهما بمنزلة النصب والخفض في الأسماء وحُكي عن الخليل رحمه الله: ان أصل "لن": لا انْ وردّ عليه هذا سيبويه وقال: لو كان كذا لما جاز: زيداً لن اضرِبَ. قال أبو عبيدة: من العرب من يجزم بلن كما يجزم بلم. {فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ} جواب الشرط في الفاء وما بعدها ولغة تميم وأسد "فَتَقُوا النارَ" وحكى سيبويه: تَقَى يَتَقِي، {ٱلنَّارَ} مفعولة {ٱلَّتِي} من نعتها {وَقُودُهَا} مبتدأ {ٱلنَّاسُ} خبر {وَٱلْحِجَارَةُ} عطف عليهم {أُعِدَّتْ} فعل ماض والتاء علامة التأنيث أسكَنَتْ عند البصريين لأنها حرف جاء لمعنى، وعند الكوفيين أنك لمَّا ضَمَمْتَ تاء المُخاطب وفتحت تاء المُخاطَبِ المذكر وكسرت تاء المؤنث وبقيت هذه التاء كان ترك العلامة لها علامة، واسم ما لَمْ يُسَمَّ فاعله مضمر في أُعِدَّتْ، {لِلْكَافِرِينَ} خفض باللام الزائدة. وقرأ الحسن ومجاهد وطَلْحَةُ بنُ مصَرّفٍ {ٱلَّتِي وَقُودُهَا}، بضم الواو. وقال الكسائي والأخفش سعيد: الوَقُودُ بفتح الواو الحَطبُ والوُقُودُ بضمها الفعل، قال أبو جعفر يجب على هذا أن لا يُقْرأ الاّ وَقُودُها بفتح الواو لأنّ المعنى حَطَبُها. إلا أنّ الأخفش قال: وحُكِيَ أنّ بعض العرب يجعل الوَقُود والوُقُود جميعاً بمعنى الحطب والمصدر، وذهب الى أن الأول كثر قال: كما أنّ الوَضُوء الماء والوُضُوء المصدر.
{وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ}
{وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ..} [25]
{أًَنَّ} في موضع نصب والمعنى بأن لهم. قال الكسائي وجماعة من البصريين: "أنّ" في موضع خفض باضمار الباء {جَنَّاتٍ} في موضع نصب اسم أنّ وكُسِرت التاء عند البصريين لأنه/ جمع مُسَلَّم فوجب أن 7/ب يستوي خفضه ونصبه كما كان في المذكر جائزاً {تَجْرِي} في موضع نصب نعت للجنات، ومرفوع لأنه فعل مستقبل، وحذفت الضمة من الياء لثقلها معها {ٱلأَنْهَارُ} مرفوع بتجري. {كُلَّمَا} ظرف {قَالُواْ هَـٰذَا} مبتدأ و {ٱلَّذِي} خبره، ويجوز أن يكون هذا هو الذي، {رُزِقْنَا مِن قَبْلُ} غاية مبني على الضم لأنه قد حذف منه، وهو ظرف يدخله النصب والخفض في حال سلامته فلما اعتلّ بالحذف اعْطى حركةً لم تكن تلحقه، وقيل: أعطى الضمة لأنها غاية الحركات {وَأُتُواْ بِهِ} فُعِلُوا من أتَيْتُ {مُتَشَابِهاً} على الحال {أَزْوَاجٌ} مرفوع بالابتداء {مُّطَهَّرَةٌ} نعت وواحد الأزواج زوج. قال الأصمعي، ولا تكاد العرب تقول: زوجة. قال أبو جعفر: حكى الفراء أنه يقال: زوجة وأنشدَ:
إنَّ الذِي يَمْشِي يُحرِشُ زَوْجتي * كَمَاشٍ الى أُسْدِ الشَّرَى يَسْتَبيلُهَا
{وَهُمْ} مبتدأ {خَالِدُونَ} خبره والظرفُ ملغىً، ويجوز في غير القرآن نصب خالدين على الحال.
{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ }
{إِنَّ ٱللَّهَ..} [26]
اسم "إِنّ" والجملة الخبر. لغة تميم وبكر بن وائل {لاَ يَسْتَحْي} بياء واحدة وهكذا قرأ ابن كثير وابنُ مُحَيصنٍ وشِبْل وفيه قولان: قال الخليل: أسْكِنَت الياء الأولى كما سَكَنَتْ في "باع" وسكَنتَ الثانية لأنها لام الفعل، قال سيبويه وقال غيره: لمَّا كثر وكانتا ياءين حَذَفُوها وألقَوا حَرَكَتها على الحاء. قال أبو جعفر: شرح قول الخليل أنّ الأصل استَحْيَى فأعلهُ من جهتين اعلّ الياء الأولى كما يقال: استَبَاعَ واعلّ الثانية كما يقال: يرمِي فحذف الأولى لئلا يلتقي ساكنان، وهذا بعيد جداً لأنهم يجتنبون الاعلال من جهتين. والقول الآخر هو قول سيبويه سمعت أبا اسحاق يقول: اذا قال سيبويه بَعْدَ قول الخليل: وقال غيرُهُ فإِنما يعني نفسه ولا يُسمّي نفسه بعد الخليل اجلالاً منه له، وشرح قول سيبويه أنّ الأصل: اسْتَحْيَى كثر استعمالهم إيّاه فحذفوا الياء الأولى وألقوا حركتها على الحاء فأشبه افتعل نَحْوُ اقتَضَى فَصَرفُوهُ تَصرِيفه فقالوا: استَحَى يَسْتَحِي. {أَن يَضْرِبَ} في موضع نصب أي من أن يضرب {مَثَلاً} منصوب بيضرب {مَّا بَعُوضَةً} في نصبها ثلاثة أوجه: تكون "ما" زائدة و "بعوضة" بدلاً من مثل، ويجوز أن تكونَ "ما" في موضع نصب نكرة و"بعوضة" نعتاً لما وَصَلُحَ أنْ تكونَ نعتاً لأنها بمعنى قليل، والوجه الثالث قول الكسائي والفراء قالا: التقدير أن يضرب مثلاً ما بين بعوضةٍ حُذِفَت "بَيْنَ" وأعربت بعوضة باعرابها والفاء بمعنى "الى" :أي الى ما فوقها، ومعنى ضَرَبْتُ له مثلاً مثّلْت له مثلاً وهذه الابنيةُ على ضرْبٍ واحدٍ أي على مثال واحد {فَمَا فَوْقَهَا} عطف على "ما" الأولى، وحطى أنه سمع رؤبة يقرأ {انّ الله لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضرب مثلاً ما بَعُوضةٌ} بالرفع وهذه لغة تميم، جَعَل "ما" بمعنى الذي ورفع بعوضة على اضمار ابتداء والحذف في "ما" أقْبَحُ منه في الذي لأن الذي إنّما له وجه واحد والاسم معه أطَْوَلُ. {فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} "ٱلَّذِينَ" رفع بالابتداء وخبره ما بَعدَ الفاء فلا بُدَّ من الفاء في جواب أمّا لأن فيها معنى الشرط أي مهما يكُنْ من شَيْء فالأمر كذا {فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ} "أنّ" في موضع نصب بيعلمون والهاء اسمها والحق خبرها {مِن رَّبِّهِمْ} خفض بمن {وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} ولغة تميم وبني عامر "أَيْمَا" يبدلون من احدى الميمين ياءاً كَرَاهِيَة التضعيف وعلى هذا يُنْشَدُ بَيْتُ عُمرَ بن أبي ربِيعَة:
رَأتْ رَجُلاً أيْما اذا الشَّمْسُ عَارَضَتْ * فَيَضْحَى وأيْما بالعَشِيِّ فَيَخْصر
{فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً} إنْ شِئْتَ جَعَلتَ "ما" و "ذا" شيئاً واحداً في موضع نصب بأراد. قال ابن كيسان: وهو أجود وانْ شئتَ جعلتَ "ما" اسماً تاماً في موضع رفع بالابتداء و "ذا" بمعنى الذي هو خبر الابتداء، ويكون التقدير: ما الذي أراد الله بهذا مثلاً 0/ 8/ أ قال أحمد بن يَحْيَى ثعلب: "مَثَلاً" منصوب على القَطع وقال ابن كيسان: هو منصوب على التمييز الذي وقع موقعَ الحال {يُضِلُّ} فعل مستقبل {كَثِيراً} مفعول به {وَيَهْدِي} أسكِنَت الياء فيه استثقالاً للجمع بينها وبين ياء وكسرة {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَاسِقِينَ} بوقوع الفعل عليهم، والتقدير وما يُضِلّ به أحداً إلاّ الفاسقين، ولا يجوز أن تَنْصبهم على الاستثناء لأن الاستثناء لا يكون إلاّ بعد تمام الكلام.
{ ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ }
{ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ..} [27]
"ٱلَّذِينَ" في موضع نصب على النعت للفاسقين وانْ شئتَ جعلته في موضع رفع على أنه خبر ابتداء محذوف أي هم الذين، {يَنقُضُونَ} فعل مستقبل والمضمر الذي فيه يعود على الذين {عَهْدَ ٱللَّهِ} مفعول به {مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} خَفَضَتْ بعْداً بِمِنْ ومِيثاقه بَعْد اليهِ وهو بمعنى: ايثاقَهُ. قال ابن كيسان: هو اسم يُؤدِي عن المصدر كما قال القُطَامي:
أكُفْراً بَعْدَ رَدّ المَوْتِ عَنّي * وَبَعْدَ عَطَائِكَ المائةَ الرِتَاعَا
{وَيَقْطَعُونَ} عطف على ينقصون {مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ} "ما" في موضع نصب بيقطعُونَ. والمصدر قَطيعَة وقَطَعْتُ الحَبْلَ قطعاً وقَطَعْت النهرَ قُطوعاً وقَطَعتِ الطَّيرَ قِطَاعاً وقطاعاً إذا خَرَجَتْ من بلد إلى بلد، وأصابَ الناسَ قطعَةٌ اذا قَلّتْ مياهُهُم ورَجلٌ بِهِ قطْعٌ أي انبِهارٌ {وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ} عطف على يقطعون. {أُولَـۤئِكَ} مبتدأ {هُمُ} ابتداء ثان {ٱلْخَاسِرُونَ} خبر الثاني والثاني وخبره خبر الاول، ان شئتَ كانت هم زائدة والخاسرون الخبر.
{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ} [28]
"كيف" اسم في موضع نصب هي مبنية على الفتح. وكان سبيلها أن تكونَ ساكنة لان فيها موضع الاستفهام فأشْبَهَتِ الحروف واختير لها الفتح من أجل الياء {تَكْفُرُونَ} فعل مستقبل {بِٱللَّهِ} خفض بالباء {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} التقدير وقد كنتم أمواتاً ثم حذِفَتْ قَد {أَمْوَاتاً} خبر كنتم {فَأَحْيَاكُمْ} الكاف والميم في موضع نصب بالفعل وكذا {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فعل مستقبل.
{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ..} [29]
ابتداء وخبر {مَّا} في موضع نصب {جَمِيعاً} عند سيبويه نصب على الحال. {ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ} أهلُ الحجاز يُفَخّمونَ وأهلُ نَجْدِ يُميلونَ ليُدلوا على أنه من ذوات الياء {إِلَى ٱلسَّمَآءِ} خفض بإِلى {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} قال محمد بن الوليد سبع منصوب على أنه بدل من الهاء والنون أي فسوى سبع سموات قال أبو جعفر: يجوز عندي أن يكونَ فسوّى منهن كما قال جل وعز "واختارَ مُوسى قَومَهُ" أي من قومه. {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} مبتدأ وخبر.
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ..} [30]
قال أبو عبيدة: "إِذْ" اسم وهو ظرف زمان ليس ما يُزَادُ. قال أبو اسحاق ذكر الله عز وجل خَلْقَ الناس وغيرهم فالتقدير ابتدأ خَلْقَهُم "إِذْ قَالَ رَبُّكَ" {لِلْمَلاَئِكَةِ} خفض باللام والهاء لتأنيث الجماعة {إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ} الياء في موضع نصب جاعل خبر انّ. والاصل انني حذفت النون لاجتماع نونين "فِي ٱلأَرْضِ" خفض بفي {خَلِيفَةً} نصب بجاعل، ولا يجوز حذف التنوين للفصل ولو ولِيَهُ المفعول لجاز حذف التنوين "خَلِيفَةَ" يكون بمعنى فاعل أي يخلف من كان قبله من الملائكة في الأرض أو من كان قبله من غير الملائكة كما رُويَ ويجوز أن يكون "خَلِيفَةً" بمعنى مفعول أي يُخْلَفُ كما يقال ذَبِيحَةٌ بمعنى مفعولة. {قَالُواْ أَتَجْعَلُ} فعل مستقبل {فِيهَا مَن يُفْسِدُ} في موضع نصب بتجعل والمفعول الثاني يقوم مَقامَهُ "فِيهَا" "يُفْسِدُ" على اللفظ، ويجوز في غير القرآن يفسدون على المعنى، {وَيَسْفِكُ} عطف عليه، ورُويَ عن الأعرج {وَيَسفِكَ الدِمَاء} بالنصب/ 8/ ب يجعله جواب الاستفهام بالواو. وواحد الدماء دَمٌ ولا يكون اسم على حرفين إلا وقد حُذِفَ منه والمحذوف منه ياء وقد نُطِقَ به على الأصل قال الشاعر:
فَلَو أنّا عَلَى حَجَرٍ ذُبِحْنَا * جَرَى الدَّميَانِ بالخَبرِ اليقينِ
{وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} لا يجوز ادغام النون في النون لئلاّ يلتقي ساكنان {قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} منْ حَرّك الياء فقال "إِنِّيَ أَعْلَمُ مَا" كَرِهَ أن يكونَ اسم على حرف واحد ساكناً، ومن أسكَنَها قال: قد اتَّصَلَتْ بما قبلها "أَعْلَمُ" فعل مستقبل، ويجوز أن يكون اسمًا بمعنى فاعل كما يقال: الله أكْبَرُ بمعنى كبير، وكما قال:
لعمركَ ما أدْرِى وانّي لأوجَلََ * على أيِنَا تَغْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ
ويجوز إدغام الميم في الميم و "ما" في موضع نصب بأعلم اِذا جعلته فِعْلاً وان جَعلته اسمًا جاز أن يكونَ "ما" في موضع خفض بالاضافة وفي موضع نصب وتَحْذِفُ التنوين لانه لا ينصرف.