إعلانات المنتدى


الكلام في الوقف على "كماء أنزلناه من السماء فاختلط"

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

أحمد النبوي

مراقب الأركان العلمية
مراقب عام
19 يناير 2009
2,950
662
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فهذا كلام جمعته في تخريج وقف الإمام أبي جمعة الهبطي على قوله تعالى "فاختلط" والابتداء بقوله "به نبات الأرض"، وقد وقع ذلك في موضعين في القرآن الكريم، الأول في سورة يونس 24، والثاني بالكهف 45، وقد سألني عنه أحد الأخوة في بعض المنتديات، فأقول وبالله التوفيق:

الوقف له تخريج لغوي سائغ إن شاء الله، لكن يشوبه التكلف والتعسفُ، وسوف ترى من نقولي عن أهل العلم كثيرا ممن نقد أو نقل النقد أو نقله وزاد عليه، ولم أقف على من رجحه أو مال إليه، ولعل ذلك يُدرجه في الوقوف التعسفية، وهي طائفة من الوقوف لها وجه يُقدُّ من اللغةِ قَدًّا، ويكاد معناه ألا يتبادر إلى ذهن السامع بفطرته وسليقته، وقلما تجد من زكّاه من أهل العلم.

أما اختيار الإمام الهبطي عليه رحمة الله لهذا الوقف؛ فأعلق عليه قائلا:

لا أزال معجبا بمدرسة الإمام الهبطي الراقية في علم الوقف والابتداء، وأحسبُ أنه كان يروم تقطيع القرآن الكريم بالوقف ليسهل على ضعيف النَّفََسِ أن يقف ليستأنف من بعد وقفه مباشرة، وهو معنى لطيف للعوام، لكنه لا يناسب طالب العلم المبتدي فضلا عن المنتهي، ونحن بهذا القول - كطلاب علمٍ - نُحسن التأول للعلامة الهبطي عليه رحمة الله تأدبا مع علمه وإحسانا للظن، وهاك طائفة من تعليقات أهل العلم على تفسير الآية في الموضعين:

يقول الإمام الداني صاحب المكتفى:

وقال قائل: "كما أنزلنا من السماء فاختلط" هنا وفي الكهف التمام، ولا وجه لما قاله القائل أبو يعقوب الأزرق، لأن المعنى: فنبت بذلك المطرِ أنواع من النبات مختلط بعضها ببعض.

أما الإمام السجاوندي صاحب علل الوقوف فلم يُشِر إليها البتة في موضعيها، وكذا العلامة شيخ الإسلام الأنصاري صاحب المقصد لتلخيص ما في المرشد، والأخير للعلامة العماني.

أما العلامة الأشموني صاحب منار الهدى فقال:

فلا يوقف على قوله "فاختلط"، وزعم يعقوب الأزرق أنه هنا - أي في موضع يونس - وفي الكهف: تام على استئناف ما بعده؛ جملة مستأنفة من مبتدإ وخبر، وفي هذا الوقف شيئ من جهة اللفظ والمعنى، فاللفظ: أن "نبات" فاعل بقوله "فاختلط"، أي: فنبت بذلك المطر أنواع من النبات يختلط بعضها ببعض، وفي المعنى تفكيك الكلام المتصل الصحيح والمعنى الفصيح، وذَهابٌ إلى اللغو والتعقيد!

ويقول الطبري في تفسيره (ج 18 - ص 30):

فاختلط بالماء نبات الأرض.

وقال القرطبي في تفسيره (ج 8 -ص 327):

"فاختلط" روي عن نافع أنه وقف على " فاختلط " أي فاختلط الماء بالارض، ثم ابتدأ "به نبات الارض" أي بالماء نبات الارض، فأخرجت ألوانا من النبات، فـ"نبات" على هذا ابتداء، وعلى مذهب من لم يقف على "فاختلط " مرفوع بـ"اختلط"، أي اختلط النبات بالمطر، أي شرب منه فتندى وحسن وأخضر.
والاختلاط تداخل الشئ بعضه في بعض.

ثم قال في موضع الكهف (ج 10 - ص 412):

"كماء أنزلناه من السماء فاختلط به" أي بالماء "نبات الارض" حتى استوى.
وقيل: إن النبات اختلط بعضه ببعض حين نزل عليه الماء، لأن النبات إنما يختلط ويكثر بالمطر.
وقد تقدم هذا المعنى في يونس مبينا.

وقال الألوسي في تفسيره لموضع يونس (ج 7 - ص 478):

"فاختلط بِهِ" أي فكثر بسببه "نَبَاتُ الارض" حتى التف بعضه ببعض.

ثم زاد فائدة لطيفة في موضع الكهف (ج 11 - ص 267) فقال:

"فاختلط بِهِ نَبَاتُ الارض" أي فاشتبك وخالط بعضه بعضاً لكثرته وتكاثفه بسبب كثرية سقي الماء إياه، أو المراد: فدخل الماء في النبات حتى روى ورف، وكان الظاهر في هذا المعنى (فاختلط بنبات الأرض) لأن المعروف في عرف اللغة والاستعمال: دخول الباء على الكثير غير الطارىء، وإن صدق - بحسب الوضع - على كل من المتداخلين أنه مختلط ومختلط به، إلا أنه اختير ما في النظم الكريم للمبالغة في كثرة الماء حتى كأنه الأصل الكثير ففي الكلام قلب مقبول!

أما الرازي (ج 10 - ص 212) ففصل حال الباء في قوله "به" قائلا:

والباء في قوله "فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض" فيه وجوه:

الأول: التقدير: فاختلط بعض أنواع النبات بسائر الأنواع بسبب هذا الماء وذلك لأن عند نزول المطر يقوي النبات ويختلط بعضه بالبعض ويشتبك بعضه بالبعض ويصير في المنظر في غاية الحسن والزينة.

والثاني: فاختلط ذلك الماء بالنبات واختلط ذلك النبات بالماء حتى روى ورف رفيفاً، وكان حق اللفظ على هذا التفسير: فاختلط بنبات الأرض، ووجه صحته أن كل مختلطين موصوف كل واحد منها بصفة صاحبه.

وذكر السمرقندي في بحر العلوم(ج 2 - ص 289) معنى لطيفا للآية، قال:

يعني: يدخل الماء في الأرض فينبت به النبات، فاتصل كل واحد بالآخر فاختلط.

قال أحمد النبوي: وكأنه يعني اختلاط التراب بالبذور بفعل الماء الذي خلطهما، فكان النبات بعد ذلك.

وجمع ابن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني (ت 775هـ) في تفسيره اللباب في علوم الكتاب (ج 8 - ص 448) أقوالا لطيفة، فقال:

وقوله: "فاختلط بِهِ" في هذه الباءِ وجهان:

أحدهما: أنها سببيَّةٌ، قال الزمخشري: « فاشْتبكَ بسببهِ، حتى خالط بعضه بعضاً».
وقال ابن عطيَّة: وصَلَتْ فِرْقَةٌ "النَّبات" بقوله "فاخْتَلَطَ" أي: اختلط النَّبَاتُ بعضه ببعضٍ بسبب الماء.

والثاني : أنَّها للمُصاحبة، بمعنى: أنَّ الماء يجري مجرى الغذاء له، فهو مُصاحبه.

وزعم بعضُهم: أنَّ الوقف على قوله "فاختلط" على أنَّ الفاعِلَ ضميرٌ عائدٌ على الماءِ، وتبتدىءُ "بِهِ نَبَاتُ الأرض" على الابتداء والخبر، والضمير في "بهِ" - على هذا - يجُوزُ عودُه على الماءِ، وأن يعُود على الاختلاط الذي تضمَّنَهُ الفعل، قاله ابن عطيَّة، وقال أبو حيَّان: الوقْفُ على قوله "فاخْتلَطَ" لا يجُوزُ، وخاصَّةً في القرآن؛ لأنَّه تفكيكٌ للكلام المتَّصل الصحيح، والمعنى الفصيحِ، وذهابٌ إلى اللُّغْزِ والتَّعقيد.

وذكر هذا الكلام أبو حيّان في تفسير البحر المحيط (ج 6 - ص 286)، وزاد عليه فقال:

ألا ترى أنه لو صرح بإظهار الاسم الذي الضمير في كناية عنه فقيل: (بالاختلاط نبات الأرض) أو (بالماء نبات الأرض) لم يكد ينعقد كلاماً من مبتدأ وخبر لضعف هذا الإسناد وقربه من عدم الإفادة، ولولا أنّ ابن عطية ذكره وخرّجه على ما ذكرناه عنه لم نذكره في كتابنا.


وفي المحرر الوجيز لأبي محمد عبدالحق بن غالب المحاربي (ج 3 - ص 350)؛ قال:
"فاختلط": ووقف هنا بعض القراء على معنى: فاختلط الماء بالأرض، ثم استأنف: "به نبات الأرض" على الابتداء والخبر المقدم، ويحتمل على هذا أن يعود الضمير في "به" على "الماء" أو على "الاختلاط" الذي يتضمنه القول، ووصلت فرقة فرفع "النباتُ" على ذلك بقوله "اختلط" أي: اختلط النبات بعضه ببعض بسبب الماء.

والله أعلى وأعلم وأحكم.
 

أمّ ورقة الشّهيدة

مزمار ذهبي
24 ديسمبر 2007
1,145
3
0
الجنس
أنثى
رد: في الوقف على "كماء أنزلناه من السماء فاختلط"

بارك الله فيكم. بحث شائق وثري جدّا...جزاكم الله خيرا.
إلا أني لا أذكر أن للهبطي هذا الوقف إلا في موضع يونس أما في الكهف فلا أذكر ذلك.
 

نور مشرق

مراقبة قديرة سابقة وعضو شرف
عضو شرف
22 يوليو 2008
16,039
146
63
الجنس
أنثى
علم البلد

كمال المروش

مشرف سابق
2 يوليو 2006
8,187
128
63
الجنس
ذكر
رد: في الوقف على "كماء أنزلناه من السماء فاختلط"

جزاك الله خيرا شيخا احمد
 

أحمد عمار

مشرف الركن العام
المشرفون
10 فبراير 2010
3,061
284
83
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
رد: في الوقف على "كماء أنزلناه من السماء فاختلط"

جزاك الله خيرا واجزل لك من فضله
وزادك الله علما وبارك فيك
 

محمد ابو معلا

مشرف سابق
13 ديسمبر 2007
4,384
34
48
الجنس
ذكر
رد: في الوقف على "كماء أنزلناه من السماء فاختلط"

جزاكم الله خير الجزاء
 

رافع الجزائري

مزمار فعّال
30 أكتوبر 2008
93
4
0
الجنس
ذكر
رد: في الوقف على "كماء أنزلناه من السماء فاختلط"

جزاك الله خير الجزاء شيخنا احمد على هذه الإفادة القيمة و زادنا و إياك علما نافعا و عملا متقبلا ، ونحن في انتظار المزيد ...happy:
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع