رد: اخر ابحاثى فى المقامات الصوتية
السلام عليكم
أشكر لك جهدك أستاذنا الكريم طه في هذا البحث النافع. إلا أن لي بعض الملحوظات سأذكرها بعد أن ألخص بحثك:
ذكرت في بحثك أهمية اللغة العربية وصعوبة حفظ أسماء المقامات المتداولة وحفظ ما تشير إليه لعجمتها وكثرتها. ثم طرحت فكرتك لاستبدال أسماء المقامات المتدوالة بأسماء عربية ونحت أسماء لفروع المقامات من المقامات الأساسية للإشارة إلى مكونات (أجناس) المقام الفرعي إلخ...ومن الأسماء التي اقترحت هي: أساسي (راست) حواري (بيات) قانوني (عجم) انتقالي (هزام) تنديد (شاهيناز) شجن (صبا) نسائم (نهاوند) ترجي (كرد). ثم جئت على تسمية أفرع المقامات وأنا ذاكر بعضما اقترحت: قانوساسي (جهاركاه) انتساسي (سيكاه) اسانديد (السوزناك) وذكرت أن هذه التسمية تعين الشادي على ارجاع فروع المقامات إلى أصولها, حيث أن كلمة قانوساسي هي نحت كلمتي: قانوني وأساسي, وكلمة انتساسي هي نحت كلمتي: انتقالي وأساسي وهلم جرا...
أقول يا أستاذنا الكريم: إن معالجتك للمشكلة الأولى, ألا وهي صعوبة حفظ المقامات لكثرة عددها لم تكن موفقة, لاستبدالك اسما باسم, فبقي العدد اثنين وثلاثين ولم ينقص. على أن كثرة الأسماء والمصطلحات في علم من العلوم لا يدل على عيب في قواعد ذاك العلم. يشفع لذلك علم النحو, والعروض والصرف وغيرها من علوم العرب التي كثرت فيها المصطلحات والأسماء.
أما معالجتك للمشكلة الثانية, ألا وهي عجمة الأسماء, فهي ما زاد الطين بلة! أترى أن قانوساسي أقل عجمة من جهاركاه؟ أم لعلك ترى أن أسانديد أقل ثقلا على اللسان من سوزناك؟ كلاهما أعجمي وثقيل, إلا أن جهاركاه وسوزناك وغيرها من الأسماء معروفة عند أرباب هذا العلم وشداته. ولكثرة تدوالها استأنستها الأذن واستخفها اللسان. أما الأسماء التي اقترحت, فهي تذكرني بشعر الحلي حين قال:
إنما الحيزبون والدردبيس ... والطخا والنقاح والعلطبيس
والغطاريس والشقحطب والشقب والحربصيص والعيطموس
لغة تنفر المسامع منها حين تروى وتشمئز النفوس
وقبيح أن يسلك النافر الوحشي منها ويترك المأنوس
إن خـير الألفاظ ما طـرب السامع منه وطاب فيه الجليس
(شعر ثقيل في بحر خفيف)
ثم إنك استبدلت عربيا بعربي. فالبيات والعجم والصبا والكرد والحجاز كلمات عربية. يظهر من هذا أنك لم ترد استبدال الأعجمي بعربي فحسب, ولكنك أردت في بحثك أن تضع أسماء عربية تدل معانيها على صوت المقام والمشاعر التي يحركها في المستمع. ولقد أفلحت في ذلك عند تسميتك للصبا بشجن وللنهاوند بنسائم وللكرد بالترجي. ولكنك أخفقت عند تسميتك للهزام والراست والبيات والعجم. فلفظ أساسي لا يدل على الطرب. ولفظ حواري لا يدل على الأريحية والسكون, ولفظ قانوني لا يدل على النشاط والحركة. فعند تسميتك للراست بالأساسي, لم تنظر إلى المشاعر التي يحركها ذاك المقام, بل نظرت إلى نوتاته وأبعاده, فخالفت بذلك طريقتك التي اعتمدت عند تسميتك الصبا والنهاوند والكرد. وهذا الاضطراب في المنهج يضر المتعلم ولا ينفعه.
هذا وإن طلاب هذا العلم طالما أشاروا إلى أفرع المقامات بأسماء أجناسها, كقولهم مثلا: هزام على راست, أو عجم على راست إلخ...فالفكرة التي اقترحت ليست بجديدة. بل هي متداولة, وأسماؤها أكثر وضوحا من قانوساسي وانتساسي. وأنت تعلم, بارك الله فيك, أن تغيير الإصطلاح في أي علم ليس أمرا سهلا. حتى وإن كان الإصطلاح الجديد هو أصح من الإصطلاح القديم. فما بالك باصطلاح هو أكثر عجمة وغرابة من الإصطلاح القديم.
فأرى أن تعيد النظر في بحثك. فإما أن تضع اصطلاحا أفصح وأقل عجمة من الإصطلاح القديم وتتبع منهجا مستقيما غير مضطرب في التسمية, أو أن تعمد إلى الإصطلاح القديم وتنحت منه المقامات الفرعية, فتقول مثلا: هزست, وهو السيكاه, منحوت من هزام وراست. وعجست, وهو الجهاركاه, منحوت من عجم وراست. ولا فرق بين هزست وعجست وبين قانوساسي وانتساسي من حيث العجمة, إلا أن هزست وعجست أقرب للذهن لأن أوصولهما متداولة بين الناس.
في الختام أقول: إن مسألة التسمية في هذا العلم يجب أن تبدأ من الجذور. أعني بذلك أسماء درجات السلم وأنصاف الدرجات وأرباعه. فإن وفق باحث في وضع تسمية مستساغة للسلم الموسيقي العربي, حينها ستنحل مسألة تسمية المقامات وأفرعها.
أرجو أن يتسع صدرك لملحوظاتي البسيطة أستاذنا طه.
والسلام