- 20 سبتمبر 2008
- 105
- 1
- 18
- الجنس
- أنثى
الحلقة (2)
الوقف والابتداء وأهميته في أداء وفهم معاني القران الكريم
الوقف والابتداء علم يعرف به القارئ المواضع التي يتوجب على قارئ القران الكريم مراعاتها والعمل على تطبيقها ومعرفة الوقف الجائز من الوقف الواجب والقبيح من الحسن, وقد عَرَّفَ العلماء الوقف بأنه:عبارة عن قطع الصوت عن الكلمة زمنا يتنفس فيه القارئ عادة بنية استئناف القراءة.
وللوقف والابتداء علاقة وثيقة بالنحو أقوى من علاقته بالقراءات, لذلك فان علماء القراءة وأئمتها لهم مذاهب في الوقف والابتداء كل حسب اختصاصه, لذلك ينبغي فهم النص القرءاني أولا معتمدا على علم النحو, وبعكسه فان القارئ سيقع في متاهات تؤدى به إلى الخلط بالآيات والمقاطع القرءانية وبالتالي يتعذر إيصال معاني القرءان إلى السامع ما لم يوضب النحو في تقريب وإيصال تلك المعاني إلى السامع.
إن فهم النص القرءاني هو الأساس في وضع هذا العلم - النحو- إذ يجنب القارئ الوقوع في اللحن والخلط في المفاهيم القرءانية, ومن اللحن ما يُغَيِّر المعنى, واللحن هو الميل عن الصواب, كما ورد في قوله تعالى: (أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) التوبة آية 3, ولو كسرت اللام في (رسوله) لغيرت المعنى تماما, إذ جعلت الله سبحانه وتعالى يتبرأ من رسوله وهذا لا يجوز شرعا, ولا يصدقه العاقلون, بينما القراءة الصحيحة برفع لام (رَسُولُهُ) ليكون المعنى, أن رسول الله بَرِيءٌ من المشركين كما أن الله بَرِيءٌ منهم, وفي قوله تعالى: (سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ - وقف, ولا يصح وصله بما بعده- لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً) سورة النساء آية 171, لان المقصود هو نفي الولد مطلقا, ومن ذلك قوله تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ - وقف - وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) الفتح, الآية 9, وللتفريق بين الضميرين: فالهاء في (وَتُوَقِّرُوهُ) تعود للنبي صلى الله عليه وسلم, أما الوقف على (وَأَصِيلاً) فهو تام كونه رأس آية, ومثل هذه الشواهد كثيرة في القرءان الكريم, منها: ما يكون فيه الوقف حسنا والابتداء بما بعده قبيحا نحو قوله تعالى: (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ) ويقف عليها يكون هذا وقفا حسنا ولكن الابتداء بما بعدها قبيحا إذا ابتدأ بـ (وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا) سورة الممتحنة, الآية 1, إذ يصبح ذلك تحذيرا من الإيمان بالله تعالى, وسنجد بعضا من هذه الشواهد في ختام هذا الموضوع.
إن معرفة الوقف والابتداء أمر مهم لابد منه لمن يقرأ القرءان, بل ولكل من يتعامل مع الكلمة النحوية سيما منهم الخطباء والمحدثون والمذيعون والشعراء والأُدباء ومن سار على نهجهم, ومن الشواهد على ذلك ما روى الإمام مسلم وغيره: ( أَنَّ رَجُلا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا - ووقف عند هذه الكلمة ولم يكمل المعنى ثم قال- فَقَدْ غَوَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فَقَدْ غَوِيَ) رواه الإمام مسلم وغيره, قال بعض الْعُلَمَاء: إِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ لِتَشْرِيكِهِ فِي الضَّمِير الْمُقْتَضِي لِلتَّسْوِيَةِ، وَأَمَرَهُ بِالْعَطْفِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى بِتَقْدِيمِ اِسْمه تعالى, وذكر ابن النحاس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للخطيب بئس الخطيب أنت حين قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما ووقف قال قد كان ينبغي أن يصل كلامه فيقول ومن يعصمها فقد غوى أو يقف على ورسوله فقد رشد فإذا كان مثل هذا مكروها في الخطب ففي كلام الله أشد.
فعلى المتكلم والخطيب والقارئ أن يختار مواضع ومقاطع يقف عندها لتبيان المقصود للسامع, وبعكسه فعمله مكروه ومستقبح في الكلام الجاري بين الناس, ومن ذلك: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سأل أعرابيا عن ناقته فقال له: أتبيعها؟ فأجاب الأعرابي قائلا: لا عفاك الله, فغضب أبو بكر رضي الله عنه وقال له: لا تقل هكذا ولكن قل: لا وعفاك الله, وإنما غضب أبو بكر لان الكلام الأول دعاء عليه بينما الكلام الثاني دعاء له , ولم يسأل الأعرابي عن نيته لان ظاهر الكلام هذه دلالته وان قصد الأعرابي الدعاء له لا عليه, ومن ذلك ما تعارف عليه الناس في مجالسهم وتداوله الكثير عند الكلام في طلب حاجة ما أو أمر معين فيقول احدهم: تفضل بالجلوس معي, فيرد عليه صاحبه قائلا: لا بارك الله فيك, ونسي أن يدخل حرف الواو قبل (لا) النافية ليكون كلامه دعاء له لا عليه, ومن هذا المنطلق تبرز أهمية الوقف والابتداء في كل مناحي الكلام, الأمر الذي يوجب معرفة هذا العلم والخوض في أعماقه ليكون الكلام بعيدا عن اللحن والخطأ, إذ أن الاختيار الحسن والارتضاء السليم وعدم الإخلال بالمعنى يظهر المراد, ولا بد لقارئ القرءان من تدبر المعاني حتى يتعرف على الأماكن التي يجوز فيها الوقف والأماكن التي لا يجوز فيها.
يقول الهذلي في كامله: الوقف حلية التلاوة, وزينة القارئ, وبلاغ التالي, وفهم المستمع, وفخر العالم.
والوقف لا يوصف بوجوب ولا حرمة, وليس في القرءان وقف واجب يأثم القارئ بتركه, ولا حرام يأثم القارئ بفعله, وإنما يتصف الوقف بالوجوب بالحرمة بحسب ما يعرض من إيهام مالا يراد, ونبين في ما يأتي حكم الوقف على فواصل الآيات ورؤسها:
1- يصح الوقف على موطن بعده جملة بيانية مثل الوقف على قوله تعالى: (ولكن الشياطين كفروا) لأن ما بعدها قوله تعالى: ( يعلمون الناس السحر ) سورة البقرة, الآية 102.
2- يصح الوقف على موطن بعده جملة تفصيلية مثل الوقف على قوله تعالى: ( الذين كفروا ) لأن ما بعدها قوله تعالى: ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) سورة البقرة, الآية 89 .
3- يصح الوقف على الجمل المتعاطفة مثل قوله تعالى: (قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم) لان ما بعده قوله تعالى: (ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) سورة البقرة, الآية 139, وذلك لأن كل جملة من الجمل المتعاطفة تعطي معنى بنفسها.
4- يصح الوقف على موطن بعده جملة تعليلية مثل الوقف على قوله تعالى: (فولوا وجوهكم شطره) لأن ما بعدها (لئلا يكون للناس)سورة البقرة, الآية 150 .
5- يصح الوقف على موطن لغرض التلذذ بذكر الله تعالى مثل (فاذكروني أذكركم) سورة البقرة, الآية 152, لأنها تصور عظمة ذكر الخالق تعالى للمخلوق.
6- يصح الوقف على موطن بعده جملة دعائية مثل (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل )لأن ما بعدها (ربنا تقبل منا ) سورة البقرة, الآية 127.
7- يصح الوقف على موطن تم فيه القول وبدأ بعده قول آخر مثل ( إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ), ( قالوا نعبد إلهك ) سورة البقرة, الآية 133.
8- يصح الوقف على موطن سؤال يليه الجواب كالوقف على قوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة ), ( قل هي مواقيت للناس والحج) سورة البقرة, الآية 189, ومثل: (يستفتونك) وما يماثلها.
9- يصح الوقف على موطن بعده استثناء منقطع لبيان حكم جديد مثل: الوقف على قوله تعالى: (وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) لأن ما بعدها (إلا أن يعفون) سورة البقرة, الآية 237 .
10- يصح الوقف على موطن بعده جملة تقريرية مثل (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ), ( ألا له الخلق والآمر ) سورة الأعراف الآية 54.
11- يصح الوقف على موطن لفرض تجسيد المعنى مثل الوقف على(اتقوا الله) حيث لم ترتبط بما بعدها لفظا مثل: (اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) وكذلك الوقف على (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم) سورة الأنعام الآية 30 , لتجسيد معنى الوقوف بين يدي الله تعالى يوم القيامة.
12- يصح الوقف على موطن بعده جملة استفهامية مثل الوقف على قوله تعالى: (قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم ) لأن ما بعدها قوله تعالى: (فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ) سورة آل عمران, الآية 183 .
13- يصح الوقف على موطن بعده جملة استئنافية مثل الوقف على قوله تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) لأن ما بعدها قوله تعالى: (ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات) سورة المائدة, الآية 32 .
14- يصح الوقف للتفريق بين حالتين مختلفتين مثل قوله تعالى: (فأنجيناه والذين معه في الفلك), (وأغرقنا اللذين كذبوا بآياتنا) سورة الأعراف الآية 64 , وكذلك (برحمة منا) (وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا) سورة الأعراف الآية 72 .
15- يصح الوقف على الكلمات المتعاطفة على بعضها لطول الآية وعدم فائدة الإعادة من موضع قبل الذي حصل الوقف عليه، ولكن الجزء الأخير من هذه المتعاطفات تربط بالجواب في آخرها مثل قوله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) من سورة الأحزاب, آية 35, فإذا وصل القارئ إلى والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) وصله بالجواب وهو (اعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) من سورة الأحزاب, آية 35, وكذلك (حرمت عليكم أمهاتكم) في سورة النساء, آية 23, وما يماثلها من الآيات الطويلة.
وبعد ما تقدم فإننا نأمل من إخواننا القراء الاستفادة من هذه الباقة من ملاحظات الوقف لغرض فهم معاني القرءان الكريم, علما انني لا استطيع التوسع في موضوع الوقف والابتداء المترامي الاطراف والذي لا يعيه الا من هو متسلح بقواعد اللغة العربية لذلك فانا اكتب في هذا الجانب من خلال شغفي وحبي لموضوع الوقف والابتداء لانه يجسد كل المعاني السامية التي وردت في القران الكريم ونصيحتي لاهل القران ان يتعلموا دروسا في اللغة العربية تؤهلهم الى الوصول الى افضل النتائج في القراءة ناهيك عن المذاهب المتعددة التي وردت في الوقف والابتداء، واستميح اخوتي القراء عذرا إن كنت قد قصرت في اغناء هذا الموضوع والله المُوَفِّق ومنه التوفيق والسداد.
الوقف والابتداء وأهميته في أداء وفهم معاني القران الكريم
الوقف والابتداء علم يعرف به القارئ المواضع التي يتوجب على قارئ القران الكريم مراعاتها والعمل على تطبيقها ومعرفة الوقف الجائز من الوقف الواجب والقبيح من الحسن, وقد عَرَّفَ العلماء الوقف بأنه:عبارة عن قطع الصوت عن الكلمة زمنا يتنفس فيه القارئ عادة بنية استئناف القراءة.
وللوقف والابتداء علاقة وثيقة بالنحو أقوى من علاقته بالقراءات, لذلك فان علماء القراءة وأئمتها لهم مذاهب في الوقف والابتداء كل حسب اختصاصه, لذلك ينبغي فهم النص القرءاني أولا معتمدا على علم النحو, وبعكسه فان القارئ سيقع في متاهات تؤدى به إلى الخلط بالآيات والمقاطع القرءانية وبالتالي يتعذر إيصال معاني القرءان إلى السامع ما لم يوضب النحو في تقريب وإيصال تلك المعاني إلى السامع.
إن فهم النص القرءاني هو الأساس في وضع هذا العلم - النحو- إذ يجنب القارئ الوقوع في اللحن والخلط في المفاهيم القرءانية, ومن اللحن ما يُغَيِّر المعنى, واللحن هو الميل عن الصواب, كما ورد في قوله تعالى: (أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) التوبة آية 3, ولو كسرت اللام في (رسوله) لغيرت المعنى تماما, إذ جعلت الله سبحانه وتعالى يتبرأ من رسوله وهذا لا يجوز شرعا, ولا يصدقه العاقلون, بينما القراءة الصحيحة برفع لام (رَسُولُهُ) ليكون المعنى, أن رسول الله بَرِيءٌ من المشركين كما أن الله بَرِيءٌ منهم, وفي قوله تعالى: (سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ - وقف, ولا يصح وصله بما بعده- لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً) سورة النساء آية 171, لان المقصود هو نفي الولد مطلقا, ومن ذلك قوله تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ - وقف - وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) الفتح, الآية 9, وللتفريق بين الضميرين: فالهاء في (وَتُوَقِّرُوهُ) تعود للنبي صلى الله عليه وسلم, أما الوقف على (وَأَصِيلاً) فهو تام كونه رأس آية, ومثل هذه الشواهد كثيرة في القرءان الكريم, منها: ما يكون فيه الوقف حسنا والابتداء بما بعده قبيحا نحو قوله تعالى: (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ) ويقف عليها يكون هذا وقفا حسنا ولكن الابتداء بما بعدها قبيحا إذا ابتدأ بـ (وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا) سورة الممتحنة, الآية 1, إذ يصبح ذلك تحذيرا من الإيمان بالله تعالى, وسنجد بعضا من هذه الشواهد في ختام هذا الموضوع.
إن معرفة الوقف والابتداء أمر مهم لابد منه لمن يقرأ القرءان, بل ولكل من يتعامل مع الكلمة النحوية سيما منهم الخطباء والمحدثون والمذيعون والشعراء والأُدباء ومن سار على نهجهم, ومن الشواهد على ذلك ما روى الإمام مسلم وغيره: ( أَنَّ رَجُلا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا - ووقف عند هذه الكلمة ولم يكمل المعنى ثم قال- فَقَدْ غَوَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فَقَدْ غَوِيَ) رواه الإمام مسلم وغيره, قال بعض الْعُلَمَاء: إِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ لِتَشْرِيكِهِ فِي الضَّمِير الْمُقْتَضِي لِلتَّسْوِيَةِ، وَأَمَرَهُ بِالْعَطْفِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى بِتَقْدِيمِ اِسْمه تعالى, وذكر ابن النحاس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للخطيب بئس الخطيب أنت حين قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما ووقف قال قد كان ينبغي أن يصل كلامه فيقول ومن يعصمها فقد غوى أو يقف على ورسوله فقد رشد فإذا كان مثل هذا مكروها في الخطب ففي كلام الله أشد.
فعلى المتكلم والخطيب والقارئ أن يختار مواضع ومقاطع يقف عندها لتبيان المقصود للسامع, وبعكسه فعمله مكروه ومستقبح في الكلام الجاري بين الناس, ومن ذلك: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سأل أعرابيا عن ناقته فقال له: أتبيعها؟ فأجاب الأعرابي قائلا: لا عفاك الله, فغضب أبو بكر رضي الله عنه وقال له: لا تقل هكذا ولكن قل: لا وعفاك الله, وإنما غضب أبو بكر لان الكلام الأول دعاء عليه بينما الكلام الثاني دعاء له , ولم يسأل الأعرابي عن نيته لان ظاهر الكلام هذه دلالته وان قصد الأعرابي الدعاء له لا عليه, ومن ذلك ما تعارف عليه الناس في مجالسهم وتداوله الكثير عند الكلام في طلب حاجة ما أو أمر معين فيقول احدهم: تفضل بالجلوس معي, فيرد عليه صاحبه قائلا: لا بارك الله فيك, ونسي أن يدخل حرف الواو قبل (لا) النافية ليكون كلامه دعاء له لا عليه, ومن هذا المنطلق تبرز أهمية الوقف والابتداء في كل مناحي الكلام, الأمر الذي يوجب معرفة هذا العلم والخوض في أعماقه ليكون الكلام بعيدا عن اللحن والخطأ, إذ أن الاختيار الحسن والارتضاء السليم وعدم الإخلال بالمعنى يظهر المراد, ولا بد لقارئ القرءان من تدبر المعاني حتى يتعرف على الأماكن التي يجوز فيها الوقف والأماكن التي لا يجوز فيها.
يقول الهذلي في كامله: الوقف حلية التلاوة, وزينة القارئ, وبلاغ التالي, وفهم المستمع, وفخر العالم.
والوقف لا يوصف بوجوب ولا حرمة, وليس في القرءان وقف واجب يأثم القارئ بتركه, ولا حرام يأثم القارئ بفعله, وإنما يتصف الوقف بالوجوب بالحرمة بحسب ما يعرض من إيهام مالا يراد, ونبين في ما يأتي حكم الوقف على فواصل الآيات ورؤسها:
1- يصح الوقف على موطن بعده جملة بيانية مثل الوقف على قوله تعالى: (ولكن الشياطين كفروا) لأن ما بعدها قوله تعالى: ( يعلمون الناس السحر ) سورة البقرة, الآية 102.
2- يصح الوقف على موطن بعده جملة تفصيلية مثل الوقف على قوله تعالى: ( الذين كفروا ) لأن ما بعدها قوله تعالى: ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) سورة البقرة, الآية 89 .
3- يصح الوقف على الجمل المتعاطفة مثل قوله تعالى: (قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم) لان ما بعده قوله تعالى: (ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) سورة البقرة, الآية 139, وذلك لأن كل جملة من الجمل المتعاطفة تعطي معنى بنفسها.
4- يصح الوقف على موطن بعده جملة تعليلية مثل الوقف على قوله تعالى: (فولوا وجوهكم شطره) لأن ما بعدها (لئلا يكون للناس)سورة البقرة, الآية 150 .
5- يصح الوقف على موطن لغرض التلذذ بذكر الله تعالى مثل (فاذكروني أذكركم) سورة البقرة, الآية 152, لأنها تصور عظمة ذكر الخالق تعالى للمخلوق.
6- يصح الوقف على موطن بعده جملة دعائية مثل (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل )لأن ما بعدها (ربنا تقبل منا ) سورة البقرة, الآية 127.
7- يصح الوقف على موطن تم فيه القول وبدأ بعده قول آخر مثل ( إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ), ( قالوا نعبد إلهك ) سورة البقرة, الآية 133.
8- يصح الوقف على موطن سؤال يليه الجواب كالوقف على قوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة ), ( قل هي مواقيت للناس والحج) سورة البقرة, الآية 189, ومثل: (يستفتونك) وما يماثلها.
9- يصح الوقف على موطن بعده استثناء منقطع لبيان حكم جديد مثل: الوقف على قوله تعالى: (وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) لأن ما بعدها (إلا أن يعفون) سورة البقرة, الآية 237 .
10- يصح الوقف على موطن بعده جملة تقريرية مثل (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ), ( ألا له الخلق والآمر ) سورة الأعراف الآية 54.
11- يصح الوقف على موطن لفرض تجسيد المعنى مثل الوقف على(اتقوا الله) حيث لم ترتبط بما بعدها لفظا مثل: (اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) وكذلك الوقف على (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم) سورة الأنعام الآية 30 , لتجسيد معنى الوقوف بين يدي الله تعالى يوم القيامة.
12- يصح الوقف على موطن بعده جملة استفهامية مثل الوقف على قوله تعالى: (قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم ) لأن ما بعدها قوله تعالى: (فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ) سورة آل عمران, الآية 183 .
13- يصح الوقف على موطن بعده جملة استئنافية مثل الوقف على قوله تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) لأن ما بعدها قوله تعالى: (ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات) سورة المائدة, الآية 32 .
14- يصح الوقف للتفريق بين حالتين مختلفتين مثل قوله تعالى: (فأنجيناه والذين معه في الفلك), (وأغرقنا اللذين كذبوا بآياتنا) سورة الأعراف الآية 64 , وكذلك (برحمة منا) (وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا) سورة الأعراف الآية 72 .
15- يصح الوقف على الكلمات المتعاطفة على بعضها لطول الآية وعدم فائدة الإعادة من موضع قبل الذي حصل الوقف عليه، ولكن الجزء الأخير من هذه المتعاطفات تربط بالجواب في آخرها مثل قوله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) من سورة الأحزاب, آية 35, فإذا وصل القارئ إلى والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) وصله بالجواب وهو (اعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) من سورة الأحزاب, آية 35, وكذلك (حرمت عليكم أمهاتكم) في سورة النساء, آية 23, وما يماثلها من الآيات الطويلة.
وبعد ما تقدم فإننا نأمل من إخواننا القراء الاستفادة من هذه الباقة من ملاحظات الوقف لغرض فهم معاني القرءان الكريم, علما انني لا استطيع التوسع في موضوع الوقف والابتداء المترامي الاطراف والذي لا يعيه الا من هو متسلح بقواعد اللغة العربية لذلك فانا اكتب في هذا الجانب من خلال شغفي وحبي لموضوع الوقف والابتداء لانه يجسد كل المعاني السامية التي وردت في القران الكريم ونصيحتي لاهل القران ان يتعلموا دروسا في اللغة العربية تؤهلهم الى الوصول الى افضل النتائج في القراءة ناهيك عن المذاهب المتعددة التي وردت في الوقف والابتداء، واستميح اخوتي القراء عذرا إن كنت قد قصرت في اغناء هذا الموضوع والله المُوَفِّق ومنه التوفيق والسداد.
الشيخ عبد اللطيف العبدلي النائب الأول لجمعية القراء والمجودين في العراق مستشار الرابطة العالمية الإسلامية للقراء والمجودين |
المصادر
1- النشر في القراءات العشر / للجزري
2- الاتحاف / للدمياطي
3- المكتفى في الوقف والابتداء / للداني
4- ملاحظات محمد صالح السامرائي
