إعلانات المنتدى


علوم القران 2

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

كمال المروش

مشرف سابق
2 يوليو 2006
8,187
128
63
الجنس
ذكر
(بسم الل) :x18:
المصطلح الخامس في هذا الموضوع: هو الاختيار: وهو أن يختار القارئ من بين مروياته
أو الرواي من بين مسموعاته أو الآخذ عن الراوي من بين محفوظاته وكل واحد من هؤلاء
مجتهد في اختياره. ولعنا نمثل بمثال يتضح به هذا الأمر ولو بشكل يسير مثلاً في سورة
الروم قال الله - سبحانه وتعالى- ﴿ اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ
جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا
وَشَيْبَةً ﴾[الروم: 54] هذه كلمة: ضعف فيها قراءتان: ﴿ اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم
مِّن ضَعْفٍ ﴾، والثانية ﴿من ضُعْفٍ ﴾ وهكذا في سائر الآية في كل موارد الضَعف
والضُعف في الآية فكلمة ضعف بالفتح هذه قراءة حمزة اتفق الرواة كلهم عن حمزة
بقراءتها ضَعف وهي رواية شعبة عن عاصم يعني: ما رواه شعبة عن عاصم رواها بفتح الضاد
قال: ضَعف وهي طريق عبيد بن الصباح عن حفص عن عاصم فسمينا هذا طريقاً وسمينا ما
ذكره شعبة أو ما جاء به شعبة عن عاصم رواية، وسمينا ما جاء عن حمزة قراءة.


فهذه المصطلحات ينبغي للطالب معرفتها حتى يتبين له الفرق بين ما يذكر من القراءات
من الروايات من الأوجه من الطرق من الاختيارات.


ما هو موضوع علم القراءت؟ موضوع علم القراءات هو الكلمات القرآنية يعني: مجال البحث
في القراءات القرآنية هو كلمات القرآن من حيث أحوال النطق بها وكيفية أدائها،
فالموضوع هو ما يدور عليه العلم ويبحث فيه فما يدور عليه علم القراءات هو كلمات
القرآن وكيفية النطق بها.


بعد ذلك نأخذ حكم تعلم القراءات، تعلم القراءات- كما ذكر بعض أهل العلم- فرض كفاية
إذا قام به من يكفي من المسلمين تعلماً وتعليماً سقط الإثم عن الباقين والحمد لله
مازالت الأمة قائمة بهذا العلم تتعلمه وتعلمه وتنشره بين الناس وإن كان يقل في زمن
لكن الأمة في الجملة قائمة بهذا العلم محافظة عليه محافظتها على كتاب ربها - سبحانه
وتعالى.


هناك أسئلة: فضيلة الشيخ ذكرتم أن حكم تعلم القراءت فرض كفاية فهل هذا في مجتمع
يكون كبيراً أم يكون في قرية أم في مدينة أم دولة وهكذا؟


المقصود: في المسلمين من يتقن هذه العلوم لتحفظ هذه القراءات وتروى وتبقى في
المسلمين وتؤخذ مشافهة ولا يضيع شيء من كتاب الله - سبحانه وتعالى- فإذا قام في
المسلمين من يؤدى هذا الدور وأدى فرض الكفاية عنهم سقط الإثم عن الباقين ولا يلزم
أن يكون في كل قرية أو في كل مدينة أو في كل بلد من يتولى هذا الأمر لكن لا شك أن
وجود واحد في كل أهل بلد أو في كل أهل ريف أوقرية يقوم بهذا الدور أنه خير لا شك في
ذلك.


ننتقل بعد هذا - أيها الأحبة- إلى فائدة علم القراءت ما هي الفائدة التي نجنيها من
تعلم علم القراءت؟ فنقول: هناك عدة فوائد نذكر شيئاً منها:


أولاً: العصمة من الخطأ في التلاوة فإننا إذا عرفنا علم القراءات عصمنا أنفسنا من
الخطأ في تلاوة القرآن الكريم حيث إن الوارد في القراءات والمروي فيها محدود مضبوط
فلا يجوز تعديه فمن تعدى شيئاً من هذا المضبوط المروي فقد زاد في القرآن وتعدى
وظلم, فمثلاً قول الله - عز وجل-: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾[الفاتحة: 4]، فيها
قراءاتان: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ و﴿ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ لكن لو جاء
إنسان وقرأ ﴿ مَلَكَ يَوْمَ الدِّينِ ﴾ قلنا: هذه ليست بقراءة ثابتة عن النبي -صلى
الله عليه وسلم- فلا تجوز القراءة بها ولا يجوز لك تلاوتها في الصلاة ومن تلا بها
في الصلاة فصلاته باطلة لأنه لم يقرأ هذه الآية كما وردت أو كما أنزلت على محمد
-صلى الله عليه وسلم-.


الفائدة الثانية: التمييز بين ما يقرأ به وما لا يقرأ به من قراءات القرآن الكريم،
فإن هذا العلم هو الذي يعرفنا ما تصح القراءة به وما لا تصح القراءة به.


الفائدة الثالثة: زيادة المعنى للآية القراءات من فوائدها أنها تزيد معنى الآية
فمثلا في قول الله - سبحانه وتعالى- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ﴾
[المائدة: 6]، تأملوا يا إخواني ﴿ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ﴾ هذه مجروة بالباء ﴿
وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ هذه معطوفة على قوله: ﴿ وُجُوهَكُمْ ﴾ يعني: فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وأرجلَكم إلى الكعبين لأنها معطوفة على منصوب هناك قراءة أخرى
أيضاً ثابتة وصحيحة، ﴿ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ ﴾ كيف نوجه هذه
القراءة ؟ وجهها العلماء على أن الرجل أو الرجلين من بين سائر أعضاء الوضوء يحصل
فيها شيئان: الغسل والمسح الغسل إن كانت مكشوفة والمسح إن كانت مستورة بالخفين
ونحوهما.


فجاءت هذه القراءات لتبين هذين المعنيين مع أن اللفظ واحد لكن اختلف الإعراب
فاختلف المعنى فحصل بذلك زيادة معنى في الآية.


- أو تبين المعنى في الآية ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى
فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ
فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ﴾[البقرة: 222]، ﴿
وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ هذه قراءة الجمهور وفي قراء أخرى ثابتة
وسبعية ﴿ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطَّهَّرْنَ ﴾ فبينت هذه القراءة معنى قراءة
الجمهور لأن قراءة الجمهور ﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ يحتمل أنه حتى ينقطع عنهن الدم
ويحتمل أن يكون معناها: حتى يطهرن أي يتطهرن بالاغتسال فجاءت هذه القراءة لتبين
المعنى المراد من قوله ﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ أي معناه: حتى يغتسلن ينقطع عنهن الدم
ويغتسلن بعد ذلك.


إذن: القراءات فيها زيادة معنى وفيها في الوقت ذاته أيضاً بيان للمعنى في بعض
القراءات.


الفائدة الرابعة: الاطلاع على يسر الشريعة وتيسير القرآن للتالين فإن ألسنة الناس
لا تطاوعهم لو كان القرآن قد نزل برواية واحدة بقراءة واحدة، حيث إن نطق بعض الآيات
قد يشق على بعض التالين خصوصاً مثلاً من العرب أو حتى من العجم ففي قراءة القرآن
متسع للناس ويسر عليهم وهذه إحدى المسائل التي من أجلها اشتكى النبي -صلى الله عليه
وسلم- إلى جبريل عندما قرأ عليه القرآن بحرف واحد فقال:( إن أمتي لا تطيق ذلك)
فاستزاده فزاده حرفاً ثانياً ثم ثالثاً ثم رابعاً ثم خامساً حتى وصل إلى سبعة أحرف،
فمثلا بعض الناس يشق عليه أن ينطق بالهمزة في قوله مثلا ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِالْغَيْبِ ﴾[البقرة: 3] ما تواتيه حنجرته أو لسانه في أن ينطق بالهمزة ويأتي بها
في وسط الكلمة لكنها موجودة في قراءة ثابتة سبعية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ﴿
الَّذِينَ يُومِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ وهكذا في سائر المواطن.


الفائدة الخامسة: فيها بيان حفظ الله للقرآن فإن القرآن مع هذه الروايات ومع هذه
القراءات المختلفة قد حفظ كله وجاء إلينا لم يزد فيه شيء ولم ينقص منه شيء مما يؤكد
لنا المعنى الذي ورد في قول الله - سبحانه وتعالى- ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا
الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر: 9].


الفائدة السادسة: من فوائد هذه القراءات فضل هذه الأمة وتعظيم أجرها: فضلها: حيث
جعل الله- سبحانه تعالى- لها هذه الخصيصة بأن أنزل القرآن على هذه الأوجه فحفظت هذا
القرآن وقامت به خير قيام فما زالت الأمة إلى اليوم تحفظ هذه القراءات وتثبتها
وترويها وتنقلها وتؤلف فيها وأيضاً تعظيم أجرها بكثر التلاوة والتعلم والتفرغ لمثل
هذا الأمر فإن ذلك يزداد به شرفها وتعلوا به منزلتها ويعظم به أجرها بإذن الله -
سبحانه وتعالى-.


مصدر هذه القراءات:


ننتقل بعد هذا - أيها الأحبة- إلى مصدر هذه القراءات ما مصدر هذه القراءات ؟ لا شك
أن مصدر هذه القراءات هو التوقيف والوحي قال الله - سبحانه وتعالى- ﴿ وَإِذَا
تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا
ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ
أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ﴾[يونس: 15] فكل ما جاء في القرآن ليس من عند
النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء إنما أنزل هكذا فتلاه علينا رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- بهذه القراءات وبهذه الروايات وبهذه الطريقة التي نحن نتلوه بها ونقلتها
الأمة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا لم يتغير شيء بحمد الله -
سبحانه وتعالى- وكذلك قول الله -جل وعلا- ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ
الأقَاوِيلِ﴿44﴾لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴿45﴾ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ
الْوَتِينَ﴾ [الحاقة: 44: 46]، مما يدل دلالة صريحة على أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- لم يتدخل في النص القرآني إنما كان دوره أن يبلغه للأمة كما قال الله - جل
وعلا-: ﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ﴿38﴾وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ﴿39﴾إِنَّهُ
لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾[الحاقة: 38: 40] فهو رسول مرسل برسالة بلغها كما بُلِّغ
وأداها كما أعطي وأنزل عليه - عليه الصلاة والسلام- ويؤكد هذا ما روي في صحيح
البخاري عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: (أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة)
معنى ذلك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن بوسعه أن يزيد شيئاً من عند نفسه
حتى يستأذن جبريل في أن يزيده هو فزاده جبريل ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة حتى
وصل إلى السابعة.


فهذا يؤكد على أن هذه القراءات مصدرها الوحي وهي توقيفية لم يتدخل فيها أحد هكذا
أنزلت من عند الله - سبحانه وتعالى- وهكذا تلاها المسلمون.


وبهذا نعرف بطلان قول من قال: إن مصدر القراءات هو لهجات العرب يعني: العرب يقرؤون
القرآن بلهجاتهم وهذا الاختلاف الذي حدث إنما هو من اختلاف لهجاتهم لم يقرئهم النبي
-صلى الله عليه وسلم- القرآن بهذه الصورة التي قرؤوه بها وهذا قال به طه حسين ولا
شك أن هذا قول باطل وغير صحيح.


وبهذا أيضاً نعرف بطلان قول من قال: إن مصدر هذه القراءات هو اجتهاد القراء كحمزة
وعاصم وابن كثير وابن عامر وغيرهم من القراء المعروفين هو اجتهاد منهم فنقول: هؤلاء
القراء لم يجتهدوا في هذا الباب من جهة أنهم اخترعوا هذه القراءات أو جاءوا بهذه
الصور في تلاوة القرآن الكريم وإنما حفظوها وألقوها إلى الأمة كما سمعوها لم يغيروا
ولم يبدلوا، وممن قال بذلك ابن مقسم وعبد القاسم الخولي.


وأيضاً يتبين لنا بذلك بطلان من قال: إن مصدر الاختلاف في القراءات هو رسم المصحف
فبسبب اختلاف الرسم أو كون الرسم محتملاً لعدد من وجوه التلاوة حصل الخلاف بين
القراء وهذا قال به المستشرق جولد تسيهر وهو قول باطل رد عليه العلماء في كتب
مستقلة وبينوا تهافت قوله فلو كان رسم المصحف- مجرداً- هو سبب الاختلاف لكانت عندنا
مجالات واسعة ورحبة كثيرة جداً لاختلافات يمكن أن يتلى بها القرآن ومع ذلك لم يتل
بها القرآن مثل ما ذكرنا لكم مراراً في قوله: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾﴿ قُلِ
اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾[آل عمران: 26]، مالك الملك يمكن أن تقرأ ملك الملك
ومع ذلك لم يقرأ بها ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴿1﴾ مَلِكِ النَّاسِ﴾[الناس:
1: 2]، يمكن أن تقرأ مالك الناس ومع ذلك لم يقرأ بها مما يدل على أن الرسم وحده ليس
كافياً في اختلاف هذه القراءات بل هي هكذا وردت وهكذا أنزلت وهكذا تلقتها الأمة
وتوارثتها الأجيال.


نشأة علم القراءت:


بعد ذلك - أيها الأحبة- نتحدث عن نشأة علم القراءت، بينا فيما سبق من دروس علوم
القرآن - بحمد الله سبحانه وتعالى- كيف نزل القرآن على رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- ولسنا بحاجة إلى إعادة هذا الأمر, ثم بينا بعد ذلك أيضاً كيف تم جمعه في عهد
الصديق أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- وكيف تم جمعه في عهد عثمان -رضي الله تعالى
عنه- إن عثمان -رضي الله تعالى عنه- لما كتب المصاحف ووحدهم على حرف قريش وما
يوافقه من حروف أخرى التي ثبتت في العرضة الأخيرة كتب سبعة مصاحف وأرسلها إلى
الأمصار وأرسل مع كل مصحف قارئاً يعلم الناس فأخذ الناس القراءة من هؤلاء القراء ثم
تتابع الناس يقرؤون القرآن ويروونه ويتلقاه جيل بعد الجيل واستمر الناس على ذلك.
لما كثر القراء وكثر الرواة وأصبحت أعدادهم في المصر الواحد لا تكاد تحصر خشي
المسلمون أن يأتي إنسان فيُدخل في هذه القراءات شيئاً ليس منها ويختلط الأمر على من
يأتي بعد ذلك من هذه الأمة, فتداعى المسلمون إلى ضبط القراء المأمونين المعروفين
بطول أعمارهم في أخذ القرآن واجتهادهم وتوثقهم وكونهم أخذوه من عدد من المصادر
وتلقوه تلقياً متقناً مضبوطاً، فضبطوا قراءاتهم حتى يقولوا للناس: هذه هي القراءات
الثابتة الواردة التي لا يصح للإنسان أن يتجاوزها أو يزيد عليها لأنه يأتي إنسان
مثلاً ويقرأ مثلاً على الشامية ثم يذهب إلى الكوفيين فيقرأ عليهم ثم يذهب إلى
المكيين فيقرأ عليهم ثم يقول مثلا أنا: قرأت على المكيين والكوفيين والشاميين ثم
يختار من بعض حروف هؤلاء وقراءتهم ومن بعض حروف هؤلاء وقراءتهم ومن بعض حروف هؤلاء
وقراءتهم وتكون له طريقة مستقلة وقد يختلط عليه الأمر أو يزيد أو ينقص ولا يعرف
الناس شيئاً من ذلك فجاء العلماء فأخذوا يضبطون القراءات من خلال معرفة الإمام
المضبوط المتقن للقراءة ويدونون قراءته تدويناً تاماً ويقولون للناس: هذه هي
الروايات المجمع عليها المضبوطة المتواترة التي تلقتها الأمة بالقبول وكتبوا ذلك
ودونوه لئلا يستطيع أحد بعد ذلك أن يزيد شيئاً أو ينقص شيئاً ثابتاً.


وكان أول من عرف عنه تدوين ذلك أبو عبيد القاسم ابن سلام -رحمه الله تعالى- وهو من
علماء القراءة فدون كتاباً في القراءة لم يصل إلينا لكنه ذكر خمسة وعشرين قارئاً أو
أزيد من ذلك قد يبلغون الثلاثين أكثر من خمسة وعشرين قارئاً من قراء الأمصار الذين
اتفقت الأمة على تلقي قراءتهم بالقبول وعرفوا بهذا الشأن وتناقل الناس عنهم القراءة
وقرأ عنهم أمم بعد أمم فكان أول من عرف أنه ضبط هذه القراءات وأثبتها هو أبو عبيد
القاسم ابن سلام ثم تتابع الناس بعده على ضبط هذه القراءات فجاء أحمد بن جبير
الأنطاكي -رحمه الله تعالى- توفي عام ثمانية وخسمين بعد المائتين وجمع كتاباً ذكر
فيه خمس قراءات, ثم جاء من بعده علماء آخرون حتى جاء ابن جرير الطبري -رحمه الله
تعالى- توفي عام عشرة بعد الثلاثمائة فألف كتابه في القراءات وذكر فيه أكثر من
عشرين قارئاً وجاء بعدهم أئمة ذكروا أكثر من ذلك بلَّغوها خمسين قارئاً وثلاثين
قارئاً ونحو هذه الأعداد.


ثم جاء من بعد ذلك الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي المتوفي
عام ثلاثمائة وأربعة وعشرين من الهجرة النبوية وتحرى فيما جمع الدقة والضبط
والإتقان وكون من يثبتهم في كتابه هم أكثر من تلقت عنهم الأمة ومن انتشرت قراءاته
في الأمصار فجمع سبعة قراء ولعله أراد أن يوافق عدد المصاحف التي كتبها عثمان
وفرقها في الأمصار فجمع سبعة قراء، سنذكرهم بعد قليل ونبين أسماءهم، جمع هؤلاء
السبعة وضبط قراءاتهم في كتاب سماه: السبعة.


ومن بعدها انتهت قراءات من سواهم فلم تعرف ولم تذكر وصار الذين يُعرفون بالقراءة
وتروى قراءاتهم بعد ابن مجاهد سبعة قراء وسبب اختياره للسبعة كما ذكرنا هو كما يقول
بعض أهل العلم: هو تعدد المصاحف التي نشرها عثمان في الأمصار لكن بعض أهل العلم
تمنى لو أن ابن مجاهد زاد واحدة أو نقص واحدة حتى لا يختلط الأمر على الأمة فتظن أن
القراءات السبع هي الأحرف السبع التي سنتحدث عنها- إن شاء الله تعالى- في درس
مستقل لأن كثيرين من الناس الآن إذا ذكر الأحرف السبعة ظنوا أنها هي القراءات السبع
وبينهما فرق سنبينه- إن شاء الله تعالى.


يقول القسطلاني -رحمه الله تعالى- «ثم لما كثر الاختلاف فيما يحتمله الرسم وقرأ أهل
البدع والأهواء بما لا يحل لأحد تلاوته وفاقاً لبدعتهم كمن قال من المعتزلة: ﴿
وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمً﴾[النساء: 146]، قرؤوها ﴿ وَكَلَّمَ اللهَ
مُوسَى تَكْلِيمً﴾ ليجعلوا المكلِّم هو موسى لينفوا بذلك الكلام عن الله - سبحانه
وتعالى- قال ومن الرافضة قوله: ﴿ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ
عَضُدً﴾[الكهف: 51]، قرؤوها ﴿ الْمُضلَّينِ عَضُدًا ﴾ يعنون بذلك: أبا بكر وعمر،
رأى المسلمون بعد ذلك أن يجمعوا على قراءات أئمة ثقات تجردوا للاعتناء بشأن القرآن
العظيم فاختاروا من كل مصر وجه إليه مصحف أئمة مشهورين بالثقة والأمانة في النقل
وحسن الدراية وكمال العلم أفنوا عمرهم في القراءة والإقراء واشتهر أمرهم وأجمع أهل
مصر على عدالتهم فيما نقلوا والثقة بهم فيما قرؤوا ولم تخرج قراءاتهم عن خط
مصحفهم» هذا سبب عناية العلماء بضبط القراءات في كتب مستقلة حتى لا يعتدي على هذه
القراءات أحد من الناس.


وأما ابن مجاهد -رحمه الله تعالى- الله يقول الدكتور فهد الرومي- حفظه الله- في
كتابه دراسات في علوم القرآن: «وأخذ بعض العلماء على ابن مجاهد اختياره للسبعة لما
في ذلك من الإيهام بحديث الأحرف السبعة فقال أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي: لقد
فعل مسبع هذه السبعة ما لا ينبغي له وأشكل الأمر على العامة بإيهامه كل من قل نظره
أن هذه القراءت هي المذكورة في الخبر- أي حديث الأحرف السبعة- وليته إذ اقتصر نقص
عن السبعة أو زاد ليزيل الشبهة. وقد علل مكي بن أبي طالب سر اختياره سبعة فقال:
ليكون على وفق مصاحف الأمصار السبعة وتيمناً بأحرف القرآن السبعة ثم قال: على أنه
لو جعل عددهم أكثر أو أقل لم يمنع ذلك إذ عدد القراء أكثر من أن يحصى» عدد القراء
المأمونين المعروفين المضبوطين الضابطين كبير جداً كما بينا أن أبا عبيد القاسم ابن
سلام قد اختار منهم أكثر من خمسة وعشرين وغيره اختار قرابة الخمسين كانوا كثيرين
جداً لكن ابن مجاهد -رحمه الله تعالى- فعل ذلك لقصد يقول: « وقد دافع كثير من
العلماء عن ابن مجاهد -رحمه الله تعالى- في ذلك بأنه لم يقتصر على هؤلاء السبعة إلا
بعد اجتهاد طويل ومراجعة متأنية في الأسانيد الطوال وكان موفقاً في اختياره الذي
حظي بموافقة جمهور العلماء والقراء وتأييدهم لأن الناس بعد ذلك قد ثبتوا على هؤلاء
السبعة وزاد بعض القراء ثلاثة فكملوا بهم العشرة فصار القراء المأمونون المعروفون
بضبط القراءة وتؤخذ عنهم قراءة القرآن هم هؤلاء السبعة ومعهم أولئك الثلاثة. قال:
حيث إن كثرة الروايات في القراءات أدت إلى ضرب من الإضراب عند طائفة من القراء غير
المتقنين فقد حاول بعضهم أن يختار من القراءات لنفسه خاصة فينفرد بها فقطع ابن
مجاهد عليهم الطريق ودرأ عن القراءات كيدهم وعن القراء اضطرابهم ومما يدل على
نزاهته -رحمه الله تعالى- وحسن قصده أنه لم يسعَ إلى أن يختار لنفسه قراءة تحمل عنه
فيقال: قراءة ابن مجاهد مما يدل على أنه كان يريد أن يجمع القراءات التي كثرت في
الأمة وكثر الآخذون لها وعرف أصحابها بالضبط والإتقان والدقة وحين سئل عن ذلك -رحمه
الله تعالى- أجاب قال: نحن أحوج إلى أن نعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا أحوج
منا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا. »


وبعد ابن مجاهد -رحمه الله تعالى- كثرت المؤلفات في علم القراءت فمن أهم المؤلفات
في علم القراءت كما ذكرنا كتاب ابن مجاهد -رحمه الله تعالى-: السبعة وهو متوفى عام
أربعة وعشرين بعد الثلاثمائة ثم كتاب التذكرة لابن غلبون المتوفي عام تسعة وتسعين
بعد الثلاثمائة ثم المبسوط في القراءات العشر ثم الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي
بن أبي طالب القيسي المتوفي عام سبعة وثلاثين بعد الأربعمائة ثم جاء أبو عمرو
الداني- رحمه الله تعالى- المتوفي عام أربعة وأربعين بعد الأربعمائة هجرية وألف
كتابه المشهور في هذا الباب واسمه التيسير في القراءات السبع، ثم جاء من بعد الداني
الشاطبي- رحمه الله تعالى- المتوفى عام سبعين بعد الخمسمائة وألف منظومته العجيبة
في هذا الباب والتي يضرب بها المثل في الدقة والإتقان والضبط وأصبحت مرجع القراء
بعد الشاطبي فمن أراد أن يتقن القراءات السبع فلا بد له من حفظ متن الشاطبية، وألف
هذه المنطومة وسماها: حرز الأماني ووجه التهاني المعروفة بالشاطبية ثم جاء بعدهم
خاتمة المحققين والقراء ابن الجزري -رحمه الله تعالى- فألف كتابه المسمى: النشر في
القراءات العشر فزاد على ما ذكروه السابقين بأن ضمن كتابه القراءات العشر وألف بعد
ذلك منظومته المشهورة وهي طيبة النشر في القراءات العشر، وهي منظومة في القراءات
العشر كلها، وابن الجزري توفي عام ثلاثة وثلاثين بعد الثمانمائة.


يقول: هل تصح صلاة من يجعل العين ألفاً كأن يقول: أنأمت أليهم؟


لا تصح الصلاة إذا بدل الإنسان حرفاً بحرف وكان قادراً على أن ينطق بالحرف بصورته
الصحيحة فلا يجوز إبدال العين همزة ولا الضاد مثلاً زاياً كأن يقول: مثلاً ولا
الظالين مثلاً ولا الذال زاياً يقول: صراط اللزين هذا كله لا يجوز مع القدرة أما من
لا يقدر أبداً فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها لكن يقال له: اجتهد في أن تعدل
لسانك وتنطق بالحرف كما أنزل.
 

محمد الجنابي

عضو شرف
عضو شرف
9 فبراير 2007
15,361
18
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
رد: علوم القران 2

اللهم القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي

بارك الله فيك
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع