إعلانات المنتدى


ترجمة الصفدي لفخر القراء أثير الدين أبو حيان الغرناطي

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
(بسم الل)

قال صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى : 764هـ) في "الوافي بالوفيات"


محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الشيخ الإمام الحافظ العلامة فريد العصر وشيخ الزمان وإمام النحاة أثير الدين أبو حيان الغرناطي.

075630a.YousufiyaMihrab.jpg

محراب المدرسة اليوسفية في غرناطة

قرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث بجزيرة الأندلس وبلاد إفريقية وثغر الاسكندرية وديار مصر والحجاز، وحصل الإجازات من الشام والعراق وغي ذلك واجتهد وطلب وحصل وكتب وقيد ولم أر في أشياخي أكثر اشتغالاً منه لأني لم أره إلا يسمع أو يشتغل أو يكتب ولم يكتب ولم أره على غير ذلك، وله إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم، نظم ونثر وله الموشحات البديعة وهو ثبت فيما ينقله محرر لما يقوله عارف باللغة ضابط لألفاظها، وأما النحو والتصريف فهو إمام الدنيا فيهما لم يذكر معه في أقطار الأرض غيره في العربية، وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم خصوصاً المغاربة وتقييد أسمائهم على ما يتلفظون به من إمالة وترخيم وترقيق وتفخيم لأنهم مجاورو بلاد الفرنج وأسماؤهم قريبة وألقابهم كذلك، كل ذلك قد جوده وقيده وحرره، والشيخ شمس الدين الذهبي له سؤالات سأله عنها فيما يتعلق بالمغاربة وأجابه عنها، وله التصانيف التي سارت وطارت وانتشرت وما انتثرت وقرئت ودريت ونسخت وما فسخت، أخملت كتب الأقدمين وألهت المقيمين بمصر والقادمين، وقرأ الناس عليه وصاروا أئمة وأشياخاً في حياته، وهو الذي جسر الناس على مصنفات الشيخ جمال الدين ابن مالك رحمه الله ورغبهم في قراءتها وشرح لهم غامضها وخاض بهم لججها وفتح لهم مقفلها، وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب رحمه الله تعالى: هذه نحو الفقهاء، والتزم أن لا يقرئ أحداً إلا إن كان في سيبويه أو في التسهيل لابن مالك أو في تصانيفه، ولما قدم البلاد لازم الشيخ بهاء الدين ابن النحاس رحمه الله كثيراً وأخذ عنه كتب الأدب، وهو شيخ حسن العمة مليح الوجه ظاهر اللون مشرباً حمرة منور الشيبة كبير اللحية مسترسل الشعر فيها لم تكن كثة، عبارته فصيحة لغة الأندلس يعقد القاف قريباً من الكاف على أنه ينطق بها في القرآن فصيحة وسمعته يقول: ما في هذه البلاد من يعقد حرف القاف، وكان له خصوصية بالأمير سيف الدين أرغون الدوادار الناصري نائب السلطان بالممالك الاسلامية ينبسط معه ويبيت عنده، ولما توفيت ابنته نضار طلع إلى السلطان الملك الناصر وسأل منه أن يدفنها في بيتها داخل القاهرة فأذن له في ذلك وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى، وكان أولاً يرى رأي الظاهرية ثم إنه تمذهب للشافعي رضي الله عنه، وتولى تدريس التفسير بالقبة المنصورية والإقراء بالجامع الأقمر، وقرأت عليه الأشعار الستة والمقامات الحريرية وحضرها جماعة من أفاضل الديار المصرية وسمعوها بقراءتي عليه وكان بيده نسخة صحيحة يثق بها وبيد الجماعة قريب من اثنتي عشرة نسخة وإحداهن بخط الحريري ووقع منه ومن الجماعة في أثناء القراءة فوائد ومباحث عديدة وقال: لم أر بعد ابن دقيق العيد أفصح من قراءتك، ولما وصلت المقامة التي أورد الحريري فيها الأحاجي قال: ما أعرف مفهوم الأحجية المصطلح عليها بين أهل الأدب، فأخذت في إيضاح ذلك وضرب الأمثلة له فقال لي: لا تتعب معي فإني تعبت مع نفسي في معرفة ذلك كثيراً وما أفاد ولا ظهر لي، وهذا في غاية الإنصاف منه والعدالة لاعترافه لي في ذلك الجمع وهم يسمعون كلامه بمثل ذلك. وقرأت عليه أيضاً سقط الزند لأبي العلاء وقرأت عليه بعض الحماسة لأبي تمام الطائي ومقصورة ابن دريد وغير ذلك، وسمعت من لفظه كتاب تلخيص العبارات بلطيف الإشارات في القراءات السبع لابن بليمة وسمعت عليه كتاب الفصيح لثعلب بقراءة القاضي شهاب الدين ابن فضل الله بالقاهرة، وسمعت من لفظه خطبة كتابه المسمى ب ارتشاف الضرب من لسان العرب، وانتقيت ديوانه وكتبته وسمعته منه، وسمعت من لفظه ما اخترته من كتابه مجاني الهصر وغير ذلك، أنشدني من لفظه لنفسه:
سبق الدمع بالمسير المطايا ... إذ نوى من أحب عني نقله
وأجاد السطور في صفحة الخ ... د ولم لا يجيد وهو ابن مقله

وأنشدني أيضاً في صفات الحروف:
أنا هاو لمستطيل أغن ... كلما اشتد صارت النفس رخوه
أهمس القول وهو يجهر سبي ... وإذا ما انخفضت أظهر علوه
فتح الوصل ثم أطبق هجراً ... بصفير والقلب قلقل شجوه
لان دهراً ثم اغتدى ذا انحراف ... وفشا السر مذ تكررت نحوه

وأنشدني أيضاً لنفسه:
يقول لي العذول ولم أطعه: ... تل فقد بدا للحب لحيه
تخيل أنها شانت حبيبي ... وعندي أنها زين وحليه

وأنشدني أيضاً لنفسه:
شوقي لذاك المحيا الزاهر الزاهي ... شوق شديد وجسمي الواهن الواهي
أسهرت طرفي ودلهت الفؤاد هوى ... فالطرف والقلب مني الساهر الساهي
نهبت قلبي وتنهى أن يبوح بما ... يلقاه واشوقه للناهب الناهي
بهرت كل مليح بالبهاء فما ... في النيرين شبيه الباهر الباهي
لهجت بالحب لما أن لهوت به ... عن كل شيء وويح اللاهج اللاهي

وأنشدني أيضاً لنفسه:
راض حبيبي عارض قد بدا ... يا حسنه من عارض رائض
وظن قوم أن قلبي سلا ... والأصل لا يعتد بالعارض

أنشدني أيضاً لنفسه موشحةً:
إن كان ليل داج، وخاننا الإصباح، ... فنورها الوهاج، يغني عن المصباح
سلافة تبدو ... كالكواكب الأزهر
مزاجها شهد ... وعرفها عنبر
يا حبذا الورد ... منها وإن أسكر
قلبي بها قد هاج، فما تراني صاح، ... عن ذلك المنهاج، وعن هوى يا صاح
وبي رشا أهيف ... قد لج في بعدي
بدر فلا يخسف ... منه سنا الخد
بلحظه المرهف ... يسطو على الأسد
كسطوة الحجاج، في الناس والسفاح، ... فما ترى من ناج، من لحظه السفاح
علل بالمسك ... قلبي رشا أحور
منعم المسك ... ذو مبسم أعطر
رياه كالمسك ... وريقه كوثر
غصن على رجراج، طاعت له الأرواح، ... فحبذا الآراج، إن هبت الأرواح
مهلاً أبا القاسم ... على أبي حيان
ما إن له عاصم ... من لحظك الفتان
وهجرك الدائم ... قد طال بالهيمان
فدمعه أمواج، وسره قد لاح ... لكنه ما عاج، ولا أطاع اللاح
يا رب ذي بهتان ... يعذل في الراح
وفي هوى الغزلان ... دافعت بالراح
وقلت لا سلوان ... عن ذاك يا لاحي
سبع الوجوه والتاج، هي منية الأفراح، ... فاخترلي يا زجاج قمصال وزوج أقداح

وأنشدني من لفظه أيضاً لنفسه يعارض شمس الدين محمد بن العفيف التلمساني:
عاذ لي في الأهيف الانس ... لو رآه كان قد عذرا
رشا قد زانه الحور ... غصن من فوقه قمر
قمر من سحبه الشعر ... ثغر في فيه أم درر
جال بين الدر واللعس ... خمرة من ذاقها سكرا
رجة بالردف أم كسل ... ريقة بالثغر أم عسل
وردة بالخد أم خجل ... كحل بالعين أم كحل
يا لها من أعين نعس ... جلبت لناظري سهرا
مذ نأى عن مقلتي سني ... ما أذيقا لذة الوسن
طالما ألقاه من شجني ... عجباً ضدان في بدني
بفؤادي جذوة القبس ... وبعيني الماء منفجرا
قد أتاني الله بالفرج ... إذ دنا مني أبو الفرج
قمر قد حل في المهج ... كيف لا يخشى من الوهج
غيره لو صابه نفسي ... ظنه من حره شررا
نصب العينين لي شركا ... فانثنى والقلب قد ملكا
قمر أضحى له فلكا ... قال لي يوماً وقد ضحكا
أنت جئت في أرض أندلس ... نحو مصر تعشق القمرا
والموشحة التي لشمس الدين محمد التلمساني في هذا الوزن هي:
قمر يجلو دجى الغلس ... بهر الأبصار مذ ظهرا
آمن من شبهة الكلف ... ذبت في حبيه بالكلف
لم يزل يسعى إلى تلفي ... بركاب الدل والصلف
آه لولا أعين الحرس ... نلت منه الوصل مقتدرا
يا أميراً جار مذ وليا ... كيف لا ترثي لمن بليا
فبثغر منك قد جليا ... قد حلا طعماً وقد حليا
وبما أوتيت من كيس ... جد فما أبقيت مصطبرا
بدر تم في الجمال سني ... ولهذا لقبوه سني
قد سباني لذة الوسن ... بمحيا باهر حسن
هو خشفي وهو مفترسي ... فارو عن أعجوبتي خبرا
لك خد يا أبا الفرج ... زين بالتوريد والضرج
وحديث عاطر الأرج ... كم سبى قلباً بلا حرج
لو رآك الغصن لم يمس ... أو رآك البدر لاستترا
يا مذيباً مهجتي كمدا ... فت في الحسن البدور مدى
يا كحيلاً كحله اعتمدا ... عجباً أن تبرئ الرمدا
وبسقم الناظرين كسي ... جفنك السحار فانكسرا

وتوجه الشيخ أثير الدين أبو حيان يوماً لزيارة الشيخ صدر الدين ابن الوكيل فلم يجده في منزله فكتب بالجبس على عادة المصريين: حضر أبو حيان، وكانت الكتابة على مصراع الباب، فلما حضر الشيخ صدر الدين رأى اسم الشيخ وكتب إليه:
قالوا: أبو حيان غير مدافع ... ملك النحاة، فقلت بالإجماع
اسم الملوك على النقود وإنني ... شاهدت كنيته على المصراع

وفيه يقول القاضي محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر وقد سمعه يتكلم في مسألة أصولية نقلت ذلك من خط محيي الدين وأنشدنيه أثير الدين من لفظه:
قد قيل لما أن سمعت مباحثاً ... في الذات قررها أجل مفيد
هذا أبو حيان، قلت: صدقتم ... وبررتم هذا هو التوحيدي

وأنشدني من لفظه لنفسه القصيدة الدالية التي نظمها في مدح النحو والخليل وسيبويه ثم خرج منها إلى مديح صاحب غرناطة وغيره من أشياخه وأولها:
هو العلم لا كالعلم شيء تراوده ... لقد فاز باغيه وأنجح قاصده

وهي تزيد على المائة بيت قصيدة مليحة، حكي لي أن الشيخ أثير الدين نظمها وهو ضعيف وتوجه إليه جماعة يعودونه فيهم شمس الدين ابن دانيال فأنشدهم الشيخ القصيدة المذكورة فلما فرغت قال ابن دانيال: يا جماعة وأخبركم أن الشيخ عوفي وما بقي به بأس لأنه لم يبق عنده فضله، قوموا بنا بسم الله. وأنشدني الشيخ أثير الدين لنفسه قصيدته السينية التي أولها:
أهاجك ربع حائل الرسم دارسه ... كوحي كتاب أضعف الخط دارسه
وهي قصيدة مليحة تلعب فيها بفنون الكلام تقارب المائة، وأنشدني لنفسه إجازة:
تقشقته شيخاً كأن مشيبه ... على وجنتيه ياسمين على ورد
أخا العقل يدري ما يراد من النهى ... أمنت عليه من رقيب ومن ضد
وقالوا الورى قسمان في شرعة الهوى ... لسود اللحى ناس وناس إلى المرد
ألا إنني لو كنت أصبو لأمرد ... صبوت إلى هيفاء مائسة القد
وسود اللحى أبصرت فيهم مشاركاً ... فأحببت أن أبقى بأبيضهم وحدي

وأنشدني من لفظه لنفسه في مليح أحدب:
تعشقته أحدباً كيساً ... يحاكي نجيباً حنين البغام
إذا كدت أسقط من فوقه ... تعلقت من ظهره بالسنام

أنشدني من لفظه لنفسه في مليح أسود:
علقته سبجي اللحظ حالكه ... ما ابيض منه سوى ثغر حكى الدررا
قد صاغه من سواد العين خالقه ... وكل عين إليه تقصد النظرا
وأنشدني لنفسه إجازة ومن خطه نقلت:
ألا ما لها لخصاً بقلبي عوابثا ... أظن بها هاروت أصبح نافثا
إذا رام ذو وجد سلواً منعنه ... وكن على دين التصابي بواعثا
وقيدن من أضحى عن الحب مطلقاً ... وأسرعن للبلوى بمن كان رائثا
بروحي رشاً من آل خاقان راحل ... وإن كان ما بين الجوانح لا بثا
غدا واحداً في الحسن للفضل ثانياً ... وللبدر والشمس المنيرة ثالثا
وأنشدني لنفسه:
عداتي لهم فضل علي ومنة ... فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
وأنشدني لنفسه إجازة ومن خطه نقلت:
أسحر لتلك العين في القلب أم وخز ... ولين لذاك الجسم في اللمس أم خز
وأملود ذاك القد أم أسمر غدا ... له أبداً في قلب عاشقه هز
فتاة كساها الحسن أفخر ملبس ... فصار عليه من محاسنها طرز
وأهدى إليها الغصن لين قوامه ... فماس كأن الغصن خامره العز
يضوع أديم الأرض من نشر طيبها ... ويخضر في آثارها تربة الجرز
وتختال في برد الشباب إذا مشت ... فينهضها قد ويقعدها عجز
أصابت فؤاد الصب منها بنظرة ... فلا رقية تجدي المصاب ولا حرز

وأنشدني لنفسه إجازة في مليح أبرص ومن خطه نقلت:
وقالوا: الذي قد صرت طوع جماله ... ونفسك لاقت في هواه نزاعها
به وضح تأباه نفس أخي الحجى ... وأفظع داء ما ينافي طباعها
فقلت لهم: لا عيب فيه يشينه ... ولا علة فيه يروم دفاعها
ولكنما شمس الضحى حين قابلت ... محاسنه ألقت عليه شعاعها

وأنشدني لنفسه ومن خطه نقلت:
رجاؤك فلساً قد غدا في حبائلي ... قنيصاً رجاء للنتاج من العقم
أأتعب في تحصيله وأضيعه ... إذا كنت معتاضاً من البرء بالسقم
وأنشدني لنفسه ومن خطه نقلت في نوتي:
كلفت بنوتي كأن قوامه ... إذا ينثني خوط من البان ناعم
مجاذفه في كل قلب مجاذب ... وهزاته للعاشقين هزائم
وأنشدني لنفسه ومن خطه نقلت في فحام:
وعلقته مسود عين ووفرة ... وثوب يعاني صنعة الفحم عن قصد
كأن خطوط الفحم في وجناته ... لطاخة مسك في جني من الورد
وأنشدني لنفسه ومن خطه نقلت في مليح أعمى:
ما ضر حسن الذي أهواه أن سنا ... كريمتيه بلا شين قد احتجبا
قد كانتا زهرتي روض وقد ذوتا ... لكن حسنهما الفتان ما ذهبا
كالسيف قد زال عنه صقله فغدا ... أنكى وآلم في قلب الذي ضربا
وأنشدني إجازة لنفسه ومن خطه نقلت:
سأل البدر هل تبدى أخوه ... قلت: يا بدر لن يطيق طلوعا
كيف يبدو وأنت يا بدر باد ... أو بدران يطلعان جميعا

وكتبت له أستدعي إجازته بما صورته:
المسؤول من إحسان سيدنا الشيخ الإمام العالم العامل العلامة لسان العرب، ترجمان الأدب، جامع الفضائل، عمدة وسائل السائل، حجة المقلدين، زين المقلدين، قطب المولين، أفضل الآخرين، وارث علوم الأولين، صاحب اليد الطولى في كل مقام ضيق، والتصانيف التي تأخذ بمجامع القلوب فكل ذي لب إليها شيق، والمباحث التي أثارت الأدلة الراجحة من مكامن أماكنها، وقنصت أوابدها الجامحة من مواطئ مواطنها، كشاف معضلات الأوائل، سباق غايات قصر عن شأوها سحبان وائل، فارع هضبات البلاغة في اجتلاء اجتلابها وهي في مرقى مرقدها، سالب تيجان الفصاحة في اقتضاء اقتعابها من فرق فرقدها، حتى أبرز كلامه جنان فضل جنان من بعده عن الدخول إليها جبان، وأتى ببراهين وجوه حورها لم يطمثهن إنس قبله ولا جان، وأبدع خمائل نظم ونثر لا تصل إلى أفنان فنونها يد جان، أثير الدين أبي حيان محمد:
لا زال ميت العلم يحييه ولا ... عجب لذلك من أبي حيان
حتى ينال بنو العلوم مرامهم ... ويحلهم دار المنى بأمان

إجازة كاتب هذه الأحرف ما رواه فسح الله في مدته من المسانيد والمصنفات والسنن والمجاميع الحديثية، والتصانيف الأدبية، نظماً ونثراً إلى غير ذلك من أصناف العلوم على اختلاف أوضاعها، وتباين أجناسها وأنواعها، مما تلقاه ببلاد الأندلس وإفريقية، والاسكندرية والديار المصرية، والبلاد الحجازية، وغيرها من البلدان بقراءة أو سماع أو منازلة أو إجازة خاصة أو عامة كيف ما تأدى ذلك إليه، وإجازة ما له أدام الله إفادته من التصانيف في تفسير القرآن العظيم والعلوم الحديثية والأدبية وغيرها وما له من نظم ونثر إجازة خاصة وأن يثبت بخطه تصانيفه إلى حين هذا التاريخ وأن يجيزه إجازة عامة لما يتجدد له من بعد ذلك على رأي من يراه ويجوزه منعماً متفضلاً إن شاء الله تعالى.

فكتب الجواب بما صورته: أعزك الله ظننت بالإنسان جميلاً فغاليت، وأبديت من الإحسان جزيلاً وما باليت، وصفت من هو القتام يظنه الناظر سماء، والسراب يحسبه الظمآن ماء، يا ابن الكرام وأنت أبصر من يشيم، أمع الروض النضير يرعى الهشيم، أما أغنتك فواضلك وفضائلك، ومعارفك وعوارفك، عن بغبة من دأماء، وتربة من يهماء، لقد تبلجت المهارق من نور صفحاتك، وتأرجت الأكوان من أريج نفخاتك، ولأنت أعرف بمن تقصد للدراية، وأنقذ بمن تعتمد عليه في الرواية، لكنك أردت أن تكسو من مطارفك، وتتفضل بتالدك وطارفك، وتجلو الخامل في منصة النباهة، وتنقذه من لكن الفهاهه، فتشيد له ذكرا، وتعلي له قدرا، ولم يمكنه إلا إسعافك فيما طلبت، وإجابتك فيما إليه ندبت، فإن المالك لا يعصى، والمتفضل المحسن لا يقصى، وقد أجزت لك أيدك الله جميع ما رويته عن أشياخي بجزيرة الأندلس وبلاد إفريقية وديار مصر والحجاز وغير ذلك بقراءة وسماع ومناولة وإجازة بمشافهة وكتابة ووجادة، وجميع ما أجيز لي أن أرويه بالشام والعراق وغير ذلك، وجميع ما صنفته واختصرته وجمعته وأنشأته نثراً ونظماً، وجميع ما سألت في هذا الاستدعاء، فمن مروياتي الكتاب العزيز قرأته بقراءات السبعة على جماعة من أعلاهم الشيخ المسند المعمر فخر الدين أبو الظاهر إسماعيل بن هبة الله بن علي بن هبة الله المصري ابن المليجي آخر من روى القرآن بالتلاوة عن أبي الجود، والكتب الستة والموطأ ومسند عبد ومسند الدارمي ومسند الشافعي ومسند الطيالسي والمعجم الكبير للطبراني والمعجم الصغير له وسنن الدارقطني وغير ذلك، وأما الأجزاء فكثيرة جداً، ومن كتب النحو والآداب فأروي بالقراءة كتاب سيبويه والإيضاح والتكملة والمفصل وجمل الزجاجي وغير ذلك والأشعار الستة والحماسة وديوان حبيب وديوان المتنبي وديوان المعري.

وأما شيوخي الذين رويت عنهم بالسماع أو القراءة فهم كثير وأذكر الآن جملة من عواليهم فمنهم القاضي أبو علي الحسن بن عبد العزيز بن أبي الأحوص القرشي، والمقرئ أبو جعفر أحمد بن سعد بن أحمد بن بشير الأنصاري، وإسحاق بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد الملك بن درباس، وأبو بكر بن عباس بن يحيى بن غريب البغداذي القواس، وصفي الدين الحسين بن أبي المنصور ظافر الخزرجي، وأبو الحسين محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع الأشعري، ووجيه الدين محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الأزدي ابن الدهان، وقطب الدين محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن القسطلاني، ورضي الدين محمد بن علي بن يوسف الأنصاري الشاطبي اللغوي، ونجيب الدين محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيد الهمذاني، ومحمد بن مكي بن أبي القاسم بن حامد الأصبهاني الصفار، ومحمد بن عمر بن محمد بن علي السعدي الضرير ابن الفارض، وزين الدين أبو بكر محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن الأنماطي، ومحمد بن إبراهيم بن ترجم بن حازم المازني، ومحمد بن الحسين ابن الحسن بن إبراهيم الداري ابن الخليلي، ومحمد بن عبد المنعم بن محمد بن يوسف الأنصاري ابن الخيمي، ومحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر العنسي عرف بابن النن، وعبد الله بن محمد بن هرون بن محمد بن عبد العزيز الطائي القرطبي، وعبد الله بن نصر الله بن أحمد بن رسلان بن فتيان بن كامل الخزمي، وعبد الله بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن فارس التميمي، وعبد الرحيم بن يوسف بن يحيى بن يوسف ابن خطيب المزة، وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد العلي المصري السكري، وعبد العزيز ابن عبد المنعم بن علي بن نصر بن الصيقل الحراني، وعبد العزيز بن عبد القادر بن إسماعيل الفيالي الصالحي الكتاني، وعبد المعطي بن عبد الكريم ابن أبي المكارم من منجى الخزرجي، وعلي بن صالح بن أبي علي بن يحيى بن إسماعيل الحسيني البهنسي المجاور، وعازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الحلاوي، والفضل بن علي بن نضر بن عبد الله بن الحسين بن رواحة الخزرجي، ويوسف بن إسحاق بن أبي بكر الطبري المكي، واليسر بن عبد الله بن محمد بن خلف بن اليسر القشيري، ومؤنسة بنت السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب بن شاذي، وشامية بنت الحافظ أبي علي الحسن بن محمد بن محمد التيمية، وزينب بنت عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي البغداذي.

وممن كتبت عنهم من مشاهير الأدباء: أبو الحكم مالك بن عبد الرحمن ابن علي بن الفرح المالقي ابن المرحل، وأبو الحسن حازم بن محمد بن حازم الأنصاري القرطاجني، وأبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الله الهذلي التطيلي، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن زنون المالقي، وأبو عبد الله محمد بن عمر بن جبير الجلياني العكي المالقي، وأبو الحسين يحيى بن عبد العظيم بن يحيى الأنصاري الجزار، وأبو عمرو عثمان بن سعيد ابن عبد الرحمن بن تولو القرشي، وأبو حفص عمر بن محمد بن أبي علي الحسن المصري الوراق، وأبو الربيع سليمان بن علي بن عبد الله بن ياتيبن الكومي التلمساني، وأبو العباس أحمد بن أبي الفتح نصر الله بن باتكين القاهري، وأبو عبد الله محمد بن سعيد بن حماد بن محسن الصنهاجي البوصيري، وأبو العباس أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم العزازي.
وممن أخذت عنه من النحاة: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الخشني الأبذي، وأبو الحسن علي بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي ابن الضائع، وأبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن محمد بن الزبير الثقفي، وأبو جعفر أحمد بن يوسف بن علي بن يوسف الفهري اللبلي، وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن نصر الحلبي ابن النحاس.
وممن لقيت من الظاهرية أبو العباس أحمد بن علي بن خالص الأنصاري الإشبيلي الزاهد، وأبو الفضل محمد بن محمد بن سعدون الفهري الشنتمري، وجملة الذين سمعت منهم نحو من أربع مائة شخص وخمسين، وأما الذين أجازوني فعالم كثير جداً من أهل غرناطة ومالقة وسبتة وديار إفريقية وديار مصر والحجاز والعراق والشام.

وأما ما صنفت فمن ذلك: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم، إتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب، كتاب الأسفار الملخص من كتاب الصفار شرحاً لكتاب سيبويه، كتاب التجريد لأحكام سيبويه، كتاب التذييل والتكميل في شرح التسهيل، كتاب التنخيل الملخص من شرح التسهيل، كتاب التذكرة، كتاب المبدع في التصريف، كتاب الموفور، كتاب التقريب، كتاب التدريب، كتاب غاية الإحسان، كتاب النكت الحسان، كتاب الشذا في مسألة كذا، كتاب الفصل في أحكام الفصل، كتاب اللمحة، كتاب الشذرة، كتاب الارتضاء في الفرق بين الضاد والظاء، كتاب عقد اللآلي، كتاب نكت الأمالي، كتاب النافع في قراءة نافع، الأثير في قراءة ابن كثير، المورد الغمر في قراءة أبي عمرو، الروض الباسم في قراءة عاصم، المزن الهامر في قراءة ابن عامر، الرمزة في قراءة حمزة، تقريب النائي في قراءة الكسائي، غاية المطلوب في قراءة يعقوب، المطلوب في قراءة يعقوب قصيدة، النير الجلي في قراءة زيد بن علي، الوهاج في اختصار المنهاج، الأنوار الأجلي في اختصار المجلي، الحلل الحالية في أسانيد القرآن العالية، كتاب الإعلام بأركان الإسلام، نثر الزهر ونظم الزهر، قطر الحبي في جواب أسئلة الذهبي، فهرست مسموعاتي، نوافث السحر في دمائث الشعر، تحفة الندس في نحاة الأندلس، الأبيات الوافية في علم القافية، جزء في الحديث، مشيخة ابن أبي منصور، كتاب الإدراك للسان الأتراك، زهو الملك في نحو الترك، نفحة المسك في سيرة الترك، كتاب الأفعال في لسان الترك، منطق الخرس في لسان الفرس.
ومما لم يكمل تصنيفه: كتاب مسلك الرشد في تجريد مسائل نهاية ابن رشد، كتاب منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك، نهاية الإغراب في علمي التصريف والإعراب رجز، مجاني الهصر في آداب وتواريخ لأهل العصر، خلاصة التبيان في علمي البديع والبيان رجز، نور الغبش في لسان الحبش، المخبور في لسان اليخمور.

قاله وكتبه أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان، ومولدي بغرناطة في أخريات شوال سنة أربع وخمسين وست مائة تمت.

وتوفي رحمه الله تعالى في ثامن عشري صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وصلي عليه بجامع دمشق صلاة الغائب في شهر ربيع الأول وقلت أنا في رثائه:
مات أثير الدين شيخ الورى ... فاستعر البارق واستعبرا
ورق من حزن نسيم الصبا ... واعتل في الأسحار لما سرى
وصادحات الأيك في نوحها ... رثته في السجع على حرف را
يا عين جودي بالدموع التي ... يروي به ما ضمه من ثرى
واجري دماً فالخطب في شأنه ... قد اقتضى أكثر مما جرى
مات إمام كان في علمه ... يرى إماماً والورى من ورا
أمسى منادي للبلى مفرداً ... فضمه القبر على ما ترى
يا أسفا كان هدى ظاهراً ... فعاد في تربته مضمرا
وكان جمع الفضل في عصره ... صح فلما أن قضى كسرا
وعرف الفضل به برهةً ... والآن لما أن مضى نكرا
وكان ممنوعاً من الصرف لا ... يطرق من وافاه خطب عرا
لا أفعل التفضيل ما بينه ... وبين من أعرفه في الورى
لا بدل عن نعته بالتقى ... ففعله كان له مصدرا
لم يدغم في اللحد إلا وقد ... فك من الصبر وثيق العرى
بكى له زيد وعمرو فمن ... أمثله النحو وممن قرا
ما أعقد التسهيل من بعده ... فكم له من عسرة يسرا
وجسر الناس على خوضه ... إذا كان في النحو قد استبحرا
من بعده قد حال تمييزه ... وحظه قد رجع القهقرى
شارك من قد ساد في فنه ... وكم له فن به استأثرا
دأب بني الآداب أن يغسلوا ... بدمعهم فيه بقايا الكرى
والنحو قد سار الردى نحوه ... والصرف للتصريف قد غيرا
واللغة الفصحى غدت بعده ... يلغى الذي في ضبطها قررا
تفسيره البحر المحيط الذي ... يهدي إلى وارده الجوهرا
فوائد من فضله جمة ... عليه فيها نعقد الخنصرا
وكان ثبتاً نقله حجة ... مثل ضياء الصبح إن أسفرا
ورحلة في سنة المصطفى ... أصدق من تسمع إن خبرا
له الأسانيد التي قد علت ... فاستفلت عنها سوامي الذرى
ساوى بها الأحفاد أجدادهم ... فاعجب لماض فاته من طرا
وشاعراً في نظمه مفلقاً ... كم حرر اللفظ وكم حبرا
له معان كلما خطها ... تستر ما يرقم في تسترا
أفديه من ماض لأمر الردى ... مستقبلاً من ربه بالقرى
ما بات في أبيض أكفانه ... إلا وأضحى سندساً أخضرا
تصافح الحور له راحة ... كم تعبت في كل ما سطرا
إن مات فالذكر له خالد ... يحيا به من قبل أن ينشرا
جاد ثرى واراه غيث إذا ... مساه بالسقيا له بكرا
وخصه من ربه رحمة ... تورده في حشره الكوثرا
 

ابواحمد2

عضو موقوف
16 ديسمبر 2007
2,963
3
0
الجنس
ذكر
رد: ترجمة الصفدي لفخر القراء أثير الدين أبو حيان الغرناطي

وفقك الله اخي الكريم
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع