إعلانات المنتدى

مسابقة مزامير القرآنية 1445هـ

ترجمة المؤرخ الصفدي للإمام علي بن حمزة الكسائي

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
(بسم الل)

قال صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى : 764هـ) في "الوافي بالوفيات"


علي بن حمزة
الكسائي علي بن حمزة بن عبد الله بن فيروز الأسدي مولاهم الكوفي، إنما قيل له الكسائي لأنه دخل الكوفة، وأتى حمزة بن حبيب الزيات وهو ملتف بكساء، فقال حمزة: من يقرأ؟ فقيل له: صاحب الكساء. فبقي علماً عليه، وقيل: بل أحرم في كساء. شيخ القراء وأحد السبعة وإمام النحاة. نزل بغداد وأدب الرشيد، ثم أولاده. قرأ القرآن على حمزة الزيات أربع مرات، وقرأ على محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عرضاً، وروى عن جعفر الصادق والأعمش وسليمان بن أرقم وأبي بكر ابن عياش، واختار لنفسه قراءة صارت إحدى القراءات السبع. وتعلم النحو على كبر سنه، وجالس الخليل في البصرة. وكانوا يكثرون عليه حتى لا يضبطهم. وكان يجمعهم ويجلس على كرسي، ويتلو القرآن من أوله إلى آخره وهم يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادئ. مات مع الرشيد في قرية زنبويه، ومات معه محمد بن الحسن، فقال الرشيد لما عاد إلى العراق: دفنت النحو والفقه بزنبويه، وذلك سنة تسع وثمانين ومائة. وزنبويه بالري، ولم يكن له في الشعر يد، حتى قيل: إنه ليس في علماء العربية أجهل منه بالشعر.

اجتمع يوماً بمحمد بن الحسن في مجلس الرشيد، فقال الكسائي: من تبحر في علم يهدى إلى جميع العلوم، فقال له محمد بن الحسن: ما تقول في من سها في سجود السهو، هل يسجد مرة أخرى؟ فقال الكسائي: لا، قال: لماذا؟ قال: لأن النحاة يقولون: التصغير لا يصغر. وقيل إن هذه جرت لمحمد بن الحسن والفراء النحوي، فقال محمد بن الحسن: فما تقول في تعليق الطلاق بالملك؟ قال: لا يصح، قال: لم؟ قال: لأن السيل لا يسبق المطر. وسيأتي ذكر ما جرى له مع سيبويه في ترجمته إن شاء الله تعالى.

وكتب إلى الرشيد يشكو العزبة: من الكامل
قل للخليفة: ما تقول لمن ... أمسى إليك بحرمة يدلي
ما زلت مذ صار الأمين معي ... عبدي يدي ومطيتي رجلي
وعلى فراشي من ينهنهني ... من نومتي وقيامه قبلي
أسعى برجل منه ثالثة ... موفورة مني بلا رجل
وإذا ركبت أكون مرتدفاً ... قدام سرجي راكباً مثلي
فامنن علي بما يسكنه ... عني وأهد الغمد للنصل

فأمر له الرشيد بعشرة آلاف درهم وجارية حسناء وخادم وبرذون، وجميع ما تحتاج الجارية إليه.
وحكي أنه كان يشرب الشراب ويأتي الغلمان. قيل إنه أقام غلاماً ممن عنده في الكتاب يفسق به، وجاء بعض الكتاب ليسلم عليه، فرآه الكسائي ولم يره الغلام، فجلس الكسائي في مكانه وبقي الغلام قائماً مبهوتاً. فلما دخل الكاتب قال: ما شأن هذا الغلام قائماً؟ قال: وقع الفعل عليه فانتصب. ذكر ذلك ياقوت في معجم الأدباء.

وأشرف الرشيد عليه يوماً وهو لا يراه، فقام الكسائي ليلبس نعليه، فابتدر الأمين والمأمون فوضعاها بين يديه. فقبل رؤوسهما وأيديهما وأقسم عليهما أن لا يعاودوا ذلك أبداً. فلما جلس الرشيد مجلسه قال: أي الناس أكرم خدماً؟ قالوا: أمير المؤمنين أعزه الله تعالى، فقال: بل الكسائي، يخدمه الأمين والمأمون، وحدثهم الحديث.

وقال الفراء: مدحني رجل من النحويين فقال لي: ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في النحو؟!! فأعجبتني نفسي، فأتيته فناظرته مناظرة الأكفاء، وكأني كنت طائراً يغرف من البحر بمنقاره. وقال الفراء: مات الكسائي وهو لا يدري حد نعم وبئس، ولا حد أن المفتوحة ولا حد الحكاية. ولم يكن الخليل يحسن حد النداء ولا كان سيبويه يدري حد التعجب.

وكان سبب تعلم الكسائي النحو أنه جاء إلى قوم من الهباريين، وقد أعيى فقال: قد عييت، فقالوا له: أتجالسنا وتلحن؟!! فقال: كيف لحنت؟ فقالوا: إن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير في الأمر فقل: عييت مخففاً، وإن كنت أردت من التعب فقل: أعييت. فأنف من هذه الكلمة، ثم قام من فوره وأتى إلى معاذ الهراء، ولازمه حتى أخذ ما عنده. وخرج إلى البصرة، فأتى الخليل وجلس في حلقته، فقال له رجل من الإعراب: تركت أسد الكوفة وتميماً، وعندها الفصاحة، وجئت إلى البصرة!! فقال الخليل: من أين أخذت علمك هذا؟ فقال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة. فخرج ورجع وقد أنفذ خمس عشرة قنينة حبراً في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ. فلم يكن له هم غير البصرة والخليل، فوجد الخليل قد مات وجلس في موضعه يونس النحوي. فمرت بينهما مسائل أقر له يونس فيها وصدره موضعه.

ولما أتى حمزة الزيات وتقدم ليقرأ عليه، رمقه القوم بأبصارهم وقالوا: إن كان حائكاً فسيقرأ سورة يوسف، وإن كان ملاحاً فسيقرأ سورة طه. فسمعهم فقرأ بسورة يوسف. فلما بلغ إلى قصة الذئب قرأ: " فأكله الذيب " بغير همزٍ فقال له حمزة: الذئب بالهمز، فقال له الكسائي: وكذلك أهمز الحوت؟ " فالتقمه الحوت " قال: لا، قال: فلم همزت الذئب ولم تهمز الحوت، وهذا " فأكله الذئب " وهذا " فالتقمه الحوت " ؟ فرفع حمزة بصره إلى خلاد الأحول وكان أجمل غلمانه فتقدم إليه جماعة من المجلس، فناظروا فلم يصنعوا شيئاً. فقال: أفدنا رحمك الله. فقال الكسائي: تفهموا عن الحائك، تقول: إذا نسبت الرجل إلى الذئب: قد استذأب الرجل، ولو قلت: قد استذاب بغير همز لكنت إنما نسبته إلى الهزال، أي: استذاب شحمه بغير همز. وإذا نسبته إلى الحوت تقول: قد استحات الرجل، أي كثر أكله، لأن الحوت يأكل كثيراً، لا يجوز فيه الهمز. فلتلك العلة همز الذئب، ولم يهمز الحوت. وفيه معنى آخر: لا يسقط الهمز من مفرده ولا من جمعه، وأنشدهم: من الخفيف

أيها الذئب وابنه وأبوه ... أنت عندي من أذؤب ضاريات
قال سلمة: كان عند المهدي ولد يؤدب ولده الرشيد، فدعاه المهدي يوماً وهو يستاك، فقال له: كيف تأمر من السواك؟ فقال: إستك يا أمير المؤمنين، فقال المهدي: " إنا لله وإنا إليه راجعون " . ثم قال التمسوا لنا من هو أفهم من هذا. فقالوا: رجل يقال له علي بن حمزة الكسائي من أهل الكوفة قدم من البادية قريباً، فأمر بإحضاره من الكوفة. فساعة دخل عليه قال له: يا علي بن حمزة، قال: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: كيف تأمر من السواك؟ قال: سك يا أمير المؤمنين، قال: أحسنت وأصبت، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
وقال الكسائي: حججت مع الرشيد، فقدمت لبعض الصلوات، فصليت فقرأت: " ذرية ضعافاً خافوا عليهم " فأملت ضعافاً. فلما سلمت، ضربوني بالأيدي والنعال وغير ذلك حتى غشي علي، واتصل الخبر بالرشيد، فوجه بمن استنفذني. فلما جئته قال لي: ما شأنك؟ فقلت: قرأت لهم ببعض قراءات حمزة الرديئة، ففعلوا بي ما بلغ أمير المؤمنين، فقال: بئس ما صنعت. ثم إن الكسائي ترك كثيراً من قراءات حمزة.
وقال: أحضرني الرشيد سنة اثنتين وثمانين ومائة، وأخرج إلي محمد الأمين وعبد الله المأمون كأنهما بدران فقال: امتحنهما بشيء. فما سألتهما عن شيء إلا أحسنا الجواب عنه، فقال لي: كيف تراهما؟ فقلت: من الطويل
أرى قمري أفق وفرعي بشامة ... يزينهما عرق كريم ومحتد
يسدان آفاق السماء بهمة ... يؤيدهما حزم ورأي وسؤدد
سليلي أمير المؤمنين وحائزي ... مواريث ما أبقى النبي محمد
حياة وخصب للولي ورحمة ... وحرب لأعداء وسيف مهند

ثم قلت: فرع زكا أصله، وطاب مغرسه، وتمكنت فروعه، وعذبت مشاربه، وأوراق غصنه، وأينع ثمره، وزكا فرعه، إذا هما ملك أغر نافذ الأمر، واسع العلم، عظيم الحلم. أعلاهما فعلوا، وسما بهما فسموا، فهما يتطاولان بطولة، ويستضيئان بنوره، وينطقان بلسانه فأمتع الله أمير المؤمنين بهما وبلغه الأمل فيهما، فقال الرشيد: تعهدهما. فكنت أختلف إليهما في الأسبوع طرفي نهارهما. ومن شعر الكسائي: من الرمل

إنما النحو قياس يتبع ... وبه في كل أمر ينتفع
فإذا ما أبصر النحو الفتى ... مر في المنطق مراً فاتسع
فاتقاه كل من جالسه ... من جليس ناطق أو مستمع
وإذا لم يبصر النحو الفتى ... هاب أن ينطق حيناً فانقطع
فتراه يرفع النصب وما ... كان من خفض ومن نصب رفع
يقرأ القرآن لا يعرف ما ... صرف الإعراب فيه وصنع
والذي يعرفه يقرأه ... فإذ ما شك في حرف رجع
ناظراً فيه وفي إعرابه ... فإذا ما عرف اللحن صدع
كم وضيع رفع النحو وكم ... من شريف قد رأيناه وضع
فهما فيه سواء عندكم ... ليست السنة فينا كالبدع

وحضر مجلس الكسائي أعرابي وهم يتحاورون في النحو، فأعجبه ذلك. ثم تناظروا في التصريف، فلم يهتد إلى ما يقولون، ففارقهم وقال: من البسيط

ما زال أخذهم في النحو يعجبني ... حتى تعاطوا كلام الزنج والروم
بمفعلٍ فعل لا طاب من كلمٍ ... كأنه زجل الغربان والبوم

وله من التصانيف: كتاب معاني القرآن، كتاب مختصر في النحو، كتاب القراءات، كتاب العدد، كتاب النوادر الكبير، كتاب النوادر الأوسط، كتاب النوادر الصغير، كتاب اختلاف العدد، كتاب الهجاء، كتاب مقطوع القرآن وموصوله، كتاب المصادر، كتاب الحروف، كتاب أشعار المعاياه وطرائقها، كتاب الهاءات المكني بها في القرآن.

وقال المنذري: أسمعني أبو بكر عن بعض مشايخه، أن الكسائي كان يقوم في المحراب يؤم، فتشذ عليه القراءة حتى لا يقوم بقراءة " الحمد لله رب العالمين " ، ثم ينحرف فيقبل عليهم، فيملي القرآن حفظاً وتفسيره بمعانيه. وقال أبو محمد اليزيدي يرثيه ويرثي محمد بن الحسن: من الطويل

تصرمت الدنيا فليس خلود ... وما قد ترى من بهجة ستبيد
سيفنيك ما أفنى القرون التي مضت ... فكن مستعداً فالفناء عتيد
أسيت على قاضي القضاة محمد ... فأذريت دمعي والفؤاد عميد
وقلت: إذا ما الخطب أشكل من لنا ... بإيضاحه يوماً وأنت فقيد
وأوجعني موت الكسائي بعده ... وكادت بي الأرض الفضاء تميد
وأذهلني عن كل عيش ولذة ... وأرق عيني والعيون هجود
هما عالمانا أوديا وتخرما ... وما لهما في العالمين نديد


t7
 

يوسـف

مزمار كرواني
1 أغسطس 2007
2,830
25
48
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
رد: ترجمة المؤرخ الصفدي للإمام علي بن حمزة الكسائي

ما شاء الله، و الله تحتارُ في الرجال إن عرفتهم

موضوع قيم


بارك الله فيك أستاذنا الغالي
 
التعديل الأخير:

كمال المروش

مشرف سابق
2 يوليو 2006
8,187
128
63
الجنس
ذكر
رد: ترجمة المؤرخ الصفدي للإمام علي بن حمزة الكسائي

موضوع جميل رحم الله اولئك الرجال الذين لهم في كل علم قدم راسخ جزاهم المولى عظم الاجر
بارك الله فيك اخي هاني
 

نواف الموسى

مزمار فعّال
10 ديسمبر 2007
238
6
18
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبدالله عواد الجهني
رد: ترجمة المؤرخ الصفدي للإمام علي بن حمزة الكسائي

وأما علي فالكسائي نعته ...... لما كان في الاحرام فيه تسربلا
جزاك الله خيرا أخي هاني
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع