إعلانات المنتدى


الاختيار عند القراء

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

المقرئ

مزمار فعّال
27 يوليو 2006
209
1
0
الجنس
ذكر
الاختيار عند القراء
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله_ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا . أما بعد ...

فالقراءة مبناها علي الاختيار وهذا ما عليه العلماء وسلف الأمة ، ولا يدل ذلك علي أن يقرا كل أحد باختيار من عنده فالمسألة لها ضوابط وشروط ، وها نحو نتناول هذه الضوابط والشروط وعدة جوانب أخري .
ولمعرفة حقيقة هذه القضايا ، نذكر تعريف الاختيار ثم نتحدث عن مراحل نشأة القراءات وغيرها ...


قال الراغب في مفرداته:
خير
- الخير: ما يرغب فيه الكل، كالعقل مثلا، والعدل، والفضل، والشيء النافع، وضده: الشر.

والمختار في عرف المتكلمين يقال لكل فعل يفعله الإنسان لا على سبيل الإكراه، فقولهم: هو مختار في كذا، فليس يريدون به ما يراد بقولهم فلان له اختيار؛ فإن الاختيار أخذ ما يراه خيرا، والمختار قد يقال للفاعل والمفعول." ا.هـ بتصرف

والاختيار عند القراء : اختيار القارئ لوجه من مسموعاته والاقتصار عليه
قال نافع: قرأت على سبعين من التابعين فما اجتمع عليه اثنان أخذته، وما شك به واحد تركته حتى ألفت هذه القراءة. وقرأ الكسائي على حمزة وغيره، فاختار من قراءة غيره نحوا من ثلاثمائة حرف، وكذا أبو عمرو على ابن كثير، وخالفه في نحو ثلاثة آلاف حرف اختارها من قراءة غيره. " ا.هـ القواعد والإشارات في أصول القراءة 1/صـ2

وقال د/ محمد بن عبد العزيز الخضيري في محاضرته في علوم القرآن :

" الاختيار: وهو أن يختار القارئ من بين مروياته أو الرواي من بين مسموعاته أو الآخذ عن الراوي من بين محفوظاته وكل واحد من هؤلاء مجتهد في اختياره. ولعنا نمثل بمثال يتضح به هذا الأمر ولو بشكل يسير مثلاً في سورة الروم قال الله - سبحانه وتعالى- ﴿ اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا
وَشَيْبَةً ﴾[الروم: 54] هذه كلمة: ضعف فيها قراءتان: ﴿ اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ﴾، والثانية ﴿من ضُعْفٍ ﴾ وهكذا في سائر الآية في كل موارد الضَعف والضُعف في الآية فكلمة ضعف بالفتح هذه قراءة حمزة اتفق الرواة كلهم عن حمزة بقراءتها ضَعف وهي رواية شعبة عن عاصم يعني: ما رواه شعبة عن عاصم رواها بفتح الضاد قال: ضَعف وهي طريق عبيد بن الصباح عن حفص عن عاصم فسمينا هذا طريقاً وسمّينا ما ذكره شعبة أو ما جاء به شعبة عن عاصم رواية، وسمينا ما جاء عن حمزة قراءة." ا.هـ

قال الشيخ عبد الرازق إبراهيم موسى تحت عنوان " تعريف الاختيار :

"الاختيار في القراءات : هو اختيار بعض المرويّ دون بعض عند الإقراء والتلقي لأنّ كلّ قارئ من الأئمة وغيرهم ، يأخذ الأحرف القرآنية من عدد من الشيوخ ويحاول قدر جهده أن يتلقى على أكبر عدد منهم ، فصاروا يجوبون الأقطار بحثاً عن النقلة الضابطين لكتاب الله يأخذون عنهم ، ويتلقّون منهم ولكن القارئ إذا أراد أن يقرئ غيره من الطلاب فإنّه لا يُقرئه بكلّ ما سمع ، بل هو يختار من مسموعاته فيُقرئ به ويترك بعضاً آخر فلا يُقرئ به.

والسبب في ذلك : أنّه يراعي أولاً : الترجيح بين الروايات ، ويختار أشهرها وأكثرها رواة ، ويتجنّب ما شذّ به واحد ، كلّ ذلك حسب علمه في ذلك ، وما بلغه وما بلع أهل مصره ، فهذا نافع المدني يقول : قرأت على سبعين من التابعين فما اتفق عليه اثنان أخذته ، وما شذّ فيه واحد تركته ..وذلك لأنّ ورشاً قرأ عليه بما تعلّم في بلده ـ أي بلد ورش ـ فوافق ذلك رواية قرأها نافع عن بعض أئمّته فتركه على ذلك.
ومن هنا يظهر لنا أنّه لا دخل للرأي وللقياس في القراءات ، فإذا وجدنا أحداً يقول : هذا اختيار فلان فلا نفسّر هذا بأنّه استحسان منه أو تدخّل من القراء بقياس قراءة على قراءة أخرى حاشاهم الله من ذلك فقد أجمعوا على منعه وحرمته كما سبق." ( تأمّلات حول تحريرات العلماء للقراءات المتواترة ص26(.

فهذا كلام طيب من الشيخ عبد الرزاق ، ولكن هذه العبارة :" ...وذلك لأنّ ورشاً ...قرأها نافع عن بعض أئمته فتركه علي ذلك "

. أقول : قال ابن الجزري في ترجمة الإمام نافع : الإمام نافع بن عبد الرحمن المدني:"... وقال الأعشى كان نافع يسهل القرآن لمن قرأ عليه إلا أن يقول له إنسان أريد قراءتك.." غاية النهاية

وقال الذهبي :"وروى هارون بن موسى الفروي عن أبيه عن نافع بن أبي نعيم أنه كان يجيز كل ما قريء عليه إلا أن يسأله إنسان أن يقفه على قراءته فيقفه عليها وعن الأعشى قال كان نافع يسهل القرآن لمن قرأ عليه إلا أن يسأله..." معرفة القراء الكبار

ومعني هذا الكلام أن نافعا لا يلزم أحدا بقراءته إلا أن يطلبها ، وورش قرأ علي نافع بعدما حصّل نافع القراءة قال الذهبي في ترجمة ورش :
وقال محمد بن عبدالرحيم الأصبهاني المقرئ سمعت أبا القاسم وأبا الربيع وغيرهم ممن قرأت عليه يقولون : إن ورشا إنما قرأ على نافع بعد ما حصل نافع القراءة " فإن كان ورش طلب قراءة نافع ، يكون كلام الشيخ عبد الرزاق فيه نظر ، وإن كان نافع أقرّه ـ أي تركه يقرأ بما قرأه في بلده ـ فالكلام صواب ، ولكن الظاهر أنه قرأ بقراءة نافع قال الداني في جامع البيان :" ..وقرأ علي نافع وختم عليه ختمات كثيرة ثم انصرف إلي مصر وأقرأ بها إلي أن توفي ..."صـ47 وأقرأ بقراءة نافع ولو كان الأمر علي خلافه لبينه لأن الأصل أنه قرأ بقراءة نافع ،لإلا أن كون هناك نص بذلك من أحد الأئمة . ـ والله أعلم ــ

فإن قال قائل : لم اقتصر الناس علي القراء العشر وتركوا بقية القراءات ؟ أليست الأمة آثمة بتركها وتضيعها لبقية الأحرف ؟؟
قال د/ الدوسري :" وما ترك من القراءات له أصل في الشرع ، وإلا كانت الأمة آثمة بعدم أدائه ، وهذا الأصل هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث الأحرف السبعة : " فاقرؤوا ما تيسر منه " ، حيث دلّ الحديث على أن نقل جميع حروف القراءات ليس نقل فرض وإيجاب، وإنما كان أمر إباحة وترخيص " انظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 1/28 ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/396 ، وبذلك يظهر وجه علّة الأوجه والروايات التي كان يقرأ بها في الأمصار عن الأئمة السبعة أو العشرة ثم اندثرت ، مثال ذلك قول الحافظ أبي العلاء (ت 569 هـ ) في مقدمة غايته : " فإن هذه تذكرة في اختلاف القراء العشرة الذين اقتدى الناس بقراءتهم ، وتمسكوا فيها بمذاهبهم من أهل الحجاز والشام والعراق " غاية الاختصار في القراءات العشر للحافظ أبي العلاء 1/3 .، ثم ذكر بعد ذلك رواتهم ومنهم شجاع ابن أبي نصر ( 190 هـ ) وأبو زيد الأنصاري ( ت 215 هـ ) عن أبي عمرو البصري ( ت 154 هـ ) ، وقتيبة ابن مِهْران ( ت بعد 200 هـ ) عن الكسائي (ت189 هـ ) وغيرهم ، في حين أن روايات هؤلاء وأمثالهم لا يقرأ بها الآن". وانظر نحو هذا المثال في مفردة نافع للداني صـ 6، وقلما تخلوا كتب القراءات في مقدماتها من هذا القبيل
وأما ما يذكر في كتب القراءات على وجه القراءة مع مخالفته للرسم فقد حمله أكثر العلماء على وجه التعليم فحسب ، وذلك من أجل الاستفادة في الأحكام الشرعية والأدبية. " انظر التمهيد لما في الموطأ من معاني وأسانيد لابن عبد البر 8/292 والقول الجاذّ لمن قرأ بالشاذّ للنويري1/75 ولطائف الإشارات لفنون القراءات للقسطلاني 1/37 . "ا.هـ المنهاج في الحكم على القراءات
 

المقرئ

مزمار فعّال
27 يوليو 2006
209
1
0
الجنس
ذكر
تكملة الاختيار عند القراء

وقال د /محمود حوا في كتابه " المدخل إلى علم القراءات

1- أن الأمة مخيرة في القراءة بأي حرف من هذه الأحرف من غير إلزام بواحد منها، ومن قرأ بحرف منها فقد أصاب، وليس لأحد أن ينكر عليه، بدليل قوله  (فاقرؤوا ما تيسر منه) وقول جبريل: (فأيما حرف قرؤوا به فقد أصابوا)." ا.هـ صـ17
فإن كانت الأمة ملزمة بجميع الأحرف لم تكن هذه الأحرف السبعة من باب التيسير حيث المشقة محققة علي الأمة في المحافظة علي جميع هذه الأحرف .






وهذا يجعلنا نتطرق إلي قضية أخري ألا وهي:


هل تجوز قراءة القرآن بالمعني ؟؟

الجواب : لا تجوز القراءة بالمعني ـ رغم أن القرآن عربي ـ ولكن القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول ، قال في النشر:" وقد ذكر جواز ذلك عن أبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم البغدادي المقري النحوي وكان بعد الثلاثمائة قال الإمام أبو طاهر بن أبي هاشم في كتابه البيان : وقد نبغ نابغ في عصرنا فزعم أن كل من صح عنده وجه في العربية بحرف من القرآن يوافق المصحف فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها فابتدع بدعة ضل بها عن قصد السبيل (قلت) وقد عقد له بسبب ذلك مجلس ببغداد حضره الفقهاء والقراء وأجمعوا على منعه وأوقف للضرب فتاب ورجع وكتب عليه بذلك محضر كما ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد وأشرنا إليه في الطبقات ومن ثم امتنعت القراءة بالقياس المطلق وهو الذي ليس له أصل في القراءة يرجع إليه ولا ركن وثيق في الأداء يعتمد عليه كما روينا عن عمر بن الخطاب وزيد بن مثبت رضي الله عنهما من الصحابة وعن ابن المنكدر وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وعامر الشعبي من التابعين أنهم قالوا القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول فاقرؤوا كما علمتموه ولذلك كان الكثير من أئمة القراءة كنافع وأبي عمرو يقول لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قرأت لقرأت حرف كذا كذا وحرف كذا كذا ". صـ1/17

وقال ابن الجزري في غاية النهاية في ترجمة ابن محيصن:" وقال ابن مجاهد كان لابن محيصن اختيار في القراءة على مذهب العربية فخرج به عن إجماع أهل بلده فرغب الناس عن قراءته وأجمعوا على قراءة ابن كثير لاتباعه ".2/294

قال السيوطي في الإتقان:" وبقي قسم رابع مردود أيضاً، وهو ما وافق العربية والرسم ولم ينقل ألبتة، فهذا رده أحق ومنعه أشد ومرتكبه مرتكب لعظيم من الكبائر. وقد ذكر جواز ذلك عن أبي بكر بن مقسم وعقد له بسبب ذلك مجلس وأجمعوا على منعه، ومن ثم امتنعت القراءة القياس المطلق الذي لأصل يرجع إليه، ولا ركن يعتمد في الأداء عليه."ا.هـ 1/90

وقال أ. عبد الرحمن الشهري : "...أن تسمية هذه المسألة (جواز قراءة القرآن بالمعنى) قد ردها كثير من العلماء قديماً وحديثاً .
وممن رأيته ردها أبو بكر الباقلاني في كتابه الانتصار للقرآن 1/65 بقوله :(القراء السبعة متبعون في جميع قراءاتهم المثبتة عنهم ، التي لا شكوك فيها ، ولا أنكرت عليهم ، بل سوغها المسلمون ، وأجازوها لمصحف الجماعة ، وقارئون بما أنزل الله جل ثناؤه ، وأن ما عدا ذلك مقطوع على إبطاله وفساده وممنوع من إطلاقه ، والقراءة به ، وأنه لا يجوز ولا يسوغ القراءة على المعنى دون اتباع لفظ التنزيل ، وإيراده على وجهه ، وسببه الذي أنزل عليه ، وأداه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكذلك الإمام ابن الجزري في النشر بقوله :(أما من يقول بأن بعض الصحابة ، كابن مسعود ، كان يجيز القراءة بالمعنى فقد كذب عليه. إنما قال : نظرت القراء فوجدتهم متقاربين فاقرؤوا كما علمتم).
وردها القاضي أحمد بن عمر الحموي في كتابه القواعد والإشارات في أصول القراءات فقال :(أما ما نقل عن الصحابة بأنهم يجيزون القراءة بالمعنى دون اللفظ كالذي نسب لابن مسعود فلا يصح).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى 13/397 :(وأما من قال عن ابن مسعود أنه كان يجوز القراءة بالمعنى فقد كذب عليه ، وإنما قال : نظرت إلى القراء فرأيت قراءتهم متقاربة ، وإنما هو كقول أحدكم : أقبل ، وهلم ، وتعال ، فاقرؤوا كما علمتم ، أو كما قال".ا.هـ

قال في البرهان :الثالث: أن القراءات توقيفية وليست اختيارية خلافا لجماعة منهم الزمخشرى حيث ظنوا أنها اختيارية تدور مع اختيار الفصحاء واجتهاد البلغاء ورد على حمزة قراءة ( والأرحام ) بالخفض ومثل ما حكى عن أبى زيد والأصمعي ويعقوب الحضرمي أن خطئوا حمزة فى قراءته ) وما أنتم بمصرخي ( بكسر الياء المشددة وكذا أنكروا على أبى عمرو إدغامه الراء عند اللام فى < يغفلكم >
وقال الزجاج إنه خطأ فاحش ولا تدغم الراء فى اللام إذا قلت مر لى بكذا لأن الراء حرف مكرر ولا يدغم الزائد فى الناقص للإخلال به فأما اللام فيجوز إدغامه فى الراء ولو أدغمت اللام فى الراء لزم التكرير من الراء وهذا إجماع النحويين انتهى
وهذا تحامل وقد انعقد الإجماع على صحة قراءة هؤلاء الأئمة وأنها سنة متبعة ولا مجال للاجتهاد فيها ولهذا قال سيبويه فى كتابه فى قوله تعالى ) ما هذا بشرا ( وبنو تميم يرفعونه إلا من درى كيف هى فى المصحف .
وإنما كان كذلك لأن القراءة سنة مروية عن النبى  ولا تكون القراءة بغير ما روى عنه قال ابن مجاهد : إذا شك القارئ فى حرف هل هو ممدود أو مقصور فليقرأ بالقصر وإن شك فى حرف هل هو مفتوح أو مكسور فليقرأ بالفتح لأن الأول غير لحن فى بعض".ا.هـ

وقول ابن مجاهد هذا لا يصح العمل به الآن بعد تصنيف الكتب والتزام القراء بالأوجه المقروءة .

أما قول الزرقاني:"... أن القراءات توقيفية وليست اختيارية خلافا لجماعة منهم الزمخشرى حيث ظنوا أنها اختيارية تدور مع اختيار الفصحاء واجتهاد البلغاء.."

المقصود بقوله "وليست اختيارية" يقصد به الكلمات القرآنية الخاصة بكل قارئ وأنها ليست من استحساناته ولكن مما قرأ به النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ حيث اعترض كثير من النحاة علي بعض القراءات من جهة أنها خطأ من القراء قال أبو حيان:" وإنكار هؤلاء فيه نظر ، لأن أئمة القراءة لم يقرؤوا إلاَّ بنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومتى تطرق إليهم الغلط فيما نقلوه من مثل هذا ، تطرق إليهم فيما سواه ، والذي نختاره ونقوله : إن نقل القراءات السبع متواتر لا يمكن وقوع الغلط فيه ." ولا يظن القارئ أن هذا القول فيه دليل علي منع الاختيار في القراءة فمقصد الزمخشري أن القراء يختارون من تلقاء أنفسهم ولذلك اختاروا كلمات تخالف العربية ـ هذا من وجهة نظره ـ وقد بينا فسادها . وهذا يدلك أن جميع هذه القراءات مما قرأ به النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ ولم يخرج القراء عن هذا ولو في حرف واحد ، والاختيار الذي نحن بصدده هو الاختيار من الحروف والأوجه المسموعة عن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ لا الأوجه المستحسنة في العربية فبينهما بون شاسع .


وقبل الدخول في تفصيل الاختيار ننظر إلي مراحل التلقي ـ أي مرحلة نشأة القراءات ـ :
قال الشيخ /محمود حوا في كتابه المدخل للقراءات :" نشأة علم القراءات:
يمكن تقسيم مراحل تطور علم القراءات إلى المراحل التالية:
المرحلة الأولى: القراءات في زمن النبوة:
وتتميز هذه المرحلة بما يلي:
- مصدر القراءات هو جبريل عليه السلام.
- المعلم الأول للصحابة هو رسول الله  وهو المرجع لهم فيما اختلفوا فيه من أوجه القراءة.
- قيام بعض الصحابة بمهمة التعليم مع رسول الله  إما بأمر من رسول الله  أو بإقرار منه.
- ظهور طائفة من الصحابة تخصصت بالقراءة (القراء) ومنهم سبعين قارئا قتلوا في بئر معونة، كما أن منهم (أبا بكر وعثمان وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وزيد بن مثبت وأبو موسى الأشعري وأبو الدرداء) وقد قال عنهم الإمام الذهبي: (فهؤلاء الذين بلغنا أنهم حفظوا القرآن – أي كاملا- في حياة النبي  وأخذ عنهم عرضا، وعليهم دارت أسانيد قراءة الأئمة العشرة) ( ) .
المرحلة الثانية: القراءات في زمن الصحابة رضي الله عنهم:
وتبدأ هذه المرحلة من وفاة النبي  وحتى نهاية النصف الأول من القرن الهجري الأول تقريباً، وتتميز هذه المرحلة بما يلي:
- تتلمذ بعض الصحابة والتابعين على أئمة القراءة من الصحابة.
- بدأت تظهر أوجه القراءة المختلفة، وصارت تنقل بالرواية,
- تعيين الخليفة عثمان قارئاً لكل مصر معه نسخة من المصاحف التي نسخها عثمان ومن معه، وكانت قراءة القارئ موافقة لقراءة المصر الذي أرسل إليه في الأغلب. حيث أرسل عثمان إلى مكة (عبد الله بن السائب المخزومي) وأرسل إلى الكوفة (أبا عبد الرحمن السلمي) وكان فيها قبله عبد الله بن مسعود من أيام عمر ، وأرسل عامر بن قيس إلى البصرة، والمغيرة بن أبي شهاب إلى الشام، وأبقى زيد بن مثبت مقرئاً في المدينة، وكان هذا في حدود سنة ثلاثين للهجرة.
المرحلة الثالثة: القراءات في زمن التابعين وتابعي التابعين:
وتمتد هذه المرحلة من بداية النصف الثاني من القرن الأول، وحتى بداية عصر التدوين للعلوم الإسلامية وتتميز هذه المرحلة بما يلي:
- إقبال جماعة من كل مصر على تلقي القرآن من هؤلاء القراء الذين تلقوه بالسند عن رسول الله  و توافق قراءتهم رسم المصحف العثماني.
- تفرغ قوم للقراءة والأخذ واعتنوا بضبط القراءة حتى صاروا أئمة يقتدى بهم في القراءة، وأجمع أهل بلدهم على تلقي القراءة منهم بالقبول، ولتصديهم للقراءة وملازمتهم لها وإتقانهم نسبت القراءة إليهم وتميز منهم:
o في المدينة: أبو جعفر زيد بن القعقاع(ت130) وشيبة بن نصاح(130) ونافع بن أبي نعيم (169).
o وفي مكة: عبد الله بن كثير (120) وحميد الأعرج (130) ومحمد ابن محيصن (123).
o وفي الكوفة :يحيى بن وثاب (103) وعاصم بن أبي النجود (129) وسليمان الأعمش (148) وحمزة الزيات (156) وعلي الكسائي (189).
o وفي البصرة: عبد الله بن أبي إسحاق (129) وعيسى بن عمر (149) وأبو عمرو بن العلاء (154) وعاصم الجحدري (128) ويعقوب الحضرمي (205).
o وفي الشام: عبد الله بن عامر (118) وعطية بن قيس الكلابي (121) ويحيى بن الحارث الذماري (145).
 

المقرئ

مزمار فعّال
27 يوليو 2006
209
1
0
الجنس
ذكر
تكملة الاختيار عند القراء

المرحلة الرابع: مرحلة التدوين:
ويمكن إبراز جوانب هذه المرحلة بما يلي:
- اختلف في أول من دون القراءات، فقيل هو الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام (224) وقيل أبو حاتم السجستاني (225) وهو رأي ابن الجزري ، وقيل يحيى بن يعمر (90)
- تسبيع السبعة والاقتصار عليهم، وأول من قام بذلك الإمام أبو بكر أمحمد بن موسى بن مجاهد (ت324) وكان لشهرته العلمية أثر كبير في اشتهار القراءات الشبع التي اختارها.
- بدأ ظهور وتبلور شروط القراءة الصحيحة وتمييز الصحيح من الشاذ. ويقال بأن أول من ألف في القراءات الشواذ هو ان مجاهد أيضاً حيث ألف كتابه أسماه (الشواذ) إلا أن هذا الكتاب مفقود.
- الاحتجاج للقراءات الصحيحة في جوانبها اللغوية (صوتيا وصرفيا ونحويا).
- توالي التأليف في القراءات السبع، فألف مكي ابن أبي طالب القيسي كتابيه التبصرة والكشف، وألف أبو عمرو الداني (ت444)التيسير في القراءات السبع وجامع البيان ونظم الإمام الشاطبي (ت590) التيسير في حرز الأماني ووجه التهاني(الشاطبية).
- مرحلة إفراد القراءات في مؤلفات خاصة بها ، أو جمع أقل من السبعة أو أكثر من السبعة لدفع ما علق في أذهان الكثيرين من أن القراءات السبعة هي الأحرف السبعة، لبيان أن هناك قراءات أخرى غير السبعة التي جمعها ابن مجاهد وهي قراءات مقبولة وصحيحة، وتوج ذلك وختم بكتاب ابن الجزري النشر في القراءات العشر ومنظومته طيبة النشر في القراءات العشر.
المرحلة المعاصرة: القراءات في عصرنا:
لقد مر علم القراءات كغيره من العلوم الإسلامية بفترات ندر فيها طالبوه وقل راغبوه، إلا أنه وفي هذا العصر بدأت نهضة العلوم الإسلامية من جديد ومن بينها علم القراءات وكثر الراغبون في تعلم هذا العلم وتلقيه، وكما ظهرت التآليف المختلفة التي تسهل هذا العلم وتقربه لطلابه إما بتهذيب وتحقيق كتب السابقين أو بتأليف كتب معاصرة جديدة. كما ظهرت الإذاعات والقنوات الفضائية المتخصصة في القرآن الكريم، وأسست الهيئات والجمعيات والمجامع لنشر القرآن الكريم وعلومه.
وأما عن انتشار القراءات في العالم الإسلامي:
فإن رواية حفص عن عاصم تنتشر في معظم الدول الإسلامية لا سيما في المشرق.
ورواية قالون في ليبيا تونس وأجزاء من الجزائر.
ورواية ورش في الجزائر والمغرب وموريتانيا ومعظم الدول الإفريقية.
ورواية الدوري عن أبي عمرو في السودان والصومال وحضرموت في اليمن." ا.هـ
عرفنا فيما سبق من خلال تاريخ القراءات ، وأن هناك شروطاً للقراءة المقبولة تميزها عن غيرها من القراءات وفيما يلي نبين هذه الشروط.


شروط القراءة المقبولة :
يشترط للقراءة الصحيحة توفر ثلاثة شروط :
1- موافقة وجه صحيح من اللغة العربية (قواعد النحو).
2- موافقة الرسم العثماني ولو احتمالاً، مثل (ملك) تحتمل (مالك)، ومثل (مكانتكم) (مكاناتكم).
3- حصول التواتر: وهو أن ينقلها عدد كبير يستحيل في العادة اجتماعهم على الكذب.
ويعتبر الشرطان الأول والثاني تبع للشرط الثالث، عند جمهور من اشترط التواتر من العلماء ومنهم ابن الجزري في قوله الأول من قوليه.
بينما يرى جمهور العلماء ومنهم أبو شامة وابن الجزري ومكي ابن أبي طالب وغيرهم أنه يكفي لصحة القراءة أن تكون مشهورة صحيحة الإسناد، إضافة إلى شرطي: موافقة الرسم ووجه من أوجه النحو( )، وبالتالي يكون شرط موافقة اللغة والرسم أساسيان.
وكلا القولين – فيما أراه والله أعلم - مؤداه واحد والخلاف بينهما لفظي، لأن الرسم منقول بالتواتر ومجمع عليه من قبل الأمة، كما أن القولين في الواقع متفقان في النتيجة على قبول القراءات العشر كلها والقراءة بها.
قال ابن الجزري رحمه الله تعالى:
فكل ما وافق وجه نحوي * وكان للرسم احتمالا حوي
وصح إسناد هو القــرآن * فهذه الثــلاثــة الأركــــــان
وحيثما يختل ركن أثبت* شذوذه لو أنه في السبعة

القراءات العشر المتواترة:
القراءات المتواترة هي عشر قراءات، تنسب كل قراءة إلى إمام من أئمة القراءة، وهذه النسبة ليست نسبة اختراع وإيجاد ولكنها نسبة ملازمة وإتقان، ولكل قارئ راويان:
قراءة الإمام نافع المدني. رواها عنه عيسى بن مينا:(قالون)، عثمان بن سعيد المصري: (وَرش).
قراءة الإمام عبد الله بن كثير المكي: رواها عنه أحمد بن عبد الله بن أبي بزة (البزي) محمد بن عبد الرحمن المكي (قنبل).
قراءة الإمام أبي عمر بن العلاء البصري: رواها عنه حفص بن عمر (الدوري) وصالح بن زياد الرستبي (السوسي).
قراءة الإمام عبد الله بن عامر اليحصبي الشامي: رواها عنه: هشام بن عمار الدمشقي، وعبد الله بن أحمد بن ذكوان.
قراءة الإمام عاصم بن أبي النجود الكوفي: رواها عنه أبو بكر بن عياش الكوفي (شعبة)، حفص بن سليمان الغاضري.
قراءة الإمام حمزة بن حبيب الزيات الكوفي:رواها عنه خلف بن هشام بن ثعلب البزار، وخلاد بن خالد.
قراءة الإمام علي بن حمزة الكسائي الكوفي: رواها عنه أبو الحارث الليث بن خالد البغدادي، وحفص بن عمر الدوري راوي أبي عمر البصري.
قراءة الإمام أبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني: رواها عنه عيسى بن وردان أبو الحارث الحذاء، وسليمان بن مسلم بن جماز.
قراءة الإمام يعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري: رواها عنه محمد بن المتوكل (رُوَيْس)، ورَوْح بن عبد المؤمن.
قراءة الإمام خلف بن هشام البزار الكوفي: رواها عنه: إسحاق بن إبراهيم بن عثمان، وإدريس بن عبد الكريم الحداد."ا.هـ
وتحدث د/ عبد العزيز خضير عن نشأة علم القراءات أيضا فقال:

- أيها الأحبة- نتحدث عن نشأة علم القراءات، بينا فيما سبق من دروس علوم
القرآن - بحمد الله سبحانه وتعالى- كيف نزل القرآن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولسنا بحاجة إلى إعادة هذا الأمر, ثم بينا بعد ذلك أيضاً كيف تم جمعه في عهد الصديق أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- وكيف تم جمعه في عهد عثمان -رضي الله تعالى عنه- إن عثمان -رضي الله تعالى عنه- لما كتب المصاحف ووحدهم على حرف قريش وما يوافقه من حروف أخرى التي ثبتت في العرضة الأخيرة كتب سبعة مصاحف وأرسلها إلى الأمصار وأرسل مع كل مصحف قارئاً يعلم الناس فأخذ الناس القراءة من هؤلاء القراء ثم تتابع الناس يقرؤون القرآن ويروونه ويتلقاه جيل بعد الجيل واستمر الناس على ذلك.

لما كثر القراء وكثر الرواة وأصبحت أعدادهم في المصر الواحد لا تكاد تحصر خشي المسلمون أن يأتي إنسان فيُدخل في هذه القراءات شيئاً ليس منها ويختلط الأمر على من يأتي بعد ذلك من هذه الأمة, فتداعى المسلمون إلى ضبط القراء المأمونين المعروفين بطول أعمارهم في أخذ القرآن واجتهادهم وتوثقهم وكونهم أخذوه من عدد من المصادر وتلقوه تلقياً متقناً مضبوطاً، فضبطوا قراءاتهم حتى يقولوا للناس:
هذه هي القراءات المثبتة الواردة التي لا يصح للإنسان أن يتجاوزها أو يزيد عليها لأنه يأتي إنسان مثلاً ويقرأ مثلاً على الشامية ثم يذهب إلى الكوفيين فيقرأ عليهم ثم يذهب إلى المكيين فيقرأ عليهم ثم يقول مثلا أنا: قرأت على المكيين والكوفيين والشاميين ثم يختار من بعض حروف هؤلاء وقراءتهم ومن بعض حروف هؤلاء وقراءتهم ومن بعض حروف هؤلاء وقراءتهم وتكون له طريقة مستقلة وقد يختلط عليه الأمر أو يزيد أو ينقص ولا يعرف الناس شيئاً من ذلك .
فجاء العلماء فأخذوا يضبطون القراءات من خلال معرفة الإمام المضبوط المتقن للقراءة ويدونون قراءته تدويناً تاماً ويقولون للناس: هذه هي الروايات المجمع عليها المضبوطة المتواترة التي تلقتها الأمة بالقبول وكتبوا ذلك ودونوه لئلا يستطيع أحد بعد ذلك أن يزيد شيئاً أو ينقص شيئاً مثبتاً.

وكان أول من عرف عنه تدوين ذلك أبو عبيد القاسم ابن سلام -رحمه الله تعالى- وهو من علماء القراءة فدون كتاباً في القراءة لم يصل إلينا لكنه ذكر خمسة وعشرين قارئاً أو أزيد من ذلك قد يبلغون الثلاثين أكثر من خمسة وعشرين قارئاً من قراء الأمصار الذين اتفقت الأمة على تلقي قراءتهم بالقبول وعرفوا بهذا الشأن وتناقل الناس عنهم القراءة وقرأ عنهم أمم بعد أمم فكان أول من عرف أنه ضبط هذه القراءات وأثبتها هو أبو عبيد القاسم ابن سلام ثم تتابع الناس بعده على ضبط هذه القراءات .
فجاء أحمد بن جبير الأنطاكي -رحمه الله تعالى- توفي عام ثمانية وخسمين بعد المائتين وجمع كتاباً ذكر فيه خمس قراءات, ثم جاء من بعده علماء آخرون حتى جاء ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- توفي عام عشرة بعد الثلاثمائة فألف كتابه في القراءات وذكر فيه أكثر من عشرين قارئاً وجاء بعدهم أئمة ذكروا أكثر من ذلك بلَّغوها خمسين قارئاً وثلاثين قارئاً ونحو هذه الأعداد.

ثم جاء من بعد ذلك الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي المتوفي عام ثلاثمائة وأربعة وعشرين من الهجرة النبوية وتحرى فيما جمع الدقة والضبط والإتقان وكون من يثبتهم في كتابه هم أكثر من تلقت عنهم الأمة ومن انتشرت قراءاته في الأمصار فجمع سبعة قراء ولعله أراد أن يوافق عدد المصاحف التي كتبها عثمان وفرقها في الأمصار فجمع سبعة قراء، سنذكرهم بعد قليل ونبين أسماءهم، جمع هؤلاء السبعة وضبط قراءاتهم في كتاب سماه: السبعة.

ومن بعدها انتهت قراءات من سواهم فلم تعرف ولم تذكر وصار الذين يُعرفون بالقراءة وتروى قراءاتهم بعد ابن مجاهد سبعة قراء وسبب اختياره للسبعة كما ذكرنا هو كما يقول بعض أهل العلم: هو تعدد المصاحف التي نشرها عثمان في الأمصار لكن بعض أهل العلم تمنى لو أن ابن مجاهد زاد واحدة أو نقص واحدة حتى لا يختلط الأمر على الأمة فتظن أن القراءات السبع هي الأحرف السبع التي سنتحدث عنها- إن شاء الله تعالى- في درس مستقل لأن كثيرين من الناس الآن إذا ذكر الأحرف السبعة ظنوا أنها هي القراءات السبع وبينهما فرق سنبينه- إن شاء الله تعالى.

يقول القسطلاني -رحمه الله تعالى- «ثم لما كثر الاختلاف فيما يحتمله الرسم وقرأ أهل البدع والأهواء بما لا يحل لأحد تلاوته وفاقاً لبدعتهم كمن قال من المعتزلة: ﴿
وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمً﴾[النساء: 146]، قرؤوها ﴿ وَكَلَّمَ اللهَ مُوسَى تَكْلِيمً﴾ ليجعلوا المكلِّم هو موسى لينفوا بذلك الكلام عن الله - سبحانه وتعالى- قال ومن الرافضة قوله: ﴿ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدً﴾[الكهف: 51]، قرؤوها ﴿ الْمُضلَّينِ عَضُدًا ﴾ يعنون بذلك: أبا بكر وعمر، رأى المسلمون بعد ذلك أن يجمعوا على قراءات أئمة ثقات تجردوا للاعتناء بشأن القرآن العظيم فاختاروا من كل مصر وجه إليه مصحف أئمة مشهورين بالثقة والأمانة في النقل وحسن الدراية وكمال العلم أفنوا عمرهم في القراءة والإقراء واشتهر أمرهم وأجمع أهل مصر على عدالتهم فيما نقلوا والثقة بهم فيما قرؤوا ولم تخرج قراءاتهم عن خط مصحفهم» هذا سبب عناية العلماء بضبط القراءات في كتب مستقلة حتى لا يعتدي على هذه القراءات أحد من الناس.

وأما ابن مجاهد -رحمه الله تعالى- الله يقول الدكتور فهد الرومي- حفظه الله- في
كتابه دراسات في علوم القرآن: «وأخذ بعض العلماء على ابن مجاهد اختياره للسبعة لما في ذلك من الإيهام بحديث الأحرف السبعة فقال أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي:
لقد فعل مسبع هذه السبعة ما لا ينبغي له وأشكل الأمر على العامة بإيهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر- أي حديث الأحرف السبعة- وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل الشبهة. وقد علل مكي بن أبي طالب سر اختياره سبعة فقال: ليكون على وفق مصاحف الأمصار السبعة وتيمناً بأحرف القرآن السبعة ثم قال: على أنه لو جعل عددهم أكثر أو أقل لم يمنع ذلك إذ عدد القراء أكثر من أن يحصى» عدد القراء المأمونين المعروفين المضبوطين الضابطين كبير جداً كما بينا أن أبا عبيد القاسم ابن سلام قد اختار منهم أكثر من خمسة وعشرين وغيره اختار قرابة الخمسين كانوا كثيرين جداً لكن ابن مجاهد -رحمه الله تعالى- فعل ذلك لقصد.
 

المقرئ

مزمار فعّال
27 يوليو 2006
209
1
0
الجنس
ذكر
تكملة الاختيار عند القراء

يقول: « وقد دافع كثير من العلماء عن ابن مجاهد -رحمه الله تعالى- في ذلك بأنه لم يقتصر على هؤلاء السبعة إلا بعد اجتهاد طويل ومراجعة متأنية في الأسانيد الطوال وكان موفقاً في اختياره الذي حظي بموافقة جمهور العلماء والقراء وتأييدهم لأن الناس بعد ذلك قد ثبتوا على هؤلاء السبعة وزاد بعض القراء ثلاثة فكملوا بهم العشرة فصار القراء المأمونون المعروفون بضبط القراءة وتؤخذ عنهم قراءة القرآن هم هؤلاء السبعة ومعهم أولئك الثلاثة. قال: حيث إن كثرة الروايات في القراءات أدت إلى ضرب من الإضراب عند طائفة من القراء غير المتقنين فقد حاول بعضهم أن يختار من القراءات لنفسه خاصة فينفرد بها فقطع ابن مجاهد عليهم الطريق ودرأ عن القراءات كيدهم وعن القراء اضطرابهم .
ومما يدل على نزاهته -رحمه الله تعالى- وحسن قصده أنه لم يسعَ إلى أن يختار لنفسه قراءة تحمل عنه فيقال: قراءة ابن مجاهد مما يدل على أنه كان يريد أن يجمع القراءات التي كثرت في الأمة وكثر الآخذون لها وعرف أصحابها بالضبط والإتقان والدقة وحين سئل عن ذلك -رحمه الله تعالى- أجاب قال: نحن أحوج إلى أن نعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا أحوج منا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا. »

وبعد ابن مجاهد -رحمه الله تعالى- كثرت المؤلفات في علم القراءت فمن أهم المؤلفات في علم القراءت كما ذكرنا كتاب ابن مجاهد -رحمه الله تعالى-: السبعة وهو متوفى عام أربعة وعشرين بعد الثلاثمائة ثم كتاب التذكرة لابن غلبون المتوفي عام تسعة وتسعين بعد الثلاثمائة ثم المبسوط في القراءات العشر ثم الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي بن أبي طالب القيسي المتوفي عام سبعة وثلاثين بعد الأربعمائة ثم جاء أبو عمرو الداني- رحمه الله تعالى- المتوفي عام أربعة وأربعين بعد الأربعمائة هجرية وألف كتابه المشهور في هذا الباب واسمه التيسير في القراءات السبع، ثم جاء من بعد الداني الشاطبي- رحمه الله تعالى- المتوفى عام سبعين بعد الخمسمائة وألف منظومته العجيبة في هذا الباب والتي يضرب بها المثل في الدقة والإتقان والضبط وأصبحت مرجع القراء بعد الشاطبي فمن أراد أن يتقن القراءات السبع فلا بد له من حفظ متن الشاطبية، وألف هذه المنطومة وسماها: حرز الأماني ووجه التهاني المعروفة بالشاطبية ثم جاء بعدهم خاتمة المحققين والقراء ابن الجزري -رحمه الله تعالى- فألف كتابه المسمى: النشر في القراءات العشر فزاد على ما ذكروه السابقين بأن ضمن كتابه القراءات العشر وألف بعد ذلك منظومته المشهورة وهي طيبة النشر في القراءات العشر، وهي منظومة في القراءات العشر كلها، وابن الجزري توفي عام ثلاثة وثلاثين بعد الثمانمائة."ا.هـ
وبعد هذا العرض للقراء وأسمائهم نقول:إن نزول القرآن علي سبعة أحرف تيسيرا علي الأمة كما قلنا في الأبحاث السابقة ،واختار النبي (صلي الله عليه وسلم ) لأصحابه ما يتناسب مع لهجاتهم ولذلك وقع الخلاف فيما بينهم كما هو معلوم وأكتفي في ذلك بمثال :

حديث:" سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِيهَا فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى

انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ

إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسِلْهُ ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ يَا هِشَامُ فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ لِي اقْرَأْ فَقَرَأْتُهَا فَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا

الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ "

ثم قال "صاحب المنتقي في شرح الموطأ معلقا علي الحديث :"...أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ تَيَسُّرًا عَلَى مَنْ

أَرَادَ قِرَاءَتَهُ لِيَقْرَأَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ وَبِمَا هُوَ أَخَفُّ عَلَى طَبْعِهِ وَأَقْرَبُ إِلَى

لُغَتِهِ لِمَا يَلْحَقُ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِذَلِكَ الْمَأْلُوفِ مِنْ الْعَادَةِ فِي النُّطْقِ وَنَحْنُ الْيَوْمَ مَعَ عُجْمَةِ أَلْسِنَتِنَا وَبُعْدِنَا عَنْ فَصَاحَةِ الْعَرَبِ أَحْوَجُ إِلَى ."1/ 480


ويعرفنا د/ محمود حوا عن الدوافع والأسباب في اختيار القراءات فقال:"

من أين جاء اختلاف القراءات: وما هي الدوافع لاختيار القراءات:

كما كان الدافع لجمع القرآن في زمن أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم هو صيانة كتاب الله تعالى، فإن ذلك أيضا كان وراء تحديد القراءات التي يقرأ بها.
يقول ابن الجزري: (ثم كثر الاختلاف أيضا فيما يحتمله الرسم، وقرأ أهل البدع والأهواء بما لا يحل لأحد من المسلمين تلاوته، فوضعوها من عند وفاقا لبدعهم، كم قال من المعتزلة وكلم الله موسى تكليما بنصب لفظ الجلالة، ومن الرافضة وما كنت متخذ المضلين عضدا بفتح اللام يعنون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.


فلما وقع ذلك : رأى المسلمون أن يجمعوا على قراءات أئمة ثقات، تجردوا للقيام بالقرآن العظيم، فاختاروا من كل مصر وجه إليه مصحف أئمةً مشهورين بالثقة والأمانة في النقل وحسن الدين، وكمال العلم، أفنوا عمرهم في الإقراء والقراءة واشتهر أمرهم وأجمع أهل مصرهم على عدالتهم فيما نقلوا وثقتهم فيما قرؤوا ورووا وعلمهم بما يقرئون ولم تخرج قراءتهم عن خط المصحف....
وبعد أن عدد الأئمة قال
ثم إن القراء بعد ذلك تفرقوا في البلاد، وخلفهم أمم بعد أمم، وكثر بينهم الخلاف، وقل الضبط، واتسع الخرق، فقام الأئمة الثقات النقاد وحرروا وضبطوا وجمعوا وألفوا على حسب ما وصل إليهم أو صح لديهم..
فالذي وصل إلينا اليوم متواتراً أو صحيحاً مقطوعاً به: قراءات الأئمة العشرة ورواتهم المشهورين) ( ) .صـ37"


والسؤال الآن : هل يجوز لنا أن نختار قراءة معينة الآن ؟؟

لا يجوز لقارئ كائنا من كان أن يختار قراءة منفردة من مجموع القراءات العشر أو من غيرها ، مثلا يأتي بأحرف من قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وغيرهم من القراء ويركب قراءة ويقول هذا اختياري ، فقد انقطعت الاختيارات بعد القراء العشر ، أي لا قراءة فوق قراءة هؤلاء ، قال ابن الجزري " وقال الإمام الكبير الحافظ المجمع على قوله في الكتاب والسنة أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن الهمذاني في أول غايته: أما بعد فإن هذه تذكرة في اختلاف القراء العشرة الذين اقتدى الناس بقراءتهم وتمسكوا فيها بمذاهبهم من أهل الحجاز والشام والعراق، ثم ذكر القراء العشرة المعروفين، وقال شيخ الإسلام ومفتي الأنام العلامة أبو عمرو عثمان بن الصلاح رحمه الله من جملة جواب فتوى وردت عليه من بلاد العجم ذكرها العلامة أبو شامة في كتابه المرشد الوجيز أشرنا إليها في كتابنا المنجد: يشترط أن يكون المقروء به قد تواتر نقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآناً واستفاض نقله كذلك وتلقته الأمة بالقبول كهذه القراءات السبع لأن المعتبر في ذلك اليقين والقطع على ما تقرر وتمهد في الأصول فما لو يوجد فيه ذلك كما عدا السبع أو كما عدا العشر فممنوع من القراءة به منع تحريم لا منع كراهة انتهى. " ا.هـ

والشاهد: قوله" فما لو يوجد فيه ذلك كما عدا السبع أو كما عدا العشر فممنوع من القراءة به منع تحريم لا منع كراهة انتهى." فالمنع في هذا الأمر منع تحريم وأيضا هو خرق للإجماع لأن القراء لم يأخذوا بأي قراءة لم تذكر في مصادر ابن الجزري في النشر .
وقال د/ الدوسري :" وليس لأحد أن يقرأ بأوجه القراءات المقروء بها عن الأئمة العشرة إلا إذا شافهه بها ، لأن القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول كما تقدم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( ت 728 هـ ) : " ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة، ولكن من لم يكن عالما بها أو لم تثبت عنده ... فليس له أن يقرأ بما لا يعلمه" والذي لا يقرأ به أكثر مما يقرأ به ، فإن في سورة الفاتحة ما يناهز خمسين اختلافا من غير المقروء به ، وفي سورة الفرقان نحو مائة وثلاثين موضعا( [37]) . ( [36] )انظر دقائق التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن تيمية 1/70

والذي لا يقرأ به أكثر مما يقرأ به ، فإن في سورة الفاتحة ما يناهز خمسين اختلافا من غير المقروء به ، وفي سورة الفرقان نحو مائة وثلاثين موضعا.
انظر التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 8/302 وفتح الباري بشرح صحيح البخاري 19/46" ا.هـ المنهاج في الحكم على القراءات



أما الاختيار من قراءة قارئ أو راوي ،أي اختار أوجها ، فهذا يجوز للقارئ أن يختار من الأوجه وجها واحدا ويقرئ به ويقتصر عليه ، فمثلا يقرأ لورش بقصر البدل فقط أو بتوسط البدل فقط ويترك ما بقية الأوجه ، فهذا لاشي فيه ، وقد أجمع القراء علي ذلك قال النويري في مقدمة شرحه للطيبة في الفصل السابع فيما يقرئ به :" لا يجوز له أن يقرئ إلا بما قرأ أو سمع فإن قرأ نفس الحروف المختلف فيها خاصة أو سمعها أو ترك ما اتفق عليه جاز إقراؤه القرآن بها اتفاقا بالشرط ، وهو أن يكون ذاكرا إلي آخره كما تقدم ، ولكن لا يجوز أن يقول: قرأت بها القرآن كله وأجاز ابن مجاهد وغيره أن يقول المقرئ : قرأت برواية فلان القرآن من غير تأكيد إذا كان قرأ بعض القرآن وهو قول لا يعول عليه لأنه تدليس فاحش يلزم منه مفاسد كثيرة .

وهل يجوز له أن يقرئ بما أجيز له به علي أنواع الإجازة ؟. جوزه الجعبري مطلقا والظاهر أنه إن تلا بذلك علي ذلك علي غيرذلك الشيخ أو سمعه وأراد أن يعلي سنده بذلك الشيخ أو يكثر طرقه جاز وحسن لأنه جعلها متابعة .

وقد فعل ذلك أبو حيان بالتجريد وغيره .عن ابن البخاري وغيره متابعة وكذا فعل الشيخ تقي الدين ابن الصائغ بالمستنبر عن الشيخ كمال الدين الضرير عن السلفي وقد قرأ بالإجازة أبو معشر الطبري وتبعه الجعبري وغيره وفي النفس منه شئ ولا بد مع ذلك من اشتراط الأهلية .صـ33

هذا فيه دليل علي الاختيار للقارئ بالنسبة للأوجه وحتي وإن كان لم يقرأ به ولكن يجب أن يكون قرأ هذا الوجه أو سمعه ـ أي قرأه لقارئ آخر ـ مثال : لو قرأ أحد لحفص بالتوسط وقرأ لابن كثير مثلا بالقصر فقد اجتمعت عنده القراءة بالقصر والتوسط ، ثم وجد ثبوت القصر لحفص وعلم صحة الوجه وشهرته جاز له أن يقرئ بالقصر لحفص لأن القصر من الأوجه التي سمعها أو قرأها ، وهذه هي النقطة التي اعتمد عليها أهل التحريرات في تحرير الأوجه ، لأن المسألة في جوازها باتفاق كما قاله النويري :" جاز إقراؤه القرآن بها اتفاقا "

أما اعتراض النويري كان علي مسألة نسبة القراءة لشيخ دون إكمالها حيث قال : " ولكن لا يجوز أن يقول: قرأت بها القرآن كله وأجاز ابن مجاهد وغيره أن يقول المقرئ : قرأت برواية فلان القرآن من غير تأكيد إذا كان قرأ بعض القرآن وهو قول لا يعول عليه لأنه تدليس فاحش يلزم منه مفاسد كثيرة " .
 

المقرئ

مزمار فعّال
27 يوليو 2006
209
1
0
الجنس
ذكر
تكملة الاختيار عند القراء

ولكن هل الاختيار لأي أحد أم هي لفئة معينة ؟؟


الاختيار لا يكون إلا للعالم الحاذق المنتهي في القراءة ، واختياره في الأوجه فقط وليس في الأحرف ـ معني الأحرف أي الكلمات القرآنية المختلف فيها أي ما يسمي عند القراء بالفرش ـ .


وهناك شروط في الاختيار كما قال النويري :" جاز إقراؤه القرآن بها اتفاقا بالشرط ، وهو أن يكون ذاكرا إلي آخره كما تقدم.." وقد ذكر النويري في الفصل الرابع تحت عنوان " في شرط المقرئ وما يجب عليه" ... وبعد ذكره لما يجب علي المقرئ من إخلاص النية وشهرته بالأمانة وتحذيره من الرياء ومن كراهة قراءة أصحابه علي غيره ثم قال :"...ويجب عليه قبل أن ينصب نفسه للاشتغال بالقراءة أن يعلم من الفقه ما يصلح به أمر دينه ،، ويعلم من الأصول قدر ما يدفع به شبهة طاعن في قراءة ،، ومن النحو والصرف طرفا لتوجيه ما يحتاج إليه ، بل هما أهم ما يحتاج إليه المقرئ وإلا فخطأه أكثر من إصابته وما أحسن قول الحصري فيه :
لقد يدعي علم القراءات معشر وباعهم في النحو أقصر من شبر
فإن قيل ما إعراب هذا ووجه رأيت طويل الباع يقصر عن فتر
ويعلم من التفسير واللغة طرفا صالحا ،، وأما معرفة الناسخ والمنسوخ فمن علوم المجتهدين فلا يلزم المقرئ خلافا للجعبري ،، ويلزم حفظ كتاب يشتمل علي القراءة التي يقرأ بها وإلا داخله الوهم والغلط في أشياء ،، وإن قرأ وهو غير حافظ فلا بد أن يكون ذاكرا كيفية تلاوته به حال تلقيه من شيخه ،،فإن شك فليسأل رفيقه أو غيره ممن قرأ بذلك الكتاب حتي يتحقق ، وإلا فلينبه علي ذلك في الإجازة ،،فأما من نسي او ترك فلا يقرا عليه إلا لضرورة مثل أن ينفرد بسند عال أو طريق لا يوجد عند غيره ، فحينئذ إن القارئ عليه ذاكرا عالما بما يقرأ عليه جاز الأخذ عنه وإلا حرم ، وليحذر الإقراء بما يحسن رأيا أو وجها أو لغة دون رواية ... ثم ذكر ما قاله ابن مجاهد في شروط المقرئ ."ا.هـ صـ 28 وقد أوضحنا كلام ابن مجاهد في بحث" حجية التلقي" ولا بأس من ذكر كلام ابن مجاهد دون تعليق :
:" قال ابن مجاهد :

1. فمن حملة القراءات المعرب العالم بوجوه الإعراب والقراءات العارف باللغات ومعاني الكلمات البصير بعيب القراءات المنتقد للآثار فذلك الإمام الذي يفزع إليه حفاظ القرآن في كل مصر من أمصار المسلمين .

2. ومنهم من يعرب ولا يلحن ولا علم له بغير ذلك فذلك كالأعرابي الذي يقرأ بلغته ولا يقدر علي تحويل لسانه فهو مطبوع علي كلامه .

3. قال ابن مجاهد فيمن لا يؤخذ العلم ومنهم من يؤدي ما سمعه ممن أخذ عنه ليس عنده إلا الأداء لما تعلم لا يعرف الإعراب ولا غيره فذلك الحافظ فلا يلبث مثله أن ينسي إذا طال عهده فيضع الإعراب لشدة تشابهه ....وقد ينسي الحافظ فيضع السماع وتشتبه عليه الحروف فيقرأ بلحن لا يعرفه وتدعوه الشبهة إلي أن يرويه عن غيره ويبرئ نفسه عسي أن يكون عند الناس مصدقا فيحمل ذلك عنه وقد نسيه ووهم فيه وجسر علي لزومه والإصرار عليه ، أو يكون قد قرأ علي من نسي وضيع الإعراب ودخلته الشبهة فتوهم .فذلك لا يقلد في القراءة ولا يحتج بقوله .


4. ومنهم من يعرب قراءته ويبصر المعاني ويعرف اللغات ولا علم له بالقراءات واختلاف الناس والآثار فربما دعاه بصره بالإعراب إلي أن يقرأ بحرف جائز في العربية لم يقرأ به أحد من الماضين فيكون مبتدعا وقد رويت في كراهة ذلك أحاديث...( وقد روي ابن مجاهد آثارا تأمر القراء باتباع الأثر ونكتفي باثنين ) عن ابن مسعود :" اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم " وروي أن عليا ـ رضي الله عنه ـ قال:إن رسول الله ـصلي الله عليه وسلم ـ يأمركم أن تقرءوا القرآن كما علمتم " .ا.هـ السبعة صـ 45ـ46

أما ترك الأوجه التي قرأ بها لا يشترط فيها القارئ المنتهي لأن مثل هذه ترجع إلي قدرات الطالب الذي يستطيع الاستيعاب ،فإن قرأ أحد لحفص مثلا : بقصر المنفصل والتوسط وفويقه ثم أخذ يقرئ بوجه التوسط فقط فهذا لا شئ فيه وهو باتفاق ولكن لا يجوز له أن ينكر بقية الأوجه .

هل التحريرات اختيار للمصنفين فيها :


قال د/ محمد عبد اللطيف قنديل : ليست التحريرات اختيار للمصنفين فيها ، ذلك لأن القراء العشرة أجمع العلماء علي ما اختاروه ، وكان كل واحد منهم يختار القراءة التي صحت رواتها عند هو ترك غيرها ،وإن صحت عند غيره.

أما عمل المحررين فلا يسمي اختيارا وإنما يعتبر تحقيقا علميا مبنيا علي مقابلة ما في كتاب النشر لابن الجزري مع أصوله التي ذكرها ابن الجزري جزئية جزئية ، وتنظيمها للقراءات عند تلقي الطالب القرآن الكريم بالقراءات العشرة في ختمة واحدة منعا للتركيب والتلفيق المجمع علي تحريمه فعمل المحررين علي هذا النحو ليس اختيارا ولكنه شبيه بعمل علماء رواية الحديث ." الفوائد النورانية صـ 20

اختيار القراء لكتاب الشاطبية ككتاب مستقل :

أجمع القراء منذ ثمانية قرون علي العمل بمضمون الشاطبية وقبول زيادتها علي التيسير قال الشاطبي :" وألفافها زادت بنشر فوائد" فما حكم هذه الزيادات ؟؟

الأئمة قديما وحديثا علي العمل بهذه الزيادات لأن الشاطبي له اختيار في القراءة ، واقرأ قول الخليجي :إن للقراءة بمقتضى الشاطبية وجهان نقرأ بهما لأنهما مقروء بهما ولكن لم ينبه الشاطبى على ضعف أحدهما وقد قال بعض المشايخ : إن ما خرج عن طريق كتاب الشاطبية قسمان :

قسم مذكور فى الطيبه وقسم غير مذكور فان قرىء بالمذكور فهو صحيح ولكن القارىء ينبه إن ذلك ليس من طريق الكتاب و أما غير المذكور فلا يقرأ به مثل حذف الهمزة من " شركائي اللذين " 0 للبزى " ا.هـ

وقول الخليجي : فان قرئ بالمذكور فهو صحيح ولكن القارئ ينبه أن ذلك ليس من طريق الكتاب " يقصد كتاب التيسير وصححه لأنه من اختيار الشاطبى .


ألا تر أنه كان يأخذ بالتوسط دون فويق التوسط في المدود ؟ فإن قلت : لا فرق بينهما واضح في المقدار ولعل التوسط عند الشاطبي نفس فويق التوسط عند الداني وباب المدود لا تحكم إلا بالمشافهة ؟؟

الجواب : هذا الكلام مسلم به لولا أن الشاطبي علّل سبب مخالفته لفويق التوسط بعدم انضباط هذا المقدار ، بينما يسهل انضباط التوسط قال الخليجي:" ( إن قلت ) من أين تأخذ للشاطبي بذلك مع أنه أهمل في القصيدة ذكر تفاوت المد ولم ينبه عليه ، والمرتبتان خلاف التيسير ، قلت من السماع الصحيح المتلقى بالسند فقد نقل الجعبري عن السخاوي أن الشاطبي كان يقرئ برتبتين طولى ووسطى فقط ، وأنه عدل عن المراتب الأربع لأنها لا تتحقق ولا يمكن الإتيان بها كل مرة على قدر السابقة بخلاف المرتبتين فإنهما تتحققان ويمكن ضبطهما وتتيسران على النبيه والغبي ، أما كونهما خلاف التيسير فهذا لا يضر لأنه خلاف إلى أقوى ، على أن المحقق انتصر لهما وعزاهما إلى كثير من أئمة المحققين ، قال في نشره : وهو الذي استقر عليه رأي المحققين من أئمتنا قديما وحديثا وذكر كثيرين منهم : ابن مجاهد والطرسوسي وغيرهما وقال عنهم أنهم لم يذكروا من سوى القصر غير مرتبتين طولى ووسطى ، وقال : وهو الذي أميل إليه وآخذ به غالبا وأعول عليه انتهى .صـ34
ومثال آخر :

الإمام الشاطبي قدم قصر البدل علي توسطه في رواية ورش عن الأزرق قال في النشر :" وذهب إلى القصر فيه أبو الحسن طاهر بن غلبون ورد في تذكرته على من روى المد وأخذ به وغلط أصحابه وبذلك قرأ الداني عليه وذكره أيضاً ابن بليمة في تلخيصه وهو اختيار الشاطبي حسب ما نقله أبو شامة عن أبي الحسن السخاوي عنه. قال أبو شامة وما قال به ابن غلبون هو الحق، انتهى. وهو اختيار مكي فيما حكاه عنه أبو عبد الله الفارسي وفيه نظر وقد اختاره أبو إسحاق الجعبري وأثبت الثلاثة جميعا أبو القاسم الصفراوي في إعلانه والشاطبي في قصيدته وضعف المد الطويل، وألحق في ذلك أنه شاع وذاع وتلقته الأمة بالقبول فلا وجه لرده وإن كان غيره أولى منه والله أعلم."1/338

وقال الشيخ القاضي "وأقوى الأوجه الثلاثة في البدل القصر فينبغي تقديمه على التوسّط والطول" البدور الزاهرة صـ19.

قال الصفاقسي رحمه الله "...وجرى عملنا على تقديم القصر لأنّه أقواها وبه قرأنا على شيخنا رحمه الله وغيره" غيث النفع صـ17 وإلي ذلك ذهب كثير من القراء وعليه العمل عند قراء المغاربة كما نقل العلاّمة المارغني "...وبالثلاثة قرأت على شيخنا رحمه الله مع تقديم القصر ثمّ التوسّط ثمّ الطويل " النجوم الطوالع صـ54.


أمّا كتاب التيسير فهو يقتصر في رواية ورش على ما رواه الداني عن ابن خاقان بسنده فقط.وهو التوسط في البدل فقط ، فانظر كيف قدم القراء القصر تبعا لما عليه الشاطبي مع موافقته لغيره ، بيد أن الداني لم ينقل سوي التوسط كما سبق ، فهذا أكبر دليل علي استقلال الشاطبية عن التيسير ، وقد بينا ذلك بالتفصيل في بحث الرد علي د/ النحاس . والحمد لله رب العالمين

اختيار القراء لكتاب روضة ابن المعد ل لحفص ؟؟

كتاب الروضة فى القراءات العشر . للإمام الشريف أبى إسماعيل موسي بن الحسين العدل. ت480 هـ هذا الكتاب من المصادر التي اعتمد عليها العلامة ابن الجزري في النشر ، حيث ذكره ـ أي كتاب ابن المعدل ـ لقالون من طريق ابن مهران عن الحلواني عن قالون ، طريق هبة الله عن الأصبهاني عن ورش ، والنقاش عن أبي ربيعة عن البزي ، والسامري عن ابن مجاهد عن قنبل ، وابن مجاهد عن أبي الزعراء عن الدوري ، وعبدالله بن الحسين عن ابن جرير عن السوسي ، وابن عبدان عن الحلواني عن هشام ، وشعيب عن يحيي بن آدم عن شعبة ، وابن شاذان عن خلاد ....

إذن الكتاب من مصادر النشر من باب الجملة وموثق من قبل ابن الجزري ، ولا يضر أن ابن الجزري لم يأخذ به لحفص ، واستدلال ابن الجزري بالكتاب دليل علي توثيقه للكتاب ، والأوجه التي في الكتاب مقروءة ومسموعة لغيره من القراء بل ولحفص نفسه من طرق أخري ، ويجوز القراءة بمثل ذلك ارجع لكلام النويري السابق ، وعليه فقد اختار القراء هذا الطريق لحفص ، ولقي هذا الاختيار قبولا عند القراء ، فدل أنهم لم يأتوا بكتاب خارج عمّا اعتمده الإمام ابن الجزري ، واشتهر هذا الوجه وعليه العمل . وكما قال الخليجي في تعليقه السابق انتصارا للشاطبي :" أما كونهما خلاف التيسير فهذا لا يضر لأنه خلاف إلى أقوى " وكذا لا يضر أن خالف القراء ابن الجزري ، فلقد رد القراء علي ابن الجزري التوسط في الاستفهام من "ءالآن"
وهذا عليه العمل بين القراء في مصر ولا أعلم مخالفا في مصر .والله أعلم


وفي بحث التحريرات سنتعرف علي الأوجه التي خرجت عن هذه القاعدة .




هذا ما من الله به علينا وأسأل الله السلامة من كل ذلك وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل آمين .
والحمد لله رب العالميـــــــن
أبو عمر عبد الحكيم
 

osama-islam

مزمار جديد
4 سبتمبر 2006
27
0
0
الجنس
ذكر
رد: الاختيار عند القراء

ما شاء الله موضوع قيم رغم طوله

أنا شخصيا من جديد بدأت أهتم بهذا العلم وأكيد هالمعلومات رح تفيدني كتير

الله يجزيك الخير أخي المقرئ وكثر الله من أمثالك
 

baderelama

عضو كالشعلة
4 أكتوبر 2006
336
0
0
الجنس
ذكر
رد: الاختيار عند القراء

-بسم الله-


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الله يجزيك الخير أخي المقرئ وكثر الله من أمثالك



t7 :BADERELAMA
 

الضلماوي

مزمار فعّال
4 أكتوبر 2006
241
1
0
الجنس
ذكر
رد: الاختيار عند القراء

[align=center]بارك الله فيك أخي المقرئ
وأثابك على هذا العمل الجبار
[/align]
 

زاكي شرف الدين

مزمار داوُدي
30 نوفمبر 2005
3,046
6
0
الجنس
ذكر
رد: الاختيار عند القراء

الله يعطيك الصحة و العافية .. اجدت و افدت عزيزي المقرئ
 

المقرئ

مزمار فعّال
27 يوليو 2006
209
1
0
الجنس
ذكر
رد: الاختيار عند القراء

السلام عليكم
وجزاكم الله يا إخواني خيرا وبارك فيكم
والسلام عليكم
 

سيّد مُسلِم

مراقب سابق
31 مارس 2006
2,132
5
0
الجنس
ذكر
رد: الاختيار عند القراء

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم





وبعد :




أخي الحبيب المقرئ بارك الله فيك وجزاك الله كل خير

لا حرمنا الله منك ومن مواضيعك الطيبة

لك الاجر والتواب والقبول إن شاء الله



1- أن الأمة مخيرة في القراءة بأي حرف من هذه الأحرف من غير إلزام بواحد منها، ومن قرأ بحرف منها فقد أصاب، وليس لأحد أن ينكر عليه، بدليل قوله  (فاقرؤوا ما تيسر منه) وقول جبريل: (فأيما حرف قرؤوا به فقد أصابوا)." ا.هـ صـ17

أخي الفاضل المقرئ بارك الله فيكم نريد بعض التوضيح شكر الله لكم

فكثيرا ما نسمع من بعض العلماء وجوب تقيد المبتدأ بقراءة أهل البلد

بحيث يلتزم أهل المغرب برواية ورش عن نافع

فيما تلتزم أقطار المشرق برواية حفص عن عاصم على سبيل المثال

فهل يعتد بهذا الكلام وكيف نجمع بينه وبين قوله تعالى :

(فاقرؤوا ما تيسر منه)

وقول جبريل عليه السلام :

(فأيما حرف قرؤوا به فقد أصابوا)

كما تفضلتم به في سلف ؟؟



في اتنظار ردكم الكريم تقبلوا منا فائق التقدير والاحترام





والله ولي التوفيق
[/align]
 

المقرئ

مزمار فعّال
27 يوليو 2006
209
1
0
الجنس
ذكر
رد: الاختيار عند القراء

السلام عليكم
الأخ الفاضل الكريم : سيد مسلم
الأصل يا سيدي الفاضل أن جميع القراءات جائزة وبأي وجه قرأ أصاب .. هذا هو الأصل .

أما ما يلزمه الشيوخ من قراءة كل صاحب قطر بما ثبتت عندهم من الروايات ، هذا من باب درء المفاسد قد يعترض عليي الإمام بعض عوام الناس وتحدث فتنة فحينئذ يفضل القراءة المعتمدة من هذا الباب .
والله أعلم
والسلام عليكم
 

سيّد مُسلِم

مراقب سابق
31 مارس 2006
2,132
5
0
الجنس
ذكر
رد: الاختيار عند القراء

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم






وبعد :



شكر الله لك أخي الحبيب وجزاك الله خير على التوضيح

لا حرمت الأجر والتواب والقبول


ننتظر كل ما هو مفيد منكم أستاذنا المقرئ فلا تبخل عنا !!




والله ولي التوفيق
[/align]
 

محمد الجنابي

عضو شرف
عضو شرف
9 فبراير 2007
15,361
18
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
رد: الاختيار عند القراء

ما شاء الله جزاك الله كل الخير أخي الفاضل!
 

المقرئ

مزمار فعّال
27 يوليو 2006
209
1
0
الجنس
ذكر
رد: الاختيار عند القراء

السلام عليكم
وجزاك الله كل الخير أخي الفاضل ، وغفر الله لي ولكم
والسلام عليكم
 

القارئ المدني

عضو شرف
عضو شرف
5 يونيو 2008
2,489
27
48
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد أيوب
رد: الاختيار عند القراء

بورك فيك شيخنا

رفعته لليستفاد منه
 

أم مريم المصرية

مزمار جديد
2 أبريل 2009
10
0
0
القارئ المفضل
محمود خليل الحصري
رد: الاختيار عند القراء

جهد رائع جزاكم الله خيرا

نفعنا الله وإياكم بما قرئنا

أسال الله أن يعلمنا ذلك العلم الجليل
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع