إعلانات المنتدى

مسابقة مزامير القرآنية 1445هـ

القول في تأويل (ملك) للطبري

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

رضا الجنايني

مزمار كرواني
6 يونيو 2008
2,850
27
0
الجنس
ذكر
القول في تأويل قوله تعالى: {ملك}قال أبو جعفر: القراء مختلفون في تلاوة " ملك يوم الدين "، فبعضهم يتلوه: " ملك يوم الدين "، وبعضهم يتلوه: {مالك يوم الدين} وبعضهم يتلوه: {مالك يوم الدين} بنصب الكاف. وقد استقصينا حكاية الرواية عمن روى عنه في ذلك قراءة في " كتاب القراءات "، واخبرنا بالذي نختار من القراءة فيه، والعلة الموجبة صحة ما أخترنا من القراءة فيه، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع، إذ كان الذي قصدنا له في كتابنا هذا البيان عن وجوه تأويل آي القرآن دون وجوه قراءتها.
ولا خلاف بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب، أن الملك من " الملك " مشتق، وأن المالك من " الملك " مأخوذ. فتأويل قراءة من قرأ ذلك: {مالك يوم الدين} أن لله الملك يوم الدين خالصا دون جميع خلقه الذين كانوا قبل ذلك في الدنيا ملوكا جبابرة ينازعونه الملك ويدافعون الانفراد بالكبرياء والعظة والسلطان والجبرية. فأيقنوا بلقاء الله يوم الدين أنهم الصغرة الأذلة، وأن له دونهم ودون غيرهم الملك والكبرياء والعزة والبهاء، كما قال جل ذكره وتقدست أسماؤه في تنزيله: {يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} [غافر: 16] فأخبر تعالى أنه المنفرد يومئذ بالملك دون ملوك الدنيا الذين صاروا يوم الدين من ملكهم إلى ذلة وصغار، ومن دنياهم في المعاد إلى خسار.
وأما تأويل قراءة من قرأ: {مالك يوم الدين} فما:
139 - حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس: {مالك يوم الدين} يقول: لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما كملكهم في الدنيا. ثم قال: {لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا} [طه: 108] وقال: {وخشعت الأصوات للرحمن} [النبأ: 38]، وقال: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28]
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالآية وأصح القراءتين في التلاوة عندي التأويل الأول وهي قراءة من قرأ " ملك " بمعنى " الملك "؛ لأن في الإقرار له بالانفراد بالملك إيجابا لانفراده بالملك وفضيلة زيادة الملك على المالك، إذ كان معلوما أن لا ملك إلا وهو مالك، وقد يكون المالك لا ملكا.
وبعد: فإن الله جل ذكره قد أخبر عباده في الآية التي قبل قوله: {مالك يوم الدين } أنه مالك جميع العالمين وسيدهم، ومصلحهم والناظر لهم، والرحيم بهم في الدنيا والآخرة؛ بقوله: {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم}
فإذا كان جل ذكره قد أنبأهم عن ملكه إياهم كذلك بقوله: {رب العالمين} فأولى الصفات من صفاته جل ذكره، أن يتبع ذلك ما لم يحوه قوله: {رب العالمين الرحمن الرحيم} مع قرب ما بين الآيتين من المواصلة والمجاورة، إذ كانت حكمته الحكمة التي لا تشبهها حكمة.
وكان في إعادة وصفه جل ذكره بأنه مالك يوم الدين، إعادة ما قد مضى من وصفه به في قوله: {رقة العالمين} مع تقارب الآيتين وتجاوز الصفتين. وكان في إعادة ذلك تكرار ألفاظ مختلفة بمعان متفقة، لا تفيد سامع ما كرر منه فائدة به إليها حاجة. والذي لم يحوه من صفاته جل ذكره ما قبل قوله : {مالك يوم الدين} المعنى الذي في قوله: وملك يوم الدين "، وهو وصفه بأنه الملك. فبين إذا أن أولى القراءتين بالصواب وأحق التأويلين بالكتاب: قراءة من قرأه : " ملك يوم الدين "، بمعنى إخلاص الملك له يوم الدين، دون قراءة من قرأ: {مالك يوم الدين} بمعنى: أنه يملك الحكم بينهم وفصل القضاء متفردا به دون سائر خلقه.
فإن ظن ظان أن قوله: {رب العالمين} نبأ عن ملكه إياهم في الدنيا دون الآخرة يوجب وصله بالنبأ عن نفسه أنه قد ملكهم في الآخرة على نحو ملكه إياهم في الدنيا بقوله: { مالك يوم الدين} فقد أغفل وظن خطأ؛ وذلك أنه لو جاز لظان أن يظن أن قوله: {رب العالمين} محصور معناه على الخبر عن ربوبية عالم الدنيا دون عالم الآخرة مع عدم الدلالة على أن معنى ذلك كذلك في ظاهر التنزيل، أو في خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم به منقول، أو بحجة موجودة في المعقول، لجاز لآخر أن يظن أن ذلك محصور على عالم الزمان الذي فيه نزل قوله : {رب العالمين} دون سائر ما يحدث بعده في الأزمنة الحادثة من العالمين، إذ كان صحيحا بما بد قدمنا من البيان أن عالم كل زمان غير عالم الزمان الذي بعده. فإن غبي عن علم صحة ذلك بما قد قدمنا ذو غباء، فإن في قول الله جل ثناؤه: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} [الجاثية: 16] دلالة واضحة على أن عالم كل زمان غير عالم الزمان الذي كان قبله وعالم الزمان الذي بعده. إذ كان الله جل ثناؤه قد فضل أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم الخالية، وأخبرهم بذلك في قوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110] الآية. فمعلوم بذلك أن بني إسرائيل في عصر نبينا، لم يكونوا مع تكذيبهم به صلى الله عليه وسلم أفضل العالمين، بل كان أفضل العالمين في ذلك العصر وبعده إلى قيام الساعة، المؤمنون به المتبعون منهاجه، دون من سواهم من الأمم المكذبة الضالة عن منهاجه. فإذ كان بينا فساد تأويل متأول لو تأول قوله: {رب العالمين} أنه معني به: أن الله رب عالمي زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون عالمي سائر الأزمنة غيره، كان واضحا فساد قول من زعم أن تأويله: رب عالم الدنيا دون عالم الآخرة، وأن مالك يوم الدين استحق الوصل به ليعلم أنه في الآخرة من ملكهم وربوبيتهم بمثل الذي كان عليه في الدنيا. ويسأل زاعم ذلك الفرق - بينه وبين متحكم مثله في تأويل قوله: {رب العالمين} تحكم، فقال : أنه إنما عني بذلك أنه رب عالمي زمان محمد دون عالمي غيره من الأزمان الماضية قبله والحادثة بعده، كالذي زعم قائل هذا القول أنه عنى به عالم الدنيا دون عالم الآخرة - من أصل أو دلالة. فلن يقول في أحدهما شيئا إلا الزم في الآخر مثله.
وأما الزاعم أن تأويل قوله: {مالك يوم الدين} أنه الذي يملك إقامة يوم الدين، فإن الذي الزمنا قائل هذا القول الذي قبله له لازم، إذ كانت إقامة القيامة إنما هي إعادة الخلق الذين قد بادوا لهيئاتهم التي كانوا عليها قبل الهلاك في الدار التي أعد الله لهم فيها ما أعد. وهم العالمون الذين قد أخبر جل ذكره عنهم أنه ربهم في قوله: {رب العالمين }
وأما تأويل ذلك في قراءة من قرأ: {مالك يوم الدين} فإنه أراد: يا مالك يوم الدين، فنصبه بنيه النداء والدعاء، كما قال جل ثناؤه: {يوسف أعرض عن هذا} [يوسف: 29] بتأويل: يا يوسف أعرض عن هذا. وكما قال الشاعر من بني أسد، وهو شعر فيما يقال جاهلي:
إن كنت أزننتني بها كذبا جزء، فلاقيت مثلها عجلا
يريد: يا جزء. وكما قال الآخر:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها بني شاب قرناها تصر وتحلب
يريد: يا بني شاب قرناها.
وإنما أورطه في قراءه ذلك بنصب الكاف من " مالك " على المعنى الذي وصفت حيرته في توجيه قوله: {إياك نعبد وإياك نستعين} وجهته مع جر: {مالك يوم الدين} وخفضه، فطن أنه لا يصح معنى ذلك بعد جره: {مالك يوم الدين} فنصب: ومالك يوم الدين " ليكون {إياك نعبد} له خطابا، كأنه أراد: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد، وإياك نستعين. ولو كان علم تأويل أول السورة وأن " الحمد لله رب العالمين "، أمر من الله عبده بقيل ذلك كما ذكرنا قبل من الخبر عن ابن عباس: أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم، عن الله: قل يا محمد: {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين} وقل أيضا يا محمد: {إياك نعبد وإياك نستعين} وكان عقل عن العرب أن من شأنها إذا حكت أو أمرت بحكاية خبر يتلو القول، أن تخاطب ثم تخبر عن غائب، وتخبر عن الغائب ثم تعود إلى الخطاب؛ لما في الحكاية بالقول من معنى الغائب والمخاطب، كقولهم للرجل: قد قلت لأخيك: لو قمت لقمت، وقد قلت لأخيك: لو قام لقمت؛ لسهل عليه مخرج ما استصعب عليه وجهته من جر : {مالك يوم الدين} ومن نظير " مالك يوم الدين " مجرورا، ثم عوده إلى الخطاب ب " إياك نعبد " لما ذكرنا قبل، البيت السائر من شعر أبي كبير الهذلي:
يا لهف نفسي كان جدة خالد وبياض وجهك للتراب الأعفر
فرجع إلى الخطاب بقوله: " وبياض وجهك "، بعد ما قد قضى الخبر عن خالد على معنى الخبر عن الغائب. ومنه قول لبيد بن ربيعة:
باتت تشكي إلي النفس مجهشة وقد حملتك سبعا بعد سبعينا
فرجع إلى مخاطبة نفسه، وقد تقدم الخبر عنها على وجه الخبر عن الغائب. ومنه قول الله وهو أصدق قيل وأثبت حجة: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة} [يونس: 22] فخاطب ثم رجع إلى الخبر عن الغائب، ولم يقل: " وجرين بكم ". والشواهد من الشعر وكلام العرب في ذلك أكثر من أن تحصى، وفيما ذكرنا كفاية لمن وفق لفهمه. فقراءة: " مالك يوم الدين " محظورة غير جائزة، لإجماع جميع الحجة من القراء وعلماء الأمة على رفض القراءة بها.
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع