إعلانات المنتدى


سر دخول اللام على جواب لو الشرطية

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

نور مشرق

مراقبة قديرة سابقة وعضو شرف
عضو شرف
22 يوليو 2008
16,039
146
63
الجنس
أنثى
علم البلد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سر دخول اللام على جواب لو الشرطية


قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ . أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ . لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة: 63-65].

ثم قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ . لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68-70].
فأدخل اللام على جواب (لَوْ) في قوله: {لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً}، ونزعها منه في قوله: {جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً}. ولسائل أن يسأل: لِمَ أُدخِلت اللام على الجواب الأول، ونُزعت منه في الثاني؟!

ويجاب عن ذلك بأن في نزع اللام من الجواب في قوله تعالى: {جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} إشارة إلى التعجيل بوقوع العقوبة، عقب المشيئة فوراً دون تأخير. وفي إدخالها عليه في قوله تعالى: {لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} إشارة إلى تأجيل العقوبة لعقوبة أشدَّ منها، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} [يونس:24].

وقد جعل الله تعالى هلاك المُهلَكين من الأمم الطاغية حصيداً عقوبة لهم، فقال سبحانه: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود:100]. أي: منها هلك أهله دونه فهو باقٍ، ومنها هلك بأهله فلا أثر له؛ كالزرع المحصود بالمناجل، بعضه قائمٌ على ساقه، وبعضه حصيدٌ.

وحصيدُ هو (فَعيلٌ) من الحَصْد، بمعنى: مفعول، وهو قطع الزرع في إبَّانه، واستئصاله من جذوره. وقد أفاد في الآية السابقة قطع الزرع واستئصاله في غير إبَّانه على سبيل الإفساد، ومنه استعير قولهم: حصدَهم السيفُ. ومنه -كما في "مسند أحمد"- قوله  لمعاذ: "وهل يكبّ الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم".

وعليه يكون المعنى المراد من آية الزرع: لو يشاء الله تعالى لجعل الزرع، الذي ينبته من الحب حطاماً؛ عقوبةً لهم على شركهم به، وتكذيبهم بآياته، ولكن اقتضت مشيئته سبحانه أن يؤجل هذه العقوبة لعقوبة أشدَّ منها، كان ذلك {وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ} [الروم:6]، {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ} [الحج:47].

والمراد من جعل الزرع حطاماً جعله متكسِّراً قبل الانتفاع به. وأما ما يؤول إليه الزرع من الحطام بعد الانتفاع به فذلك معلوم لكل أحد، ولا يكون التعبير عنه مشروطاً بـ(لَوْ) ؛ كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ} [الزمر:21].

فلإفادة هذا المعنى -أعني: تأجيل العقوبة لأشدَّ منها- أُدخلت اللام على جواب (لَوْ) الشرطية. هذه اللام، التي أجمعوا على القول بجواز سقوطها من الكلام. وهم معذورون في ذلك؛ فأسرار القرآن أكثر وأعظم من أن تحيط بها عقول البشر؛ فلا عجب أن قالوا بجواز سقوطها اختصاراً للفظ، واستغناء بمعرفة السامع!

وأما قوله تعالى عن الماء: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً}
فالمعنى المراد منه: لو يشاء الله تعالى، جعل الماء المنزَّل من المزن أجاجاً لوقته دون تأخير؛ فلا ينتفع به في شرب ولا زرع ولا غيرهما، ولكنه تعالى لم يشأ ذلك رحمة بعباده، وفضلاً منه عليهم.

أما ما يؤول إليه الماء من الملوحة بعد نزوله من المزن، وجريه على الأراضي المتغيرة التربة أو السبخة -كما قالوا- فذلك ما لم يُرَدْ من الآية الكريمة، وليس في الإخبار عنه أية فائدة تذكر.
ويبيِّن لك ذلك أن الله تعالى قال: {جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً}،
ولم يقل: جَعَلْنَاهُ ملحاً؛ لأن مياه الأرض كلها تحتوي على نسب من الأملاح متباينة. ومن هنا قلَّ الاقتصار على وصف الماء، الذي لا ينتفع به بالملح في لغة العرب، وكثيراً ما يقرنون هذا الوصف بوصف الأجاج.

كما يقرنون وصف الماء العذب بوصف الفرات. وهذا ما عبَّر تعالى عنه في قوله: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً محْجُوراً} [الفرقان:53]. {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر:12].

فقابل سبحانه بين العذب والملح، وبين الفرات والأجاج. والماء العذب هو الطيب البارد. والماء الملح هو الذي تغير طعمه، وإذا كان لا ينتفع به في شرب، فإنه ينتفع به في غيره. والماء الفرات ما كان مذاقه مستساغاً، يضرب طعمه إلى الحلاوة، بسبب انحلال بعض المعادن والغازات فيه.

والماء الأجاج هو الماء الزُّعَاقُ، وهو المرُّ، الذي لا يطاق، ولا ينتفع به في شرب، ولا غيره، لشدَّة مرارته وحرارته، وهو من قولهم: أجيج النار.

فإذا عرفت ذلك؛ تبيَّن لك سر الجمع بين الملح والأجاج في وصف ماء البحر؛ إذ لو اقتصر في وصفه على كونه ملحاً، كان مثل أي ماء يجري على التربة المتغيرة، ويستقر في أعماق الأرض. ولو اقتصر في وصفه على كونه أجاجاً، كان ماؤه فاسداً، لا ينتفع به في شيء مطلقاً.
ومن هنا كان جَعْلُ ماءِ السحاب أجاجاً -أي: شديد الملوحة والمرارة والحرارة قبل أن يصل إلى الأرض- أدلَّ على قدرة الله تعالى، من جعل الزرع حطاماً، وإن كان الكل أمام قدرة الله سواء.

ويدلك على ما ذكرنا أن قوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} قيل على طريقة الإخبار؛ لأن جَعْلَ الماء المنزل من المزن أجاجاً لوقته عقب المشيئة، قبل أن يصل إلى الأرض ويستقر في أعماقها، لم يشاهد في الواقع؛ لأنه لم يقع، بخلاف جعل الزرع حطاماً؛ فإنه كثيراً ما وقع كونه حطاماً، ويقع بعد أن كان أخضرَ يانعاً، خلافاً لمن زعم خلاف ذلك. فلو قيل: جعلناه حطاماً، بإسقاط اللام؛ كما قيل: جعلناه أجاجاً، لتُوُهِّم منه الإخبار.

ويبين لك ذلك أيضاً أن دخول اللام على جواب (لَوْ) لا يكون إلا في الأفعال، التي لا يُتخيَّل وقوعها؛ كما في قوله تعالى: {قَالُوا قد سمعنا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} [الأنفال:31]؛ أي: مثل القرآن. وقوله سبحانه: {قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلائِكَةً} [فصلت:14]. و{وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} [يس:66].

و{وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم ملائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف:60].

ونحو ذلك قوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً}. فجعل الزرع حطاماً ممّا لا يتخيل وقوعه؛ ولهذا قال تعالى عقِبه: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}. فأتى بفعل التفكُّه؛ لأن ذكر الحطام يلائم التفكُّه، ومعنى الاعتداد بالزرع، يقتضي الاعتداد بصلاحه وعدم فساده، فحصل التفكُّه. والمعنى: فظلتم تعجبون من هلاك زرعكم، وتندمون على ما أنفقتم فيه. وقيل: تلاومون وتندمون على ما سلف منكم من معصية الله، التي أوجبت عقوبتكم، حتى نالتكم في زرعكم. والقولان مرادان يكمل أحدهما الآخر.
ونحو ذلك قوله تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً} [الكهف:35]. إلى قوله تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً} [الكهف:42].

أما جعل الماء العذب أجاجاً في قوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً}. فهو مما يتخيل وقوعه، وإن لم يقع. ومثله في تخيل وقوعه والتعجيل به قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} [الأعراف:100].

ولهذا عقَّب عليه تعالى بقوله: { فَلَوْلا تَشْكُرُونَ}. وهو تحضيض لهم على الشكر بإخلاص العبادة لله تعالى وحده على هذه النعمة، التي هي أعظم النعم. ومثله جعل ماء الأرض غوراً؛ كما أخبر عنه تعالى في قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء معِينٍ} [الملك:30].

فكيف يمكن القول بعد هذا: إن جعل الماء ملحاً أسهل وأكثر من جعل الزرع حطاماً، وإن الوعيد بفقد الزرع أشد وأصعب من الوعيد بفقد الماء، فاحتاج الأول إلى تأكيده باللام، دون الثاني؟! ألا ترى أنه لولا الماء، لما كان هناك زرع ولا شجر ولا حيوان ولا بشر؟! ألم يسمعوا قول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء:30]؟!

ومما يدلك أيضاً على فساد ما ذهبوا إليه أن من تأمل الآيات التي أدخلت اللام فيها على جواب (لَوْ)، يجد أن هذه اللام تقوم مقام السين وسوف؛ في الدلالة على التسويف في إيقاع الفعل تارة، والمماطلة تارة أخرى.

وأوضح ما يكون ذلك في قوله تعالى في صفة الكافرين: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آياتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [الأنفال:31]. أي: لو نشاء لقلنا مثل هذا القرآن. وهم لم يقولوا، ولن يقولوا، ولا يمكنهم أن يقولوا؛ ولهذا أتوا بهذه اللام، التي دلت على تسويفهم ومماطلتهم.
وذلك بخلاف قولهم: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا} [الأنعام:148].

وتأمل ذلك في بقية الآيات، التي جاء فيها جواب الشرط مجرداً من اللام، والآيات التي اقترن فيها جواب الشرط باللام.

ولهذا ينبغي أن تسمَّى هذه اللام: (لام التسويف)؛ لأنها تفيد ما يفيده كلٌّ من السين وسوف؛ من دلالة على التسويف والمماطلة في إيقاع الفعل. فهل يمكن بعد هذا كله أن يكون القول بزيادة هذه اللام في جواب الشرط للتوكيد مستساغاً ومقبولاً؟!


محمد اسماعيل عتوك
 

~ روح الوداع ~

مزمار داوُدي
7 يوليو 2008
3,779
28
48
الجنس
أنثى
يسعدني ان أكون أول المارين "

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بورك فيك غالـيــتي على التوضيح ~ سلمت يداك
جزاك الله الجنة ونفع بك
وفقك الله وغفر لك ورضي عنك
حفظك ربي ورعاك أختي
 

نور مشرق

مراقبة قديرة سابقة وعضو شرف
عضو شرف
22 يوليو 2008
16,039
146
63
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: يسعدني ان أكون أول المارين "

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بورك فيك غالـيــتي على التوضيح ~ سلمت يداك
جزاك الله الجنة ونفع بك
وفقك الله وغفر لك ورضي عنك
حفظك ربي ورعاك أختي


والله اختي الحبيبة هذا شرف لي
ان تكوني اول المارين
بارك الله فيك وفي وقتك
وجزاك عني كل خير
و زادك فضلا و علما..
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع