- 26 مايو 2009
- 25,394
- 1,156
- 0
- الجنس
- أنثى
- علم البلد
صورة وذكريات طفولة
كل منَا له ذكريات طفولة جميلة ، يختزنها فى الذاكرة البعيدة ، ومن فترة إلى أخرى ينبش فيها لتطفو فوق سطح أفكاره
ويسرح معها بعيدًا . بعيدًا ، ويحلّق فى الآفاق ، وأحيانًا تمر كالسراب . .
كانت الدنيا صبية . والحياة وردية . والأهل والأحباب . وطفولة بريئة . على محيّاها ارتسمت البسمة والدِعة . تلك كانت أيام .
كانت الشمس تشرق زاهية . وكان القمر بدرًا هاديًا . سبحان رب الأرباب . كنت أُحب المطر حين يزداد ليغسل دموع براءتى . وأُحب البحر بعد العصر . والشمس تتهادى تلامس سطح الماء .
والأفق الأرجوانى وقت الغروب يأخذ بالألباب . .
نبنى على الرمال قصورًا . سرعان سرعان ما تنهار وتبتلعها الأمواج . نضحك ونعاود البناء .. هكذا كانت الحياة . .
عندما رأيت صورة الصياد . عاودتنى ذكريات الطفولة . .
فى يوم من الأيام . اصطحبنى والدى قبل الغروب للسير على الرمال .عند شاطىء البحر حيث الصفاء والجَمال . وكُنَا فى الخريف . والجو كان لطيف . رأيت صيادًا يُصلح من شِباكه ساعيًا لرزق يوم جديد .
أعجبنى المنظر .وظللت أُفكر . ماذا لو اختفت الأسماك أو هربت من الشباك ! كيف يعيش ويقتات ؟
رجعت بيتى وحملت همّه . وسألت أمى . لماذا هو فقير ؟ . قالت يا بنيّة . مَن صبر وتأنّى . نال ما تمنّى . وأُعطى الرزق الوفير . . لم أفهم التعبير .
ذهبت لجدتى . أشكو حيرتى . حكت لى حكاية . عن صياد فقير . له زوجة عاصية . لعيشتها رافضة . تطلب الكثير . والرجل غلبان . لا حيلة له ولا كيان .
يذهب فى الفجرية . لشاطىء البحيرة . يجلس فوق الصخرة . يرمى الشباك ويدعو الرحمن . يصبر ويصبر . لا يمل الإنتظار . ثم يعود إلى بيته بقليل من الأسماك . بعضها للغداء . والباقى يبيعه فى الأسواق . . هكذا كانت الأيام . . يرضى بالقليل . ويشكر الكريم . على طيب الحياة .
وفى يوم من الأيام . ذهب كعادته . وعلى الصخرة حطّ الرحال . رمى فى الماء الشِباك . وفجأة اهتزت الشَبكة . فجذبها بشدة . ولهول المنظر أفاق . . رأى سمكة كبيرة فى حجم الإنسان . سبحان العاطى المنّان .
فرح بها كثيرًا وشكر الرحمن . وقال الحمد لله . زوجتى ستكون عنى راضية . وسيأكل الأولاد . ويلبسون الثياب . سأشترى جلباب . خالٍ من الرقاع . وأدفع إيجار الدار . أذهب للجزار . أشترى لحم الخرفان . ونهنأ وننام . ونعيش فى سلام ..
فجأة وبلا مقدمات . لم يصدّق عينيه . ولا أُذنيه . حيث سمع كلام . لا يشبه إنسان ولا حيوان . إذا بالسمكة تتكلّم . وعن صغارها ترجوه . أن يردّها إليهم . فهم مازالوا صغار .
ووعدته أن تلبى له طلباته . إذا جاء إلى الصخرة . ونادى بصوت عالٍ . يا سمكة يا سمكتى . تعالى اسمعى حكايتى . ثم يطلب ما يشاء . صدّق المسكين الكلام . ورقّ قلبه ولان . وفى البحيرة قذفها . وإلى بيته عاد .
حكى لزوجته الحكاية . وصدّقت الرواية . وطلبت منه بيت كبير .وفرش وثير . وثوب حرير كزوجة الوزير . ذهب المسكين . ونادى السمكة بصوت حزين . وطلب منها المطالب . فقالت له ارجع إلى بيتك . ستجد طلبك أُجيب ..
لم يصدّق عينيه . عندما رأى كل شىء . كما طلبت زوجته . وزيادة كمان عباءته .
وتمر الأيام والزوجة الطمّاعة تتمرّد . ومن العاطفة تتجرّد . وتطلب الزيادة . ويذهب المسكين . إلى الصخرة حزين . واستمر الحال سنين . حتى ملّت السمكة . وكبرت الصغار .
فقالت له يا صيّاد . خُذنى فى الشَبكة . وبِعنى للسلطان . يعطيك مال وفير . به تتاجر . ومن البلد تهاجر . أمَا زوجتك اللئيمة . فلها عندى وليمة . اذهب وسترى بعينيك العجب العُجاب .
ذهب الصياد حيران . وعن بيته توهان . أين الدار والحمار . والفرش الوثير ! أين الحرير ! لم يجد سوى سرير . فى بيت فقير . وزوجة غلبانة . فى ثياب مبهدلة . وعيناها ذابلة . من الحُزن والبكاء ...
وهكذا كانت النهاية . لطمع الإنسان . وعقاب الرحمن ...
( من ذكريات ابنة اليم )
التعديل الأخير: