إعلانات المنتدى

مسابقة مزامير القرآنية 1445هـ

موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

خالد بن أحمد

مزمار ذهبي
8 فبراير 2009
820
4
18
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
ياسر الدوسري
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

جزاك الله خير

حفظ الله شيخنا من كل مكروه

آمين
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -


paperlogomedium.gif
الصفحة الثانية عشرة
manaber.jpg

2

خطبة الجمعة من المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة
الثبيتي: القرآن الكريم رسم ضوابط أمنية وحدد أسباب السلامة حفظاً لكيان الأسرة المسلمة وسلامة أنسابها وطهارة قلوب الرجال والنساء من الفتنة والانحراف
قال فضيلة الشيخ عبدالباري الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف في خطبة الجمعة ان القرآن الكريم رسم ضوابط أمنية وحدد أسباب السلامة حفظاً لكيان الأسرة المسلمة وسلامة أنسابها وطهارة قلوب الرجال والنساء من الفتنة والانحراف، وفيما يلي نص الخطبة:
قال تعالى: {ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما}. موقف القرآن الكريم من اختلاط الرجال بالنساء ترسمه هذه الآية وغيرها.
منهج قرآني يرسم ضوابط أمنية ويحدد أسباب السلامة حفظاً لكيان الأسرة المسلمة وسلامة أنسابها وطهارة قلوب الرجال والنساء من الفتنة والانحراف.
أمر الله سبحانه وتعالى النساء بإدناء الجلابيب وغض البصر وحرم الاختلاط بين الرجال والنساء، كل ذلك سدا للذريعة وحسماً للوسائل المؤدية الى الفساد وظهور الفواحش.
الاختلاط قضية قديمة تتجدد في هذا العصر، حيث يقف المروجون له بالمرصاد لخيرية أمة الإسلام ويحسدونها على ما كرمها الله وفضلها به على سائر الأمم.
إن دعاة الاختلاط لا يهمهم صيانة الأعراض، ولا يفهمون معنى للشرف والعرض، إنما هي في نظرهم كلمات فقدت معانيها القديمة المتزمتة، ووأدتها الحضارة والانطلاق من القيود المتحجرة.. زعموا!!
أصوات شاذ تدعي ان الاختلاط يساعد على إقامة علاقة نظيفة وانه ضرورة نفسية واجتماعية واقتصادية، وبه يرشد الإنفاق، ونقول لهؤلاء جميعا: اسألوا الحضارة الغربية المتهالكة ماذا جنت من الاختلاط؟! ستجيبكم بالاحصاءات المذهلة والأرقام المفجعة عن نسبة الحوامل من الزنا وألوف الأطفال الذين ولدوا بطرق غير شرعية ناهيك عن حالات الاجهاض ونسبة جرائم الخطف والاغتصاب مع انحطاط خلقي وآثار مدمرة تنذر بانهيار المجتمعات وكثرة العوانس، ذلك ان وجود السبل الميسرة لقضاء الوطر، صرفتهم عن تبعات الزواج وتكاليفه.. زعموا!!
يدعي بعضهم ان الاختلاط يكسر الشهوة ويهذب الغريزة ويقي من الكبت والعقد النفسية وواقع الحال في البلاد الاباحية يكذب ذلك وينقضه فلم يزدد الناس إلا سعارا بهيمياً وهتكاً للأعراض وتوقدا للشهوة لا يرتوي ولا يهدأ، وينتهي الى شذوذ لا يقيده قيد ولا يقف عند حد.
ها هي الغرائز قد أطلقت فلم تزد النفوس إلا تعقيدا ولم تزد الأعصاب إلا توترا، مع انتشار الأمراض الفتاكة وأصبح القلق النفسي هو مرض العصر هناك.
كيف نلقي إنساناً وسط أمواج متلاطمة ثم نطلب منه أن يحافظ على ثوبه من البلل؟!.. كيف نلقي إنساناً وسط نيران متوقدة ثم نطلب منه ان يحافظ على جسمه من الاحتراق؟!..
إن عقلاء البلاد الاباحية التي جربت الاختلاط وذاقت ويلاته.. وقاست مساوئه.. ينادون بقوة منع اختلاط الرجال بالنساء في بلادهم بعد أن أحسوا بالخطر الداهم.. وأعلنوها صريحة مدوية، بعد طول عناء ان التعليم غير المختلط أفضل بكثير من التعليم المختلط.
لم يؤد الاختلاط الى تصريف نظيف إنما أدى الى بهيمية كاملة، لم تؤد التجربة الى تماسك البيوت ولا استقرار ولا ثبات وانما أدى الى تفكك دائم.. وطلاق متزايد.. وجوع مستمر.
الاختلاط متعة مغرية تجعل الشباب لا يفكر بالزواج وتفقد المتزوج رابط الزوجية وقد يتفارقان الى أخدان وخليلات، انه عامل هدم فعال لحياة الأسرة، ومنغص لاستقرارها، لأنه في المجتمع المختلط لن يقنع أحد بما رزقه الله وتكثر الشكوك والغيرة بين الأزواج.. كما تكثر الخيانات الزوجية.
ومن الأسباب البينة التي أدت الى فتنة امرأة العزيز بيوسف عليه السلام الاختلاط الذي أضرم كوامن الغريزة فيأبى يوسف عليه السلام خوفا من الله العليم الخبير.
الاختلاط من أكبر الأسباب الميسرة للفاحشة وارتكاب جريمة الزنا فهو يحرك في النفس نوازع الشر ويشعل نار الشهوات الجامحة ويولد الإغراء والإغواء.
الاختلاط يصرف شباب الأمة عن المعالي ويؤدي الى اضمحلال قواهم ويوقعهم فريسة الشهوات البهيمية ويحول المجتمع الى لهو وعبث ومجون وخلاعة وهذا يورد المجتمع موارد الهلاك.
للاختلاط المحرم في المجتمعات صور منها: اختلاط البنات مع ابن العم أو ابن العمة وابن الخال مع ابن الخالة، خلو خطيب الفتاة بها وخروجه معها وحديثه، وذلك قبل العقد، بحجة التعارف ومدارسة بعضهم بعضا، اختلاط النساء بالرجال الأجانب عموما بحجة ان القلوب بيضاء، اختلاط الطالبات بالطلاب في صفوف الدراسة بالجامعات والمعاهد والمدارس، كما في بعض المجتمعات، استقبال المرأة أقارب زوجها الأجانب، أو أصدقائه في حالة غيابه ومجالستهم والكلام معهم، كما في بعض المجتمعات، خلوة المدرسين الخصوصيين بالطالبات بحجة التدريس، اختلاط النساء بالرجال في المعامل والصيدليات والمستشفيات والمكاتب بدعوى ضرورة ذلك في العمل، خلو الطبيب بالمريضة من غير محرم لها، ما يسمى بالجلسات العائلية والتي يختلط فيها الرجال بالنساء وما يحدث فيها من تبادل الحديث.
جاءت أحاديث صحيحة صريحة في تحريم الأسباب المفضية الى الاختلاط وهتك سنة المباعدة بين الرجال والنساء ومنها تحريم الدخول على الأجنبية والخلوة بها.. وتحريم سفر المرأة بلا محرم، وتحريم النظر العمد من أي منهما الى الآخر، وتحريم دخول الرجال على النساء، وتحريم مس الرجل بدن الأجنبية حتى المصافحة للسلام، وتحريم تشبه أحدهما بالآخر.
ومن قواعد الشرع المطهر ان الله إذا حرم شيئاً حرم الأسباب والطرق والوسائل المفضية إليه تحقيقا لتحريمه ومنعاً من القرب من حماه، قال الله عز وجل: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا}، يقول أحد العلماء: «والنهي عن قربان الزنى أبلغ من النهي عن مجرد فعله، لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه، فإن من حام حول الحمى يوشك ان يقع فيه». يقول ابن القيم ــ رحمه الله ــ: «واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنى».
ان من حرص الشارع على التباعد بين الرجال والنساء وعدم الاختلاط بينهم: ان رغب في ذلك حتى في أماكن العبادة كالصلاة التي يشعر المصلي فيها بأنه بين يدي ربه بعيدا عما يتعلق بالدنيا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» رواه مسلم، وما ذاك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال فكان شر الصفوف، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خير الصفوف، قال النوري ــ رحمه الله ــ «وانما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن عن مخالطة الرجال وذم أول صفوفهن لعكس ذلك».
وعندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد فرأى اختلاط الرجال بالنساء في الطريق قال للنساء: «استأخرن فإنه ليس لكُن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق». فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به، رواه ابو داود. وعلى هذا سارت نساء المسلمين، لا عهد لهن بالاختلاط بالرجال. وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان صلاتها في بيتها خير من صلاتها في المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تمنعوا النساء أن يخرجن الى المساجد وبيوتهن خير لهن» أخرجه أحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ومن حرص الشارع على عدم الاختلاط منع المرأة اذا خرجت للمسجد ان تتطيب له، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه: «أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة» رواه مسلم.
ولما رأت عائشة رضي الله عنها التغير الذي حدث في أحوال النساء بعد عصر النبوة، قالت: «لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني اسرائيل» رواه مسلم.
وهذا في زمن عائشة رضي الله عنها، وعهد النبوة قريب، فكيف بهذا الزمن؟! الذي كثر فيه الفساد، وظهر فيه التبرج وشاع فيه السفور، وقل فيه الورع، فلا حول ولا قوة إلا بالله.يقول ابن القيم رحمه الله: «ولا ريب ان تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما انه من أسباب فساد امور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة، ولما اختلط البغايا بعسكر موسى وفشت فيهم الفاحشة أرسل الله عليهم الطاعون فمات منهم في يوم واحد سبعون ألفاً».
 

اللامع

مشرف قدير سابق
27 فبراير 2007
3,495
6
38
الجنس
ذكر
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

بارك الله فيكِ وجزاكِ خيراً
 

محب أبو معاذ

مزمار ذهبي
15 أكتوبر 2008
990
12
0
الجنس
ذكر
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

بارك الله فيكي أختي الكريمة
 

الشعلان

رئيس مجلس إدارة الشبكة
إدارة المنتدى
14 مايو 2005
7,762
501
83
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

جاري تحميل صلوات الفجر

شكرا جزيلا لك
 

الجنرال

مشرف سابق
27 مايو 2007
7,082
29
48
الجنس
ذكر
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

مشكورين وبارك الله فيكم
 

سائر في درب الحياة

مزمار فعّال
22 أغسطس 2008
125
0
0
الجنس
ذكر
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

جزاك الله خير الجزاء

جعله الله في ميزان حسناتك
 

بنت ابيها

مزمار داوُدي
6 فبراير 2007
6,560
11
0
الجنس
أنثى
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

اختي الكريمه

هل من الممكن ان نجد عندك مقاطع وتلاوات للشيخ من الفروض والصلوات العادية

لان قراءته في اوقات الفروض تختلف تماما عن قراءته في صلاة التراويح

بصراحه لما كنت بالمدينة وقت المنع المفروض على الشيخ علي الحذيفي وكان وقتها الشيخ عبد الباري هو من يصلي العشاء ... بصراحه كان يقرأ بإبداع
فهو القارئ السعودي الوحيد الذي يقرأ بمقام الجهركاه في تلك الصلوات
ان شاء الله في القريب راح اوفرها لكم .
 

المزمار الحمدي

مشرف قدير سابق
3 مارس 2005
3,672
21
0
الجنس
ذكر
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

ربي يعطيك الف عافية اختي غرسه أمل ياملكة نوادر الشيخ

والله محتاجها
لاني بحثت عنها بالنت وماوجدتها
تحياتي لك
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -


http://www.servimg.com/image_preview.php?i=536&u=12843405



خطبة عيد الأضحى 1423هـ - الثبيتي
-----------------------

عبد الباري بن عوض الثبيتي
المدينة المنورة
10/12/1423
المسجد النبوي
-
-
-------------------------
ملخص الخطبة
1- فرحة المسلمين بالعيد. 2- العيد يمثل وسطية الإسلام. 3- العيد فرصة للتآخي والتصافي. 4- ضرورة تقوية بناء الأمة من الداخل. 5- العيد فرصة لتذكر الموت. 6- فرح العيد عبادة. 6- العيد يوم الابتلاء. 7- العيد يوم التضحية. 8- مشروعية الأضحية والحكمة منها وبيان بعض أحكامها.
-------------------------
الخطبة الأولى
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كلَّما أحرَموا من الميقات، وكلَّما لبَّى الملبّون وزيدَ في الحسنات، الله أكبر كلمَا دخلوا فجاجَ مكة آمنين، وكلَّما طافوا بالبيت الحرام وسعوا بين الصفا والمروة ذاكرين الله مكبّرين.
عندما يقبِل العيدُ تشرِق الأرضُ في أبهى صورَة، ويبدو الكونُ في أزهى حللِه، كلّ هذه المظاهر الرائعةِ تعبيرٌ عن فرحةِ المسلمين بالعيد، وهل أفرحُ للقلب من فرحةٍ نال بها رضا ربّ العالمين لِما قدّمه من طاعةٍ وعمل وإحسان.
سرورُ المسلم بسعيه وكدحه وفرحتُه بثمرة عمله ونتاج جهدِه من الأمورِ المسلّم بها، بل إنَّ أهلَ الآخرة وطلابَ الفضيلة لأشدّ فرحاً بثمرة أعمالهم مع فضل الله الواسع ورحمته الغامرة، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].
وحُقّ للمؤمن أن يفرحَ ويتهللّ عقِب عشرٍ مباركة عظيمةٍ من شهر ذي الحجَّة صام فيها وقامَ وأذاب الجسمَ في مواطِن الخير ومسالك الجدّ ووجوه العملِ الصالح.
يقعُ هذا العيدُ شكراً لله تعالى على العبادات الواقعة في شهر ذي الحجة، وأعظمُها إقامة وظيفةِ الحجّ، فكانت مشروعيةُ العيد تكملةً لما اتّصل وشكراً لله تعالى على نعمِه التي أنعمَ الله بها على عباده، وتكريمٌ من الله لجميع المسلمين بأن جعلَ لهم عقبَ الأعمال الصالحة وعقبَ يومِ عرفَة عيدَ الأضحى. إظهارُ الفرح والسرور في العيدين مندوبٌ ومن شعائر هذا الدين الحنيف.
يومُ العيد يمثّل وسطيّةَ الدين، بهجة النفس مع صفاء العقيدة، إيمان القلب مع متعة الجوارح. العيدُ في حساب العمر وجريِ الأيام والليالي أيامٌ معدودة معلومَة، ومناسبةٌ لها خصوصيّتها، لا تقتصر الفرحةُ فيه على المظاهر الخارجيّة، لكنّها تنفذ إلى الأعماق وتنطلق إلى القلوب، فودِّع الهمومَ والأحزان، ولا تحقد على أحد من بني الإنسان، شاركِ الناسَ فرحتَهم، أقبِل على الناس، واحذَر ظلمَهم والمعصيةَ، فليس العيدُ لمن لبس الجديدَ، إنما العيد لمن خاف يومَ الوعيد.
إنَّها فرحةٌ تشمَل الغنيَّ والفقير، ومساواةٌ بين أفرادِ المجتمع كبيرِهم وصغيرِهم، فالموسرون يبسطون أيديَهم بالجود والسخاء، وتتحرَّك نفوسهم بالشفقة والرحمة، وتسري في قلوبهم روحُ المحبّة والتآخي، فتذهب عنهم الضغائن وتسودُهم المحبّة والمودة.
في العيد ـ عباد الله ـ تتصافى القلوب، وتتصافَح الأيدي، ويتبادَل الجميعُ التهانيَ. وإذا كان في القلوب رواسبُ خصامٍ أو أحقاد فإنها في العيد تُسلُّ فتزول، وإن كان في الوجوه العبوسُ فإنَّ العيدَ يدخل البهجةَ إلى الأرواح والبسمةَ إلى الوجوه والشِّفاه، كأنَّما العيد فرصةٌ لكلّ مسلمٍ ليتطهَّر من درن الأخطاء، فلا يبقى في قلبِه إلا بياضُ الألفة ونور الإيمان، لتشرق الدنيا من حوله في اقترابٍ من إخوانه ومحبِّيه ومعارفِه وأقاربِه وجيرانه.
إذَا التقى المسلمان في يوم العيد وقد باعدت بينهما الخلافاتُ أو قعدت بهما الحزازات فأعظمُهما أجراً البادئ أخاه بالسلام.
في هذا اليوم ينبغي أن ينسلخَ كلّ إنسان عن كبريائه، وينسلخَ عن تفاخرِه وتباهيه، بحيث لا يفكّر بأنّه أغنى أو أثرى أو أفضل من الآخرين، وبحيث لا يتخيّل الغنيّ مهما كثُر مالُه أنّه أفضلُ من الفقير.
بناءُ الأمة الداخلي ـ عباد الله ـ قاعدةُ كلّ بناءٍ واستقرار وانطلاقٍ حضاريّ، والعيدُ مناسبة لتغذيةِ هذا البناء، بتحقيق مقتضياتِ الأخوّة، صفاء للنفس، الترابط بين الإخوة، زرع الثقة بين أفراد الأمة صغيرِها وكبيرِها. بناءُ الأمة داخلياً مطلبٌ مُلِحٌّ وعنصر رئيس في مفردات معاني القوّة التي تنشدها الأمّة اليوم لتقيَ أبناءها موجاتِ فتنٍ هائجة وتياراتِ محنٍ سائرة تكاد تعصف بل كادت تعصف بالعالم المعاصر.
أعظمُ البلاء أن تؤتَى الأمةُ من داخلها، ويُنخَر جسدها، فلا تقوى على مقاومةِ الرياح العاتية، قال تعالى: وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46]، والقرآن يوضِّح لنا بجلاءٍ ما الذي أصابَ ويصيبُ الأمة
قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَاذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، قل: هو من عند أنفسكم، ضعفٌ في الإيمان، هجرٌ للقرآن، تضييعٌ لآكد أركانِ الإيمان الصلاة، منعُ الزكاة، تراشقٌ بالتهَم بين المسلمين، حبُّ الدنيا، فشوّ المعاصي، ضعفُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تعالمُ الغلمان، تصدّر الأقزام، تقاطعٌ وتدابر، تشاحن وسوءُ ظن، إلى غير ذلك من الأجواء التي يحيط بها من نوّر الله بصيرتَه وطَهّر سريرته، قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِى الأرْضِ أَقَامُواْ الصلاةَ وَاتَوُاْ الزكاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ [الحج:41].
العيد ـ عباد الله ـ مناسبةٌ للمراجعة الصادقة مع النفس، نتأمَّل فيها حكمةَ الله في قضائه، نتأمَّل قدرتَه وحكمَ آجاله، نتذكَّر إخوةً لنا أو أصدقاءَ أو أقرباءَ كانوا معنا في أعيادٍ مضت، كانوا ملءَ السمع والبصر اخترمتهم المنون، فندعو لهم بالرحمة والمغفرة والرضوان.
لم يكن فرحُ المسلمين في أعيادهم فرحَ لهوٍ ولعب، تُقتحَم فيه المحرَّمات، وتنتَهَك الأعراض، وتشرَّد فيه العقول أو تُسلَب، إنما هو فرحٌ تبقى معه المعاني الفاضلةُ التي اكتسبَها المسلمُ من العبادة، وليسَ كما يظنّ بعضُهم أنَّ غيرةَ اللهِ على حدودِه ومحارمِه في مواسمَ محدّدةٍ ثم تُستبَاح المحرَّمات.
إنَّ يومَ العيد ليسَ تمرّداً من معنى العبوديّة وانهماكاً في الشهوات، كلاَّ، إنَّ من يفعل هذا لا يتمثّل معنى العيدِ بصفائه ونقائه، بل هو في غمٍّ وحزن وخسارة، ذلك أن يومَ العيد هو يومُ طاعة ونعمةٍ وشكر، قال تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
عباد الله، في العيد نسترجع إلى ذاكرتنا معانيَ كثيرةً، وتُرسم أمام أعينِنا صورةُ ذلك النبي الكريم إبراهيم عليه السلام وهو يقود ابنه وفلذة كبده إسماعيل لينحرَه قرباناً لله تعالى، أيُّ امتثال عظيم، وأيُّ طاعة عميقة، وأيُّ يقينٍ مثبت، ذلك الذي تغلّب على مشاعرِ الأبوّة الفطرية، وانطلق وهو مثبت الجنان غيرَ متردِّد ولا كارِه لينفّذَ أمرَ الله: إِنّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى. ثمّ أيُّ استسلامٍ للقدر، وأيُّ رضا به، ذلك الذي جعل إسماعيلَ يقول لوالده: افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102].
إنها ـ عباد الله ـ الطاعة، وإنه الإيمان في أبهى نماذجِه وأوفرِ عطائه.
إنَّ يومَ النحرِ يعيد إلى خواطرنا هذه المواقفَ العظيمة، فهو يومُ الاختبار والابتلاء الذي نجح فيه إبراهيمُ وإسماعيل أيّما نجاح.
يؤكِّد يومُ النحر معنى التضحيةِ إثباتاً للإيمان ودليلاً على العبودية، فالطاعةُ دليلُها التضحية، والإيمان لا يُعرَفُ مداه حتّى يوضَع على المحكّ، سنّة الله في خلقه، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله مدبّرِ الأحوال، أحمده سبحانه وأشكره في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تفرّد بالعظمة والجلال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أكرمه الله بأفضل الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دامت الأيام والليال.
أما بعد: فالأضحية ـ عباد الله ـ مشروعة بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع علماء المسلمين، وبها يشارك أهلُ البلدان حجاجَ البيت في بعض شعائر الحجّ، فالحجاج يتقرّبون إلى الله بذبح الهدايا، وأهلُ البلدان يتقرّبون إليه بذبح الضحايا، وهذا من رحمة الله بعباده، فضحُّوا ـ أيها المسلمون ـ عن أنفسكم وعن أهليكم تعبّداً لله تعالى وتقرّبا إليه واتباعاً لسنة رسوله .
والواحدةُ من الغنم تجزئ عن الرجل وأهلِ بيتِه الأحياءِ والأموات، والسُّبع من البعير أو البقرة يجزئ عما تجزِئ عنه الواحدة من الغنم، فيجزئ عن الرجل وأهلِ بيتِه الأحياءِ والأموات. ومن الخطأ أن يضحِّيَ الإنسان عن أمواتِه من عند نفسه ويترك نفسَه وأهلَه الأحياء.
ولا تجزئ الأضحيةُ إلا من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم ضأنُها ومعزها لقوله تعالى: وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ [الحج:34].
ولا تجزئ الأضحيةُ إلا بما بلغ السنَّ المعتبرَ شرعاً، وهي ستةُ أشهر في الضأن، وسنة في المعز، وسنتان في البقر، وخمسُ سنوات في الإبل، فلا يضحَّى بما دون ذلك لقول النبي : ((لا تذبحوا إلا مسنّة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن)) أخرجه مسلم].
ولا تجزئ الأضحيةُ إلا بما كان سليماً من العيوب التي تمنَع من الإجزاء، فلا يُضحَّى بالعوراء البيّنِ عورها، وهي التي نتأت عينُها العوراء أو انخسفت، ولا بالعرجاء البيِّنِ ظلعها، وهي التي لا تستطيع المشيَ مع السليمة، ولا بالمريضة البيّنِ مرضُها، وهي التي ظهرت آثارُ المرض عليها، بحيث يَعرف من رآها أنها مريضة من جرب أو حمّى أو جروح أو غيرها، ولا بالهزيلة التي لا مخّ فيها لأنّ النبي سئل: ماذا يُجتنب من الأضاحي؟ فأشار بيده وقال: ((العوراءُ البيّن عورُها، والمريضةُ البيّن مرضُها، والعرجاءُ البيّن ظلعها، والكسيرة التي لا تنقي)) أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد
ولا تذبَحوا ضحاياكم إلا بعد انتهاءِ صلاة العيد وخطبتِها، واذبحوا ضحاياكم بأنفسكم إن أحسنتم الذبح، وقولوا: "بسم الله، والله أكبر"، وسمّوا من هي له عند ذلك اقتداءً بالنبي ، فإن لم تحسِنوا الذبحَ فاحضروه فإنه أفضلُ لكم وأبلغ في تعظيم الله والعناية بشعائره، قال الله تعالى: وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَالهكُمْ اله واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشّرِ الْمُخْبِتِينَ [الحج:34].
ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال:إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -



%20الله%20الرحمن%20الرحيم4.bmp









خطبة المسجد النبوي 15 رجب 1429هـ ، الشيخ عبد الباريء الثبيتي


الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله الذي جعلنا من خير أمَّةٍ، أحمده سبحانه وأشكره في السرَّاء والضرَّاء وفي كل مُلِمَّة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خير عونٍ في كل مدلهمَّة، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبده ورسوله جاء بعد أمَّة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
رسولنا الكريم محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - أدَّى الأمانة، ونصح الأمَّة، وجاهد في الله حقَّ جهاده. أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، وهدانا به إلى الصراط المستقيم.
أخرج الإمام أحمد والنَّسائي عن أبي طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - قال: أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا طيِّب النَّفْس، يُرى في وجهه البِشْر! قالوا: يا رسول الله، أصبحتَ اليوم طيِّب النَّفْس، يُرى في وجهك البِشْر! قال: ((أجل؛ أتاني آتٍ من ربِّي - عزَّ وجلَّ - فقال: مَنْ صلَّى عليكَ من أمَّتك صلاةً؛ كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيِّئات، ورفع له عشر درجات، وردَّ عليه مثلها)).
أولى الناس بشفاعته، وأحقُّهم بتقديره، وأخصُّهم بعنايته يوم القيامة - أكثرهم صلاةً عليه، الذين يعملون بشريعته، ويتمسَّكون بسنَّته، ويُكثرون من الصَّلاة عليه - صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث ابن مسعود رفعه: ((إنَّ أولى الناس بي يوم القيامة: أكثرُ الناس عليَّ صلاةً)).
ربنا تبارك وتعالى في عظمته وكبريائه، وملائكته في أرضه وسمائه - يصلُّون على النبيِّ الأميِّ؛ إجلالاً لقدره، وتعظيمًا لشأنه، وإظهارًا لفضله. ونحن المؤمنون نصلِّي على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - امتثالاً لأمر الله؛ قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
أخرج الإمام أحمد وابن ماجه بإسنادٍ حسن، عن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب ويقول: "مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً؛ لم تزل الملائكة تصلِّي عليه ما صلَّى عليَّ! فلْيُقِلَّ عبدٌ من ذلك أو ليُكْثِر)).
الإكثار من الصلاة على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيها غفران الزلاَّت، وتكفير السيِّئات، وإجابة الدَّعوات، وقضاء الحاجات، وتفريج الكُرُبات، وحلول الخيرات والبركات، منجيةٌ من الشرور والآفات، وفيها القيام ببعض حقِّه، وتنمية محبَّته في القلب، وهي من أسباب الهداية إلى صراطٍ مستقيم.
الصلاة على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يفتح الله بها أبواب رحمته، والصلاة عليه تشرح الصدر وتزيل الهمَّ، وترفع مقام العبد؛ فيصير بها إلى الدرجات العُلى.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله تبارك وتعالى مَلَكًا أعطاه أسماء الخلائق؛ فهو قائمٌ على قبري إذا متُّ، فليس أحدٌ يصلِّي عليَّ أحدٌ صلاةً إلا قال: يا محمد، صلَّى عليك فلان بن فلان)). قال: ((فيصلِّي الربُّ - تبارك وتعالى - على ذلك الرجل بكل واحدةٍ عشرًا)).
وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلُّ دعاءٍ محجوبٍ حتى يُصلَّى على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -)).
وعن فَضالة بن عُبيدٍ قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا إذ دخل رجلٌ فصلى فقال: اللهم اغفر لي وارحمني؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عَجِلْتَ أيُّها المصلِّي! إذا صلَّيْتَ فقعدتَ، فاحمد الله بما هو أَهْلُه، وصلِّ عليَّ، ثم ادعُه)). قال: ثم صلَّى رجلٌ آخر بعد ذلك، فحمد الله وصلَّى على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((أيُّها المصلِّي، ادعُ تُجَبْ))؛ رواه أحمد وأبو داود.
وفي حديث أُبيِّ بن كعب قال: يا رسول الله، إني أُكثر عليك، فكَمْ أجعل لك من صلاتي؟ قال: ((ما شئتَ))، قال: قلتُ: الرُّبُع؟ قال: ((ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لكَ)). قلتُ: النِّصفُ؟ قال: ((ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لكَ)). قال: قلتُ: فالثُلُثَيْن؟ قال: ((ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لكَ)). قال: قلتُ: أجعل لك صلاتي كلَّها؛ قال: ((إذًا تُكفى همُّكَ، ويُغفر لك ذنبُكَ))؛ أخرجه أحمد وغيره.
قوله: "أجعلُ لك صلاتي كلَّها"؛ أي: أصرفُ بصلاتي عليك جميع الذي ما كنتُ أدعو به لنفسي. وقوله: ((إذًا تُكفى همُّكَ))؛ يعني: إذا صرفتَ جميع أزمان دعائك في الصلاة عليَّ؛ أُعطيتَ خيرا الدنيا والآخرة.. ((إذًا تُكفى همُّكَ ويُغفر لك ذنبُكَ)).
في هذين الخصلتين جماع خير الدنيا والآخرة، فإن من كفاه الله همَّه سَلِمَ من مِحَن الدُّنيا وعوارضها؛ لأن كلَّ محنةٍ لابدَّ لها من تأثير الهمِّ وإن كانت يسيرة، ومَنْ غفر الله ذنبه سَلِمَ من مِحَن الآخرة؛ لأنه لا يُنفق فيها العبد إلا ذنوبه.
ومَنْ ذُكر عنده النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثم لم يصلِّ عليه؛ فهو الكامل في البخل؛ لأنه بخل بما لا نقص عليه فيه ولا مؤونة، وفي الحديث: ((البخيل مَنْ ذُكِرْتُ عنده ثمَّ لم يصلِّ عليَّ))؛ أخرجه التِّرمذي والنَّسائي، وفي الحديث: ((رَغِمَ أنفُ رجلٍ ذُكِرْتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ))؛ أخرجه التِّرمذي.
أما كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
فقد بيَّنها في رواياتٍ كثيرة، ومنها حين سأله الصحابة عن ذلك فقال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد عبدك ورسولك، كما صلَّيْتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم)) وفي رواية ((قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيدٌ. اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيدٌ))؛ أخرجه البخاري.
ومعنى صلاة الله على نبيِّه:
الثناء على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والعناية به، وإظهار شرفه وفضله وحرمته. وصلاتنا على نبِّينا - صلى الله عليه وسلم - تعني: أننا نطلب من الله الزِّيادة في ثناءه على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم.
التسليم: معناه السلام، الذي هو اسمٌ من أسماء الله، ومعنى التسليم: لا خَلَوْتَ يا محمد من الخيرات والبركات، وسَلِمْتَ من المكاره والآفات. فعندما نقول: اللهم سلِّم على محمد؛ فإنها تعني: اللهم اكتب لمحمدٍ في دعوته وأمَّته وذِكْرِه السلامة من كلِّ نقص، فيزداد على مرِّ الأيام علوًّا، وتزداد أمَّته تكاثرًا، ويزداد ذِكْره ارتفاعًا.
روى النَّسائي عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن لله ملائكةً سيَّاحين في الأرض، يبلغوني من أمَّتي السَّلام))؛ رواه أحمد والنَّسائي والحاكم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
وإذا صلَّى المسلم على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على أحدهما؛ فلا يَقُلْ: "صلَّى الله عليه" فقط، ولا: "عليه السَّلام" فقط.
ولا ينبغي أن ترمز للصلاة كما يفعله بعضهم؛ فيكتبون حروفًا مختصرة بدلاً من (صلى الله عليه وسلم).
وليُحْذَر ممَّا يفعله بعضهم؛ وهو أنهم يصلُّون على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذا أرادوا أن يُفسَح لهم في الطريق: "صلُّوا على النبيِّ محمد - صلى الله عليه وسلم –" ونحو ذلك! وقد قال علماؤنا - رحمهم الله -: إن الصلاة على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا تكون إلا على سبيل التعبُّد والتقرُّب.
وقال العلماء في الرَّجل يقول عند التعجُّب من الشيء "صلى الله عليه وسلم": إن ذلك مكروهٌ، ويُكره للتاجر أن يصلِّي على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في عرض السِّلعة وهو يقول: "صلى الله تعالى عليه وسلَّم.. ما أجود هذا"! بخلاف ما لو صلَّى مذكِّرًا بتشديد كلامه؛ لأن البائع يأخذ لصلاته حُطامًا دنيويًّا.
ولا تُشترط للصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلةٌ كاملة، أو ساعاتٌ كثيرةٌ من ليلٍ أو نهار، وإنما المعول عليه: صدق الالتجاء إلى الله، وحسن الظَّنِّ به، والثِّقة التَّامة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذًا تُكفى همُّكَ، ويُغفَر لكَ ذنبُكَ)).
والصلاة على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت مشروعة بكل حالٍ، وإن كانت مشروعيتها تتأكَّد يوم الجمعة - فعن أوس بن أوسٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلِقَ آدم، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفْخَة، وفيه الصَّعْقَة. فأكثِروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضةٌ عليَّ)).

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيْتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيدٌ. وبارك اللهم على محمدٍ وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الآل والصَّحْب الكرام، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الكفر والكافرين، ودمِّر اللهم أعدائك أعداء الدين، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم إنَّا نسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغِنى، اللهم إنَّا نسألك رضوانك والجنة، ونعوذ بك اللهم من سخطك ومن النار.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كلِّ شرٍّ يا رب العالمين.
اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين، اللهم مَنْ أرادنا وأراد هذه البلاد أو أراد بلاد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين يا رب العالمين.
اللهم أَعِنَّا ولا تُعِنْ علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسِّر الهدى لنا، وانصرنا على مَنْ بغى علينا.
اللهم اجعلنا لك ذاكرين، لك شاكرين، لك مُخْبِتين، لك أوَّابين منيبين، اللهم تقبَّل توبتنا، واغسل حَوْبَتنا، وسدِّد ألسنتنا، واسلل سخيمة قلوبنا.
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].
اللهم وفِّق إمامنا بتوفيقك، وأيِّده بتأيدك، اللهم وفِّقه لهداك، واجعل عمله في رضاك يا رب العالمين. اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك يا رب العالمين.
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].
{رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نِعَمِه يَزِدْكم، ولَذِكْرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
user_offline.gif
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

الشيخ عبدالباري الثبيتي : من سورة يونس , الحرم المكي , 1410هـ



تلاوة مشتركة لسورة القصص للشيخيين الشريم والثبيتي :
حفظ باسم :



الأنفال والتوبة من صلاة التهجد بالمسجد الحرام عام 1412هـ
الشيخ سعود الشريم - الشيخ عبدالباري الثبيتي -
وفيها قراءة جميلة جداً من أجمل قراءات الشيخ عبدالباري الثبيتي في سورة الأنفال



وهذه مرفوعه في موقع صحارى الاسلامي :
http://www.sohari.com/nawader_t/mosh...anfal-1412.ram
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

يوسف بن سليمان

مزمار داوُدي
10 أغسطس 2008
9,134
541
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
ياسر الدوسري
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

الله يجزاك الجنة
 

الجنرال

مشرف سابق
27 مايو 2007
7,082
29
48
الجنس
ذكر
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

آتمنى منكٍ ـختي الكريمه جمع التلاوات في الصفحة الاولي حتي يسهل على الجميع تحميل المقاطع

وبارك الله فيكم
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

خطبة عيد الأضحى 1423هـ - الثبيتي
-----------------------

عبد الباري بن عوض الثبيتي


المدينة المنورة
10/12/1423
المسجد النبوي
-
-
-------------------------
ملخص الخطبة
1- فرحة المسلمين بالعيد. 2- العيد يمثل وسطية الإسلام. 3- العيد فرصة للتآخي والتصافي. 4- ضرورة تقوية بناء الأمة من الداخل. 5- العيد فرصة لتذكر الموت. 6- فرح العيد عبادة. 6- العيد يوم الابتلاء. 7- العيد يوم التضحية. 8- مشروعية الأضحية والحكمة منها وبيان بعض أحكامها.
-------------------------
الخطبة الأولى
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كلَّما أحرَموا من الميقات، وكلَّما لبَّى الملبّون وزيدَ في الحسنات، الله أكبر كلمَا دخلوا فجاجَ مكة آمنين، وكلَّما طافوا بالبيت الحرام وسعوا بين الصفا والمروة ذاكرين الله مكبّرين.
عندما يقبِل العيدُ تشرِق الأرضُ في أبهى صورَة، ويبدو الكونُ في أزهى حللِه، كلّ هذه المظاهر الرائعةِ تعبيرٌ عن فرحةِ المسلمين بالعيد، وهل أفرحُ للقلب من فرحةٍ نال بها رضا ربّ العالمين لِما قدّمه من طاعةٍ وعمل وإحسان.
سرورُ المسلم بسعيه وكدحه وفرحتُه بثمرة عمله ونتاج جهدِه من الأمورِ المسلّم بها، بل إنَّ أهلَ الآخرة وطلابَ الفضيلة لأشدّ فرحاً بثمرة أعمالهم مع فضل الله الواسع ورحمته الغامرة، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].
وحُقّ للمؤمن أن يفرحَ ويتهللّ عقِب عشرٍ مباركة عظيمةٍ من شهر ذي الحجَّة صام فيها وقامَ وأذاب الجسمَ في مواطِن الخير ومسالك الجدّ ووجوه العملِ الصالح.
يقعُ هذا العيدُ شكراً لله تعالى على العبادات الواقعة في شهر ذي الحجة، وأعظمُها إقامة وظيفةِ الحجّ، فكانت مشروعيةُ العيد تكملةً لما اتّصل وشكراً لله تعالى على نعمِه التي أنعمَ الله بها على عباده، وتكريمٌ من الله لجميع المسلمين بأن جعلَ لهم عقبَ الأعمال الصالحة وعقبَ يومِ عرفَة عيدَ الأضحى. إظهارُ الفرح والسرور في العيدين مندوبٌ ومن شعائر هذا الدين الحنيف.
يومُ العيد يمثّل وسطيّةَ الدين، بهجة النفس مع صفاء العقيدة، إيمان القلب مع متعة الجوارح. العيدُ في حساب العمر وجريِ الأيام والليالي أيامٌ معدودة معلومَة، ومناسبةٌ لها خصوصيّتها، لا تقتصر الفرحةُ فيه على المظاهر الخارجيّة، لكنّها تنفذ إلى الأعماق وتنطلق إلى القلوب، فودِّع الهمومَ والأحزان، ولا تحقد على أحد من بني الإنسان، شاركِ الناسَ فرحتَهم، أقبِل على الناس، واحذَر ظلمَهم والمعصيةَ، فليس العيدُ لمن لبس الجديدَ، إنما العيد لمن خاف يومَ الوعيد.
إنَّها فرحةٌ تشمَل الغنيَّ والفقير، ومساواةٌ بين أفرادِ المجتمع كبيرِهم وصغيرِهم، فالموسرون يبسطون أيديَهم بالجود والسخاء، وتتحرَّك نفوسهم بالشفقة والرحمة، وتسري في قلوبهم روحُ المحبّة والتآخي، فتذهب عنهم الضغائن وتسودُهم المحبّة والمودة.
في العيد ـ عباد الله ـ تتصافى القلوب، وتتصافَح الأيدي، ويتبادَل الجميعُ التهانيَ. وإذا كان في القلوب رواسبُ خصامٍ أو أحقاد فإنها في العيد تُسلُّ فتزول، وإن كان في الوجوه العبوسُ فإنَّ العيدَ يدخل البهجةَ إلى الأرواح والبسمةَ إلى الوجوه والشِّفاه، كأنَّما العيد فرصةٌ لكلّ مسلمٍ ليتطهَّر من درن الأخطاء، فلا يبقى في قلبِه إلا بياضُ الألفة ونور الإيمان، لتشرق الدنيا من حوله في اقترابٍ من إخوانه ومحبِّيه ومعارفِه وأقاربِه وجيرانه.
إذَا التقى المسلمان في يوم العيد وقد باعدت بينهما الخلافاتُ أو قعدت بهما الحزازات فأعظمُهما أجراً البادئ أخاه بالسلام.
في هذا اليوم ينبغي أن ينسلخَ كلّ إنسان عن كبريائه، وينسلخَ عن تفاخرِه وتباهيه، بحيث لا يفكّر بأنّه أغنى أو أثرى أو أفضل من الآخرين، وبحيث لا يتخيّل الغنيّ مهما كثُر مالُه أنّه أفضلُ من الفقير.
بناءُ الأمة الداخلي ـ عباد الله ـ قاعدةُ كلّ بناءٍ واستقرار وانطلاقٍ حضاريّ، والعيدُ مناسبة لتغذيةِ هذا البناء، بتحقيق مقتضياتِ الأخوّة، صفاء للنفس، الترابط بين الإخوة، زرع الثقة بين أفراد الأمة صغيرِها وكبيرِها. بناءُ الأمة داخلياً مطلبٌ مُلِحٌّ وعنصر رئيس في مفردات معاني القوّة التي تنشدها الأمّة اليوم لتقيَ أبناءها موجاتِ فتنٍ هائجة وتياراتِ محنٍ سائرة تكاد تعصف بل كادت تعصف بالعالم المعاصر.
أعظمُ البلاء أن تؤتَى الأمةُ من داخلها، ويُنخَر جسدها، فلا تقوى على مقاومةِ الرياح العاتية، قال تعالى: وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46]، والقرآن يوضِّح لنا بجلاءٍ ما الذي أصابَ ويصيبُ الأمة قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَاذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، قل: هو من عند أنفسكم، ضعفٌ في الإيمان، هجرٌ للقرآن، تضييعٌ لآكد أركانِ الإيمان الصلاة، منعُ الزكاة، تراشقٌ بالتهَم بين المسلمين، حبُّ الدنيا، فشوّ المعاصي، ضعفُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تعالمُ الغلمان، تصدّر الأقزام، تقاطعٌ وتدابر، تشاحن وسوءُ ظن، إلى غير ذلك من الأجواء التي يحيط بها من نوّر الله بصيرتَه وطَهّر سريرته، قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِى الأرْضِ أَقَامُواْ الصلاةَ وَاتَوُاْ الزكاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ [الحج:41].
العيد ـ عباد الله ـ مناسبةٌ للمراجعة الصادقة مع النفس، نتأمَّل فيها حكمةَ الله في قضائه، نتأمَّل قدرتَه وحكمَ آجاله، نتذكَّر إخوةً لنا أو أصدقاءَ أو أقرباءَ كانوا معنا في أعيادٍ مضت، كانوا ملءَ السمع والبصر اخترمتهم المنون، فندعو لهم بالرحمة والمغفرة والرضوان.
لم يكن فرحُ المسلمين في أعيادهم فرحَ لهوٍ ولعب، تُقتحَم فيه المحرَّمات، وتنتَهَك الأعراض، وتشرَّد فيه العقول أو تُسلَب، إنما هو فرحٌ تبقى معه المعاني الفاضلةُ التي اكتسبَها المسلمُ من العبادة، وليسَ كما يظنّ بعضُهم أنَّ غيرةَ اللهِ على حدودِه ومحارمِه في مواسمَ محدّدةٍ ثم تُستبَاح المحرَّمات.

إنَّ يومَ العيد ليسَ تمرّداً من معنى العبوديّة وانهماكاً في الشهوات، كلاَّ، إنَّ من يفعل هذا لا يتمثّل معنى العيدِ بصفائه ونقائه، بل هو في غمٍّ وحزن وخسارة، ذلك أن يومَ العيد هو يومُ طاعة ونعمةٍ وشكر،
  1. قال تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
عباد الله، في العيد نسترجع إلى ذاكرتنا معانيَ كثيرةً، وتُرسم أمام أعينِنا صورةُ ذلك النبي الكريم إبراهيم عليه السلام وهو يقود ابنه وفلذة كبده إسماعيل لينحرَه قرباناً لله تعالى، أيُّ امتثال عظيم، وأيُّ طاعة عميقة، وأيُّ يقينٍ مثبت، ذلك الذي تغلّب على مشاعرِ الأبوّة الفطرية، وانطلق وهو مثبت الجنان غيرَ متردِّد ولا كارِه لينفّذَ أمرَ الله: إِنّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى. ثمّ أيُّ استسلامٍ للقدر، وأيُّ رضا به، ذلك الذي جعل إسماعيلَ يقول لوالده: افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102].
إنها ـ عباد الله ـ الطاعة، وإنه الإيمان في أبهى نماذجِه وأوفرِ عطائه.
إنَّ يومَ النحرِ يعيد إلى خواطرنا هذه المواقفَ العظيمة، فهو يومُ الاختبار والابتلاء الذي نجح فيه إبراهيمُ وإسماعيل أيّما نجاح.
يؤكِّد يومُ النحر معنى التضحيةِ إثباتاً للإيمان ودليلاً على العبودية، فالطاعةُ دليلُها التضحية، والإيمان لا يُعرَفُ مداه حتّى يوضَع على المحكّ، سنّة الله في خلقه، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله مدبّرِ الأحوال، أحمده سبحانه وأشكره في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تفرّد بالعظمة والجلال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أكرمه الله بأفضل الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دامت الأيام والليال.
أما بعد: فالأضحية ـ عباد الله ـ مشروعة بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع علماء المسلمين، وبها يشارك أهلُ البلدان حجاجَ البيت في بعض شعائر الحجّ، فالحجاج يتقرّبون إلى الله بذبح الهدايا، وأهلُ البلدان يتقرّبون إليه بذبح الضحايا، وهذا من رحمة الله بعباده، فضحُّوا ـ أيها المسلمون ـ عن أنفسكم وعن أهليكم تعبّداً لله تعالى وتقرّبا إليه واتباعاً لسنة رسوله .
والواحدةُ من الغنم تجزئ عن الرجل وأهلِ بيتِه الأحياءِ والأموات، والسُّبع من البعير أو البقرة يجزئ عما تجزِئ عنه الواحدة من الغنم، فيجزئ عن الرجل وأهلِ بيتِه الأحياءِ والأموات. ومن الخطأ أن يضحِّيَ الإنسان عن أمواتِه من عند نفسه ويترك نفسَه وأهلَه الأحياء.
ولا تجزئ الأضحيةُ إلا من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم ضأنُها ومعزها
لقوله تعالى: وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ [الحج:34].
ولا تجزئ الأضحيةُ إلا بما بلغ السنَّ المعتبرَ شرعاً، وهي ستةُ أشهر في الضأن، وسنة في المعز، وسنتان في البقر، وخمسُ سنوات في الإبل، فلا يضحَّى بما دون ذلك لقول النبي : ((لا تذبحوا إلا مسنّة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن)) أخرجه مسلم.
ولا تجزئ الأضحيةُ إلا بما كان سليماً من العيوب التي تمنَع من الإجزاء، فلا يُضحَّى بالعوراء البيّنِ عورها، وهي التي نتأت عينُها العوراء أو انخسفت، ولا بالعرجاء البيِّنِ ظلعها، وهي التي لا تستطيع المشيَ مع السليمة، ولا بالمريضة البيّنِ مرضُها، وهي التي ظهرت آثارُ المرض عليها، بحيث يَعرف من رآها أنها مريضة من جرب أو حمّى أو جروح أو غيرها، ولا بالهزيلة التي لا مخّ فيها لأنّ النبي سئل: ماذا يُجتنب من الأضاحي؟ فأشار بيده وقال: ((العوراءُ البيّن عورُها، والمريضةُ البيّن مرضُها، والعرجاءُ البيّن ظلعها، والكسيرة التي لا تنقي)) أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد.
ولا تذبَحوا ضحاياكم إلا بعد انتهاءِ صلاة العيد وخطبتِها، واذبحوا ضحاياكم بأنفسكم إن أحسنتم الذبح، وقولوا: "بسم الله، والله أكبر"، وسمّوا من هي له عند ذلك اقتداءً بالنبي ، فإن لم تحسِنوا الذبحَ فاحضروه فإنه أفضلُ لكم وأبلغ في تعظيم الله والعناية بشعائره، قال الله تعالى: وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَالهكُمْ اله واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشّرِ الْمُخْبِتِينَ [الحج:34].
ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
426bac6.jpg

 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

429bat9.jpg




خطبة الجمعة في المسجد النبوي بالمدينة النبوية


لفضيلة الشيخ : عبدالباري الثبيتي


بتاريخ : 16- 3-1422هـ

والتي تحدث فيها فضيلته عن : الترويح ومفهومه، والفراغ وهمومه


الحمد لله، الحمد لله الذي خلق النفس وبين حقها في الترويح، أحمده سبحانه وأشكره على كل خير وفضل وأسأله السلامة من كل فعل قبيح، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له في كل شيء آية ينطق بها هذا الكون الفسيح, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله دعا إلى الله وأنار لنا بهديه الطريق المستقيم الصحيح، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه عدد مَن نطق بهذا اللسان العربي الفصيح.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى، وتذكروا مصيركم، وانظروا ما قدمتم من أعمال، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، فإنها متاع الغرور، قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
عباد الله:
في مثل هذه الأيام من مواسم الإجازة، يُشغل كثير من الآباء والمربين بقضيتين هامتين، هما الترويح ومفهومه، والفراغ وهمومه.
وإذا قرأت حديث حنظلة الأُسيدي وقفت منبهرًا أمام شمول الإسلام والمنهج الشامل، فحنظلة من جيل حرص على أن يبقى يومه كلّه بل حياته كلها على أعلى مستويات الإيمان ودرجات الكمال، وظن أن المرح مع زوجه، وترويحه مع ولده، وبسمته ومداعبته تنافي منهج العبودية وإعلان الاستسلام المطلق لله تبارك وتعالى، يقول له أبو بكر: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله ، يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله، إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله ، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، قال: قال رسول الله : ((وما ذاك؟)) قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا، فقال رسول الله : ((والذي نفسي بيده، إن كنتم تدومون على ما تكونون وفي وقت الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ـ )) ثلاث مرات أخرجـه مسلم.
عباد الله:
إن المراوحة في الأشياء، تزيل التعب والإرهاق، وتجدد النشاط، وتقوي على العمل، وتزيد الطاقة والإنتاج، وليس معنى قوله : ((ساعة وساعة)) أن يقطع المسلم يومه لهوًا ولعبًا، ويَشغل الأوقات بالعبث والمجون، أو بالعكوف على أفلام ومجلات خليعة، تثير الغرائز، وتفسد القلوب.
قال عمر بن عبد العزيز: (لا بأس على المسلم أن يلهو ويمرح ويتفكه، على أن لا يجعل ذلك عادته وخلقه، فيهزِل في موضع الجد، ويعبث ويلهو في وقت العمل).
وكان عبد الله بن مسعود يقول: (وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي يتخولنا بها مخافة السآمة علينا).
والتخول هو التحول من حال إلى حال، لكن الفهوم السقيمة تتكئ على هذه النصوص لتضيّق ساعة الذكر والجد والحزم، وتوسّع ساعة الترويح واللهو، فَتَهْجُرَ مجالس العلم والوعظ إلا قليلاً.
قد ينقدح في بعض الأذهان عند الحديث عن الترويح أنه سلوك بلا ضوابط، وممارسة بلا منهج، وتعدٍ على حدود الشرع، فيمارسون الترويح بأي وسيلة، دون تقيّد بِحِلّ أو حرمة أو فضيلة.
وهنا لا بدّ أن نستقرئ ترويح السلف الصالح، لنتبين منهجهم في هذا الميدان:
هذا ابن مسعود رضي الله عنه يبين أهمية الترويح بقوله: (أغيثوا القلوب، فإن القلب إذا أُكره عمي).
ويقول علي رضي الله عنه: (أَجِمُّوا هذه القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكمة، فإنها تملّ كل تملّ الأبدان).
قال أبو الدرداء: (إني لأستجم قلبي من اللهو المباح، ليكون أقوى لي على الحق).
إذا قررنا أن الترويح سلوك قائم في حياة الرعيل الأول، فلنا أن نتساءل: لماذا يمارسون الترويح؟ هل هو انعكاس لمعاناة من فراغ، أو شعور بالسآمة والملل؟! كلا وحاشا، لقد كان ترويحهم ترويضًا للنفس حتى تتهيأ للجد، وكسبًا لنشاط أقوى، وهمة أعلى، لتحقيق الغاية من خلق الإنسان، وهي عبادة الله تبارك وتعالى.
لم يكن الترويح في حسهم غاية يسعون لبلوغها، أو هدفًا لذاته يبذلون في سبيله الأوقات والأموال.
تفرز ممارسات الترويح المعاصر ذوبان الشخصية، وتمييع أحكام الشرع، وسلوكيات لا تقرها من تفاهة وانحلال.
وهذا نتاج المفهوم المعاصر للترويح، كونهم جعلوا الترويح هدفًا لذاته وغاية.
أما الترويح كما فهمه الرعيل الأول، فهو وسيلة سامية تخدم مصالح ومقاصد عالية، تُبنَى في ظلها سمات الشخصية، تُقوَّى الأجساد، تُهذَّب الأخلاق، تُدِّرب على الرجولة والجد، تفتح آفاقًا من العلم والعمل، مسابقة بالأقلام، مصارعة لتربية الأجسام، تحفيز على تعلّم الرمي. سابق رسول الله أصحابه، كما سابق عائشة، صارع رسول الله رُكانة فصرعه النبي، وكان ذلك سببًا في إسلام ركانة، وخرج رسول الله على قوم مِن أسلم يتناضلون في السوق فقال: ((ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميًا)) أخرجه البخاري.
ويقول عمر بن عبد العزيز: (تحدثوا بكتاب الله، وتجالسوا عليه، وإذا مللتم فحديث من أحاديث الرجال حسنٌ جميل).
إخوة الإسلام:
إن الترويح الذي مارسه الرعيل الأول ليس عبثا، بل ترويح تترتب عليه مصالح وفوائد، لا يتضمن سُخرية بالآخرين ولمزًا بالمسلمين، ولا غيبة ونميمة، لا يتضمن كذبًا وافتراءً، ذلك أن الترويح الذي لا منفعة فيه دنيوية ولا أخروية، يُضيِّع عمر الإنسان بما لا فائدة فيه.
ليس من الترويح المباح التجول في الشوارع والأسواق، وتتبع العوار، والجلوس في المقاهي والشوارع والطرقات، الترويح في الإسلام ليس كأي ترويح، بل يجب أن يكون بريئًا من كل إسفاف، أو خروج على الأخلاق الإسلامية، محفوظًا عن اختلاط الرجال بالنساء، والنظرة المحرمة، أو أي ذريعة لمخالفة شرعية أكبر.
يقرر سلف الأمة أن النفس لها إقبال وإدبار، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن للقلوب شهوة وإقبالاً، وفترة وإدبارًا، فخذوها عند شهواتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها).
لكنهم لا يسمحون للنفس وقت ترويحها أن تفرط في حقوق الله، فلا ترويح في أوقات الصلوات، فهذا اعتداء على حقوق الله، ولا ترويح في أوقات العمل، فهذا اعتداء على حقوق الناس.
الترويح في حياة أمة الإسلام ليس هو كل شيء في حياتها، تصبح وتمسي عليه، وإنما هو ترويح بقدر، لئلا يزحف على الأعمال الجادة، والواجبات الأخرى، ولأن عمر الإنسان أغلى وأسمى من أن تُضيَّع أيامه بين لهو عابث، وعبث باطل، ولهذا ثبت من فعل أصحاب النبي أنهم كانوا يتبادحون -أي يترامون- بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال.
وعن [أبي] سلمة بن عبد الرحمن قال: (لمن يكن أصحاب رسول الله منحرفين ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون الأشعار في مجالسهم، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم على شيء من دينه دارت حماليق عينيه).
كان رسول الله يمزح ويداعب؛ جاءته امرأة عجوز تقول: يا رسول الله، ادع الله لي أن يدخلني الجنة، فقال لها: ((يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز))، وانزعجت المرأة وبكت، ظنًا منها أنها لن تدخل الجنة، فلما رأى ذلك منها، بيّن لها غرضه أن العجوز لن تدخل الجنة عجوزًا، بل يبعثها الله خلقًا آخر، فتدخلها شابة بكرًا، وتلا قول الله تعالى: إِنَّا أَنشَأْنَـٰهُنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَـٰهُنَّ أَبْكَـٰراً عُرُباً أَتْرَاباً [الواقعة: 25 ـ 27].
وجاءته امرأة في حاجة لزوجها، فقال لها: ((من زوجك؟)) فقالت: فلان،قال : ((الذي في عينيه بياض)) وفي رواية: فانصرفت عجلى إلى زوجها، وجعلت تتأمل عينيه، فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: أخبرني رسول الله أن في عينيك بياضًا, فقال لها: أما ترين بياض عيني أكثر من سوادهما؟!!
وعن أنس بن مالك قال: قال لي رسول الله : ((يا ذا الأذنين)) أخرجه أبو داود.
هذه الشخصية التي تمارس المزاح والمداعبة هي ذاتها التي تقوم الليل وتصوم النهار، تجاهد في سبيل الله، تبذل النفس والنفيس، ويَدُهَا سخّاء، فحين نسلّط الضوء على جوانب من شخصيته في المرح والمزاح والمداعبة يجب أن نوقد السراج طويلاً، ونقرأ مليًا صفحات أخرى من شخصيته، فالهدي واحد، والشخصية كلّ لا يتجزأ، فمع كونه يمارس المزاح والمداعبة، كان طويل العبادة والخشوع، كثير البكاء والخضوع، لا يفتر لسانه من ذكر، ولا يهدأ باله من تأمل وفكر.
قال : ((إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه)) أخرجه البخاري.
الخطبة الثانية
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه. أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
وفي الإجازة تبرز مشكلة تقضّ مضاجع الآباء والأمهات والمربين، ألا وهي الفراغ الذي يغمر أوقات الأبناء والبنات، بل إن انحراف الشباب وجنوحهم صدى لهذه المشكلة، والحضارة المادية المعاصرة توسع دائرة الخطر، وتزيد من عمق الضرر.
النفس التي تفرغ من الجِدّ تنتهي إلى حالة من الشر والانحلال، وخطورة الفراغ أنه لا يبقى فراغًا أبدًا، فلا بد أن يُملأ بخير أو شر، ومن لم يُشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل.
نعم، إذا زاد وقت الفراغ، وترك دون استغلال، فإنه يتحول إلى مشكلة، ولا يخفى أن وقت الفراغ يقوي قابلية الانحراف، وأسباب الفساد، يقتل الفكر، ويبطل العقل، ويفتح أبواب الوساوس، ويثير كوامن الأفكار والهواجس.
وشهد أصحاب الاختصاص أن نسبة الجرائم والمشكلات الأخلاقية تبلغ ذروتها مع البطالة والفراغ، ويزداد الأمر خطورة مع وسائل العصر الحديثة، تلك التي تُغري الشباب، وتفتح آفاقًا من الشر وهدر الأوقات.
ولئلا يفعل الفراغ فعله في النفوس، فإن ملأ الأوقات بالمفيد، والانتقال من عمل إلى آخر حصانة ووقاية، ومن الوسائل المفيدة لملء الفراغ أداء العبادات والسنن، والقراءة المفيدة في أمور الدين، والسيرة النبوية، وحياة الصالحين، والأخلاق، وكان عبد الله بن المبارك يمكث في بيته بعد علمه وتجارته، قارئًا لتراث السلف، فإذا ما سئل: ألا تستوحش؟ أجاب: كيف أستوحش وأنا مع النبي وأصحابه؟!!
إن الأمة التي تملأ وقتها بقراءة المفيد، وتعلّم النافع، تَرقى في سلم التقدم والحضارة، وستكون قادرة على فهم الحياة، وإصلاح حالها، وبلوغ أهدافها، أما الأمة التي لا تتعدى ثقافتها ميادين اللهو واللعب والأزياء فستظل تابعة ذليلة في مؤخرة الركب لا وزن لها.
ومن الأعمال المفيدة في الإجازة حضور المحاضرات والندوات والدروس العلمية، وصلة الأرحام، والزيارات، والاشتراك في أنشطة المراكز الصيفية، وممارسة الترويح بالضوابط التي ذُكرت آنفًا.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن هذه الأيدي لا بد أن تُشغل بطاعته قبل أن تَشغلك بمعصيته".

ألا وصلّوا عباد الله على رسول الهدى, فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال :) إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً(
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الآل والصحب الكرام وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين0
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين، ودمّر اللهم أعداءك أعداء الدين, واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم أغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين ووحد صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه لهدك واجعل عمله في رضاك يا رب العالمين. اللهم إن اليهود طغوا وبغوا واسرفوا في طغيانهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وصب العذاب عليهم من فوقهم واجعلهم عبرة للمعتبرين، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
ربنا آتتا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
)إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون(, فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
 

الاصيل1

مزمار ذهبي
6 أغسطس 2008
932
0
0
الجنس
ذكر
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {تحت التنسيق والتج

جزاك الله خير
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع