إعلانات المنتدى

مسابقة مزامير القرآنية 1445هـ

موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي -

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {تحت التنسيق والتج

82d79cfb6f.jpg



يا حماة الأقصى - 16/5/1423 - الثبيتي

يا حماة الأقصى
-----------------------
العلم والدعوة والجهاد
المسلمون في العالم
-----------------------
عبد الباري بن عوض الثبيتي
المدينة المنورة
16/5/1423
المسجد النبوي
-
-
-------------------------
ملخص الخطبة
1- الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة الإسلامية. 2- أثر الذنوب والمعاصي في هلاك الأمم. 3- محنة فلسطين. 4- أحداث توقظ الأمة. 5- أخبار المأساة. 6- لا سلام مع يهود الغدر والخيانة. 7- تاريخ يهود الأسود. 8- جهاد الشعب الفلسطيني وبسالته. 9- عوامل النصر. 10- سلاح الدعاء.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
إن أمتنا الإسلامية تمرُّ في هذا الزمان بساعاتٍ رهيبة، ومحَنٍ عظيمة، ونوازلَ شديدة، وأزَمات كثيرة، ونكَبات متلاحقة. لقد تغيَّر حالُ الأمة، وتبدّل واقعها، وانتكست في حمأة هزيمة قاسيةٍ ثقيلة، كدوحةٍ تآكلت جذورها، ونُخِر جذعها، فغدت أمة الأمجاد أمة الإخلاد، لقد أضحت أمتنا فرقاً مبعثرة متناحرة، والأمة لا تخرج من نكبة إلا وتُصعَق بأخرى، وماذا أعظم من اغتصاب الأرض وسلب الحقوق في فلسطين، والاعتداء على المسجد الأقصى وقتل الأبرياء.
هذه النكسات تصاحب الأممَ في حالات الشرود والوهن. هناك كثير من الأمم مرّت بتلك الفترات العجاف، وسارت على نفس الدرب الهالك، قال تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [فصلت:17]،
وقال تعالى: أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً [فاطر:8]، وقال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103، 104].
أمةٌ نسيت خالقها، فأنساها ذاتها، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ [الحشر:19].
وأسوأ ما يصيب حياةَ الأمة أن يصبحَ الدين فيها لهوًا، ويُصبحَ اللهوُ فيها دينًا. إن للذنوب والآثام عواقبَ جساماً، فكم أهلكت من أمم ماضية، وشعوبٍ كانت قائمة، ولا زالت تهدم بناءَ الأمة الحاضرة،
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا [الإسراء:17].
لسنا رغمَ ذلك مع المتشائمين، فالتشاؤم والإيمان لا يلتقيان؛ لأن معنى التشاؤم اليأسُ من رحمة الله،
لاَ يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].
إن محنةَ فلسطين ليست هي الأولى والأخيرة، فقد تعرضت هذه الأمةُ لمحنٍ كثيرة قاسية، بل أكثر قسوة وشدةً من محنتنا في فلسطين، فلم تستسلم هذه الأمة، ولم تيأس، ظلَّت تكافح وتجاهد حتى نصرها الله على أعدائها.
في تاريخ الأمم كبواتٌ وعثرات وآلام، إلا أن الأمة الحيةَ تنهض من كبوتها، وتتجاوز آلامها، بل تكون هذه الآلام باعثاً لها على العمل والجد والكفاح حتى النصر. وفي تاريخ الأمة صعودٌ وهبوط، ضعُف الرجالُ في فترات تاريخية، ثم أنجبت الأمة رجالاً غيّروا مسار التاريخ. وإذا كان تاريخُ الأمة التي فضَّلها الله على غيرها من الأمم قد اختلّ فإن الحاضر الماثل أمامنا اليوم يدلُّ على مولِد الكثيرين الذين يستعدُّون لحمل راية الإسلام وتغيير مسار التاريخ من جديد.
إن الأحداث الجسام التي تمرّ بها الأمة تبعث الهمَّة، وتوقد العزائم. هذا تاريخ الإسلام يَحكي أن حَالات الضعف والتردِّي وتسلُّط الأعداء يحرّك الأمةَ لتستردَّ التفكير السليم والعمل الجادَّ الذي تردّ به المعتدي وتستعيد به عزّها ومجدَها.
في مثل هذه الأحداث تنجب الأمة أبطالاً مجاهدين وعلماء عاملين، فعن أنس قال: قال رسول الله : ((مثل أمتي مثل المطر، لا يُدرَى أولُه خير أم آخره)) أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان، وقال : ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً، يستعملهم في طاعته)) أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان، وقال : ((إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِي لي منها)) أخرجه مسلمإن هذه الأحداث قَدَرٌ مكتوب على هذه الأمة لتنهض من كبوتِها، وتعيَ رسالتَها، وترصَّ صفوفَها تحت راية واحدة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، مع الصدق مع الله، وعدم الركون إلى الدنيا الفانية وإلى أعداء الله، ونصرةِ الله، إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].
لا بد من التواصل مع هموم وطموح وآلام الأمة الإسلامية، لنتعاون على حمل هذا الهمّ الثقيل للخروج من هذا الواقع الأليم الذي يمثّل منعطفا خطيراً، ولكنه مؤقتٌ وقصير في مسار الأمة الإسلامية بإذن الله.
فها هي الأنباء صباحَ مساءَ تحمل إلى المسلم الغيور كلَّ يوم عن إخوانه في فلسطين ما يزلزلُ قلبَه زلزالاً شديداً، وما يعصر فؤادَه من الألم عصراً، وما يكوي كبدَه بالأسى والحزن.
لم يذق هذا الشعبُ الأعزل طعمَ الأمن منذ سلب اليهودُ أرضَه، وشرّده من مساكنه، وسامه سوءَ العذاب. ومع ذلك يبقى الشعب صامدًا بأطفاله، صامدا بنسائه وجراحه وآلامه، بل لا يكاد يخلو بيتٌ من فقد عزيز لديه أو قريب منه، إنها صور ثبات واعتزاز.
أحداثٌ دامية، ومناظرُ مأساوية، قتلٌ وخراب ودمار، بهمجية لا تعرف للإنسانية معنًى، وبربريةٍ لا رحمة فيها، إنها مآسٍ يقشعرُّ من هولها البدن، وتذرف العين دمعَها.
كيف لا يتحرك ضميرُ العالم كلِّه وهو يرى إنسانا مغتصبةً أرضُه في ظلِّ احتلال لا يجد ما يقاوم به العدوَّ إلا الحجر؟! ورغم هذا يتحدى بالحجر. إنه مشهدٌ يثير مشاعرَ كلِّ البشرية في العالم، وهو يرى إنسانا يقاتل بحجر، وعدوُّه أمامه يقاتل بالطائرات والصواريخ والدبابات، قال تعالى: لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ [الحشر:14]. ثم يُحرَم هذا الإنسان حقَّه المشروع في التعبير عن الظلم والجور الذي يكابده، ويُنظر إلى دماء الأطفال الزكية بأنها تهوُّرٌ في مواجهة الأعداء الغاصبين الذين يواجهون الحجارة بالرصاص والطائرات والدبابات والمدافع، فأيُّ سلام مع قوم لا عهد لهم ولا أمانة لهم ولا ذمة لهم؟‍!
قال تعالى: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ [البقرة:100]، تفنَّنوا في اقتراف الجرائم وارتكاب المذابح في سجلٍّ حافل بالعار ومكلَّل بالخزي، إنهم لا يتَّعظون بالتاريخ وحوادث الأيام، بل واصلوا الغدرَ والإصرار على الكذب والخبث قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوء الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [الأعراف:167].
إن كلَّ بلاءٍ وشرٍّ على أرض فلسطين سببُه يهود، يحرِّكون الفتنَ بأصابعهم الدنيئة، ونفوسهم الحقيرة، وأفئدتهم المريضة، ونواياهم الوضيعة، قال تعالى: كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [المائدة:64]، هذا هو تاريخ يهود.
كم من العهود نقضوا، كم من المواثيق قد جحدوا، كم من العذر قد ارتكبوا، بطشوا بالأبرياء، سفكوا دماءَ الأطفال الرُّضَّع والشيوخ الركَّع والنساء العزَّل، قال تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مّنَ النَّاسِ وَبَاءوا بِغَضَبٍ مّنَ اللَّهِ [آل عمران:112]. تجاوز الاستكبار اليهودي حدودَه، وبلغ طغيانُه المدى، فولع بالدماء الطاهرة البريئة وسفحها دون اعتبارٍ لأي قيمة إنسانية أو ضمير، أقام المذابحَ في المدن والمخيَّمات، مارس كل الممارسات العنصرية من تمثيلٍ بالجثث وترويعٍ للآمنين، ظنًّا منه أنه قد يكسر إرادةَ الشعب المسلم وعزمَه، ولكن هيهات هيهات، لقد ضرب هذا الشعب الفلسطيني المسلم أروعَ الأمثلة والبطولات، فمع عشرات الشهداء وأضعاف ذلك من الجرحى ومئات المعتقلين الأسرى مع الحصار الشامل لكل المدن والقرى مع المجازر التي تُقام في كل مكان، مع ذلك كلِّه يؤكِّد الشعبُ الفلسطيني المسلم أنه لا استسلامَ ولا ذلَّ ولا هوان، وأن الجهاد ماضٍ حتى النصر قال تعالى: لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِى صُدُورِهِمْ مّنَ اللَّهِ [الحشر:13]. ما نسمعه وما نراه اليومَ فصلٌ من جهادٍ عظيم وصبر طويل لهذا الشعب المرابط، لقد جاهد هذا العشب وصبر وصابر ورابط، وتقلَّب به البلاء، فما هدأ وما استكان ولا أعطى الدنيةَ يوماً، ولله درُّ عمر رضي الله عنه: (لا تستصغروا هممَكم، فإني لم أر أقصر عن المكرمات من صغر الهمم).
يواصل هذا الشعبُ المقاومة دون استسلام، مقدِّماً شهيداً تلوَ شهيد، ضارباً أنبلَ أمثلة الصبر، علَّم المرابطون على أرض الإسراء والمعراج، علَّموا الأمةَ كيف تعيش عزيزةً كريمة، وتموت عظيمة شهيدة، والأمة التي تحسن صناعةَ الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهبُ الله لها الحياةَ العزيزة في الدنيا والنعيمَ الخالد في الآخرة.
يا حماة الأقصى، اصبروا وصابروا ورابطوا، فإن نصر الله قريب، فكلما اشتدَّ الظلام قرُب بزوغُ الفجر،
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، أحمده سبحانه وأشكره على نعمائه وبلواه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
إن سنن الله في النصر ترتبطُ ارتباطاً بمدى التزامِ الأمةِ بأحكام الدين وشريعة ربها، وصدق الله:
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173].
عوامل النصر ثباتٌ عند لقاء العدو، الاتصالُ بالله والذكر، تجنُّب النزاع والشقاق، الصبرُ على تكاليف المعركة، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[الأنفال:45].
أما إذا تخلّى المسلمون عن منهج الله حلَّ بهم الضعفُ والذلة والهزيمة والضياع، ومع الأخطار الجسيمة التي تقضُّ المضجع وتقلق الأفكار وتنغِّص العيشَ فإن الله يقول: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:139].
لا تهنوا يا أهل فلسطين، لأن الله القدير يؤيِّدكم وينصرُكم ويوهن كيدَ أعدائكم، ذالِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ [الأنفال:18]، قال تعالى: وَلاَ تَهِنُواْ فِى ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء:104].
إن النصر ـ يا رجال التضحية والبطولة ـ بيد الله وحده، والقلةُ مع تأييد الله لها لا بد أن تغلبَ الكثرةَ مهما بلغت من القوة، كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249]، إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مّنكُمْ مّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ [الأنفال:65].
إن رواءَ الحق قويا ينصر الحق، وهو وحده يملك جنودَ السموات والأرض، أما العدو فقد أخبر الله عنه: لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ [آل عمران:111].
إن الدعاءَ سلاحٌ فعال، لو صدر من قلب مخلِص ولسان طاهر زكي، وتكرَّر بإلحاح على الله بنصر إخواننا وتفريج كربتهم، وتحرير المقدسات من دنس اليهود. وحبذا لو توخَّى صاحب الدعاء أوقاتَ الإجابة في الثلث الأخير من الليل وفي يوم الجمعة وفي السجود.
__________

__________________
(( أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)) يوسف - 101
 

اللسان المكي

مراقب قدير سابق ومشرف تسجيلات قراء الجزيرة
مشرف تسجيلات الموقع
27 أغسطس 2008
4,802
43
0
الجنس
ذكر
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {تحت التنسيق والتج

أختي المباركة:
جـزاك الله خيـرا وأعظم لـك أجـرا..

عمل والله يشكر ..
وبإذن الله عند الله صاحبه يؤجر..

بـارك الله فيك ,نفع بك..

ووفق الله شيخنا الجليل المبارك عبدالباري الثبيتي ..
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {تحت التنسيق والتج

أختي المباركة:
جـزاك الله خيـرا وأعظم لـك أجـرا..

عمل والله يشكر ..
وبإذن الله عند الله صاحبه يؤجر..

بـارك الله فيك ,نفع بك..

ووفق الله شيخنا الجليل المبارك عبدالباري الثبيتي ..
آمين
جزاك الله خير الجزاء
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {تحت التنسيق والتج

82d79cfb6f.jpg




حقوق الإنسان في خطبة الوداع - 18/11/1422 - الثبيتي

حقوق الإنسان في خطبة الوداع
-----------------------
عبد الباري بن عوض الثبيتي
المدينة المنورة
18/11/1422
المسجد النبوي
-
-
-------------------------
ملخص الخطبة
1- من ذكريات الحج. 2- مبادئ الرسول . 3- التحذير من الشرك. 4- حرمة الدماء والأموال والأعراض. 5- تحريم الأذية المادية والمعنوية. 6- كذب حقوق الإنسان في الحضارة الغربية. 7- تحريم القتل بغير حق. 8- إزالة العنصريات والعصبيات. 9- تحريم الربا وبيان أضراره. 10- تقرير حقوق المرأة. 11- الكتاب والسنة سفينة النجاة. 12- التحذير من الفرقة والاختلاف.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
حجاج بيت الله، كلما جاء شهر ذي الحجة وحلّت مواقيت الحج تألقت صفحةٌ من تأريخ الإسلام، ووقفةٌ من وقفات الرسول ، ومن أهم معالم رحلة الحج، إلى جانب أداء المناسك العبادية تلك المعاني الجامعة والمبادئ البليغة، التي خاطب بها رسول الله المسلمين في حجة الوداع، لقد أعلن رسول الله تلك المبادئ التي لم تكن شعارات يرفعها أو يتاجر بها، بل كانت هي مبادئه منذ فجر الدعوة يوم كان وحيداً مضطهداً، وهي مبادئه يوم كان قليلاً مستضعفاً، لم تتغير في القلة والكثرة، والحرب والسلم، وإعراض الدنيا وإقبالها، وهي مبادئه التي يُرسّخها في نفوس أصحابه، لينقلوها إلى العالم فيسعد بها، ولقوتها وصدقها لم تذبل مع الأيام، ولم تمت مع تعاقب الأجيال، وإنما هي راسخة تتجدد في الأقوال والأعمال، مبادئُ سُكبت مع عباراتها دموع الوداع، ومن أجل ذلك سُمّيت خطبة الوداع، وفيها حذّر من الشرك، ذلك الداء الوبيل الذي يفتك بالإنسانية ويحطّم روابطها، ويقطع صلتها بمصدر الخير، ويهوي بها في أودية سحيقة، تتوزعها الأهواء، وتأسرها الشهوة، ومن ثم فالمعنى الأصيل الذي تدور عليه أحكام الحج بل تقوم عليه أحكام الدين كلها وحدانية الله.
وفي خطبة الوداع يقول رسول الله : ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا)) أخرجه البخاري ومسلم.
مبادئ خالدة لحقوق الإنسان، لا يبلغها منهجٌ وضعي، ولا قانون بشري، فلصيانة الدماء قال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حياةٌ [البقرة:179]، ولصيانة الأموال قال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، ولصيانة الأعراض قال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، هذا لغير المحصن.
يحترم الإسلام حق الحياة احتراماً كبيراً، يحترم الحياة الطاهرة الصالحة، لا حياة الفجور والفتنة، ولا حياة الظلم والعدوان، ولا قيمة لاحترام حق الحياة للإنسان إذا لم يصاحب الاحترامَ تشريع عادل للحياة وتنظيم لها.
يرعى الإسلام حق الإنسان في حفظ حياته لتكون حياةً كريمة، يحوطها الأمن والاستقرار والاطمئنان، يبني الإسلام الأمنَ في نفس المسلم، ثم يبني به حياته، فيقيم العدل بين الناس على شرع الله، ويبني القوة والسلطان، الذي يقيم شرع الله في الأرض، ويبني العلاقات الكريمة بين الناس بروابط إيمانية، تحمي الأمن وتصونه، أخوةٌ لله لها حقوق وعليها مسؤوليات، أرحام توصل في الله، بر الوالدين وحسن الجوار، خطبة وسكن وزواج، ثم تعارف بين الشعوب ليكون أكرم الناس أتقاهم.
ومن مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام أنه لا يجوز أن يؤذى إنسانٌ حضرةَ أخيه، ولا أن يهان في غيبته، سواء كان الإيذاء للجسم أو للنفس بالقول أو الفعل، ومن ثم حرّم الإسلام ضرب الآخرين بغير حق، ونهى عن التنابز والهمز واللمز والسخرية والشتم، روى البخاري أن رجلاً حُدّ مراراً في شرب الخمر، فأتي به يوماً، فأُمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي : ((لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله)).
ولم يكتفِ الإسلام بحماية الإنسان وتكريمه حال حياته، بل كفل له الاحترام والتكريم بعد مماته، ومن هنا أمر بغسله وتكفينه، والصلاة عليه ودفنه، نهى عن كسر عظمه أو الاعتداء على جثته وإتلافها، روى البخاري أن رسول الله قال: ((لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)).
حجاج بيت الله، إن الحضارة الحديثة، وبعبارة أدق الحضارة المادية البحتة أعلنت مبادئ لحقوق الإنسان، لكنها قاصرة ضعيفة، تسيرها المصالح الأرضية، وتقودها العنصرية المقيتة، كما أنها لا تملك العقيدة التي ترسّخها، والإيمان الذي يحييها، والأحكام التي تحرسها، ولذا فهي تُنتهك في أرقى دول العالم تقدما وحضارة مادية، ثم أين حقوق الإنسان الذي انتُهك قدسه الشريف، واغتُصبت أرضه، وصودِرت أمواله، ونُزف دمه سنين عديدة؟! أين حقوق الإنسان وأخلاقه تدمّر، وقيمه تحطّم، وإنسانيته تنتهك في حرب لا فضيلة تحرسها، ولا قيم توجهها؟!
قال في خطبة الوداع: ((ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع)) رواه مسلم لقد كانت الدماء في الجاهلية رخيصة، وكانت النفس الإنسانية هينة، وكان القتل تجارة، قامت عليهم الحرب، وإراقة الدماء، إذ لم تكن لهم رسالة للحياة، ولا عقيدة تطهّرهم من هذه الأرجاس، فجاء الإسلام ليغير هذه المبادئ، وليضع للحياة أسساً، يحترم النفس الإنسانية، وتجعل قتلها دون مبرّر جريمة في حق البشرية، قال تعالى: مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة:32].
لقد كانت العصبيات قبل البعثة عميقة الجذور، قوية البنيان، فاستطاع رسول الله أن يجتثّ التمييز العنصري بكل صوره وأشكاله، من أرضٍ كانت تحيي ذكره، وتهتف بحمده، وتتفاخر على أساسه فقال: ((كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي، ولأحمر على أبيض، ولا أبيض على أحمر، فضل إلى بالتقوى)) وبهذا تتلاشى جميع الفوارق والقيم الأرضية الجوفاء، فليس العبرة في التقويم بحمرة لون الإنسان أو سواده، ولا بنسبه أو ماله أو منصبه الدنياوي؛ لأن هذا كله مما يحبوه الله الإنسان، فيتلقاه غير مختار في قبوله، عن طريق العبودية والسنة الكونية، لكن هناك ميزاناً واحداً للتقويم، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
وفي أعقاب الزمن ينبري أقوام من بني جلدتنا لإحياء العصبيات الجاهلية، ويهتفون بها، ويتفاخرون على أساسها، يمنحونها الاستمرار، ورسول الله يقول: ((دعوها فإنها منتنة)) رواه مسلم.
وفي خطبة الوداع قال رسول الله : ((وأول رباً أضع ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله)) رواه مسلملم يحرم الله الربا إلا لعظيم ضرره، وكثرة مفاسده، فهو يفسد ضمير الفرد، ويفسد حياة الإنسانية بما يشيع من الطمع والشره والأنانية، يميت روح الجماعة، ويسبب العداوة، ويزرع الأحقاد في النفوس، لذا أعلن الله تعالى الحرب على أصحابه ومروِّجيه، حرباً في الدنيا؛ غلاءً في الأسعار، أزمات مالية، وأمراضاً نفسية انعدمت معها معاني التعاون والإيثار، وأما في الآخرة فعذاب أليم، قال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَوااْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ [البقرة:275]، ويعتبر النظام الربوي مسؤولاً عن كثير من الأزمات المالية والاقتصادية التي عمت الأفراد والجماعات والدول.
وفي خطبة الوداع يقول الرسول : ((فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله)) رواه مسلم. لقد حفظ الدين الحنيف للمرأة حقوقها، وكرّمها أماً وزوجةً وبنتاً، عُني بها منذ أول نفسٍ لها في الحياة إلى أن تسلم روحها إلى خالقها وبارئها، جعل جسدها حرمة لا يجوز النظر من أجنبي إليه، بعد أن كان للجميع حقاً مشاعاً، أعطاها حق الإرث، وحق العلم، سوّى بينها وبين الرجل في الأجر والثواب والتكاليف العبادية، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياةً طَيّبَةً [النحل:97]، إننا لن نتحدث عن حقوق المرأة في الإسلام بنظريات جوفاء، ومؤتمرات رعناء، بل ندعو الجميع لقراءة سِير المؤمنات، خديجة وسمية وأسماء، عائشة وحفصة والخنساء، نفتح لهم صفحات من التاريخ المشرقة، ليعيشوا مع المرأة المسلمة مثلاً حيةً، وقدوات فذة، ندعو للتأمل ليروا كيف رفع الإسلام المرأة، طهر مشاعرها، أدّب سلوكها، سما بمقاصدها وأمنياتها، يسطّر التاريخ أحرفاً بمداد من نور جلائلَ أعمال المؤمنات الخالدة ذكرى، وهي شواهد صادقة وبراهين ساطعة على ما لهن من نبل ورفعة وشأن، والذين نصبوا أنفسهم هداة مصلحين زاعمين أنهم سيقودون المرأة إلى السبيل الأقوم يصمون غيرهم من دعاة الحشمة والعفاف بالسفه والتأخر والجمود والتحجر، وإذا أمعنت النظر في مطالباتهم وجدت شذوذاً في التفكير والسلوك، وانحرافاً عن الفطر السوية، نفوساً مريضة أسرها الهوى، وغلبها داء الشهوة، وأحاطت بها وساوس الباطل من كل جهة، ليسلبوا المرأة قيمتها، والحرة عزتها، والعفيفة عفافها وشرفها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
وفي خطبة الوداع قال : ((وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله)) رواه مسلم
الذي خلق الإنسان أعلم بما يصلحه ويحقق سعادته، ألا وهو الاعتصام بالكتاب والسنة، قال تعالى: إِنَّ هَاذَا الْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، أي يهدي للتي هي أقوم في شؤون المعاملات، ويهدي للتي هي أقوم في شؤون القضاء، ويهدي للتي هي أقوم في شؤون الحكم والسياسة، ويهدي للتي هي أقوم في شؤون المال والاقتصاد، ويهدي للتي هي أقوم في شؤون التربية والتعليم، ويهدي للتي هي أقوم في الأخلاق، قال تعالى: مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَىْء [الأنعام:38].
فمن أراد العزة ففي هداية القرآن العزة قال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8]، ومن كان يريد الأمن والسلام ففي هداية القرآن تحقيق الأمن وتحقيق السلام الَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82]، ومن أراد الرخاء الاقتصادي ففي هداية القرآن الرخاء، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مّنَ السَّمَاء وَالأرْضِ [الأعراف:96]، ومن أراد القوة ففي هداية القرآن توجيه الدولة إلى الإعداد والقوة، قال تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، وفي القرآن مبادئ الكرامة الإنسانية، وتقرير حقوق الإنسان، قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطَّيّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70].
ومنذ كان المسلمون السابقون والسلف الصالح يأخذون أنفسهم بتعاليم القرآن كانوا أئمة يهدون الناس بأمر الله، أقاموا دولة الإسلام الرحيمة، ومنذ تخلوا عن هذه الآداب صاروا شيعاً وأحزاباً يضرب بعضهم رقاب بعض، ويلعن بعضهم بعضاً، وهذا ما حذّر منه الرسول في حجة الوداع، فقد قال في بعض خطبها: ((ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)))، ومنذ تركوا هذه الهداية، ضاعت المقدسات، وانتهكت الحرمات، وسالت الدماء هينة رخيصة.
فهذه خطبة الوداع نداء يوجّه إلى أمة الإسلام بمناسبة الحج، لتحقيق المراجعة المطلوبة، والاستقامة على الطريق، والاستجابة لنداء سيد المرسلين، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى...
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {تحت التنسيق والتج


jewelst-r7eb1.gif
tajmeel1yh6ps2.gif


المحاسبة الجادّة - 29/12/1424 - الثبيتي

المحاسبة الجادّة
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب
اغتنام الأوقات, الزهد والورع
-----------------------
عبد الباري بن عوض الثبيتي
المدينة المنورة
29/12/1424
المسجد النبوي
-
-
-------------------------
ملخص الخطبة
1- الاعتبار بانقضاء الأعمار. 2- بين توديع عام واستقبال آخر. 3- فتنة الدنيا. 4- حقيقة الدنيا والموقف منها. 5- دعوة للمحاسبة الجادة. 6- ضرورة اغتنام العام الجديد. 7- الأمة الإسلامية بين آلام اليوم وآمال المستقبل.
-------------------------
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فاتقوا الله ـ عبادَ الله ـ حقَّ التقوى، وراقبوه في السرّ والنجوى، قال الله تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
إنّ هذه الشمسَ التي تطلع كلَّ يوم من مشرقها وتغرب في مغربها تحمِل أعظمَ الاعتبار، فطلوعُها ثم غيابُها إيذان بأنّ هذه الدنيا ليست دارَ قرار، وإنما طلوعٌ وزوال.
انظر إلى هذه الشهور، تهلّ فيها الأهلّة صغيرةً كما يولَد الأطفال، ثم تنمو رويدًا رويدًا كما تنمو الأجسام، حتى إذا تكامل نموُّها أخذت في النقص والاضمحلال، وهكذا عمر الإنسان.
تتجدّد الأعوام عامًا بعد عام، فإذا دخَل العام الجديد نظر الإنسان إلى آخره نظرَ البعيد، ثم تمرّ به الأيام سِراعًا، فينصرم العامُ كلمح البصر، فإذا هو في آخر العام، وهكذا عُمر الإنسان، يتطلّع إلى آخره تطلُّع البعيد، فإذا به قد هجم عليه الموت. يؤمّل الإنسان بطولِ العمر، ويتسلَّى بالأماني، فإذا بحبلِ الأماني قد انصرم، وبناء الأماني قد انهدَم.
إنّنا في هذهِ الأيّام نودّع عامًا ماضيًا شهيدًا، ونستقبل عامًا مقبلاً جديدًا، فليتَ شِعري ماذا أودَعنا في عامنا الماضي؟ وماذا نستقبل به العامَ الجديد؟ قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (يا ابنَ آدم، إنما أنتَ أيّامٌ، فإذا ذهب منك يومٌ ذهبَ بعضُك)، وقال أبو حازم رحمه الله تعالى: "عَجبًا لقومٍ يعملون لدارٍ يرحلون عنها كلَّ يوم مرحلة، ويدَعون أن يعمَلوا لدارٍ يرحلون إليها كلَّ يوم مرحلة".
كيف يفرح مَن يومُه يهدِم شهرَه، وشهرُه يهدِم سنتَه، وسنتُه تهدم عمرَه؟! كيف يفرح من عُمره يقوده إلى أجلِه، وحياتُه تقوده إلى موته؟! قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كيفَ نفرَح والموتُ من ورائنا، والقبور أمامنا، والقيامةُ موعدنا، وعلى جهنّم طريقنا، وبين يدَي ربّنا موقفنا؟!).
لقد ضربتِ الدنيا في قلوبنا بسَهم، ونصبَت في قلوبنا رايات، ليلُنا ونهارُنا في حديثٍ عن الدنيا: كم نَربح؟ كيف نجمَع؟ إن ضُرِب موعِدٌ للدّنيا بادرنا إليه مبكِّرين، وأقمَنا عند بابه فرِحين، ولا نُبقي للآخرة في قلوبنا إلاّ ركنًا ضيِّقًا وذِكرًا قصيرًا.
انظر إذا رُفع الأذان: كم ترى من المبكِّرين المسرعين؟ وفي الطرقات ترى الكثرةَ تسير بعجلةٍ للدّنيا. لقد وصّى رسولنا ابنَ عمر بوصيّة بليغةٍ تصحِّح منظورَ المسلم إلى هذه الحياةِ الدنيا حيث قال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))
وعلى هذا فعابر السبيل يتقلّل من الدّنيا، ويقصِّر الآمال، ويستكثر من زادِ الإيمان، حديثُه تلاوةُ كتاب الله، وهمُّه المسابقة إلى الخيرات، فاليوم الذي مضى لا يعود، ولهذا يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو على فراش الموت: (اللهمّ إنّك تعلم أني لم أكن أُحبُّ البقاءَ في الدنيا ولا طولَ المكثِ فيها لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن كنتُ أحبّ البقاءَ لمكابدةِ الليل الطويل وظمَأ الهواجر في الحرّ الشديد ولمزاحمة العلماء بالرُّكَب في حِلَق الذِّكر).
عابرُ السبيل لا يدنّسُ نقاءَ النهار بآثامه، ولا يقصِّر الليلَ بغفلته ومنامه، إن دُعي إلى الطاعةِ أجاب، وإن نودِي إلى الصلاة لبّى، على قدمِ الاستعداد أبدًا في غدوِّه ورواحه، إنّه يعلم أنَّ مَن أمضى يومًا من عمره في غير حقٍّ قضاه أو فَرضٍ أدّاه أو مَجدٍ أثَّله أو حمدٍ حصَّله أو خير أسَّسه أو عِلم اقتبسه فقد عقّ يومَه وظلَم نفسَه.
إخوةَ الإسلام، إنَّ الضغوطَ المعاشيةَ اليوميّة حالت بين العبد وبين الخلوةِ مع نفسه والحديث إليها، فهو في حالةٍ من الجري الدائم للحصول على المزيد، في سباقٍ مع الدنيا، ونهَمٍ على شهواتها، وحِرصٍ شديد هائل على أحوالها. ولهذا يقول سعيد بن مسعود رحمه الله تعالى: "إذا رأيتَ العبدَ تزداد دنياه وتنقُص آخرته وهو بذلك راضٍ فذلك المغبونُ الذي يُلعَب بوجهه وهو لا يشعر"، ويقول محمد بن واسع: "إذا رأيتَ في الجنة رجلاً يبكي، ألستَ تعجَب من بكائه؟!" قيل: بلى، قال: "فالذي يضحَك في الدنيا ولا يدري إلى ماذا يصير هو أعجبُ منه".
أخي المسلم، حاسِب نفسَك في نهاية العام لتعرفَ رصيدَك من الخير والشرّ ومدّخراتِك من الأعمال الصالحة، هذه وصيةُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسِبوا أنفسَكم قبلَ أن تحاسبوا، وزنوها قبل توزنوا).
فالمحاسبةُ تكشِف عن خبايا نفسِك، وتظهِر عيوبها، فيسهل عليك علاجُها قبل أن تندمَ لفوات الأوان، قال مالك بن دينار رحمه الله: "رحِم الله عبدًا قال لنفسه: ألستِ صاحبةَ كذا؟! ألستِ صاحبةَ كذا؟! ثم ذمَّها، ثم خطمها، ثم ألجمها كتابَ الله عز وجل، وكان لها قائدًا".
ولا تقولنّ لشيء من سيّئاتك: هو حقير، فلعلّه عند الله نخلةٌ وعندك نقير.
إنّ المحاسبةَ التي لا يتعدّى أثرُها دمعَ العين وحزنَ القلبِ دونَ صلاحٍ وإصلاح محاسبةٌ ميّتة، ونتيجة قاصرة. المحاسبةُ المثمِرة تلك التي تولّد ندمًا على المعصية، وتحوُّلاً إلى الخير، فهلُمّ نتساءل: حقوقُ الله هل وفّيتها؟ حقوق العباد هل أدّيتَها؟ ما حالك مع الصّلاة؟ هل تؤدّيها مع الجماعة بشروطها وأركانها وواجِباتها وخشوعِها؟ هل تسكب من خشيةِ الله الدموع، فإنّ النار لا تدخلُها عينٌ بكت من خشية الله؟ هل ما زلتَ مصِرًّا على هجر صلاتَي الفجر والعصر مع الجماعة؟ تلك صلاةُ المنافقين، ومن فاتته صلاةُ العصر حبِط عملُه، كما أخبر الصادق المصدوق .أمازلتَ غافلاً عن تلاوةِ كتاب الله وقد كنتَ مقبِلاً عليه في شهر رمضان؟ النوافلُ والمستحبّات لِمَ تفرّط فيها وهي علامة الإيمان وطريق محبّة الرحمن؟ فقد ورد في الحديث القدسي: ((وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمَع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها)).
ما الذي أهمّك في عامك الماضي وأقضّ مضجعَك: لقمة تأكلها ولباسًا تلبسه، متعة عابرة، لذة عاجلة، مالاً تقتنيه وتجمعه، أم كان همُّك أن تحيى لله سالكًا سُبُلَ مرضاتِه وجنّاتِه؟
ما الذي آلمك في أيامك الماضية: منصبٌ لم تستطع تحصيلَه ودنيا لم تبلغ مناك فيها، أم أنّ دعوةَ الله تختلج في نفسك، فإذا علا منارُها وارتفع لواؤها خفق القلبُ فرحًا، وتهادت النفس سرورًا، وإذا أصابتها العواصف والأدواء دمعتِ العين وحزنت النفس وجأر اللسانُ يشكو إلى ربّ العباد أحوالَ العباد؟
هل كنتَ في الماضي زارعًا للخير، تغرس بكلماتك الفضائل، وتنثر العطرَ بأفعالك، أم كنت تغرس الشرَّ والسوءَ وتؤذي إخوانك؟
ذلك ماضٍ لا حيلةَ لإرجاعه، وإن كنتَ تملك محوَ ذنوبه وسيّئاته بالتوبة والاستغفار.
أمّا عامُك الجديد فإنّك تملكه إن كتب الله لك فيه أجلاً. ابدأ عامَك الجديدَ بهمّة عاليةٍ وعزيمة وقّادة، مقدِّمًا حقوقَ سيّدك وإلهك ومولاك، وحقُّه سبحانه أن يطاعَ فلا يُعصى، وأن يذكَر فلا ينسَى، وأن يُشكرَ فلا يُكفَر.
أدِّ حقوقَ والديك بالرعاية والعطفِ والحنان، وحقوقَ زوجك وأبنائك بترسيخ الإيمان والتربية الصالحة، تذكَّر أقاربَك وجيرانك، ولا تطردِ المحتاجين من الأرامل واليتامى والمساكين.
أدّ حقوقَ الخدَم والعمّال قبل أن يجفَّ عرقُهم، واحذر ظُلمَهم، فإنّ الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة.
أخي المسلم، وأنتَ ترى زوالَ الأيام وذهاب الأعمار ذكِّر نفسَك بحقيقة الدنيا التي تهفو إليها النفوس، ذكّرها بأنّ أيامَها ماضية وزهرتها ذاوية وزينتها فانية، مسَرّاتها لا تدوم. ذكِّرها بالنعيم المقيم في جنّات الخلود، أُكُلُهَا دَائِمٌ وِظِلُّهَا [الرعد:35].
أخي المسلم، إنّك في العام الجديد لا تدري ما يستجدّ لك فيه من أحوالٍ مع تقلّباتِ الليل والنهار، فخذ من صحّتِك لمرضك، ومن حياتك لموتك، ومن غِناك لفقرك، ومن شبابك لهرمِك.
ها هو العام الجديد قد أقبل، فاستثمر أيّامه ولياليه، قال الله تعالى: قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله على كلِّ حال، ونسأله العافيةَ والمعافاةَ الدائمةَ في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تفرّد بالعظمة والجلال، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله سنيُّ الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دامت الأيام والليال.
أمّا بعد: فاتقوا الله حقَّ التقوى.
إخوةَ الإسلام، تستقبل الأمّةُ الإسلاميّة عامَها الجديد بجسَدٍ مقطَّع الأعضاء، مشتَّتِ الأشلاء، وبجروح نازفة في مواقعَ عديدة.
إنها مواجعُ وفجائع، هَزهزَت أعصابَ المسلمين، وفتقَت أشجانَهم، والأمّةُ إذا جنحَت إلى الشهوات وأحبّت الآثام واشتغلت بالخبيث عن الطيّب أسَرها الهوى، وفقدت الشعورَ بالمسؤولية، فضلّ سعيُها، وخاب أمرها، وتسلّط عليها عدوّها جزاءً وفاقًا.
وفي حديث ثوبان أنّ رسول الله قال: ((يوشك الأممُ أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلةُ إلى قَصعتها))، قال قائل: يا رسول الله، ومن قلّةٍ يومئذ؟! قال: ((لا، بل أنتم كثير، ولكنّكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوّكم المهابةَ منكم، ولتعرفُنَّ في قلوبكم الوهَن))، قال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: ((حبُّ الدنيا وكراهية الموت)) أخرجه أبو داود وأحمد.
كيف تنتصر الأمةُ على عدوّها وقد هُزِمت في معركتها مع النّفس، ونخر جسدَها التفرّقُ والاختلاف؟!
وعلى الرغم من الأثقال والأدواء فإنّ فجرًا صادقًا يلوح في الأفق على مستوى الأمّة، فهي تملك مقوِّمات الحضارة وإمكانات السّيادة. بالإيمان والعمل الصالح، بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجعل الله حزنَ الأمّةِ فرحًا، وعسرَها يُسرًا، وذلَّها عِزًّا، وضعفَها قوّة، لتكون كما أراد الله خيرَ أمّة أخرجت للناس، قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
ألا وصلّوا ـ عبادَ الله ـ على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمّد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة الراشدين...
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {تحت التنسيق والتج

besme.gif

فضل الصدقة وبذل المعروف - 12/9/1424 - الثبيتي

فضل الصدقة وبذل المعروف
-----------------------
فقه
الزكاة والصدقة
-----------------------
عبد الباري بن عوض الثبيتي
المدينة المنورة
12/9/1424
المسجد النبوي
-------------------------
ملخص الخطبة
1-حاجة المسلم إلى أخيه. 2- لذّة بذل المعروف. 3- فضائل الصدقة وفوائدها. 4- آداب الصدقة. 5- عموم مفهوم الصدقة.
-------------------------
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فأوصيكم ونفسِي بتقوى الله، قال تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:107].
إخوةَ الإسلام، فِي هذهِ الحياة الدّنيا متاعبُ وأعباء وفقرٌ أحداثٌ جسام، والإنسان لا غنى له عن أخيه؛ يشدّ عضدَه، ويقوِّي عزمتَه، ويخفِّف شِدّته، ويفرِّج كربَه، طمعًا في الأجر وطلبًا للفضَل، وبهذا يقوم المجتمعُ على أسُسٍ قويّة وقواعدَ متينة في نظامٍ من التّكافل والتّعاون. ومِن أبرزِ صوَر التّكافلِ صدقةُ التطوّع التي هي دليلُ صدقِ الإيمان، قال : ((والصّدقة بُرهان)) أخرجه مسلم.
إنّها رقّة القلب والرّحمة الفيّاضة التي تدفع المسلمَ لإسداء المعروفِ وإغاثةِ الملهوف ومعاونة المحتاج والبرِّ بالفقراء والمساكين والعطفِ على الأراملِ ومسحِ دموعِ اليتامى والإحسانِ إليهم وإدخالِ السرور على نفوسهم، قال تعالى: إِنَّ الْمُصَّدّقِينَ وَالْمُصَّدّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:18]. أيّ حافزٍ للصدقة أوقع وأعمقُ من شعورِ المعطي بأنّه يقرِض الغنيَّ الحميدَ، وأنّه يتعامل مع مالك الملك، وأنّ ما ينفِقه مخلَفٌ عليه مضاعفًا، وله بعدَ ذلك كلِّه أجرٌ كريم؟! قال تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، قال المفسّرون: يخلَف عليكم في الدّنيا بالبَدَل وفي الآخرةِ بالجزاء الثواب، وقال رسول الله : ((ما مِن يومٍ يصبح العبادُ فيه إلا ملكان ينزِلان، فيقول أحدهما: اللهمّ أعطِ منفِقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهمّ أعطِ مُمسكًا تلفًا)) أخرجه البخاري ومسلم.
الصدقةُ ـ عبادَ الله ـ سبب لحبِّ الربّ كما جاء في الحديث القدسي: ((وما يزال عبدِي تقرَّب إلي بالنّوافل حتّى أحبَّه))أخرجه البخاريهي كفّارة للذّنوب والخطايا كما جاء في حديثِ حذيفةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((فتنةُ الرّجل في أهله وولدِه وجارِه تكفّرها الصّلاة والصّدقة والمعروف)) أخرجه البخاريإذا حشِر الناس يوم القيامة واشتدَّ الكرب ودنَت الشّمس من رؤوس الخلائق فإنّ المتصدّقين يتفيّؤونَ في ظلِّ العرش، وتسترُهم صدقاتُهم من لفحِ جهنّم كما ثبت في الحديث: ((سبعةٌ يظلّهم الله في ظلّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلّه))، وذكر منهم: ((ورجلٌ تصدّق بصدقةٍ فأخفاها، حتّى لا تعلمَ شماله ما تنفق يمينه)).
مِن فضل الصّدقة أنّها تربَّى لصاحبها حتى تكونَ كالجبل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من تصدَّق بعدل تمرةٍ من كسبٍ طيّب، ولا يقبَل الله إلا الطيّب، وإنّ اللهَ يتقبّلها بيمينِه، ثمّ يربّيها لصاحبِها، كما يربّي أحدُكم فَلوَّه حتّى تكونَ مثلَ الجبل)). مِن فضلِها أنّها تطفِئ الخطيئةَ وغضَب الربّ كما جاء في حديثِ معاذ الطويل: ((ألا أدلّك على أبوابِ الخيرِ؟! الصومُ جنّة، والصدقة تطفِئ الخطيئةَ كما يطفِئ الماء النّار)) أخرجه الترمذي وابن ماجه، وفي الحديثِ: ((صدقةُ السّرّ تطفئ غضبَ الربّ)) أخرجه الطبرانيّ من حديث أبي أمامة. الصدقةُ تقِي صاحبَها عن النار، فعن عديّ بن حاتم قال: سمعت رسول الله يقول: ((اتّق النارَ ولو بشقِّ تمرة))الصدقة تطهِّر النفوسَ وتزكّيها، قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]. في الصّدقة إدخالُ السرورِ على المساكين، وأفضلُ الأعمال إدخالُ السّرور على قلوبهم، قال : ((أفضل الأعمالِ أن تدخِلَ السرورَ على أخيك المؤمن، أو تقضيَ عنه دينًا، أو تطعِمه خبزًا)) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة].
في الصدقةِ إرضاءُ الله تعالى، النجاةُ من الهَلكة، تمام الإحسان، قال تعالى: وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]. الصدقةُ تغيظ الشّيطان وتوجِب الغُفران، قال تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268]. ومن آثارها العجيبةِ في الدّنيا ما روِي عن رسول الله أنّه قال: ((بينا رجل في فلاةٍ من الأرض، فسمِع صوتًا في سحابةٍ: اسقِ حديقةَ فلان، فتنحّى ذلك السحاب، فأفرغَ ماءه في حرَّة، فإذا شرجةٌ من تلك الشِّراج قد استوعَبَت ذلك الماءَ كلَّه، فتتبّع الماءَ، فإذا رجلٌ قائِم في حديقتِه، يحوّل الماءَ بمسحاته، فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان، بالاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله، لمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إنّي سمعت صوتًا في السّحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسقِ حديقةَ فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلتَ هذا فإنّي أنظُر إلى ما يخرُج منها، فأتصدّق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثَه، وأردّ فيها ثلثَه)) أخرجه مسلم
الصدقةُ تخلِّص المسلمَ من الشّحّ، إذ ليسَ في المروءَة من شيءٍ أن يرى الغنيّ أخاه الفقير يتضوّر جوعًا وتفتِك به الحاجة، ثمّ لا تتحرّك مشاعرُه ولا تهتزّ عواطفه لتخفيف ضائقةِ إخوانِه، ومِن أخلاقِ النبيّ الجودُ والكرم، بل كان يعطِي عطاءَ لا يخشى الفقر، ويقول : ((أنفِق ينفِق الله عليك)). الصدقة لا تنقص المالَ، بل تكون سببًا لزيادتِه ونمائِه وبركتِه، يرزق الله المتصدّقَ ويجبره وينصره، في حديث: ((ما نَقصت صدقةٌ من مال، وما زادَ الله عبدًا بعفوٍ إلاّ عِزّا، وما تواضَع أحدٌ لله إلاّ رفعه الله)) أخرجه مسلم
الصدقات سببٌ في بسطِ الرّزق وطول العمر، تدفَع البلاءَ والأمراضَ عن المتصدّق وأهلِ بيته، تمنَع ميتةَ السّوء ومصارعَ السوء، لما روى أنسٌ أنّ رسول الله قال: ((باكِروا بالصّدقة، فإنّ البلاءَ لا يتخطّى الصّدقة))رواه البيهقي مرفوعًاوقال : ((داوُوا مرضَاكم بالصّدقة)) أخرجه البيهقيوعن عمرو بنِ عوفٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إنّ صدقةَ المسلم تزيد في العمُر، وتمنَع ميتةَ السوء، ويذهِب الله بها الكبرَ والفقر)) رواه الطبرانيّ]، وقال : ((صنائعُ المعروف تقِي مصارعَ السوء والآفاتِ والهَلَكات)) أخرجه الحاكم عن أنس رضي الله عنه.
بالصّدقة يعين الله المتصدّقَ على الطاعة، يهيّئ له طرقَ السّداد والرشاد، يذلِّل له سبلَ السعادة، قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:5-7].
إخوةَ الإسلام، إنّ في بذلِ الصّدقات وإيجادِ المشاريع الخيريّة علاجًا لمشكلةِ الفقر التي وضع الإسلام لها حلولاً، وجعَل البرَّ والإحسان من بين تلك الحلول، والصدقة علاجُ حسَد الفقراءِ للأغنياء، تحمِي المجتمع من جرائم السّطوِ والانتقام، وقد حذّر النبيّ أمّتَه من خطورةِ سلوكِ الفقير حيث قال: ((إنّ الرجلَ إذا غرِم حدّث فكذَب ووَعد فأخلف)) رواه البخاريّ ومسلم
وإذا كنّا نطمَع في هذا الفضل فعلينا أن نلتزمَ آدابَ الصّدقة التي من أجلِّها أن تكونَ من كسبٍ طيّب ومالٍ حلال، قال تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267]. لا تُقبل الصدقة إذا كانت من حرام لحديث النبيّ : ((من اكتسَب مالاً من مأثم فوصَل به رحمَه أو تصدّق به أو أنفقَه في سبيل الله جُمع ذلك كلّه، فقذِف به في جهنّم)) رواه أبو داود. (ومن آدابِها أن تكونَ خالصةً لوجهِ الله تعالى، لا يشوبها رياءٌ ولا سمعة، وأن يوجّه نيّتَه في الصّدقة إلى الله، قال رسول الله : ((إنّما الأعمال بالنّيات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى))أن لا يستكثرَ بصدقته لقوله تعالى: وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ [المدثر:6]، وهنا إظهارُ جلالُ الإسلام وجماله الذي ينهَى عن المنّ الثقيلِ والرّياء الذّميم، قال تعالى: قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، ولو أنّ المحسِنين يعلمون ما يقاسِيه الفقراء عند السّؤال من عنتٍ وذلٍّ ولوعةٍ وحسرة ما قلّبوهم على جمراتِ المنِّ ولا جرّعوهم غضاضةَ الفقر ومرارةَ الرياء. ما أكثرَ الكرماءَ والمحسِنين، ولكن ينبغي أن لا نستذلَّ بأموالنا الرّجال ونستعبِد النّفوس. فالعاقل يسابِق في ميدانِ الخيراتِ بالصّلة والبرّ والإحسان، ينفق على الفقراء الذين عضّهم البؤس، يحسَبهم أغنياءَ من التعفّف، وهم يقاسون ألمَ الجوعِ والفَقر والشدّة والعُسر، ليس هم أولئك الذين اتّخذوا من التسوّلَ مِهنةً ومن الشحاتةِ حِرفة حتّى غدَا بعضُهم من الموسِرين الأغنياء، وفي صحيحِ البخاريّ أنّ رسولَ الله قال: ((ليسَ المسكينُ الذي يطوف على النّاس، تردّه اللّقمة واللّقمتان والتّمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجِد غنًى يغنيه، ولا يفطَن به فيتصدَّق عليه، ولا يقوم فيسأل النّاس)) أخرجه البخاري.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم فاستغفِروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، الرّحمن الرحيم، أحمدُه سبحانه وأشكره أن هدانا للصّراط المستقيم، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحدَه لا شريك له العظيم الحليم، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فيا عبادَ الله، الصّدقة لها معنًى واسع، فهِي تشمَل عملَ كلّ خير، إرشادُ الضالّ، إماطةُ الأذى، العدلُ بين اثنين، التبسّم في وجه أخيك المسلم، غرسُ شجرة، تعليمُ علمٍ نافع، إصلاح ذات البَين، الكلمَة الطيّبة صدقة، قال رسول الله : ((على كلّ مسلمٍ صدقة))، فقالوا: يا نبيَّ الله، فمن لم نجد؟ قال: ((يعمل بيده فينفَع نفسَه ويتصدّق))، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: ((يعين ذا الحاجةِ الملهوف))، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: ((فليعمَل بالمعروف وليمسك عن الشرّ، فإنّها له صدقة)) أخرجه البخاريالإمساك عن الشرّ صدقةٌ، خاصّة في هذا الشّهر المبارك الذي تهفو فيه القلوب إلى بارئها خوفًا وخشيَة، يمسِك المسلم عن الشرّ طلبًا للأجرِ وابتغاءً للفضل. بينما يستمرِئ من لا خلاقَ لهم المعصية، وينتهِكون حرمةَ هذا الشّهر الذي يصفَّد فيه مردةُ الشياطين، وأفظعُ من ذلك الذين يتطاوَلون على ثوابتِ الدّين ومسلّماتِه، يجعَلون من هديِ المصطفَى مادّةَ سخريّة واستِهزاء، يشوّهون سنّة اللّحية وينفّرون من أحكام الدّين كالحجاب، ويميّعون الدّينَ مع الهمزِ واللّمز للصّالحين من المؤمنين، باسم التسليةِ والتّرفيه وتقويمِ المجتمع. وهل يقوَّم المجتمع بتسفيهِ الحجاب واحتقار المَحرَم ودغدَغة مشاعرِ المرأة بالتمرّد على قوامَة الرّجل؟! إنّ هذا الفعلَ عواقبُه وخيمة، وضررُه عظيم في الدّنيا والآخرة.
ندعو الجميعَ إلى التّوبة في شهر التّوبة والإنابة في شهر الأوبَة، حتى يرفعَ الله ما حلَّ بنا من قحطٍ وشدّة وجدب وما نزل بأمّتنا من ذلٍّ وهوان، قال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].
  • ألا وصلّوا ـ عبادَ الله ـ على رسولِ الهدى، فقد أمَركم الله بذلك في كتابه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولِك محمّد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {تحت التنسيق والتج



الدنيا في ميزان الشرع - 21/8/1424 - الثبيتي

الدنيا في ميزان الشرع
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب
الزهد والورع
-----------------------
عبد الباري بن عواض الثبيتي
المدينة المنورة
21/8/1424
المسجد النبوي
-
-
-------------------------
ملخص الخطبة
1- الدنيا مزرعة. 2- قلة الدنيا في جنب الآخرة. 3- الدنيا دار ممر. 4- مثل الدنيا في القرآن الكريم. 5- تنافس الناس على الدنيا. 6- خوف النبي على أمته فتنة الدنيا. 7- المفتونون بالدنيا. 8- مفهوم خاطئ عن الزهد. 9- الدنيا التي يذمها الإسلام. 10- مغبة التفريق بين الدين والدنيا. 11- الدنيا في المفهوم الإسلامي. 12- نظرة الكفار للدنيا.
-------------------------
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فإنّ الدّنيا دارُ اختبارٍ وبلاء، وعليه فإنّها مزرَعةٌ للآخرة، يزرع النّاس فيها اليومَ ليحصدوا غدًا في الآخرة، قال الله تعالى: الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2]، وهي صائرةٌ إلى فناءٍ وزوال، قال الله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلْالِ وَالإكْرَامِ [الرحمن:26، 27].
أمرُ الدّنيا في جنب الآخرة قليل، قال الله تعالى: وَفَرِحُواْ بِالْحياةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحياةُ الدُّنْيَا فِى الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ [الرعد:26]، عن المستورد بن شدّاد قال: قال رسول الله : ((ما الدّنيا في الآخرة إلاّ مثل ما يجعل أحدكم إصبعَه في اليمّ، فلينظر بماذا يرجع)) أخرجه الترمذي، وفي حديث ابن مسعود: اضطجَع رسول الله على حصير فأثّر في جنبه، فقيل له: ألا نأتيك بشيء يقيك منه؟ فقال: ((ما لي وللدنيا؟! إنّما أنا والدّنيا كراكبٍ استظلّ تحت شجرةٍ ثمّ راح وتركها)) أخرجه البخاري.
الدّنيا ـ عبادَ الله ـ ليست دارَ مقرّ، بل هي دار ممرّ، منذ أن تستقرّ قدمُ العبد في هذه الدّار فهو مسافِر إلى ربّه، ومدّة سفره هي عمرُه الذي كُتِب له، ثمّ قد جُعِلت الأيّام والليالي مراحلَ لسفره، فكلّ يوم وليلةٍ مرحلة من المَراحل، فلا يزال يطويها مرحلةً بعد مرحلة حتّى ينتهي السّفر، فالكيِّس الفطِن هو الذي يجعل كلَّ مرحلةٍ نصبَ عينيه، فيهتمّ بقطعها سالمًا غانمًا، فإذا قطعهَا جعل الأخرى نصبَ عينيه.
هذه الحقائقُ عن الدّنيا تحجبُها عن تأمُّل القلب جواذبُ الأرض وفِتن الدّنيا، وفي الحديث يقول النبيّ : ((إنّ الدنيا حلوَة خضِرة)) أي: حلوة المَذاق، خضِرة المنظَر، الشيء إذا كان حلوًا ومنظره طيّبًا فإنّه يفتن الإنسان، وهكذا الدّنيا حلوَة خضِرة، ثمّ يقول : ((وإنّ الله مستخلفُكم فيها، فينظر كيف تعملون)) أخرجه مسلم.
وصف القرآن الكريمُ الدنيا كزهرةٍ تزهِر بنضارَتها، تسحَر الألباب، تستهوي القلوبَ، ثمّ لا تلبث إلا برهةً حتى تذبُل فتتلاشى تلك النضَارة، وتحطّمها الريح، كأنّها لم تكن، هكذا مثل الدّنيا، زهرةٌ فتّانة غرّارة تغدر وتُغوي، فإذا أقبلت عليها النفوس وتعلّقت بها الألباب ذوَت أيّامها واستحالت نضرتُها إلى هشيم، فغدت نعمتُها غرورًا، وصدق الله: وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحياةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرّياحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلّ شَىْء مُّقْتَدِرًاِ ِالْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحياةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:45، 46].
إنّ هذا التصويرَ البليغ يُجلِّي حقيقةَ الدنيا في ميزان الإسلام، كيلا يصبِح الناس عبيدًا لها، تستهويهم خضرتها، ويؤثرونها على نعيمِ الآخرة، وليس مِن سداد الرّأي أن يبيعَ العبدُ دينَه بدنياه، فيتكثّر بالحرامِ وجَمع الحُطام.
وتراكض الناس في طلب الدنيا خوفًا من فواتها وطمعًا في المزيد، ويبذلون الأوقات النفيسةَ ويقاسون شدّةَ الطلب، بينما قد يفرّطون في الصّلاة ويقعدون عن الجماعة ويتساهلون في الطّاعة وتلاوة القرآن ويتثاقلون في البذل والإنفاق.
إنّ الحياةَ الدّنيا مهما بلغ شأوُ نعيمِها لا يزن ذرّةَ رملٍ من معين الدّار الآخرة، وإنّ أعظمَ ما في الدّنيا من مصائبَ وشدائد يهون أمامَ نعيم دار الآخرة ولا يعادِل مقدارَ شرارةٍ صغيرةٍ من عذاب جهنّم.
كان النبيّ يتخوّف من فتحِ الدّنيا على أمّته، يخاف عليهم الافتتانَ بها، فعن عمرو بن عوف أنّ النبيّ قال للأنصار لمّا جاءه مالٌ من البحرين: ((أبشِروا وأمِّلوا ما يسرُّكم، فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكنّي أخشى أن تُبسَط عليكم الدّنيا كما بُسِطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلِككم كما أهلكتهم)) أخرجه البخاري ، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أنّ النبيّ قال: ((إذا فُتحت عليكم فارسُ والرّوم أيّ قومٍ أنتم؟)) قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله، قال رسول الله : ((أو غير ذلك؛ تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثمّ تتدابرون، ثمّ تتباغضون)).
هذه ـ عبادَ الله ـ بعضُ آثار فتحِ الدّنيا، تنافسٌ ثمّ تخالُف ثم تقاتل وسفكٌ للدّماء، ومِن آثارها الانغماس في التّرف ونسيان الله والدّار الآخرة والسّقوط في المعاصي والآثام.
روي عن الحسن البصريّ أنّه قال: "رحِم الله أقوامًا كانت الدّنيا عندهم وديعة، فأدَّوها إلى من ائتمنهم عليها، ثمّ قاموا حفافًا"، وقال مالك بن دينار: "بقدرِ ما تحزن للدّنيا يخرج همّ الآخرة من قلبك، وبقدر ما تحزن للآخرة يخرج همّ الدنيا من قلبك".
طغى حبّ الدنيا على قلوبِ بعضِ النّاس واستهوتهم خضرتها، يصرف لها همّه، يحرّك فيها همَّته، عبدوها من دون الله، آثروها على... الآخرة، وفيهم يقول رسول الله : ((تعِس عبدُ الدّينار وعبد الدّرهم وعبد الخميصة، إن أعطِي رضي، وإن لم يُعْط سخِط)) أخرجه البخاري.
وتسربَل آخرون بالفَقر والمسكَنة والذلَّة وهجر الطيّبات، يرغبون في الأجور والزّوايا بزعم التفرّغ للعبادة وإيثار عملِ الآخرة، ويصابون بعد ذلك بداءِ الكَسَل والإخلاد إلى الرّاحة وداء الطمَع بعطاءات النّاس ومِنحهم وما يبذلونه لهم من مآكلَ ومشارب، تركوا عمارةَ الأرض وأردفوا بها...، ويصوغونها ويصوغها صنّاع الضلال.
إنّ فقدَ التوازنِ بين أمورِ الدنيا والدين أضعَف الأمّةَ وقعَد بها عن أداءِ دورها في قيادة الأمَم.
الإسلام ـ عبادَ الله ـ لا يحرّم الطيباتِ ولا يذمّ المنافعَ والمآكل والمشارب والأموال،(( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرّزْقِ)) [الأعراف:32].
ولا يُفهم ممّا سبق تركُ السعي في عمران الدّنيا وبنائها الحضاريّ والانتفاع بخيراتها، بل المراد أن يأخذ المرء من الدّنيا ضمنَ الحدود التي أذن الله بها، وأن لا تكون متاعًا للهموم يَرفع متاعها فوق كلّ القِيَم، تُفقِدْ الإنسانَ وعيَه، تفسِد عليه دينَه وأخلاقه.
الدّنيا التي يذمّها الإسلامُ دنيا الشهواتِ والملهِيات، دنيا تضييعِ الحقوق والواجبات والتّساهل بالمحرَّمات، الدنيا التي تشغل عن الله وتلهي عن الآخرة، أراد الله أن تكونَ الدّنيا مُلكًا لنا، فجاء صغار الهِمم وأبَوا إلاّ أن يكونوا مُلكًا لها.
إخوة الإسلام، إنّ المرتبةَ المثلى الجمعُ بين الدّين والدّنيا، بين الصّبر والفقر، بين التّقوى والغِنى، ولذا قال رسول الله : ((نِعم المال الصّالح للمرء الصّالح)) أخرجه البخاري، ويدعو رسولنا الكريم ربّه قائلاً: ((اللهمّ أصلِح لي ديني الذي هو عِصمة أمري، وأصلِح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلِح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعَل الحياة زيادةً لي في كلّ خير، واجعل الموتَ راحة لي من كلّ شرّ)) أخرجه مسلم.
إنّ التفريق بين شؤون الدّنيا وشؤون الآخِرة كان سببَ التّخلّف الذي أزرى بأمّتنا وأقعدها عن نشرِ رسالتِها، حين فهِم أقوامٌ مِن ذمّ الدّنيا إهمالَ الحياة الدّنيا وتركَ عمارتها والهروبَ عن إصلاحها وتنميتها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولّد فيهم ذلك سلبيةً مقيتة وانهزاميّة وضعفًا وخوَرًا يأباه الدّين، قال تعالى: ((وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا ءاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار)) [البقرة:201].
الحسنة في الدّنيا تشمَل كلَّ مطلوبٍ دنيويّ من عافية ودارٍ رحبة ورزق واسع وعلمٍ نافع وعمل صالح ومركَب هجِل وثناءٍ جميل، والحسنة في الآخرة أعلاها دخولُ الجنّة وتوابعُه من الأمنِ من الفزع الأكبر وتيسير الحساب.
والصّحابة هم القدوة والنموذجُ في فهم الإسلام، يأخذون بالأسبابِ في الكسب من تجارةٍ وزراعة، ويطلبون العلمَ ويبذلون في سبيل ذلك أوقاتهم ونفوسَهم وأموالهم، فيهم الأغنياءُ دون بطر والفقراء مع التعفُّف، ومع هذا كانوا أبعدَ النّاس عن التهالك على الدنيا، فتَحوا البلدان، وأنشؤوا المدُن، وأقاموا الدّولَ، ونشروا الإسلام.
كان بعضُ كبار الصحابة من الأغنياء، ولم يدعُهم رسول الله إلى ترك المال وترك الاشتغالِ بالتّجارة، كما أنّ الدّنيا لم تكن تساوي جناحَ بعوضة في حياتهم، قال سفيان بن عيينة: "ليس من حبّ الدنيا أن تطلبَ منها ما يصلِحك"، وعن سعيد بن المسيّب: "لا خيرَ فيمن لا يطلب الدّنيا يقضي به دَينَه ويصون به عرضَه، وإن مات تركهه ميراثًا لمن بعده".
الدّنيا في المفهوم الإسلاميّ وسيلة وذريعةٌ لتحصيل مقاصدِ الشريعة ومطيّة للآخرة، فإنّها إذا فسدت فربّما أدّى فسادُها إلى إيقاف الدّين، فلا شكّ أنّ الدين سيضعف إذا وصل حالُ أهلها إلى قلّةِ الرزق والقتل، فلا يُقبَل أن يقول مسلم: أنا أحفظ ديني وأدَع الدنيا يُعبَث بها ويُفسد فيها؛ لأنّ من صلحت حاله مع فساد الدّنيا واختلال أمورِها لم يعدم أن يتعدّى إليه فسادُها ويقدح فيه اختلالها؛ لأنّه منها يستمدّ، ومن فسَدت حاله مع صلاح الدّنيا وانتظام أمورِها لم يجِد لصلاحها لذّةً ولاستقامتها أثرًا؛ لأنّ الإنسانَ دنيا نفسِه، قال الله تعالى: ((وَابْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)) [القصص:77].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات، أحمده سبحانه وأسأله الفوزَ بالباقيات الصّالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله البريّات، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله المبشَّر بالمكرُمات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الفائزين بالجنّات.
أمّا بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
قال تعالى: ((يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مّنَ الْحياةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)) [الروم:7]. يحكي القرآن حالَ أقوامٍ نظرتُهم إلى الحياة الدنيا نظرة ضيّقة محدودة، يعلمون ظاهرَها، وهو ملاذُّها وملاعبها وأحسابها وشؤونها وعمرانها ومساكنُها وشهواتهم وأهواؤهم، ولا يعلمون باطنَها؛ مضارَّها متاعبَها فناءها، فعن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله قال: ((الدّنيا دار من لا دارَ له، ومالُ من لا مال، ولها يجمَع من لا عقلَ له)) رواه أحمد في مسنده.
إنّ هؤلاء الذين أخلدوا إلى الأرض لا يذكرون من دنياهم لا ينالون من دنياهم للذّتهم بطائل ولو جمعوا وملكوا كلَّ عروشِها، ويظلّ الظمأ النفسيّ واللّهَث المادّيّ في تواصُلٍ دائم، قال تعالى: ((وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَاكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث)) [الأعراف176].
ألا وصلّوا ـ عبادَ الله ـ على رسولِ الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا)) [الأحزاب:56].
اللهمّ صلّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمّد، وارض اللهمّ عن خلفائه الأربعة الراشدين...
 

محب الكعبة الشريفة

مشرف تسجيلات
مشرف تسجيلات الموقع
15 نوفمبر 2007
5,006
7
0
الجنس
ذكر
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {في حلّتها الجديدة

للتثبيت بإذن الله ،،،

واصلي أختي ، وثابري على هذا المنوال الرائع !!
 

محب عادل الكلباني

عضو كالشعلة
20 يوليو 2008
367
1
0
الجنس
ذكر
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {في حلّتها الجديدة

بارك الله فيك مجهود تشكر عليه
 

محمد الشهري.

مزمار داوُدي
1 مارس 2007
4,154
92
0
الجنس
ذكر
علم البلد
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {في حلّتها الجديدة

جزيتِ خيراً أختي الكريمة ,

ووفق الله شيخنا لكل خير .

 

النداء الخالد

مشرف تسجيلات الموقع
مشرف تسجيلات الموقع
1 يونيو 2006
2,489
17
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
سعد سعيد الغامدي
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {في حلّتها الجديدة

..


ما شاء الله ، تبارك الله ،

لم أكن أعلم شيء عن الشيخ عبد الباري ، فقط أحبه .

لما قرأت سيرته تضاعف حبي له ، وأمثال هؤلاء تفخر الحرمين بهم .

أسـأل الله أن يضاعف حسناتك ، وأن يجعل ما قدمته لهذا العالم الجليل قائدا لك إلى رضوان ربك .


..
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {في حلّتها الجديدة

جزاكم الله خير الجزاء
ولا تنسوني وشيخي من الدعاء
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {في حلّتها الجديدة


jewelst-r7eb1.gif
tajmeel1yh6ps2.gif

خطبة الجمعة في المسجد النبوي بالمدينة النبوية


لفضيلة الشيخ : عبدالباري الثبيتي


بتاريخ : 25- 5-1424هـ

وهي بعنوان : التفكر في عظمة الله وقدرته


الحمد لله، الحمد لله المتفرد بالعظمة والجلال، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه المسداة في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكبير المتعال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، دلّ على طريق الخير وحذر من الغواية والضلال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي الأحلام والنُهى.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال تعالى:
image001.gif
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
image002.gif
[آل عمران:102]، قال تعالى:
image001.gif
وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
image002.gif
[الأنعام:91].
إخوة الإسلام، خفَتَتْ عظمة الله في نفوس بعض المسلمين اليوم، وعظم في نفوسهم قدر قوى الأرض البشرية، حين رأوا مُنجزات الحضارة المادية ونتاجها العلمي، من هندسة الصفات الوراثية, إلى الاستنساخ, إلى الصواريخ العابرة للقارات, إلى حرب النجوم, وضُروب المدافع والقنابل.
هذا التطور السريع والنمو الكبير في آليات التقدم المادي جعل فئاماً من الخلق يصابون بالانبهار، وتتسرب إلى دواخلهم الرهبة والهلع, وتضطرب نفوسهم, وتهزم عزائمهم، وهذا يحطم المجتمعات, ويزلزل بنيانها, ويحولها إلى مجتمعات حزينة منكسرة يائسة ضائعة, وحريٌّ بالمسلمين حين تهزهم عظمة البشر استحضار عظمة خالق البشر سبحانه، الذي يدبر أو الممالك, يأمر وينهى، يخلق ويرزق، يميت ويحيي، يداول الأيام بين الناس يقلب الدول فيسحب بدولة ويأتي بأخرى.
إن تعظيم الله عز وجل من أجل العبادات القلبية, وأهم أعمال القلوب التي يتعين ترقيقها وتزكية النفوس بها، لاسيما وأنه ظهر في زماننا ما يخالف تعظيم الله تعالى من الاستخفاف والاستهزاء بشعائر الله، والتطاول على الثوابت, والتسفيه والازدراء لدين الله، مع ما أصاب الأمة من وهنٍ وخورٍ وهزيمةٍ نفسية، قال تعالى:
image001.gif
مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً
image002.gif
[نوح:13].
إن الإيمان بالله عباد الله، مبني على التعظيم والإجلال له عز وجل، قال تعالى:
image001.gif
تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ
image002.gif
[مريم:90]، قال المفسرون: "يتشققن من عظمة الله عز وجل".

منزلة التعظيم تابعة للمعرفة, فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب، وأعرف الناس به أشدهم لهم تعظيماً وإجلالاً, وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته, ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته، فقال:
image001.gif
مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً
image002.gif
[نوح:13]، قال المفسرون: "ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته".

تعظيم الله وإجلاله ـ عباد الله ـ لا يتحقق إلا بإثبات الصفات له كما يليق به سبحانه، وروح العبادة هو الإجلال والمحبة، فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت.
لقد كان نبينا
image003.gif
يربي أمته على وجوب تعظيم الله، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله
image003.gif
فقال: يا محمد, إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي
image003.gif
حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر, ثم قرأ رسول الله
image003.gif
:
image001.gif
وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلاْرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوٰتُ مَطْوِيَّـٰتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
image002.gif
[الزمر:67]).
وورد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله
image003.gif
: قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر:
image001.gif
وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلاْرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوٰتُ مَطْوِيَّـٰتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
image002.gif
ورسول الله
image003.gif
يقول: ((هكذا بيده ويحركها، يقبلُ بها ويدبر يمجد الرب نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أما الملك, أنا العزيز، أنا الكريم))، فرجف برسول الله
image003.gif
المنبر حتى قلنا: ليخرن به.

فالله تعالى ـ عباد الله ـ هو الكريم العظيم, الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، أجل وأعلى، هو وحده الخالق لهذا العالم، لا يقع شيء في الكون من حركة أو سكون, أو رفعٍ أو خفض, أو عز أو ذل, أو عطاءٍ أو منع إلا بإذنه سبحانه، يفعل ما يشاء, ولا يُمانع ولا يُغالب، ولما قال الأعرابي لرسول الله
image003.gif
: فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، قال رسول الله
image003.gif
: ((ويحك! أتدري ما تقول؟!)) وسبّحَ رسول الله
image003.gif
, فما زال يسبح حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابه, ثم قال: ((ويحك! أنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه, شأن الله أعظم من ذلك)) أخرجه أبو داود.

عباد الله، على قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب، وأعرف الناس به أشدهم لله تعظيماً وإجلالاً، تأمل آيات الله وإعجازه في الكون، في كتاب مقروء، وصفحات مشرقة منظورة، ليمتلئ قلبك إجلالاً وعظمة لله سبحانه:
image001.gif
فَسُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شيء وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
image002.gif
[يس:83].
تجد أمامك نافذة واسعة سعة الكون كله، إعجاز باهر, وآيات كريمة قد كتبت بحروفٍ كبيرة واضحة على صفحات الكون كله،
image001.gif
ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُـلّ شيء وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شيء وَكِيلٌ
image004.gif
لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ
image002.gif
[الزمر:62، 63].
انظر إلى الشمس والقمر يدوران، والليل والنهار يتقلبان, بل انظر إلى تكوين نفسك وتركيب جسمك، من ذا الذي جعله بهذا التركيب وهذا النظام العجيب
image001.gif
وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ
image002.gif
[الذاريات:21].
فكر في النبات والشجر, والفاكهة والتمر، وفي البحر والنهر، إذا طاف عقلك في الكائنات, ونظرك في الأرض والسماوات رأيت على صفحاتها قدرة الله, وامتلئ قلبك بالإيمان بالله، وانطلق لسانك بلا إله إلا الله، وخضعت مشاعرك لسلطان الله.
يقول عز وجل:
image001.gif
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ
image004.gif
قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ
image002.gif
[القصص:71، 72].
ماذا نفعل لو لم تطلع الشمس؟! ماذا نفعل إذا غاب القمر ولم يظهر؟! كيف نعيش! كيف نزرع! كيف نأكل! بل كيف نتعلم ونعلم غيرنا؟!
image001.gif
هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاء وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقّ يُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
image002.gif
[يونس:5].
إن من تفكر في ذلك خاف الله تعالى لا محالة؛ لأن الفكر يوقعه على صفات جلال الله وكبريائه، فهو سبحانه العزيز الكريم المتعال الواحد القهار، هو سبحانه القهار الذي قهر كل شيء وغلبه، والذي لا يطاق انتقامه، مذل الجبابرة, قاسم ظهور الملوك والأكاسرة، هو سبحانه القوي الذي تتصاغر كل قوة أمام قوته، ويتضاءل كل عظيم أمام ذكر عظمته.
إن هذا الجيل الذي صده عن السبيل الاستكبار, وعلاه الغرور, وأسكره الترف, وجعل كتاب ربه وراءه ظِهرياً بحاجة ماسة إلى أن يعرف ربه حقاً، ويعظمه صدقاً, بتدبر أسماء الله الحسنى، التأمل في آياته، التفكر في إعجازه، فمن استيقن قلبه هذه المعاني لا يرهب غير الله، ولا يخاف سواه، ولا يرجو غيره، ولا يتحاكم إلا له، ولا يذل إلا لعظمته، ولا يحب غيره.
أما الذين يهجرون القرآن, ويرتكبون المحرمات, ويفرطون في الطاعات، أما الذين يتحاكمون إلى شرع غير الله، ما قدروا الله حق قدره، الذين يسخرون من الدين ويحاربون أولياء الله, ويستهزئون بسنة سيد البشر, ما قدروا الله حق قدره، من شهد قلبه عظمة الله وكبرياءه علم شأن تحذيره جل وعلا في قوله :
image001.gif
وَيُحَذّرْكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ
image002.gif
[آل عمران:28]، قال المفسرون: "أي: فخافوه واخشوه".

ولأجل شهود صفات عظمته سبحانه وجلت قلوب المؤمنين لمجرد ذكره تعالى كما قال سبحانه:
image001.gif
إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
image002.gif
[الأنفال:2]، ويقول سبحانه:
image001.gif
وَبَشّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ
image004.gif
ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
image002.gif
[الحج:34، 35].
هذه -عباد الله- بعض عظمته سبحانه مما تتحمله العقول، وإلا فعظمة الله وجلاله أجل من أن يحيط بها عقل، فمن هذا بعض عظمته كيف يجعل في رتبته مخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً!! والذين لا يقدّرون الله حق قدره, ولا يعظمونه حق عظمته, تصاب نفوسهم بالوهن, وتمتلئ قلوبهم برهبة البشر، والهزيمة النفسية التي تظل تلاحقهم مهما أوتوا من قوة ونالوا من عدة وعدد، والهزيمة النفسية هي من أنكى الهزائم وأشدها خطراً على مستقبل الأمة, قال تعالى:
image001.gif
وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
image002.gif
[آل عمران:139].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى, وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله, صاحب النهج السوي والخلق الأسمى, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، إن امتلاء القلب بعظمة الله يولّد ثقة مطلقة بالله، ويجعل المسلم هادي البال ساكن النفس مهما ادلهمت الخطوب، إن استشعار عظمة الله تملأ القلب رضاً وصبراً جميلاً، فلا يحزننا تقلّّّب الذين كفروا في البلاد، فإنهم مهما علوا وتجبروا لن يصلوا إلى مطامعهم، ولن يحققوا أهدافهم الدنيئة، فالله هو القوي الذي لا يغلب، لقد بلغ فرعون ما بلغ من طغيان
image001.gif
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى ٱلأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْىِ نِسَاءهُمْ
image002.gif
[القصص:4]، فماذا كانت نتيجة الطغيان
image001.gif
فَأَخَذْنَـٰهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـٰهُمْ فِى ٱلْيَمّ وَهُوَ مُلِيمٌ
image002.gif
[الذاريات:40].
إن معرفتنا بعظمة الله تورث القلب الشعور الحي بمعيّته سبحانه، التي تفيض السكينة في المحن، والبصيرة في الفتن، فعندما لجأ رسولنا
image003.gif
إلى الغار, واقترب الأعداء حتى كانوا قاب قوسين أو أدنى, شاهرين سيوفهم، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا، فرد عليه رسولنا
image003.gif
ـ بكل ثقة ـ: ((ما ظنك باثنين الله ثالثهما)).

إن استشعار عظمة الله ومعيته تبعث في النفس معنى الثبات والعزة, وتقوي العزائم حتى في أشد حالات الضنك، وقد كانت هذه الحقائق جلية عند الصحابة حتى مع الحصار الاقتصادي والاجتماعي في شعب أبي طالب، ولم تمض سوى أعوام حتى فتح الله على أبي بكر وعمر وغيرهم أعظم انتصارات.
ومن قبل يقف موسى وجنوده عند شاطئ البحر فيقول بعضهم: إن فرعون من ورائنا والبحر من أمامنا, فأين الخلاص؟!
image001.gif
قَالَ أَصْحَـٰبُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ
image002.gif
[الشعراء:61]، فيرد نبي الله موسى عليه السلام استشعار لعظمة الله وثقة كاملةٍ بموعود الله
image001.gif
إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ
image002.gif
[الشعراء:62]، فكان بعدها النصر والتمكين.

ألا وصلوا عباد الله على رسول الهدى ...
 

بنت عبدالرحمن

مزمار داوُدي
14 مايو 2008
3,629
10
0
الجنس
أنثى
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {في حلّتها الجديدة

حفظ الله الشيخ عبدالباري من كل مكروه
وأعاده للحرم النبوي عاجلا غير آجل
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {في حلّتها الجديدة

حفظ الله الشيخ عبدالباري من كل مكروه
وأعاده للحرم النبوي عاجلا غير آجل
آآآآمين جزاك الله خير يا أحلى نجمة
وجعل الله كل حرف في هذه الموسوعة في ميزان حسنات شيخنا عبد الباري
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {في حلّتها الجديدة

besme.gif



عيد الفطر 1422هـ: سوء الظن - الثبيتي

عيد الفطر 1422هـ: سوء الظن
-----------------------
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
أمراض القلوب, قضايا المجتمع
-----------------------
عبد الباري بن عوض الثبيتي
المدينة المنورة
1/10/1422
المسجد النبوي
-
-
-------------------------
ملخص الخطبة
1- العيد مناسبة لتوطيد العلاقات. 2- مفاسد سوء الظن ومظاهره وآثاره. 3- التماس الأعذار. 4- حمل كلام الناس على أحسن المحامل. 5- العبرة بالظاهر والبواطن موكولة إلى الله. 6- أسباب سوء الظن. 7- علاج هذه الظاهرة. 8- ضوابط الفرح بالعيد. 9- تذكر مآسي المسلمين في العالم وفي القدس. 10- نصيحة للنساء.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
لقد استروحنا في الأيام الماضية نسمات موسم من مواسم الخير من أجمل لحظات العمر، وهل هناك ألذّ من مناجاة الله والوقوف بين يديه وسماع آياته التي تشنِّف الآذان، وتطهّر القلوب وتزيد الإيمان. هنيئاً للمحسن القبول والفوز والغفران، وحريّ بالمسيء أن يُعزَّى على الحرمان، وعليه أن يتدارك ما فات قبل الممات، يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88، 89].
العيد مناسبة عظيمة لتوطيد العلاقات بين الناس التي هي من مقاصد الإسلام، سلامةُ الصدر الودّ التراحم الأخوة، والتعاطف، وإن علينا لِتبقى علاقاتنا مثبَّتة الجذور قوية البنيان، أن نقبل على الناس وصدورنا سليمة، نقبل عليهم بنفوس صافية، ووجه باشّ، وأن نحسن الظن في التعامل مع بعضنا، ونخلع المنظار الأسود عند النظر إلى أعمال الناس ومواقفهم وأقوالهم، حين نتأمل كثيراً من علاقات المسلمين ينقلب بصرك خاسئاً حسيراً على روابط تمزّقت وعرًى تخلخلت، لظنون وريب وشكوك وأوهام. كثيراً ما يطرق سمعك في مجالس المسلمين العامة والخاصة: فلان قصد كذا، وفلان نوى كذا، وفلان أراد من فعله أو قوله كذا، سوء ظن مقيت، يؤجِّج مشاعر الحقد والكراهية، يهدم الروابط الاجتماعية، يزلزل أواصر الأخوة، يقطع حبال الأقربين، ويزرع الشوك بين أفراد المجتمع، بل كم رأينا وسمعنا أحداثاً جساماً، وكوارث سودٍ نتيجة سوء ظن جاء في غير محله. إذا تسرّب سوء الظن إلى النفوس أدّى بها إلى الاتهام المتعجل، وتتبع العورات، وتسقّط الهفوات، والتجسّس الدنيء، ولذا ترى من يسيء الظن يقول: سأحاول أن أتحقق، فيتجسس وقد يغتاب، وقد يذكر أخاه بسوء، فيرتكب ذنوباً مترادفة ومعاصي قاصمة، وهنا مكمن الخطر، أن تُبْنى على أوهام سوء الظن علاقات المسلمين، وتُؤسَّس ولاآتُهم، فتغدو الظنون والأوهام محور الحب والبغض، وهذا وأد لمشاعر الود وهدمٌ لمعاني المحبة. إن شيوع سوء الظن يؤدي إلى أن يتراشق الناس بالتهم، ثم يسحبون الثقة من بعض، فيتباغضون ويتدابرون ويتقاطعون، الأمر الذي يؤدي إلى ذهاب ريحنا وفشلنا.
الظن - عباد الله - مبني على التخمين، بسبب كلمة أو عمل محتمل، والظن يجعل تصرف صاحبه خاضعاً لما في نفسه من تهمة لأخيه المسلم، فيتحكم الظن في التسويلات النفسية والاتجاهات القلبية، حتى تجد من يظن السوء يحمل لمن يظن به أطناناً من التهم بناها خياله، وكلّستها أوهامه نتيجة سوء ظنه بأخيه، بل إن تحيّة الإسلام إن كانت محفوفة بسوء الظن كانت شتيمة منكرة، وإن الابتسامة إن كانت مقرونة بسوء الظن فُسرت استهانة واستهزاءً، والعطاء والمدح يُفسران على وجه قد يقود إلى المعارك والاصطدام.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. قال تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ الظَّنّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إِثْمٌ [الحجرات:12]. دل سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة لتقدُّم النهي عن الخوض فيه بالظن، فإن قال الظان: أبحث لأتحقق، قيل له: وَلاَ تَجَسَّسُواْ، فإن قال: تحققتُ من غير تجسس، قيل له: وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً.
ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ الظَّنّ، نداء للمؤمنين، يأمرهم أن لا يتركوا أنفسهم نَهْباً لكل ما يهجس فيها حول الآخرين من ظنون وشبهات، وبهذا يطهّر القرآن الضمير من داخله أن يتلوّث بالظن السيئ فيقع في الإثم، ويدعه نقيًّا بريئاً من الهواجس والشكوك، أبيض يُكِنّ لإخوانه المودة التي لا يعكّرها ظن السوء، والبراءة التي لا تلوّثها الريب والشكوك، وما أروع الحياة في مجتمع بريء من الظنون، قال بعض العلماء: والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها أن كل ما لم تعرف له أمارةً صحيحة وسبباً ظاهراً كان حرامًا واجب الاجتناب، وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح، وأُونست منه الأمانة في الظاهر، فظنُّ الفساد والخيانة به محرم؛ بخلاف من اشتهر عند الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث. ولذا ذهب كثير من العلماء إلى أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز، وأنه لا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبح، عن سعيد بن المسيب قال: كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول الله أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًا، وأنت تجد لها في الخير محملاًإن هذا المنهج يتأكد مع أهل الفضل والخير، وهذا من فقه المقاصد والنيات الذي قد يفوت إدراكه على بعض الناس، حين يحكمون على أخطاء الآخرين دون اعتبار حال الشخص ونيته ومقصده، فربما تكون زلةَ لسان ولا يقصد المعنى الخبيث، كما بين ذلك ابن القيم رحمه الله حيث يقول: "والكلمة الواحدة يقولها اثنان يريد بها أحدهما أعظم الباطل، ويريد بها الآخر محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه، وما يدعو إليه ويناظر عنه"، ولهذا لم يُحكم بالكفر على الذي أخطأ من شدة الفرح فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك؛ لأنه لم يقصد تأليه نفسه. هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ينقل مقالة بعض المخالفين له ثم يقول: "هذا الكلام فيه إجمال، والمحق يحمله محملاً حسنًا، وغير المحق يدخل فيه أشياء" انتهى كلامه رحمه الله.
هذا هو المنهج السامق والتجرد الكامل الذي تربى عليه السلف الصالح، عدلٌ وإنصاف، رسمه للأمة علماء الملة، لقد حملوا العبارات المحتملة على الوجه الحسن، يغذي ذلك صدر سليم، وتجرد من الهوى مع سخاء نفس ونصح للأمة، فأين المسلمون من هذا المنهج؟!
ليس من منهج السلف الصالح تأويل الألفاظ، وليّ المعاني، والفرح بالعثرات، ومعاملة المسلمين بسوء الظن، ورحم الله القلاعي إذ يقول: "فقد يوحش اللفظ وكله ود، ويُكره الشيء وليس من فعله بد، هذه العرب تقول: لا أبا لك في الأمر إذا همّ، وقاتله الله، ولا يريدون الذم، وويل أمِّه للأمر إذا تم، ومن الدعاء: تربت يمينك، ولذوي الألباب أن ينظروا في القول إلى قائله، فإن كان وليًا فهو الولاء وإن خشن، وإن كان عدوًا فهو البلاء وإن حَسُن" انتهى كلامه رحمه الله.
من سوء الظن ـ عباد الله ـ حمل أقوال الآخرين وأفعالهم على محمل سيئ بتضخيم السيئات، والنظر إليهم بمنظار الاتهام والإدانة دون البحث عن الأسباب أو التماس المعاذير، وتفسير كل قول أو فعل يحتمل وجهين: وجهَ خير ووجهَ شر بوجه الشر، فسبحان الله كيف يحكمون على النيات والمقاصد؟! إن علم خبايا النفوس وأسرارها والمحاسبة عليها من خصائص الله سبحانه وتعالى الذي يعلم السر وأخفى، أما الإنسان فليس له من أخيه إلا الظاهر من عمله، وهذا ما كان عليه سلف الأمة الصالح، الذين أشربت قلوبهم تعاليم الإسلام الصافية النقية، أخرج عبد الرزاق عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (إن ناسًا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله ، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرًا أمنَّاه وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء، والله يحاسبه على سريرته، ومن أظهر لنا شرًا لم نأمَنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة)، فعلى المسلم أن يحاسب نفسه عن كل كلمة يتفوه بها أو حكم يطلقه، وليستحضر
قوله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
لسوء الظن أسباب عباد الله، أبرزها نشوء الفرد في بيئة معروفة بسوء الخلق وسوء الظن، من بيت أو أصدقاء، فيصبح سيئ النية خبيث الطوية، ومن اتبع هواه وقع في الظنون الكاذبة؛ لأن حب الشيء يعمي ويصم، فإذا مال الإنسان بهواه إلى آخر فإن هذا الميل ينسيه أخطاءه، ويحمله على تحسين الظن به، وإن كان مخطئًا في الواقع، وإذا أبغض إنسانًا آخر فإنه لا يميل إليه بهواه، فيحمله هذا على سوء الظن، وما يتبعه من التماس العثرات وتصيّد الأخطاء، وإن كان مصيبًا في الواقع.
بعض الناس يغتر بشخصه ويُعجب بنفسه فيرى نفسه دائمًا على حق والآخرين على باطل، يزكي نفسه، ويحتقر الآخرين، فيورثه ذلك سوء ظن مقيت.
إن ظاهرة إساءة الظن بالمسلمين قد انتشرت في زماننا، وأصبحت آفة تهدد الترابط والوحدة بين أفراد المجتمع المسلم، وهذا يؤثر سلبًا على قوة المجتمع وقدرته على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
إن الظن السيئ والاتهام والتسرع رُوِّع به أناس، وظُلِم به أقوام، وهُجِر به صلحاء دون مسوِّع شرعي، كما قال الأول: وأرى العداوة لا أرى أسبابها، كل ذلك بسبب أسانيد منقطعة، وسلاسل مظلمة، ظنٌّ آثم، فغيبة نكراء، فبهتان وافتراء، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً [الأحزاب:58].
إخوة الإسلام، إذا تقرر لدينا أن سوء الظن آفة مهلكة، فلا بد من العمل على العلاج لئلا يستشري الداء ويهلك الحرث والنسل، ومن العلاج إحسان الظن بالناس، تجنّب سوء الظن بهم، فكّر طويلاً قبل أن تحكم أو تتهم، ولأن تخطئ بحسن الظن أفضل من أن تخطئ بالتسرع بسوء الظن، قال عمر رضي الله عنه: (ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرًا، وأنت تجد لها في الخير محملاً).
من العلاج التماس المعاذير للناس، ترك تتبع العورات والتماس الزلات، التنشئة على الالتزام بآداب الإسلام في الحكم على الأشياء والأشخاص من الاعتماد على الظاهر وترك السرائر إلى الله وحده الذي يعلم السر وأخفى.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
إن هذا العيد يوم فرح وسرور، يظهر فيه البشر والحبور، ويتجمل فيه بأحسن الملابس مع التمتع بالحلال. العيد مظهر من شعائر العبودية لله سبحانه، يأتي تتويجًا لعبادة الصوم التي من أبرز مدلولاتها الولادة الجديدة للمسلم بلا آثام ولا خطايا، فليس من العيد عباد الله، ليس من العيد والفرح المحمود التلذذ بالمعاصي والخروج على القيم، ليس من العيد كسر الموازين الاجتماعية والعبث الماجن.
إن عيد المسلمين لا بد أن يكون منضبطًا بقيم الشرع وأخلاق الإسلام كي لا تتحول الأعياد في مجتمعات المسلمين إلى سهرات محرمة، ورقصات ماجنة، وتضييع لأوقات الصلوات، فتمحو الذنوب أثر الصيام والقيام من النفوس.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وفي العيد لا نملك مقاومة آلامنا بمآسي المسلمين التي أحدثت جرحًا غائرًا في جسد الأمة المكلوم، فكم من بقعة ساخنة، دماء أهلها مسفوحة، ها هي الأنباء صباح مساء تحمل إلى كل مسلم تلك المآسي، فيعتصر القلب ألمًا ويُكوى الكبد أسى.
ومن بين ركام المأساة تبلغك شكوى الشيوخ، وبكاء الأطفال، وصيحات اليتامى، وصرخات الأمهات، هناك من إخوانكم من ينشد الأمن والطمأنينة، هناك من يتحسس حنان الأمومة وعطف الأبوة، هناك من يحنّ إلى من يمسح رأسه، ويخفف بؤسه، لكن هيهات هيهات، فالمأساة أكبر من أمانيهم. نسأل الله أن يرفع عن المسلمين البلاء والضراء.
تذكروا هؤلاء وأولئك بنصرة قضاياهم، والدعاء لهم، وتفريج كربهم، وكفالة أيتامهم، ومواساة الثكالى وأصحاب الحاجات.
أما القدس فهي في القلوب والعقول والمشاعر، بل هي فوق كل الاعتبارات الآنية والمصالح الدنيوية، لن تفرِّط الأمة في ذرة من ترابها، ولا سلامَ ولا استقرار بدونها، وكل الممارسات التي يمارسها العدو من استيطان وتهويد هي أمور غير شرعية، ترفضها الأمة كما ترفض الاحتلال ذاته. صبر ذلك الشعب طويلاً، وقدم تضحيات جسيمة، ودماؤه تراق على أرض فلسطين، وهم بأحجارهم وعصيهم وقفوا ضد اعتداء الغاصبين الذين نهبوا الأموال، وقتلوا الأبرياء، ونقضوا العهود والمواثيق. سجَّل أبناء تلك الأرض بطولات وتضحيات لا تتوقف أمام الصلف اليهودي الذي أقدممحامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية وما زالمحامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية على أبشع ما عرفت البشرية من وحشية، لماذا يحجم العالم عن ردع المعتدي، والأخذ على يديه؟! كيف يتأتى السلام، وهذه المذابح والبنادق والصواريخ تخرب الديار، وتحرق القلوب والأجساد، أجساد الشيوخ الركع والأطفال الرضع؟! قضية القدس ليست قضية تتعلق بالأرض، بل إنها تبقى قضية إسلامية تعني الأمةَ كل الأمة، والمسلمون لن يهدأ لهم قرار إلا باستعادة المدينة التي تشرفت برحلة الإسراء والمعراج، وإعادتها إلى سيادة المسلمين، وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
 

أبوهمام المكي

مزمار داوُدي
1 نوفمبر 2007
6,874
19
38
الجنس
ذكر
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {في حلّتها الجديدة

جزيتي الفردوس الأعلى من أعالي الجنان..
 

اللسان المكي

مراقب قدير سابق ومشرف تسجيلات قراء الجزيرة
مشرف تسجيلات الموقع
27 أغسطس 2008
4,802
43
0
الجنس
ذكر
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {في حلّتها الجديدة

الصـراحة يـاأختي المباركة :
الموسوعةعظيمة وجميلة وبديعة !!

وفقت للخيرات حتى الممات ..
 

الحوض موعدنا

عضو كالشعلة
28 أغسطس 2008
422
0
0
الجنس
ذكر
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {في حلّتها الجديدة

بارك الله فيك وحفظ الله شيخي وأعاده لنا سليمآ معافى
 

يارب عفوك ورضاك

مزمار ألماسي
5 أكتوبر 2008
1,323
0
0
رد: موسوعة الشيخ : عبد الباري الثبيتي - إمام وخطيب المسجد النبوي - {في حلّتها الجديدة


jewelst-r7eb1.gif
tajmeel1yh6ps2.gif


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين..
أما بعد...
فهذه موسوعة شيخنا ومعلمنا عبد الباري بن عواض الثبيتي حفظه الله ورعاه وقد حرصت على جمعها
ونشرها ابتغاء الأجر ورجاء دعوة صالحة من قارئ كريم لي ولشيخي...
قبل الختام أحب أن أدلكم على مؤلفات الشيخ حفظه الله..( مجموعة نفحات من منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وهي مجموعة الخطب التي وفقه الله لإلقائها في المسجد النبوي
أسأل الله العظيم أن يرزقني وإياه في هذا العمل الصدق والإخلاص وأن يعم بنفعه المسلمين والله الهادي إلى سواء السبيل
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ختاما أستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع