أخي الكريم القارئ؛
تنبه إلى أن الموضوع مطروح منذ سنوات، وقد طرأ العديد من المتغيرات على أحوال الفن؛ الأمر الذي قد يجعل الكلام لا يطابق الواقع في بعض أجزائه، على أنه مستقيم في جملته، فتنبه رحمك الله
(محمد مغربي)
تنبه إلى أن الموضوع مطروح منذ سنوات، وقد طرأ العديد من المتغيرات على أحوال الفن؛ الأمر الذي قد يجعل الكلام لا يطابق الواقع في بعض أجزائه، على أنه مستقيم في جملته، فتنبه رحمك الله
(محمد مغربي)
[align=center](بسم الل) [/align]
[align=center]مقدمة[/align]
الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ..
فهذه موسوعة مصغرة في مقامات المؤذنين، أقدم فيها صورة شاملة لفن التبليغ خلف الإمام في المسجد الحرام، وبلا شك فإنه فن من أجل الفنون، لا يدرك ذلك إلا المدقق الألمعي، وصاحب الحس اللوذعي.
وقد تبارى المبلغون في هذا الفن بالحرم المكي على مر الأزمان، وتنافسوا في إسعاد المصلين بأصواتهم العذبة ونغماتهم المطربة، وكان نتاج ذلك ثروة تراثية عظيمة لا تقدر بشيء، حصّلنا منها أقل القليل وفاتنا الجم الكثير، ومع ذلك ففي ما حصلناه جواهر و كنوز والحمد لله، فرحم الله هؤلاء العباقرة، ورحم من حافظ على تراثهم، ورحم من نقله لنا ومكننا من سماعهم، بعد أن صار جلهم بمكان لا نقدر فيه على الالتقاء بهم.
الشعائر والمقامات:
اعلم - رحمك الله - أن شعائر المؤذنين بمكة تقيدت بمقامات محددة يؤدى منها الأذان والإقامة وتبليغ التكبير وتكبير العيد ونداء القيام والعيد ونداء صلاة الميت، ورثها الأبناء عن الآباء والأجداد، فصارت علامة عليهم، وهذه المقامات حصرها بعضهم في جملة (بحمر دسج)، فكل حرف يشير إلى مقام أو أكثر .. كما يلي:
1- الباء = بنجكاه
2- الحاء = حسيني، حراب، حجاز صافي، حجاز كار، يماني حجاز
3- الميم = مايا، ماهور، مشورك
4- الراء = رست (رصد)، يماني رست، ركبي
5- الدال = دوكاه
6- السين = سيكاه، يماني سيكاه
7- الجيم = جهاركاه
فهذه 16 مقاما، منها ما كان يؤدى به التبليغ ثم اختفى واندرس (كيماني الرصد)، ومنها ما يؤدى به إلى الآن ولكن نادرا (كالمايا، والماهور، والمشورك، ويماني السيكاه)، ومنها ما يكثر التبليغ به إلى الآن (كالحجاز الصافي، والحسيني، ويماني الحجاز، والرست).
مقامات المناسبات:
كذلك .. فقد اختص بعض هذه المقامات بمناسبات معينة، فمثلا (المايا، والبنجكا) للأعياد والجمع، و(الماهور) لأيام للغيم والمطر ...
قواعد للتبليغ:
وللتبليغ قواعد وضوابط لا ينبغي للمبلغ أن يخالفها؛ منها أن تكون التكبيرة الأولى (تكبيرة الإحرام) وتكبيرات الميت وتكبيرات صلاة العيد والاستسقاء المعدودة ليست من مقام معين، وأن تكون تكبيرة الركوع وتكبيرة الجلوس بين السجدتين والنزول للسجدة التي قبل التشهدين وتكبيرة الوقوف من السجود والوقوف من التشهد الأوسط والتسليمة الأولى بالجواب، وأما تكبيرة السجدة التي بعد الركوع وتكبيرة الجلوس للتشهد الأوسط والتشهد الأخير والتسليمة الثانية فتكون بالقرار، وأن تكون سجدة التلاوة والرفع منها بمقام مختلف عن المقام الأصلي.
كيف يختار المبلغ المقام؟
ويتوقف المقام الذي يؤدي به المبلغ على مقام القارئ، وليس معنى هذا أنه إذا قرأ الإمام بالرست فعلى المبلغ أن يبلغ من مقام الرست .. لا .. بل ينتقي مقاما يناسب الرست، وكذلك فإن طبقة صوت الإمام لها دخل في اختيار المقام، فمثلا .. كل من السديس والشريم يقرآن من مقام الرست، ولكن ما يناسب السديس يختلف عما يناسب الشريم، فالشريم مثلا يناسبه (الرست، والحسيني، وحجاز الكار) بينما السديس يناسبه (الحراب، والحجاز الصافي، والجهاركاه، ويماني الحجاز)، وهذا بسبب اختلاف طبقة الصوت بالرغم من توحد مقام القراءة.
إمكانيات المبلغين:
وقد اختص بعض المبلغين ببعض المقامات، فمنهم من تقيد بمقام واحد لا يغيره كالشيخ عبد الملك ملا رحمه الله وكان لا يؤدي إلا بالحسيني، ومنهم من أدى بعض المقامات كالشيخ أحمد بصنوي والشيخ إبراهيم عباس والشيخ علي معمر، ومنهم من أدى كثير منها كالشيخ حسان زبيدي والشيخ فاروق حضراوي والشيخ علي ملا والشيخ محمد رمل، ومنهم من أدى أغلبها كالشيخ نايف فيده والشيخ محمد شاكر، والكلام هنا يقتصر على مؤذني هذا الجيل، أما القدامى فلهم شأن آخر.
وبالعكس .. فهناك مقامات لا يؤدي بها إلا مؤذن واحد كمقام المشورك ولا يؤدي به الآن إلا الشيخ أحمد بصنوي، ومقام يماني السيكاه ولم أسمعه في هذه الأيام إلا من الزبيدي رحمه الله، ومن المقامات من يشترك فيه مبلغين كالجهاركاه لا يؤدي به الآن إلا الفيده وشاكر، ومقام الركبي ولم أسمعه إلا من الفيده ومحمد شاكر، والماهور أدى به الزبيدي والفيده والحضراوي، وهناك من المقامات ما يؤدي به غالب المؤذنين كالحسيني والسيكاه ويماني الحجاز وحجاز الكار والحجاز الصافي.
وقد تميز بعض المبلغين في بعض المقامات وأتقنوها وأصبحت علامة عليهم، فمثلا مقام البنجكا ومقام الحجاز الصافي تفوق فيهما الملا، ومقام الرست للحضراوي، وحجاز الكار للزبيدي، والجهاركاه للفيده، والحراب للبصنوي ...
الخلط بين المقامات:
وأما مسألة الخلط في المقام فتعد من أخطاء الفن، فإذا دخل المبلغ في الركعة الواحدة من مقام على مقام آخر فإن هذا عيب في التبليغ، وللأسف يقع هذا في الوقت الحالي من بعض المبلغين، أما تنويع المقام من ركعة لركعة بحيث يؤدي الركعة الأولى بمقام والثانية بمقام آخر فهذا لا شيء فيه، وقد سمعته من فطاحلة التبليغ والمقامات كالشيخ عبد الله بصنوي والشيخ محمد شاكر والشيح حسان زبيدي والشيخ نايف فيده، ولكن بشرط ألا يتنافر كل من المقامين فله أن يأتي في الركعة الأول بالسيكا وفي الثانية بيماني السيكا كما فعل الزبيدي رحمه الله، أو في الأولى بالمايا والثانية بالبنجكا كما فعل أحمد بصنوي، أو في الأولى بالرست والثانية بالركبي كما فعل محمد شاكر، أو في الأولى بالرست والثانية بالمشورك كما فعل عبد الله بصنوي، والأفضل في كل الأحوال الالتزام بمقام واحد طول الصلاة، إلا إذا اضطر للتغيير لتغير مقام الإمام أو لتغير طبقة صوته.
لكل مقام صوت:
وهناك من المقامات ما يناسبه صوت معين بمواصفات معينة فمثلا مقام الجهاركاه يحتاج إلى صوت حنون لذا ناسبه صوت الفيده، ومقام الرست يحتاج إلى صوت عريض رخيم فناسبه صوت الحضراوي، ومقام الحجاز بفروعه يحتاج صوت قوي جدا وحاد فناسبه صوت الملا وصوت الزبيدي، ومقام الماهور يحتاج إلى صوت مطرب (بمعنى الطرب لا الغناء) فناسبه صوت الرمل ...
تغير الحال:
ومن يتابع ويستقرئ حال التبليغ قديما وحاله اليوم يجد اختلافا بين الحالين، ولهذا الاختلاف مسببات، منها أن المبلغين قديما كانوا يعتمدون على أصواتهم وحدها دون مكبرات للصوت، فكانوا يعمدون إلى التبليغ من المقامات ذات الطبقة العالية كمقام الحجاز بفروعه ومقام الحسيني والبنجكاه والسيكاه والمايا، أما الآن فمع المكبرات أصبح الأداء بالمقامات ذات الطبقة الدنيا ممكنا كمقام الرست ومقام الركبي ومقام المشورك ومقام الجهاركاه، أضف إلى ذلك الحرية التامة التي كان يتمتع بها المؤذنون قديما خلاف القيود المفروضة عليهم الآن، وكذلك فإن عدد المصلين قديما كان قليلا نسبيا فلم يكن هناك حاجة للإسراع بالقراءة والركوع والسجود فكان المبلغ يأخذ راحته في أداء الجملة كاملة من المقام، أما الآن ولغرض الإسراع فأصبح المبلغ يختصر الجملة جدا حتى لا تستغرق وقت الركن ويدخل ركن في ركن بسبب إسراع الإمام بأداء الأركان.
خاتمة:
وهناك الكثير والكثير من المسائل الأخرى المتعلقة بهذا الفن يصعب ذكرها جميعها هنا في هذا المقام، ولعلنا نذكرها متفرقة فيما بعد عن شاء الله تعالى.
محمد مغربي
[align=center]ترقبوا في الحلقة القادمة !"!.!"!.!"! نماذج صوتية على المقامات المختلفة !"!.!"!.!"![/align]
التعديل الأخير:
