إعلانات المنتدى


حضن هديل و قبلة لطيفة

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

جويرية

عضو كالشعلة
6 مايو 2006
421
0
16
علي الرغم من توجهي إليهم بصفة مهنية صحفية هى شغلتى وشاغلى وما أعشق إلا أن وجهي هديل و لطيفه حول بوصلة اهتمامى تلك تماما..غلبتنى مشاعر الأمومة وحدها.. فلمسة على رأس لطيفه الذى أصابته الشظية كلمستى على رأس ميسون..ومسحة على عنق هديل الذى استحال استخراج الشظية منه كتلك التى احظى بها من سندس ابنتى ايضا ..يا الله هل أحبس دمعتى أم أطلق لها العنان ؟!




اخترت أن أحبسها ..لا لشئ إلا لأنها لا تكفى .. لا تكفى الدمعة أمام الشظية ..لا تكفى لمحو ألم .

..فحضن هديل له معنى..فهو كحضن الأرض وترابها فى فلسطين المكلومة .. وقبلة لطيفة بعيدة المغزى..كقبلة الحياة لا تدرى من يعطى بها الحياة للآخر وينقذه من صداقة الموت الذى رأياه رأى العين .

..يتيمتان فلسطينيتان ..صغيرتان رغم نضج غريب يبدو من التصرفات والكلمات ..مكلومتان ..ولكن ما ستشعر به – عزيزى القارئ – أكثر كلما وايلاما ..ستحبس أنفاسك ودموعك وستتذكر قول ابن عياض – رحمه الله- - الساكت ميت الأحياء ..فأحباءهم ما ماتوا استشهدوا وإنما نحن الساكتون الميتون!

..ستشعر أنك ميت وسط هؤلاء ..هذا هو ما سينقله إليك حضن من هديل أو قبلة من لطيفة .

فى الغرفة رقم 403 فى إحدى مستشفيات حي المعادى بالقاهرة ترقد لطيفة 8 سنوات و هديل 9 سنوات .و حميدة الأم التى نسفت ذراعها وهى تحمل اختهم الرضيعة .

إنها البقية الباقية من أسرة هدى الفتاة الفلسطينه التي قصفت قوات الاحتلال أسرتها على شاطئ غزة فى العاشر من يونيو الماضي .

فمن بيت لاهيا تلك البلدة الزراعية الجميلة الواقعة شمال غرب قطاع غزة تبدأ حكاية الأسرة المكونه من الأب المزارع البسيط على عيسي غالية وزوجتيه حميدة و رئيسة والأبناء ادهم و أيهم و أمانى و عالية و هنادى و صابرين , إلهام و هديل و هيثم و هدى , لطيفة ..

ففى عصر ذلك اليوم ..و ككل الأطفال انطلق هؤلاء يمرحون على الشاطئ مع أسرهم.

.لم يتوقع أحد أن يداعبهم شئ غير الشمس.. والرمال.. والأمواج .. ولكن قدر أطفال فلسطين هو أن تداعبهم القذائف على شواطئهم ..

وجه أم أيهم حميدة عليه بشاشة ووضاءة غريبة يستشعرها كل من يقترب منها ..وكعادة أمهات فلسطين تدهشك وهى تحدثك عما حدث فى رباطة جأش وقوة معنوية لا تضاهي..تقول: خرجنا إلى الشاطئ بعد صلاة الجمعة هربا من جو الحصار الخانق وحتى يستمتع الصغار ويفرحون بنجاحهم الدراسي ويقضون جزءا ممتعا من العطلة ..وبعد أذان العصر مباشرةً سمعنا صوت قذيفة دبابة صهيونية تنطلق في اتجاهنا .. وبعد قليل انطلقت أخرى فبدأ الناس يفزعون ويغادرون المكان ، استقرت القذيفة على بعد أمتار قريبة من المكان فأصيب العشرات من المُصطافين ، وبعد ثوان أخرى وبينما أخذنا نلملم حاجياتنا ونجمع الصغار انطلقت القذيفة الثالثة , لتحصد زوجى علي و4 من البنات هن ( عالية ) 24 سنة طالبة جامعية بجامعة القدس المفتوحة وكانت تتمنى الشهادة ، وصابرين ، ( 15 سنة)، وإلهام ( عشر سنوات ) ، وهنادي ( سنة وأربعة شهور) إضافة إلى الرضيع هيثم ( عمره أربعة شهور)..وأمه رئيسة .

فجأة وجدتهم بجوارى أشلاء- والكلام لـ حميدة - و عند صدرى جسم هنادى الذى طارت رأسه بينما كانت ترضع ..ظللت محتضنة الجسم بلا رأس حتى انتزعوه منى بصعوبة لدفنه بعد أن حملتنا سيارة الإسعاف.


مشهد طبيعي مألوف كثيرا ما يتكرر- أعزائي- أم تحمل رضيعها.. ولكنهم فى فلسطين يحملون الرضع أجساما بلا رؤوس ..للأمومة هناك معان أخرى و صفات ..وأجر!

زلافات و.. ذرة و..دم !

أنا ..أنا ..عمتو بدى أحكى هكذا كانت تصيح بى لطيفة وهديل لإكمال القصة ..

لطيفة التي يحزن الحزن من رؤية عينيها الذاهلتين ..صغيرة لها من العمر سبع سنوات مصابة بجرح قطعي في رأسها نتيجة شظية .. تقول: كنت أوزع الذرة المسلوقة على إخوتى عندما وقعت القذيفة علينا ، وضربتني في رأسي.. وتشرد نظرتها بعيدا وتتمتم :يا رب لما أرجع غزة ألاقى أبوى !

ومن لطيفة إلى هديل ..نظرات تمتزج فيها البراءة مع القوة هى هديل 8 سنوات التى أُصيبت بشظية استقرت في رقبتها بمنطقة حساسة فوق الشريان يتعذر معها وجود أية إمكانية طبية لإزالتها ، وليس هناك من حل سوي قيام الجسم بنسج مادة مخاطية حولها .. لتعيش هديل بها خوفًا من رفع الشظية فينفجر الشريان ويحدث ما لا يحمد عقباه كما صرح بذلك الأطباء المعالجون . وتروىالصغيرة جزءا مما حدث .. تقول : أنا بحب أجمع الزلافات ( الصدف) ، ولما ضربتنا الدبابة كنت بحطهم فى ظرف كيس وبعدين ما شفت غير أختي عالية ممدة على ظهرها على الأرض ، وهنادي بدون رأس, وناس مرمية كتير ، خِفت.. وبعدين لقيت بيدى دم فخفت أكثر وظليت أصرخ وأقول متنا ..متنا ..يا بويا ..متنا يا يما !

وهكذا أسفرت المذبحة الصهيونية على شاطيء غزة عن استشهاد سبعة شهداء بينهم ستة من أسرة علي عيسى غالية ، وإصابة 41 فلسطينيًا بجروح منهم ستة من أسرة غالية أيضًا ، ثلاثة يُعالجون بمستشفيات مصر حاليًا هم : هديل ولطيفة والحاجة حميدة عبدالله غالية ( الزوجة الثانية لعلي عيسى الذي توفيت زوجته الأولى معه في القصف ) ، وثلاثة يُعالجون بمستشفيات غزة .

أشلاء و..شلل.

على الجانب الآخر من غرفتهن بالمستشفى تجلس أم غسان عمة الأبناء وهى التى تقوم على رعايتهن وأمهن, كما إنها احدى خنساوات فلسطين.. قدمت 5 من الأبناء بينهم حفيد ..تقول : فى فبراير 2005 فارقنى محمد 17 سنه وسبقه إخوته هانى وبسام ومحمود وراجح بشهر واحد, كلهم استشهدوا بقذيفه كهذه انطلقت صوبهم ..ولكن طيف محمد العطر لا يفارقنى أبدا ..فقد كانت نفسه تهفو دائما للشهادة وكان متفوقا وحصل فى الثانوية العامة على تقدير 95 % .

يوم أن استشهد محمد لم يكن شيئا من جسده سليم سوى الرأس أما الباقى فأشلاء وشلل أفقده الإحساس تماما بجسده الممزق ..كنا نتكلم فى لحظات النزع الأخير بالأشارة برأسه ..أقوله أنت مؤمن يا محمد ؟..يهز رأسه بإيماءة تقول: نعم ..أقوله ع الجنة يا محمد ؟..يهز رأسه وينير وجهه عن ابتسامة من أقصى الوجه إلى أقصاه ..أى نعم .

وتكمل أم غسان تقول : محمد وكل ولادى عند الله وإحنا كمان بدنا نكون مثله وما بنخاف .

رزايا صيفية

لا تزال نظرات هديل ولطيفة تلاحقنى ..نظرات شاردة ..إن ضمتهن البسمة نزعتهن العَبرة..

صيفهن ..رزايا ..حمم ..ولهب .

أفئدة تحولت من أقصى السعادة إلى منتهى الحزن..

هؤلاء هم أطفال فلسطين ..وهذا هو صيفهم .

و أشلاء و شلل هو حال أمتنا وليس حال الشهداء !

ناهد إمام

محررة صحفية من مصر
index.php
[/URL][/img]
 
التعديل الأخير:

فالح الخزاعي

مدير عام سابق وعضو شرف
عضو شرف
27 أغسطس 2005
11,537
84
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
رد : حضن هديل و قبلة لطيفة

قصص مبكية

لا حول ولا قوة إلا بالله إنه زمن الضعف والذل

جزاكم الله خيرا وبارك في جهودكم الطيبة وجعلها في موازين حسناتكم
 

الملتقى الجنة

مزمار ألماسي
17 مارس 2006
1,412
0
0
رد : حضن هديل و قبلة لطيفة

[glow=FF0000]لا حول ولا قوة إلا بالله
جزاك الله الجنة أخيتي
[/glow]
 

جويرية

عضو كالشعلة
6 مايو 2006
421
0
16
رد : حضن هديل و قبلة لطيفة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكرا لكما اخي الخزاعي واختي الملتقى الجنة على دعواتكما.
والله إن القلب ليحزن لحال المسلمين وما نملك سوى القول:
[align=center][blink]حسبنا الله ونعم الوكيل[/blink][/align]
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع