إعلانات المنتدى


قصة الامام سبويه مع الامام الكسائي

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

كمال المروش

مشرف سابق
2 يوليو 2006
8,187
128
63
الجنس
ذكر
هناك قَصَصٌ تبقى منحوتةً في صفحات الذاكرة، لا يمكن نسيانها؛ لغرابتها ولعنفوانها ولشدة وقعها على القلوب ..


سأحكي لكم اليوم قصة من عجائب القصص ، تُضحك وتُبكي ، وتُغضب وتفرِح ! تجعلك تقف على قدميك تارة، وتحتبي تارة! تُبكيك حتى إذا ما هلّ الدمع صرختْ في حناياك مقهقهةً ضاحكة، إنها قصة لا كالقصص ، فاسمعوها إن شئتم ..


من منكم من لا يعرف سيبويه ! أو لم يَطْرق آذانه هذا الاسم ! نعم هو سيبويه! يعرفه الصغير والكبير ، اسمه عمرو بن عثمان بن قَنْبَر ، وسيبويه لقبٌ له ومعناه (رائحة التفاح) ، وكان لا يزال من يلقاه يشم منه رائحة الطِّيب ، أصلة من أرض فارس ونشأ بالبصرة ، ومات بشيراز وكان عمره يوم وفاته قد نيّف على الأربعين ..


القصة يا سادة أنه حدثت بينه وبين الكسائي المشهور مناظرة في عصر هارون الرشيد ، وبدؤها أن سيبويه حضر عند يحي بن خالد البرمكي فسأله يحي عن خبره فقال سيبويه : جئتُ لتجمع بيني وبين الكسائي ، فقال : لا تفعل فإنه شيخ مدينة السلام وقارئها ، ومؤدب ولد أمير المؤمنين ، وكل من في المِصْر له ومعه ، فأبى إلا أن يجمع بينهما ، فعرّف الرشيدَ خبرَه ، فأمره بالجمع بينهما فوعده بيوم.


فلما كان ذلك اليوم غدا سيبويه وحده ! إلى دار الرشيد ، فوجد الفرّاء والأحمر وهشام بن معاوية ومحمد بن سعدان قد سبقوه ، وهؤلاء كلهم من أصحاب الكسائي ويقولون بقوله في مسائل النحْو ، فسأله الأحمر عن مائة مسألة فما أجابه عنه بجوابٍ إلا قال له الأحمر أخطأت يا بصري ، فوَجَم سيبويه وقال : هذا سوء أدب .


ثم حضر الكسائي ومعه خلقٌ كثيرٌ من العرب ، وكان سيبويه قد شقّ أمرُه عليه بما فعله معه خلف الأحمر ، فسأله الكسائي عدداً من المسائل ومنها مسألة العقرب والزنبور ، قال له الكسائي كيف تقول "قد كنتُ أظن أن العقرب أشدُّ لسعةً من الزنبور فإذا هو هي ، أو فإذا هو إياها ؟ فقال سيبويه : فإذا هو هي ، ولا يجوز النصب ، فقال الكسائي : لحنْتَ ، وخطّأه الجميع ، وقال الكسائي : العرب ترفع ذلك كله وتنصبه .


ودفع سيبويه قولَه فقال يحي بن خالد : قد اخلتفتما وأنتما رئيسا بلدَيْكما ، فمن يحكم بينكما وهذا موضعٌ مشكل ؟ فقال الكسائي : هذه العرب ببابك ، قد جمعْتَهم من كل أوْب ، ووفدتْ عليك من كل صِقْعٍ وهم فُصَحاء الناس وقد قنِع بهم أهل المِصْرَين ، وسمع أهل الكوفة والبصرة منهم فيُحضرون ويُسألون.


فقال يحي وجعفر : قد أنصفتَ ، وأمر بإحضارهم فدخلوا وفيهم أبو فقعس ، وأبو دثار ، وأبو ثروان فسُئلوا عن المسائل التي جرت بينهما فتابعوا الكسائي ، فأقبل يحي على سيبويه فقال : قد تسمع أيها الرجل ؟


فانصرف المجلس على سيبويه وأعطاه يحي عشرة آلاف درهم وصرفه ، فخرج سيبويه وصرف وجهه تلقاء فارس ، وأقام هناك حتى مات غمّاً بالذّرَب ، ولم يلبث إلا يسيراً ولم يعد إلى البصرة ..



ولما مرض سيبويه مرضه الذي مات فيه ، جعل يجود بنفسه ويقول :


يؤمِّل دنيا لتبقى له
---------- فمات المُؤمِّلُ قبل الأملْ
حثيثاً يُروِّي أصول النخيلْ
--------------- فعاش الفسيلُ ومات الرجلْ


قالوا : ولما اعتلّ سيبويه وضع رأسه في حِجر أخيه فبكى أخوه لمّا رآه لِما به ، فقَطرتْ من عينه قطرةٌ على وجه سيبويه ، ففتح عينه فرآه يبكي فقال :


أُخيَّينِ كُنّا فرّق الدهرُ بيننا
--------- إلى الأمد الأقصى ومن يأمنُ الدهرا


مات سيبويه رحمه الله غيضاً وكمداً مما جرى له مع الكسائي ، يقول الأصمعي : قرأتُ على قبر سيبويه بشيرازَ هذه الأبيات وهي لسليمان بن يزيد العدويّ :


ذهب الأحبةُ بعد طول تزاورٍ
--------------- ونأى المزارُ فأسلموكَ وأقشعوا
تركوك أوحش ما تكون بقفْرةٍ
-------------------- لم يُؤْنِسوك وكُربةً لم يدفعوا
قُضيَ القضاءُ وصِرتَ صاحب حفرةٍ
--------------- عنْك الأحبة أعرضوا وتصدّعوا


مات سيبويه رحمه ولكن قصته مع الكسائي وأصحابه لم تنتهِ ، فقد غضب صاحبه الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة مما حدث لسيبويه، فمضى ليأخذ بثأره.


يقول الأخفش ـ وكان من أصحاب سيبويه وكان أكبر منه سِنّاً :
" لما ناظر سيبويه الكسائيَّ ورجع وجّه إلي فعرّفني خبرَه معه ومضى إلى الأهواز ، فوردتُ بغداد فرأيتُ مسجد الكسائي فصليتُ خلفه الغداة ، فلما انْفتل من صلاته وقعد وبين يديه الفرّاء والأحمر وابن سعدان ، سلمتُ وسألته عن مائة مسألة، فأجاب بجواباتٍ خطّأتُه في جميعها ، فأراد أصحابه الوثوب عليّ فمنعهم، ولم يقْطَعني ما رأيتهم عليه عما كنتُ فيه ، فلما فرغتُ قال لي : بالله أما أنت أبو الحسن سعيدُ بن مسعدة؟ قلت نعم، فقام إليّ وعانقني وأجلسني إلى جنبه ... "


آآآآآآآه .. لقد أخذ الأخفش بثأر صاحبه الذي مات كمداً وغيضاً ، ولكن هل انتهت القصة إلى هنا؟! لا .. لم تنتهِ بعد ، فماذا بعدُ ؟!


العجيب أن بعض أولئك الذين قتلوه كمداً وعلى رأسهم الكسائي ، أدركوا فضل سيبويه ، ولكن بعد ماذا ؟


فقد قرأ الكسائيُ كتاب سيبويه على الأخفش سرّاً، ووهب له سبعين ديناراً ، وأما صاحبه الفرّاء ! فيقول الإمام ثعلب : " مات الفراء وتحت رأسه كتاب سيبويه "


ومن العجائب أن القصة لم تنته ، حدّث هارون الزيات قال :
" دخل الجاحظ على أبي وقد افتُصد فقال له : أدام الله صحتك ووصل غبطتك و لا سلبك نعمك ، قال : ما أهديت لي يا أبا عثمان ؟ قال الجاحظ : أطرفَ شيء؛ كتابَ سيبويه بخطِّ الكسائي وعرْض الفرّاء ! "


يا لها من قصة امتدت أحداثها ، ولم تنته بموت صاحبها !

بالله خبروني ايها النحويووووووووووووووووون خبروني خبروني
عن قصة احلي من هذه
نقلته لكم شكرا لكل نحوي اوغيره مر من هنا
اللهم ارحم سبويه والكسائي وجميع المسلمين



منقول
 

ابن المجمعة

مزمار فضي
1 أبريل 2009
636
2
18
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبدالله عواد الجهني
رد: قصة الامام سبويه مع الامام الكسائي

جزاك الله خيرا ياشيخنا
 

الكاسر

مزمار داوُدي
27 فبراير 2006
4,050
12
0
الجنس
ذكر
رد: قصة الامام سبويه مع الامام الكسائي

أخي الفاضل ابن عامر كمال

جزاكم الله خيراً على القصة (أو القصص) و تداعياتها و روافدها و رواسبها
مع جمال الطرح و عنصر التشويق

رحم الله علماء اللغة و علماء الشريعة عامةً
و أحسن الله إليكم
 

ابنةُ اليمِّ

مدير عام قديرة سابقة و عضو شرف
عضو شرف
26 مايو 2009
25,394
1,156
0
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: قصة الامام سبويه مع الامام الكسائي

هى حقًا قصة محفورة في صفحات الذاكرة
ولكني أقرأها الآن وكأني أقرأها لأول مرة
أسلوب مشوق وسرد مسبوك, ورواء رائع
جزاك الله خيرًا شيخنا الفاضل
والشكر موصول للأخ الكريم الكاسر لرفعه الموضوع
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع