إعلانات المنتدى


عصفوران ، يا بني الإنسان !

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

إبراهيم البراهيم

مراقب قدير سابق
5 يوليو 2008
2,964
22
0
الجنس
ذكر
[frame="2 80"]
بسم الله الرّحمن الرحيم ، أبدأ بحمد الله أن هيأ لنا مثل هذا الركن المبارك ، حفاظًا على الأصالةِ المجيدة ، واللغة التليدَة ..
وبعد :


فيبدو لي ومن أول وهلة ، أن هذه القصة ضلت سبيلها بين أوراق الزمن !

إذ ليس هناك ما يشير إلى كاتبها ولا إلى زمنها ولا إلى رموزها .

ولكني أخمن أنها قد عاشت في التيه كما عاش بنو إسرائيل ، فلم تعد تدرك منزلا ً ولا مأوى .

يقول كاتبها المجهول ، [ ا.خ ] !!

[ بعد عناء يوم كامل ، وجهد دؤوب متواصل
على غصن شجرة تلاقيا ، حطا جناحيهما وأسلما للراحة .
تفيآ ظلها ، مقابل حرارة الشمس ولهيبها .
استرقا النظر لبعضهما ، وكأن كلا ًّ منهما يريد أن يستأثر بالمكان دون الآخر .
قطع هذا الصمت الرهيب جناحٌ ممدودٌ من الأكبر والأعقل ، فقد أدرك أنه لا بد من العيش بسلام وأمان .
ولا سبيل إلا بحسن الجوار .

فقابله الآخر بجناح مرحب بحرارة ، وكأن الأمور هدأت والغرابة زالت .

مضت الأيام تلو الأيام ، وما ازداد صاحبانا إلا حبًّا وقربًا .
يغدوان ويروحان ، وهما مع ذلك متناغمان ، تسمع لهما من جمال الزقزقة سيمفوينة من العزف الذي تتراقص معه أشجار الغابة ، ويتمايل له سكانها .

وذات صباح ، غدا أحدهما باكرًا لجلب الطعام ، فحرث الغابة حرثًا ، حتى أتى بكل ما تلذ له المعدة وتطرب .
وقفل بها مثقلا ً متحاملاً على نفسه ، وما إن اقترب من مسكنه ومأواه حتى أدمى غصن شجرةٍ عقباه .

فلم يعد يقوى على حراك ، وصار مع المرض في عراك .
وأطلق أنـَّة قطَّعت قلب صاحبه المكلوم ، والذي لم يعد يدرك من القول إلا :
هل من طبيب ؟
وما من مجيب !
ما من مجيب !

وما زال على حاله مكلومًا يائسًا ، وبحال حبيبه بائسا ،،
حتى دل على حكيم العصافير ، في أرض المغاوير ..
يا الله ، أرض المغاوير ، إن دونها قطع الفيافي والقفار ، والأراضي والبحار .

ولكن؛ الحب يقرب كل بعيد .

مضى بعزم وثاب ، وبمسير خلاب ، أذهل أولي الألباب .
فقد أوصله الحب في نصف نهار !

غدا إلى الحكيم بإسراع ، فلم يأت للتنزه والاستمتاع .
وجاءته الوصفة الغريبة !
نبتة الأقحوان ، في أرض غسان .

يا الله !
أرض غسان ، فقط يا حكيم ، هذا كل شيء ؟
لا ، ولكن يلزمك أن تغدو كل يوم لتأتي بها طازجةً طرية .
تذكر : كل يوم .
حاضر يا حكيم .

وانطلق بسرعة الريح ، إلى حيث الأقحوان .

أصبح السفر جزءًا من حياته اليومية ، لأنه يهون من أجل الأحباب .

وما إن تكامل العلاج ، وقرب الشفاء ، غدا صاحبنا إلى أرض غسان على يقين بأنه لن يعود إليها ثانية ً .
ولكنه عاد هذه المرة لا كما أراد ،
المكان فارغ ، رسالة صغيرة مكتوب فيها : ( يا صاحبي ، شكرًا ولكن وداعًا !! ) .

أين صاحبي ؟ أين صاحبي ؟
لقد حار ، أحقًّا طار !
لا لا ، إنه يمزح ، بالتأكيد يمرح ، فاليوم يطير ويسرح ، نعم نعم ، إنه يمزح .

مر اليوم واليومان ، ورفيقنا حيران .
هام على وجهه في كل مكان ، مد النظر ، ولكن لا أثر ، لا أثر !

هزل الجسد مع الذكريات ، ووهن العزم مع الماضي ، وحار العقل وزال الفكر .
وقربت المنية ، فقال بعزم وثبات : [ سامحك الله يا صاحبي ، فإني أحبك ، أحبك ، أحبك ] ، ولفظ الأنفاس .

أحقًّا يا بني البشر ، هناك قلوب كهذه !
أحقّا هناك من ينسى الحبيب وينبذ القريب !
أحقّا هذا الجفاء ، يا أوفياء ! ] .

.......... وصمت صاحبي .

بمداد دمعي أجبته ،
لا يا صاحبي ، إن الوفاء لم يمت ، ولكننا أمرضناه ،
ولكن لا تنس يا صاحبي ، [ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ] .
فلا تغتر بكثرة الأصحاب ، ولا وفرة الأحباب ، فكلهم سراب ، وهباب ، إذا لم يجمعك بهم دين وتقوى .
وسيأتي يوم وتصدقني .

يا صاحبي ، قل لهم :
إلى من أساء إلى قريب ، إلى من قسى على حبيب ، على أب ، أم ، أخ ، صديق .
عد إليه ، فإنه في أشد الشوق إليك .
عد إليه ، قبل أن تتمنى فلا تستطيع .

هيا يا صاحبي ، لنعلنه يومًا نتعالى فيه على الماضي الأليم ، ونصنع فيه المستقبل الجميل .
لنفرح فيه كل الأحباب ، رسالة ، اتصال ، زيارة ، دعوة صادقة ، ..............

هيَّا يا صاحبي ، هيَّا يا صاحبي .


كتبه / إبراهيم البراهيم
الأربعاء - 17 ربيع الأول 1431 هـ ، الموافق 3 مارس 2010 م .
الساعة 12:15 صباحًا ..
:wave:




[/frame]
 
  • أعجبني
التفاعلات: شخص واحد

إيمان غ

مزمار داوُدي
20 نوفمبر 2008
6,805
49
48
الجنس
أنثى
رد: عصفوران ، يا بني الإنسان !

فلا تغتر بكثرة الأصحاب ، ولا وفرة الأحباب ، فكلهم سراب ، وهباب ، إذا لم يجمعك بهم دين وتقوى .
وسيأتي يوم وتصدقني
جزاك الله خيرا
خاطرة رائعة وعبرة أتمنى أن يستوعبها كل من يقرأها
بارك الله فيك
 

حـازم

زائر
رد: عصفوران ، يا بني الإنسان !

رائع أنت حد الثمالة!
في كل سطر مما كتبت فائدة جليلة، ومتعة سرد متناهية،
إيهٍ يا إبراهيم.
 

ابنةُ اليمِّ

مدير عام قديرة سابقة و عضو شرف
عضو شرف
26 مايو 2009
25,394
1,156
0
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: عصفوران ، يا بني الإنسان !

كتبت فأبدعت
وقصصت فبرعت
خاطرة قصصية تأخذ بالألباب
امتزج فيها جمال السرد بحسن البيان
زانها المترادفات والصور البلاغية المعبرة
هنيئاً للركن بهذا القلم الرائع
وجزاك الله خير الجزاء
 

محمد ابو معلا

مشرف سابق
13 ديسمبر 2007
4,384
34
48
الجنس
ذكر
رد: عصفوران ، يا بني الإنسان !

ما شاء الله تبارك الله
حفظكم الله اخي ابراهيم من كل سوء
 

اللسان المكي

مراقب قدير سابق ومشرف تسجيلات قراء الجزيرة
مشرف تسجيلات الموقع
27 أغسطس 2008
4,802
43
0
الجنس
ذكر
رد: عصفوران ، يا بني الإنسان !

كتبت فأبدعت
وقصصت فبرعت
خاطرة قصصية تأخذ بالألباب
امتزج فيها جمال السرد بحسن البيان
زانها المترادفات والصور البلاغية المعبرة
هنيئاً للركن بهذا القلم الرائع
وجزاك الله خير الجزاء
 

نور مشرق

مراقبة قديرة سابقة وعضو شرف
عضو شرف
22 يوليو 2008
16,039
146
63
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: عصفوران ، يا بني الإنسان !

الصداقة !!
حديقة ملأى بالازهار الملونة والمتفتحة
مع الشمس والهواء والتراب ومن يعتني بها تصبح جذابة وجميلة
أما إذا غاب احد هذه المكونات تزول روعتها وجاذبيتها وتصبح بشعة ومشوهة
عندما تتجمع تثمر صداقات عديدة ومتنوعة لا يفرق فيها بين غني وفقير , مجتهد او غير مجتهد... فالواحد للجميع والجميع للواحد

ماشاء الله...زادك الله من فضله و نعيمه...
 

شبام

عضو شرف ومراقب قدير سابق
عضو شرف
22 ديسمبر 2008
7,928
88
0
الجنس
ذكر
رد: عصفوران ، يا بني الإنسان !

لي عودة للتعليق على ما كتب ( أ. خ ).
 

إبراهيم البراهيم

مراقب قدير سابق
5 يوليو 2008
2,964
22
0
الجنس
ذكر
رد: عصفوران ، يا بني الإنسان !

حيَّاكمُ اللهُ فردًا فردًا ..
شكرَ الله لطفكمْ .
 

شبام

عضو شرف ومراقب قدير سابق
عضو شرف
22 ديسمبر 2008
7,928
88
0
الجنس
ذكر
رد: عصفوران ، يا بني الإنسان !

هذا النص من أجمل ما قرأت في المنتدى، بما يحمله من معانٍ وألفاظٍ وإشارات لغوية وأدبية رائعة.
وهو في نظري بين القصة القصيرة والمقامة وما أسميته بخاطرة.
فعند قوله :
فلم يعد يقوى على حراك ، وصار مع المرض في عراك .
..
وما زال على حاله مكلومًا يائسًا ، وبحال حبيبه بائسا ،،
حتى دل على حكيم العصافير ، في أرض المغاوير ..
يا الله ، أرض المغاوير ، إن دونها قطع الفيافي والقفار ،
جناس جميل، وهو ما تتميز به المقامات الأدبية.
ولا ملاحظات لديّ إلا اثنتان بسيطتان :
املائية : سيمفونية وليس سيمفوينة.
وأدبية : (إلى من قسى على حبيب ، على أب ، أم ، أخ ، صديق .
) لو وضعت "أو" قبل لفظ صديق، لكان أفضل وأحسن في نظري.
واعذرني على التدقيق، لكن هذا من فرط حبي لما كتبته يا ( ا. خ )
والسلام عليكم.
 

ابنةُ اليمِّ

مدير عام قديرة سابقة و عضو شرف
عضو شرف
26 مايو 2009
25,394
1,156
0
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: عصفوران ، يا بني الإنسان !

ما شاء الله مراقبنا الفاضل
تحليل رائع !
حقاً هناك جناس ناقص أعطى للنثر جرساً موسيقياً رائعاً
وأعتقد الخطأ الإملائى هو سهواً
أما الأدبى :
إلى من قسى على حبيب ، على أب ، أم ، أخ ،أو صديق .
فأنت محِقٌ , ولكن لى رأى آخر
لو رتبنا الكلمات حسب أهمية الشخص , مثلاً :
إلى من قسى على أمِ ، أبِ ، أخِ ، حبيب أو صديق
وجزاكم الله خيراً

 

إبراهيم البراهيم

مراقب قدير سابق
5 يوليو 2008
2,964
22
0
الجنس
ذكر
رد: عصفوران ، يا بني الإنسان !

طيبٌ طيب ..
أحسنتما بارك الله فيكما .
أشكر لكما حرصكما وإثرائكما للموضوع .
بالنسبة للأولى ، فهي سبقُ قلمٍ كما يقولون ، أتى به الاستعجال .
أما الثانية ، فهي في البال ، لكن السلسلة لم تنتهِ عندي ، فما كان لوجود ( أو ) قوَّةٌ هنا .
ولكما خالص الشكر والتقدير :)

والطريف أني كنت أكتب الموضوع بشكلٍ أوسع ، وبتهيؤٍ أكثر ، فلما انتهيت منه انطفأ الجهاز فضاع كل شيءٍ للأسف ، فأعدت الكتابة في خمس دقائق قبل النوم ، مع ضياع معظم الأفكار ، وانشغال الذهن بعد كدِّه ، فالله المستعان .
 

ابنةُ اليمِّ

مدير عام قديرة سابقة و عضو شرف
عضو شرف
26 مايو 2009
25,394
1,156
0
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: عصفوران ، يا بني الإنسان !

شكراً لك أخى الكريم على سعة صدرك لنا وكرمك
وما دفعنى للمداخلة إلا جمال الأسلوب وروعة البيان
جزاك الله خيراً ونفع بك
 

احمد عبدالله محمد

مزمار كرواني
29 يوليو 2009
2,322
5
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
مشاري راشد العفاسي
رد: عصفوران ، يا بني الإنسان !

بارك الله فيك
 

النفجان

مزمار ذهبي
16 أبريل 2009
1,192
2
38
الجنس
ذكر
رد: عصفوران ، يا بني الإنسان !

جزآكـــ الله خير .. وباركــ الله فيكــ
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع