إعلانات المنتدى


مسئلة مهمةٌ جدا: استحسانِ قطعِ القراءةِ في الختمةِ المتسلسلة على وقفِ التمامِ

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

أحمد النبوي

مراقب الأركان العلمية
مراقب عام
19 يناير 2009
2,950
662
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
في استحسانِ قطعِ القراءةِ في الختمةِ المتسلسلة على وقفِ التمامِ


الحمد لله الغني المغني، والصلاة والسلام على حبيبه النبي الأميّ، وبعد:

فهذه مسئلة بسيطة استنبطتها من واقع الأئمة اليوم، وهي استحسان قطع القراءة في الختمة المتسلسلة على وقف التمام:

والمقصود بالقطع كما لا يخفى على الأفاضل: هو قَطْعُ القِرَاءَةِ بِنِيَّةِ المُفَارَقَةِ، ويكون ذلك في آخر التلاوة من كل ركعة، وأعلى ما يكون من القطع في الصلاة: قطع التلاوة في الركعة الأخيرة، بحيث ينصرف عن الصلاة إلى ما سواها، وضِد القطع: الاسْتِئـنَاف.

وسبب قوة القطع في الركعة الأخيرة: أن المأموم يكون في جو الصلاة ما دامت ركعاتها متسلسلة متعاقبة، فإن قطع الإمام التلاوة بالركوع؛ فإن جو الآيات ومعناها حاضر في ذهن المأموم المتابع لكلام ربه بقلبه، فإذا ما استأنف الإمام في الركعة التالية مباشرةً؛ فكأنما لم يقطع القراءة. أما إن قطع التلاوة ثم انصرف بعد السلام إلى شاغل آخر؛ فإن الترابط بين معاني الآيات في ذهن السامع يصير واهنا، بل ربما انقطع غالبا، والله أعلم.

ويَتَأَكَّدُ اخْتِيَارُ مَوْضِعِ قَطْعِ القراءةِ في حَقِّ مَنْ يَسْتَأنِفُهَا في ختمةٍ متعاقبةٍ، كَمَنْ يَؤُمُّ في مَسْجِدٍ بختمةٍ متسلسلةٍ سواءً في رمضانَ أو غيرِه، وذلكَ أنَّهُ يستأنفُ في كلِّ صلاةٍ مِنْ حيثُ انتهى في الصلاةِ التي قبلها، فكلما كانَ وقفه على معنىً أتم؛ كان ابتداؤه بالمعنى الجديدٍ أكثر استقلالاً عما قبلهُ، فيُفهم القرآن عنه، وتكون قراءته مفسِّرةً مفسَّرة.

والتوكيد على ذلك في حقه أوجب من غيره ممن يقرأ متفرقات من سور القرآن الكريم، فإنه وإن قطع على وقف كافٍ؛ فاستئنافه غير مرتبطٍ بموضع وقفه الأول، فلا تسلسلَ له ينقطعُ المعنى بوقفه دونه في ذهن السامع.

إنَّ قطعَ القارئِ لقراءتهِ على مقطعٍ مكتملِ المعنى؛ كنهايةِ قصةِ نبيٍ أو نهايةِ حكمِ أو مجموعةِ أحكامٍ لأمرٌ محمودٌ، وإن كان قطع القراءة دون ذلك بالوقف الكافي صحيحًا، بل ورد في السنة الشريفة عند البخاري من حديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال ليَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليَّ، قلتُ: يا رسول اللهِ: أقرأُ عليك وعليكَ أُنزل؟ قال: نعم، فقرأتُ سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا" (النساء 41) قال حَسْبُكَ الآنَ، فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان. وغايةُ ما يدلُّ عليه الحديثُ جوازُ قطعِ القراءةِ على الوقفِ الكافي، لكنَّه لا يدلُّ على أنَّهُ أفضلُ مِنَ الوقفِ التام، فالتام أفضل، وهو في حق صاحب الختمة المتسلسلة أولى وأوجب، والله أعلى وأعلم وأحكم.

وثمةَ درجةٌ أرقى يحوزُها الحاذقُ المُحَبِّرُ من القُراءِ حين تكونُ له عنايةٌ بقفلةِ الوقفِ التامِ على كلِ مقطعٍ من السورةِ، يعرِف بها السامعُ انتهاءَ المعنى واستهلالَ معنىً جديدٍ، حتى وإن استرسلَ القارئ في القراءةِ ولم يقطعها.

وفي هذا الباب يُقال: ليسَ كلُّ نهايةِ أرباعِ الأحزابِ في المصاحفِ تنتهي عند تمامِ المعنى أو القصةِ، بل كثيرةٌ هيَ الأرباعُ التي يتمُّ المعنى بعدَها بأيةٍ أو عدةِ آياتٍ قصيرةٍ، وهكذا فإنَّ القارئَ اللبيبَ المُحَبِّرَ لقراءته؛ الحريصَ على إجادةِ إسماعِ القرآنِ الكريم؛ يختارُ مواضعَ إنهاءِ القراءةِ، ويَقْفِلُ المقاطعَ قَفَلاتٍ مضبوطةَ الإيقاعِ، مُفهِمةً غير مُلْبِسَةٍ، تَشِي بانتهاء المرادِ وخَتْمِ المعنى الكليِّ الموقوفِ عليهِ وإن لم تُقطعِ القراءةُ، حتى وإن كان ذلك على غير النهايات المشهورة للأرباع والأحزاب أو الأجزاء، قال العلامة الضباع في فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن (ج 1- ص 3): "وليقف على الكلام المرتبط، ولا يتقيد بِعُشْرٍ ولا حزب" .

وقد وقفت على كلام نفيس في هذه المسئلة لابن تيمية في المجموع، قال: هَذِهِ التحزيبات الْمُحْدَثَةَ تَتَضَمَّنُ دَائِمًا الْوُقُوفَ عَلَى بَعْضِ الْكَلامِ الْمُتَّصِلِ بِمَا بَعْدَهُ حَتَّى يَتَضَمَّنَ الْوَقْفَ عَلَى الْمَعْطُوفِ دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَحْصُل الْقَارِئُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مُبْتَدِئًا بِمَعْطُوفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى "وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" وَقَوْلُهُ "وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ" وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَيَتَضَمَّنُ الْوَقْفَ عَلَى بَعْضِ الْقِصَّةِ دُونَ بَعْضٍ - حَتَّى كَلام الْمُتَخَاطِبَيْنِ - حَتَّى يَحْصُلَ الابْتِدَاءُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بِكَلامِ الْمُجِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى "قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا". وَمِثْلُ هَذِهِ الْوُقُوفِ لا تَسُوغُ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ إذَا طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِأَجْنَبِيِّ" انتهى (مجموع الفتاوى - ج 13 ص 410 - 411)، قلتُ: فكيف في يومين متفرقين!

هذا والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم، وصلى الله على الحبيب البشير الشفيع النذير وسَلَّمَ تسليما، والحمد لله رب العالمين.
 

نور مشرق

مراقبة قديرة سابقة وعضو شرف
عضو شرف
22 يوليو 2008
16,039
146
63
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: مسئلة علمية جدا: استحسانِ قطعِ القراءةِ في الختمةِ المتسلسلة على وقفِ التمامِ

أحسن الله إليك وأثابك ولا حرمك الأجر
على الشرح الميسر
والمميز
 

سمو قلب

مشرف سابق
16 سبتمبر 2008
6,635
13
0
الجنس
ذكر
رد: مسئلة علمية جدا: استحسانِ قطعِ القراءةِ في الختمةِ المتسلسلة على وقفِ التمامِ

جزاك الله خير
 

أحمد النبوي

مراقب الأركان العلمية
مراقب عام
19 يناير 2009
2,950
662
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
رد: في استحسانِ قطعِ القراءةِ في الختمةِ المتسلسلة على وقفِ التمامِ

جزاك الله كل خير على هذا الشرح الميسر
وإياك أختي الفاضلة، وأرجو أن يكون فعلا من التيسير بمكان!!
 

همسة مبدع

مزمار فضي
14 مايو 2008
543
2
18
الجنس
ذكر
رد: مسئلة مهمةٌ جدا: استحسانِ قطعِ القراءةِ في الختمةِ المتسلسلة على وقفِ التمامِ

جزاك الله خيرا على هذه الدرر وأرجوا أن تتحفنا بالمزيد زادك الله من فضله ..
 

ابنةُ اليمِّ

مدير عام قديرة سابقة و عضو شرف
عضو شرف
26 مايو 2009
25,394
1,156
0
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: مسئلة مهمةٌ جدا: استحسانِ قطعِ القراءةِ في الختمةِ المتسلسلة على وقفِ التمامِ

جزاك الله خيرًا أخي الفاضل
ورفع قدرك وأجزل لك العطاء
 

مناجاة

مزمار فعّال
20 يونيو 2009
221
0
0
الجنس
أنثى
رد: مسئلة مهمةٌ جدا: استحسانِ قطعِ القراءةِ في الختمةِ المتسلسلة على وقفِ التمامِ

جزاك الله خير الجزاء وجعله الله في موازين حسناتك
 

أبـو حـسـن

مزمار داوُدي
26 سبتمبر 2009
14,664
58
0
الجنس
ذكر
رد: مسئلة مهمةٌ جدا: استحسانِ قطعِ القراءةِ في الختمةِ المتسلسلة على وقفِ التمامِ

جزاكم الله خير وبارك الله فيكم
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع