إعلانات المنتدى


كتاب منار الهدى في بيان الوقف والابتدا ( الجزء الاول )

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

كمال المروش

مشرف سابق
2 يوليو 2006
8,187
128
63
الجنس
ذكر

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّمَ تسليماً كثيراً .
أمّا بعد :
فهذا كتاب ( منار الهدى في بيان الوقف والابتدا ) للإمام أحمد بن محمد بن عبد الكريم الأشموني رحمه الله تعالى .وقد جعلته على حلقات أرجو الله التوفيق والسداد وأن يهديَنا سبل الرشاد إنه جواد كريم .


كتاب منار الهدى في بيان الوقف والابتدا
تأليف العالم العلامة والحبر البحر

الفهامة أحمد بن محمد بن


عبد الكريم الأشموني
رحمه الله
تعالى



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي نوّر قلوب أهل القرآن بنور معرفته تنويراً وكساً وجوههم من إشراق ضياء بهجته نوراً وجعلهم من خاصة أحبابه إكراماً لهم وتوقيراً جعل صدورهم أوعية كتابة ووفقهم لتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ليعظم لهم بذلك أجوراً فترى وجوههم كالأقمار تتلألأ من الإشراق وتبتهج سروراً وقد أخبر عنهم الصادق المصدوق ممثلاً بأنهم كجراب مملوء مسكاً وأعظم بذلك فخراً وتبشيراً فيا لها من نعمة طهروا بها تطهيراً وحازوا بها عزاً ومهابة وتحبيراً فهم أعلى الناس درجات في الجنان تخدمهم فيها الملائكة الكرام عشياً وبكوراً ويقال لهم في الجنة تهنئة لهم وتبشيراً إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً فسبحانه من إله عظيم تعالى في ملكه عما يقول الظالمون علواً كبيراً تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلاَّ يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً أحمده سبحانه وتعالى حمد من قام بواجب تجويد كلامه ومعرفة وقوفه ونسأله من فيض فضله وإحسانه لطفاً وعناية وتيسيراً وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له شهادة يغدو قلب قائلها مطمئناً مستنيراً وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله الذي اختاره الله من القدم حبيباً ونبياً ورسولاً وأرسله إلى الثقلين بشيراً ونذيراً وقد أخذ له العهد والميثاق على سائر المخلوقات وكتب له بذلك منشوراً .
(أما بعد) فيقول العبد الفقير القائم على قدمي العجز والتقصير الراجي عفو ربه القدير أحمد ابن الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الكريم عامل الله الجميع بفضله العميم وأسكنهم من إحسانه جنات النعيم هذا تأليف لم يسألني فيه أحد لعلمهم أني قليل البضاعة غير دريّ بهذه الصناعة فإني والله لست أهلاَّ لقول ولا عمل وإني والله من ذلك على وجل لكن الكريم يقبل من تطفل ولا يخيب من عليه عول فإني بالعجز معلوم ومثلي عن الخطأ غير معصوم وبضاعتي مزجاة وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه فشرعت فيما قصدت وما لغيري وجدت وذلك بعد لبثي حيناً من الدهر أتروى وأتأمل وأنا إلى جميع ما تشتت من ذلك أميل قادني إلى ذلك أمل ثواب الآخرة سائلاً من المولى الكريم الصواب والإعانة متبرئاً من حولي وقوتي إلى من لا حول ولا قوة إلاَّ به والمأمول من ذي العزة والجلال أن ينفع به في الحال والمآل وأن يكون تذكرة لنفسي في حياتي وأثر إلى بعد وفاتي فلا تكن ممن إذا رأى صواباً غطاه وإذا وجد سهواً نادى عليه وأبداه فمن رأى خطأ منصوصاً عليه فليضفه بطرته إليه والنص عليه

يا من غدا ناظراً فيما كتبت ومن أضحى يردد فيما قلته النظرا
سألتك الله إن عاينت لي خطأ فاستر عليّ فخير الناس من سترا
فالموفق تكفيه الإشارة ولا ينفع الحسود تطويل العبارة وعلى الله اعتمادي في بلوغ التكميل وهو حسبي ونعم التوكيل (وسميته منار الهدى في بيان الوقف والابتدا) مقدماً أمام المقصود فوائد وتنبيهات تنفع القارئ وتعينه على معرفة الوقف والابتدا ليكون على بصيرة إذا خاض في هذا البحر الزخار الذي لا يدرك له قرار ولا يسلك إلى قنته ولا يصار من أراد السبيل إلى استقصائه لم يبلغ إلى ذلك وصولاً ومن رام الوصول إلى إحصائه لم يجد إلى ذلك سبيلاً قد أودع الله فيه علم كل شيء وأبان فيه كل هدى وغي فترى كل ذي فن منه يستمد وعليه يعتمد جعله للحكم مستودعاً ولكل علم منبعاً وإلى القيامة نجماً طالعاً ومناراً لامعاً وعلماً ظاهراً ولا يقدم بهذا الفن إلاَّ من له باع في العربية عالم بالقراءات عالم بالتفسير عالم باللغة التي نزل القرآن بها على خير خلقه مزيل الغمة بعثه به بشيراً ونذيراً إلى خير أمة شهد به كتابه المبين على لسان رسوله الصادق الأمين جعله كتاباً فارقاً بين الشك واليقين أعجز الفصحاء معارضته وأعيا الألباب مناقضته وأخرس البلغاء مشاكلته جعل أمثاله عبراً للمتدبرين وأوامره هدى للمستبصرين ضرب فيه الأمثال وفريق فيه بين الحرام والحلال وكرر القصص والمواعظ بألفاظ لا تمل وهي مما سواها أعظم وأجل ولا تخلق على كثرة الترديد بل بكثرة تلاوتها حسناً وحلاوة تزيد قد حثنا على فهم معانيه وبيان أغراضه ومبانيه فليس المراد حفظ مبناه بل فهم قارئه معناه قال تعالى أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها فقد ذم الله اليهود حيث يقرؤون التوراة من غير فهم فقال ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلاَّ أمانيّ فعلى العاقل الأديب والفطن اللبيب أن يربأ بنفسه عن هذه المنزلة الدنية ويأخذ بالرتبة السنية فيقف على أهم العلوم وآكدها المتوقف عليها فهم الكتاب والسنة وهي بعد تجويد ألفاظه خمسة علم العربية والصرف والمعاني والبيان.

( فوائد مهمة تحتاج إلى صرف الهمة )
( الأولى ) في ذكر الأئمة الذين اشتهر عنهم هذا الفن وهو فن جليل (قال) عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتي الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن ولقد رأينا اليوم رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجرة ولا ما ينبغي أن يوقف عنده وكل حرف منه ينادي أنا رسول الله إليك لتعمل بي وتتعظ بمواعظي قال النحاس فهذا يدل على أنهم كانوا يتعلمون الوقوف كما يتعلمون القرآن حتى قال بعضهم إن معرفته تظهر مذهب أهل السنة من مذهب المعتزلة كما لو وقف على قوله وربك يخلق ما يشاء ويختار فالوقف على يختار هو مذهب أهل السنة لنفي اختيار الخلق لاختيار الحق فليس لأحد أن يختار بل الخيرة لله تعالى أخرج هذا الأثر البيهقي في سننه وقال علي كرم الله وجهه في قوله تعالى ورتل القرآن ترتيلاً الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف وقال ابن الأنباري من تمام معرفة القرآن معرفة الوقف والابتداء إذ لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن إلاَّ بمعرفة الفواصل فهذا أدل دليل على وجوب تعلمه وتعليمه وحكي أن عبد الله بن عمر قد قام على حفظ سورة البقرة ثمان سنين وعند تمامها نحر بدنة أخرجه مالك في الموطأ وقول الصحابي كذا له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي ولم يخالفه غيره ولم يكن للرأي فيه مجال وهذا لا دخل للرأي فيه فلو خالفه غيره أو كان للرأي فيه مجال لا يكون قوله حجة (واشتهر هذا الفن ) عن جماعة من الخلف وهم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني القارئ وعن صاحبه يعقوب بن إسحاق الحضرميّ البصريّ وعن أبي حاتم السجستاني وعن محمد بن عيسى وعن أحمد بن موسى وعن علي بن حمزة الكسائي وعن الفراء الكوفيين وعن الأخفش سعيد وعن أبي عبيدة معمر بن المثنى وعن محمد بن يزيد والقتبيّ والدينوريّ وعن أبي محمد الحسن بن علي العماني وعن أبي عمرو عثمان الداني وعن أبي جعفر محمد بن طيفور السجاوندي وعن أبي جعفر يزيد بن القعقاع أحد أعيان التابعين وغيرهم من الأئمة الأعلام والجهابذة العظام فكان أحدهم آخذاً بزمام التحقيق والتدقيق وتضرب إليه أكباد الإبل من كل مكان سحيق .

أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
وما حكاه ابن برهان عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة من أن تسمية الوقوف بالتام والحسن والقبيح بدعة ومتعمد الوقف على ذلك مبتدع قال لأن القرآن معجز وهو كالقطعة الواحدة فكله قرآن وبعضه قرآن فليس على ما ينبغي وضعف قوله غني عن البيان بما تقدم عن العلماء الأعلام ويبعده قول أهل هذا الفن الوقف على رؤوس الآي سنة متبعة والخير كله في الإتباع والشر كله في الابتداع ومما يبين ضعفه ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى الخطيب لما قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما ووقف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بئس خطيب القوم أنت قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ففي الخبر دليل واضح على كراهة القطع فلا يجمع بين من أطاع ومن عصى فكان ينبغي للخطيب أن يقف على قوله فقد رشد ثم يستأنف ومن يعصهما فقد غوى وإذا كان مثل هذا مكروهاً مستقبحاً في الكلام الجاري بين الناس فهو في كلام الله أشد كراهة وقبحاً وتجنبه أولى وأحق وفي الحديث أنَّ جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل استزده حتى بلغ سبعة أحرف كل شاف ما لم تختم آية عذاب بآية رحمة أو آية رحمة بآية عذاب فالمراد بالحروف لغات العرب أي أنها مفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه على أنه قد جاء في القرآن ما قد قرئ بسبعة أوجه وعشرة أوجه كمالك يوم الدين وفي البحر إن قوله وعبد الطاغوت اثنتين وعشرين قراءة وفي أف لغات أو صلها الرماني إلى سبع وثلاثين لغة قال في فتح الباري قال أبو شامة ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة وقال مكي بن أبي طالب وأما من ظن أن قراءة هؤلاء القراء السبعة وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطاً عظيماً قال ويلزم من هذا أن ما خرج عن قراءة هؤلاء السبعة مما ثبت عن الأئمة ووافق خط المصحف العثماني لا يكون قرآناً وهذا غلط عظيم إذ لا شك أن هذه القراءات السبع مقطوع بها من عند الله تعالى وهي التي اقتصر عليها الشاطبي وبالغ النووي في أسئلته حيث قال لو حلف إنسان بالطلاق الثلاث إن الله قرأ القراءات السبع لا حنث عليه ومثلها الثلاث التي هي قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف وكلها متواتر تجوز القراءة به في الصلاة وغيرها واختلف فيما وراء العشرة وخالف خط المصحف الإمام فهذا لا شك فيه أنه لا تجوز قراءته في الصلاة ولا في غيرها وما لا يخالف تجوز القراءة به خارج الصلاة وقال ابن عبد البر لا تجوز القراءة بها ولا يصلى خلف من قرأ بها وقال ابن الجزري تجوز مطلقاً إلاَّ في الفاتحة للمصلي أنظر شرح العباب للرملي والشاذ ما لم يصح سنده نحو لقد جاءكم رسول من أنفسكم بفتح الفاء وإنما يخشى الله من عباده العلماء برفع الله ونصب العلماء وكذا ما في إسناده ضعف لأن القرآن لا يثبت إلاَّ بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء وافق الرسم أم لا (قال مكي) ما روي في القرآن ثلاثة أقسام قسم يقرأ به ويكفر جاحده وهو ما نقله الثقات ووافق العربية وخط المصحف وقسم صح نقله عن الإجلاء وصح في العربية وخالف لفظه الخط فيقبل ولا يقرأ به وقسم نقله ثقة ولا وجه له في العربية أو نقله غير ثقة فلا يقبل وإن وافق خط المصحف فالأول كملك ومالك والثاني كقراءة ابن عباس وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة واختلف في القراءة بذلك فالأكثر على المنع لأنها لم تتواتر وإن ثبتت بالنقل فهي منسوخة بالعرضة الأخيرة ومثال الثالث وهو ما نقله غير ثقة كثير وأما ما نقله ثقة ولا وجه له في العربية فلا يكاد يوجد (وقد وضع السلف) علم القراءات دفعاً للاختلاف في القرآن كما وقع لعمر بن الخطاب مع أبي بن كعب حين سمعه يقرأ سورة الفرقان على غير ما سمعها هو من النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه ومضى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد أن يقرأ فقرأ كل واحد ما سمعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم هكذا أنزل ولا شك أن القبائل كانت ترد على النبي صلى الله عليه وسلم وكان يترجم لكل أحد بحسب لغته فكان يمد قدر الألف والألفين والثلاثة لمن لغته كذلك وكان يفخم لمن لغته كذلك ويرقق لمن لغته كذلك ويميل لمن لغته كذلك وأما ما يفعله قراء زماننا من أن القارئ كل آية يجمع ما فيها من اللغات فلم يبلغنا وقوعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه قاله الشعرواي في الدرر المنثورة في بيان زبدة العلوم المشهورة وينبغي للقارئ أن يقطع الآية التي فيها ذكر النار أو العقاب عما بعدها إذا كان بعدها ذكر الجنة ويقطعها أيضاً عما بعدها إن كان بعدها ذكر النار نحو قوله وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار هنا الوقف ولا يوصل ذلك بقوله الذين يحملون العرش ونحو يُدخل من يشاء في رحمته هنا الوقف ولا يوصله بما بعده ونحو واتقوا الله إن الله شديد العقاب هنا الوقف ولا يوصله بما بعده من قوله للفقراء ونحو قوله في التوبة والله لا يهدي القوم الظالمين هنا الوقف فلا يوصله بما بعده من قوله الذين آمنوا وهاجروا وكذا كل ما هو خارج عن حكم الأول فإنه يقطع. قال السخاوي ينبغي للقارئ أن يتعلم وقف جبريل فإنه كان يقف في سورة آل عمران عند قوله قل صدق الله ثم يبتدئ فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً والنبي صلى الله عليه وسلم يتبعه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقف في سورة البقرة والمائدة عند قوله تعالى ( فاستبقوا الخيرات ) وكان يقف على قوله سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق وكان يقف قل هذه سبيلي أدعو إلى الله ثم يبتدئ على بصيرة أنا ومن اتبعني وكان يقف كذلك يضرب الله الأمثال ثم يبتدئ ( للذين استجابوا لربهم الحسنى ) وكان يقف والأنعام خلقها ثم يبتدئ لكم فيها دفء وكان يقف أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً ثم يبتدئ لا يستوون وكان يقف ثم أدبر يسعى فحشر ثم يبتدئ فنادى فقال أنا ربكم الأعلى وكان يقف ليلة القدر خير من ألف شهر ثم يبتدئ ) تنزل الملائكة ) فكان صلى الله عليه وسلم يتعمد الوقف على تلك الوقوف وغالبها ليس رأس آية وما ذلك إلاَّ لعلم لدنيّ علمه من علمه وجهله من جهله فاتباعه سنة في جميع أقواله وأفعاله .
(الفائدة الثانية في الوقف والابتداء) وهو لغة الكف عن الفعل والقول واصطلاحاً قطع الصوت آخر الكلمة زمناً ما أو هو قطع الكلمة عما بعدها والوقف والقطع والسكت بمعنى وقيل القطع عبارة عن قطع القراءة رأساً والسكت عبارة عن قطع الصوت زمناً ما دون زمن الوقف عادة من غير تنفس والناس في اصطلاح مراتبه مختلفون كل واحد له اصطلاح وذلك شائع لما اشتهر أنه لا مشاحة في الاصطلاح بل يسوغ لكل أحد أن يصطلح على ما شاء كما صرح بذلك صدر الشريعة وناهيك به فقال ابن الأنباري والسخاوي مراتبه ثلاثة تام وحسن وقبيح وقال غيرهما أربعة تام مختار وكاف جائز وحسن مفهوم وقبيح متروك وقال السجاوندي خمسة لازم وملق وجائز ومجوز لوجه ومرخص ضرورة وقال غيره : ثمانية ( تام وشبيه وناقص وشبيه وحسن وشبيه وقبيح وشبيه ) وجميع ما ذكروه من مراتبه غير منضبط ولا منحصر لاختلاف المفسرين والمعربين لأنه سيأتي أن الوقف يكون تاماً على تفسير وإعراب وقراءة ، غير تام على آخر ، إذاً الوقف تابع للمعنى (واختلفوا فيه) أيضاً فمنهم من يطلق الوقف على مقاطع الأنفاس على القول بجواز إطلاق السجع في القرآن ونفيه منه أجدر لقوله صلى الله عليه وسلم أسجع كسجع الكهان فجعله مذموماً ولو كان فيه تحسين الكلام دون تصحيح المعنى وفرق بين أن يكون الكلام منتظماً في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود منه وبين أن يكون منتظماً دون اللفظ لأن في القرآن اللفظ تابع للمعنى وفي السجع المعنى تابع للفظ ومنهم من يطلقه على رؤوس الآي وأن كل موضع منها يسمى وقفاً وإن لم يقف القارئ عليه لأنه ينفصل عنده الكلامان والأعدل أن يكون في أواسط الآي وإن كان الأغلب في أواخرها كما في آيتي المواريث ففيهما ثلاثة عشر وقفاً فيوصيكم الله وما عطف عليه فيه تعلق معنوي لأن عطف الجمل وإن كان في اللفظ منفصلاً فهو في المعنى متصل فآخر الآية الأولى عليماً حكيماً وآخر الثانية تلك حدود الله كما سيأتي مفصلاً في محله إن شاء الله تعالى وليس آخر كل آية وقفاً بل المعتبر المعاني والوقف تابع لها فكثيراً ما تكون آية تامة وهي متعلقة بآية أخرى ككونها استثناء والأخرى مستثنى منها أو حالاً مما قبلها أو صفة أو بدلاً كما يأتي التنبيه عليه في محله وإذا تقاربت الوقوف بعضها من بعض لا يوقف عند كل واحد أن ساعده النفس وإن لم يساعده وقف عند أحسنها لأن ضيق النفس عن بلوغ التمام يسوغ الوقف ولا يلزم الوقف على رؤوس الآي كذا جعل شيخ الإسلام طول الكلام مسوغاً للوقف قال الكواشي وليس هذا العذر بشيء بل يقف عند ضيق النفس ثم يبتدئ من أول الكلام حتى ينتهي الوقف المنصوص عليه كما يأتي في سورة الرعد ليكون الكلام متصلاً بعضه ببعض وهذا هو الأحسن ولو كان في وسع القارئ أن يقرأ القرآن كله في نفس واحد ساغ له ذلك ويتنوع الوقف نظراً للتعلق خمسة أقسام لأنه لا يحلو إما أن لا يتصل ما بعد الوقف بما قبله لا لفظاً ولا معنى فهو التام أو يتصل ما بعده بما قبله لفظاً ومعنى وهو القبيح أو يتصل ما بعده بما قبله معنى لا لفظاً وهو الكافي أو لا يتصل ما بعده بما قبله معنى ويتصل لفظاً وهو الحسن والخامس متردد بين هذه الأقسام فتارة يتصل بالأول وتارة بالثاني على حسب اختلافهما قراءة وإعراباً وتفسيراً لأنه قد يكون الوقف تاماً على تفسير وإعراب وقراءة غير تام على غير ذلك وأمثلة ذلك تأتي مفصلة في محالها وأشرت إلى مراتبه بتام وأتم وكاف وأكفى وحسن وأحسن وصالح وأصلح وقبيح وأقبح فالكافي والحسن يتقاربان والتام فوقهما والصالح دونهما في الرتبة فأعلاها الأتم ثم الأكفى ثم الأحسن ثم الأصلح ويعبر عنه بالجائز وأما وقف البيان وهو أن يبين معنى لا يفهم بدونه كالوقف على قوله تعالى ويوقروه فرق بين الضميرين فالضمير في ويوقروه للنبي صلى الله عليه وسلم وفي ويسبحوه لله تعالى والوقف أظهر هذا المعنى المراد والتام على قوله وأصيلاً وكالوقف على قوله لا تثريب عليكم ثم يبتدئ اليوم يغفر الله لكم بين الوقف على عليكم أن الظرف بعده متعلق بمحذوف وليس متعلقاً باسم لا لأن اسمها حينئذ شبيه بالمضاف فيجب نصبه وتنوينه قال في الإتقان فالتام سمى تاماً لتمام لفظه بعد تعلقه وهو ما يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ولا يتعلق ما بعده بشيء مما قبله لا لفظاً ولا معنى وأكثر ما يوجد عند رؤوس الآي غالباً وقد يوجد قرب آخرها كقوله وجعلوا أعزة أهلها أذلة هنا التمام لأنه آخر كلام بلقيس ثم قال تعالى وكذلك يفعلون وهو أتم ورأس آية أيضاً ولا يشترط في التام أن يكون آخر قصة كقوله محمد رسول الله فهو تام لأنه مبتدأ وخبر وإن كانت الآيات إلى آخر السورة قصة واحدة ونحوه لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني هنا التمام لأنه آخر كلام الظالم أبيّ بن خلف ثم قال تعالى وكان الشيطان للإنسان خذولاً وهو أتم ورأس آية أيضاً وقد يوجد بعد رأس الآية كقوله مصبحين وبالليل هنا التام لأنه معطوف على المعنى أي تمرون عليهم بالصبح وبالليل فالوقف عليه تام وليس رأس آية وإنما رأسها مصبحين وأفلا تعقلون أتم لأنه آخر القصة ومثله يتكؤن وزخرفاً رأس الآية يتكؤن وزخرفاً هو التمام لأنه معطوف على سقفاً ومن مقتضيات الوقف التام الابتداء بالاستفهام ملفوظاً به أو مقدراً ومنها أن يكون آخر كل قصة وابتداء أخرى كل سورة والابتداء بيا النداء غالباً أو الابتداء بفعل الأمر أو الابتداء بلام القسم أو الابتداء بالشرط لأن الابتداء به ابتداء كلام مؤتنف أو الفصل بين آية عذاب بآية رحمة أو العدول عن الأخبار إلى الحكاية أو الفصلين الصفتين المتضادتين أو تناهى الاستثناء أو تناهي القول أو الابتداء بالنفي أو النهي وقد يكون الوقف تاماً على تفسير وإعراب وقراءة غير تام على آخر نحو وما يعلم تأويله إلاَّ الله تام إن كان والراسخون مبتدأ خبره يقولون على أن الراسخين لم يعلموا تأويل المتشابه غير تام إن كان معطوفاً على الجلالة وإن الراسخين يعلمون تأويل المتشابه كما سيأتي بأبسط من هذا في محله .
(والكافي) ما يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده إلاَّ أن له به تعلقاً ما من جهة المعنى فهو منقطع لفظاً متصل معنى وسمي كافياً لاكتفائه واستغنائه عما بعده واستغناء ما بعده عنه بأن لا يكون مقيداً له وعود الضمير على ما قبل الوقف لا يمنع من الوقف لأن جنس التام والكافي جميعه كذلك والدليل عليه ما صح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ عليّ فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل فقال إني أحب أن أسمعه من غيري قال فافتتحت سورة النساء فلما بلغت شهيداً فقال لي حسبك ألا ترى أن الوقف على شهيداً كاف وليس بتام والتام ولا يكتمون الله حديثاً لأنه آخر القصة وهو في الآية الثانية وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقف دون التام مع قربه فدل هذا دلالة واضحة على جواز الوقف على الكافي لأنَّ قوله يومئذ الخ ليس قيداً لما قبله وفي الحديث نوع إشارة إلى أن ابن مسعود كان صيتاً قال عثمان النهدي صلى بنا ابن مسعود المغرب بقل هو الله أحد فوددنا أنه لو قرأ سورة البقرة من حسن صوته وترتيله وكان أبو موسى الأشعري كذلك ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوته وهو يقرأ القرآن فقال لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود كان داود عليه السلام إذا قرأ الزبور تدنو إليه الوحوش حتى تؤخذ بأعناقها والمراد بقوله وآتاه الله الملك هو الصوت الحسن قاله السمين وعلامته أن يكون ما بعده مبتدأ أو فعلاً مستأنفاً أو مفعولاً لفعل محذوف نحو وعد الله وسنة الله أو كان ما بعده نفياً أو أن المكسورة أو استفهاماً أو بل أو ألاَّ المخففة أو السين أو سوف لأنها للوعيد ويتفاضل في الكفاية نحو في قلوبهم مرض صالح فزادهم الله مرضاً أصلح منه بما كانوا يكذبون أصلح منهما وقد يكون كافياً على تفسير وإعراب وقراءة غير كاف على آخر نحو يعلمون الناس السحر كاف إن جعلت ما نافية حسن إن جعلتها موصولة وتأتي أمثلة ذلك مفصلة في محالها.
(والحسن) ما يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده إذ كثيراً ما تكون آية تامة وهي متعلقة بما بعدها ككونها استثناء والأخرى مستثنى منها إذ ما بعده مع ما قبله كلام واحد من جهة المعنى كما تقدم أو من حيث كونه نعتاً لما قبله أو بدلاً أو حالاً أو توكيداً نحو الحمد لله حسن لأنه في نفسه مفيد يحسن الوقف عليه دون الابتداء بما بعده للتعلق اللفظي وإن رفع رب على إضمار مبتدأ أو نصب على المدح وبه قرئ وحكى سيبويه الحمد لله أهل الحمد برفع اللام ونصبها فلا يقبح الابتداء به كأن يكون رأس آية نحو رب العالمين يجوز الوقف عليه لأنه رأس آية وهو سنة وإن تعلق ما بعده بما قبله لما ثبت متصل الإسناد إلى أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته يقول بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول الحمد لله رب العالمين ثم يقف ثم يقول الرحمن الرحيم ثم يقف وهذا أصل معتمد في الوقف على رؤوس الآي وإن كان ما بعد كل مرتبطاً بما قبله ارتباطاً معنوياً ويجوز الابتداء بما بعده لمجيئه عن النبي صلى الله عليه وسلم (وقد يكون) الوقف حسناً على قراءة غير حسن على أخرى نحو الوقف على مترفيها فمن قرأ أمرنا بالقصر والتخفيف وهي قراءة العامة من الأمر أي أمرنا هم بالطاعة فخالفوا فلا يقف على مترفيها ومن قرأ آمرنا بالمد والتخفيف بمعنى كثرنا أو قرأ أمرنا بالقصر والتشديد من الإمارة بمعنى سلطناً حسن الوقف على مترفيها وهما شاذتان لا تجوز القراءة بهما وقد يكون الوقف حسناً والابتداء قبيحاً نحو يخرجون الرسول وإياكم الوقف حسن والابتداء بإياكم قبيح لفساد المعنى إذ يصير تحذيراً عن الإيمان بالله تعالى ولا يكون الابتداء إلاَّ بكلام موف للمقصود.
(والجائز) هو ما يجوز الوقف عليه وتركه نحو وما أنزل من قبلك فإنَّ واو العطف تقتضي عدم الوقف وتقديم المفعول على الفعل يقتضي الوقف فإن التقدير ويوقنون بالآخرة لأن الوقف عليه يفيد معنى وعلامته أن يكون فاصلاً بين كلامين من متكلمين وقد يكون الفصل من متكلم واحد كقوله لمن الملك اليوم الوقف جائز فلما لم يجبه أحد أجاب نفسه بقوله لله الواحد القهار وكقوله وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم هنا الوقف ثم يبتدئ رسول الله على أنه منصوب بفعل مقدر لأنَّ اليهود لم يقروا بأن عيسى رسول الله فلو وصلنا عيسى ابن مريم برسول الله لذهب فهم من لا مساس له اليهود لم يقروا بأن عيسى رسول الله فلو وصلنا عيسى ابن مريم برسول الله لذهب فهم من لا مساس له بالعلم أنه من تتمة كلام اليهود فيفهم من ذلك أنهم مقرون أنه رسول الله وليس الأمر كذلك وهذا التعليل يرقيه ويقتضي وجوب الوقف على ابن مريم ويرفعه إلى التام.
(والقبيح) وهو ما اشتد تعلقه بما قبله لفظاً ومعنى ويكون بعضه أقبح من بعض نحو إن الله لا يستحيي فويل للمصلين فإنه يوهم غير ما أراده الله تعالى فإنه يوهم وصفاً لا يليق بالباري سبحانه وتعالى ويوهم أن الوعيد بالويل للفريقين وهو لطائفة مذكورين بعده ونحو لا تقربوا الصلاة يوهم إباحة ترك الصلاة بالكلية فإن رجع ووصل الكلام بعضه ببعض غير معتقد لمعناه فلا إثم عليه وإلاَّ أثم مطلقاً وقف أم لا ومما يوهم الوقف على الكلام المنفصل الخارج عن حكم ما وصل به نحو إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى لأن الموتى لا يسمعون ولا يستجيبون إنما أخبر الله عنهم أنهم يبعثون ومنه وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ونحو للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له ونحو من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل ونحو فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا ونحو فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني وشبه ذلك من كل ما هو خارج عن حكم الأول من جهة المعنى لأنه سوى بالوقف بين حال من آمن ومن كفر وبين من ضل ومن اهتدى فهذا جليّ الفساد ويقع هذا كثيراً ممن يقرأ تلاوته لحرصه على النفس فيقف على بعض الكلمة دون بعض ثم يبنى على صوت غيره ويترك ما فاته ومثل ذلك ما لو بنى كل واحد على قراءة نفسه إذ لابد أن يفوته ما قرأه بعضهم والسنة المدارسة وهو أن يقرأ شخص حزباً ويقرأ آخر عين ما قرأه الأول وهكذا فهذه هي السنة التي كان يدارس جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بها في رمضان فكان جبريل يقرأ أولاً ثم يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم عين ما قرأه جبريل قال تعالى فإذا قرأناه أي على لسان جبريل فاتبع قرآنه .
وأما الأقبح فلا يخلوا ما أن يكون الوقف والابتداء قبيحين أو يكون حسناً والابتداء قبيحاً فالأول كأن يقف بين القول والمقول نحو وقال اليهود ثم يبتدئ يد الله مغلولة أو لقد كفر الذين قالوا ثم يبتدئ إن الله ثالث ثلاثة وشبه ذلك من كل ما يوهم خلاف ما يعتقده المسلم قال أبو العلاء الهمداني لا يخلو الواقف على تلك الوقوف إما أن يكون مضطراً أو متعمداً فإن وقف مضطراً وابتدأ ما بعده غير متجانف لأثم ولا معتقد معناه لم يكن عليه وزر وقال شيخ الإسلام عليه وزر إن عرف المعنى لأنَّ الابتداء لا يكون إلاَّ اختيارياً وقال أبو بكر ابن الأنباري لا أثم عليه وإن عرف المعنى لأن نيته الحكاية عمن قاله وهو غير معتقد لمعناه وكذا لو جهل معناه ولا خلاف بين العلماء أن لا يحكم بكفره من غير تعمد واعتقاد لمعناه وأما لو اعتقد معناه فإنه يكفر مطلقاً وقف أم لا والوصل والوقف في المعتقد سواء إذا علمت هذا عرفت بطلان قول من قال لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقف على سبعة عشر موضعاً فإن وقف عليها وابتدأ ما بعدها فإنه يكفر ولم يفصل والمعتمد ما قاله العلامة النكزاوي أنه لا كراهة إن جمع بين القول والمقول لأنه تمام قول اليهود والنصارى. والواقف على ذلك كله غير معتقد لمعناه وإنما هو حكاية قول قائلها حكاها الله عنهم ووعيد ألحقه الله بالكفار والمدار في ذلك على القصد وعدمه وما نسب لابن الجزري من تكفير من وقف على تلك الوقوف ولم يفصل ففي ذلك نظر نعم إن صح عنه ذلك حمل على ما إذا وقف عليها معتقداً معناها فإنه يكفر سواء وقف أم لا والقارئ والمستمع المعتقد إن ذلك سواء ولا يكفر المسلم إلاَّ إذا جحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة وما نسب لابن الجزري من قوله

مغلولة فلا تكن بواقف فأنه حرام عند الواقف
ما لم يكن قد ضاق منك النفس فإن تكن تصغي فأنت القبس
ولا على إنا نصارى قالوا أيضاً حرام فاعرفن ما قالوا
ولا على المسيح ابن الله فلا تقف واستعذن بالله
فإنه كفر لمن قد علما قد قاله الجزري نصاً حسبما
وقس على الأحكام فيما قد بقى فإنه الحق فعي وحقق
ولا تقل يجز على الحكاية فإنه قول بلا دراية
مخالف للأئمة الإعلام وما جزاء من خالفهم إلاَّ أن يمحى اسمه من ديوان العقلاء فضلاً عن العقلاء وما علمت وجه تكفيره الواقف على قوله فلما أضاءت ما حوله وهو وقف جائز على أن جواب لما محذوف وعليه فلا كراهة في الابتداء بقوله ذهب الله بنورهم قال السمين قال ابن عصفور يجوز أن يكون الله قد أسند إلى نفسه ذهاباً يليق بجلاله كما أسند المجيء والإتيان على معنى يليق به تعالى فلعل تكفيره الواقف لاحظ أن الله لا يوصف بالذهاب ولا بالمجيء وكذلك لا وجه لتكفيره الواقف على قوله لفي خسر مع أنَ الهمداني والعبادي قالا إنه جائز والكتابة على بقية ما نسب لابن الجزري تطول أضربنا عنها تخفيفاً ويدخل الواقف على الوقوف المنهي عنها في عموم قوله صلى الله عليه وسلم في حق من لم يعمل بالقرآن رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه كأن يقرأه بالتطريب والتصنع فهذه تخل بالمروءة وتسقط العدالة قال التتائي ومما يرد الشهادة التغني بالقرآن أي بالألحان التي تفسد نص القرآن ومخارج حروفه بالتطريب وترجيع الصوت من لحن بالتشديد طرب وأما الترنم بحسن الصوت فهو حسن فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوت عبد الله بن قيس المكنى بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ القرآن فقال لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود.
(تنبيهات) الأول : يجب اتباع ما رسم في المصحف العثماني من المقطوع والموصول وما كتب بالتاء المجرورة وما كتب بالهاء وتأتي مفصلة في محالها كل ما في القرآن من ذكر إنما من كل حرفين ضم أحدهما إلى الآخر فهو في المصحف الإمام حرف واحد فلا تفصل إن عن ما إن كان لا يحسن موضع ما الذي نحو إنما نحن مصلحون فلا يقال إن الذي نحن مصلحون وإن كان يحسن موضع ما الذي نحو إن ما توعدون لآت فهما حرفان ولم يقطع في القرآن غيره وكل ما في القرآن من ذكر عما فهو حرف واحد إلا قوله تعالى فلما عتوا عن ما نهو عنه فهما حرفان لأن المعنى الذي نهوا عنه ولم يقطع في القرآن غيره وكل ما في القرآن من ذكر ماذا فلك فيه وجهان أحدهما أن تجعل ما مع ذا كلمة واحدة وذا ملغاة والثاني أن تجعل ما وحدها استفهاماً محلها رفع على الابتداء وذا اسماً موصولاً بمعنى الذي محله خبر ما لأنها لم تلغ فهما كلمتان واشترطوا في استعمال ذا موصولة أن تكون مسبوقة بما أو من الاستفهاميتين نحو قوله

وقصيدة تأتي الملوك غريبة قد قلتها ليقال من ذا قالها
أي من الذي قالها وإن لم يتقدم على ذا ما ولا من الاستفهاميتان لم يجز أن تكون موصولة وأجازه الكوفيون تمسكاً بقول الشاعر


عدس ما لعباد عليك إمارة نجوت وهذا تحملين طليق

فزعموا أن التقدير والذي تحملينه طليق فذا موصول مبتدأ وتحملين صلة والعائد محذوف وطليق خبر وعدس اسم صوت تزجر به البغلة وفيه الشاهد على مذهب الكوفيين إن هذا بمعنى الذي ولم يتقدم على ذا ما ولا من الاستفهاميتان ومن ذلك ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو فمن نصب العفو له وجهان أحدهما جعل ماذا كلمة واحدة ونصبه بينفقون ونصب العفو بإضمار ينفقون أي ينفقون العفو الثاني جعل ماذا حرفين ما وحدها استفهاماً محلها رفع على الابتداء وذا اسمها موصولاً بمعنى الذي محله رفع خبر ما لأنها لم تلغ ونصب العفو بإضمار ينفقون وكل ما فيه من ذكر أينما فهو في الإمام كلمة واحدة في قوله فأينما تولوا فثم وجه الله في البقرة وأينما يوجهه لا يأت بخير في النحل وأينما كنتم تعبدون في الشعراء وكل ما فيه من ذكر كل ما فكل مقطوعة عن ما قال الزجاجي إن كانت كلما ظرفاً فهي موصولة وإن كانت شرطاً فهي مقطوعة كقوله وآتاكم من كل ما سألتموه فكل مقطوعة من غير خلاف وما عدا ذلك فيه خلاف وكل ما فيه من ذكر أمن فهو بميم واحدة إلاَّ أربعة مواضع فبميمين وهي أم من يكون عليهم وكيلاً في النساء وأم من أسس في التوبة وأم من خلقنا في الصافات وأم من يأتي آمناً في فصلت وكل ما فيه من ذكر فإن لم فهو بنون إلاَّ قوله فألم يستجيبوا لكم في هود وكل ما فيه من ذكر إما فهو بغير نون إلاَّ قوله وإن ما نرينك في الرعد فبنون وكل ما فيه من ذكر ألا فبغير نون كلمة واحدة إلاَّ عشر مواضع فبنون اثنان في الأعراف حقيق على أن لا أقول وأن لا يقولوا على الله إلاَّ الحق وأن لا ملجأ من الله في التوبة واثنان في هود وأن لا إله إلاَّ هو وأن لا تعبدوا إلاَّ الله الثاني وأن لا تشرك بي شيئاً في الحج وأن لا تعبدوا الشيطان في يس وأن لا تعلوا على الله في الدخان وأن لا يشركن بالله شيئاً في الممتحنة وأن لا يدخلنها اليوم في نون وكل ما فيه من ذكر كيلا ولكيلا فموصول كلمة واحدة في آل عمران لكيلا تحزنوا وفي الحج لكيلا يعلم من بعد شيئاً وثانيه الأحزاب لكيلا يكون عليك حرج وفي الحديد لكيلا تأسوا وأما كي لا يكون دولة في الحشر ولكي لا يكون على المؤمنين حرج في الأحزاب فهما كلمتان وكل ما فيه من ذكر نعمة فبالهاء إلاَّ في أحد عشر موضعاً فهي بالتاء المجرورة اذكروا نعمت الله عليكم في البقرة وآل عمران واذكروا نعمت الله عليكم إذ همّ قوم في المائدة وبدلوا نعمت الله في إبراهيم وفيها وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها وثلاثة في النحل وبنعمت الله هم يكفرون ويعرفون نعمت الله واشكروا نعمت الله وبنعمت الله في لقمان واذكروا نعمت الله عليكم في فاطر فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون في الطور وكل امرأة ذكرت فيه مع زوجها فهي بالتاء المجرورة كامرأت عمران وامرأت العزيز معاً بيوسف وامرأت فرعون وامرأت نوح وامرأت لوط ولم تذكر امرأة باسمها في القرآن إلاَّ مريم في أربعة وثلاثين موضعاً .
(التنبيه الثاني) يكره اتخاذ القرآن معيشة وكسباً والأصل في ذلك ما رواه عمران بن حصين مرفوعاً من قرأ القرآن عند ظالم ليرفع منه لعن بكل حرف عشر لعنات قاله السيوطي في الإتقان أي لأن في قراءته عنده نوع إهانة ينزه القرآن عنها ونصب عشر على أنه مفعول لعن ونائب الفاعل مستتر يعود إلى من وللسيوطي في الجامع من أخذ على القرآن أجراً فذاك حظه من القرآن حل عن أبي هريرة وفيه من قرأ القرآن يتأكل به الناس جاء يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم هب عن بريدة ويدخل في الوعيد كل من ركن إلى ظالم وإن لم يرفع منه شيئاً لعموم قوله ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وقراءة القرآن أو غيره عنده تعد ميلاً وركوناً قال السمين ولما كان الركون إلى الظالم دون مشاركته في الظلم واستحق العقاب على الركون دون العقاب على الظلم أتى بلفظ المس دون الإحراق وهذا يسمى في علم البديع الاقتدار وهو أن يبرز المتكلم المعنى الواحد في عدة صور اقتداراً على نظم الكلام وركن من بابي علم وقتل قرأ العامة ولا تركنوا بفتح التاء والكاف ماضيه ركن بكسر الكاف من باب علم وقرأ قتادة بضم الكاف مضارع ركن بفتح الكاف من باب قتل والمراد بالظالم من يوجد منه الظلم سواء كان كافراً أو مسلماً .
منقول للافادة
 

يوسـف

مزمار كرواني
1 أغسطس 2007
2,830
25
48
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
رد: كتاب منار الهدى في بيان الوقف والابتدا ( الجزء الاول )

بارك الله فيك على النقل الطيب أخي ابن عامر

جعله الله في ميزان حسناتك
 

كمال المروش

مشرف سابق
2 يوليو 2006
8,187
128
63
الجنس
ذكر

أحمد النبوي

مراقب الأركان العلمية
مراقب عام
19 يناير 2009
2,950
662
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
رد: كتاب منار الهدى في بيان الوقف والابتدا ( الجزء الاول )

جزاكم الله خيراً
 

أحمد النبوي

مراقب الأركان العلمية
مراقب عام
19 يناير 2009
2,950
662
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
رد: كتاب منار الهدى في بيان الوقف والابتدا ( الجزء الاول )

فلأهمية الموضوع كرر على الروابط التالية:
منار الهدى:
http://www.mazameer.com/vb/showthread.php?t=69884

كتاب منار الهدى في بيان الوقف والابتدا ( الجزء الثاني):
http://www.mazameer.com/vb/showthread.php?t=41788

منار الهدى في بيان الوقف الابتدا لسورة الفاتحة:
http://www.mazameer.com/vb/showthread.php?t=58346

حمل كتاب منار الهدى في بيان الوقف والابتدا للاشموني (مغلق، لكن رابطه يعمل، ورابط التحميل يعمل كذلك):
http://www.mazameer.com/vb/showthread.php?t=71146

وجزاكم الله خيراً.
 

كمال المروش

مشرف سابق
2 يوليو 2006
8,187
128
63
الجنس
ذكر
رد: كتاب منار الهدى في بيان الوقف والابتدا ( الجزء الاول )

فلأهمية الموضوع كرر على الروابط التالية:

منار الهدى:
http://www.mazameer.com/vb/showthread.php?t=69884

كتاب منار الهدى في بيان الوقف والابتدا ( الجزء الثاني):
http://www.mazameer.com/vb/showthread.php?t=41788

منار الهدى في بيان الوقف الابتدا لسورة الفاتحة:
http://www.mazameer.com/vb/showthread.php?t=58346

حمل كتاب منار الهدى في بيان الوقف والابتدا للاشموني (مغلق، لكن رابطه يعمل، ورابط التحميل يعمل كذلك):
http://www.mazameer.com/vb/showthread.php?t=71146


وجزاكم الله خيراً.


جزاك الله خيرا
فعلا الموضوع مكرر كثيرا
وسنقوم بغلق بعض مواضعه
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع