إعلانات المنتدى


العهد المدنى: تأسيس الدولة الإسلامية

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

عبد الكريم

مشرف تسجيلات المغرب في الموقع
مشرف تسجيلات الموقع
8 نوفمبر 2006
11,793
299
83
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
(بسم الل)

t7 الى :x3: الخزاعي

نبدأ الحديث عن العهد المدني في السيرة النبوية، وإذا كنا قبل ذلك قد تحدثنا عن العهد المكي؛ فإن الكثير من الأحداث الهامة جدا في العهد المكي أُغفلت؛ لكثرتها وصعوبة الإلمام بكل ما تم في حياته صلى الله عليه وسلم من دروس وعبر وعظات وأحداث وأحكام وتشريعات.

إذا كنا نقول ذلك على العهد المكي، فإن الحديث عن العهد المدني يبدو صعبًا بشكل لافت للنظر، وذلك لأن المدينة المنورة كان بها من الأحداث الكتير والكثير، وهي أحداث متشعبة من غزوات وسرايا ومعاهدات ولقاءات ومعاملات وحياة زوجية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعاملاته مع الصحابة، ومع المنافقين، ومع أعداء الأمة من اليهود ومن المشركين وغيرهم.

في الحقيقة هناك تنوعات هائلة في السيرة النبوية، إننا قد نتحدث في السيرة سنوات وسنوات ودائمًا سوف نجد الجديد؛ لأن السيرة النبوية كنز لا تنتهي عجائبه، وكما نقرأ القرآن الكريم، ونأتي بالجديد في فقه الآيات، وفي فهم المعانى، ويبدع المفسرون في تفسير بعض الآيات، مع أن القرآن نزل منذ 1400 سنة، فكذلك السيرة النبوية، كلما قرأنا حدثًا خرجنا منه بالجديد، وكتب السيرة التي تُؤلَّف اليوم بعد 1400 سنة من التدقيق والتحليل والدراسة للسيرة النبوية ما زالت تأتي بالجديد.

إن السيرة النبوية إعجاز وترتيب دقيق من رب العالمين سبحانه وتعالى، وقد وضع الله عز وجل فيه كل المتغيرات وكل الأحداث التي من الممكن أن تحدث في الأرض وإلى يوم القيامة؛ لكي يقيم الله عز وجل حجته على البشر في قوله سبحانه وتعالى: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا] {الأحزاب:21}.

ففي كل مواقف الحياة تستطيع أن تجد أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لأجل ذلك، وفي تناولنا للعهد المدني لن نستطيع بأي حال من الأحوال أن نتناول كل الأمور بالترتيب، سنغفل بعضها، ونحيل هذه الأمور إلى أبحاث أخرى، على سبيل المثال سوف نقوم بعمل بحث يسمى ( الرسول وحل مشكلات العالم) نتناول فيه كيف استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوجد الحلول العملية لمشكلات كثيرة كالبطالة والأمية، وتأخر الزواج، ومشكلة الفقر ومشكلة اللاجئين، ومشاكل كثيرة مرت على الأمة الإسلامية، وقام بحلها الرسول صلى الله عليه وسلم بطريقة علمية عملية واضحة، نستطيع أن نحاكيها ببساطة إذا اتبعنا منهج النبي صلى الله عليه وسلم، وسنقوم كذلك بعمل بحث نسميه: (الرسول وأخطاء المؤمنين) نجمع فيها أخطاء المؤمنين، وفي الحقيقة هذا الأمر يحتاج منا دراسةً متأنية، وتحليلًا جيدًا لكل خطأ كيف حدث؟ وكيف خرج منه المسلمون؟ وهذا الأمر يستهلك مساحات كبيرة جدًا من الوقت والدراسة، ومن ثَمّ سنحاول أن نتناول هذه الأخطاء قدر المستطاع من دون الإخلال بترتيب الأحداث وفقه معاني السيرة النبوية في المدينة المنورة.

مجتمع المدينة

كيف تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الطوائف المختلفة الموجودة في المدينة المنورة بعد قيام دولة الإسلام فيها، هذه الطوائف يمكن أن نجمعها في ثلاث مجموعات كبرى، مجموعة المسلمين بشتى أنواعهم، ومجموعة المشركين، ومجموعة اليهود.

ولا شك أن أهم مجموعة عند الرسول صلى الله عليه وسلم هي مجموعة المسلمين، إذ إنها عصب الدولة الإسلامية، وهم الذين على أكتافهم سيقوم الصرح الضخم الهائل لأمة الإسلام.

الطريق إلى بدر

مرت على المدينة الآن ستة أشهر من بدء المرحلة المدنية من السيرة النبوية، والوضع داخلها في شيء من الاستقرار, ولكنه استقرار على بركان قابل للانفجار في أي لحظة، فالمسلمون الآن تقريبًا يحكمون المدينة، ولكن هناك قوى غادرة خطيرة ما زالت تنتشر بينهم في المدينة، وهذه القوى موزعة بين مشرك لا يؤمن بالله ويكره هذا الدين الجديد, الذي سلبه ملكه وسيادته وذلك كعبد الله بن أُبي بن سلول, وبين يهودي منحرف علم الحق واتبع غيره.

الوضع خارج المدينة أيضًا فيه بعض الاستقرار ولكن تشوبه اضطرابات كثيرة، فمع أن هناك معاهدات مع بعض القبائل المحيطة بالمدينة لكن تهديد قريش للمدينة كان مستمرًا، وعلاقات قريش بالأعراب حول المدينة قوية، ولا يستبعد أبدًا أن يحدث هجوم قرشي شامل على المدينة بتعاون مع الأعراب أو المشركين داخل المدينة أو مع اليهود أو مع غيرهم.

ماذا يحدث إن بوغت المسلمون بهذا الهجوم؟

إن القتال كان منهيًا عنه حتى هذه اللحظات، ولو حدث وهجم أحد المشركين على المسلمين فالقاعدة هي [وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ] {الحجر: 94} .

لكن الوضع الآن تغير، وأصبح للمسلمين شوكة ولو أنها ضعيفة إلا أنها موجودة، وأصبح لهم كيان ودولة. ولا يستقيم لمن أراد أن يقيم دولة ألا يكون قادرًا على الدفاع عنها.

ولكن كيف الدفاع والقتال منهي عنه؟

الإذن بالقتال:

هنا ينزل حكم ربنا سبحانه وتعالى للمسلمين بالإذن بالقتال، فيتغير الوضع بتغير المرحلة:

[أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ] {الحج: 39}.

التشريع محكم، وليس عشوائيًا أبدًا، وهذا من فقه المرحلة.

المرحلة السابقة في مكة كان تستلزم الكف والإعراض, وهذه المرحلة تستلزم الإذن بالقتال, والإذن فقط وليس الفرض, وهذا فارق دقيق.

فالإذن تستطيع به أن تقاتل أو لا تقاتل حسبما ترى، وذلك تبعًا لتقديرك لقوتك، ولكن الفرض ليس لك فيه إلا أن تطيع.

وهذه ستكون مرحلة أخرى لاحقة قريبة.

كما أننا نلاحظ التدرج الجميل في التربية، فلا يحُمل الناس مرة واحدة على شيء يكرهونه، والناس عادة تكره القتال

[كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ] {البقرة: 216}.

وكان هذا الإذن بداية تغير إستراتيجي في خط سير المدينة المنورة.

الآن أذن للمسلمين أن يرفعوا عن أنفسهم بعض أو كل الظلم الذي وقع عليهم إن رأوا أن لهم قدرة على ذلك.

والذي أوقع عليهم الظلم في الأساس هم أهل مكة الكافرون، ولم يكن الظلم ظلمًا واحدًا، بل كان ظلمًا متعددًا مركبًا.

فظلم في الجسد بالتعذيب والحرق والإغراق والقتل أحيانًا, وظلم في المال بمصادرته بدون وجه حق واغتصابه بالقوة, وظلم في الديار بالطرد منها وأخذها، بل بيعها وأكل ثمنها, وظلم في النفس والسمعة بالسب والقذف وتشويه السمعة، وظلم في الحرية بالحبس والعزل عن المجتمع.

فماذا يفعل المسلمون لرفع هذا الظلم؟

إن هجوم المسلمين على مكة الآن بجيش قد لا يكون أمرًا حكيمًا، فقوة المسلمين ما زالت ناشئة، وعددهم ما زال قليلا، كما أن المدينة مضطربة بالمشركين واليهود، وتركها لمدة طويلة قد لا يكون آمنًا.

فماذا نفعل؟

لقد كان الحل هو مهاجمة قوافل قريش التي تتجه إلى الشام

- فهذه القوافل لا تحميها إلا قوة عسكرية بسيطة تستطيع القوة الإسلامية أن تجابهها.

- كما أنها تمر قريبًا من المدينة، فلن يكون هناك جهد كبير على المسلمين.

- وسيعودون إلى المدينة بسرعة قبل أن تحدث بها فتن أو ثورات.

- وهم في ذات الوقت سيستعيدون شيئًا من أملاكهم المسلوبة.

- ويوقعون الرهبة في قلوب أعدائهم.

لقد كانت فكرة صائبة حقًا أن يرفع المسلمون الظلم عن كاهلهم بمهاجمة قوافل القبيلة المعادية قريش.

وهذه حالة حرب حقيقية، وليس هنا مجال لما يطعن به المستشرقون والعلمانيون بأن المسلمين يغيرون على الآمنين من قريش.

فهذه حرب معلنة بين دولة المدينة المسلمة وبين دولة مكة الكافرة، وكل الطرفين يستحل دم ومال الآخر، وكل الطرفين يضرب مصالح الآخر، وهذا عرف في حالة الحرب متعارف عليه في كل الأزمان وفي كل الأماكن، والإسلام دين واقعي، يرد القوة بالقوة، ويشهر السيف في وجوه من أشهروا سيوفهم عليه

[وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ(41)إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] {الشُّورى: 41، 42} .

يلومون المسلمين؛ لأنهم هاجموا قوافل قريش التي استولت على أموالهم وأخذت ديارهم, ولا يلومون من سلب أموال شعب بأكمله, وقد تكرر هذا في التاريخ كثيرا.

يلومون المسلمين لأنهم قتلوا من قتل منهم قبل ذلك, وعذبهم وشردهم, ولا يحزنون ممن أباد الشعوب بالبارود والنابالم والقنابل الذرية والعنقودية واليورانيوم, مكاييل مختلفة وذلك لأنهم لا يحكمون بشرع الله سبحانه وتعالى وإنما يحكمون بأهوائهم.....
.



الى اللقاء مع جزء الثاني :wave: :wave:
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع