إعلانات المنتدى


نظرية الصرفة حقيقتها القائلون بها والردّ عليها (5) من قال بها غير النظّام؟

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

فتحي بودفلة

مزمار نشيط
10 سبتمبر 2010
45
1
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمود خليل الحصري
القائلون بالصرفة غير النظّام :

ليس القول بالصرفة مقصورا على النظّام كما يظنه البعض بل لقد سلك هذا الطريق كثير من علماء الإسلام سواء من فرقة المعتزلة أو من غيرهم

المعتزلة:

ü عيسى بن صبح المكنى بأبي موسى المردار 226هـ كان معروفا بالناسك أخذ الاعتزال عن بشر بن المعتمر تولى رئاسة المعتزلة ببغداد وهو القائل "الناس قادرون على أن يأتوا بمثل هذا القرآن وبما هو أفصح منه " [29]

ü عباد بن سليمان الصخري : معتزلي من أهل البصرة من تلامذة هشام بن عمرو القوطي [30]

ü القاضي هشام بن عمرو القوطي بصري عدّه القاضي في نهاية الطبقة السادسة من المعتزلة كان يحظى باحترام المأمون [31]

ü أبو إسحاق النصيبي من الطبقة الحادية عشرة من المعتزلة وكان يشك في النبوات كلّها [32]

ü الجاحظ

ü الرماني

ü القاضي عبد الجبار.... وسيأتي الحديث عن هؤلاء الثلاثة وعن مذهبهم في الصرفة مفصلا إن شاء الله

من غير المعتزلة (الأشاعرة) : وجلّهم إنّما يقبل بنظرية الصرفة إماّ كوجه ثانوي من أوجه الإعجاز فهو عندهم تابع للوجه الأوّل والأهمّ وهو إعجاز القرآن بنظمه وذاته وإمّا يقولون بها من باب المجادلة والمنافحة عن الحق لا غير [33]

ü ينسب إلى أبي الحسن الشعري يقول الشهرستاني: محمد بن عبد الكريم ( ت548هـ ) أثناء حديثه عن أبي الحسن الأشعري : - ( والقرآن عنده معجز من حيث البلاغة ، والنظم ، والفصاحة ، إذ خير العرب بين السيف وبين المعارضة ، فاختاروا أشد القسمين اختيار عجز عن المقابلة ، ومن أصحابه من اعتقد أن الإعجاز في القرآن من جهة صرف الدواعي ، وهو المنع من المعتاد )[34] وقال الشيخ السفاريني : محمد بن أحمد ( 1189هـ) : -( وفي شفاء أبي الفضل القاضي عياض بعض ميل للقول بالصرفة ، فإنه قال : وذهب الشيخ أبو الحسن ( الأشعري – ) إلى أنه مما يمكن أن يدخل مثله تحت مقدور البشر ، ويقدرهم الله عليه ، ولكنه لم يكن هذا ، ولا يكون ، فمنعهم الله هذا ، وعجزهم عنه .)[35]

ü الفخر الرازي (606هـ) أطلق القول بالصرفة في بعض مواضع تفسيره كقوله عند تعرضه لآية التحدي في سورة البقرة : ( الطريق الثاني ، أن نقول : القرآن لا يخلو إما أن يقال : إنه كان بالغا في الفصاحة إلى حد الإعجاز ، أو لم يكن كذلك ، فإن كان الأول : ثبت أنه معجز ، وإن كان الثاني : كانت المعارضة على هذا التقدير ممكنة ، فعدم إتيانهم بالمعارضة ، مع كون المعارضة ممكنة ، ومع توفر دواعيهم على الإتيان بها ، أمر خارق للعادة ، فكان ذلك معجزا ، فثبت أن القرآن معجز على جميع الوجوه ، وهذا الطريق عندنا أقرب إلى الصواب ) وفي مواضع أخرى قيدها بالسور القصار حيث يقول ( فإن قيل : قوله (فأتوا بسورة من مثله ) يتناول سورة الكوثر ، وسورة العصر ، وسورة ( قل يا أيها الكافرون) ، ونحن نعلم بالضرورة أن الإتيان بمثله ، أو بما يقرب منه ممكن ، فإن قلتم : إن الإتيان بأمثال هذه السور خارج عن مقدور البشر، كان ذلك مكابرة ، والإقدام على هذه المكابرات مما يطرق التهمة إلى الدين، قلنا : فلهذا السبب اخترنا الطريق الثاني ، وقلنا : إن بلغت هذه السورة في الفصاحة إلى حد الإعجاز ، فقد حصل المقصود ، وإن لم يكن الأمر كذلك ، كان امتناعهم عن المعارضة - مع شدة دواعيهم إلى توهين أمره -معجزا ، فعلى هذين التقديرين يحصل المعجز .)[36]

ü الحافظ ابن كثير (774هـ) أقرّها على سبيل المجادلة والمنافحة على الحق لا غير حيث يقول: )وقد قرر بعض المتكلمين الإعجاز بطريق يشمل قول أهل السنة ، وقول المعتزلة في الصرفة ، فقال : إن كان القرآن معجزا في نفسه لا يستطيع البشر الإتيان بمثله ، ولا في قواهم معارضته ، فقد حصل المدعى وهو المطلوب ، وإن كان في إمكانهم معارضته بمثله ، ولم يفعلوا مع شدة عداوتهم له ، كان ذلك دليلا على أنه من عند الله ، لصرفه إياهم عن معارضته مع قدرتهم على ذلك ، وهذه الطريقة -وإن لم تكن مرضية لأن القرآن في نفسه معجز لا يستطيع البشر معارضته كما قررنا - إلا أنها تصلح على سبيل التنزل ، والمجادلة ، والمنافحة عن الحق ، وبهذه الطريقة أجاب الرازي في تفسيره عن سؤاله في السور القصار ، كالعصر ، وإنا أعطيناك الكوثر.)[37]

ü أبو إسحاق الاسفراييني (418هـ) فقد عدّها وجها من أوجه الإعجاز حيث قال في شرحه للمواقف : ( وقيل : إعجازه بالصرفة ، على معنى أن العرب كانت قادرة على كلام مثل القرآن قبل البعثة ، لكن الله صرفهم عن معارضته ، واختلف في كيفية الصرف ، (فقال الأستاذ) أبو اسحاق منا ، (والنظام ) من المعتزلة ، ( صرفهم الله عنها مع قدرتهم ) عليها ، وذلك بأن صرف دواعيهم إليها ، مع كونهم مجبولين عليها ، خصوصا عند توفر الأسباب الداعية في حقهم ، كالتقريع بالعجز ، والاستنزال عن الرياسات ، والتكليف بالانقياد ، فهذا الصرف خارق للعادة ، فيكون معجزا .)[38]

ü الراغب الأصبهاني (425هـ) حيث يقول :(اعلم أن إعجاز القرآن ذكر من وجهين ، أحدهما : إعجاز يتعلق بنفسه ، والثاني : بصرف الناس عن معارضته) ثم يتبع ذلك بقوله : ( فلما دعا الله أهل البلاغة والخطابة ، الذين يهيمون في كل واد من المعاني - بسلاطة لسانهم - إلى معارضة القرآن ، وعجزوا عن الإتيان بمثله ، ولم يقصدوا لمعارضته ، فلم يخف على ذوي البلاغة أن صارفا إلهيا صرفهم عن ذلك ، وأي إعجاز أعظم من أن يكون كافة البلغاء عجزوا في الظاهر عن معارضة مصروفة في الباطن عنها.)[39]

ü أبو الحسن الماوردي (450هـ) قال في أعلام النبوة : ( الوجه العشرون من أوجه إعجازه : الصرفة عن معارضته ، واختلف من قال بها : هل صرفوا عن القدرة على معارضته مع دخوله في مقدورهم ..؟ على قولين : أحدهما :- إنهم صرفوا عن القدرة ، ولو قدروا لعارضوا .

والقول الثاني :- إنهم صرفوا عن المعارضة مع دخوله في مقدورهم .

والصرفة إعجاز على القولين معا ....) ثم يقول : ( فإذا ثبت إعجاز القرآن من هذه الوجوه كلها ، صح أن يكون كل واحد منها معجزا ، فإذا جمع القرآن سائرها كان إعجازه أقهر ، وحجاجه أظهر ، وصار كفلق البحر ، واحياء الموتى ، لأن مدار الحجة في المعجزة إيجاد ما لا يستطيع الخلق مثله )[40] ومثل ذلك يقوله في تفسير النكت والعيون : ( فأما إعجاز القرآن الذي عجزت به العرب عن الإتيان بمثله ، فقد اختلف العلماء فيه على ثمانية أوجه، إلى أن يقول : والثامن : أن إعجازه هو الصرفة ، وهو أن الله تعالى صرف هممهم عن معارضته ، مع تحديهم أن يأتوا بسورة من مثله ، فلم تحركهم أنفة التحدي ، فصبروا على نقص العجز ، فلم يعارضوه ، وهم فصحاء العرب ، مع توفر دواعيهم على إبطاله ، وبذل نفوسهم في قتاله ، فصار بذلك معجزا لخروجه عن العادة كخروج سائر المعجزات عنها . واختلف من قال بهذه الصرفة على وجهين :

أحدهما : أنهم صرفوا عن القدرة عليه ، ولو تعرضوا لعجزوا عنه.

والثاني : -أنهم صرفوا عن التعرض له ، مع كونه في قدرتهم ، ولو تعرضوا له لجاز أن يقدروا عليه . فهذه ثمانية أوجه ، يصح أن يكون كل واحد منها إعجازا ، فإذا جمعها القرآن ، وليس اختصاص أحدها بأن يكون معجزا بأولى من غيره ، صار إعجازه من الأوجه الثمانية ، فكان أبلغ في الإعجاز ، وأبدع في الفصاحة والإيجاز )[41]

ü إمام الحرمين الجويني (478هـ) يقول في العقيدة النظامية : (وقد أكثر الناس في وجه إعجاز القرآن ، وتقطعوا فيه أيادي سبأ ، وصار معظم الناس إلى أن القرآن تميز على صنوف الكلام بمزية البلاغة والجزالة ، خارج عن المعتاد في ذلك ، ثم زعم زاعمون : أن إعجازه في شرف جزالته ، وذهب آخرون : إلى أن إعجازه في الجزالة الفائقة ، وأسلوبه الخارج عن أساليب النظم والنثر ، والخطب ، والأراجيز، ثم يقول : - من رام أن يثبت إعجاز القرآن بأنه في جزالته خارق للعادات ، مجاوز لفصاحة اللدد البلغاء ،واللسن الفصحاء ، فقد حاد عن مدرك الحق ) ثم يقرر ويقول : (فتبين قطعا أن الخلق ممنوعون عن مثل ما هو من مقدورهم ، وذلك أبلغ عندنا من خرق العوائد بالأفعال البديعة في أنفسها ، ومن هدي إلى هذا المسلك فقد رشد إلى الحق المنير ، وانعكس كل مطعن ذكره الطاعنون عضدا وتأييدا .)

إلى أن يقول : (فإذا لم تجر المعارضة ، لم يبق لامتناعها ، مع توفر الدواعي عليها محمل إلا صرف الله الخلق ، فكيف يهتدي إلى إعجاز القرآن ، من يحاول أن يثبت خروجه عن العادة في الجزالة ، وشفاء الصدور في الحكم ؟ فإن مثله من مقدورات الخلق ، ولكنهم مصدودون ممنوعون بصرف الله إياهم )[42]

ü أبو حامد الغزالي (505هـ) الذي يقول في باب المحاجاة : (فإن قيل : لعل العرب اشتغلت بالمحاربة والقتال فلم تعرج على معارضة القرآن ، ولو قصدت لقدرت عليه ، أو منعتها العوائق عن الاشتغال به ، والجواب : - إن ما ذكروه هوس ، فإن دفع تحدي المتحدي بنظم كلام أهون من الدفع بالسيف ، مهما جرى على العرب من المسلمين بالأسر والقتل والسبي ، وشن الغارات ، ثم ما ذكروه غير دافع غرضنا ، فإن انصرافهم عن المعارضة لم يكن إلا بصرف من الله تعالى ، والصرف عن المقدور المعتاد من أعظم المعجزات .)[43]

القائلون بها من الشيعة الإمامية : وهم حملة لواء القول بالصرفة في العصور المتأخرة خاصة وأنهم ورثة الفكر الاعتزالي

ü الشيخ المفيد (338هـ) قال في جهة إعجاز القرآن : ("إنّ جهة ذلك هو الصرف من الله تعالى لأهل الفصاحة واللسان عن معارضة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثله في النظام عند تحدّيه لهم، وجعل انصرافهم عن الإتيان بمثله ـ وإن كان في مقدورهم دليلاً على نبوته. واللُّطف من الله تعالى مستمر في الصرف عنه إلى آخر الزمان. وهذا أوضح برهان في الإعجاز، وأعجب بيان. وهو مذهب النظّام، وخالف فيه جمهور أهل الإعتزال...) [44]

ü علي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى (355هـ) نقل عنه الطوسي قوله : - ( إن الله سلب العرب العلوم التي كانت تتأتى منهم بها الفصاحة التي هي مثل القرآن ، متى راموا المعارضة ، ولو لم يسلبهم ذلك لكان يتأتى منهم )[45]

ü نصر الدين الطوسي (385هـ) قال بها في كتابه (تمهيد الأصول في علم الكلام ) وهو شرح لكتاب (جمل العلم والعمل) للشريف المرتضى ولكنه تراجع عن القول بها صراحة في كتاب (الاقتصاد)

ü ابن سنان الخفاجي (466هـ) يقول في كتابه سرّ الفصاحة : ( إذا عدنا إلى التحقيق وجدنا إعجاز القرآن : صرف العرب عن معارضته، بأن سلبوا العلوم التي بها كانوا يتمكنون من المعارضة ، وقت مرامهم ذلك ...) و يقول أيضا : ( إن الصحيح أن إعجاز القرآن هو صرف العرب عن معارضته ، وإن فصاحته كانت في مقدورهم لولا الصرف ...) و في موضع آخر : ( متى رجع الانسان الى نفسه ، وكان معه أدنى معرفة بالتأليف المختار ، وجد في كلام العرب ما يضاهي القرآن في تأليفه …!! )[46]



الصرفة عند الجاحظ :

يعترف الجاحظ بإعجاز القرآن من حيث نظمه فلا قدرة للعرب على إجابة التحدي الرباني بمعارضته والإتيان بمثله ولكن ذلك لم يمنعه من القول بالصرفة كذلك حتى يحفظ القرآن من عبث العابثين وتشكيك المشككين

يقول الجاحظ : ( ومثل ذلك ما رفع من أوهام العرب ، وصرف نفوسهم عن المعارضة للقرآن ، بعد أن تحداهم بنظمه ، ولذلك لم نجد أحدا طمع فيه ، ولو طمع فيه لتكلفه ، ولو تكلف بعضهم ذلك، فجاء بأمر فيه أدنى شبهة ، لعظمت القضية على الأعراب ، وأشباه الأعراب ، والنساء، وأشباه النساء ، ولألقى ذلك للمسلمين عملا ، ولطلبوا المحاكمة والتراضي ببعض العرب ، ولكثر القيل والقال )[47]

ويقول أيضا : ( وذكرنا من صرف أوهام العرب عن محاولة معارضة القرآن ، ولم يأتوا به مضطربا، ولا ملفقا ، ولا مستكرها ، إذ كان في ذلك لأهل الشغب متعلق )[48] فلا تعارض بين الصرفة وبين إعجاز القرآن بنظمه عند الجاحظ فالتحدي عنده واقع بنظم القرآن وما الصرفة إلاّ تدبير رباني حفظ به الله تعالى كتابه المعجز عن تلاعب السفهاء وعن الأخذ فيه والعطاء الذي من شأنه أن يُذهب هبته وينزل من قدره وعظمته يقول الدكتور سامي عطا حسن مبينا الفرق بين نظرية الصرفة عند كلّ من النظام والجاحظ : (فهناك فرق بين مفهومي النظام ، والجاحظ للصرفة ، فالنظام : يرى قدرة المنشئين على أن ينظموا مثل القرآن ، والإعجاز في صرف الله لهم عن هذا الصنيع . أما الجاحظ : فلم يستعمل الصرفة بمفهومها النظامي الذي سبق أن أنكره عليه ، وإنما استعملها بمفهوم آخر ، لا يتنافى والقول بإعجاز القرآن بالنظم . فانصراف العرب عن معارضة القرآن ، إنما وقع بعد أن تحداهم الرسول

_ صلى الله عليه وسلم – - بنظمه ، وهي لذلك ليست تعني أن الله أحدث فيهم منعا ، وعجزا ، وإنما تعني أن له تعالى تدبيرا ، حفظ به القرآن من شغب المعاندين ، فصرف أوهامهم ونفوسهم ، عن كل محاولة لمعارضة القرآن ، لما قد يدخل بذلك من الشبه على ضعاف العقول ، ولما قد ينشأ عنه من الفتنة .)[49]







الانصراف بدل الصرفة عند القاضي عبد الجبار :

هو أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن الخليل بن عبد الله الهمداني قاضي القضاة شيخ المعتزلة في زمانه توفي سنة 415 هـ

انتقد أصحابه القائلين بالصرفة أشدّ الانتقاد معتبرا هذه النظرية تطعن في القرآن الكريم من حيث بلاغته المعجزة ومن حيث ثبوته أو ثبوت بعض آياته ثم من حيث مزيته وخصيته يقول عليه رحمة الله معددا أوجه انتقاده لنظرية الصرفة :

( أولا :- لوكانوا ممنوعين من الإتيان بكلام فصيح ، أو قول بليغ ، لكان ذلك لا يختص بكلام دون كلام ، وأنه لو حصل ذلك في ألسنتهم ، لما أمكنهم الكلام المعتاد ، ولكن القوم ظلوا يتكلمون ، ويأتون بالقول الفني الممتاز ، ولم ينحدر مستوى بيانهم ، أو يهبط ، ولكنه كان - على علوه - ، لا يرقى الى مستوى القرآن .

ثانيا : - ولو ثبت هذا المنع ، لكان في حد ذاته هو المعجز، وليس القرآن ، فإن من سلك هذا المسلك في القرآن ، يلزمه أن لا يجعل له مزية ألبتة .

ثالثا : - ولو ثبت هذا المنع بأية صورة من صوره ، لبطل بعض القرآن ، ولما كان صحيحا قوله تعالى : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) ...

رابعا : - القول بالصرفة يتعارض مع الآية السابقة ، لأنه لا يقال في الجماعة إذا امتنع عليها الشيء : إن بعضها يكون ظهيرا لبعض ، لأن المعاونة، والمظاهرة ،إنما تمكن مع القدرة ، ولا تصح مع العجز ، والمنع .)[50]

ولكنّه لجأ إلى نظرية أخرى أو نظرة مقاربة ليحاول تبرير عدم محاولة العرب معارضة القرآن فهو يقول في هذا الصدد : (أن دواعيهم انصرفت عن المعارضة ، لعلمهم بأنها غير ممكنة ، على ما دللنا عليه ، ولولا علمهم بذلك ، لم تكن لتنصرف دواعيهم ، لأنا نجعل انصراف دواعيهم تابعا لمعرفتهم بأنها متعذرة ..)[51] ويقول أيضا : ( فالصحيح ما قلناه ، من أنهم علموا بالعادة تعذر مثله ، فصار علمهم صرفا عن المعارضة .)[52] فالمانع من المعارضة عند القاضي عبد الجبار لم يعد خارجيا كما كان عند النظام وأصحابه بل هو صارف داخلي وهو يشبه الشعور باليأس عند المتحدين من إمكانية الإتيان بمثله ....ولهذا اصطلحنا عليه بالانصراف لا الصرفة ...

الصرفة عند الأشاعرة :

اجتهاد الأشاعرة في حديثهم عن البلاغة والإعجاز ابتداء من القرن الخامس الهجري كان عبارة عن ردّة فعل لاشتغال واختصاص المعتزلة بهاتين القضيتين

فجاءت هذه الاجتهادات في شكل ردود أفعال تمثلت ابتداء بمحاولة تصفية وتمييز الدرس البلاغي والإعجازي عن المعتقد الاعتزالي ... ثم محاولة صبغ هاذين العلمين بالمعتقد الأشعري

ثم إنّ غالب من تكلم في إعجاز القرآن الكريم من الأشاعرة أنكر مسألة الصرفة جملة وتفصيلا ... ولكن ذلك لم يمنع بعض كبار القوم وعليتهم من القول بها وعلى رأسهم أبو الحسن الأشعري فيم يزعم البعض ...

والقول بالصرفة عند الأشاعرة غير القول بها عند المعتزلة فهم يقولون بها في حدود ضيقة جدّا وبضوابط صارمة لعل أهمها ما يلي :

ü أنّ أعظم معجزات القرآن بلاغته (وليست معجزته الوحيدة ...)

ü أنّ العرب والعجم بل الإنس كلّهم والجنّ معهم لا يقدرون على معارضة القرآن والإتيان بمثله...

ü ليس في كلام البشر قديما وحاضرا ومستقبلا شيئا يشبه القرآن أو يقاربه ...

ü صرف المتحدين عن معارضة القرآن والإتيان بمثله وجه آخر لإعجاز القرآن ولكنه وجه تابع وثانوي ...

ü صرف المتحدين عن معارضة القرآن والإتيان بمثله إنما سببه إبعاد الشكوك عن إعجاز القرآن وحتى لا يصير مجالا للقيل والقال والأخذ والعطاء فيتأثر الضعفاء ومن في قلوبهم مرض ...
الهوامش :

[29] طبقات المعتزلة ص70 الفرق بين الفرق ص154 د, عمر السلامي؛ الإعجاز الفني في القرآن ص 52 ـ 65

[30] ابن النديم ؛ الفهرست 269 ــ 280

[31] طبقات المعتزلة 69

[32] أبو حيان التوحيدي الإمتاع والمؤانسة 1\141

[33] هذه الأقوال نقلتها من بحث الصرفة للدكتور سامي عطا حسن ابتداء من الصفحة 19 من المبحث الرابع القائلون بالصرفة من أهل السنة وقصده بأهل السنة كل الفرق المخالفة للشيعة كما هو مقرر معلوم عندهم

[34] الشهرستاني : الملل والنحل , بهامش الفصل 1\135 ـ 136 نقلا من بحث الصرفة للدكتور سامي عطا حسن

[35] محمد بن أحمد السفاريني : لوامع الأنوار البهية, 1\175

[36] الرازي : مفاتيح الغيب 1\116 ـ 117 ومحسن عبد الحميد : الرازي مفسرا ص 233 ـ 234

[37] ابن كثير : تفسير القرآن العظيم 1\60

[38] القاضي عضد الدين الإيجي : شرح المواقف 8\646

[39] السيوطي : معترك الأقران في إعجاز القرآن 1\5ـ6

[40] الماوردي : أعلام النبوة ص 85 ـ 86

[41] الماوردي : تفسير النكت والعيون 1\30 ـ 31

[42] الجويني : العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية 72 ـ 73

[43] الغزالي : الاقتصاد في الاعتقاد ص 129 ــ 130

[44] جعفر السبحاني : الإلهيات ص341 نقلا عن أوائل المقالات للشيخ المفيد ص 31

[45] الإلهيات للسبحاني نسخة إلكترونية وانظر الاقتصاد للطوسي ص 172 ....

[46] ابن سنان الخفاجي : سرّ الفصاحة ص 89 ـ 217

[47] الجاحظ : الحيوان 6\296

[48] نفسه 4\90

[49] الدكتور سامي عطا حسن : الصرفة دلالتها لدى القائلين بها وردود المعارضين لها (جامعة آل البيت)

[50] القاضي عبد الجبار : المغني 16\324

[51] نفسه

[52] المرجع نفسه 16\ 325 وانظر شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار 586 ـ 589
يتبع إن شاء الله ... فتحي بودفلة
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع