إعلانات المنتدى


يوم تركتُ الصلاة ( نجيب الزامل )

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

الطيّبة

مزمار داوُدي
7 مارس 2006
5,489
17
0
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
يوم تركتُ الصلاة
نجيب الزامل



"السرّ في الصلاة أنّها لا تغيّر العالم. الصلاة تغيّرنا نحن.. ونحن نغيّر العالم."

كنتُ شاباً صغيرا، وكانت التياراتُ تلاحقنا في كلّ مكان، في كلّ كتاب، في كلّ نقاش، كانت أيّام الثانوية أصعب أيّام، وهي أيّام الشك والحيرة، والضياع والزوغان بين مدارس الفكر الوضعيّ، وأخذتني المدارس واستلهمت كبار مفكّري العالم ، ....

وأخذ الفكرُ يجرفني تماما وبعيداً عن الرّوح المتصلة بالسّماء، حيث اليقين كلّ شيء، حيث الإيمان هو الشمس التي تسطع من بعيد، ولكنّها أقرب لك من أي عنصر في الكون، لأنّها طاقة الوجود، فضعت كثيرا، وتجبّرت بما سفحت من معلومات وكتب وظننت أنّي في تلك السن الباكرة قد جمعتُ سحرَ العلوم، وكأنّي خيميائيّ المعرفة.. ولم أعد أقرأ الكتبَ التي كنت أتوسدها في السابق حتى يغالبني النوم من أمهات الثقافة الدينيّة في التفسير والفقه الحديث، والأدب العربي.. ونفضتُ عنّي ما حسبت وقتها أنّه عالمٌ عتيقٌ مليءٌ بغبار الغابر من التاريخ المعتم، إلى معارف تُشرق فيها أنوارُ العقل الإنساني متوهجا سواء في التاريخ أو المعاصر. .. ثم تركتُ الصلاة.


وكان مدرّسي, يرحمه الله, في اللغة العربيّة رجل من غزّة متديّن، وقويم الفكر، ويؤثرني لميلي إلى الاطلاع، ولظهوري في اللغة، ثم توطدتْ بيننا صداقةٌ غير صفيّة، حتى انتزعتني أفكار الوجوديّة، والتي كانت أول مزالقي نحو كل الفلسفات، وصار يقف ضد هذا التوجّه ويحذّرني كثيرا، ويقول لي لستَ في سنٍّ تحكم فيها على العالم، ولا على معارف أمتك ولا أمم الآخرين.. ارجع إلى منبعك وانهل منه، وتقوَّ، ثم رِدْ من كلّ منهل، وستجد أنّك ستتذوقه وتعرف مكوّناته، ولكن لن تدخله جوفك لأنّ ذائقتك المعرفيّة المتينة من بنيان تشرّبك المعرفي لدينك وثقافتك ستمنعك من ذاك.. ولكنّي تماديت، وشعرت أنّ موجةً مشرقةً أخذتني منه بعيداً تاركاً له كلّ بحار الظلام..
وأنا في طريقي الماديّ الجديد، بدأت في سنّ السابعة عشرة أكتب لمجلة "الجمهور" اللبنانية، وكانوا يحسبوني شخصاً كبيراً في بلادي ويخاطبوني كما يخاطبون الكبار، وتـُرسل لي تحويلات النقد، ثم صرتُ أكتب في مجلةٍ إنجليزيةٍ تصدر من البحرين، ودار اسمي تحت اسم المفكّر المتحرّر.
وكانت كتاباتي تنضح عمّا في داخلي من معلومات وكتبٍ سفحتها سنوات لا أرفع رأسي من متن كتابٍ إلا إلى آخر، فأغوتني علوم الفلك والإنسان، والحفريات التاريخية، والطب، والجغرافيا.. وكنت أقرأ لعلماء أتأكّد من كونهم غير روحانيين.. حتى لا يشوشوا عليّ بأفكار لا تثبت بالاستدلال المادي.. وانفتحت أمامي المجلاتُ والصحف، وصرت أكتب وأنا في الثانوية بغزارةٍ لمجلات وجرائد في لبنان, الكويت، إيران، البحرين، وأمريكا.. وانفتنتُ بنفسي.. وأرى أستاذي، وأكاد أطل عليه بمكابرةٍ من علٍ.


" لماذا لم تعد تصلي ؟ " سألني أستاذي بحدة عميقة، فأجبته : " وهل تغير الصلاةُ العالم؟ " فأجابني إجابة طيرت عقلي، وخلخلت أركانَ نفسي التي ظننت أنها مكينة.. "نعم الصلاة لا تغيّر العالم، ولكنها تغيّرنا فنغيّر نحن العالم".. ولكنّي صارعت أثر الجملة المريعة.. ومضيت في غيِّي.

مرّت سنوات، عدت للمنزل.. وكان بيتناً لا مهادنة فيه بالنسبة للصلاة وفي المسجد، كان أبي يجعل من خروجه للمسجد طقساً ضوئياً، ووالدتي توقظنا للصلاة قبل أن يصدح الأذان.. جرْجرتُ نفسي وعدتُ للصلاة، ولكن مكابرتي كانت في الداخل. ..
.. ويوماً مرضتُ.. وقال لي الطبيب : " آسف يا نجيب، ستموت لا محالة بعد تسعة أشهر "..

كنت في مدينة تاكوما الساحلية بأمريكا، ورحتُ وحيداً إلى تلّة خضراء، ورأيت المحيط الجبّارَ شاسعاً أمامي.. ولا شيء إلا أنا والسماء والماء.. والموت، والحياة. وسألت نفسي هل أغيّرُ شيئاً ؟. ورحت متأملاً، والدموع تنفر فتغطّي شساعة المحيط بسرابيةٍ مهيبةٍ مبهمة.. وفجأة، قفزت تلك العبارة إلى رأسي: " الصلاة تغيّرنا، ونحن نغيّر العالم".. وبسرعة ذهبت إلى حيث أقيم وأبرقت لأستاذي تلك الجملة بلا مقدمات ولا خواتيم.. وردّ علي. " لقد استردّك الله .. عش مطمئناً."

أعظم صلاة أخذت بمجامعي كانت على ساحل الأطلسي في تاكوما الأمريكية.. وعرفت أنّ الله حق.. وعرفت ما معنى الحق.. وأن ّمعناه النهائيّ في السماء لا في الأرض..


ولم أمُتْ.. حتّى الآن.
 

بنت مؤمنة

مزمار ألماسي
9 يوليو 2010
1,978
77
0
الجنس
أنثى
رد: يوم تركتُ الصلاة ( نجيب الزامل )

السر في الصلاة انها لا تغير العالم ..الصلاة تغيرنا نحن و نحن نغير العالم

قال الله تعالي قد افلح المؤمنون..الذين هم في صلاتهم خاشعون
وقال تعالي و الذين هم علي صلواتهم يحافظون...اولئك هم الوارثون...الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون

يارب نكون جميعا منهم

جزاكِ الله خيرا اختي الفاضلة و بارك الله فيكِ
 

وطني حبيبي

زائر

يوم تركتُ الصلاة
نجيب الزامل




"السرّ في الصلاة أنّها لا تغيّر العالم. الصلاة تغيّرنا نحن.. ونحن نغيّر العالم."

كنتُ شاباً صغيرا، وكانت التياراتُ تلاحقنا في كلّ مكان، في كلّ كتاب، في كلّ نقاش، كانت أيّام الثانوية أصعب أيّام، وهي أيّام الشك والحيرة، والضياع والزوغان بين مدارس الفكر الوضعيّ، وأخذتني المدارس واستلهمت كبار مفكّري العالم ، ....

وأخذ الفكرُ يجرفني تماما وبعيداً عن الرّوح المتصلة بالسّماء، حيث اليقين كلّ شيء، حيث الإيمان هو الشمس التي تسطع من بعيد، ولكنّها أقرب لك من أي عنصر في الكون، لأنّها طاقة الوجود، فضعت كثيرا، وتجبّرت بما سفحت من معلومات وكتب وظننت أنّي في تلك السن الباكرة قد جمعتُ سحرَ العلوم، وكأنّي خيميائيّ المعرفة.. ولم أعد أقرأ الكتبَ التي كنت أتوسدها في السابق حتى يغالبني النوم من أمهات الثقافة الدينيّة في التفسير والفقه الحديث، والأدب العربي.. ونفضتُ عنّي ما حسبت وقتها أنّه عالمٌ عتيقٌ مليءٌ بغبار الغابر من التاريخ المعتم، إلى معارف تُشرق فيها أنوارُ العقل الإنساني متوهجا سواء في التاريخ أو المعاصر. .. ثم تركتُ الصلاة.


وكان مدرّسي, يرحمه الله, في اللغة العربيّة رجل من غزّة متديّن، وقويم الفكر، ويؤثرني لميلي إلى الاطلاع، ولظهوري في اللغة، ثم توطدتْ بيننا صداقةٌ غير صفيّة، حتى انتزعتني أفكار الوجوديّة، والتي كانت أول مزالقي نحو كل الفلسفات، وصار يقف ضد هذا التوجّه ويحذّرني كثيرا، ويقول لي لستَ في سنٍّ تحكم فيها على العالم، ولا على معارف أمتك ولا أمم الآخرين.. ارجع إلى منبعك وانهل منه، وتقوَّ، ثم رِدْ من كلّ منهل، وستجد أنّك ستتذوقه وتعرف مكوّناته، ولكن لن تدخله جوفك لأنّ ذائقتك المعرفيّة المتينة من بنيان تشرّبك المعرفي لدينك وثقافتك ستمنعك من ذاك.. ولكنّي تماديت، وشعرت أنّ موجةً مشرقةً أخذتني منه بعيداً تاركاً له كلّ بحار الظلام..
وأنا في طريقي الماديّ الجديد، بدأت في سنّ السابعة عشرة أكتب لمجلة "الجمهور" اللبنانية، وكانوا يحسبوني شخصاً كبيراً في بلادي ويخاطبوني كما يخاطبون الكبار، وتـُرسل لي تحويلات النقد، ثم صرتُ أكتب في مجلةٍ إنجليزيةٍ تصدر من البحرين، ودار اسمي تحت اسم المفكّر المتحرّر.
وكانت كتاباتي تنضح عمّا في داخلي من معلومات وكتبٍ سفحتها سنوات لا أرفع رأسي من متن كتابٍ إلا إلى آخر، فأغوتني علوم الفلك والإنسان، والحفريات التاريخية، والطب، والجغرافيا.. وكنت أقرأ لعلماء أتأكّد من كونهم غير روحانيين.. حتى لا يشوشوا عليّ بأفكار لا تثبت بالاستدلال المادي.. وانفتحت أمامي المجلاتُ والصحف، وصرت أكتب وأنا في الثانوية بغزارةٍ لمجلات وجرائد في لبنان, الكويت، إيران، البحرين، وأمريكا.. وانفتنتُ بنفسي.. وأرى أستاذي، وأكاد أطل عليه بمكابرةٍ من علٍ.


" لماذا لم تعد تصلي ؟ " سألني أستاذي بحدة عميقة، فأجبته : " وهل تغير الصلاةُ العالم؟ " فأجابني إجابة طيرت عقلي، وخلخلت أركانَ نفسي التي ظننت أنها مكينة.. "نعم الصلاة لا تغيّر العالم، ولكنها تغيّرنا فنغيّر نحن العالم".. ولكنّي صارعت أثر الجملة المريعة.. ومضيت في غيِّي.

مرّت سنوات، عدت للمنزل.. وكان بيتناً لا مهادنة فيه بالنسبة للصلاة وفي المسجد، كان أبي يجعل من خروجه للمسجد طقساً ضوئياً، ووالدتي توقظنا للصلاة قبل أن يصدح الأذان.. جرْجرتُ نفسي وعدتُ للصلاة، ولكن مكابرتي كانت في الداخل. ..
.. ويوماً مرضتُ.. وقال لي الطبيب : " آسف يا نجيب، ستموت لا محالة بعد تسعة أشهر "..

كنت في مدينة تاكوما الساحلية بأمريكا، ورحتُ وحيداً إلى تلّة خضراء، ورأيت المحيط الجبّارَ شاسعاً أمامي.. ولا شيء إلا أنا والسماء والماء.. والموت، والحياة. وسألت نفسي هل أغيّرُ شيئاً ؟. ورحت متأملاً، والدموع تنفر فتغطّي شساعة المحيط بسرابيةٍ مهيبةٍ مبهمة.. وفجأة، قفزت تلك العبارة إلى رأسي: " الصلاة تغيّرنا، ونحن نغيّر العالم".. وبسرعة ذهبت إلى حيث أقيم وأبرقت لأستاذي تلك الجملة بلا مقدمات ولا خواتيم.. وردّ علي. " لقد استردّك الله .. عش مطمئناً."

أعظم صلاة أخذت بمجامعي كانت على ساحل الأطلسي في تاكوما الأمريكية.. وعرفت أنّ الله حق.. وعرفت ما معنى الحق.. وأن ّمعناه النهائيّ في السماء لا في الأرض..

ولم أمُتْ.. حتّى الآن.
الحمد لله إني لم أترك الصلاة يوما وحرصت عليها قبل أن أدخل المدرسة الحمدلله وحده نسأله الثبات لنا ولَك أستاذ نجيب مقال أو بالأصح خاطرة جميلة نجيبة تشابهنا معك بشغف القراءة والإطلاع ،أسأل الله لك طول العمر والصحة
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع