إعلانات المنتدى


ما لا يسعُ المسلمَ جهلُه أوتركُه بعدَ الإساءَةِ إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

محب التحبير

مزمار ألماسي
5 نوفمبر 2008
1,243
20
38
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
صلاح محمد البدير
علم البلد
ما لا يسعُ المسلمَ جهلُه أوتركُه بعدَ الإساءَةِ
إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-


بِسْمِ اللهِ وَالصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلَى رسولِ اللهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ وَالاهُ:

أمَّا بعدُ:
فإنَّ التَّعرض لنبيِّنا-صلَّى الله عليه وسلَّم- فتنةٌ كبرى ومصيبةٌ عظمى، لا ينبغي أن تمرَّ على المسلمين مرورَ من لا يُشعر به ولا يُأبه له، بل عليهم أن يأخذوا منها العبر ويتصرَّفوا التَّصرُّف الشَّرعي حيالها، وهذا واجبٌ على المكلَّفين منهم جميعا، وكلٌّ بحسبه.
والنَّاسُ-عمومًا- حيالَ هذه الجريمةِ النَّكراءِ ثلاثةُ أقسام:
- فمنهم من ينغمس فيها ويخوض مع الخائضين. وهذا شرُّ الأقسام.
- ومنهم من يفرُّ منها وينكرُها بل ويحذِّر منها ومن أهلها. وهذا أفضلُ الأقسام.
- ومنهم من لا ينغمس فيها ولا يخوض، ولكن في الوقت ذاته لا يجد في قلبه إنكارا لها أو بغضا لمثيريها، فضلا عن أن يحاول تغييرها وإزالتها. وهذا له نصيبٌ من القسم الأوَّل. والله المستعان.
قال سبحانه: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف: 165].
قال الحافظُ ابنُ كثير-رحمه الله- وهو يتكلَّم عن هذه الآية: (يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَنَّهُمْ صَارُوا إِلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ ارْتَكَبَتِ الْمَحْذُورَ، وَاحْتَالُوا عَلَى اصْطِيَادِ السَّمَكِ يَوْمَ السَّبْتِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَفِرْقَةٌ نَهَتْ عَنْ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَتْ وَاعْتَزَلَتْهُمْ. وَفِرْقَةٌ سَكَتَتْ فَلَمْ تَفْعَلْ وَلَمْ تَنْهَ، وَلَكِنَّهَا قَالَتْ لِلْمُنْكِرَةِ: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾؟ أَيْ: لِمَ تَنْهَوْنَ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ هَلَكُوا وَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ مِنَ اللَّهِ؟...فَلَمَّا أَبَى الْفَاعِلُونَ الْمُنْكَرَ قَبُولَ النَّصِيحَةِ، ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أَيْ: ارْتَكَبُوا الْمَعْصِيَةَ ﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ فَنَصَّ عَلَى نَجَاةِ النَّاهِينَ وَهَلَاكِ الظَّالِمِينَ، وَسَكَتَ عَنِ السَّاكِتِينَ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ مَدْحًا فَيُمْدَحُوا، وَلَا ارْتَكَبُوا عَظِيمًا فَيُذَمُّوا، وَمَعَ هَذَا فَقَدَ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِيهِمْ: هَلْ كَانُوا مِنَ الْهَالِكِينَ أَوْ مِنَ النَّاجِينَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ)[1].
فانظر-رعاك الله- إلى هذه الفرقة الَّتي لم يبيِّن أصحابُها الحقَّ مع إنكارِهم له بقلوبهم، كيف لم يُبيَّن حكمُهم لأنَّهم لم يعملوا ما يستحقّ أن يُمدحوا بالذِّكر لأجله، واختلف أهل العلم أصلا فيهم هل هم مع الذين نجوا أو مع الذين هلكوا؟ وإن كان الأكثرون على أنَّهم من النَّاجين [2].
فما بالك أخي الكريم بمن يسمعُ بل ويشاهدُ السبَّ والشَّتمَ والقذفَ الذي يوجَّه إلى نبيِّنا-صلَّى الله عليه وسلَّم- وأزواجِه وأصحابِه ليلَ نهار ولا يحرِّك ساكنا، وكأنّ شيئا لم يكن، بل ترى كثيرا من المسلمين يشاهدون ذلك وأعظم منه كسبِّ الله والإشراكِ به وهم غيرُ مبالين.
ألا يشاهد كثير من المسلمين الأفلام والمسلسلات الّتي يعدُّها اليهود والنَّصارى ويتابِعونها بشغف، وهي لا تخلو من الإشادة بالصُّلبان، وسبِّ الرَّحمان، وغير ذلك من أنواع الكفران، فضلا عمَّا فيها من التَّرويج للمنكرات والمعاصي والآثام كالفحش والتَّبرج والخمور. والله المستعان وإليه المشتكى.
ألا يجب علينا أن نتوبَ إلى ربِّنا توبةً نصوحًا، ونرجعَ إلى ديننا رجعةً صحيحة، حتَّى تُرفعَ عنَّا المذلَّة والهوان، وترجعَ إلينا العزَّة الَّتي جعلها الله له ولرسوله-صلَّى الله عليه وسلَّم- ولأهل الإيمان، قال سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ[المنافقون: 8].
ومن تمامِ توبتِنا لربِّنا أن نتعاملَ التَّعاملَ الشَّرعيَّ مع هذا السبِّ والطَّعن الذي يوجَّه إلى خيرِ العالمين نبيّنا محمّد -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فإنَّ نصرَه-صلَّى الله عليه وسلَّم- لا يتمُّ بالصُّراخ والعويل أو بالتَّكسير والتَّدمير، أو بقتل من لم يُبح لنا قتلُه من المعاهَدين والمستأمَنين، وإنَّما يكون برجوع المسلمين إلى دينِهم والتزامهم السَّبيل.
وفيما يلي بعض النصائح والتَّوجيهات حول ما ينبغي على المسلم معرفتُه، وما يجب عليه فعلُه حيال هذا الموقف الجلَل:

أوَّلا : إنَّ الواجب علينا ابتداءً اتّجاه هذه الجريمة هو أن ننكرَها بشدِّة بقلوبنا، وأن ننافح عن نبيِّنا-صلَّى الله عليه وسلَّم- بألسنتِنا وأقلامِنا وبكلِّ ما يمكنُنا فعلُه، وكلٌّ بحسبه.
ففي صحيح مسلم [3] عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».
وقد مرّ معنا كلام ابنُ كثير-رحمه الله- في تفسيره لآية الأعراف.
قال شيخُ الإسلام-رحمه الله-: (الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ وَقَرَأَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: ﴿لَتُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾، وَكِلَا الْقِرَاءَتَيْنِ حَقٌّ، فَإِنَّ الَّذِي يَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ هُوَ الظَّالِمُ، وَتَارِكُ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ قَدْ يُجْعَلُ غَيْرَ ظَالِمٍ لِكَوْنِهِ لَمْ يُشَارِكْهُ، وَقَدْ يُجْعَلُ ظَالِمًا بِاعْتِبَارِ مَا تركَ مِنْ الْإِنْكَارِ الْوَاجِبِ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ فَأَنْجَى اللَّهُ النَّاهِينَ. وَأَمَّا أُولَئِكَ الْكَارِهُونَ لِلذَّنْبِ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا﴾ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُمْ نَجَوْا لِأَنَّهُمْ كَانُوا كَارِهِينَ فَأَنْكَرُوا بِحَسَبِ قُدْرَتِهِمْ. وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ الْإِنْكَارَ مُطْلَقًا فَهُوَ ظَالِمٌ يُعَذَّبُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِ مِنْهُ)) وَهَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِلْآيَةِ)[4].

ثانِيًا: إِنَّ مثلَ هذه الاعتداءاتِ الفاجرة والحملاتِ الخبيثة على نبيِّنا-صلَّى الله عليه وسلَّم- وعلى دينِنا، لَتكشفُ لنا بوضوح، وتبيِّن لنا بجلاءٍ الوجه الحقيقيَّ لأدعياءِ حريَّة الأديان والعدل والمساواة وحقوق الإنسان، وأنَّهم لا يمكن أن يكونوا غير ما بيَّنه الله اللَّطيف الخبير من شأنِهم حيث قال سبحانه: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾[البقرة: 120].
وقال سبحانه: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾[البقرة: 105].

ثالثًا: علينا أن نستغلَّ هذه الأوقات لتعريفِ النّاس بنبيِّهم، وترغيبِهم في سنّته، ودعوتِهم إلى التّمسك بهديه-صلَّى الله عليه وسلَّم- والاقتداءِ به، وذلك من خلال إبرازِ سيرتِه، وتعليمِ النَّاس صفاتِه الخَلقية والخُلقية، وتحبيبِهم في السُّنَّةِ وأهلِها وتحذيرِهم من البدعِ وأهلِها.
وهذا الأمر ليس قاصرًا على طلبة العلم فقط، فكلُّ النَّاس مطالبون بهذا وكلٌّ بحسبه، فالواحد إن لم يكن من طلبة العلم أمكنه نشر ما يرشدُه إليه طلبة العلم من الأشرطة والأقراص والمطويَّات ونحوها.


رابعًا : علينا ألّا يدفعنا حبُّنا لنبيِّنا-صلَّى الله عليه وسلَّم- ورغبتُنا في الانتصار له أن نتصرَّفَ تصرُّفاتٍ مخالفةً للشَّرع، كما يقع هنا وهناك، وهكذا علَّمنا نبيُّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- ففي الصَّحيحين عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَتَى النَّبِيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ: «وَعَلَيْكُمْ» قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((يَا عَائِشَةُ لَا تَكُونِي فَاحِشَةً))فَقَالَتْ: مَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا؟ فَقَالَ:((أَوَلَيْسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمِ الَّذِي قَالُوا، قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ)).
فانظر-رحمك الله- كيف أنَّ نبيَّنا-صلَّى الله عليه وسلَّم- أنكر على أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- شدَّتها في الردِّ مع أنَّها غضبت له -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فما بالك بمن يتعدَّى على الأنفس أو الأموال أو الأعراض المحرَّمة عليه بدعوى النُّصرة والانتصار.
والله سبحانه يقول: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾[الأنعام: 164].
فبأيّ حق يُقتل من أعطاه الأمير أو الحاكم عهدًا أو استأمنَه، ونبيُّنا-صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: ((مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)) [5].
وعن صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- عَنْ آبَائِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قَالَ: ((أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) [6].
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ مُسَيْلِمَةَ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ فَقَالَ لَهُ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((لَوْلَا أَنِّي لَا أَقْتُلُ الرُّسُلَ -أَوْ لَوْ قَتَلْتُ أَحَدًا مِنَ الرُّسُلِ- لَقَتَلْتُكَ)) [7].
فالشَّاهد أنَّ هذا الرَّجل حتَّى مع استحقاقِه القتل فإنَّ نبيَّنا-صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يقتلُه، لأنَّ له أمانًا بألَّا يقتل [8]، وقتلُه حينها يكونُ من الظُّلم المحرَّم.
قال شيخُ الإسلام-رحمه الله-: (الْمَقْصُود:أَنَّ كُلَّ خَيْرٍ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْقِسْطِ وَالْعَدْلِ، وَكُلَّ شَرٍّ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الظُّلْمِ، وَلِهَذَا كَانَ الْعَدْلُ أَمْرًا وَاجِبًا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَالظُّلْمُ مُحَرَّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلِكُلِّ أَحَدٍ، فَلَا يَحِلُّ ظُلْمُ أَحَدٍ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ كَانَ ظَالِمًا،...قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ﴾ أَيْ: لَا يَحْمِلَنكُمْ شَنَآنُ أَيْ: بُغْضُ قَوْمٍ -وَهُمْ الْكُفَّارُ- عَلَى عَدَمِ الْعَدْلِ؛ ﴿قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: ((يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تظالموا)) فَإِنَّ هَذَا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْعِبَادِ أَنْ لَا يَظْلِمَ أَحَدٌ أَحَدًا).

خامسًا : لا بدَّ أن نعلمَ جازمين غيرَ شاكِّين ولا متردِّدين أنّ التَّصرفَ الشّرعيّ إنَّما يُؤخذ منه –صلَّى الله عليه وسلَّم- أو من ورثتِه وهم العلماء الذين أمِرنا بالرُّجوعِ إليهم وسؤالِهم، قال سبحانه:﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[النَّحل: 43].
وليحذر المسلم ممّن تشبَّه بالعلماء وليس منهم، وممَّن تزيا بزِيِّهم وهو أبعد النَّاس عنهم، فهؤلاء خطرُهم على الأمَّة كبير، وضررُهم على المؤمنين عظيم، لأنّهم يفسدون على المسلمين دينهم ودنياهم.
وقد وصفهم نبيُّنا-صلَّى الله عليه وسلَّم- بأنَّهم ((دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا)) [9].
ثمَّ بعد هذا البيان لا بدَّ أن يتنبَّه المؤمن المحبُّ إلى أمرين مهمّين:


أوَّلهما: أنَّ هؤلاء الخبثاء-والله- لن يصلُوا إلى منزلةِ نبيِّنا-صلَّى الله عليه وسلَّم-، ولن يضرُّوه أبدًا، فكيف يمكنهم إلحاق الضّرر به، والله القويّ العزيز هو من تكفَّل بحفظِه ونصرِه.
قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾[غافر: 51].
وقال سبحانه: ﴿وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ﴾[النساء: 113].
وإنَّما هم-في الحقيقة- يضرُّون أنفسهم، ويؤذنون بهلاكها.
قال شيخُ الإسلام-رحمه الله-: (ومن الكلام السّائر: "لحوم العلماء مسمومة" فكيف بلحوم الأنبياء -عليهم السَّلام- ؟!.
وفي الصّحيح عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: يقول الله تعالى-: ((مَنْ عَادَى لِي وَلِياً فَقَدْ بَارَزَنِي بِالمُحَارَبَةِ)) فكيف بمن عادى الأنبياء، ومن حارب الله تعالى حُورب.
وإذا استقصيتَ قصَصَ الأنبياءِ المذكورةِ في القرآنِ تجدُ أمَمَهم إنَّما أُهلكوا حين آذوا الأنبياءَ وقابَلُوهُم بقبيحِ القولِ أو العملِ، وهكذا بنُو إسرائيل إنّما ضُربت عليهم الذِّلة، وباءُوا بغضبٍ من الله، ولم يكن لهم نصيرٌ لقتلِهم الأنبياءَ بغير حقٍّ مضموماً إلى كفرِهم كما ذكر الله ذلك في كتابه، ولعلّك لا تجد أحداً آذى نبياً من الأنبياء ثم لم يتب إلا ولا بد أن تصيبه قارعة...) [10].
وكيف لا ينصرُ الله-عزَّ وجل- نبيَّه-صلَّى الله عليه وسلَّم- وقد كان سبحانَه يحميه ويصرفُ عنه أذى النَّاسِ وشتمَهم بكلّ طريق حتَّى في اللَّفظ، ففي صحيح البخاري[11] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «أَلاَ تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ، يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ»
والحقُّ أنَّنا لم نسمع يومًا أنَّ مسلمًا صدَّق هذه الفِريات وارتاح لها، بل -والله- ما ازداد المسلمون بذلك إلّا حبًّا لنبيِّهم وتمسّكًا به.
بل إنَّ كثيرا من الكفَّار دخلوا في الإسلام بعد هذه الفتن بسبب فضولِهم الذي دفعهم إلى معرفة حقيقة الشّخص الذي يطعن فيه، فربَّ ضارَّة نافعة.


وثانيهما: أنَّ هذه الحملات الخبيثة إضافةً إلى أنَّها لن تضرَّه صلَّى الله عليه وسلَّم- سيستفيد منها-صلَّى الله عليه وسلَّم- في الآخرة، وتزيدُه من رفع الدَّرجات.
ففي الصّحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ:((مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ)).
ولهما عَنْ عَائِشَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً».


فاللَّهم ردَّ المسلمين إلى دينك ردًّا جميلا
وأعزَّ الإسلام والمسلمين
وأذلَّ الشِّرك والمشركين
آمين
والحمد لله رب العالمين
وصلَّى الله وسلَّم على أشرفِ المسلمين
نبيِّنا محمَّد وعلى آلِه وصحابتِه أجمعين
مصطفى قالية
28 شوال 1433هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] تفسير ابن كثير (3/494).
[2] مجموع الفتاوى (17/382).
[3] برقم (49).
[4] مجموع الفتاوى (17/382).
[5] البخاري في الصَّحيح برقم(3166). عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-.
[6] أبو داود(3052)، وهو في السِّلسلة الصَّحيحة (1/807)(445).
[7] أحمد في المسند برقم (3850)، والنَّسائي في الكبرى برقم (8623)، وغيرهم. والحديث صحيح كما قال الألباني-رحمه الله- في التَّعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (7/235)(4858).
[8] لذلك لما زال عن هذا الرجل الأمان قُتِل، فعَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ أَنَّهُ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ[يعني ابن مسعود] فَقَالَ: مَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ حِنَةٌ، وَإِنِّي مَرَرْتُ بِمَسْجِدٍ لِبَنِي حَنِيفَةَ، فَإِذَا هُمْ يُؤْمِنُونَ بِمُسَيْلِمَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ فَجِيءَ بِهِمْ فَاسْتَتَابَهُمْ، غَيْرَ ابْنِ النَّوَّاحَةِ قَالَ لَهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَوْلَا أَنَّكَ رَسُولٌ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ» فَأَنْتَ الْيَوْمَ لَسْتَ بِرَسُولٍ، فَأَمَرَ قَرَظَةَ بْنَ كَعْبٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ فِي السُّوقِ، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى ابْنِ النَّوَّاحَةِ قَتِيلًا بِالسُّوقِ». أخرجه أحمد في المسند برقم (3642)، وأبو داود في السُّنن برقم (2762)، والنَّسائي في الكبرى برقم (8622)، وهو صحيح كما قال الألباني-رحمه الله- في التَّعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (7/235)(4859).
تنبيه: الذي في المسند أنَّ الذي قتل ابنَ النَّوَّاحة هو خَرَشة. والعلم عند الله.
[9] صحيح البخاري (3606)، ومسلم (1847).
[10] الصَّارم المسلول (ص 165).
[11] برقم (3533).
 

مادي 15

مشرفة الركن العام
المشرفون
16 مايو 2008
12,242
854
113
الجنس
أنثى
القارئ المفضل
عبد الله المطرود
علم البلد
رد: ما لا يسعُ المسلمَ جهلُه أوتركُه بعدَ الإساءَةِ إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-

...
كلام قيّم وافي وشامل
أسأل الله أن يرد المسلمين إليه ردًا جميلاً
فالعزة بالله والنصر والتمكين بالرجوع إليه.
جزاكم الله خيرًا.

 

مطلبي جنتي

مزمار كرواني
5 أكتوبر 2011
2,146
13
0
الجنس
أنثى
القارئ المفضل
ناصر القطامي
رد: ما لا يسعُ المسلمَ جهلُه أوتركُه بعدَ الإساءَةِ إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-

جزاك الله خيرا ونفع بكم
 

محب التحبير

مزمار ألماسي
5 نوفمبر 2008
1,243
20
38
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
صلاح محمد البدير
علم البلد
رد: ما لا يسعُ المسلمَ جهلُه أوتركُه بعدَ الإساءَةِ إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-

...
كلام قيّم وافي وشامل
أسأل الله أن يرد المسلمين إليه ردًا جميلاً
فالعزة بالله والنصر والتمكين بالرجوع إليه.
جزاكم الله خيرًا.

وجزاكي المولى خير الجزاء
 

محب التحبير

مزمار ألماسي
5 نوفمبر 2008
1,243
20
38
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
صلاح محمد البدير
علم البلد
رد: ما لا يسعُ المسلمَ جهلُه أوتركُه بعدَ الإساءَةِ إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-

جزاك الله خيرا ونفع بكم
واياكي اختي الفاضلة
 

مادي 15

مشرفة الركن العام
المشرفون
16 مايو 2008
12,242
854
113
الجنس
أنثى
القارئ المفضل
عبد الله المطرود
علم البلد
رد: ما لا يسعُ المسلمَ جهلُه أوتركُه بعدَ الإساءَةِ إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-

,,,,
ينقل بعد إذنكم إلى: ركن نصرة الرسول :x15:
http://www.mazameer.com/vb/forumdisplay.php?f=93
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع