(بسم الل)
لا يختلف الإنشاد الإسلامي عند الطوائف اللبنانية الإسلامية المختلفة -السنية منها أو الشيعية- في مضمونه؛ فمحور العمل كله يتركز في كلمات قلائل تدور حول مدح النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وآل البيت رضي الله عنهم.
كان ذلك جليا حين حملنا أوراق بحثنا ورحنا نلملم ما يتعلق بإنشاد الفرق الإسلامية؛ فكان أن استمعنا لتجربة ثلاثة من المعنيين مباشرة بهذا الموضوع في لبنان، فيما يتعلق بالفرق السنية.
الشيخ "خالد يموت" أول الذين قصدناهم ينتمي إلى عائلة بيروتية عريقة معروفة بموهبة الصوت وملكة الترتيل القرآني.. وقد اشتهرت في مجال الترتيل والإنشاد والعلوم الشرعية، وبزغ فيها نجوم للإنشاد: الشيخ صلاح يموت، والشيخ يوسف، والشيخ محمود، والشيخ بلال، والشيخ شفيق. وكل واحد من هؤلاء كانت له تجربته الخاصة في مجال تعزيز الموهبة الصوتية الممنوحة من الباري جل وعلا.
حين التقيناه بادرنا الشيخ "خالد يموت" بقوله: الإنشاد لا يكتمل مع الصوت الجميل فقط. فهناك علوم موسيقية شرقية لا بد منها، وأين هي اليوم ممن ينشدون؟
هذا الاستفهام الاعتراضي قد لا يكون لسان حال قسم آخر من المنشدين أو العاملين في هذا الفن الإسلامي، ومنهم الشيخ مصطفى الجعفري الذي أسس فرقة "المصطفى المختار" -منذ أكثر من 20 عاما- وذلك "بغية إيجاد بديل عما هو موجود اليوم في ساحة المجتمع؛ حيث يتجمع الناس حول الغناء الهابط والمحرم، وبالتالي يأتي البحث عن نشيد إسلامي ليسد النقص لدى المحتاجين إلى سمع موزون وبعيد عن أي إشكال..." هذا في ناحية، ومن ناحية ثانية فهناك إمكانية كبيرة -كما يقول الشيخ مصطفى الجعفري- لاستخدام النشيد لخدمة الأهداف الدعوية ليمثل رسالة تعبر عن مضمون هادف يرتكز على كلمات أو قصائد تحاكي مواضيع الإيمان والموت والحساب، وهكذا يكون الفن الإنشادي قد ضرب عصفورين بحجر واحد: تأمين مادة فنية ملائمة للسماع، وتأمين مضمون دعوي، يعرف المرء أنه سيصل إلى أفهام سامعيه لا محالة.
ويجمع معظم العارفين على أن مضمون النشيد الإسلامي يدور بأغلبيته حول ذكر آل البيت رضي الله عنهم، وذكر صفات وشمائل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بحيث تكون الكلمات مؤثرة في نفوس سامعيها وجاذبة ومحببة أيضا، لكن الشيخ خالد يموت قسم لنا أنواع الإنشاد إلى أربعة: قصيدة وابتهال وأنشودة وموشح.
1- فالقصيدة هي التي تعرف "بالتغريدة" التي يرددها المنشد وحده؛ بحيث يتحكم بنغمٍ خاص، له مطلق الحرية في أدائه.
2- أما الابتهال فهو نغم ملحن بمستوى طبيعي، يدور مضمونه حول ذكر الله تعالى وليس فيه اجتهادات أو صعوبة؛ بل فيه نوع من الروحانية؛ لأنه يمثل مناجاة المخلوق لخالقه.
3- الأنشودة: كلمات نثرية أو شعرية ملحنة مع نغم، ترددها المجموعة ويحفظها أي شخص عادي. وتلقى في أي احتفال أو مناسبة.
4- ويبقى أخيرًا الموشح وهو الأصعب والأرقى الذي لا يستطيع أحد أيا كان أن يؤديه إلا بشكل احترافي مدروس؛ فهو يلحن بنغمات شرقية، ولا يشبه الأناشيد العادية.
وكانت هذه هي أنواع الإنشاد كما عرفها الشيخ يموت؛ بحيث قد يبرع منشد في لون الموشحات فيما يبرع آخر في الابتهال أو الأنشودة، أما على مستوى استخدام الأدوات التكنولوجية وآلات الإيقاع التي تصحب النشيد الإسلامي فيقول الشيخ الجعفري: "في البدء كنا ننشد أو نبتهل دون اللجوء إلى أي آلة إيقاع؛ لأن التربية التي تلقيناها والمنهجية التي نشأنا عليها كانت حريصة على الهدوء وأجواء السكينة والتأمل بذكر الله، لكن فيما بعد تغيرت أذن الناس كما تغيرت أمزجتهم وطباعهم الفنية، فصار لزاما علينا أن نواكب التطور السائد فيما نقدمه لشرائح الناس. ويعتبر الشيخ الجعفري أن لفرقته لونا خاصا من حيث الجمع بين اللحن والكلمة والمعلومة".
النشيد الإسلامي: النموذج الثوري
ومن بيروت التي تحتوي على الثقل كما يقال انتقلنا إلى نموذج آخر، تقدمه فرقة الوعد: وهي فرقة طرابلسية، من الشمال اللبناني، معروف عنها أنها تكرس منهجها للأداء الثوري والحماسي، على خلاف السائد لما يتعلق بالمدائح والموالد.
الأخ أبو حمزة محمد الأسدي -أحد مسئولي فرقة الوعد- قال لنا: إن الفرقة تؤمن بالأثر البارز للأنشودة في بناء المجتمع الملتزم وتدعيم أركانه؛ حيث لا تنفك مفاهيم الإنشاد عن حاجة المجتمع، خصوصا حينما يقف إلى جانب الأمة في تحدياتها للأخطار الطارئة عليها. فالنشيد يحمل المفاهيم الخلقية والتربوية بالإضافة إلى إشباع حاجة المجتمع من اللهو البريء والمباح الذي يحفظ للأمة هيبتها ويبقيها تحت سقف الشريعة.
ومن البديهي الإشارة في هذا المجال إلى أن النشيد الجهادي والحماسي أثبت نفسه في السنوات الأخيرة بفعل ضخامة التحديات التي تحدق بالأمة؛ ففرقة "المصطفى المختار" مثلا، ورغم متابعتها طيلة سنوات لموضوع الإنشاد الديني المقتصر على ذكر الله وإحياء الموالد، وجدت نفسها تقدم نتاجات خاصة بالقدس وفلسطين وقضايا الحق والعدالة. وهو الموضوع نفسه الذي يقول عنه الأخ محمد الأسدي في فرقة الوعد: إن الإنشاد الجهادي والحماسي يرمي إلى استنهاض معالم القوة والتحرر والتحدي، فيسكب مفاهيم المقاومة في كلمات مفعمة بالقوة وألحان ملهبة للمشاعر من أجل عولمة ثقافة المقاومة واسترداد الحقوق، ونحن نعمل كذلك لترسيخ الإنشاد التربوي الذي يدعو إلى تهذيب النفس، وصقل الفطرة السليمة، والعودة بالذات إلى حضن التربية الإيمانية؛ لأن التربية هي أساس استنهاض المجتمع.
فرص ومشاكل
وبسؤالنا عن أبرز المشاكل التي قد تواجه "سوق الكاسيت الإسلامي" في هذه الأيام، اختلفت وجهات النظر: الشيخ خالد يموت اعتبر أن سوق الكاسيت الإسلامي بحاجة إلى تفنيد وإعادة تصنيف، بعد ما هبط وزن الإنشاد كما قال، وبعد ما صرنا بالكاد نسمع كلمات راقية مع لحن راق، يترك نشوة الاستحسان في نفوس سامعيه.
أما الشيخ الجعفري فيرى أن المشكلة التي تواجه النشيد الإسلامي في هذه الأيام هي ارتكاز بعض الأناشيد على الأغاني الشائعة والهابطة؛ حيث يعمد البعض إلى نقل اللحن كما هو ولكن يغير الكلمات، وبالتالي تولد لدينا أنشودة هجينة ومنقولة عن أجواء اللهو والفساد.
والأمر الثاني هو ضرورة تنظيم السوق وتربيته؛ بحيث يصبح هناك متعهدون يهتمون بالفرق وإيصالها إلى الناس والجماهير. فما زال كل واحد يعمل وفق رؤيته الخاصة.
ويزيد من أهمية هذا أن النشيد الإسلامي -ما زال- لا يجد حضوره المنتظر في المجتمع اللبناني، خاصة عند الحديث عن الأعراس الحديثة والمناسبات الاجتماعية المختلفة؛ فما زال الحضور متواضعا إذا ما قيس بغيره من المجتمعات، على سبيل المثال سوريا تحوي حوالي ألفي فرقة تعمل في كل المواسم.
أما فريق الوعد فيرى أن كاسيت النشيد الإسلامي قد تبوأ مكانة جيدة، وامتاز بتنوع موضوعاته وتقدم أدائه وملاءمته للقضايا المعاصرة؛ حيث بات الفن الإسلامي مضاهيا للفن المقابل وملبيا لحاجات المجتمع الإسلامي.
وعلى العموم تبدو أجواء الفرق الإسلامية الخاصة بالإنشاد في لبنان مريحة ومشجعة بل ومتقدمة؛ إذ تحدث الجميع عن التطور التقني الذي دخل عليها، من حيث استخدام الآلات الحديثة المتعلقة بجودة الصوت أو الأداء، وكذلك استخدام المؤثرات البصرية والسمعية التي تزيد من رونق الحضور المسرحي عند أي فرقة.
خريطة الإنشاد اللبناني
وكما هو حاصل في كل بلد؛ فإن الفرق الفنية تتوزع على امتداد الخارطة، وإذا كانت خارطة الفرق الشيعية تتمركز في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع؛ فإن فرق أهل السنة تتمركز في بيروت والشمال وصيدا ومناطق أخرى.
وفي التعريج على مسألة المصدر والمرجع فيما يتعلق بالنشيد الإسلامي يذكر اللبنانيون من أهل السنة أسماء: النقشبندي، والشيخ الفيومي، والطوخي، والكحلاوي، والحاج محمود شعر المشهور قديما في الساحة البيروتية، والذي قدم أمهات التواشيح الكلاسيكية، ومنها "صلوا صلوا صلاتين- بوركت يا أم الحسنين يا فاطمة الزهراء..." وغيرها.
هكذا بدت صورة الفن الإنشادي في لبنان مشرقة وذات عطاءات متنوعة، وعلى ما يبدو فإنه كلما تراكمت السنوات تراكمت معها الخبرات، وعلى هذا الأساس لا يشبه اليوم الأمس، بعدما صار فن الإنشاد الديني عالما قائما بذاته، عند أهل السنة، وعند الشيعة، له مناسباته العامة والخاصة، وله أجواؤه، ورجالاته وفرقه وتقنياته أيضا.
ولعل أبلغ دليل على سعة الانتشار هذه هو تنامي ظاهرة الفرق أو المجموعات الإنشادية، في المدارس والمؤسسات والمعاهد وغير ذلك.
وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على سعي العقل الإسلامي لإيجاد إبداع فني أولا، ولإيجاد بديل موزون وراقٍ وهادف يكون بديلا مقنعا في زمن العولمة الذي طال حتى أصواتنا وحناجرنا والكلمات التي نأنس بها.
تقرير: فاطمة بري بدير
المصدر: إسلام أون لاين
استمع إلى الأناشيد:
[align=center]:: أعتذر عن حذف الروابط .. لأنها تحتوي على أيقاعات .. وهذا يخالف قوانين المنتدى :: [/align]
لا يختلف الإنشاد الإسلامي عند الطوائف اللبنانية الإسلامية المختلفة -السنية منها أو الشيعية- في مضمونه؛ فمحور العمل كله يتركز في كلمات قلائل تدور حول مدح النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وآل البيت رضي الله عنهم.
كان ذلك جليا حين حملنا أوراق بحثنا ورحنا نلملم ما يتعلق بإنشاد الفرق الإسلامية؛ فكان أن استمعنا لتجربة ثلاثة من المعنيين مباشرة بهذا الموضوع في لبنان، فيما يتعلق بالفرق السنية.
الشيخ "خالد يموت" أول الذين قصدناهم ينتمي إلى عائلة بيروتية عريقة معروفة بموهبة الصوت وملكة الترتيل القرآني.. وقد اشتهرت في مجال الترتيل والإنشاد والعلوم الشرعية، وبزغ فيها نجوم للإنشاد: الشيخ صلاح يموت، والشيخ يوسف، والشيخ محمود، والشيخ بلال، والشيخ شفيق. وكل واحد من هؤلاء كانت له تجربته الخاصة في مجال تعزيز الموهبة الصوتية الممنوحة من الباري جل وعلا.
حين التقيناه بادرنا الشيخ "خالد يموت" بقوله: الإنشاد لا يكتمل مع الصوت الجميل فقط. فهناك علوم موسيقية شرقية لا بد منها، وأين هي اليوم ممن ينشدون؟
هذا الاستفهام الاعتراضي قد لا يكون لسان حال قسم آخر من المنشدين أو العاملين في هذا الفن الإسلامي، ومنهم الشيخ مصطفى الجعفري الذي أسس فرقة "المصطفى المختار" -منذ أكثر من 20 عاما- وذلك "بغية إيجاد بديل عما هو موجود اليوم في ساحة المجتمع؛ حيث يتجمع الناس حول الغناء الهابط والمحرم، وبالتالي يأتي البحث عن نشيد إسلامي ليسد النقص لدى المحتاجين إلى سمع موزون وبعيد عن أي إشكال..." هذا في ناحية، ومن ناحية ثانية فهناك إمكانية كبيرة -كما يقول الشيخ مصطفى الجعفري- لاستخدام النشيد لخدمة الأهداف الدعوية ليمثل رسالة تعبر عن مضمون هادف يرتكز على كلمات أو قصائد تحاكي مواضيع الإيمان والموت والحساب، وهكذا يكون الفن الإنشادي قد ضرب عصفورين بحجر واحد: تأمين مادة فنية ملائمة للسماع، وتأمين مضمون دعوي، يعرف المرء أنه سيصل إلى أفهام سامعيه لا محالة.
ويجمع معظم العارفين على أن مضمون النشيد الإسلامي يدور بأغلبيته حول ذكر آل البيت رضي الله عنهم، وذكر صفات وشمائل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بحيث تكون الكلمات مؤثرة في نفوس سامعيها وجاذبة ومحببة أيضا، لكن الشيخ خالد يموت قسم لنا أنواع الإنشاد إلى أربعة: قصيدة وابتهال وأنشودة وموشح.
1- فالقصيدة هي التي تعرف "بالتغريدة" التي يرددها المنشد وحده؛ بحيث يتحكم بنغمٍ خاص، له مطلق الحرية في أدائه.
2- أما الابتهال فهو نغم ملحن بمستوى طبيعي، يدور مضمونه حول ذكر الله تعالى وليس فيه اجتهادات أو صعوبة؛ بل فيه نوع من الروحانية؛ لأنه يمثل مناجاة المخلوق لخالقه.
3- الأنشودة: كلمات نثرية أو شعرية ملحنة مع نغم، ترددها المجموعة ويحفظها أي شخص عادي. وتلقى في أي احتفال أو مناسبة.
4- ويبقى أخيرًا الموشح وهو الأصعب والأرقى الذي لا يستطيع أحد أيا كان أن يؤديه إلا بشكل احترافي مدروس؛ فهو يلحن بنغمات شرقية، ولا يشبه الأناشيد العادية.
وكانت هذه هي أنواع الإنشاد كما عرفها الشيخ يموت؛ بحيث قد يبرع منشد في لون الموشحات فيما يبرع آخر في الابتهال أو الأنشودة، أما على مستوى استخدام الأدوات التكنولوجية وآلات الإيقاع التي تصحب النشيد الإسلامي فيقول الشيخ الجعفري: "في البدء كنا ننشد أو نبتهل دون اللجوء إلى أي آلة إيقاع؛ لأن التربية التي تلقيناها والمنهجية التي نشأنا عليها كانت حريصة على الهدوء وأجواء السكينة والتأمل بذكر الله، لكن فيما بعد تغيرت أذن الناس كما تغيرت أمزجتهم وطباعهم الفنية، فصار لزاما علينا أن نواكب التطور السائد فيما نقدمه لشرائح الناس. ويعتبر الشيخ الجعفري أن لفرقته لونا خاصا من حيث الجمع بين اللحن والكلمة والمعلومة".
النشيد الإسلامي: النموذج الثوري
ومن بيروت التي تحتوي على الثقل كما يقال انتقلنا إلى نموذج آخر، تقدمه فرقة الوعد: وهي فرقة طرابلسية، من الشمال اللبناني، معروف عنها أنها تكرس منهجها للأداء الثوري والحماسي، على خلاف السائد لما يتعلق بالمدائح والموالد.
الأخ أبو حمزة محمد الأسدي -أحد مسئولي فرقة الوعد- قال لنا: إن الفرقة تؤمن بالأثر البارز للأنشودة في بناء المجتمع الملتزم وتدعيم أركانه؛ حيث لا تنفك مفاهيم الإنشاد عن حاجة المجتمع، خصوصا حينما يقف إلى جانب الأمة في تحدياتها للأخطار الطارئة عليها. فالنشيد يحمل المفاهيم الخلقية والتربوية بالإضافة إلى إشباع حاجة المجتمع من اللهو البريء والمباح الذي يحفظ للأمة هيبتها ويبقيها تحت سقف الشريعة.
ومن البديهي الإشارة في هذا المجال إلى أن النشيد الجهادي والحماسي أثبت نفسه في السنوات الأخيرة بفعل ضخامة التحديات التي تحدق بالأمة؛ ففرقة "المصطفى المختار" مثلا، ورغم متابعتها طيلة سنوات لموضوع الإنشاد الديني المقتصر على ذكر الله وإحياء الموالد، وجدت نفسها تقدم نتاجات خاصة بالقدس وفلسطين وقضايا الحق والعدالة. وهو الموضوع نفسه الذي يقول عنه الأخ محمد الأسدي في فرقة الوعد: إن الإنشاد الجهادي والحماسي يرمي إلى استنهاض معالم القوة والتحرر والتحدي، فيسكب مفاهيم المقاومة في كلمات مفعمة بالقوة وألحان ملهبة للمشاعر من أجل عولمة ثقافة المقاومة واسترداد الحقوق، ونحن نعمل كذلك لترسيخ الإنشاد التربوي الذي يدعو إلى تهذيب النفس، وصقل الفطرة السليمة، والعودة بالذات إلى حضن التربية الإيمانية؛ لأن التربية هي أساس استنهاض المجتمع.
فرص ومشاكل
وبسؤالنا عن أبرز المشاكل التي قد تواجه "سوق الكاسيت الإسلامي" في هذه الأيام، اختلفت وجهات النظر: الشيخ خالد يموت اعتبر أن سوق الكاسيت الإسلامي بحاجة إلى تفنيد وإعادة تصنيف، بعد ما هبط وزن الإنشاد كما قال، وبعد ما صرنا بالكاد نسمع كلمات راقية مع لحن راق، يترك نشوة الاستحسان في نفوس سامعيه.
أما الشيخ الجعفري فيرى أن المشكلة التي تواجه النشيد الإسلامي في هذه الأيام هي ارتكاز بعض الأناشيد على الأغاني الشائعة والهابطة؛ حيث يعمد البعض إلى نقل اللحن كما هو ولكن يغير الكلمات، وبالتالي تولد لدينا أنشودة هجينة ومنقولة عن أجواء اللهو والفساد.
والأمر الثاني هو ضرورة تنظيم السوق وتربيته؛ بحيث يصبح هناك متعهدون يهتمون بالفرق وإيصالها إلى الناس والجماهير. فما زال كل واحد يعمل وفق رؤيته الخاصة.
ويزيد من أهمية هذا أن النشيد الإسلامي -ما زال- لا يجد حضوره المنتظر في المجتمع اللبناني، خاصة عند الحديث عن الأعراس الحديثة والمناسبات الاجتماعية المختلفة؛ فما زال الحضور متواضعا إذا ما قيس بغيره من المجتمعات، على سبيل المثال سوريا تحوي حوالي ألفي فرقة تعمل في كل المواسم.
أما فريق الوعد فيرى أن كاسيت النشيد الإسلامي قد تبوأ مكانة جيدة، وامتاز بتنوع موضوعاته وتقدم أدائه وملاءمته للقضايا المعاصرة؛ حيث بات الفن الإسلامي مضاهيا للفن المقابل وملبيا لحاجات المجتمع الإسلامي.
وعلى العموم تبدو أجواء الفرق الإسلامية الخاصة بالإنشاد في لبنان مريحة ومشجعة بل ومتقدمة؛ إذ تحدث الجميع عن التطور التقني الذي دخل عليها، من حيث استخدام الآلات الحديثة المتعلقة بجودة الصوت أو الأداء، وكذلك استخدام المؤثرات البصرية والسمعية التي تزيد من رونق الحضور المسرحي عند أي فرقة.
خريطة الإنشاد اللبناني
وكما هو حاصل في كل بلد؛ فإن الفرق الفنية تتوزع على امتداد الخارطة، وإذا كانت خارطة الفرق الشيعية تتمركز في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع؛ فإن فرق أهل السنة تتمركز في بيروت والشمال وصيدا ومناطق أخرى.
وفي التعريج على مسألة المصدر والمرجع فيما يتعلق بالنشيد الإسلامي يذكر اللبنانيون من أهل السنة أسماء: النقشبندي، والشيخ الفيومي، والطوخي، والكحلاوي، والحاج محمود شعر المشهور قديما في الساحة البيروتية، والذي قدم أمهات التواشيح الكلاسيكية، ومنها "صلوا صلوا صلاتين- بوركت يا أم الحسنين يا فاطمة الزهراء..." وغيرها.
هكذا بدت صورة الفن الإنشادي في لبنان مشرقة وذات عطاءات متنوعة، وعلى ما يبدو فإنه كلما تراكمت السنوات تراكمت معها الخبرات، وعلى هذا الأساس لا يشبه اليوم الأمس، بعدما صار فن الإنشاد الديني عالما قائما بذاته، عند أهل السنة، وعند الشيعة، له مناسباته العامة والخاصة، وله أجواؤه، ورجالاته وفرقه وتقنياته أيضا.
ولعل أبلغ دليل على سعة الانتشار هذه هو تنامي ظاهرة الفرق أو المجموعات الإنشادية، في المدارس والمؤسسات والمعاهد وغير ذلك.
وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على سعي العقل الإسلامي لإيجاد إبداع فني أولا، ولإيجاد بديل موزون وراقٍ وهادف يكون بديلا مقنعا في زمن العولمة الذي طال حتى أصواتنا وحناجرنا والكلمات التي نأنس بها.
تقرير: فاطمة بري بدير
المصدر: إسلام أون لاين
استمع إلى الأناشيد:
[align=center]:: أعتذر عن حذف الروابط .. لأنها تحتوي على أيقاعات .. وهذا يخالف قوانين المنتدى :: [/align]
التعديل الأخير بواسطة المشرف: