إعلانات المنتدى


ظاهرة إضافة الاسم إلى المسمَّى والصفة إلى الموصوف في القرآن الكريم

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
بســـــــــــم الله الرحمن الرحيــــــــــم

من الظواهر الأسلوبية في القرآن الكريم ظاهرة إضافة الاسم إلى المسمى، وإضافة الصفة إلى الموصوف. ومثال الأولى: إضافة لفظ (اسم) إلى لفظ الجلالة (الله) في البسملة ؛ ومنها قوله تعالى:﴿ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم﴾[النمل:30].. ومثال الثانية إضافة لفظ (الحق) إلى لفظ (اليقين) في قوله تعالى:﴿إن هذا لهو حق اليقين﴾[الواقعة:95].. فما حقيقة هذه الإضافة، وما فائدتها؟
وللإجابة عن ذلك لا بد من أن نعلم: أن (اسم) - في الأصل- هو عبارة عن اللفظ الموضوع للدلالة على معنًى موجود في العيان، إن كان محسوسًا. أو موجود في الأذهان، إن كان معقولاً.. ومثال الأول قولنا: زيد، ونحوه. ومثال الثاني قولنا: علم، ونحوه.
وهذا المعنى المحسوس الموجود في العيان، والمعقول الموجود في الأذهان، قد وضعت له عبارة في اللسان، بها يترجَم عنه، ويتوَصَّل إلى فهمه، والكشف عن حقيقته.. وهذه العبارة هي لفظ (زيد) المؤلَّف من (الزاي، والياء، والدال) ، ولفظ (علم) المؤلَّف من (العين، واللام، والميم).
فإذا قلت:(اسم زيد حسنٌ) ، فلفظ (اسم) المؤلَّف من (همزة الوصل، والسين، والميم) هو عبارة عن لفظ (زيد) المدلول به على الشخص، الذي سمِّي بهذا الاسم. وإذا قلت:( علم الفقه واسع )، فلفظ (علم) المؤلَّف من( العين، واللام، والميم ) هو عبارة عن لفظ ( الفقه ) المدلول به عليه.. ومثل ذلك يقال في قولنا: ( اسم الله الأعظم ) وقوله تعالى:﴿سبح اسم ربك الأعلى﴾ و قوله تعالى﴿ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام﴾. فإذا ثبت ذلك، تبين لنا أن الاسم غير المسمَّى، خلافًا لمن ذهب إلى أنه هو نفسه.
ويدلك على ذلك أيضًا أن الله تعالى قال:﴿ثم قضى أجلاً وأجل مسمّى﴾ [الأنعام:6]، ولا يصح أن يقال: أجلٌ اسمٌ.. وقال الله جل وعلا:﴿أيًّا ما تدعو فله الأسماء الحسنى﴾[الإسراء:110]، ولا يصح أن يقال: له المسمَّيات الحسنى.
هذا وقد نصَّ سيبويْه على أن الاسم غير المسمَّى، واستدل على ذلك بقوله: " تقول: سمَّيت زيدًا بهذا الاسم؛ كما تقول: علَّمته بهذه العلامة ".
وإلى هذا ذهب الشيخ السهيلي- رحمه الله- فقال بعد أن بسط القول في هذه المسألة على النحو الذي ذكرناه، قال:" فقد تبين لك- في أصل الوضع- أن الاسم ليس هو المسمَّى. وذلك أنك تقول: سمَّيت زيدًا بهذا الاسم؛ كما تقول: حلَّيته بهذه الحلية. والحلية- لا محالة- غير المحلَّى؛ فكذلك الاسم غير المسمَّى ".
وعقَّب ابن قيِّم الجوزيَّة على كلام الشيخ السهيلي- رحمهما الله- بقوله:" فهنا ثلاث حقائق: اسم ومسمَّى وتسمية؛ كحلية ومحلَّى وتحْلية؛ وعلامة ومعلَّم وتعليم. ولا سبيل إلى جعل لفظين منها مترادفين على معنى واحد؛ لتباين حقائقها. وإذا جعلت الاسم هو المسمَّى، بطل واحد من هذه الحقائق الثلاث، لا بد ".
وتأمل هذه الحقائق الثلاث في قوله تعالى على لسان امرأة عمران:﴿وإني سميتها مريم﴾[آل عمران:36]. أي: سميتها بهذا الاسم، الذي هو عبارة عن اللفظ المؤلَّف من ( الميم، والراء، والياء، والميم )؛ ليكون سمة لها، أو علامة. ومعناه في لغتهم: العابدة.. فهنا: اسم، ومسمَّى، وتسمية، هي من فعل المسمِّية(امرأة عمران). وكل واحدة من هذه الحقائق مغاير للحقيقة الأخرى.
فإذا ثبت مما تقدم أن الاسم غير المسمَّى، وأنهما غير التسمية، جاز إضافة الاسم إلى مسمَّاه؛ كما في البسملة، وفيما ذكرناه من أمثلة.
ومثل ذلك إضافة الصفة إلى الموصوف، في نحو قوله تعالى:﴿إن هذا لهو حق اليقين﴾[الواقعة:95]، وقوله تعالى:﴿ولدار الآخرة خير للذين اتقوا﴾[يوسف:109]. فالأصل في ذلك: الحق اليقين، والدار الآخرة.. فالاسم الأول منهما موصوف، والثاني صفة له، وقد أضيف الأول منهما إلى الثاني بعد أن جرِّد من الألف واللام.
وإنما جاز إضافة الصفة إلى موصوفها؛ لأنها تفيد معنى ليس في الموصوف. فكأنك أضفت إلى ذلك المعنى؛ كما أضفت الاسم إلى المسمَّى، الذي هو معنى الاسم.
ولبيان ذلك نقول: لا بد من أن نعلم أن الإضافة في اللغة ثلاثة أنواع:
أولها- إضافة ملك؛ نحو قوله تعالى:﴿أرض الله واسعة﴾[النساء:4].
وثانيها- إضافة ملابسة، ومصاحبة، أو استحقاق؛ ومنها قوله تعالى:﴿تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام﴾[ الرحمن:78].
والغرض من الإضافة في هذين النوعين، عند جمهور العلماء هو التعريف.
وثالثها- إضافة تخصيص؛ وهي أن تخصِّص الاسم بإضافته إلى وصفه؛ نحو قولهم: مسجد الجامع. ومنه قوله تعالى:﴿إن هذا لهو حق اليقين﴾[الواقعة:95].
ويكاد يجمع علماء النحو والتفسير على أن الإضافة في النوع الثاني، والثالث هي من إضافة الشيء إلى نفسه.. وإضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز بإجماع البصريين، وأجازها الكوفيون بشرط أن يختلف اللفظان؛ لأن العرب لم تقل: حقُّ الحقِّ، ودار الدار؛ وإنما تقول: حق اليقين، ودار الآخرة.. وإلى هذا ذهب الفراء شيخ الكوفيين، فقال عند تفسير قوله تعالى:﴿ولدار الآخرة خير للذين اتقوا﴾[يوسف:109]، قال:" أضيفت الدار إلى الآخرة، وهي الآخرة.. وقد تضيف العرب الشيء إلى نفسه، إذا اختلف لفظه ".
وتأول جمهور البصريين والمتأخرين ذلك على حذف مضاف، في حين تأوله بعضهم على زيادة لفظ الاسم الأول. أي: المضاف. قال النحاس عند تفسير آية يوسف:" إضافة الشيء إلى نفسه محال؛ لأنه إنما يضاف الشيء إلى غيره؛ ليعرف به ". ولهذا كان تقدير الآية عنده- كما قال-: ولدار حال الآخرة.
وكان أبو علي الفارسي قد وصف هذه الإضافة بالضعف، وتأول الآية الكريمة بقوله: ولدار الساعة الآخرة.. وجمع الزمخشري بين تأويل النحاس، وتأويل الفارسي، فقال: ولدار الساعة، أو حال الآخرة.
ووصف العكبري هذه الإضافة أيضًا بالضعف، وتأول آية الواقعة بقوله: إن هذا لهو خبر اليقين. ونقل مذاهب النحاة والمفسرين في:﴿بسم الله﴾ ، من آية الفاتحة، فقال:" فإن قيل: كيف أضيف الاسم إلى الله، والله هو الاسم؟ قيل: في ذلك ثلاثة أوجه: أحدها: أن الاسم- هنا- بمعنى التسمية. والتسمية غير الاسم.. والثاني: أن في الكلام حذف مضاف، تقديره: باسم مسمَّى الله.. والثالث: أن لفظ اسم زيادة ".
وإلى هذا الوجه الأخير ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى، وتابعه فيه أبو عبيد بن سلام.. وتعرض لهما المبرد محمد بن يزيد بالنقد، فقال:" غلط أبو عبيدة، وأخطأ أبو عبيد ".
وردَّ ابن الطراوة على أبي علي الفارسي تأويله قول الله تعالى:﴿ولدار الآخرة﴾ بقوله: ولدار الساعة الآخرة، واتهمه بسوء النظر، وبتوجيهه لما جاء من ذلك في القرآن الكريم إلى غير وجهه الصحيح، ثم قال:" فإن أراد بقوله ( الساعة ): القيامة، فلا تأقيت لها. وإن أراد الواحد من الساعات، فلا نهاية فيها، ولا آخر لها إلا بانتهاء المخلوقات، وطي السموات ".
وقال الشيخ السهيلي- رحمه الله- :" ومما غلطوا من أجله قوله عز وجل:﴿ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها﴾[يوسف:40]. والمعبود هو المسمَّى، دون الاسم.
والجواب: أنهم ما عبدوا إلا المسميات؛ ولكنهم عبدوها من أجل الأسماء المفخمة الهائلة، التي اخترعوها لهم؛ كاللات، والعزَّى.. وتلك أسماء كاذبة غير واقعة على حقيقة. فكأنهم لم يعبدوا إلا الأسماء، التي اخترعوها. وهذا من المجاز البديع الغريب. ولو كانت الأسماء- ههنا- هي المسميات، لقلت فائدة الكلام، ولخلا عن الإعجاز هذا النظام ".
بقي علينا أن نذكر فائدة هذه الإضافة.. جاء في حاشية الكشاف الزمخشري: " فإن قلت: ما فائدة( اسم )، وهلا قيل: بالله الرحمن الرحيم؟ قلت: فائدته: الفرق بين ( التيمُّن ) و( اليمين ).. وذلك لأن التيمن باسم الله، لا بذاته. وكذا يجعل اسمه آلة للفعل، لا لذاته، بخلاف اليمين؛ فإن الحلف به، لا بأسمائه، التي هي ألفاظ ".
أما اليمين فقولنا: أقسم بالله، وأحلف بالله. ومن الثاني قوله تعالى:﴿ويحلفون بالله إنهم لمنكم﴾[التوبة:56].. وأما التيمُّن فقولنا: باسم الله أبدأ. ومنه قوله تعالى:﴿اقرأ باسم ربك﴾[العلق:1]، وقوله تعالى:﴿ فسبح باسم ربك العظيم﴾[الواقعة:96].
وأما إضافة الصفة إلى الموصوف فالفائدة منها هي تخصيص الصفة بموصوفها. والعرب إنما تفعل ذلك في الوصف المعرفة اللازم للموصوف لزوم اللقب للأعلام؛ نحو قولهم: زيد بطة. أي: صاحب هذا اللقب. أما الوصف الذي لا يثبت، ولا يلزم موصوفه- كالقائم والقاعد- فلا يضاف الموصوف إليه، لعدم الفائدة المخصِّصة، التي لأجلها أضيف الاسم إلى اللقب، والصفة إلى الموصوف.. فإذا قلت: مسجد الجامع فمعناه: صاحب هذا الوصف.. وكذا: دار الآخرة، ودار السلام، وأرض الله، وحق اليقين.. فتأمل ذلك، فإنه من الفوائد الجليلة. والحمد لله رب العالين
رفاه محمد علي زيتوني*

ـــــــــ
* أستاذة اللغة العربية في ثانوية دلما للبنات - دولة الإمارات

المصدر
http://www.tafsir.net
 
التعديل الأخير:

ابوعمرالشهري

مزمار داوُدي
4 أبريل 2007
6,384
9
0
الجنس
ذكر
رد: ظاهرة إضافة الاسم إلى المسمَّى والصفة إلى الموصوف في القرآن الكريم

بارك الله فيك اخي

ولي عودة على الموضوع ان شاء الله
 

ابومالك الازدي

مزمار داوُدي
2 يونيو 2007
3,474
2
0
الجنس
ذكر
رد: ظاهرة إضافة الاسم إلى المسمَّى والصفة إلى الموصوف في القرآن الكريم

[align=center]بارك الله فيك اخي هاني[/align]
 

محمد الجنابي

عضو شرف
عضو شرف
9 فبراير 2007
15,361
18
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
رد: ظاهرة إضافة الاسم إلى المسمَّى والصفة إلى الموصوف في القرآن الكريم

بارك الله فيك اخي هاني وتم حفظ الموضوع في الجهاز
 

بنت ابيها

مزمار داوُدي
6 فبراير 2007
6,560
11
0
الجنس
أنثى
رد: ظاهرة إضافة الاسم إلى المسمَّى والصفة إلى الموصوف في القرآن الكريم

اثابك الباري..
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع