- 3 ديسمبر 2020
- 318
- 145
- 43
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- عبد الباسط عبد الصمد
- علم البلد
في قصة خلق آدم عليه السلام في حديث موسى بن هارون عن ابن مسعود قال :" فخلقه بشرا – أي آدم - فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه وكان أشدهم فزعا إبليس فكان يمرّ به فيضربه فيصوّت الجسد كما يصوت الفخار تكون له صلصلة فذلك حين يقول من صلصال كالفخار، ويقول أي ابليس - : لأمرٍ ما خلقت ويدخل من فيه ويخرج من دبره فيقول للملائكة : لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف لئن سُلطت عليه لأهلكنه .
فكان من وصف ابليس لأدم عليه السلام أنه اجوف ، فما معنى أجوف ؟
أجوف : أي له جوف يحتاج إلى امتلاء ، وهذا الجوف نوعان جوف مادي من طين ، وجوف معنوي من روح وهذه هي تركيبة خلق الانسان ، جسد وروح ، فأما الجوف المادي ( الجسد ) فغذاؤه مادي من عالم المادة ( الشهادة) كالطعام والشراب وأما الجوف المعنوي ( الروح ) فغذاؤه معنوي من عالم الغيب ، وخير غذاء للروح هو القرآن ، ولذلك سمى الله هذا القرآن روحا في سورة الشورى :" وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ".
وقد ركب الله في هذا الانسان الفطرة السليمة التي خلقه عليها ، قال تعالى :" فطرة الله التي فطر الناس عليها ". وفي الحديث :" كل مولود يولد على الفطرة " والفطرة معناها في الحقيقة هي الاستعداد الطبيعي والتلقائي للتلقّي ، فالله وهو خالق الانسان أودع فيك أيها الانسان الاستعداد التلقائي لتقبل الحق والخير ورفض الباطل والشر .
ومن هنا تظهر حاجة الانسان إلى غذاء الروح مهما طغت عليه الماديات والشهوات ، ومهما غطى على هذه الفطرة من كفر أو كبر أو طغيان فإن الانسان في قرارة نفسه يقرّ بعجزه وضعفه و بحاجته إلى إله يعبده ويلجأ إليه في الشدائد ، وهذا كثير في القرآن كما قال تعالى :" هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ".
بل إن فرعون الذي ادعى الألوهية ، أيقن عجزه حين أدركه الغرق وأعلن ايمانه بالله :" وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ".
ومن مظاهر الضعف والعجز التي يصورها القرآن ، عجز الانسان عن الخلق او التصرف في الخلق ، ومن أمثلته :
" إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ". وتأمل آخر الأية " ضعف الطالب والمطلوب "
وفي محاجة إبراهيم للنمرود :" قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ".
ومن مظاهر الضعف والعجز عند الانسان شعوره بالتعب وحاجته إلى النوم في نهاية يومه مهما طال به السهر والله تعالى ينفي عن نفسه هاتين الصفتين فيقول تعالى :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ". لغوب : أي تعب
وينفي عن نفسه النوم في قوله تعالى في آية الكرسي :" لا تأخذه سنة ولا نوم ". ولعل هذا من أسباب أنه يسن قراءة آية الكرسي قبل النوم ، ليختم الانسان يومه بالاستسلام التام لله والشعور بالعجز التام أمامه .
واعلم ان الشعور بهذا الألم درجات ، بحسب درجات الايمان ، فمن المؤمنين من يحس بهذا الألم والضيق الشديد اذا ضيع الفرائض ، ومنهم من يحسه اذا ضيع النوافل ، ومنهم من يحسه اذا ضيع قيام الليل ، ومنهم من يحسه اذا فقد الخشوع في الصلاة ، ومنهم من يحسه اذا فقد الخشوع أو البكاء عند تلاوة القرآن ، ومنهم من يحسه اذا مرت عليه ساعة لم يذكر فيها الله عزوجل ... وهكذا
والسؤال أيهم أنت ؟ وما هي آلامك ؟ وهل تحزن اذا نقص دينك أو فرطت في جنب الله ؟
اجعل لك عدادا كعداد الوقود ، ينبهك بنقصان غذائك الروحي فتتدارك أمرك قبل فوات الأوان .
منقول بتصرّف
محاضرة ... د.أحمد عبد المنعم
فكان من وصف ابليس لأدم عليه السلام أنه اجوف ، فما معنى أجوف ؟
أجوف : أي له جوف يحتاج إلى امتلاء ، وهذا الجوف نوعان جوف مادي من طين ، وجوف معنوي من روح وهذه هي تركيبة خلق الانسان ، جسد وروح ، فأما الجوف المادي ( الجسد ) فغذاؤه مادي من عالم المادة ( الشهادة) كالطعام والشراب وأما الجوف المعنوي ( الروح ) فغذاؤه معنوي من عالم الغيب ، وخير غذاء للروح هو القرآن ، ولذلك سمى الله هذا القرآن روحا في سورة الشورى :" وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ".
وقد ركب الله في هذا الانسان الفطرة السليمة التي خلقه عليها ، قال تعالى :" فطرة الله التي فطر الناس عليها ". وفي الحديث :" كل مولود يولد على الفطرة " والفطرة معناها في الحقيقة هي الاستعداد الطبيعي والتلقائي للتلقّي ، فالله وهو خالق الانسان أودع فيك أيها الانسان الاستعداد التلقائي لتقبل الحق والخير ورفض الباطل والشر .
ومن هنا تظهر حاجة الانسان إلى غذاء الروح مهما طغت عليه الماديات والشهوات ، ومهما غطى على هذه الفطرة من كفر أو كبر أو طغيان فإن الانسان في قرارة نفسه يقرّ بعجزه وضعفه و بحاجته إلى إله يعبده ويلجأ إليه في الشدائد ، وهذا كثير في القرآن كما قال تعالى :" هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ".
بل إن فرعون الذي ادعى الألوهية ، أيقن عجزه حين أدركه الغرق وأعلن ايمانه بالله :" وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ".
ومن مظاهر الضعف والعجز التي يصورها القرآن ، عجز الانسان عن الخلق او التصرف في الخلق ، ومن أمثلته :
" إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ". وتأمل آخر الأية " ضعف الطالب والمطلوب "
وفي محاجة إبراهيم للنمرود :" قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ".
ومن مظاهر الضعف والعجز عند الانسان شعوره بالتعب وحاجته إلى النوم في نهاية يومه مهما طال به السهر والله تعالى ينفي عن نفسه هاتين الصفتين فيقول تعالى :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ". لغوب : أي تعب
وينفي عن نفسه النوم في قوله تعالى في آية الكرسي :" لا تأخذه سنة ولا نوم ". ولعل هذا من أسباب أنه يسن قراءة آية الكرسي قبل النوم ، ليختم الانسان يومه بالاستسلام التام لله والشعور بالعجز التام أمامه .
ولما علم ابليس منذ البداية طبيعة خلق آدم وهو أنه أجوف ، جعل أسلوبه في عداوته على طريقين :
أولهما : أن يدفعه إلى ملء الجوف الحسي المادي بالحرام والشهوات المحرمة
وثانيهما : أن يمنع عن الجوف المعنوي وصول الغذاء الروحي له ، أي القرآن ويستبدله بمصادر أخرى ، كما زين ابليس ذلك لأتباعه من المشركين :" وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ".
وكما أن منع الغذاء المادي كالطعام والشراب يسبب للإنسان الشعور بألم الجوع والعطش ، فكذلك منع الغذاء الروحي يصيب صاحبه بالألم كالقلق والتوتر والاضطراب النفسي ، ولذلك جاء في الحديث عن وصف المؤمن :" أَلا من ساءته سيئته، وسرته حسنته فَذَلِك الْمُؤمن". وفي حديث آخر :" المؤمن إذا عمل حسنة سرته ورجا ثوابها ، وإذا عمل سيئة أحزنته وخاف عقابها " فالمؤمن يفرح بالطاعة ويحزن للمعصية ، وجاء في قول لابن مسعود :" إنَّ المؤمنَ يرَى ذنوبَه كأنه في أصلِ جبلٍ يخافُ أنْ يقعَ عليه وإنَّ الفاجرَ يرَى ذنوبَه كذبابٍ وقع على أنفِه قال به هكذا ، فطار .
واعلم ان الشعور بهذا الألم درجات ، بحسب درجات الايمان ، فمن المؤمنين من يحس بهذا الألم والضيق الشديد اذا ضيع الفرائض ، ومنهم من يحسه اذا ضيع النوافل ، ومنهم من يحسه اذا ضيع قيام الليل ، ومنهم من يحسه اذا فقد الخشوع في الصلاة ، ومنهم من يحسه اذا فقد الخشوع أو البكاء عند تلاوة القرآن ، ومنهم من يحسه اذا مرت عليه ساعة لم يذكر فيها الله عزوجل ... وهكذا
والسؤال أيهم أنت ؟ وما هي آلامك ؟ وهل تحزن اذا نقص دينك أو فرطت في جنب الله ؟
اجعل لك عدادا كعداد الوقود ، ينبهك بنقصان غذائك الروحي فتتدارك أمرك قبل فوات الأوان .
منقول بتصرّف
محاضرة ... د.أحمد عبد المنعم
التعديل الأخير: