إعلانات المنتدى


الذين آمنوا و الذين كفروا .... سورة محمد

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

عمر محمود أبو أنس

عضو كالشعلة
3 ديسمبر 2020
318
145
43
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
علم البلد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله :
سورة محمد تسمى سورة القتال ، ولعل هذا الاسم يشير إلى المحور الرئيسي لموضوع السورة وهو الصراع بين أهل الحق وتصفهم السورة " الذين آمنوا وعملوا الصالحات " وأهل الباطل وتصفهم السورة " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله "

وتعرض السورة في أوّلها ، صورتين متقابلتين للكافرين والمؤمنين فالأية الأولى :" الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ" والآية الثانية :" وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ "

" فالذين كفروا " يقابلها " الذين آمنوا " وقوله " وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" يقابلها " وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" وقوله " أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ" يقابلها " كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ"
وانظر كيف أن الأعمال وإن كانت صالحة ، فمع الكفر ضاعت وذهب أجرها ، والأعمال السيئة مع الايمان كُفّرت وذهب وزرها ، فالايمان هو القاعدة الصحيحة التي يُـبنى عليها قبول الأعمال .

وزادت الأية الثانية للمؤمنين قوله تعالى " وأصلح بالهم " ، وجاء في معناها في أقوال المفسرين أصلح حالهم أو شأنهم أو أمورهم فيما يتعلق بصلاح دنياهم ، وقيل البال محله القلب : أي أصلح قلوبهم ونياتهم .
وتؤكد الأيات في سورة محمد حتمية الصراع بين المؤمنين والكافرين ، والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى قتال بعضهم بعضا ويدل على ذلك قوله تعالى :" فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا"
والله قادر أن ينصر جنده المؤمنين بغير حرب ولا قتال ، ولكن لتتحقق سنة الابتلاء التي أرادها الله ليعلم صدق المؤمنين ويتخذ منهم شهداء " ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ "
فماذا سينتظر اولئك الشهداء الذين اصطفاهم الله لنصرة دينه والموت في سبيله " وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ "
وتكررت هنا مرة أخرى " وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ" ، فأما الأولى فكانت قبل القتل والشهادة أي في الدنيا وأما الثانية هذه فهي بعد القتل والشهادة أي في الأخرة ، والمعنى أن من جاهد في سبيل الله كان جزاءً من الله له أن يصلح باله في الدنيا والأخرة .

ويأتي السؤال عن أسباب الصراع بين المؤمنين والكافرين ؟ فتجيب عن ذلك الأية الكريمة :" " ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ "
فالكفار أهل باطل والمؤمنون أهل حق ، وأهل الايمان يدافعون عن حقهم وينصرونه وأهل الكفر يصدون عن هذا الحق الذي هو سبيل الله كما وصفته مطلع السورة ، وهذه العلة التي شرع الله من أجلها قتالهم وجهادهم ، لأنهم يصدون الناس عن سبيل الله ، ويقفون سدّا منيعا أمام هدايتهم لطريق الحق .
ومنذ مطلع السورة قرن الله كفر الكافرين بصدهم عن سبيل الله :" الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" فهم لم يكتفوا بكفرهم بل أتبعوا ذلك بالصد عن سبيل الله وحرب دينه والكيد له فصار لزاماً على المؤمنين أن يتصدوا لهم ويردوا كيدهم .
وتأمل كم مرة تكرّر اقتران الكفر بالصدّ عن سبيل الله في أكثر من موضع في السورة ، ففي أول آية منها " الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ"
وقوله أيضا :" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ "
وأيضا" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ "
وكل هذه الأيات تؤكد حرص الكافرين على الصد عن سبيل الله ومحاربة دينه وقتال أوليائه ولكنّها في المقابل تؤكد أن أعمالهم إلى ضلال" أضل أعمالهم " ، وكيدهم إلى حبوط " وأحبط أعمالهم " ولا ينالون مغفرة الله ورحمته :" فلن يغفر الله لهم "

ولما كان الاختلاف بين المؤمنين والكافرين في الطريق والمنهج ، كان الاختلاف كذلك في العاقبة والمصير ، فالذين آمنوا ينتهي طريقهم إلى نصر وتمكين في الدنيا :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ " واما الذين كفروا فلهم التعاسة والشقاء وسيضل الله أعمالهم فلا تحقق غايتها :" وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ"
وأما في الآخرة فالذين آمنوا إلى جنات تجري من تحتها الأنهار :" إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ" وأما الذين كفروا فمثواهم النار وبئس المصير :" وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ"

فماذا على المؤمنين من واجب تجاه كيد هؤلاء الكفار وصدّهم عن سبيل الله ليتحقق لهم النصر عليهم :

  • الايمان الصادق وطاعة الله ورسوله :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ "
  • الاستعلاء بالايمان واليقين بنصر الله وعدم استجداء الكافرين أوالخنوع لهم :" فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ "
  • عدم الاغترار بالحياة الدنيا وزينتها وايثارها على الايمان والتقوى :" إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ "
  • بذل الأنفس والأموال لنصرة الدين :" هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ"
وتُختم السورة بهذا التهديد العجيب ، فيا أيها المؤمنون ، إن لم تكونوا أهلاً لحمل الأمانة والقيام بواجبكم في نصرة هذا الدين ، فسوف يستبدلكم الله ويأتي بآخرين يكونون أهلا لذلك :" وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ "
هذَا والله أعلم
كتبه عمر محمود أبو أنس


 

رشيد التلمساني

مشرف ركن مزامير المغرب الإسلامي
المشرفون
5 أبريل 2020
10,374
2,182
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
جزاك الله خيرا ونفع بك
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع