إعلانات المنتدى


العلم والقدرة ......في سورة ق

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

عمر محمود أبو أنس

عضو كالشعلة
3 ديسمبر 2020
318
145
43
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
علم البلد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :
تبدأ سورة " ق " بوصف القرآن الكريم بأنه مجيد قال تعالى " " ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ "

وصفة المجيد تجمع بين التشريف والتعظيم لهذا الكتاب الكريم ، ولعلّ هذا الوصف في مستهلّ السورة يناسب موضوع السورة الذي تتحدث عنه ألا وهو الحديث عن اليوم الآخرو قدرة الله على البعث بعد الموت والذي له سبحانه التعظيم كله ، والملك كله في ذلك اليوم :" لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ" . غافر 16

والسورة في موضوعها الرئيسي هذا تقوم على محورين رئيسيين : وهما صفتان من صفات الله أولاها صفة جمال وهي علم الله والأخرى صفة جلال وهي قدرة الله ، والتربية بهذين الاسمين من أسماء الله " العليم والقادر" يؤصّلان في نفس المؤمن الشعور برقابة الله ومعيّته ، فيوقن أن الله يعلم سرّه ونجواه ويطّلع على كل ما يصدر عنه من قولٍ أوفعل ، كما قال تعالى في هذه السورة :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ "

ثم يضع في حسابه أن كل ذلك مكتوب عليه مآخذ به :" إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"

ومن ثم يستشعر قدرة الله على البعث ، ويستحضر مشاهد الآخرة : " وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ "

عندها تثمر هذه التربية خشية الله في السر والعلن ، وتدفع المؤمن أن يستعد للقاء الله في ذلك اليوم كي يجد ما يسره لا ما يسوؤه ، فينقّي سريرته ، ويصلح عمله ، ويرجوالله أن يكون من الفائزين :" وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ "
وهو يخاف أن يكون من الفريق الآخر فيكون من الخاسرين :" أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ "
وبين الخوف والرجاء ، يمضي المؤمن في هذه الحياة ، يعمل الصالحات ويجتنب الموبقات ، يقصد الخير لنفسه وغيره محتسبا ذلك كله عند الله تعالى ، حتى يلقاه وهو عنه راض.

وتسوق السورة أربعة أدلة على قدرة الله على البعث ، وهي أدلة عقلية ، يُخاطب بها كل من كفر باليوم الأخر وجحد قدرة الله على البعث :

فأما الدليل الأول : " قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ " فالله يعلم أين تذهب ذرات أجسامهم بعد أن تتحلل وتتفرق في الأرض ، وقادر أن يجمعها ويعيدها كما كانت عند البعث ، ولذلك قال مباشرة في الأية بعدها :" بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ" ، فوصف سبحانه وتعالى البعث أنه حق ، وأنه واقع لا محالة .

وأما الدليل الثاني :" وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ "
فكما تكون الأرض ميتة ، فيحييها الله بالمطر وتستحيل جنة خضراء ، فهو سبحانه قادر أن يحييكم بعد مواتكم كما أحيا الأرض بعد موتها ولذلك جاء تذليل الأية " كَذَلِكَ الْخُرُوجُ "

واما الدليل الثالث :" أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ " فالله الذي خلق الخلق أول مرة قادر أن يعيد خلقه مرة أخرى .

وأما الدليل الرابع :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ" ، فلا شك أن خلق السماوات والأرض أكبر وأعظم من خلق الناس ، ومن يقدر على الأصعب يقدر على الأسهل ، وكلٌ على الله يسير.

وبعد سرد هذه الأدلة وتفنيدها ، يقرر الله النتيجة الحتمية والمصير المكتوب الذي ستصير إليه الخلائق :" إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ . يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ"

ورب سائل يسأل ، ما سبب ذكر الأقوام السابقة في وسط سياق الحديث عن اليوم الأخر ؟
قال تعالى :" كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ "

والجواب أن الأقوام السابقة كذبت رسلها الذين جاءوها بدعوة الايمان بالله واليوم الآخر، كما يكذب كفارقريش ، أو كل جاحد الأن ، وكأن في الأية تهديد باطن أن إذا بقيتم على تكذيبكم بالبعث كما كذّبوا فسيصيبكم ما أصابهم من العذاب والهلاك :" فَحَقَّ وَعِيدِ "

وأما ختام السورة ، فهو يذكر القلب ، ويتوجه له بالخطاب ، ذلك أن سورة ق ما هي إلا تذكرة وموعظة لا ينتفع بها ، إلا صاحب القلب الحي:" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ " ، وانه لا ينجو في ذلك اليوم عندما يجمع الله الناس بعد الموت إلا صاحب القلب المنيب الذي أناب إلى ربه في الدنيا قبل أن ينوب جسده إليه في الأخرة :" هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ *مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ "

وهكذا فهذه القلوب لا سلطان لأحد عليها إلا الله ، ولن يتعظ بالقرآن وبما حوى من الأيات والمواعظ إلا من كان يرجو الله واليوم الأخر ، فكانت آخر آية في السورة :" نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ "

هذا والله أعلم
كتبه عمر محمود أبو أنس
 

رشيد التلمساني

مشرف ركن مزامير المغرب الإسلامي
المشرفون
5 أبريل 2020
10,369
2,180
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
جزاك الله خيرا ونفع بك
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع