إعلانات المنتدى


تأملات في سورة الطور

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

عمر محمود أبو أنس

عضو كالشعلة
3 ديسمبر 2020
318
145
43
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
علم البلد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
تبدأ سورة الطور بأقسام أربعة ، ويقسم الله تعالى بأشياء في الأرض وأخرى في السماء
( وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ)
وبين السماء والأرض كون مُبدَع مُـتقَــن ولكنه سرعان ما سيضطرب ، فيختل ميزانه ، وتتزلزل أركانه حين يأذن الله باقتراب يوم القيامة ، فالسماء ببهائها وزينتها تتشقّـق وتتناثر أجرامها ، والجبال على شدتها وثباتها تصبح هباء منثورا ( يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا)
حينها يعلم الغافلون اللاهون ، الذين قضوا حياتهم في ضلال و كفر و لهو ولعب ، أنّ الأمر جدٌّ لا هزل فيه ، وحقٌّ لا مراء فيه ( فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ )

وماذا كان جواب القسم في الأيات ؟ إنه القضية الكبرى قضية البعث ( إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ )
ولم التركيز على البعث وما يكون بعده من الحساب والجزاء ؟ إنه من المنطق والعدل أن لا تستوى الإساءة مع الإحسان ، وأن لا يمرّ تجبّـر الطغاة ، وظلم الظالمين بلا حساب ولا عقاب ؟

ولعل في ذكر طور سيناء إشارة لتوراة موسى ، وفي ذكر الكتاب المسطورإشارة إلى القرآن ، وفي ذلك تأكيد على وحدة الرسالة والمنهج بين الأنبياء جميعا ، فكلهم جاء بدعوة التوحيد والإيمان باليوم الأخر.
وفي تذكّـراليوم الأخرتربية ايمانية ، أن لا يغفل المسلم أبداً عن ذلك اليوم الذي يُجمع فيه الناس أجمعين ليُحاسَبوا على أعمالهم ، فيترك الفساد والإفساد ويسعى للخير والإصلاح في الأرض.
سيأتي ذلك اليوم ، كما تصوره الأيات فتراه رأْي العيْن ، وكأنك ترى الملائكة تدفع الكفار دفعاً في حركة مذلة مهينة لتلقيهم في نار جهنم ، هذا النار التي كانو عنها غافلين ، وبها مكذّبين
( يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ )
والجزاء من جنس العمل ، فبعد أن كانوا في الدنيا يطغون ويتجبّرون ، ويدوسون الناس والقيم بأقدامهم ، ها هم الأن يُدفعون في ذلّ واحتقار ، ويُركلون بالأقدام ، ثم يُقال لهم زيادة في الحسرة والعذاب ( اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

وأمام هذه الصورة المخزية المؤلمة ، تأتي صورة أخرى ملؤها البشارة والنعيم ، والحفاوة والتكريم إنهم المؤمنون المتقون وهم في الجنة يُنعّـمون ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) ( وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ)
وربما لا تكتمل الفرحة بهذا النعيم وأنت وحدك ، فيجمع الله معك في درجتك في الجنة من آمن من أهلك وذريّـتك ، بعد أن كانوا متفرقين ، كلٌّ في درجته ، أو كان في النار لم ينته حسابه، فيشفع بعضهم لبعض ويقبل الله شفاعتهم ، فليتمّ الشّـمل ، وتكتمل الفرحة باجتماع الأهل
( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)
وعندها تلهج الألسنة بالحمد والثناء لله، أن أكرمهم بهذا النعيم ، ووقاهم عذاب الجحيم
( قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)
ألا ايها الدعاة ، هذه رسالتكم إلى الناس ، أن تدعوا الناس إلى الايمان والخير ، فينقذهم الله بكم من النار ويدخلهم الجنة ، وليس دعوةٌ أكرم من هذه الدعوة ، ولا جزاءٌ أوفى من هذا الجزاء
في الحديث الصحيح ، عَنْ سَهْلِ بن سعدٍ - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ لِعَليًّ : فواللَّهِ لأنْ يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمْر النَّعم . متفق عليه
ولا يعوقنّكم عن دعوتكم أذى المعرضين واتهامات المكذّبين ، فلقد أوذي من هو أكرم منكم ، بل أكرم الناس أجمعين ، سيدنا محمد ﷺ ، فلكم فيه أحسن أسوة وأكمل قدوة ( فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ *قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ )

ويفنّد الله في السورة دعاوى المعرضين عن الحق ، فيردّ حججهم الباطلة وأعذارهم الواهية في سياقٍ مسترسلٍ من الآيات تتكرّر فيه أداة الاستفهام " أم " خمس عشرة مرّة ، ليكون ذلك منهجاً للدعاة إلى الله ، أن يخاطبوا الناس بالحجّة والبرهان ، كي يتضح الحق ويندحر الباطل .
( أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ )
وعند استنفاذ الوسائل والحجج في الدعوة والتبليغ ، فهم أمام مصيرين لا ثالث لهما ، إما أن يعجّل الله لهم العذاب في الدنيا ‘ أويؤخّـره لهم في الأخرة ( وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ * فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ)
وتأمل لفظة ( يُصعقون) وما توحي به من شدة العذاب ، أي العذاب المُهلك الماحق والذي إذا وقع فلا يبقي ولا يذر، وحالهم حين ينزل العذاب ، هو غاية الضعف والعجز ، فلا هم يستطيعون ردّ العذاب عنهم ولا هم يُنصرون ( يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ )

ثم تأتي خاتمة السورة ، لتسكب السكينة والطمانينة في القلوب ، وتتنزل بالتثبيت والتأييد للنبي والمؤمنين ، وللدعاة من بعده على طريق المُوحِّدين ، أن اثبتوا على دعوتكم ، واصبروا في طريقكم ، مهما كان من البلاء والمحن ، فإن الله معكم ، يرعاكم بعينه ، ويؤيدكم بنصره ، فكونوا من المؤمنين ، واسجدوا مع الساجدين ، واشحنوا عزيمتكم بالذكر والتسبيح في كل وقت وحين .
( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ )

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه عمر محمود أبوأنس








 

سعــــــود

مشرف ركن مزامير جزيرة العرب والحرمين الشريفين
المشرفون
2 يونيو 2008
6,468
1,392
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
جزاك الله خيرًا وجعلها في ميزان حسناتك
 

رشيد التلمساني

مشرف ركن مزامير المغرب الإسلامي
المشرفون
5 أبريل 2020
10,364
2,178
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
بارك الله فيك وأثابك
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع