- 3 ديسمبر 2020
- 319
- 145
- 43
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- عبد الباسط عبد الصمد
- علم البلد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
( الرحمن ) ... رغم ورود هذا الاسم الكريم من أسماء الله الحسنى مرّة واحدة في هذه السورة ، إلا أنها سميّت به ... لما تجلّى فيها من أولها إلى آخرها من مظاهر رحمة الله .... رحمات دينية ورحمات دنيوية ، رحمات دينية تتنزّل على عباد الله المتقين في جنات النعيم ، بما تعرضه السورة في خاتمتها من مشاهد الجنة ، وأهلها فيها ينعمون ويتمتعون ، ورحمات دنيوية من خلال سرد السورة للنعم والآلاء المبثوثة في هذا الكون .
وقد تكرّر في السورة وصف الجلال والإكرام لله تعالى مرتين في بدايتها ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) وفي آخرها ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) لتلخّص موضوع السورة والذي يجمع بين مشاهد الجلال ومشاهد الإكرام .
( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ )
وقد استهلت السورة بذكر نعمة إنزال القرآن ، وقد بُدأ بها لأنها أعظم النعم وأجلّ الرحمات ، بل إنها ذُكرت قبل نعمة خلق الإنسان ، وكأنه لا قيمة لحياتك أيها الانسان بغير هذا القرآن ، وأنه لا بدّ أن يكون الأوّل في حياتك ، والقمة في أولويّاتك ، فلا معنى للحياة بغير القرآن ، ولا حياة طيبة لا يحفّها هدى الرحمن .
ثم جاء تخصيص نعمة البيان في خلق الانسان ، والبيان كل ما يُبين به الانسان عما يجول في نفسه ، ويدور في عقله ، ويدخل فيه لغة الإشارة والجسد ، وكل منطوق أومكتوب ، ولولا البيان لمَا ألقى أحدٌ خطاباً ولا كتب كتاباً.
ولعلّ ذكْر البيان بعد إنزال القرآن ، إشارة لضرورة بيان هذا القرآن للناس ، والقيام بواجب إبلاغ رسالته للناس .
( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)
ثم تذكر الآيات الشمس والقمر ، وأنهما تجريان بحساب دقيق ، ليقوم عليه تحديد المواسم والمواقيت ، وإثبات سجود النجم في السماء وسجود الشجر في الأرض ، دليل على خضوع السماء والأرض وما فيهما للقدرة الإلهية المطلقة .
( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ * وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ )
ومن اللفتات الجميلة في السورة أنه تعالى أمر بالعدل وذكَر الميزان بين ذكْر السماء قبله وذكْر الأرض بعده ، ذلك أن العدل هو الميزان الذي قامت عليه السماوات والأرض ، وأنّ أي اضطراب في هذا الميزان سبب لسخط الله ، فالظلم لا يرضاه الله لنفسه فكيف يرضاه لعباده ؟
في الحديث القدسي :" عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ : يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا "
ثم ذكر خلْق الانسان وخلْق الجانّ ، و جمع الله بينهما كثيرا في هذه السورة ، لأنهما يشتركان في التكليف ، وتبعات الايمان والكفر ( خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ )
ثم ذكر البحر وما تجري فيه من الأفلاك ، وما في أعماقه من الخيرات كاللؤلؤ والمرجان ، وكيف أنّ البحاربعضها مالح وبعضها فرات لا يمتزجان ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ )
ولكن ذلك كلّه إلى زوال وإلى فناء ، ولا يبقى إلا وجه الله ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) وفي الأية تذكيرٌ باليوم الأخر، وتوجيه العباد إلى عبادة الله وحده وشكره على هذه النعم ، قبل أن تزول هذه الدنيا ويكون الجزاء والحساب .
ولأنّ له - سبحانه وتعالى – ملكوت السماوات والأرض ، يقصده عباده – مؤمنهم وكافرهم – لقضاء حوائجهم ، وتحقيق مطالبهم ، وهو سبحانه كل يوم في شأن ، يحيي هذا ويميت هذا ، يُعزّ هذا ويُذلّ هذا ، يعطي هذا ويحرم هذا ، لا تشغله حاجات هؤلاء عن حاجات أولئك ، فهو يرحم الجميع ويرزق الجميع ( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)
ثم يأتي مشهد من مشاهد القيامة ( فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) أي انشقت السماء فصارت مثل الوردة في الحمرة ، فعندها يكون الحساب والسؤال ، وقوله (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ) أي لا يسأل سؤال استعلام واستفهام وإنما سؤال توبيخ وتقريع
عندها يُعرف الجرمون حيث يُحشرون سود الوجوه زرق العيون ، ويا لها من صورة مهينة لهم تصورها الأيات حين تضم الملائكة أرجلهم إلى نواصيهم ثم يُلقون في النار ، هذه النار التي كانوا بها يكذبون ، ولعذابها ينكرون ، فإذا قاسوا حرّها طلبوا الماء ، فسُقوا ماءً حميماً تغلي منه البطون .( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ)
ثم تأتي صورة أخرى مقابلة ، تصف ألوان النعيم ، لعباد الله المتقين ، ممن خافوا مقام ربهم ورجوا رحمته ، فتجعلهم الآيات صنفين : سابقون مقربون ، وآخرون أقل منزلة وهم أصحاب اليمين ، ولكلٍّ درجته ومنزلته في الجنة
وكأنها رسالة واضحة ، أن فرّوا من نارربّكم إلى جنته ، ومن عذابه إلى رحمته ....
وتقرّر السورة ، قاعدة ذهبية في العمل والكسب في قوله تعالى ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) فحين يوقن المؤمن أن عمله يُحصى عليه وأنه سيُجزى عليه الجزاء الأوفى ، عندها يركن إلى عدالة الرحمن ، ويأخذ بالأسباب ويكل النتائج لرب الأرباب .
ويلحظ في السورة تكرار قوله تعالى ( فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) احدى وثلاثين مرّة ، والآلاء هي النعم ، وكأنه نداء يتكرر ليقرع القلوب والعقول ، أن لا تنسوا نعمة ربكم عليكم ، وقوموا بحق شكرها ، لتدوم لكم البركات ، وتتنزّل عليكم الرحمات .
وفي الختام ، وبعد أن عرضت السورة في سياقها مشاهد القدرة ، فهوسبحانه رب المشرقين ورب المغربين ، ورب السماوات والأرض ، خزائنها في قبضته ، وأمرها تحت مشيئته ، لا يحدث فيها شيىء إلا بعلمه ، ولا يخرج من أقطارها شيء إلا بإذنه ....
ثم مشاهد الخلق ، خلق السماء ورفعها ، وخلق الأرض ووضعها ، وخلق الانس والجن ، ثم مشاهد القيامة وما فيها من النعيم والجحيم .... كلّ هذه مشاهد الجلال .... ثم ما تخلّلها من مظاهرالنعم والآلاء والتي هي مشاهد الإكرام والإنعام ، جاءت آخر آية لتجمع الجلال والإكرام كله لله تعالى ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)
( الرحمن ) ... رغم ورود هذا الاسم الكريم من أسماء الله الحسنى مرّة واحدة في هذه السورة ، إلا أنها سميّت به ... لما تجلّى فيها من أولها إلى آخرها من مظاهر رحمة الله .... رحمات دينية ورحمات دنيوية ، رحمات دينية تتنزّل على عباد الله المتقين في جنات النعيم ، بما تعرضه السورة في خاتمتها من مشاهد الجنة ، وأهلها فيها ينعمون ويتمتعون ، ورحمات دنيوية من خلال سرد السورة للنعم والآلاء المبثوثة في هذا الكون .
وقد تكرّر في السورة وصف الجلال والإكرام لله تعالى مرتين في بدايتها ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) وفي آخرها ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) لتلخّص موضوع السورة والذي يجمع بين مشاهد الجلال ومشاهد الإكرام .
( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ )
وقد استهلت السورة بذكر نعمة إنزال القرآن ، وقد بُدأ بها لأنها أعظم النعم وأجلّ الرحمات ، بل إنها ذُكرت قبل نعمة خلق الإنسان ، وكأنه لا قيمة لحياتك أيها الانسان بغير هذا القرآن ، وأنه لا بدّ أن يكون الأوّل في حياتك ، والقمة في أولويّاتك ، فلا معنى للحياة بغير القرآن ، ولا حياة طيبة لا يحفّها هدى الرحمن .
ثم جاء تخصيص نعمة البيان في خلق الانسان ، والبيان كل ما يُبين به الانسان عما يجول في نفسه ، ويدور في عقله ، ويدخل فيه لغة الإشارة والجسد ، وكل منطوق أومكتوب ، ولولا البيان لمَا ألقى أحدٌ خطاباً ولا كتب كتاباً.
ولعلّ ذكْر البيان بعد إنزال القرآن ، إشارة لضرورة بيان هذا القرآن للناس ، والقيام بواجب إبلاغ رسالته للناس .
( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)
ثم تذكر الآيات الشمس والقمر ، وأنهما تجريان بحساب دقيق ، ليقوم عليه تحديد المواسم والمواقيت ، وإثبات سجود النجم في السماء وسجود الشجر في الأرض ، دليل على خضوع السماء والأرض وما فيهما للقدرة الإلهية المطلقة .
( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ * وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ )
ومن اللفتات الجميلة في السورة أنه تعالى أمر بالعدل وذكَر الميزان بين ذكْر السماء قبله وذكْر الأرض بعده ، ذلك أن العدل هو الميزان الذي قامت عليه السماوات والأرض ، وأنّ أي اضطراب في هذا الميزان سبب لسخط الله ، فالظلم لا يرضاه الله لنفسه فكيف يرضاه لعباده ؟
في الحديث القدسي :" عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ : يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا "
ثم ذكر خلْق الانسان وخلْق الجانّ ، و جمع الله بينهما كثيرا في هذه السورة ، لأنهما يشتركان في التكليف ، وتبعات الايمان والكفر ( خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ )
ثم ذكر البحر وما تجري فيه من الأفلاك ، وما في أعماقه من الخيرات كاللؤلؤ والمرجان ، وكيف أنّ البحاربعضها مالح وبعضها فرات لا يمتزجان ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ )
ولكن ذلك كلّه إلى زوال وإلى فناء ، ولا يبقى إلا وجه الله ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) وفي الأية تذكيرٌ باليوم الأخر، وتوجيه العباد إلى عبادة الله وحده وشكره على هذه النعم ، قبل أن تزول هذه الدنيا ويكون الجزاء والحساب .
ولأنّ له - سبحانه وتعالى – ملكوت السماوات والأرض ، يقصده عباده – مؤمنهم وكافرهم – لقضاء حوائجهم ، وتحقيق مطالبهم ، وهو سبحانه كل يوم في شأن ، يحيي هذا ويميت هذا ، يُعزّ هذا ويُذلّ هذا ، يعطي هذا ويحرم هذا ، لا تشغله حاجات هؤلاء عن حاجات أولئك ، فهو يرحم الجميع ويرزق الجميع ( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)
ثم يأتي مشهد من مشاهد القيامة ( فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) أي انشقت السماء فصارت مثل الوردة في الحمرة ، فعندها يكون الحساب والسؤال ، وقوله (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ) أي لا يسأل سؤال استعلام واستفهام وإنما سؤال توبيخ وتقريع
عندها يُعرف الجرمون حيث يُحشرون سود الوجوه زرق العيون ، ويا لها من صورة مهينة لهم تصورها الأيات حين تضم الملائكة أرجلهم إلى نواصيهم ثم يُلقون في النار ، هذه النار التي كانوا بها يكذبون ، ولعذابها ينكرون ، فإذا قاسوا حرّها طلبوا الماء ، فسُقوا ماءً حميماً تغلي منه البطون .( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ)
ثم تأتي صورة أخرى مقابلة ، تصف ألوان النعيم ، لعباد الله المتقين ، ممن خافوا مقام ربهم ورجوا رحمته ، فتجعلهم الآيات صنفين : سابقون مقربون ، وآخرون أقل منزلة وهم أصحاب اليمين ، ولكلٍّ درجته ومنزلته في الجنة
وكأنها رسالة واضحة ، أن فرّوا من نارربّكم إلى جنته ، ومن عذابه إلى رحمته ....
وتقرّر السورة ، قاعدة ذهبية في العمل والكسب في قوله تعالى ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) فحين يوقن المؤمن أن عمله يُحصى عليه وأنه سيُجزى عليه الجزاء الأوفى ، عندها يركن إلى عدالة الرحمن ، ويأخذ بالأسباب ويكل النتائج لرب الأرباب .
ويلحظ في السورة تكرار قوله تعالى ( فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) احدى وثلاثين مرّة ، والآلاء هي النعم ، وكأنه نداء يتكرر ليقرع القلوب والعقول ، أن لا تنسوا نعمة ربكم عليكم ، وقوموا بحق شكرها ، لتدوم لكم البركات ، وتتنزّل عليكم الرحمات .
وفي الختام ، وبعد أن عرضت السورة في سياقها مشاهد القدرة ، فهوسبحانه رب المشرقين ورب المغربين ، ورب السماوات والأرض ، خزائنها في قبضته ، وأمرها تحت مشيئته ، لا يحدث فيها شيىء إلا بعلمه ، ولا يخرج من أقطارها شيء إلا بإذنه ....
ثم مشاهد الخلق ، خلق السماء ورفعها ، وخلق الأرض ووضعها ، وخلق الانس والجن ، ثم مشاهد القيامة وما فيها من النعيم والجحيم .... كلّ هذه مشاهد الجلال .... ثم ما تخلّلها من مظاهرالنعم والآلاء والتي هي مشاهد الإكرام والإنعام ، جاءت آخر آية لتجمع الجلال والإكرام كله لله تعالى ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)
اللهم اجعلنا من عبادك العارفين بفضلك ... الشاكرين لأنعمك ... اللهم آمين
كتبه عمر محمود أبو أنس
كتبه عمر محمود أبو أنس