إعلانات المنتدى


خشية الله بالسر .... سورة المجادلة

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

عمر محمود أبو أنس

عضو كالشعلة
3 ديسمبر 2020
319
145
43
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
علم البلد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
ما أن تبدأ في قراءة سورة المجادلة ، حتى تطالعك قصة الصحابية الجليلة خولة بنت ثعلبة ، وهي تُقدم على رسول الله لتشكو زوجها ، والذى ظاهرها بعد أن بلي شبابها وانقطع ولدها ، ويستوقفك قوله تعالى " والله يسمع تحاوركما " في أول أية من السورة " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"

ولنستمع إلى تعليق السيدة عائشة على المشهد وهي تقول :" الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله عز وجل : " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها"

ولعل هذه الكلمات في الأية " قد سمع الله " " والله يسمع تحاوركما " " إن الله سميع بصير" تجعلك تستشعر رقابة الله على هذا المشهد ، وعلمه سبحانه بما يجري فيه من أحداث

وفي نفس السورة ، يؤكد تعالى على علمه المطلق لما يقع في السماوات والأرض ، وانه يسمع ما يكون من همس ونجوى :" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "

إنه سبحانه يعلم الأقوال والأفعال سواء كانت في سر أو علن ، والتي فعلناها ربما منذ زمن بعيد ثم نسيناها ، فهو يحصيها ، لينبئنا بها يوم القيامة :" يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ "

وتأمل نهايات الآيات " إن الله سميع بصير " " إن الله بكل شيء عليم " " والله على كل شيء شهيد " كل ذلك لتربي فينا هذه الأيات خشية الله في الغيب ، واستشعار مراقبته في السر والعلن"

ولم ذلك كله ؟ ... لأن السورة تعالج موضوعاً مهماً وهو النهي عن النجوى بالاثم والعدوان ، وقد ضل أقوام نزلت بسببهم الأيات ، ظنوا أنهم لوأسرّوا قولهم ولم يجهروا به فلن يسمعهم ربّ محمد ؟

أن هذه الآيات تطرح منهجا في التربية ، هو التربية بالخشية في السر ، و أن تكون هناك رقابة ذاتية من المؤمن على أقواله وأفعاله ما ظهر منها وما خفي ، لأنه يعلم أن الله مطلع عليه ، ويحصي ما قدّم ويحاسبه عليه يوم القيامة

وهذا مقام عالٍ من مقامات الإحسان ..... أن تستوي السريرة مع العلانية ، ويستوي الظاهر والباطن ، وما أجمل قول من قال : سر الصلاح لا يكون إلا بصلاح السر .

فإذا أردت أن تعرف مقامك عند الله ... فانظر حالك مع محارمه في الخلوات وحين تغيب عن أنظار الناس ...

ألا أوْلى لك أن تستحي من نظر الله إليك قبل أن تستحي من نظر الناس ، ولقد كان من دعاء النبي – ص - :" اللهمَّ إِنَّي أسألُكَ خشْيَتَكَ في الغيبِ والشهادَةِ "

لقد قضى رجل من السلف سنوات وهو يربي ابنه الصغير، لا يزيد أن يقول له : إن الله يسمعك ؟ إن الله يراك ؟ فأثمرت هذه التربية في ذلك الولد تقوى وصلاح .

ومنهج آخر في التربية تسلكه السورة وهو التذكير باليوم الأخر وما سيكون فيه من جزاء وحساب

كما في قوله تعالى :" يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا" وقوله تعالى :" ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " وقوله تعالى :" لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ" وقوله أيضا :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ"

وإلاّ فلا معنى للحياة ... إن لم يكن هناك جزاء ولا حساب ... فمن يحاسب الظالم ... وينتصر للمظلوم ؟ وكيف يستوي المحسن والمسيء ؟

ومما يلفت النظر في السورة ، أنها تقسم الناس صنفين ... حزب الله وحزب الشيطان

وهما على طرفي نقيض ، فلا يكون بينهما مودة ولا ولاء:" لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " والمودة هنا هي المبالغة في الحب والتي تقتضي الولاء والنصرة ، وكيف يوادّ المؤمنون من عادى الله ورسوله ، بل إنهم إن فعلوا استحقوا عذاب الله وسخطه :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" .

وتصف حزب الشيطان أنهم الخاسرون :" اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ "

وتصف حزب الله أنهم الفائزون :" رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"

إن الجزاء المعنوي يكون أحيانا أبلغ وأكثر متعة من الجزاء المادي ، فكيف حين يجمع الله بينهما لحزبه المؤمنين :" أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "

تأمل قوله تعالى :" وأيدهم بروح منه " وقوله :" رضي الله عنهم ورضوا عنه " ذلك أنهم لمّا تركوا تأييد الكافرين وموالاتهم أيّدهم الله بعونه وقوته ، ولما سخطوا على أقاربهم وذويهم الكافرين عّوضهم الله برضاه عنهم .

اللهم أكرمنا برضوناك والنعيم المقيم بجناتك .... اللهم آمين
كتبه عمر محمود أبوأنس
 
  • أعجبني
التفاعلات: راضِي

راضِي

الإدارة التقنية للمنتدى
إدارة المنتدى
10 مايو 2015
27,671
1
5,539
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الودود حنيف
علم البلد
أحسنت
جزاك الله خيرا
 

رشيد التلمساني

مشرف ركن مزامير المغرب الإسلامي
المشرفون
5 أبريل 2020
10,406
2,205
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
جزاك الله خيرا ونفع بك
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع