- 28 مايو 2007
- 5,869
- 35
- 0
- الجنس
- ذكر
(بسم الل)
الحمد لله الذي أعزّ هذه الأمة بالقرآن، وبيّـنه على لسان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وسخـَّـر من الصحابة من قام بأدائه قراءة وتبليغا، وفقها وتعليما، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي قال الله له: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (*) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (*) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (*) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) [الشعراء: 26/192-195] ورضي الله تبارك وتعالى عن الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى العلماء العاملين، والقراء المخلصين، وشرَّف وعظـَّـم وكرَّم.
وبعد فإن الله سبحانه قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 15/9] فكان مصداق هذه الآية الكريمة أنه ما زال محفوظا منذ نزوله إلى يومنا هذا، ولسوف يبقى محفوظا بحفظ الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
من أجل ذلك كانت تتنزل آيات الكتاب، فيأمر النبي (ص) كتـّـاب الوحي فيكتبونها، مع أن الذين نزل عليهم القرآن أول ما نزل كانوا أمة اميّة، ولكن من أجل تمام الإعجاز حفظ هذا الكتاب في امّة أميّة حتى اُدّي كما نزل، غير مبدل فيه حرف ولا مغيَّر، ولا شك أن ذلك من إعجازه.
ثم إنه لم يحفظ بحروفه فقط، ولكن حفظه بأحرفه السبعة التي قال النبي (ص) فيها: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف فاقرؤوا ما تيسر منه)).
وحفظ أيضا بلهجاته التي تحكي لهجات العرب من المدّ والقصر والتوسط، ومن الإبدال والتسهيل والهمز، ومن النقل والإمالة والفتح وبين بين، ومن إثبات ياءات الزوائد وحذفها، وفتح ياءات الإضافة وإسكانها، ومن إمالة هاء التأنيث وعدم إمالتها...
ثم إن فرش الحروف نقل كذلكم محفوظا، ومهما حاول البعض فإنه لن تزيده زيادة الفحص إلا أن يرتدّ طرفه حسيرا، وأن يرتدّ هو خاسئا.
وحتى عد العلماء كلماته وحروفه، بل آياته وسوره، بل عدّوا النقط التي فيه خوفا عليه من التبديل والتحريف، والأعجب من ذلك أن المصحف رسم رسما يحتمل كل القراءات والروايات، فلا تقبل القراءة إلا متواترة توافق رسم المصحف، وموافقة لوجه من أوجه العربية، وبذلك يكون رسم المصحف ضربا من ضروب الإعجاز.
والقرآن متواتر بألفاظه وحروفه، متواتر بقراءاته ورواياته، متوات برسمه وكتابته، متواتر بلهجاته وأدائه‘ فمفخم حروفه متواتر، ومرققها متواتر، وإظهار حروفه وإخفاؤها، وقلبها وإدغامها متواتر، ومده وقصره متواتر، بل إنك لتجد الدقة العجيبة حين يتكلم القراء في المدود‘ فيقولون: وسط، وفوق الوسط، وقصير، وفوق القصير‘ ويضبطون ذلك بالنطق وحسن الأداء.
ثم لا يجوز أن يؤخذ القرآن من الكتب مهما كان آخذه ذكيا وعالما، ولا يؤخذ إلا بالتلقي ومن أفواه القراء، ومن هنا تعلم سخف الذين يكتبون القرآن ويلوّنون فيه، فيجعلون الأحمر مثلا للإخفاء، والبني مثلا للإدغام وهكذا، وأنا سائل هؤلاء الذين يتاجرون بالقرآن: كيف يفعلون ذلك؟ وهم يعلمون أن الذي يعرف الإدغام لا يحتاج إلى هذا التلوين، وأن الذي لا يعرفه لا يستطيع أن يأتي به، لأنه لا يؤخذ إلا بالتلقي ومن أفواه العلماء.
أيحسب هؤلاء أنهم يستطيعون أن يستغنوا عن علماء التجويد وعن القرّاء؟! لقد كذبتهم نفوسهم، إن القرآن سبيله في كل شيء التلقي، وقديما قال الشافعي: ((من أخذ العلم عن الكتب فقد ضلّ وأضلّ)).
والقرآن محفوظ محفوظ، وليس فقط تجويده وقراءته وقراءاته التي تتلقى، ولكن حتى تفسيره وأسباب نزوله وأحكامه، وناسخه ومنسوخه، وباختصار فإن القرآن نزل تلقيا من أمين الوحي جبريل على سيدنا رسول الله (ص) ، وتلقاه النبي (ص) من جبريل كما نزل، وتلقته الصحابة من النبي كذلك، ويسبقى الأمر كذلك تلقـّيا إلى قيام الساعة.
... والحمد لله وحده، وصلى الله على نبيه وآله وصحبه وسلم.
من تقديم سماحته لكتاب "القراءات وكبار القراء في دمشق" للشيخ الدكتور محمد مطيع الحافظ.
الحمد لله الذي أعزّ هذه الأمة بالقرآن، وبيّـنه على لسان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وسخـَّـر من الصحابة من قام بأدائه قراءة وتبليغا، وفقها وتعليما، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي قال الله له: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (*) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (*) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (*) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) [الشعراء: 26/192-195] ورضي الله تبارك وتعالى عن الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى العلماء العاملين، والقراء المخلصين، وشرَّف وعظـَّـم وكرَّم.
وبعد فإن الله سبحانه قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 15/9] فكان مصداق هذه الآية الكريمة أنه ما زال محفوظا منذ نزوله إلى يومنا هذا، ولسوف يبقى محفوظا بحفظ الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
من أجل ذلك كانت تتنزل آيات الكتاب، فيأمر النبي (ص) كتـّـاب الوحي فيكتبونها، مع أن الذين نزل عليهم القرآن أول ما نزل كانوا أمة اميّة، ولكن من أجل تمام الإعجاز حفظ هذا الكتاب في امّة أميّة حتى اُدّي كما نزل، غير مبدل فيه حرف ولا مغيَّر، ولا شك أن ذلك من إعجازه.
ثم إنه لم يحفظ بحروفه فقط، ولكن حفظه بأحرفه السبعة التي قال النبي (ص) فيها: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف فاقرؤوا ما تيسر منه)).
وحفظ أيضا بلهجاته التي تحكي لهجات العرب من المدّ والقصر والتوسط، ومن الإبدال والتسهيل والهمز، ومن النقل والإمالة والفتح وبين بين، ومن إثبات ياءات الزوائد وحذفها، وفتح ياءات الإضافة وإسكانها، ومن إمالة هاء التأنيث وعدم إمالتها...
ثم إن فرش الحروف نقل كذلكم محفوظا، ومهما حاول البعض فإنه لن تزيده زيادة الفحص إلا أن يرتدّ طرفه حسيرا، وأن يرتدّ هو خاسئا.
وحتى عد العلماء كلماته وحروفه، بل آياته وسوره، بل عدّوا النقط التي فيه خوفا عليه من التبديل والتحريف، والأعجب من ذلك أن المصحف رسم رسما يحتمل كل القراءات والروايات، فلا تقبل القراءة إلا متواترة توافق رسم المصحف، وموافقة لوجه من أوجه العربية، وبذلك يكون رسم المصحف ضربا من ضروب الإعجاز.
والقرآن متواتر بألفاظه وحروفه، متواتر بقراءاته ورواياته، متوات برسمه وكتابته، متواتر بلهجاته وأدائه‘ فمفخم حروفه متواتر، ومرققها متواتر، وإظهار حروفه وإخفاؤها، وقلبها وإدغامها متواتر، ومده وقصره متواتر، بل إنك لتجد الدقة العجيبة حين يتكلم القراء في المدود‘ فيقولون: وسط، وفوق الوسط، وقصير، وفوق القصير‘ ويضبطون ذلك بالنطق وحسن الأداء.
ثم لا يجوز أن يؤخذ القرآن من الكتب مهما كان آخذه ذكيا وعالما، ولا يؤخذ إلا بالتلقي ومن أفواه القراء، ومن هنا تعلم سخف الذين يكتبون القرآن ويلوّنون فيه، فيجعلون الأحمر مثلا للإخفاء، والبني مثلا للإدغام وهكذا، وأنا سائل هؤلاء الذين يتاجرون بالقرآن: كيف يفعلون ذلك؟ وهم يعلمون أن الذي يعرف الإدغام لا يحتاج إلى هذا التلوين، وأن الذي لا يعرفه لا يستطيع أن يأتي به، لأنه لا يؤخذ إلا بالتلقي ومن أفواه العلماء.
أيحسب هؤلاء أنهم يستطيعون أن يستغنوا عن علماء التجويد وعن القرّاء؟! لقد كذبتهم نفوسهم، إن القرآن سبيله في كل شيء التلقي، وقديما قال الشافعي: ((من أخذ العلم عن الكتب فقد ضلّ وأضلّ)).
والقرآن محفوظ محفوظ، وليس فقط تجويده وقراءته وقراءاته التي تتلقى، ولكن حتى تفسيره وأسباب نزوله وأحكامه، وناسخه ومنسوخه، وباختصار فإن القرآن نزل تلقيا من أمين الوحي جبريل على سيدنا رسول الله (ص) ، وتلقاه النبي (ص) من جبريل كما نزل، وتلقته الصحابة من النبي كذلك، ويسبقى الأمر كذلك تلقـّيا إلى قيام الساعة.
... والحمد لله وحده، وصلى الله على نبيه وآله وصحبه وسلم.
من تقديم سماحته لكتاب "القراءات وكبار القراء في دمشق" للشيخ الدكتور محمد مطيع الحافظ.