إعلانات المنتدى


تفسير اوخر سورة الزمر............

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

سنبله

مزمار فضي
21 أغسطس 2007
524
2
0
القارئ المفضل
عبد الرحمن السديس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
::
::
::

سعة مغفرة الله بغفرانه الذنوب وقبوله التوبة

قال تعالى..:

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53)وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ(54)وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ(55)أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ(56)أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(57)أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ(58)بَلَى قَدْ جَاءتْكَ ءاياتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ(59){قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} أخبر يا محمد عبادي المؤمنين الذين أفرطوا في الجناية على أنفسهم بالمعاصي والآثام {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} أي لا تيأسوا من مغفرة الله ورحمته {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} أي إنه تعالى يعفو عن جميع الذنوب لمن شاء، وإِن كانت مثل زبد البحر {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} أي عظيم المغفرة واسع الرحمة، وظاهر الآية أنها دعوة للمؤمنين إلى عدم اليأس من رحمة الله لقوله {قُلْ يَا عِبَادِي} وقال ابن كثير: هي دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإِنابة، وإِخبارٌ بأن الله يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها مهما كثرت {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} أي ارجعوا إلى الله واستسلموا له بالطاعة والخضوع والعمل الصالح {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ} من قبل حلول نقمته تعالى بكم {ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ } أي ثم لا تجدون من يمنعكم من عذابه {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} أي اتبعوا القرآن العظيم، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والزموا أحسن كتاب أنزل إليكم فيه سعادتكم وفلاحكم {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} أي من قبل أن ينزل بكم العذاب فجأة وأنتم غافلون، لا تدرون بمجيئه لتتداركوا وتتأهبوا {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} أي لئلا تقول بعض النفوس التي أسرفت في العصيان {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} أي يا حسرتي وندامتي على تفريطي وتقصيري في طاعة الله وفي حقه، قال مجاهد: يا حسرتا على ما ضيعت من أمر الله {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ} أي وإِنَّ الحال والشأن أنني كنت من المستهزئين بشريعة الله ودينه، قال قتادة: لم يكفه أن ضيَّع طاعة الله حتى سخر من أهلها {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} "أو" للتنويع أ ي يقول الكافر والفاجر هذا أو هذا، والمعنى لو أن الله هداني لاهتديت إلى الحق، وأطعت الله، وكنت من عباده الصالحين، قال ابن كثير: يتحسر المجرم ويودُّ لو كان من المحسنين المخلصين، المطيعين لله عزَّ وجل {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} أي أو تقول تلك النفس الفاجرة حين مشاهدتها العذاب لو أنَّ لي رجعةً إلى الدنيا لأعمل بطاعة الله، وأُحسن سيرتي وعملي {بَلَى قَدْ جَاءتْكَ ءاياتِي} هو جواب قوله {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} والمعنى بلى قد جاءك الهدى من الله بإِرساله الرسل، وإِنزاله الكتب {فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} أي فكذبت بالآيات، وتكبرت عن الإِيمان، وكنت من الجاحدين، قال الصاوي: إن الكافر أولاً يتحسر، ثم يحتج بحجج واهية، ثم يتمنى الرجوع إلى الدنيا، ولو رُدَّ لعاد إلى ضلاله كما قال تعالى {ولو رُدُّوا لعادوا لما نهوا عنه وإِنهم لكاذبون}.


{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ(60)وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(61)}

{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} أي ويوم القيامة ترى أيها المخاطب الذين كذبوا على الله بنسبة الشريك له والولد وجوههم سوداء مظلمة بكذبهم وافترائهم {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} استفهام تقريري أي أليس في جهنم مقام ومأوى للمستكبرين عن الإِيمان، وعن طاعة الرحمن؟ بلى إنَّ لهم منزلاً ومأوى في دار الجحيم .. ولما ذكر حال الكاذبين على الله، ذكر حال المتقين لله فقال {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ} أي وينجي الله المتقين بسبب سعادتهم وفوزهم بمطلوبهم وهو الجنة دار الأبرار {لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} أي لا ينالهم هلعٌ ولا جزع، ولا هم يحزنون في الآخرة، بل هم آمنون {في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر}.





دلائل الألوهية والتوحيد

{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(62)لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ(63)قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ(64)وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(65)بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ(66)وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(67)}


سبب النزول:

نزول الآية (64):

{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ...}؟: أخرج البيهقي في الدلائل عن الحسن البصري قال: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: أتضلل ءاباءك وأجدادك يا محمد؟ فأنزل الله:{ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} إلى قوله:{من الشاكرين}. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن المشركين من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة آلهتهم، ويعبدوا معه إلهه، فنزلت: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ..} الآية.



نزول الآية (67):

{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}: أخرج الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: مرّ يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه- أي على إصبع -، والأرضين على ذه - أي على إصبع -، والماء على ذه - أي على إصبع -، والجبال على ذه - أي على إصبع -، فأنزل الله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية.



ثم عاد إلى دلائل الألوهية والتوحيد، بعد أن أفاض في الوعد والوعيد فقال {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} أي الله جل وعلا خالق جميع الأشياء وموجد جميع المخلوقات، والمتصرف فيها كيف يشاء، لا إله غيره ولا ربَّ سواه {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي هو القائم بتدبير كل شيء {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي بيده جل وعلا مفاتيح خزائن كل الأشياء، لا يملك أمرها ولا يتصرف فيها غيره، قال ابن عباس: "مقاليد" مفاتيح، وقال السدي: خزائن السماواتِ والأرض بيده {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ} أي والذين كذَّبوا بآيات القرآن الظاهرة، والمعجزات الباهرة، أولئك هم الخاسرون أشدَّ الخسران {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}؟ أي قل يا محمد أتأمرونني أن أعبد غير الله بعد سطوع الآيات والدلائل على وحدانيته يا أيها الجاهلون؟ قال ابن كثير: إن المشركين من جهلهم دعوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة آلهتهم، ويعبدوا معه إلهه فنزلت الآية {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ} اللام موطئة للقسم أي واللهِ لقد أوحي إليك وإِلى الأنبياء قبلك{قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} أي لئن أشركت يا محمد ليبطلنَّ ويفسدنَّ عملك الصالح {وَلَتكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} أي ولتكونَنَّ في الآخرة من جملة الخاسرين بسبب ذلك .. وهذا على سبيل الفرض والتقدير، وإِلاّ فالرسول صلى الله عليه وسلم قد عصمه الله، وحاشا له أن يشرك بالله، وهو الذي جاء لإِقامة صرح الإِيمان والتوحيد، قال أبو السعود: والكلام واردٌ على طريقة الفرض لتهييج الرسل، وإِقناط الكفرة، والإِيذان بغاية شناعة الإِشراك وقبحه {بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ} أي أخلص العبادة لله وحده، ولا تعبد أحداً سواه. {وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} أي وكن من الشاكرين لإِنعام ربك {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي وما عرفوا الله حق معرفته، ولا عظموه حق تعظيمه، قال أبو حيان: أي ما عظموه حق تعظيمه، وما قدروه في أنفسهم حق تقديره، إذ أشركوا معه غيره، وساووا بينه وبين الحجر والخشب في العبادة .. ثم نبههم على عظمته وجلالة شأنه فقال {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الجملة حالية والمعنى ما عظَّموه حقَّ تعظيمه والحال أنه موصوف بهذه القدرة الباهرة، التي هي غاية العظمة والجلال. فالأرضُ مع سعتها وبسطتها يوم القيامة تحت قبضته وسلطانه {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } أي والسماوات مضمومات ومجموعات بقدرته تعالى قال الزمخشري: والغرض من هذا الكلام تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة واليمين إلى جهة وفي الحديث: " يقبض الله تعالى الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟" {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكونَ} أي تنزَّه الله وتقدس عما يصفه به المشركون من صفاتِ العجز والنقص.



نفختا الصور وأهوال الآخرة

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ(68)وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ(69)وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ(70)}ثم ذكر تعالى أهوال الآخرة فقال {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} هو قرنٌ ينفخ فيه إِسرافيل عليه السلام بأمر الله، والمراد بالنفخة هنا "نفخة الصَّعق" التي تكون بعد نفخة الفزع، قال ابن كثير: وهي النفخة الثانية التي يموت بها الأحياء من أهل السماواتِ والأرض {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} أي فخَّر ميتاً كل من في السماوات والأرض {إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} أي إلاَّ من شاء الله بقاءه كحملة العرش، والحور العين والولدان {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} أي نُفخ فيه نفخةٌ أخرى وهي نفخةُ الإِحياء {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} أي فإِذا جميع الخلائق الأموات يقومون من القبور ينظرون ماذا يؤُمرون {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} أي وأضاءت أرض المحشر بنور الله يوم القيامة، حين تجلى الباري جل وعلا لفصل القضاء بين العباد {وَوُضِعَ الْكِتابُ} أي أحضرت صحائف أعمال الخلائق للحساب {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ} أي وجيء بالأنبياء ليسألهم رب العزة عما أجابتهم به أممهم وبالشهداء وهم الحفظة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، وقال السدي: هم الذين استشهدوا في سبيل الله {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أي وقُضي بين العباد جميعاً بالقسط والعدل {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} أي وهم في الآخرة لا يظلمون شيئاً من أعمالهم، لا بنقص ثواب، ولا بزيادة عقاب، قال ابن جبير: لا يُنقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ} أي جوزي كل إنسانٍ بما عمل من خيرٍ أو شر {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} أي هو تعالى أعلم بما عمل كل إنسان، ولا حاجة به إلى كتاب ولا إلى شاهد، ومع ذلك تشهد الكتب إلزاماً للحجة.



مآل الأشقياء والسعداء

وَسِيقَ الَّذِينَ كفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءاياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ(71)قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ(72)وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ(73)وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ(74)وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)}.
ثم فصَّل تعالى مآل كلٍ من الأشقياء والسعداء فقال {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} أي وسيق الكفرة المجرمون إلى نار جهنم جماعاتٍ جماعات، كما يساق الأشقياء في الدنيا إلى السجون {حَتَّى إِذَا جَاءوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} أي حتى إِذا وصلوا إليها فتحت أبواب جهنم فجأة لتستقبلهم {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءاياتِ رَبِّكُمْ}؟ أي وقال لهم خزنة جهنم تقريعاً وتوبيخاً: ألم يأتكم رسلٌ من البشر يتلون عليكم الكتب المنزلة من السماء؟ {وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}؟ أي ويخوفونكم من شر هذا اليوم العصيب؟ {قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي قالوا بلى قد جاءونا وأنذرونا، وأقاموا علينا الحجج والبراهين، ولكننا كذبناهم وخالفناهم لما سبق لنا من الشقاوة، قال القرطبي: وهذا اعتراف منهم بقيام الحجة عليهم، والمراد بكلمة العذاب قوله تعالى {لأملأنَّ جهنم من الجنَّة والناس أجمعين} {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} أي قيل لهم ادخلوا جهنَّم لتصلوا سعيرها ماكثين فيها أبداً، بلا زوال ولا انتقال {فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} أي فبئس المقام والمأوى جهنم للمتكبرين عن الإِيمان بالله وتصديق رسله {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} أي وسيق الأبرار المتقون لله إلى الجنة جماعاتٍ جماعات راكبين على النجائب، قال القرطبي: سوقُ أهل النار طردُهم إليها بالخزي والهوان، كما يفعل بالمجرمين الخارجين على السلطان، وسوقُ أهل الجنان سوقُ مراكبهم إلى دار الكرامة والرضوان، لأنه لا يُذهب بهم إلا راكبين، كما يفعل بالوافدين على الملوك، فشتَّان ما بين السوقين {حَتَّى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} أي حتى إِذا جاءوها وقد فتحت أبوابُها كقوله تعالى {جنّاتُ عَدْنٍ مفتَّحةً لهم الأبوابُ} قال الصاوي: والحكمةُ في زيادة الواو هنا "وفُتحت" دون التي قبلها، أن أبواب السجون تكون مغلقة إلى أن يجيئها أصحاب الجرائم، فتفتح لهم ثم تُغلق عليهم، بخلاف أبواب السرور والفرح فإِنها تفتح انتظاراً لمن يدخلها فناسب دخول الواو هنا دون التي قبلها {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} أي وقال لهم حراس الجنة: سلامٌ عليكم أيها المتقون الأبرار {طِبْتُمْ} أي طهرتم من دنس المعاصي والذنوب، فادخلوا الجنة دار الخلود، قال البيضاوي: وجواب "إذا" محذوف، للدلالة على أنَّ لهم من الكرامة والتعظيم، ما لا يحيط به الوصف والبيان، قال ابن كثير: وتقديره إِذا كان هذا سُعِدوا، وطابوا، وسُرّوا وفرحوا بقدر ما يكون لهم من النعيم {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} أي وقالوا عند دخولهم الجنة واستقرارهم فيها: الحمد لله الذي حقَّق لنا ما وعدنا به من دخول الجنة، قال المفسرون: والإِشارة إلى وعده تعالى لهم بقوله {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً} {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} أي وملَّكنا أرض الجنة نتصرف فيها تصرف المالك في ملكه وننزل فيها حيث نشاء، لا ينازعنا فيها أحد {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} أي فنعم أجر العاملين بطاعة الله الجنة {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} أي وترى يا محمد الملائكة محيطين بعرش الرحمن، محدقين به من كل جانب {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} أي يسبحون الله ويمجدونه تلذذاً لا تعبداً {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أي وقُضي بين العباد بالعدل {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي وقيل الحمد لله على عدله وقضائه، قال المفسرون: القائل هم المؤمنون والكافرون، المؤمنون يحمدون الله على فضله، والكافرون يحمدونه على عدله، قال ابن كثير: نطق الكون أجمعه، ناطقه وبهيمه، لله رب العالمين بالحمد في حكمه وعدله، ولهذا لم يسند القول إلى قائل، بل أطلقه فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد.

::
::
::

الهم ادخلنا في رحمتك وانت ارحم الراحمين..
::

تفسير القرآن الكريم لأبن كثير
 

وسام الإسافني

مشرف سابق
15 أكتوبر 2005
2,341
1
0
الجنس
ذكر
رد: تفسير اوخر سورة الزمر............

اللهم اغفر و ارحم و أنت خير الراحمين

بارك الله فيك أختنا الكريمة
 

الواجبي مصطفى

مزمار كرواني
7 أغسطس 2007
2,218
0
0
الجنس
ذكر
رد: تفسير اوخر سورة الزمر............

ما شاء الله الكريم
بارك الله فيكي أختنا الريمة وأثابك
 

ابواحمد2

عضو موقوف
16 ديسمبر 2007
2,963
3
0
الجنس
ذكر
رد: تفسير اوخر سورة الزمر............

جزاك الله خير
 

محمود الطيباوي

مزمار فضي
11 ديسمبر 2007
578
0
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
رد: تفسير اوخر سورة الزمر............

بارك الله فيك أختنا الكريمة جهدا طيب
جزاكي الله خيرا وجعلكي من اهل الجنان
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع