- 27 أغسطس 2005
- 11,537
- 84
- 0
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- محمد صدّيق المنشاوي
-بسم الله-
معركة مفتعلة !!
د. هاني أحمد فقيه
لست أفهم حتى الآن وجه المعارضة بين الدعوة إلى مراعاة مصالح الناس في حياتهم و معيشتهم وبين التمسك بتطبيق الشريعة !
أعتقد أن افتعال مثل هذه المعركة في غير محله، لأن نصوص الشريعة الثابتة لا يمكن أن تتعارض مع مصالح البشر، بل هي ما جاءت إلا لتحقيقها و صيانتها.
وقد شدني قبل مدة وجيزة في هذه الصحيفة المباركة قول أحد الكتاب الأفاضل: إن قاعدة حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله هي من الشعارات المرفوعة لتطبيق العلمانية !!
وهذا كلام غير صحيح لأمرين:
الأمر الأول : أن المقولة هذه صرح بمعناها كثير من كبار علماء الشريعة كالإمام ابن القيم ونجم الدين الطوفي الحنبلي وغيرهما، فلا وجه لإلصاقها بالعلمانية.
يقول الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين 4/373: ( إذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره).
ويقول أيضاً في المصدر نفسه 3/3: ( الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ... فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل ).
وأما العلامة الطوفي فيقول في كتابه شرح مختصر الروضة 3/214 قد ثبت مراعاة الشرع للمصلحة والمفسدة بالجملة إجماعاً ). وإن كان العلامة الطوفي قد توسع في مسألة المصلحة توسعاً غير مرضي ولا مجال لشرحه الآن.
الأمر الثاني: أن المدقق في العبارة المذكورة لا يجد فيها أي محظور شرعي، لأن الشرع كما قدمنا يراعي مصالح الناس دوماً كما ثبت في الحديث الصحيح: (( لا ضرر ولا ضرار )) ونفي الضرر يستلزم رعاية المصلحة.
نعم قد تهمل الشريعة أحياناً بعض المصالح، ولكن هذا لا يكون إلا إذا عارضتها مصالح آكد منها وأهم وأرجح.
وإذا حصل تعارض بين النص وبين المصلحة، فإما أن تكون المصلحة متوهمة أو هناك مصلحة أكبر منها كما قلنا ، وإما أن يكون التعارض ناشئ عن فهمنا الخاطئ للنص، فنحتاج إلى قراءته من جديد وإلى مراجعة تفسيره ومعناه من جديد و هذا ضروري.
فيا بعض الكتاب ما أكثر ما تنسبون إلى العلمانية أموراً هي من صميم الشريعة الإسلامية أو أنه لم يأت ما يعارضها في الشريعة على أقل تقدير !!
مفتي مصر السابق داعياً المسلمين للتفقه في الدين:
الانزلاق وراء الدعاوى المتربصة بالإسلام جريمة
عثمان النعماني (القاهرة)
مع دخول شهر رمضان تثار العديد من القضايا المتصلة بسلوكيات المسلمين في رمضان مثل التواكل والتراخي عن العمل وغيرها بالإضافة إلى المستجدات على الساحة في ظل الحملة الشعواء التي تمارس ضد الإسلام والتي كان آخرها تصريحات بابا الفاتيكان الني كشفت عن جهله بأصول العقائد والديانات السماوية.يعد الدكتور نصر فريد واصل أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية السابق واحدا من أبرز العلماء المجتهدين المجددين الذي يشدد على جدية الفقه الإسلامي واحتوائه لكل التغيرات التي تحدث في الحياة سواء على المستوى المجتمعي أو الاقتصادي ومسايرته لروح العصر.
ما هي أهمية العمل في حياة المسلم وكيف نفرق بين التوكل والتواكل؟
- كثير من الناس يفهمون التوكل على أنه القعود عن العمل وأداء الفرائض التي شرعها الله فقط وهذا فهم خاطئ تماما للدين فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان لكي تكون له الخلافة في الأرض لكي يعمرها ويبني فيها حضارتها ويساهم في تحقيق النماء والخير للجميع دون اعتبار لعقيدة أو لون أو جنس، والله خلق البشر كلهم لعبادته والعبادة المقصودة في القرآن الكريم هي أداء الشعائر ومعها العمل والاعمار والبناء وليست أداء الشعائر من صلاة وصيام فقط وإلا لتحولت الدنيا إلى صحراء جرداء لا حياة فيها بل يجب على الإنسان أن يجد ويعمل من أجل أن يحصل على رزقه الحلال الذي قسمه الله له وهذا هو معنى التوكل على الله أما أن يقعد المسلم عن العمل وينتظر أن يأتيه رزقه فلن يأتيه لأن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة ونحن جالسون لا نفعل شيئا وهذا هو التواكل وهو مخالف للشريعة فالعبادة عمل وإتقان وإيمان بالله وأداء للشعائر بعد كل هذا.
بعد ازدياد عدد من يسيء الى الإسلام والمسلمين في الآونة الأخيرة فكيف يتعامل المسلم مع من يسيء إليه؟
- أرشد الإسلام أتباعه والمؤمنين به إلى خلق رفيع حثهم على الإقتداء به وتطبيقه في شئون حياتهم ألا وهو خلق الترفع عن رد الإساءة بمثلها وعن الرد على السفهاء الذين لا يفقهون ما يقولون نظرا لعدم تمكن الإيمان من قلوبهم امتثالا للأدب النبوي القويم الذي ترفع عن هفوات هؤلاء وسما فوق الأحقاد والأضغان البشرية ليأخذ بيد المسلمين إلى آفاق الإسلام الرحبة المشتملة على السكينة والمودة والعفو والتحاب والتواصل.
والسفهاء موجودون في كل عصر وجيل فهم مجموعة من الناس لا تهتم إلا بأمور الآخرين، من خلال التفتيش عنها والتنقيب عن الأسرار وتتبع العورات مؤكدا أن هذا الخلق الذميم ليس من الإسلام في شيء، فضلا عن أن أصحابه هم من العصاة الذين لا يلتزمون أوامر الإسلام الصحيحة ولا يعرفون عن مبادئ السنة المشرفة شيئا ذا بال. ويحثنا القرآن الكريم على عدم إتباع هؤلاء السفهاء بقوله تعالى «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما» صدق الله العظيم؛ ولأن الذين يتعرضون لسفاهة السفهاء هم العلماء الزهاد والحكماء في كل عصر وهم الناجحون في أعمالهم سواء الدنيوية أم الدينية، وسيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه تطاول عليه ذات يوم أحد السفهاء في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه أبو بكر بل كظم غيظه، ثم كرر الرجل السفاهة مرة ثانية فكظم أبو بكر غيظه في صدره، وفي المرة الثالثة لم يتمالك أبو بكر الصديق نفسه، فرد عليه، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم من المجلس، فقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. «أوجدت يا رسول الله» أي أغضبت؟ فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) معلما وموجها ما معناه «إنك حين كنت تكظم الغيظ، سخر الله ملكا من السماء يرد عن عرضك، وحين رددت عليه خرج الملك ونزل الشيطان وما كنت لأجلس إذ نزل الشيطان» وهو درس عظيم النفع والفائدة في عدم الرد على أمثال هؤلاء السفهاء.
يقول النبي الكريم « من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» كيف للمسلم أن يتفقه في أمور دينه؟
- هناك وسائل وأمور عديدة يستطيع المسلم من خلالها أن يتفقه في دينه بقراءة الكتب الدينية وأهمها على الإطلاق القرآن الكريم بالمداومة على قراءته وفهم معاني آياته وقراءة كتب الأحاديث النبوية وكتب التفسير ثم إن مجالس العلم لها دور كبير في تفقيه المسلم ومداومته على الاستزادة والنهل من بحر الدين الحنيف فمجالس العلم في الإسلام هي النور الذي يضئ للمسلم طريقه الذي يسير فيه وعلى هديه لتحقيق الخلافة في الأرض وعمارتها كما أراد الله، ومجلس علم خير من عبادة ألف عام لأن مجلس العلم النافع تتحقق به العبودية الحقة لله والفهم السليم لمنهجه، كما أن فقه الدين يعني بطريقة مباشرة فقه الدنيا لأن من فقهه ربه في دينه فقد فقهه في دنياه وحقق لهذه البشرية الأمن والأمان الذي جاءت به الأديان والشرائع السماوية.
وما هي علامات الابتلاء بالنسبة للمسلم؟
- من علامات الابتلاء بالنسبة للمسلم الصبر على المحنة والشدة ولذلك ورد لفظ الصبر ومشتقاته في عدد تسعة وتسعين موضعا في القرآن الكريم والصبر في القرآن ورد بمعنيين أساسيين :أولهما : العمل والجهاد مثل قوله تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) وقوله تعالى (وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين) .ثانيهما :الاستسلام والرضا بقضاء الله مثل قوله تعالى (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وقوله (واصبر وما صبرك إلا بالله). وواضح أن المعنى الأول يتعلق بما يمكن تغييره كسوء الحال وسائر مشكلات أو هموم الحياة فالصبر عليها يكون بالعمل لتحسين الحال .والمعنى الثاني يتعلق بما لا يمكن تغييره كموت شخص عزيز أو إصابة المرء بعاهة مستديمة بالصبر عليه يكون بالاستسلام والتوكل على الله. وللصبر في الحالين أي سواء بمعناه الإيجابي في صورة العمل لتغيير الحال لما هو أحسن أو بمعناه الآخر في صورة الرضا بقضاء الله والتوكل عليه فيما لا يمكن تغييره. وخلاصة القول إن الصبر في الإسلام هو حقيقة الحياة وقمة التدين وذلك بشقيه أي سواء كان صبرا على العمل أو صبرا على البلاء، وجزاؤه أو ثمرته واقعة أكيدة ألا وهي الانتصار في الحياة الدنيا ثم الفوز بالجنة في الآخرة وهي غاية المرام، وصدق الله العظيم ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
وهل للصيام دور في قدرة المسلم على تحمل الابتلاء؟
- نعم للصيام عظيم الأثر في ذلك فالصوم له مقاصد تربوية وخلقية لتهذيب النفس البشرية حيث إن الإنسان يواجه في حياته دوما ثلاثة أعداء يلازمونه طيلة حياته وهم النفس والهوى والشيطان، وهؤلاء الثلاثة حينما يجتمعون على الإنسان فإنهم يخرجونه من رياض العبودية والطاعة إلى أهل المعصية والذنوب وفيما يشتد أثرهم على الإنسان فإنهم يؤدون به إلى القطعية الكاملة مع المراتب الإيمانية في أدنى درجاتها وحينما يشرع الله سبحانه وتعالى لنا عبادة الصوم ويحددها تعالى بزمان معين ووقت معلوم فكأنه جل شأنه يريد لهذه النفس البشرية أن تتأمل ذاتها في هذا الشهر لتعيد قراءة سلوكها وتغير من اعوجاجه لو كان في غير الطريق المستقيم أو تزيد من صلاحه وتقواه لو كان سائرا في درب السلوك الإيماني،
وكيف للمسلم أن يتقبل الله تعالى صومه؟
- بأن يكف جوارحه عن الخوض في محارم الله، ويلجم شهواته ويمتنع عن المفطرات والمعاصي ما ظهر منها وما بطن حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» بما يعني أن الذي يكف عن الطعام والشراب فيجوع ويعطش ولكن لا يكف نفسه عن الغيبة أو الزور والعمل به ولا يحفظ جوارحه عن الآثام، أو يصوم ويفطر على الحرام أو على لحوم الناس بالغيبة ونحوها، هذا الإنسان لا يجني من صيامه إلا الجوع والعطش كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش» وقال أيضا «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك ويدك»، ويمكننا أن نقول أيضا أن الصيام أنواع ومراتب لكل منها درجاته وجزاؤه فهناك صيام العوام الذي يصوم فيه الإنسان عن الأكل والشرب وصيام الخواص وصيام خواص الخواص الذي يصوم فيها الإنسان بجوارحه وقلبه، وتتحقق فيه مرتبة العبودية الكاملة في اقتراب واضح من درجة الولاية لله سبحانه وتعالى، ليكون المولى تبارك وتعالى حاضرا ورقيبا عليه في كل أفعاله وسلوكياته.
وماذا عن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان؟
- كان الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم أجود الناس في شهر رمضان المبارك حين يلقاه جبريل عليه السلام، الذي كان يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن لتجدد غنى نفسه بمعانيه العطرة ولأن هذا الشهر المبارك هو موسم الطاعات ونعم الله فيه لا تحصى فإنه يجب علينا أن نقتدي بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في الانفاق والمزيد من العطاء والجود في هذا الشهر الكريم .فإذا كنا على يقين بأن الله سبحانه وتعالى يقابل الحسنة بعشرة أمثالها ويضاعف أكثر لمن يشاء فما بالنا لو أنفقنا في هذا الشهر المبارك الذي قال عن الرسول صلى الله عليه وسلم «لو علمت الأمة ما في شهر رمضان لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان».
معركة مفتعلة !!
د. هاني أحمد فقيه
لست أفهم حتى الآن وجه المعارضة بين الدعوة إلى مراعاة مصالح الناس في حياتهم و معيشتهم وبين التمسك بتطبيق الشريعة !
أعتقد أن افتعال مثل هذه المعركة في غير محله، لأن نصوص الشريعة الثابتة لا يمكن أن تتعارض مع مصالح البشر، بل هي ما جاءت إلا لتحقيقها و صيانتها.
وقد شدني قبل مدة وجيزة في هذه الصحيفة المباركة قول أحد الكتاب الأفاضل: إن قاعدة حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله هي من الشعارات المرفوعة لتطبيق العلمانية !!
وهذا كلام غير صحيح لأمرين:
الأمر الأول : أن المقولة هذه صرح بمعناها كثير من كبار علماء الشريعة كالإمام ابن القيم ونجم الدين الطوفي الحنبلي وغيرهما، فلا وجه لإلصاقها بالعلمانية.
يقول الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين 4/373: ( إذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره).
ويقول أيضاً في المصدر نفسه 3/3: ( الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ... فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل ).
وأما العلامة الطوفي فيقول في كتابه شرح مختصر الروضة 3/214 قد ثبت مراعاة الشرع للمصلحة والمفسدة بالجملة إجماعاً ). وإن كان العلامة الطوفي قد توسع في مسألة المصلحة توسعاً غير مرضي ولا مجال لشرحه الآن.
الأمر الثاني: أن المدقق في العبارة المذكورة لا يجد فيها أي محظور شرعي، لأن الشرع كما قدمنا يراعي مصالح الناس دوماً كما ثبت في الحديث الصحيح: (( لا ضرر ولا ضرار )) ونفي الضرر يستلزم رعاية المصلحة.
نعم قد تهمل الشريعة أحياناً بعض المصالح، ولكن هذا لا يكون إلا إذا عارضتها مصالح آكد منها وأهم وأرجح.
وإذا حصل تعارض بين النص وبين المصلحة، فإما أن تكون المصلحة متوهمة أو هناك مصلحة أكبر منها كما قلنا ، وإما أن يكون التعارض ناشئ عن فهمنا الخاطئ للنص، فنحتاج إلى قراءته من جديد وإلى مراجعة تفسيره ومعناه من جديد و هذا ضروري.
فيا بعض الكتاب ما أكثر ما تنسبون إلى العلمانية أموراً هي من صميم الشريعة الإسلامية أو أنه لم يأت ما يعارضها في الشريعة على أقل تقدير !!
مفتي مصر السابق داعياً المسلمين للتفقه في الدين:
الانزلاق وراء الدعاوى المتربصة بالإسلام جريمة
عثمان النعماني (القاهرة)
مع دخول شهر رمضان تثار العديد من القضايا المتصلة بسلوكيات المسلمين في رمضان مثل التواكل والتراخي عن العمل وغيرها بالإضافة إلى المستجدات على الساحة في ظل الحملة الشعواء التي تمارس ضد الإسلام والتي كان آخرها تصريحات بابا الفاتيكان الني كشفت عن جهله بأصول العقائد والديانات السماوية.يعد الدكتور نصر فريد واصل أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية السابق واحدا من أبرز العلماء المجتهدين المجددين الذي يشدد على جدية الفقه الإسلامي واحتوائه لكل التغيرات التي تحدث في الحياة سواء على المستوى المجتمعي أو الاقتصادي ومسايرته لروح العصر.
ما هي أهمية العمل في حياة المسلم وكيف نفرق بين التوكل والتواكل؟
- كثير من الناس يفهمون التوكل على أنه القعود عن العمل وأداء الفرائض التي شرعها الله فقط وهذا فهم خاطئ تماما للدين فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان لكي تكون له الخلافة في الأرض لكي يعمرها ويبني فيها حضارتها ويساهم في تحقيق النماء والخير للجميع دون اعتبار لعقيدة أو لون أو جنس، والله خلق البشر كلهم لعبادته والعبادة المقصودة في القرآن الكريم هي أداء الشعائر ومعها العمل والاعمار والبناء وليست أداء الشعائر من صلاة وصيام فقط وإلا لتحولت الدنيا إلى صحراء جرداء لا حياة فيها بل يجب على الإنسان أن يجد ويعمل من أجل أن يحصل على رزقه الحلال الذي قسمه الله له وهذا هو معنى التوكل على الله أما أن يقعد المسلم عن العمل وينتظر أن يأتيه رزقه فلن يأتيه لأن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة ونحن جالسون لا نفعل شيئا وهذا هو التواكل وهو مخالف للشريعة فالعبادة عمل وإتقان وإيمان بالله وأداء للشعائر بعد كل هذا.
بعد ازدياد عدد من يسيء الى الإسلام والمسلمين في الآونة الأخيرة فكيف يتعامل المسلم مع من يسيء إليه؟
- أرشد الإسلام أتباعه والمؤمنين به إلى خلق رفيع حثهم على الإقتداء به وتطبيقه في شئون حياتهم ألا وهو خلق الترفع عن رد الإساءة بمثلها وعن الرد على السفهاء الذين لا يفقهون ما يقولون نظرا لعدم تمكن الإيمان من قلوبهم امتثالا للأدب النبوي القويم الذي ترفع عن هفوات هؤلاء وسما فوق الأحقاد والأضغان البشرية ليأخذ بيد المسلمين إلى آفاق الإسلام الرحبة المشتملة على السكينة والمودة والعفو والتحاب والتواصل.
والسفهاء موجودون في كل عصر وجيل فهم مجموعة من الناس لا تهتم إلا بأمور الآخرين، من خلال التفتيش عنها والتنقيب عن الأسرار وتتبع العورات مؤكدا أن هذا الخلق الذميم ليس من الإسلام في شيء، فضلا عن أن أصحابه هم من العصاة الذين لا يلتزمون أوامر الإسلام الصحيحة ولا يعرفون عن مبادئ السنة المشرفة شيئا ذا بال. ويحثنا القرآن الكريم على عدم إتباع هؤلاء السفهاء بقوله تعالى «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما» صدق الله العظيم؛ ولأن الذين يتعرضون لسفاهة السفهاء هم العلماء الزهاد والحكماء في كل عصر وهم الناجحون في أعمالهم سواء الدنيوية أم الدينية، وسيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه تطاول عليه ذات يوم أحد السفهاء في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه أبو بكر بل كظم غيظه، ثم كرر الرجل السفاهة مرة ثانية فكظم أبو بكر غيظه في صدره، وفي المرة الثالثة لم يتمالك أبو بكر الصديق نفسه، فرد عليه، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم من المجلس، فقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. «أوجدت يا رسول الله» أي أغضبت؟ فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) معلما وموجها ما معناه «إنك حين كنت تكظم الغيظ، سخر الله ملكا من السماء يرد عن عرضك، وحين رددت عليه خرج الملك ونزل الشيطان وما كنت لأجلس إذ نزل الشيطان» وهو درس عظيم النفع والفائدة في عدم الرد على أمثال هؤلاء السفهاء.
يقول النبي الكريم « من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» كيف للمسلم أن يتفقه في أمور دينه؟
- هناك وسائل وأمور عديدة يستطيع المسلم من خلالها أن يتفقه في دينه بقراءة الكتب الدينية وأهمها على الإطلاق القرآن الكريم بالمداومة على قراءته وفهم معاني آياته وقراءة كتب الأحاديث النبوية وكتب التفسير ثم إن مجالس العلم لها دور كبير في تفقيه المسلم ومداومته على الاستزادة والنهل من بحر الدين الحنيف فمجالس العلم في الإسلام هي النور الذي يضئ للمسلم طريقه الذي يسير فيه وعلى هديه لتحقيق الخلافة في الأرض وعمارتها كما أراد الله، ومجلس علم خير من عبادة ألف عام لأن مجلس العلم النافع تتحقق به العبودية الحقة لله والفهم السليم لمنهجه، كما أن فقه الدين يعني بطريقة مباشرة فقه الدنيا لأن من فقهه ربه في دينه فقد فقهه في دنياه وحقق لهذه البشرية الأمن والأمان الذي جاءت به الأديان والشرائع السماوية.
وما هي علامات الابتلاء بالنسبة للمسلم؟
- من علامات الابتلاء بالنسبة للمسلم الصبر على المحنة والشدة ولذلك ورد لفظ الصبر ومشتقاته في عدد تسعة وتسعين موضعا في القرآن الكريم والصبر في القرآن ورد بمعنيين أساسيين :أولهما : العمل والجهاد مثل قوله تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) وقوله تعالى (وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين) .ثانيهما :الاستسلام والرضا بقضاء الله مثل قوله تعالى (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وقوله (واصبر وما صبرك إلا بالله). وواضح أن المعنى الأول يتعلق بما يمكن تغييره كسوء الحال وسائر مشكلات أو هموم الحياة فالصبر عليها يكون بالعمل لتحسين الحال .والمعنى الثاني يتعلق بما لا يمكن تغييره كموت شخص عزيز أو إصابة المرء بعاهة مستديمة بالصبر عليه يكون بالاستسلام والتوكل على الله. وللصبر في الحالين أي سواء بمعناه الإيجابي في صورة العمل لتغيير الحال لما هو أحسن أو بمعناه الآخر في صورة الرضا بقضاء الله والتوكل عليه فيما لا يمكن تغييره. وخلاصة القول إن الصبر في الإسلام هو حقيقة الحياة وقمة التدين وذلك بشقيه أي سواء كان صبرا على العمل أو صبرا على البلاء، وجزاؤه أو ثمرته واقعة أكيدة ألا وهي الانتصار في الحياة الدنيا ثم الفوز بالجنة في الآخرة وهي غاية المرام، وصدق الله العظيم ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
وهل للصيام دور في قدرة المسلم على تحمل الابتلاء؟
- نعم للصيام عظيم الأثر في ذلك فالصوم له مقاصد تربوية وخلقية لتهذيب النفس البشرية حيث إن الإنسان يواجه في حياته دوما ثلاثة أعداء يلازمونه طيلة حياته وهم النفس والهوى والشيطان، وهؤلاء الثلاثة حينما يجتمعون على الإنسان فإنهم يخرجونه من رياض العبودية والطاعة إلى أهل المعصية والذنوب وفيما يشتد أثرهم على الإنسان فإنهم يؤدون به إلى القطعية الكاملة مع المراتب الإيمانية في أدنى درجاتها وحينما يشرع الله سبحانه وتعالى لنا عبادة الصوم ويحددها تعالى بزمان معين ووقت معلوم فكأنه جل شأنه يريد لهذه النفس البشرية أن تتأمل ذاتها في هذا الشهر لتعيد قراءة سلوكها وتغير من اعوجاجه لو كان في غير الطريق المستقيم أو تزيد من صلاحه وتقواه لو كان سائرا في درب السلوك الإيماني،
وكيف للمسلم أن يتقبل الله تعالى صومه؟
- بأن يكف جوارحه عن الخوض في محارم الله، ويلجم شهواته ويمتنع عن المفطرات والمعاصي ما ظهر منها وما بطن حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» بما يعني أن الذي يكف عن الطعام والشراب فيجوع ويعطش ولكن لا يكف نفسه عن الغيبة أو الزور والعمل به ولا يحفظ جوارحه عن الآثام، أو يصوم ويفطر على الحرام أو على لحوم الناس بالغيبة ونحوها، هذا الإنسان لا يجني من صيامه إلا الجوع والعطش كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش» وقال أيضا «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك ويدك»، ويمكننا أن نقول أيضا أن الصيام أنواع ومراتب لكل منها درجاته وجزاؤه فهناك صيام العوام الذي يصوم فيه الإنسان عن الأكل والشرب وصيام الخواص وصيام خواص الخواص الذي يصوم فيها الإنسان بجوارحه وقلبه، وتتحقق فيه مرتبة العبودية الكاملة في اقتراب واضح من درجة الولاية لله سبحانه وتعالى، ليكون المولى تبارك وتعالى حاضرا ورقيبا عليه في كل أفعاله وسلوكياته.
وماذا عن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان؟
- كان الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم أجود الناس في شهر رمضان المبارك حين يلقاه جبريل عليه السلام، الذي كان يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن لتجدد غنى نفسه بمعانيه العطرة ولأن هذا الشهر المبارك هو موسم الطاعات ونعم الله فيه لا تحصى فإنه يجب علينا أن نقتدي بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في الانفاق والمزيد من العطاء والجود في هذا الشهر الكريم .فإذا كنا على يقين بأن الله سبحانه وتعالى يقابل الحسنة بعشرة أمثالها ويضاعف أكثر لمن يشاء فما بالنا لو أنفقنا في هذا الشهر المبارك الذي قال عن الرسول صلى الله عليه وسلم «لو علمت الأمة ما في شهر رمضان لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان».