تَوَلَّتْ، فَوَلَّى الصَّبْرُ عَنِّي، وَعَادَنِي *
| * غرامٌ عليها ، شفَّ جسمي ، وأسقما
|
وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ ذُكْرَة ٌ تَبْعَثُ الأَسى *
| * وَطَيْفٌ يُوَافِيني إِذَا الطَّرْفُ هَوَّمَا
|
وَ كانتْ لعيني قرة ً ، وَ لمهجتي *
| * سروراً ، فخابَ الطرفُ وَ القلبُ منهما
|
فَلَوْلاَ اعْتِقَادِي بِالْقَضَاءِ وَحُكْمِهِ *
| * لقطعتُ نفسي لهفة ً وَ تندما
|
...........................
البارودي يرثي أمه ( رحمهما الله )
***
عودة إلى المُشاركة (112) في رثاء البارودي لوالدتِه
الآية (137) من سورة البقرة((فإنْ آمنوا بمثلِ ما آمنتُم به فقد اهتدَوا وإنْ تَولَّوا فإنما هم في شِقاقٍ فسيكفيكَهمُ الله))
فالتَّولي وهو الإعراض أو الإحجام فِعلٌ اختياريٌّ يمكن القيامُ بعكسِه والموقِف في الآية مِثال
وكذلك الآية(89) من سورة النساء ورَدَ التَّولّي فيها بمعنى الإعراضِ عن الهجرة
والتَّولِّي يومَ الزحفِ .. وكذلك تَولِّي الأمر؛ ينطوي كلاهما على إرادةِ الترك
فكلُّ ما أعرِفُه عن التولّي إذًا فيه مَوضِعُ اختيارِ أيٍّ مِن النقيضَين
فهل ينطبِقُ هذا على الموتِ ليقول الشاعرُ إن والدتَه الراحلة: تولَّتْ؟ سواءً عنه أو عن الحياة؟
فلو أنه قال:
(ووَلَّتْ) فولَّى الصبرُ عنِّي وعادني... لكان أفضل وضابطًا للوزنِ أيضًا
ويقول في الشطر الثاني من هذا البيتِ: غرامٌ عليها وهو خطأٌ لُغَويّ لأننا نقول: غرامٌ به أو مُغرمٌ به
وأقترِح أن يكونَ الشطر: غرامٌ (وشوقٌ) شفَّ جسمي وأسقَما
وفي البيت الثالث يقول: وكانت لعيني قُرّةً ولِمُهجتي.. والمُهجة هي دِماءُ القلب ولا تقومُ مقامَه في هذا المقام
وأرى أنه كان من الأفضلِ أن يقول:
وكانت لعيني قُرّةً (ولِخافِقي) // سرورًا؛ فخابَ الطرفُ والقلبُ منهما
وفي البيتِ الأخيرِ يقول: فلولا اعتقادي بالقضاءِ وحُكمِهِ // لقطَّعتُ نفسي لهفةً وتَنَدُّما ..
وأرى أن الاعتقادَ وحدَه لا يكفي ما يقصِدُه وإنما (الرضا) هو ما يحمِلُ الإنسانَ على الصبرِ والإرجاعِ عند الفقد
أما الشطرُ الثاني فقد اختارَ (لَقَطَّعتُ) وهو فعلٌ مُحدَّدٌ جدًّا ينطوي على تكرار القطع؛
كما قرأنا في سورة يُوسف " وقطَّعنَ أيديَهُنّ"
فإذا كان ما يُقَطَّعُ هو (النفسُ) وهي رمزٌ معنويٌّ للذاتِ يشملُ الروحَ والبدنَ معًا؛
وطالَما أنّ التقطيعَ ليس من فعلِ اللهفةِ والتَّنَدُّم؛
فإنه من السهلِ جدًّا الوقوف على عدم توفيقِ الشاعرِ وتناقُضِهِ في اختيارِ اللفظينِ وربطهما معًا
ولما كانت الهلكةُ أو الإهلاكُ أشملَ وأعمَّ وقد يحدُثانِ بلا سببٍ مادِّيٍّ أو أداةٍ؛ فقد كان الأجدرُ به أن يقول:
فلولا (رِضائي) بالقضاءِ وحُكمِهِ // (لأهلكتُ) نفسي لهفةً و(تَأَلُّما)
ويلاحظُ هنا أنني غيَّرتُ (تَنَدُّما) لأنها لا تتناسبُ مع الرِّضا بالقضاء؛ وفي كل الأحوالِ لا يتلاءمُ الندمُ مع فقدِ الأعزاء
اللهمّ اجعل لنا جزاءَ المُخبِتينَ المُحتسبين
المُخبتين: ،، الذين إذا ذُكِر اللهُ وَجِلَت قلوبُهم والصابرين على ما أصابهم والمُقيمي الصلاةِ ومما رزقناهم يُنفِقون ،،
الآية (35) من سورة الحج
هل مِنْ مُنْبَرٍ للدفاعِ عن شاعريةِ البارودي شاعرِ الحرب؟!
بانتظارِ ما تقولون بعد العيد إن شاء الله
وكل عام وأنتم بكل خير