إعلانات المنتدى


أثر القراءات على علم التفسير

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الاربعون



{ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }


قال الامام القرطبى فى تفسيره

وقرأ عبد الله بن قُسيط المكي من «أنْفَسِكم» بفتح الفاء من النفاسة؛ ورويت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وعن فاطمة رضي الله عنها؛ أي جاءكم رسول من أشرفكم وأفضلكم؛ من قولك: شيء نفيس إذا كان مرغوباً فيه. وقيل: من أنفسكم؛ أي أكثركم طاعة.

{ فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ }
قال السمين الحلبي فى الدر المصون
قوله: { ٱلْكَرِيمِ }: قرأه العامَّةُ مجروراً نعتاً للعرش وُصِفَ بذلك لتَنَزُّل الخيراتِ منه أو لنسبتِه إلى أكرمِ الأكرمين. وقرأ أبو جعفر وابن محيصن وإسماعيل عن ابن كثير وأبان بن تغلب مرفوعاً. وفيه وجهان، أحدُهما: أنه نعتٌ للعرش أيضاً. ولكنه قُطِع عن إعرابه لأجلِ المدحِ على خبر مبتدأ مضمر. وهذا جيدٌ لتَوافُقِ القراءتين في المعنىٰ. الثاني: أنه نعتٌ لـ " رب ".
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الواحدة والأربعون

{ وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله تعالى: { أَمَرْنَا }: قرأ العامَّةُ بالقصرِ والتخفيفِ وفيه وجهان،

أحدُهما: أنه من الأمرِ الذي هو ضِدُّ النهيِ. ثم اختلف القائلون بذلك في متعلَّق هذا الأمرِ: فعن ابن عباس في آخرين: أنه أَمَرْناهم بالطاعةِ فَفَسَقُوا،...

والوجه الثاني: أنَّ " أَمَرْنا " بمعنى كَثَّرْنا، ولم يَرْتَضِ الزمخشريُّ في ظاهرِ عبارتِه فإنَّه قال: " وفسَّرَ بعضُهم " أَمَرْنا " بـ " كَثَّرْنا " ، وجَعَلَه من بابِ: فَعَّلْتُه فَفَعَلَ، كَثَبَّرْتُه فَثَبَر. وفي الحديثِ: " خَيْرُ المالِ سِكَّةٌ مأْبُوْرة ومُهْرَةٌ مَأْمورة "...

وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر وعكرمةُ: " أَمِرْنا " بكسر الميم بمعنى " أَمَرْنا " بالفتح. حكى أبو حاتم عن أبي زيد أنه يُقال: " أَمَرَ اللهُ مالَه، وأَمِرَه " بفتح الميم وكسرِها، وقد رَدَّ الفراء هذه القراءةَ، ولا يُلْتَفَتُ لِرَدِّه لثبوتِها لغةً بنَقْلِ العُدولِ، وقد نَقَلها قراءةً عن ابن عباس أبو جعفر وأبو الفضل الرازي في " لوامِحه " فكيف تُرَدُّ؟

وقرأ عليُّ بن أبي طالب وابنُ أبي إسحاق وأبو رجاء في آخرين " آمَرْنا " بالمَدِّ، ورُوِيَتْ هذه قراءةً عن ابنِ كثير وأبي عمرو وعاصم ونافعٍ، واختارها يعقوبُ، والهمزةُ فيه للتعديةِ؟

وقرأ عليٌّ أيضاً وابنُ عباس وأبو عثمان النهدي: " أمَّرْنا " بالتشديد. وفيه وجهان،

أحدهما: أنَّ التضعيفَ للتعديةِ، عدَّاه تارةً بالهمزة وأخرى بتضعيفِ العين، كأَخْرَجْته وخَرَّجته.

والثاني: أنه بمعنى جعلناهم أُمَراءَ، واللازمُ من ذلك " أُمِّر ". قال الفارسيُّ، " لا وجهَ لكون " أَمَّرْنا " / من الإِمارة؛ لأنَّ رئاستَهم لا تكونُ إلاَّ لواحدٍ بَعْدَ واحدٍ، والإِهلاكُ إنما يكون في مُدَّة واحدة ". وقد رُدَّ على الفارسي: بأنَّا لا نُسَلِّم أن الأميرَ هوالمَلِك حتى يَلْزَمَ ما قلتُ، لأنَّ الأميرُ عند العرب مَنْ يَأْمُرُ ويُؤْتَمَرُ به. ولَئِنْ سُلِّم ذلك لا يلزم ما قال؛ لأنَّ المُتْرَفَ إذا مَلَكَ فَفَسَق ثم آخرَ بعده فَفَسَق، ثم كذلك كَثُر الفسادُ، ونزل بهم على الآخِر مِنْ ملوكهم.
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الثانية والاربعون



{سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ }

قال ابن الجوزى فى زاد المسير

قرأ أبو جعفر، ونافع، وابن عامر: «سال» بغير همز. والباقون بالهمز. فمن قرأ «سأل» بالهمز ففيه ثلاثة أقوال.

أحدها: دَعَا دَاعٍ على نفسه بعذابٍ واقعٍ.

والثاني: سأل سائل عن عذابٍ واقعٍ لمن هو؟ وعلى من يَنْزِل؟ ومتى يكون؟ وذلك على سبيل الاستهزاء، فتكون الباء بمعنى «عن» وأنشدوا:فَإنْ تَسْأَلُوني بالنِّساءِ فَإنَّنِيخَبِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّساءِ طَبِيبُوالثالث: سأل سائل عذاباً واقعاً، والباء زائدة.

ومن قرأ بلا همز ففيه قولان.

أحدهما: أنه من السؤال أيضاً، وإنما لَيَّن الهمزة، يقال سأل، وسال، وأنشد الفراء:تَعَالَوْا فَسَالُوا يَعْلمِ النَّاسُ أَيُّنَا لِصَاحِبِهِ في أَوَّلِ الدَّهْرِ تَابِع

والثاني:
المعنى سال وادٍ في جهنم بالعذاب للكافرين، وهذا قول زيد بن ثابت، وزيد بن أسلم، وابنه عبد الرحمن، وكان ابن عباس في آخرين يقرؤون «سَالَ سَيْلٌ» بفتح السين، وسكون الياء من غير ألف ولا همز. وإذا قلنا إنه من السؤال فقوله تعالى: «للكافرين» جواب للسؤال، كأنه لما سأل: لمن هذا العذاب؟ قيل: للكافرين. والواقع: الكائن. والمعنى: أن العذاب للذي سأله هذا الكافر كائن لا محالة في الآخرة { للكافرين ليس له دافع من الله } قال الزجاج: المعنى: ذلك العذاب واقع من الله للكافرين.
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الثالثة والأربعون

{
فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } * { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ }

قال القرطبي فى تفسيره:

قوله تعالى: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } أي لا يعذِّب كعذاب الله أَحَد، ولا يُوثِق كوثاقه أحد. والكناية ترجع إلى الله تعالى. وهو قول ابن عباس والحسن. وقرأ الكسائي «لا يُعَذَّب» «ولا يُوثَق» بفتح الذال والثاء؛ أي لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله الكافر يَوْمَئذ، ولا يوثَق كما يوثَق الكافر.

وقال السمين الحلبى فى الدر المصون:

{ لاَّ يُعَذِّبُ }: قرأ الكسائي " لا يُعَذَّبُ " و " لا يُوْثَقُ " مبنيين للمفعولِ. والباقون قرؤُوهما مبنيَّيْن للفاعل. فأمَّا قراءةُ الكسائي فأُسْنِد الفعلُ فيها إلى " أحد " وحُذِفَ الفاعلُ للعِلْم به وهو اللَّهُ تعالى أو الزَّبانيةُ المُتَوَلُّون العذابَ بأمرِ اللَّهِ تعالى...

وأمَّا قراءةُ الباقين فإنه أَسْنَدَ الفعلَ لفاعلِه

والضميرُ في " عذابَه " و " وَثاقَه " يُحتمل عَوْدُه على الباري تعالى، بمعنى: أنَّه لا يُعَذِّبُ في الدنيا مثلَ عذابِ اللَّهِ تعالى يومئذٍ أحدٌ، أي: إنَّ عذابَ مَنْ يُعَذِّبُ في الدنيا ليس كعذابِ الله تعالى يومَ القيامةِ،...

ويُحتمل عَوْدُه على الإِنسان بمعنى: لا يُعَذِّبُ أحدٌ من زبانيةِ العذابِ مثلَ ما يُعَذِّبون هذا الكافرَ، أو يكونُ المعنى: لا يَحْمِلُ أحدٌ عذابَ الإِنسانِ كقوله:
{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ }
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الرابعة والاربعون

{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }.

قال ابن الجوزى فى زاد المسير

قوله تعالى: { لقد تقطَّع بينكم } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم: بالرفع. وقرأ نافع، والكسائي، وحفص عن عاصم: بنصب النون على الظرف

قال الزجاج: الرفع أجود، ومعناه:
لقد تقطَّع وصلكم،​
والنصب جائز، ومعناه: لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم. وقال ابن الانباري: التقدير: لقد تقطع ما بينكم، فحذف «ما» لوضوح معناها. قال أبو علي: الذين رفعوه جعلوه اسماً، فأسندوا الفعل الذي هو «تقطَّع» إليه؛ والمعنى: لقد تقطع وصلكم، والذين نصبوا، أضمروا اسم الفاعل في الفعل، والمضمر هو الوصل؛ فالتقدير: لقد تقطع وصلكم بينكم
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الخامسة والأربعون

{ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ }

قال سيدى القرطبى فى تفسيره

{ وَأَهُشُّ بِهَا } «وَأَهِشُّ» أيضاً؛ ذكره النحاس. وهي قراءة النَّخَعي، أي أخبط بها الورق، أي أضرب أغصان الشجر ليسقط ورقها، فيسهل على غنمي تناوله فتأكله. قال الراجز:أَهُشُّ بالعَصَا على أَغْنامِي من ناعِم الأَراكِ والبَشامِيقال: هَشَّ على غنمه يَهُشُّ بضم الهاء في المستقبل. وهشَّ إلى الرجل يَهَش بالفتح. وكذلك هشّ للمعروف يَهَشّ وهشِشت أنا: وفي حديث عمر: هشِشْت يوماً فقبَّلت وأنا صائم. قال شِمْر: أي فرحتِ واشتهيت. قال: ويجوز هَاشَ بمعنى هَشَّ. قال الراعي:فكبَّرَ للروْيَا وهَاشَ فؤادُهُ وبَشَّرَ نفساً كان قبل يَلُومَهاأي طَرب. والأصل في الكلمة الرخاوة. يقال: رجل هَشٌّ وزوج هَشٌّ. وقرأ عكرمة «وأَهُسُّ» بالسين غير معجمة؛ قيل: هما لغتان بمعنى واحد.

وقيل: معناهما مختلف؛ فالهشّ بالإعجام خبط الشجر، والهس بغير إعجام زَجْر الغنم؛ ذكره الماوردي؛ وكذلك ذكر الزمخشري. وعن عكرمة: «وأَهُسُّ» بالسين أي أنحى عليها زاجراً لها والهَسُّ زَجْر الغنم.


وقال سيدى ابن عطية فى المحرر الوجيز

وقرأ عكرمة مولى ابن عباس " وأهُسُّ " بضم الهاء والسين غير المنقوطة ومعناه أزجر بها وأخوف،
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة السادسة والاربعون


{ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

وقرأ أبو الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد أَخْفِيها بفتح الهمزة ورويت عن ابن كثير وعاصم بمعنى أظهرها أي إنها من صحة وقوعها وتيقن كونها تكاد تظهر، ولكن تأخرت إلى الأجل المعلوم وتقول العرب: خفيت الشيء أي أظهرته. وقال الشاعر:خفاهن من إيقانهن كأنما خفاهن ودق من عشي مجلبوقال آخر:فإن تدفنوا الداء لا نخفه وإن توقدوا الحرب لا نقعدولام { لتجزَى } على هذه القراءة متعلقة بأخفيها أي أظهرها { لتجزَى } كل نفس.

وقرأ الجمهور { أُخْفِيها } بضم الهمزة وهو مضارع أخفي بمعنى ستر، والهمزة هنا للإزالة أي أزلت الخفاء وهو الظهور، وإذا أزلت الظهور صار للستر كقولك: أعجمت الكتاب أزلت عنه العجمة. وقال أبو علي: هذا من باب السلب ومعناه، أزيل عنها خفاءها وهو سترها، واللام على قراءة الجمهور.
قال صاحب اللوامح متعلقة بآتية كأنه قال { إن الساعة آتية } لنجزي ....

وقيل: { أخفيها } بضم الهمزة بمعنى أظهرها فتتحد القراءتان

وقالت فرقة { أكاد } بمعنى أريد، فالمعنى أريد إخفاءها وقاله الأخفش وابن الأنباري وأبو مسلم

وقالت فرقة: خبر كاد محذوف تقديره { أكاد } أتى بها لقربها وصحة وقوعها

وقالت فرقة: معناه { أكاد أخفيها } من نفسي إشارة إلى شدة غموضها عن المخلوقين وهو مروي عن ابن عباس


وقالت فرقة { أكاد } زائدة لا دخول لها في المعنى بل الإخبار أن الساعة آتية وأن الله يخفي وقت إتيانها، وروي هذا المعنى عن ابن جبير، واستدلوا على زيادة كاد بقوله تعالى { لم يكد يراها }

وقال سيدى الرازى فى تفسيره
ثم قال: { أَكَادُ أُخْفِيهَا } وفيه سؤالان:

السؤال الأول: هو أن كاد نفيه إثبات وإثباته نفي بدليل قوله:
{ وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ }
[البقرة: 71] أي وفعلوا ذلك فقوله: { أَكَادُ أُخْفِيهَا } يقتضي أنه ما أخفاها وذلك باطل لوجهين، أحدهما: قوله:
{ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ }
[لقمان: 34]. والثاني: أن قوله: { لِتَجْزِىَ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } إنما يليق بالإخفاء لا بالإظهار.

والجواب: من وجوه،

أحدها: أن كاد موضوع للمقاربة فقط من غير بيان النفي والإثبات فقوله: { أَكَادُ أُخْفِيهَا } معناه قرب الأمر فيه من الإخفاء وأما أنه هل حصل ذلك الإخفاء أو ما حصل فذلك غير مستفاد من اللفظ بل من قرينة قوله: { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } فإن ذلك إنما يليق بالإخفاء لا بالإظهار.

وثانيها: أن كاد من الله واجب فمعنى قوله: { أَكَادُ أُخْفِيهَا } أي أنا أخفيها عن الخلق كقوله:

{ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا }
[الإسراء: 51] أي هو قريب قاله الحسن.

وثالثها: قال أبو مسلم: { أَكَادُ } بمعنى أريد وهو كقوله:

{ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ }
[يوسف: 76] ومن أمثالهم المتداولة لا أفعل ذلك ولا أكاد أي ولا أريد أن أفعله.

ورابعها: معناه: { أَكَادُ أُخْفِيهَا } من نفسي وقيل إنها كذلك في مصحف أبي وفي حرف ابن مسعود: { أَكَادُ أُخْفِيهَا } من نفسي فكيف أعلنها لكم قال القاضي هذا بعيد لأن الإخفاء إنما يصح فيمن يصلح له الإظهار وذلك مستحيل على الله تعالى لأن كل معلوم معلوم له فالإظهار والإسرار منه مستحيل، ويمكن أن يجاب عنه بأن ذلك واقع على التقدير يعني لو صح مني إخفاؤه على نفسي لأخفيته عني والإخفاء وإن كان محالاً في نفسه إلا أنه لا يمتنع أن يذكر ذلك على هذا التقدير مبالغة في عدم إطلاع الغير عليه، قال قطرب: هذا على عادة العرب في مخاطبة بعضهم بعضاً يقولون: إذا بالغوا في كتمان الشيء كتمته حتى من نفسي فالله تعالى بالغ في إخفاء الساعة فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب في مثله.

وخامسها: { أَكَادُ } صلة في الكلام والمعنى: إن الساعة آتية أخفيها، قال زيد الخيل:
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه فما إن يكاد قرنه يتنفسوالمعنى فما يتنفس قرنه.

وسادسها: قال أبو الفتح الموصلي { أَكَادُ أُخْفِيهَا } تأويله أكاد أظهرها وتلخيص هذا اللفظ أكاد أزيل عنها إخفاءها لأن أفعل قد يأتي بمعنى السلب والنفي كقولك أعجمت الكتاب وأشكلته أي أزلت عجمته وإشكاله وأشكيته أي أزلت شكواه.
وسابعها: قرىء أخفيها بفتح الألف أي أكاد أظهرها من خفاه إذا أظهره أي قرب إظهاره كقوله:
{ ٱ;قْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ }
[القمر: 1] قال امرؤ القيس:فإن تدفنوا الداء لا نخفهوإن تمنعوا الحرب لا نقعدأي لا نظهره قال الزجاج وهذه القراءة أبين لأن معنى أكاد أظهرها يفيد أنه قد أخفاها.

وثامنها: أراد أن الساعة آتية أكاد وانقطع الكلام ثم قال أخفيها ثم رجع الكلام الأول إلى أن الأولى الإخفاء: { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } وهذا الوجه بعيد، والله أعلم
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة السابعة والاربعون

{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }

قال الامام السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله تعالى: { قُبُلاً }: قرأ نافع وابن عامر " قِبَلاً " هنا وفي الكهف بكسر القاف وفتح الباء، والكوفيون هنا وفي الكهف بضمها، وأبو عمرو وابن كثير بضمها هنا وكسر القاف وفتح الباء في الكهف، وقرأ الحسن البصري وأبو حَيْوة وأبو رجاء بالضم والسكون. وقرأ أُبَيّ والأعمش " قبيلاً " بياء مثناة من تحت بعد باء موحدة مكسورة. وقرأ طلحة بن مصرف " قَبْلا " بفتح القاف وسكون الباء.

فأمَّا قراءة نافع وابن عامر ففيها وجهان،

أحدهما: أنها بمعنى مُقَابلة أي: معايَنَةً ومُشَاهَدَةً، وانتصابه على هذا على الحال، قاله أبو عبيدة والفراء والزجاج، ونقله الواحدي أيضاً عن جميع أهل اللغة يقال: " لَقِيته قِبَلاً " أي عِياناً. وقال ابن الأنباري: " قال أبو ذر: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أنبيَّاً كان آدم؟ فقال: نعم كان نبياً، كلَّمه الله قِبَلاً " وبذلك فَسَّرها ابن عباس وقتادة وابن زيد، ولم يَحْكِ الزمخشري غيره فهو مصدر في موضع الحال كما تقدَّم.

والثاني:
أنها بمعنى ناحية وجهه، قاله المبرد وجماعة من أهل اللغة كأبي زيد، وانتصابه حينئذٍ على الظرف كقولهم: لي قِبَلُ فلان دَيْنٌ، وما قِبَلك حق. ويقال: لَقِيْتُ فلاناً قِبَلاً ومُقابلةً وقُبُلاً وقُبَلاً وقَبْلِيَّاً وقبيلاً، كلُّه بمعنى واحد، ذكر ذلك أبو زيد وأتبعه بكلام طويلٍ مفيد فَرَحِمَه الله تعالى وجزاه خيراً.


وأمَّا قراءة الباقين هنا ففيها أوجه

أحدها: أن يكون " قُبُلاً " جمع قبيل بمعنى كفيل كرَغيف ورُغُف وقضيب وقُضُب ونَصِيب ونُصُب. وانتصابه حالاً قال الفراء والزجاج: " جمع قبيل بمعنى كفيل أي: كفيلاً بصدق محمد عليه السلام " ، ويُقال: قَبَلْتُ الرجل أَقبَلُه قَبالة بفتح الباء في الماضي والقاف في المصدر أي: تكفَّلْت به والقبيل والكفيل والزعيم والأَذِين والضمين والحَمِيل بمعنى واحد، وإنما سُمِّيت الكفالة قَبالة لأنها أوكد تَقَبُّل، وباعتبار معنى الكَفالة سُمِّي العهدُ المكتوب قَبالة. وقال الفراء في سورة الأنعام: " قُبُلاً " جمع " قبيل " وهو الكفيل ". قال: " وإنما اخترت هنا أن يكون القُبُل في معنى الكفالة لقولهم

{ أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً }
[الإِسراء: 92] يَضْمَنُون ذلك.

الثاني: أن يكون جمع قبيل بمعنى جماعةً جماعةً أو صنفاً صنفاً، والمعنى: وحَشَرْنا عليهم كلَّ شيء فَوْجاً فوجاً ونوعاً نوعاً من سائر المخلوقات.

الثالث: أن يكون " قُبْلاً " بمعنى قِبَلاً كالقراءة الأولى في أحد وجهيها وهو المواجهة أي: مواجهةً ومعاينةً، ومنه " آتيك قُبُلاً لا دُبُراً " أي: آتيك من قِبَل وجهك، وقال تعالى:
{ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ }
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الثامنة والاربعون


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

والمراد بمَنْ عنده عِلْمُ الكتاب: إمَّا ابنُ سَلام أو جبريلُ أو اللهُ تعالى....

وقرأ عليٌّ وأُبَيٌّ وابنُ عباس وعكرمة وابن جبير وعبد الرحمن ابن أبي بكرة والضحاك وابن أبي إسحاق ومجاهد في خَلْق كثير { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ } جعلوا " مِنْ " حرفَ جرّ، و " عندِه " مجرورٌ بها، وهذا الجارُّ هو خبرٌ مقدَّمٌ، و " عِلْم " مبتدأ مؤخر. وقرأ عليٌّ أيضاً والحسن وابن السَّمَيْفع { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ } يجعلون " مِنْ " جارَّةً، و " عُلِمَ " مبنياً للمفعول، و " الكتابُ " رفعٌ به. وقُرئ كذلك إلاَّ انه بتشديد " عُلِّم ". والضمير في " عنده " على هذه القراءاتِ لله تعالى فقط
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة التاسعة والاربعون



{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى
ٱلْمَلَكَيْنِبِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

والجمهورُ على فَتْح لام " المَلَكَيْن " على أنَّهما من الملائكة، وقرأ ابن عباس وأبو الأسود والحسن بكَسْرها على أَنَّهما رَجُلانِ من الناسِ،
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الخمسون


{ فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }

قال الامام ابن الجوزى الحنبلى فى زاد المسير

قوله تعالى: { بادي الرأي } قرأ الأكثرون «بادِيَ» بغير همز. وقرأ أبو عمرو بالهمز بعد الدال. وكلهم همز «الرأي» غير أبي عمرو. وللعلماء في معنى «بادي» إذا لم يُهمز ثلاثة أقوال:

أحدها: أن المعنى: ما نرى أتباعك إِلا سفلتنا وأرذالنا في بادي الرأي لكل ناظر، يعنون أن ما وصفناهم به من النقص لا يخفى على أحد فيخالفنا، هذا مذهب مقاتل في آخرين.

والثاني: أن المعنى أن هؤلاء القوم اتَّبعوك في ظاهر ما يُرى منهم، وطويَّتُهم على خلافك.

والثالث: أن المعنى: اتبعوك في ظاهر رأيهم، ولم يتدبروا ما قلتَ، ولو رجعوا إِلى التفكر لم يتبعوك، ذكر هذين القولين الزجاج. قال ابن الأنباري: وهذه الثلاثة الأقوال على قراءة من لم يهمز، لأنه مِن بدا، يبدو: إِذا ظهر.

فأما من همز «بادىء» فمعناه: ابتداء الرأي، أي: اتَّبعوك أول ما ابتدؤوا ينظرون، ولو فكروا لم يعدلوا عن موافقتنا في تكذيبك.
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الواحدة والخمسون


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْشَغَفَهَاحُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

وقرأ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين وابنه محمد وابنه جعفر والشعبي وقتادة بفتح العين المهملة​
، وروي عن ثابت البناني وأبي رجاء كَسْرُ المهملة أيضاً. واختلف الناس في ذلك فقيل: هو مِنْ شَعَفَ البعيرَ إذا هَنَأَ فأحرقه بالقَطِران، قاله الزمخشري، وأنشد:
2770 ـ........................ كما شَعَفَ المَهْنُؤْءَةَ الرجلُ الطالي
والناسُ إنما يَرْوونه بالمعجمة ويُفَسِّرونه بأنه أصاب حبي شَغَافَ قلبها أي أحرق حجابَه، وهي جُلَيْدَة رقيقة دونه، " كما شَغَفَ " ، أي: كما أَحْرق وبالغ المهنوءة، أي: المَطْلِيَّة بالهِناء وهو القَطِران، ولا ينشدونه بالمهملة.

وقال أبو البقاء لمَّا حكى هذه القراءة: " مِنْ قولك: فلان مَشْعوفٌ بكذا، أي: مُغْرىٰ به، وعلى هذه الأقوال فمعناها متقارب.
وفرَّق بعضُهم بينهما فقال ابن زيد: " الشَّغَف ـ يعني بالمعجمة ـ في الحب، والشَّعَفُ في البغض ". وقال الشعبي: " الشَّغَف والمَشْغوف بالغين منقوطةً في الحُبِّ، والشَّعَفُ الجنون، والمَشْعوف: المجنون ".​
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الثانية والخمسون

{ وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } *{ حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ }

قال ابن الجوزى فى زاد المسير

«على» بمعنى الباء قال الفراء: العرب تجعل الباء في موضع «على»؛ تقول: رميت بالقوس، وعلى القوس، وجئت بحال حسنة، وعلى حال حسنة. وقال أبو عبيدة: «حقيق» بمعنى: حريص.

وقرأ نافع، وأبان عن عاصم: «حقيق عليَّ» بتشديد الياء وفتحها، على الاضافة. والمعنى: واجب عليَّ.

وقال الامام السمين الحلبى فى الدر المصون

فأمَّا قراءةُ العامة ففيها ستة أوجه، ذكر الزمخشري منها أربعة، قال رحمه الله: " وفي المشورةِ إشكالٌ، ولا يخلو من وجوه،

أحدها: أن تكون مِمَّا قُلب من الكلام كقوله:
2255ـ.................... وتَشْقى الرماحُ بالضَّياطرة الحُمْرِ
معناه: وتشقى الضياطرةُ بالرماح. قال الشيخ: " وأصحابُنا يَخُصُّون القلبَ بالضرورةِ، فينبغي أَنْ يُنَزَّهَ القرآنُ عنه ". قلت: وللناس فيه ثلاثةُ مذاهبَ: الجوازُ مطلقاً، المنعُ مطلقاً، التفصيلُ: بين أن يفيد معنًى بديعاً فيجوزَ، أو لا فيمتنعَ، وقد تقدَّم إيضاحهُ، وسيأتي منه أمثلةٌ أُخَرُ في القرآن العزيز. وعلى هذا الوجهِ تصيرُ هذه القراءةُ كقراءةِ نافعٍ في المعنى إذ الأصل: قولُ الحق حقيقٌ عليَّ، فقلبَ اللفظَ فصار: أنا حقيقٌ على قَوْل الحق ".

قال: " والثاني: أنَّ ما لَزِمك فقد لزمته، فلمَّا كان قولُ الحق حقيقاً عليه كان هو حقيقاً على قولِ الحق أي لازماً له،

والثالث: أن يُضَمَّن حقيق معنى حريص كما ضمن " هَيَّجني " معنى ذكَّرني في بيت الكتاب،

الرابع: أن تكون " على " بمعنى الباء ". قلت: وبهذا الوجه قال أبو الحسن والفراء والفارسي. قالوا: إنَّ " على " بمعنى الباء كما أن الباء بمعنى على في قوله:
{ وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ }
[الأعراف: 86] أي: على كل. وقال الفراء: " العربُ تقول: رَمَيْتُ على القوس وبالقوس، وجِئْتُ على حالٍ حسنة وبحال حسنة. إلا أن الأخفشَ قال: " وليس ذلك بالمطَّرِدِ لو قلت: ذهبت على زيد تريد: بزيدٍ لم يجز ". قلت: ولأنَّ مذهب البصريين عدمُ التجوُّز في الحروف، وعَنَى بالبيت قولَ الشاعر:
2256ـ إذا تَغَنَّى الحَمامُ الوَرْقُ هَيَّجني ولو تَسَلَّيْتُ عنها أمَّ عمار
وبالكتاب كتابَ سيبويه فإنه عَلَمٌ بالغلبة عند أهل هذه الصناعة.

الخامس: ـ وهو الأَوْجَهُ والأَدْخَلُ في نُكت القرآن ـ أن يُغْرِق موسى عليه السلام في وصفِ نفسه بالصدق في ذلك المقام لا سيما وقد رُوِيَ أنَّ فرعون ـ لعنه الله ـ لمَّا قال موسى: إني رسولٌ من رب العالمين قال له: كَذَبْت، فيقول: أنا حقيقٌ على قولِ الحق أي: واجبٌ عليَّ قولُ الحق أن أكونَ أنا قائلَه، والقائم به ولا يرضى إلا بمثلي ناطقاً به ". قال الشيخ: " ولا يَصِحُّ هذا الوجهُ إلا إنْ عَنَى أنه يكون " أن لا أقول " صفةٌ له كما تقول: أنا على قول الحق أي: طريقتي وعادتي قول الحق.

السادس: أن تكون " على " متعلقةً بـ " رسول ". قال ابن مقسم:/ " حقيقٌ من نعت " رسول " أي رسول حقيق من رب العالمين أُرْسِلْتُ على أنْ لا أقول على الله إلا الحق، وهذا معنى صحيح واضح، وقد غَفَل أكثرُ المفسرين من أرباب اللغة عن تعليق " على " برسول، ولم يخطر لهم تعليقُه إلا بـ " حقيق ".

قال الشيخ: " وكلامُه فيه تناقضٌ في الظاهر؛ لأنه قَدَّر أولاً العاملَ في " على " " أرسلت " وقال أخيراً: " لأنهم غَفَلوا عن تعليق " على " بـ " رسول ". فأمَّا هذا الأخيرُ فلا يجوز عند البصريين لأنَّ " رسولاً " قد وُصِف قبل أن يأخَذَ معمولَه، وذلك لا يجوز، وأمَّا تعليقُه بأرسلت مقدَّراً لدلالةِ لفظ " رسول " عليه فهو تقديرٌ سائغ. ويُتَأَوَّل كلامه أنه أراد بقوله تُعَلَّقُ " على " بـ " رسول " أنه لمَّا كان دالاًّ عليه صَحَّ نسبةُ التعلُّق له " قلت: قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة بعد ما ذكر هذا الوجهَ عن ابن مقسم: " والأوجهُ الأربعة التي للزمخشري. ولكن هذه وجوه متعسِّفة، وليس المعنى إلا على ما ذكرته أولاً، يعني وجه ابن مقسم، وهذا فيه الإِشكالُ الذي ذكره الشيخ من إعمالِ اسم الفاعلِ أو الجاري مَجْراه وهو موصوف.

وقراءةُ نافعٍ واضحةٌ وفيها ثلاثة أوجه،

أحدها: أن يكونَ الكلامُ قد تمَّ عند قولِه " حقيق " ، و " عليَّ " خبر مقدم، و " أنْ لا أقول " مبتدأ مؤخَّر كأنه قيل: عليَّ عدمُ قول غير الحق أي: فلا أقول إلا الحق.

الثاني: أن يكون " حقيق " خبراً مقدَّماً، و " أن لا أقول " مبتدأٌ على ما تقدَّم بيانه.

الثالث: " أَنْ لا أقول " فاعِلٌ بـ " حقيق " كأنه قيل: يحقُّ ويجب أن لا أقول، وهذا أَعْرَبُ الوجوهِ لوضوحه لفظاً ومعنى، وعلى الوجهين الأخيرين تتعلَّق " عليَّ " بـ " حقيق " لأنك تقول: " حَقَّ عليه كذا ". قال تعالى: { أولئك الذين حَقَّ عليهم القولُ }. وعلى الوجهِ الأولِ يتعلَّقُ بمحذوفٍ على ما عُرِفَ غيرَ مرة.
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الثالثة والخمسون

{ قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله تعالى: { عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ }: قرأ الكسائي " عَمِل " فعلاً ماضياً، و " غيرَ " نصباً،

والباقون " عَمَلٌ " بفتح الميمِ وتنوينهِ على أنه اسمٌ، و " غيرُ " بالرفع.


فقراءةُ الكسائي: الضمير فيها يتعيَّنُ عَوْدُه على ابن نوح، وفاعل " عمل " ضميرٌ يعودُ عليه أيضاً، و " غيرَ " مفعول به. ويجوز أن يكونَ نعتاً لمصدرٍ محذوف، تقديرُه: عَمل عملاً غيرَ صالحٍ كقوله
{ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً }
[المؤمنون: 51].

وأمَّا قراءةُ الباقين ففي الضمير أوجه،

أظهرها: أنه عائدٌ على ابنِ نوح، ويكونُ في الإِخبار عنه بالمصدر المذاهبُ الثلاثةُ في " رجل عدل ".

والثاني: أنه يعود على النداء المفهوم مِنْ قوله " ونادىٰ " ، أي: نداؤك وسؤالُك. وإلى هذا ذهب أبو البقاء ومكي والزمخشري. وهذا فيه خطرٌ عظيم، كيف يُقال ذلك في حقِّ نبي من الأنبياء، فضلاً عن أول رسولٍ أُرْسِل إلى أهل الأرض من بعدِ آدم عليهما السلام؟ ولما حكاه أبو القاسم قال: " وليس بذاك " ولقد أصاب. واستدلَّ من قال بذلك أنَّ في حرف عبد اللَّه بن مسعود " إنه عملٌ غيرُ صالحٍ أن تسألني ما ليس لك به علمٌ " وهذا مخالِفٌ للسَّواد.

الثالث: أنه يعودُ على ركوب ابنِ نوح المدلولِ عليه بقوله " اركب معنا ".

الرابع: أنَّه يعودُ على تركه الركوب وكونِه مع المؤمنين، أي: إنَّ تَرْكَه الركوبَ مع المؤمنين وكونَه مع الكافرين عملٌ غيرُ صالح،

وعلى الأوجهِ الثلاثةِ لا يُحتاج في الإِخبارِ بالمصدر [إلى] تأويلٍ، لأنَّ كليهما معنى من المعاني، وعلى الوجه الرابع يكون من كلامِ نوح عليه السلام، أي: إنَّ نوحاً قال: إنَّ كونَك مع الكافرين وتَرْكَك الركوبَ معنا غيرُ صالح، بخلاف ما تقدَّم فإنه مِنْ قول اللَّه تعالى فقط، هكذا قال مكي وفيه نظرٌ، بل الظاهرُ أنَّ الكلَّ مِنْ كلام اللَّه تعالى.
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الرابعة والخمسون



{ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُيَصِدُّونَ}

قال الامام القرطبى فى تفسيره


وقرأ نافع وابن عامر والكسائي «يَصُدون» (بضم الصاد) ومعناه يُعرِضون؛ قاله النَّخَعيّ، وكسر الباقون.
قال الكسائي: هما لغتان؛ مثل يَعْرِشون ويَعْرُشون ويَنِمُّون ويَنُمُّون، ومعناه يَضِجُّون. قال الجوهري: وصَدّ يَصُدّ صديداً؛ أي ضَجّ.

وقيل: إنه بالضم من الصدود وهو الإعراض، وبالكسر من الضجيج؛
قاله قُطْرُب. قال أبو عبيد: لو كانت من الصدود عن الحق لكانت: إذا قومك عنه يصدون. الفرّاء: هما سواء؛ منه وعنه. ابن المسيّب: يصدون يضجون. الضحاك يعجون. ابن عباس: يضحكون. أبو عبيدة: مَن ضَمَّ فمعناه يعدلون؛ فيكون المعنى: من أجل المَيْل يُعَدلون. ولا يُعَدّى «يَصِدُّون» بمن، ومن كسر فمعناه يضِجون؛ فـ «ـمن» متصلة بـ «ـيَصِدُّون» والمعنى يضجون منه.
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الخامسة والخمسون

{ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ }

قال الامام القرطبى فى تفسيره

{ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } قال ٱبن عباس: يعصرون الأعناب والدُّهن؛ ذكره البخاريّ. وروى حجّاج عن ابن جُرَيج قال: يعصرون العنب خمراً والسّمسم دُهناً، والزيتون زيتاً. وقيل: أراد حلب الألبان لكثرتها؛ ويدلّ ذلك على كثرة النبات. وقيل: «يَعْصِرُونَ» أي يَنجُون؛ وهو من العُصْرة، وهي المَنْجَاة. قال أبو عبيدة: والعَصَر بالتحريك المَلْجأ والمَنْجاة، وكذلك العُصْرة؛ قال أبو زُبَيد:
صادِياً يَستغِيثُ غَير مُغَاثٍ ولقد كَانَ عُصْرَةَ المَنْجُودِ
والمَنجُودِ الفَزِع. واعتصرتُ بفلان وتَعصرتُ أي التجأت إليه. قال أبو الغوث: «يَعْصِرُونَ» يَسْتَغِلُّون؛ وهو من عصر العنب. واعتصرت ماله أي استخرجته من يده. وقرأ عيسى «تُعْصَرُونَ» بضم التاء وفتح الصاد، ومعناه: تُمطَرون؛ من قول (الله):
{ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً }
[النبأ: 14] وكذلك معنى «تُعصِرون» بضم التاء وكسر الصاد، فيمن قرأه كذلك.
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة السادسة والخمسون
{ وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَأُمَّةٍأَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ }


قال السمين الحلبى فى الدر المصون


والعامَّةُ على " أُمَّة " بضم الهمزة وتشديد الميم وتاء منونة، وهي المدة الطويلة.​

وقرأ الأشهب العقيلي بكسر الهمزة، وفسَّروهابالنعمة،
أي:
بعد نعمةٍ أنعم بها عليه​
وهي خَلاصُه من السجن ونجاتُه من القتل، وأنشد الزمخشري لعديّ:
2798 ـ ثم بعد الفَلاَح والمُلْكِ والإِمْــ ـــمَةِ وارَتْهُمُ هناك القبورُ
وأنشد غيره:
2799 ـ ألا لا أرَىٰ ذا إمَّةٍ أصبحَتْ به فَتَتْركه الأيامُ وهي كما هيا
وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وقتادة والضحاك وأبو رجاء " أَمَهٍ " بفتح الهمزة وتخفيف الميم وهاء منونة من الأَمَهِ، وهو النسيان،
يقال: أَمِهَ يَأْمَهُ أَمَهاً وأمْهاً بفتح الميم وسكونها، والسكونُ غيرُ مَقيسٍ.
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة السابعة والخمسون

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ



ٱلْجَمَلُفِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ }

قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره

وقال مجاهد وعكرمة عن ابن عباس: إنه كان يقرؤها: يلج الجُمَّل في سم الخياط، بضم الجيم وتشديد الميم، يعني: الحبل الغليظ في خرم الإبرة، وهذا اختيار سعيد بن جبير
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الثامنة والخمسون

{ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } * { كَأَنَّهُجِمَٰلَتٌصُفْرٌ }

قال الامام ابن عاشور فى التحرير والتنوير


والجِمالات: بكسر الجيم جمع جِمالة، وهي اسم جمع طائفة من الجمال، أي تُشبه طوائف من الجمال متوزعة فرقاً، وهذا تشبيه مركب لأنه تشبيه في هيئة الحجم مع لونه مع حركته. والصُفرة: لون الشرر إذا ابتعد عن لهيب ناره.

وقرأ الجمهور { جِمالات } بكسر الجيم وألف بعد اللام فهو جمع جمالة. وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلفٌ { جِمالة } بكسر الجيم بدون ألف بعد اللام وهو جمع جَمَل مثل حَجَر وحِجَارة.​

وقرأه رُويس عن يعقوب { جُمالات } بضم الجيم وألف بعد اللام جمع جُمالة بالضم وهي حبل تشدّ به السفينة،
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة التاسعة والخمسون

{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّيَهِدِّيۤإِلاَّ أَن يُهْدَىٰفَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }

قال الامام القرطبى فى تفسيره


وفي «يَهدِي» قراءات ست:

الأُولى

قرأ أهل المدينة إلا وَرْشاً «يَهْدّي» بفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدال؛ فجمعوا في قراءتهم بين ساكنين كما فعلوا في قوله: { لاَ تَعْدُواْ } وفي قوله: «يَخْصِّمُونَ» قال النحاس: والجمع بين الساكنين لا يقدر أحد أن ينطق به. قال محمد بن يزيد: لا بد لمن رام مثل هذا أن يحرك حركة خفيفة إلى الكسر، وسيبويه يسمي هذا اختلاس الحركة.

الثانية
ـ قرأ أبو عمرو وقالون في روايةٍ بين الفتح والإسكان، على مذهبه في الإخفاء والاختلاس.

الثالثة
ـ
قرأ ابن عامر وابن كثير وورش وابن مُحَيْصن «يَهَدّي» بفتح الياء والهاء وتشديد الدال. قال النحاس: هذه القراءة بيّنة في العربية، والأصل فيها يهتدي أدغمت التاء في الدال وقلبت حركتها على الهاء
.

الرابعة
ـ قرأ حفص ويعقوب والأعمش عن أبي بكر مثل قراءة ابن كَثير، إلا أنهم كسروا الهاء، قالوا: لأن الجزم إذا ٱضْطُرّ إلى حركته حُرّك إلى الكسر. قال أبو حاتم: هي لغة سُفْلَى مضر.

الخامسة
ـ قرأ أبو بكر عن عاصم «يِهِدّي» بكسر الياء والهاء وتشديد الدال، كل ذلك لإتباع الكسر الكسر كما تقدم في البقرة في
{ يَخْطَفُ }
[البقرة: 20]. وقيل: هي لغة من قرأ «نِسْتَعِينُ» و
{ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ }
[آل عمران: 24] ونحوه. وسيبويه لا يجيز «يِهِدّي» ويجيز «تهِدّي» و «نهِدّي» و «إهدي» قال: لأن الكسرة في الياء تثقل.

السادسة
ـ قرأ حمزة والكسائي وخلف ويحيى بن وَثّاب والأعمش «يَهْدِي» بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال؛ من هَدَى يهدي. قال النحاس: وهذه القراءة لها وجهان في العربية وإن كانت بعيدة، وأحد الوجهين أن الكسائي والفراء قالا: «يهدي» بمعنى يهتدي. قال أبو العباس: لا يعرف هذا، ولكن التقدير أمن لا يهدي غيره، تم الكلام،

ثم قال: «إلاَّ أَنْ يُهْدَى» استأنف من الأوّل، أي لكنه يحتاج أن يهدى؛
فهو استثناء منقطع،
كما تقول؛ فلان لا يُسمِع غيره إلا أن يُسمع، أي لكنه يحتاج أن يُسْمَع.

وقال الامام الطبرى فى تفسيره بعد نقله للقراءات


وأولى القراءة في ذلك بالصواب قراءة من قرأ: «أمْ مَنْ لا يَهَدّي» بفتح الهاء وتشديد الدال، لما وصفنا من العلة لقارىء ذلك كذلك، وأن ذلك لا يدفع صحته ذو علم بكلام العرب وفيهم المنكر غيره، وأحقّ الكلام أن يقرأ بأفصح اللغات التي نزل بها كلام الله تبارك وتعالى.

فتأويل الكلام إذا: أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتبع، أم من لا يهتدي إلى شيء إلا أن يُهْدَى.


وقال السمين الحلبى فى الدر المصون


{ إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ } استثناءٌ منقطع، أي: لكنه يحتاج إلى أن يُهْدَىٰ كما تقول: فلان لا يسمع غيره إلا أَنْ يُسْمع، أي: لكنه يحتاج إلى أن يَسمع ". انتهىٰ.

ويجوز أن يكونَ استثناءً متصلاً، لأنه إذ ذاك يكون فيهم قابليةُ الهدايةِ بخلافِ الأصنام.


ويجوز أن يكونَ استثناء من تمامِ المفعول له، أي: لا يهدي لشيءٍ من الأشياءِ إلا لأَجْل أن يُهْدَىٰ بغيره.


وقال الامام الرازى فى تفسيره

في لفظ الآية إشكال، وهو أن المراد من الشركاء في هذه الآية الأصنام وأنها جمادات لا تقبل الهداية، فقوله: { أَم مَّنْ لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يَهْدِي } لا يليق بها.

والجواب من وجوه
: الأول:
لا يبعد أن يكون المراد من قوله: { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } هو الأصنام.
والمراد من قوله: { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَهْدِى إِلَى ٱلْحَقّ } رؤساء الكفر والضلالة والدعاة إليها.
والدليل عليه قوله سبحانه: { ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ } إلى قوله:
{ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَـٰنَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }
[التوبة: 31] والمراد أن الله سبحانه وتعالى هدى الخلق إلى الدين الحق بواسطة ما أظهر من الدلائل العقلية والنقلية. وأما هؤلاء الدعاة والرؤساء فإنهم لا يقدرون على أن يهدوا غيرهم إلا إذا هداهم الله تعالى، فكان التمسك بدين الله تعالى أولى من قبول قول هؤلاء الجهال.

الوجه الثاني:
في الجواب أن يقال: إن القوم لما اتخذوها آلهة، لا جرم عبر عنها كما يعبر عمن يعلم ويعقل، ألا ترى أنه تعالى قال:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ }
[الأعراف: 194] مع أنها جمادات وقال:
{ إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ }
[فاطر: 14] فأجرى اللفظ على الأوثان على حسب ما يجري على من يعقل ويعلم فكذا ههنا وصفهم الله تعالى بصفة من يعقل، وإن لم يكن الأمر كذلك،

الثالث:
أنا نحمل ذلك على التقدير، يعني أنها لو كانت بحيث يمكنها أن تهدي، فإنها لا تهدي غيرها إلا بعد أن يهديها غيرها، وإذا حملنا الكلام على هذا التقدير فقد زال السؤال.

الرابع:
أن البنية عندنا ليست شرطاً لصحة الحياة والعقل، فتلك الأصنام حال كونها خشباً وحجراً قابلة للحياة والعقل، وعلى هذا التقدير فيصح من الله تعالى أن يجعلها حية عاقلة ثم إنها تشتغل بهداية الغير.

الخامس:
أن الهدى عبارة عن النقل والحركة يقال: هديت المرأة إلى زوجها هدى، إذا نقلت إليه والهدي ما يهدى إلى الحرم من النعم، وسميت الهدية هدية لانتقالها من رجل إلى غيره، وجاء فلان يهادى بين اثنين إذا كان يمشي بينهما معتمداً عليهما من ضعفه وتمايله.
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع