- 26 يونيو 2015
- 111
- 164
- 43
- الجنس
- أنثى
- القارئ المفضل
- محمود خليل الحصري
- علم البلد
أمنية في منام ...
اللّيل في صمت يفرغ سماء أمّ القرى غدافا سكنته مدائن النّجوم ، و البدر يكشف سِترَ المكان ، بيوتا قوامها الطّين و الحجارة و سقفها حطب و جريد ، الخيل في مرابطها و فوانيس الزّيت عينٌ لأهل الزّمان . تسير تجوب الدّيار فلا تكادُ تسمع شيئا خلا صوت بكاء لرضيع أو سيّد يصيح بمسود أو صلصلة الدّنانير يعدّها مُقتر مُرابي ... إنّه عصر غير العصر ، عصرٌ يجلِدُ الحق و القسط بسيّاط الكِبر و العنجهيّة و الخيلاء ، خطواتٌ أخرى بعد و يجتثّك من سرحانك غنج النّساء و أشعار المعربدين و أيْمانهم يقسمون باللاّت و العزّى و مناة ... إنّها ليالي قريش الحمراء تغوي فتيانها في مُجون و شيوخها في ابتذال فتشدّهم إلى الحانات و دور البغاء و قد تجرّدوا من الفضائل و الحياء ...
أما سمِعت معي حنين ناقة تسير ؟ دعنا نسير في ركبها ، يتقدّمها كهل يمسكُ الرَّسن و يعلوها هودج تُراه لمن يكون ؟
لِنخرج مودّعين كعبة بناها نبيّ الله إبراهيم عليه السّلام ... لنغادر مودّعين زمزم البركات لنخرج من هذا البلد ... و سنعود إليه فاتحين و حينها سيصبح بلداً أمين .
أتْعبتْكَ الخطوات في بطحاء مكّة و هذا بردها في أعتاب الدّجيّة تصطكُّ منه أسنانك أيها الغريب ؟ روّيدك ... هذا خباء هناك ، حسيس النّار و نورها ينبعثان ... عجّل علّنا نجد مجيرا من العُربان ... تمهّل إنّها استغاثات امرأة تضع مولودها ، ما أصعبها من لحظات شفرة موتٍ تهبُ الحياة ... إنّها صيحات الوليد هل سمِعتها ؟ يا ربّ السّماء ... جاوزها نحيب نفساء تُرثي ابنتها في صرخة ميلاد .
إلى أين أيها الأشيب إلى أين ؟ غراب في برانيس الفجر ، خطف الرّضيعة راح يئدها ... يغسل عاره قبل انبلاج الصّباح ... ذلك الجِلف الجاهل ... دفن كبده و جاء معفّرا بدمائه يملؤه الرّضا و الفخر و علّه قد يبيع تلك الأَمة و لم تلتئم جراحها و لا استكانت رفرفة فؤادها ...
لا أظنّك مستجيرا بأهل المكان ... فلنرحل إذاً ...
سرْ بنا ننظرُ إلى الذي اختلى بنفسه في غار حراء مناجيّا القدرة التي صاغت اللّيل و النهار و القمر و النّجوم ، سرْ بنا نشمّ ريح إنسيٍّ عافت نفسه الشّريفة الميْسر و الخمر و الأزلام و الأنصاب و لهو الفتيان ... سرْ بنا نسمع في رهبةٍ صوتَه المقدّس يملأ وحشة الجبل جلالا و جمالا ... سرْ بنا نُشفي شوقنا إليه ...و لهفتنا عليه .
ليتنا نُدرك نوره يمسح عن حراء ظلمته فتَسْكنه حفنة من الشّمس لا تغادره أبدا ...
إنّه محمّد ... محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف ، رسول الله و حبيبه ، خاتم أنبيائه و المرسلين صلىّ الله عليه و على آله و صحبه أجمعين .
اِشهد معي أنّه لا ساحر هو و لا كاهن و لا شاعر و لا مجنون ... إنّه الطّاهر الذي غسل
الدّنيا من رجسها و فكّ القيود عن إنسها و أظهر الحقّ بإذن ربّه و لو كره المشركون ...
بقلم / دليلة بونحوش