- 18 فبراير 2015
- 232
- 33
- 0
- الجنس
- ذكر
- علم البلد
عندما َسجلتُ للشعشـاعـي وشـعيشـع دون ِعلمـــها !
من الذكريات التي كتبها الأذاعي الراحل محمد علي كريم ،
كانت تلاوات القرآن الكريم في اذاعة بغداد مقتصرة على القراء العراقيين فقط، حتى اوائل الخمسينات فلم نكن نستطيع الحصول على تلاوة لأي قاريء عربي نظراً لماكان يطلبه القاريء من مبلغ باهض لاتستطيع الأذاعة دفعه له وخاصة للمصريين منهم .
بعثنا مرة الى أحدهم نستفسر عن المبلغ الذي يطلبه عن تلاوة كريمة مدتها نصف ساعة ،فجاء الرد انه لايقل عن مبلغ الفي جنيه ولك ان تتصور عزيزي القاريء ضخامة هذا المبلغ في ذلك الوقت فصرفنا النظر عن ذلك مرغمين ...
ثم جاءت الفرصة عندما توفى الله الملكة عالية في عام 1950 ، فأقيم على روحها مآتم في البلاط الملكي ثم مسجد الكاظمية مثوى الأمامين الجوادين
وقام بتلاوة أيات الذكر الحكيم الشيخان عبد الفتاح الشعشاعي يرحمه الله و ابو العينين شعيشع و كانا من أعلام القراء و قد و صلا الى بغداد ظهر اليوم الثالث من مجلس الفاتحة المقام في البلاط الملكي فقامت اذاعة بغداد بنقل تلاوتيهما للمستمعين ثم اقيم مجلس الفاتحة في الصحن الكاظمي في اليوم الثاني و لمدة ثلاثة ايام و تم الاتفاق على نقل التلاوات الكريمة من اذاعة بغداد على ان نقوم بتسجيلها سرا ودون علم الشيخين اذ لو علما بذلك لكلفنا مبالغ طائلة لا تقدر الاذاعة عليها
وكان النقل يجري بالجهاز القديم وبواسطة التلفون وكان هذا الجهاز موضوعاً في صندوق خشبي يبلغ طولاً حوالي ثلاثة امتار وعرضا حوالي مترين وعلوا حوالي مترين ايضا ، وجئنا بجهاز تسجيل جديد كانت الأذاعة قد أشترته من ( ماركة ويستنكنهاوس) ويعمل بأشرطة تيب وليس بالسلك المعدني فأخذنا هذا الجهاز الى مجلس الفاتحة وخبأناه قرب جهاز النقل
كما اقترح مهندس التسجيل و كان المرحوم ناجي صالح يسجل التلاوات من جهاز النقل مباشرة و ليس من الهواء عن طريق الاذاعة اذ ان ذلك أظمن لسلامة التسجيل و صفاء و وضوح الصوت فكان ان حصلت الاذاعة على تلاوات كريمة تجلت فيها مقدرة الشيخين على التلاوة و على الاداء و التجويد الذي سحر المستمعين فكنت ترى عشرات المئات من المواطنين يأمون مسجد الكاظمية عصر كل يوم من أيام مجلس الفاتحة على اختلاف أعمارهم ليستمعوا الى التلاوات الرائعة .
ثم رتلا ايات القرأن الكريم في مسجد الامام الاعظم أبو حنيفة و لكن الأذاعة لم يسعدها الحظ بتسجيلها و هكذا حصلت اذاعة بغداد على تلاوات كريمة سعد بها المواطنون مدة من الزمن و ما زالوا .
ومن الطريف ان احدهم ابلغ الشيخين الجليلين ان اذاعة بغداد سجلت جميع تلاواتهما في مسجد الكاظمية دون علمهما فما كان منهما الا ان قالا لاخير من ذلك ونحن نعتبر هذه التسجيلات هدية منا الى اذاعة بغداد .
ثم جاء في مناسبات اخرى المرحومان مصطفى اسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد فسجلت اذاعة بغداد بعض من تلاواتهما ايضا دون علمهما
ان اجور التلاوة ذات النصف ساعة كانت دينارين ، فكيف يقبل الشعشاعي او شعيشع او مصطفى اسماعيل او عبد الباسط بمثل هذا المبلغ وخاصة اذا كانت التلاوة مسجلة ..اذكر مرة ان زار اذاعة بغداد المقريء المرحوم محمد فريد السنديوني فسجلت له الأذاعة اربع تلاوات وعندما اراد الأجور وجدها ثمانية دنانير بأعتبار دينارين لكل تلاوة ،فبهت وأندهش فقيل له لوائح الصرف تنص على ذلك وليس في الأمكان احسن مما كان فسكت على مضض ثم صرفنا له ثمانية دنانير اخرى من احد ابواب الصرف المتفرقة كترضية له .
يُذكر ان الشيخين قد تم تكريمها من قبل الدولة في العراق آنذاك ومنحا وسام الرافدين ،وهدايا أخرى من العائلة الملكية في العراق .
الذكريات الأذاعية هذه نشرت في جريدة الأتحاد الأسبوعية في بغداد في 5 حزيران 1989 ، .