إعلانات المنتدى


مفكرة رمضان التاريخية.. يومـًا بيوم

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

الداعي للخير

عضو موقوف
1 يناير 2007
8,231
10
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد رفعت
رد: مفكرة رمضان التاريخية.. يومـًأ بيوم

بارك الله فيك اخي هاني على المجهود الكريم وان شاء الله سانعزل حتى تكمل الموضوع ... .
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
13 رمضان

13 رمضان


(بسم الل)


نزول الإنجيل:

أنزل الإنجيل على سيدنا عيسى عليه السلام لثلاث عشرة مضين من رمضان.

وصول عمر بن الخطاب إلى فلسطين وفتح بيت المقدس:

في 13 رمضان 15هـ الموافق 18أكتوبر 636م وصل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى فلسطين بعد معارك ضارية لجنود الإسلام لفتح ديار الشام ، وتسلم مفاتيح مدينة القدس وكتب لأهلها يؤمن أرواحهم وأموالهم.

ذكر أبو جعفر بن جرير عن رواية سيف بن عمر وملخص ما ذكره هو وغيره أن أبا عبيدة لما فرغ من دمشق كتب إلى أهل إيليا يدعوهم إلى الله والى الإسلام أو يبذلون الجزية أو يؤذنون بحرب فأبوا أن يجيبوا إلى ما دعاهم إليه فركب إليهم في جنوده واستخلف على دمشق سعيد بن زيد ثم حاصر بيت المقدس وضيق عليهم حتى أجابوا إلى الصلح بشرط أن يقدم إليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فكتب إليه أبو عبيدة بذلك فاستشار عمر الناس في ذلك فأشار عثمان بن عفان بأن لا يركب إليهم ليكون أحقر لهم وأرغم لأنوفهم وأشار علي بن أبي طالب بالمسير إليهم ليكون أخف وطأة على المسلمين في حصارهم بينهم فهوى ما قال علي ولم يهو ما قال عثمان وسار بالجيوش نحوهم واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب وسار العباس بن عبد المطلب على مقدمته فلما وصل إلى الشام تلقاه أبو عبيدة ورؤوس الأمراء كخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان فترجل أبو عبيدة وترجل عمر فأشار أبو عبيدة ليقبل يد عمر فهم عمر بتقبيل رجل أبي عبيدة فكف أبو عبيدة فكف عمر.

ثم سار حتى صالح نصارى بيت المقدس واشترط عليهم إجلاء الروم إلى ثلاث ثم دخلها إذ دخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله اليلة الإسراء ويقال أنه لبى حين دخل بيت المقدس فصلى فيه تحية المسجد بمحراب داود وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد فقرأ في الأولى بسورة ص وسجد فيها والمسلمون معه وفي الثانية بسورة بني إسرائيل ثم جاء إلى الصخرة فاستدل على مكانها من كعب الأحبار وأشار عليه كعب أن يجعل المسجد من ورائه فقال ضاهيت اليهودية ثم جعل المسجد في قبلي بيت المقدس وهو العمري اليوم ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائه ونقل المسلمون معه في ذلك وسخر أهل الأردن في نقل بقيتها وقد كانت الروم جعلوا الصخرة م**لة لأنها قبلة اليهود حتى أن المرأة كانت ترسل خرقة حيضتها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة وذلك مكافأة لما كانت اليهود عاملت به القمامة وهى المكان الذي كانت اليهود صلبوا فيه المصلوب فجعلوا يلقون على قبره القمامة فلأجل ذلك سمى ذلك الموضع القمامة وانسحب الاسم على الكنيسة التي بناها النصارى هنالك وقد كان هرقل حين جاءه الكتاب النبوي وهو بإيلياء وعظ النصارى فيما كانوا قد بالغوا في إلقاء الكناسة على الصخرة حتى وصلت إلى محراب داود قال لهم إنكم لخليق أن تقتلوا على هذه الكناسة مما امتهنتم هذا المسجد كما قتلت بنو إسرائيل على دم يحيى بن زكريا ثم أمروا بإزالتها فشرعوا في ذلك فما أزالوا ثلثها حتى فتحها المسلمون فأزالها عمر بن الخطاب وقد استقصى هذا كله بأسانيده ومتونه الحافظ بهاء الدين بن الحافظ أبي القاسم بن عساكر في كتابه المستقصى في فضائل المسجد الأقصى.

وذكر سيف في سياقه أن عمر رضى الله عنه ركب من المدينة على فرس ليسرع السير بعد ما استخلف عليها علي بن أبي طالب فسار حتى قدم الجابية فنزل بها وخطب بالجابية خطبة طويلة بليغة منها أيها الناس أصلحوا سرائركم تصلح علانيتكم واعملوا لآخرتكم تكفوا أمر دنياكم واعلموا أن رجلا ليس بينه وبين آدم أب حي ولا بينه وبين الله هوادة فمن أراد لحب طريق وجه الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد ولا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن وهي خطبة طويلة اختصرناها.

ثم صالح عمر أهل الجابية ورحل إلى بيت المقدس وقد كتب إلى أمراء الأجناد أن يوافوه في اليوم الفلاني إلى الجابية فتوافوا أجمعون في ذلك اليوم إلى الجابية فكان أول من تلقاه يزيد بن أبي سفيان ثم أبو عبيدة ثم خالد بن الوليد في خيول المسلمين وعليهم يلامق الديباج فسار إليهم عمر ليحضنهم فاعتذروا إليه بأن عليهم السلاح وأنهم يحتاجون إليه في حروبهم فسكت عنهم واجتمع الأمراء كلهم بعدما استخلفوا على أعمالهم سوى عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة، فينما عمر في الجابية إذا بكردوس من الروم بأيديهم سيوف مسللة فسار إليهم المسلمون بالسلاح فقال عمر إن هؤلاء قوم يستأمنون فساروا نحوهم فإذا هم جند من بيت المقدس يطلبون الأمان والصلح من أمير المؤمنين حين سمعوا بقدومه فأجابهم عمر رضى الله عنه إلى ما سألوا وكتب لهم كتاب أمان ومصالحة وضرب عليهم الجزية واشترط عليهم شروطا ذكرها ابن جرير وشهد في الكتاب خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان وهو كاتب الكتاب وذلك سنة خمس عشرة ثم كتب لأهل لد ومن هنالك من الناس كتابا آخر وضرب عليهم الجزية ودخلوا فيما صالح عليه أهل إيلياء.

ولما صالح أهل الرملة وتلك البلاد أقبل عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة حتى قدما الجابية فوجدا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب راكبا فلما اقتربا منه أكبا على ركبتيه فقبلاها واعتنقهما عمر معا رضى الله عنهم قال سيف ثم سار عمر إلى بيت المقدس من الجابية وقد توخى فرسه فأتوه ببرذون فركبه فجعل يهملج به فنزل عنه وضرب وجهه وقال لا علم الله من علمك هذا من الخيلاء ثم لم يركب برذونا قبله ولا بعده ففتحت إيلياء وأرضها على يديه ماخلا أجنادين فعلى يدي عمرو وقيسارية فعلى يدي معاوية هذا سياق سيف بن عمر وقد خالفه غيره من أئمة السير فذهبوا إلى أن فتح بيت المقدس كان في سنة ست عشرة.

قال أبو مخنف لما قدم عمر الشام فرأى غوطة دمشق ونظر إلى المدينة والقصور والبساتين تلا قوله تعالى ((كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين))

ثم أنشد قول النابغة:

هما فتيا دهر يكر عليهما
إذا ما هما مرا بحي بغبطة



نهار وليل يلحقان التواليا
أناخا بهم حتى يلاقوا الدواهيا




وقد روينا أن عمر حين دخل بيت المقدس سال كعب الأحبار عن مكان الصخرة فقال يا أمير المؤمنين اذرع من وادي جهنم كذا وكذا ذراعا فهي ثم فذرعوا فوجدوها وقد اتخذها النصارى م**لة كما فعلت اليهود بمكان القمامة وهو المكان الذي صلب فيه المصلوب الذي شبه بعيسى فاعتقدت النصارى واليهود أنه المسيح وقد كذبوا في اعتقادهم هذا كما نص الله نص الله تعالى على خطئهم في ذلك والمقصود أن النصارى لما حكموا على بيت المقدس قبل البعثة بنحو من ثلثمائة سنة طهروا مكان القمامة واتخذوه كنيسة هائلة بنتها أم الملك قسطنطين باني المدينة المنسوبة إليه واسم أمه هيلانة الحرانية البندقانية وأمرت ابنها فبنى للنصارى بيت لحم على موضع الميلاد وبنت هي على موضع القبر فيما يزعمون والغرض أنهم اتخذوا مكان قبلة اليهود م**لة أيضا في مقابلة ما صنعوا في قديم الزمان وحديثه فلما فتح عمر بيت المقدس وتحقق موضع الصخرة أمر بإزالة ما عليها من الكناسة حتى قيل أنه كنسها بردائه ثم استشار كعبا أين يضع المسجد فأشار عليه بأن يجعله وراء الصخرة فضرب في صدره وقال يا ابن أم كعب ضارعت اليهود وأمر ببنائه في مقدم بيت المقدس قال الإمام أحمد حدثنا أسود بن عامر ثنا حماد بن سلمة عن أبي سنان عن عبيد بن آدم وأبي مريم وأبي شعيب أن عمر بن الخطاب كان بالجابية فذكر فتح بيت المقدس قال قال ابن سلمة فحدثنى أبو سنان عن عبيد بن آدم سمعت عمر يقول لكعب أين ترى أن أصلى قال إن أخذت عنى صليت خلف الصخرة وكانت القدس كلها بين يديك فقال عمر ضاهيت اليهودية لا ولكن أصلي حيث صلى رسول الله فتقدم إلى القبلة فصلى ثم جاء فبسط ردائه وكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس وهذا إسناد جيد اختاره الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتابه المستخرج وقد تكلمنا على رجاله في كتابنا الذي أفردناه في مسند عمر ما رواه من الأحاديث المرفوعة وما روى عنه من الآثار الموقوفة مبوبا على أبواب الفقه ولله الحمد والمنة.


وقال أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني الربيع بن ثعلب نا أبو إسماعيل المؤدب عن عبد الله بن مسلم ابن هرمز المكي عن ابي الغالية الشامي قال قدم عمر بن الخطاب الجابية على طريق إيلياء على جمل أورق تلوح صلعته للشمس ليس عليه قلنسوة ولا عمامة تصطفق رجلاه بين شعبتي الرحل بلا ركاب وطاؤه **اء إنبجاني ذو صوف هو وطاؤه إذا ركب وفراشه إذا نزل حقيبته نمرة أو شملة محشوة ليفا هي حقيبته إذا ركب ووسادته إذ نزل وعليه قميص من كرابيس قد رسم وتخرق جنبه فقال ادعوا لي رأس القوم فدعوا له الجلومس فقال اغسلوا قميصي وخيطوه وأعيروني ثوبا أو قميصا فأتى بقميص كتان فقال ما هذا قالوا كتان قال وما الكتان فأخبروه فنزع قميصه فغسل ورقع وأتى به فنزع قميصهم ولبس قميصه فقال له الجلومس أنت ملك العرب وهذه البلاد لا تصلح بها الإبل فلو لبست شيئا غير هذا وركبت برذونا لكان ذلك أعظم في أعين الروم فقال نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فلا نطلب بغير الله بديلا فأتى ببرذون فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل فركبه بها فقال احبسوا احبسوا ما كنت أرى الناس يركبون الشيطان قبل هذا فأتى بجمله فركبه.

وقال إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا سعدان بن نصر حدثنا سفيان عن أيوب الطائي عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال لما قدم عمر الشام عرضت له مخاضة فنزل عن بعيره ونزع موقيه فأمسكهما بيده وخاض الماء ومعه بعيره فقال له أبو عبيدة قد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل الأرض صنعت كذا وكذا قال فصك في صدره وقال أولو غيرك يقولها يا أبا عبيدة إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس فأعزكم الله بالإسلام فمهما تطلبوا العز بغير يذلكم الله.


أما العهدة العمرية التي أجمع عليها صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فهذا نصها:

( بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحيمِ ، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان - وإيلياء هي القدس - أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ، ولكنائسهم وصلبانهم ، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها ، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ، ولا ينتقص منها ولا من حيزها ، ولا من صليبهم ، ولا من شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم ، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود ، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن ، وعليهم أن يخرجوا منها الروم ، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا أمنهم ، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية ، شهد على ذلك خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاوية بن أبي سفيان وكتب وحضر سنة خمس عشرة )


فتنة في العاصمة قرطبة:

من حوادث اليوم الثالث عشر من شهر رمضان الفتنة التي وقعت في قرطبة سنة 202 هـ إبان خلافة الحَكَم بن هشام الأموي
قال في (المغرب 1/42) وفي سنة 202 كانت وقعة (الرَبَض).
وأصل ما هاجها أن بعض مماليك الحكم رفع سيفاً إلى صيقل (الرجل المختص بصقل وإصلاح السيوف) فمطله ، والغلام يتكرر عليه والصيقل يتهكم به ، فأغلظ الغلام للصيقل ، وآل الأمر إلى أن خبطه به الصيقل فقتله !!
وثار الهيج لوقته، كأنما الناس كانوا يرتقبونه فهتفوا بالخلعان (أي خلع الخليفة الحَكَم) وأول من شهر السلاح أهل الربض القبلي بعدوة النهر ، ثم ثار أهل المدينة (قرطبة) والأرباض (النواحي) وانحاز الأمويون وأتباعهم إلى القصر ، فارتقى الحكم السطح وحرك حفائظ الجند (أي حمسهم وشجعهم) فآل الآمر إلى أن غلبهم الجند وأفشوا القتل وتتبعوا الدور ، وقتل الحكم بعد ذلك من أسراهم نحو ثلاثمائة صلبهم على النهر .
وكان يوم هذه الوقعة يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من رمضان سنة 202.
فلما كان اليوم الثاني أمر الحكم بن هشام بهدم الربض القبلي حتى صار مزرعة، ولم يعمر طول مدة بني أمية ، وبعد ثلاثة أيام أمر برفع القتل والأمان على أن يخرجوا من قرطبة.

وقال صاحب الكامل في التاريخ:

في هذه السنة كانت بقرطبة الوقعة المعروفة بالربض وسببها أن الحكم ابن هشام الأموي صاحبها كان كثير التشاغيل باللهو والصيد والشرب وغير ذلك مما يجانسه وكان قد قتل جماعة من أعيان قرطبة فكرهه أهلها وصاروا يتعرضون لجنده بالأذى والسب إلى أن بلغ الأمر بالغوغاء أنهم كانوا ينادون عند انقضاء الأذان‏:‏ الصلاة يا مخمور الصلاة وشافهه بعضهم بالقول وصفقوا عليه بالأكف فشرع في تحصين قرطبة وعمارة أسوارهأن وحفر خنادقها وارتبط الخيل على بابه واستكثر المماليك ورتب جمعًا لا يفارقون باب قصره بالسلاح فزاد ذلك في حقد أهل قرطبة وتيقنوا أنه يفعل ذلك للانتقام منهم‏.‏
ثم وضع عليهم عشر الأطعمة كل سنة من غير حرص فكرهوا ذلك ثم عمد إلى عشرة من رؤساء سفهائهم فقتلهم وصلبهم فهاج لذلك أهل الربض وانضاف إلى ذلك أن مملوكًا له سلم سيفًا إلى صقيل ليصقله فمطله فأخذ المملوك السيف فلم يزل يضرب الصقيل به إلى أن قتله وذلك في رمضان من هذه السنة‏.‏
فكان أول من شهر السلاح أهل الربض واجتمع أهل الربض جميعهم بالسلاح واجتمع الجند والأمويون والعبيد بالقصر وفرق الحكم الخيل والأسلحة وجعل أصحابه كتائب ووقع القتال بين الطائفتين فغلبهم أهل الربض وأحاطوا بقصره فنزل الحكم من أعلى القصر ولبس سلاحه وركب وحرض الناس فقاتلوا بين يديه قتالًا شديدًا‏.‏
ثم أمر ابن عمه عبيد الله فثلم في السور ثلمة وخرج منها ومعه قطعة من الجيش وأتى أهل
الربض من وراء ظهورهم ولم يعلموا بهم فأضرموا النار في الربض وانهزم أهله وقتلوا مقتلة عظيمة وأخرجوا من وجدوا في المنازل والدور فأسروهم فانتقى من الأسرى ثلاثمائة من وجوههم فقتلهم وصلبهم منكسين وأقام النهب والقتل والحريق والخراب في أرباض قرطبة ثلاثة أيام‏.‏
ثم استشار الحكم عبد الكريم بن عبد الواحد بن عبد المغيث ولم يكن عنده من يوازيه في قربه فأشار عليه بالصفح عنهم والعفو وأشار غيره بالقتل فقبل قوله وأمر فنودي بالأمان على أنه من بقي من أهل الربض بعد ثلاثة أيام قتلناه وصلبناه فخرج من بقي بعد ذلك منهم مستخفيا وتحملوا على الصعب والذلول خارجين من حضرة قرطبة بنسائهم وأولادهم وما خف من أموالهم وقعد لهم الجند والفسقة بالمراصد ينهبون ومن امتنع عليهم قتلوه‏.‏
فلما انقضت الأيام الثلاثة أمر الحكم بكف الأيدي عن حرم الناس وجمعهن إلى مكان وأمر بهدم الربض القبلي‏.‏
وكان بزيع مولى أمية ابن الأمير عبد الرحمن بن معاوية بن شهام محبوسًا في حبس الدم بقرطبة في رجليه قيد ثقيل فلما رأى أهل قرطبة قد غلبوا الجند سأل الحرس أن يفرجوا له فأخذوا عليه العهود إن سلم أن يعود إليهم وأطلقوه فخرج فقاتل قتالًا شديدًا لم يكن في الجيش مثله فلما انهزم أهل الربض عاد إلى السجن فانتهى خبره إلى الحكم فأطلقه وأحسن إليه وقد ذكر بعضهم هذه الوقعة سنة اثنتين ومائتين‏.‏


معركة الزلاقة في الأندلس:

ومن حوادث اليوم الثالث عشر من شهر رمضان معركة الزلاقة.
والزلاقة بطحاء قرب مدينة، قرطبة وقعت عندها معركة طاحنة بين المسلمين والفرنجة سنة 479هـ انتهت بنصر بين المسلمين.
وسبب تلك المعركة تطاول ملك قشتالة الفرنجي "الأذفونش" على سلطان المسلمين في الأندلس "المعتمد بن عباد" وتهديده إياه وسخريته منه ، حتى وصل به الأمر إلى أن كتب له رسالة يقول فيها:
ـ كثر بطول مقامي في مجلسي الذباب، واشتد عليّ الحر (الاستقصا في أخبار دول المغرب الأقصى 1/38)، فأتحفني من قصرك بمروحة أروح بها عن نفسي ، وأطرد بها الذباب عن وجهي.
فرد عليه "ابن عباد" على الرغم من ضعفه وقلة جنوده بقوله :
ـ قرأت كتابك، وفهمت خيلاءك وإعجابك ، وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية تروّح منك لا تروح عليك إن شاء الله تعالى !!
وقرر "ابن عباد" أن يستعين بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين سلطان المغرب، فأرسل اليه مستفتياً به، فقال يوسف مجيباً بعد أن أدرك ظهور موقف المسلمين في مواجهة ملك مشتالة:
ـ أنا أول منتدَب لنصرة هذا الدين.!!
ولما خوف رجال "ابن عباد" ملكهم من تسلط "يوسف بن تاشفين" عليه إذا نزل الأندلس، أجابهم بكلمته الشهيرة :
ـ رعي الجمال (أي عند ابنٌ تاشفين) خير من رعي الخنازير (أي عند ملك قشتاله).
وفعلاً فقد عبر البحر ابنُ تاشفين منجداً لابن عباد وتلاقى معه ، واستعدا بقواتهما خير استعداد لملاقاة الأذفونش ملك قشتالة.
وكان المعتمد بن عباد يردد وهو يسير في الحملة:
لابد من فرج قريبْ يأتيك بالعجب العجيبْ
غزو عليك مبارك سيعود بالفتح القريبْ
لا بد من يوم يكون له أخاً يومُ القليبْ.
وفي صبيحة يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رمضان التقى جيش المسلمين يقوده (ابن عباد وابن تاشفين) بجيش الفرنجة يقوده (الأذفونش) ، وكانت معركة طاحنة، صدق فيها المسلمون الحملة على أعداء الله حتى أخرجوهم من محلتهم ، فولوا ظهورهم وأعطوا أعناقهم والسيوف تصفعهم والرماح تطعنهم ، وهرب الأذفونش في ستة من أصحابه تاركاً جنوده وقواده يلاقون مصارعهم ، وأعز الله دينه، وأعلى كلمته، وعادت للمسلمين عزتهم ولو إلى حين بعد معركة الزلاقة هذه.


رد هجوم الصليبيين الألمان على عكا

ومن حوادث اليوم الثالث عشر من شهر رمضان أن المسلمين بثباتهم وشجاعتهم وقوتهم دمروا آلات الفرنجة الحربية الضخمة التي لم يسبق للمسلمين أن رأوها، او عرفوها من قبل.
جاء في كتاب ( الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية 4/159 ) أن ملك الألمان - الذي قاد أضخم هجمة صليبية ضد بلاد الشام - اتخذ وهو يحاصر عكا من الآلات العجيبة والصنائع الغريبة ما هال الناظر إليه، وخيف على البلد منه .
فمما أحدثه آلة عظيمة تسمى (دبابة) يدخل تحتها من المقاتلة خلق عظيم ، وهي ملبّسةٌ بصفائح الحديد، ولها من تحتها عَجَل تحرك بها من داخل، وفيها المقاتلة ، حتى ينطح بها السور، ولها رأس عظيم برقبة شديدة من حديد وهي تسمى كبشا، ينطح بها السور بشدة عظيمة فتهدمه بتكرار نطحها.
وآلة أخرى تسمى (سفود) رأسها محدد على مثال السكة التي يحرث بها، بينما رأس الكبش مدور ، وفي هذه الآلة رجال تسحبه وتدفعه نحو السور ليهدم رأس الكبش بثقله، وتهدم السكة بحدتها وثقلها.
كما أعد هذا الملك المهاجم في البحر بطسة (سفينة) هائلة صنعوا فيها برجاً بخرطوم ، فإذا أرادوا قلبه على السور انقلب بالحركات (أي بالآلات المحركة) ويبقى (أي يصنع) طريقاً إلى المكان الذي ينقلب عليه يمشي فوقه المقاتلة
وعزم ملك الألمان تقريب برج تلك السفينة إلى برج الذبان (من أبراج عكا تحت سيطرة المسلمين يقع على مدخل الميناء ويؤمن حماية له) ليأخذوه به أي يعبروا فوق الجسر المعلق من برج سفينتهم إلى برج الحماية.
كما أنه عزم على دفع سفينة محملة بالحطب نحو سفن المسلمين ، حتى إذا توسطتها ألقى عليها النار من بعيد ، فتحترق تلك السفينة المحملة بالحطب وتحرق معها سفن المسلمين في مدخل ميناء عكا.
لكن المسلمين كما قال العماد: نصبوا على صوبها المنجنيق ، ورموا بالحجارة الثقيلة ذلك النيق ، فأبعدت (الرماية الشديدة) رجالَ تلك الآلات من حواليها ، ثم رموها بحزم الحطب حتى طمّوا ما بين قرني الكبش ، وقذفوا بالنار, وتمكنت النار من أضلاعها ثم خسفها المنجنيق ، وخرج من بالثغر من المسلمين فقطعوا رأس الكبش ، واستخرجوا ما تحت الرماد من العدد بالنبش... وكان ذلك في ثالث عشر من رمضان.


استنجاد صلاح الدين بسلطان المغرب

ومن حوادث اليوم الثالث عشر من رمضان أن رسولَ الملك الناصر صلاحِ الدين عبُد الرحمن بن منقذ الذي بعثه إلى ملك المغرب يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن لطلب النجدة ، خرج من مصر يوم الثالث عشر من رمضان.
يقول أبو شامة في (الروضتين 4/190) : بلغني أن السلطان رحمه الله لما اشتد أمر الفرنج على عكا أرسل إلى ملك المغرب يستجند به عليهم ، ليقطع عنه مادتهم من جهة البحر
ومما جاء في كتاب صلاح الدين إليه بعد شرح الموقف في المشرق. قال:
ـ وإن هذا العدو لو أرسل الله عليه أسطولاً قوياً مستعداً يقطع بحره ويمنع ملكه، لأخذنا العدو بالجوع والحصر, أو برز (أي للقتال) فأخذناه بيد الله تعالى التي بها النصر. فإن كانت الأساطيل بالجانب المغربي ميسرة والعدة منها متوفرة والرجال في اللقاء فارهة وللمسير غير كارهة أي إذا كنتم مستعدين فالبدار البدار، وأنت أيها الأمير فيها أول من استخار الله وسار.
وأرسل إليه بهدية ثمينة جاء تفصيلها: ختمة كريمة في ربعة مخيشة مسك ثلاث مئة مثقال عنبر, عشر قلائد عددها ست مائة حبة عود في سفط عشرة أمناء دهان بلسان مائة درهم واحدة, قسي بأوتارها مائة, وقوسان, سروج عشرون, نصول سيوف هندية عشرون نشاب يا سج خاص مريش كبير ومتوسط ضمن صندوق خشب مجلدة محددة سبع مئة سهم.
قال: وكان إقلاعه من الإسكندرية في شيني (سفينة) عمارته مئة وعشرون. في ثالث عشر رمضان سنة 586هـ.


وفاة شيخ المحققين الفقيه الشافعي البجيرمي:

ومن مشاهير الإسلام ورجاله الذين توفوا في هذا اليوم: العلامة الفقيه المحدث خاتمة المحققين الشيخ سليمان محمد بن محمد بن عمر البجيرمي الشافعي صاحب حاشية الجبيرمي علي الخطيب في الفقه الشافعي (عجائب الآثار 1/575)
كان إنساناً حسناً حميد الأخلاق مقبلاً على شأنه ، وقد انتفع به خلق كثيرون سافر إلى مصطية بالقرب من بجيرم فتوفى بها ليلة الاثنين وقت السحر ثالث عشر رمضان.


وفاة شيخ القيروان ابي عمران الفاسي الفقيه المالكي:

ومن حوادث اليوم الثالث عشر من رمضان وفاة الإمام الكبير العلامة عالم القيروان أبي عمران موسى بن عيسى الزناتي الفاسي المالكي
تفقه بأبي الحسن القابسي ، وهو أكبر تلامذته ، ودخل إلى الأندلس ، فتفقه بأبي محمد الأصيلي . وسمع من عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، وأحمد بن القاسم التاهرتي .
قال أبو عمر بن عبد البر : كان صاحبي عندهم ، وأنا دللته عليهم .
قلت : حج غير مرة ، وأخذ القراءات ببغداد عن أبي الحسن الحمامي ، وغيره ، وسمع من أبي الفتح بن أبي الفوارس ، والموجودين ، وأخذ علم العقليات عن القاضي أبي بكر بن الباقلاني في سنة تسع وتسعين وسنة أربع مائة .
قال حاتم بن محمد : كان أبو عمران من أعلم الناس وأحفظهم ، جمع حفظ الفقه إلى الحديث ومعرفة معانيه ، وكان يقرأ القراءات ويجودها ، ويعرف الرجال والجرح والتعديل ، أخذ عنه الناس من أقطار المغرب ، لم ألق أحدا أوسع علما منه ، ولا أكثر رواية .
قال ابن بشكوال أقرأ الناس بالقيروان ، ثم ترك ذلك ، ودرس الفقه ، وروي الحديث .
قال ابن عبد البر : ولدت مع أبي عمران في سنة ثمان وستين وثلاث مائة .
قال أبو عمرو الداني : توفي في ثالث عشر رمضان سنة ثلاثين وأربع مائة .
قلت : تخرج بهذا الإمام خلق من الفقهاء والعلماء . وحكى القاضي عياض قال : حدث في القيروان مسألةً في الكفار ; هل يعرفون الله -تعالى- أم لا ؟ فوقع فيها اختلاف العلماء ، ووقعت في ألسنة العامة ، وكثر المراء ، واقتتلوا في الأسواق إلى أن ذهبوا إلى أبي عمران الفاسي ، فقال : إن أنصتم ، علمتكم . قالوا : نعم . قال : لا يكلمني إلا رجل ، ويسمع الباقون . فنصَّبُوا واحدا ، فقال له : أرأيت لو لقيت رجلا ، فقلتَ له : أتعرف أبا عمران الفاسي؟ قال : نعم . فقلت له : صفه لي . قال : هو بقَّالٌ في سوق كذا ، ويسكن سبتة ، أكان يعرفني؟ فقال : لا . فقال : لو لقيت آخر فسألته كما سألت الأول ، فقال أعرفه ، يدرس العلم ، ويفتي ، ويسكن بغرب الشماط أكان يعرفني ؟ قال : نعم . قال : فكذلك الكافر قال : لربِّه صاحبة وولد ، وأنه جسم ، فلم يعرف الله ولا وَصَفَهُ بصفته بخلاف المؤمن . فقالوا : شفيتنا . ودعوا له ، ولم يخوضوا . بعد في المسألة .
قلت : المشركون والكتابيون وغيرهم عرفوا الله تعالى بمعنى أنهم لم يجحدوه ، وعرفوا أنه خالقهم ، قال تعالى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وقال: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فهولاء لم ينكروا البارئ ، ولا جحدوا الصانع ، بل عرفوه ، وإنما جهلوا نعوته المقدسة ، وقالوا عليه ما لا يعلمون ، والمؤمن فعرف ربَّه بصفات الكمال ، ونفى عنه سمات النقص في الجملة ، وآمن بربه ، وكف عما لا يعلم ، فبهذا يتبين لك أن الكافر عرف الله من وجه ، وجهله من وجوه ، والنبيون عرفوا الله تعالى ، وبعضهم أكمل معرفة لله ، والأولياء فعرفوه معرفة جيدة ، ولكنها دون معرفة الأنبياء ، ثم المؤمنون العالمون بعدهم ، ثم الصالحون دونهم . فالناس في معرفة ربهم متفاوتون ، كما أن إيمانهم يزيد وينقص ، بل وكذلك الأمة في الإيمان بنبيهم والمعرفة له على مراتب ، فأرفعهم في ذلك أبو بكر الصديق مثلا ، ثم عدد من السابقين ، ثم سائر الصحابة ، ثم علماء التابعين ، إلى أن تنتهي المعرفة به والإيمان به إلى أعرابي جاهل وامرأة من نساء القرى ، ودون ذلك . وكذلك القول في معرفة الناس لدين الإسلام .


قال حاتم بن محمد (سير أعلام النبلاء 17/454) كان أبو عمران من أعلم الناس وأحفظهم جمع حفظ الفقه إلى الحديث ومعرفة معانيه، وكان يقرأ القراءات ويجودها، ويعرف الرجال والجرح والتعديل.
حكى القاضي عياض قال: حَدَثَ في القيروان مسألة في الكفار: هل يعرفون الله تعالى أم لا؟ فوقع فيها اختلاف العلماء، ووقعت في ألسنة العامة وكثر المراء، واقتتلوا في الأسواق، إلى أن ذهبوا إلى ابي عمران الفاسي فقال:
ـ إن أنصتم علمتكم.
قالوا : نعم.
قال: لا يكلمني إلا رجل ، ويسمع الباقون ...فنصّبوا واحداً.
فقال له: أرأيت لو لقيت رجلاً فقلتَ له: أتعرف أبا عمران الفاسي قال : نعم ، فقلت له : صفه لي . قال : هو بقّال في سوق كذا ويسكن سبتة. أكان يعرفني؟
فقال: لا.
فقال :لو لقيت آخر فسألته كما سألت الأول؟ فقال: أعرفها يدرس العلم ويفتي ويسكن بغرب الشماط أكان يعرفني؟ قال : نعم.
قال : فكذلك الكافر. قال لربه صاحبة وولد، وأنه جسم، فلم يعرف إلهه ، ولا وصفه بصفته بخلاف المؤمن.
فقال: شفيتنا ودعوا له. ولم يخوضوا بعد في المسألة.
قال أبو عمرو الداني : توفي أبو عمران في ثالث عشر من رمضان سنة ثلاثين وأربعمائة رحمه الله.


مبايعة عبد الرحمن بن هشام بالخلافة في قرطبة:

في الثالث عشر من شهر رمضان عام 414هـ الموافق 28 نوفمبر 1023م ، بويع عبد الرحمن بن هشام بالخلافة في قرطبة ، وهو أموي تلقب بالمستظهر بالله، وكانت خلافته لمدة شهر واحد وسبعة عشر يومًا.

تعرض المسجد النبوي لصاعقة:

في الثالث عشر من شهر رمضان عام 886هـ الموافق 5 نوفمبر 1481م تعرض المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة لصاعقة أحرقت المبنى وسلمت القبة والقبر.


إعدام اليهود للشيخ فرحان السعدي:

ومن حوادث اليوم الثالث عشر من شهر رمضان حادثة حزينة كئيبة هي إعدام أحد الأبطال المجاهدين في فلسطين الحبيبة.

ولد الشيخ فرحان السعدي في قرية المزار من أعمال قضاء جنين في لواء نابلس في منتصف القرن التاسع عشر، وتلقى علومه في كتّاب القرية ومدرسة جنين الابتدائية، إلا أنه كان مولعاً في شبابه بتلقي الدروس الدينية في المساجد، والاجتماع مع العلماء ورجال الدين، فأضفت عليه نشأته الدينية والعلمية مهابة واحتراماً في بيئته، ولما احتل الإنكليز فلسطين كان يعرف بين الناس بالشيخ فرحان.
شارك الشيخ فرحان في المؤتمرات الوطنية وفي المظاهرات ضد السلطة بصورة متواصلة، وفي ثورة 1929 ألّف عصبة من المجاهدين في قضاء جنين تصدت للحكام بالتمرد والعصيان، فقبضت عليه السلطة وسجنته ثلاثة أعوام في سجن عكا وسجن نور شمس، ولما خرج من السجن انتقل إلى حيفا وهناك اتصل بالشيخ عز الدين القسام وانضم تحت لوائه.
وفي 17 نيسان/أبريل 1936 هاجم الشيخ فرحان السعدي ورفيقه الشيخ عطية أبو أحمد القافلة اليهودية، ثم انتقل بعد هذه الحادثة التي أدت إلى ثورة 1936 مع رفاقه إلى الجبال معتصمين بوعورها وكهوفها يناضلون طوال المرحلة الأولى. ومنذ مقتل ((أندروز)) بثت السلطة عيونها تتعقب القساميين حتى تمكنت من القبض على الشيخ فرحان وثلاثة آخرين من رفاقه. ولما كانت السلطة تعلم أن الشيخ هو العقل الأول في العصبة بعد استشهاد القسام فقد حاكمته محاكمة صورية في ثلاث ساعات موجهة إليه تهمة مقتل ((أندروز))، وأصدرت حكمها بعدها بالإعدام شنقاً.
رفض السعدي أن يتكلم في أثناء المحاكمة مدافعاً عن نفسه، فكان هادئاً وكانت كلماته قليلة جداً وجريئة، وعندما سألوه: أأنت مذنب؟ أجاب: ((معاذ الله أن أكون مذنباً)). وعندما سألوه في أثناء مفاجأته في مخبئه والقبض عليه إن كان يملك أسلحة، أجاب بنعم، وبأنه يملك مسدساً قديماً معلقاً على الحائط في بيته.
تبرع للدفاع عن السعدي عدد من المحامين وكانت حجتهم في الدفاع عنه أنه لم يقبض عليه وهو يستعمل السلاح، وأنه قد ذكر من تلقاء نفسه بأنه يملك مسدساً، كما أنه أكبر عمراً من أن يتمكن من القيام بأي عمل حربي، إلا أن المحكمة العسكرية تألفت قبل (80 عاماً) أيام قليلة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر لم تأخذ بأي من هذه الحجج ولم تستمع إلى النداءات العربية الصادرة من فلسطين ومن خارجها بتخفيف حكم الإعدام، فقد قررت الحكم ونفذته في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1937، ولم تبالِ بكون الشيخ السجين صائماً في شهر رمضان، فنفّذ فيه الحكم. إلا أن النتيجة جاءت على عكس ما توخته الحكومة، إذ لم يحدث في تاريخ البلاد أن أعدم شيخ في مثل عمره، وفي شهر رمضان المبارك.
أدى إعدام السعدي إلى انبعاث الحماسة الجماهيرية الثورية من جديد، وقد اشتهرت حادثة إعدام السعدي إلى درجة أنها طغت على دوره الكبير، وعلى حقيقته كباعث رئيسي من بواعث الثورة، إلا أن رفاقه يعترفون له بذلك، فقد لقبه المؤرخ القسامي صبحي ياسين ((بالمجاهد الصادق))، كما ذكر بأنه ((خليفة الشهيد القسام وأول من أطلق رصاصة في سنة 1936)).
ويبقى الشيخ فرحان السعدي منارة من منارات الجهاد، ومدرسة للمقاومة ينهل منها المقاومون على مدار الزمان.

وفي يوم من أيام سنة 1937 قام المجاهدون الفلسطينيون باغتيال حاكم الجليل (اندروز) لدوره في تمليك اليهود كثيرا من أراضي منطقة الجليل العليا ، وقد ردت سلطات الاحتلال الإنجليزي على ذلك بحل اللجنة العربية العليا ، وعزل رئيسها المفتي الحاج أمين الحسيني وقامت بحملة اعتقالات لأعضائها ، إلا أن رئيسها الحاج أمين الحسيني نجح في الوصول سراً إلى بيروت.
فلما عجزت السلطات اليهودية عن اعتقال رئيس اللجنة العربية العليا ما كان منها إلا أن اعتقلت رفيق الشيخ المجاهد الشيخ عز الدين القسام الشيخ فرحان السعدي في 8 رمضان سنة 1356هـ وهو في الثمانين من عمره لدوره المشرف في قيادة الجهاد بعد استشهاد القسام ، فكانت تضمر له الحقد وترغب في الانتقام منه.
وعند تفتيش بيت الشيخ فرحان السعدي وجدت السلطات بندقية قديمة، فتذرعت بها لإحالته إلى المحكمة العسكرية في حيفا بتهمة تنظيم الثورة ، وأصدرت حكماً بإعدامه شنقاً بعد يومين.
وعلى الرغم من كل التدخلات التي تدنت مطالبها شيئاً فشيئاً حتى اكتفت بطلب تأجيل الإعدام إلى ما بعد شهر رمضان !! إلا أن المندوب السامي الإنكليزي رفض كل المطالب بإصرار ، في الوقت الذي رفض فيه الشيخ فرحان السعدي تهمة اغتيال (اندروز) أو الاعتراف بالذنب ، فعلقت المشنقة وأعدم الشيخ فرحان السعدي ابن الثمانين سنة وهو صائم يوم الثالث عشر من رمضان سنة 1356 يرحمه الله. (من كتاب الشيخ عز الدين القسام في تاريخ فلسطين).
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
14 رمضان

14 رمضان




حركة النفس الزكية

مفكرة الإسلام : إن الله عز وجل قد وضع مقدمات لنتائج وأسباباً لمسببات وسنناً كونية لا تتبدل ولا تتغير إلا بإذن الله عز وجل من أخذ بتلك الأسباب وسلك تكل المقدمات وصل للمسببات والنتائج حتى يقطع الطريق على هؤلاء الكسالي والمتواكلين الذين ينتظرون نصراً بلا عمل وفوزاً بلا سعي وسماءاً تمطر عليهم ذهباً وفضة , صفحتنا تلك مثال حي على إرادة التغيير دون اتخاذ العدة اللازمة لذلك , وإن تاريخ حركات التغيير ليعتبر باباً مستقلاً بذاته في التاريخ يجب دراسته والاستفادة منه وبيان أسباب نجاح وفشل بعض الحركات إن كنا نأمل في تغيير واقع ضخم بعيد كل البعد عن هدي الإسلام وصورة المجتمع المسلم المرجوة .
منذ أن خرج الحسين بن علي رضي الله عنهما على الخليفة الأموي يزيد بن معاوية وكأنها قد أصبحت سنة في البيت الطالبي يقوم بها من الحين للآخر رجال منهم فلقد أعقب الحسين حفيده زيد الخروج على هشام بن عبد الملك وانتهت كلتا الحركتين بقتل قائدها وتلي ذلك عبر التاريخ الإسلامي محاولات كثيرة للخروج على الحكم الذي اعتبره الطالبيون ظالماً ومخالفاً للكتاب والسنة وحركتنا تلك التي نؤرخ لها تعد أقوى حركات التغيير الطالبية والتي كادت أن تحقق ما قامت من أجله .
عندما قام العباسيون بدعوتهم لإزالة الأمويين رفعوا شعاراً يجمع الناس كلهم تحته على اختلاف مشاريعهم وأهوائهم وهو شعار الدعوة لمن يرضونه من آل محمد صلى الله عليه وسلم وساعد على ذلك العلاقة الطيبة بين البيت العباسي والبيت الطالبي وأن أصل دعوة العباسيين كانت بيد أبي هاشم بن محمد بن الحنفية ولم يكن له عقب فلم أحس بدنو أجله نقل الإمامة وشيعته إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس , وعندما تنجح الحركة العباسية وتزيل دولة بني أمية يفاجئ الطالبيون أن الدولة والحكم أصبح عباسياً محضاً فبدأ الطالبيون في المطالبة بحقهم في الحكم ولكن لم يظهر منهم شئ خلال حكم الخليفة العباسي الأول المعروف بالسفاح وإنما بدأ العمل بالحركة عند استلام أبي جعفر المنصور للأمر , حيث امتنع محمد بن عبد الله بن حسن وأخوه إبراهيم عن البيعة وكان هذا إيذاناً ببدء الحركة .
من هو قائد الحركة ؟
هو محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الملقب بالنفس الزكية لعلمه وورعه وعبادته وزهده والمسمى بصريح قريش لأن أمه وجداته كلهن عربيات لم تكن واحدة منهن من الجواري , كان ضخماً أسوداً شجاعاً عابداً زاهداً دنياً محبوباً عند الناس وهو أهيب في صدورهم من الأسد وكانت العيون والظنون كلها تتجه إليه عندما بدأ العباسيون دعوتهم للرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم حتى أنه ثبت تاريخياً أن الناس قد بايعوه سراً أيام ملك مروان بن محمد آخر الأمويين وكان من ضمن الذين بايعون أبو جعفر المنصور نفسه , فلا عجب إذا أن يكون مثل هذا الرجل ممن يقود تلك الحركة للتغيير حتى أنه نفسه وتحت ضغط أتباعه قد اعتقد أنه المهدي المذكور في الحديث لمواطأة اسمه لاسم النبي ولأنه من نسل فاطمة حتى شاع ذلك بين الناس فعلاً وصدقوه لذلك حاول أبو جعفر المنصور القيام بسياسة مضادة فأطلق على ولده لقب المهدي حتى عرف بعد ذلك بهذا اللقب وغلب على اسمه الحقيقي .
عندما رفض محمد وإبراهيم مبايعة أبي جعفر المنصور ألح في طلبهما وكلف والي المدينة زياد بن عبيد الله الحارثي بالبحث عنهما وإحضارهما ولكن زياداً تساهل لخوفه من أن تتلوث يداه بدمائهما فعزله المنصور وولى مكانه محمد بن عبد الله القسري وزوده بالمال اللازم لذلك ولكنه أبطأ في البحث عنهما لنفس السبب السابق فعزله المنصور وولى مكانه أعرابياً جلفاً غير معلوم ليتفانى في الطاعة وهو 'رياح بن عثمان المري ' فكان أول ما فعله هو أن قام بأخذ عبد الله بن حسن وباقي أخوته وأولاده وباقي آل الحسن فحبسهم في السجن ولكن محمداً وإبراهيم بقياً مختفيان وبالغا في الاختفاء والهروب , فلجأ عندها المنصور الداهية للحيلة والدهاء في استخراج محمد بن عبد الله وفي نفس الوقت شدد العذاب على آل الحسن حتى مات تحت التعذيب أخو عبد الله بن حسن لأمه وهو محمد العثماني ثم مات محمد بن إبراهيم بن حسن وعلي بن حسن بن حسن وكاتب المنصور النفس الزكية مظهراً أن هذا الرسائل من قواد الجيش العباسي الذين يتظاهرون بالتأييد للنفس الزكية وصدق النفس الزكية الكلام وهذا دعا أبا جعفر المنصور لأن يقول 'استخرجت الثعلب من جحره' .
بعد رحلة طويلة من الاختفاء والهروب مع المعاناة النفسية لما لحق بالأهل والعشيرة وتحت ضغط الأتباع تعجل محمد الخروج في المدينة وذلك قبل الموعد المقرر والمتفق عليه مع أخيه إبراهيم الذي سيخرج في البصرة ,وهذا العجلة عادة ما تتسبب في فشل الحركة بأسرها فخرج محمد في المدينة – والتي هي أصل الأماكن للثورات لوجود البيت الطالبي بفرعيه الحسني والحسيني فيه ولغلبة سيرة أبي بكر وعمر على أهلها – واستولى على مقاليد الأمور فيها في آخر شهر جمادى الآخرة وحبس واليها 'رياح المري' وأخذ البيعة من أهلها في المسجد النبوي ويروى أن الإمام مالك أفتى للناس بجواز ذلك وأن بيعتهم للمنصور بيعة مكره والغالب أن هذا لا يصح والصواب أن المنصور ضرب مالكاً على فتواه بعدم انعقاد طلاق المكره خوفاً من أن يتخذها الناس وسيلة للنكوث عن بيعته , ووصلت الأخبار للمنصور بخروج محمد في المدينة وكان المنصور لا يقدم على عمل حتى يستشير ذوي الكفاءات والمهارات والخبرة فيعمل بمشورة أصحابه ويرسل جيشاً بقيادة ابن أخيه وولي عهده من بعده – وقد خلعه بعد ذلك – عيسى بن موسى لمحاصرة المدينة .
عندما يعلم محمد بقدوم جيش المنصور يجمع أصحابه لاستشارتهم فيشير بعضهم بالخروج إلى مصر للتحصن بالأموال والرجال وهذا رأي سديد حكيم ولكن صوت العاطفة يغلب صوت العقل ويرفض الخروج من المدينة عملاً بالحديث 'رأيتني في درع حصينة فأولتها المدينة' وهذا عمل في غير محله , وصل جيش المنصور إلى حدود المدينة وألقى عليها الحصار وأرسل قائد الجيش عيسى بن موسى يستميل زعماء المدينة ويعرض على أهلها الأمان وهذا أدى لأن يتخلى الكثير عن النفس الزكية في أحرج اللحظات ودارت مفاوضات ورسائل بين الطرفين انتهت إلى حتمية القتال وقد كان في يوم الاثنين 14 رمضان 145هـ ودارت رحى حرب غير متكافئة ولكن من ثبت مع النفس الزكية كانوا من الأبطال الكمأة الذي يقدر الواحد منهم بالمئات وعلى رأسهم النفس الزكية والذي قتل بسيفه في تلك المعركة سبعين رجلاً وشعر ابن خضير 'مساعد النفس الزكية' بقرب الهزيمة فدخل المدينة مسرعاً وقتل رياح المري وأخاه ابن مسلم المري الذين سفكوا دم آل الحسن وأحرق ديوان الأسماء المشتركة مع النفس الزكية حتى لا يعرفوا ثم عرض على النفس الزكية أن يخرج لمكة ولكنه يرفض ويواصل القتال حتى يبقى وحده ويتكاثر عليه الناس فيقتلوه ووصلت الأخبار للمنصور أن النفس الزكية قد فر وهرب فقال المنصور 'لا نحن من أهل بيت لا نفر ' .
على الطرف الآخر كان إبراهيم قد خرج في البصرة على كره ومضض لأن أخاه طلب منه الخروج قبل الميعاد المعين لذلك ولكنه يضبط الأمور فيها وينضم إليه أبطال العراق وساداتهم وعلمائهم حتى أفتى أبو حنيفة بجواز الخروج معه وتبرع له بالمال الكثير ونزل المنصور بنفسه على رأس جيش عند الكوفة حتى لا ينضموا إلى البصرة ولو كان إبراهيم صاحب خبرة عسكرية لأمكن له وبسهوله القضاء على المنصور وجيشه , واستطاع إبراهيم أن يستولي على الأهواز وفارس وواسط وفي خضم الأحداث المتلاحقة جاءت الأخبار بمصرع النفس الزكية لأخيه إبراهيم فكسره ذلك بشدة وأثر على نفسيته وفي هذه الأثناء أرسل المنصور إلى جيشه في المدينة أن يأتي مسرعاً إلى البصرة وأرسل إلى قائد آخر اسمه خازم بن خزيمة أن يأتي لاستعادة الأهواز مرة أخرى , وهنا قرر إبراهيم التوجيه بجيوشه إلى الكوفة للاستيلاء عليها وبذلك يصبح العراق كله تحت رايته ولكن جيشه رغم ضخامته وسلاحه القوي إلا أن الاختلاف دب بين صفوف القادة بسبب الاختلاف على خطة القتال والتي غلب عليها أيضاً العاطفة والديانة .
المهم التقى الجيشان عند منطقة 'باخمرا' قريباً من الكوفة وكان النصر في بادي الأمر حليفاً لإبراهيم وجيشه وفر معظم قادة المنصور وعندما علم المنصور بذلك أعد الرواحل والإبل للهروب ولكن إبراهيم ارتكب غلطة تنظيمية في الحرب أدت في النهاية لهزيمة جيشه وقتله هو نفسه حيث أمر جنوده ألا يتبعوا أحد من الفارين عملاً بالقاعدة الشرعية في ذلك عند القتال بين المسلمين فإبراهيم أولاً وأخيراً مسلماً يعرف شرع ربه وعندها يرجع جيش إبراهيم ويكف عن ملاحقة الفارين وعندها انقلبت موازين القوى وقويت نفوس جيش المنصور وظنوا أن جيش إبراهيم رجع مهزوماً وتحمسوا في القتال .
كان المنصور قد سمع بأخبار هزيمة جيشه فأعد الإبل للهروب ولكن انكشفت الحقيقة وهي انتصار جيوشه على جيش إبراهيم الذي قتل في أرض المعركة بسهم جاءه في عنقه فنزل عن فرسه وهو يقول 'وكان أمر الله قدراً مقدوراً' وهكذا انتهت هذه الحركة بمقتل إبراهيم وتفرق أصحابه بعد الهزيمة ذلك لأنها حركة مرتبطة بشخص قائدها وكل حركة ترتبط بشخص أو قائد فيه حتماً دعوة وحركة ذاهبة وفانية لفناء البشر وعدم بقاءهم وأي حركة تريد أن تنجح وتستمر لابد لها من توافر كوادر وقيادات على كافة المستويات لتضمن التواصل .


قتل المختار بن عبيد الثقفي:

من حوادث اليوم الرابع عشر من رمضان المبارك مقتل المختار بن عبيد الثقفي ويكنى أبا إسحاق .
والمختار أخو صفية زوجةِ عبد الله بن عمر بن الخطاب ، خرج على الأمويين وعلى ابن الزبير، وسعى نحو السيطرة على العراق ، وكان له شأن وأخبار وإدعاءات.
يقول ابن الجوزي (المنتظم 5/67) عن رفاعة القتباني قال: دخلت على المختار فألقى إليّ وسادة وقال :
ـ لولا أن أخي جبريل قام عن هذه لألقيتها إليك!!
قال : فأردت أن أضرب عنقه فذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم( من أمّن مؤمناً على دمه فقتله فأنا من القاتل بريء.)..
وكانت ثورة المختار إبان حكم عبد الملك بن مروان وأيام عبد الله بن الزبير
قتل المختار لأربع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة سبع وستين هجرية وهو ابن سبع وستين سنة. على يد قائد جيش عبد الله بن الزبير مصعب بن الزبير.


فتح مدينة سرقوسة في صقلية:

ومن حوادث اليوم الرابع عشر من رمضان سنة 264هـ أن المسلمين ملكوا مدينة (سرقوسة) في جزيرة صقلية.
قال ابن الأثير في (الكامل 6/279) وفي هذه السنة رابع عشر رمضان ملك المسلمون سرقوسة ، وهي من أعظم صقلية.
وكان سبب ملكها أن جعفر بن محمد أمير صقلية غزاها وغيرها من البلاد التي بيد الروم أمثال قطانية وطبرمين ورمطه، ونازل سرقسطة براً وبحراً ، وملك بعض أرباضها، ووصلت مراكب للروم نجدة لها ، فسير إليها جعفر بن محمد أسطولاً فأصابوها فتمكنوا حينئذ من حصرها.
وأقام العسكر محاصرا لسرقوسة ستة أشهر إلى أن فتحت، وأصيب فيها من الغنائم ما لم يصب بمدينة أخرى ، ولم ينج من رجالها إلا الشاذ الفار .
وأقام المسلمون فيها بعد فتحها شهرين، ثم وصل من القسطنطينية أسطول للروم، فالتقوا هم والمسلمون، فظفر بهم المسلمون وأخذوا منهم أربع قطع ثم تركوهم.

إن الوجود الإسلامي في صقلية الذي دام 472 عاماً يمثل صفحة عامرة مشرقة في تاريخ الإسلام، صفحة عامرة بالبطولة والتضحية وحمل الدعوة، والاستماتة في سبيل حمل الدعوة وحمايتها. لكنه لم يخل من نكسات حالت دون مواصلة الفتح في عمق أوروبا وكانت من الأسباب الرئيسية في انحسار حمل الدعوة عن وسط أوروبا. ولعل تاريخ الفتوحات الإسلامية لم يعرف فتحاً أعنف وأقسى وأشق من فتح صقلية التي لم يسيطر المسلمون عليها سيطرة كاملة إلا بعد مرور ثلاثة أرباع القرن على نزول الفاتح أسد بن الفرات ورجاله إلى مرسى مزارا في جنوب غرب صقلية الموافق يوم الثلاثاء 18 ربيع الأول سنة 212هـ الموافق 17 يونيو 827م.

ولقد برز من خلال الفتح الإسلامي في صقلية أبطال أسطوريون انحنى أمامهم العدو احتراماً وتقديراً وأشادت الرواية الأوروبية بصلابة إرادة المسلمين وحسن قيادتهم وتأثيرهم الميداني والشخصي على سير الأحداث وفي طليعة هؤلاء أسد بن الفرات قاضي القيروان العالم الجليل الذي بلغ السبعين من عمره وتطوع لقيادة أول حملة لفتح صقلية ولولا إيمان هذا القائد وتأثيره القوي على الجنود لما تحقق هذا الفتح حيث انبهر المؤرخ الإيطالي أماري بشخصية هذا القائد في زهده وإيمانه، وقال عنه إنه رجل يتطلع إلى ما وراء هذا العالم ويتخذ من العلم والجهاد وسيلة لبلوغ الرسالة التي خرج من أجلها. وكذلك المجاهد إبراهيم الثاني الأغلبي الذي تخلى عن الملك لابنه عبد الله وجاء إلى صقلية مجاهداً زاهداً يبغي مجد الإسلام، وقد استطاع بحزمه وإيمانه أن يحقق للمسلمين السيطرة الكاملة على الجزيرة بعد اقتحام قلعة طيرمينة في عام 279هـ الموافق 902م وطرد آخر بيزنطي من صقلية. وكان إبراهيم يرمي إلى مواصلة التقدم في إيطاليا شمالاً والوصول إلى روما لفتحها مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن المرض لم يمهله لتحقيق حلمه فقضى نحبه قرب أسوار مدينة كوسنـزا. والمجاهد الثالث هو عباس بن الفضل الذي قاد جيوش أبي الأغلب إبراهيم أمير صقلية والذي تولى القيادة من بعده وكان له الفضل في فتح المسلمين قصربانه التي كانت من أهم المعاقل الدفاعية للجيش البيزنطي وذلك سنة 244هـ 859م) وفي إلحاق هزيمة نكراء بأسطول بنـزنطية قرب سيراكوزا واعتبر المؤرخون الأوروبيون عباس بن الفضل من أمهر وألمع القادة المسلمين الذين واجهتهم الجيوش الأوروبية.
أصبح المسلمون منذ انتصارات إبراهيم الثاني حتى بداية الغزو النورماني أسياداً بدون منازع لجزيرة صقلية لمدة مئة وخمسين عاماً تخللتها معارك وغارات وحملات متبادلة بين المسلمين والأوروبيين. ومع ذلك ظلت صقلية طيلة هذه الفترة أرضاً إسلامية واعتنق الكثير من أهل البلاد الدين الإسلامي وانخرطوا في الجهاد وشاركوا في فتح مالطة وبرز منهم كثير من الرجال الذين تبؤوا مناصب مهمة في صقلية نفسها وفي الأندلس ويكفي أن نذكر منهم جوهر الصقلي الذي وطد أركان الدولة الفاطمية وقد اعتبر المؤرخون أن التسعين عاماً التي حكمت الجزيرة خلالها الأسرة الكلبية الموالية للفاطميين العصر الذهبي لصقلية من حيث انتشار العلوم والفنون والثقافة ومن حيث ازدياد القوة العسكرية وحماية الجزيرة من الهجمات والغارات المعادية. وقد عرفت أوروبا الطب والفلسفة والعلوم والفنون المعمارية والحرير المطرز والتحف والنفائس عن طريق فتح المسلمين لصقلية.
وقد جعل الفتح الإسلامي لصقلية البحر المتوسط بحيرة تحت السيادة الإسلامية الكاملة وأصبحت صقلية قاعدة تنطلق منها الحملات والغزوات الإسلامية التي شملت جميع أنحاء إيطاليا من البندقية أو جنوا إلى روما وباري وعلى طول ساحل البحر الأدرياتيكي.
لقد استمر سلطان الإسلام مستقراً في صقلية، ينشر الهدى والنور فيها وما حولها إلى أن دب التنازع والشقاق في صفوف المسلمين، فبدأ سلطانهم ينحدر، فاستغل الفرصة (روجير النورماني) فغزا الجزيرة سنة 1136م. يقول ابن الأثير إن مسلمي صقلية أرسلوا وفداً إلى المعز بن باديس لطلب النجدة فأعد أسطولاً وقوات كبيرة ثم وجهها إلى صقلية إلا أنها تعرضت للغرق إثر عاصفة بحرية قرب نتللريا وبعد وفاة المعز وفقاً لرواية ابن الأثير أرسل ابنه تميم نجدة إلى صقلية بقيادة ولديه أيوب وعلي لكنهما انسحبا وعادا إلى إفريقيا بجنودهما وتركا صقلية إلى مصيرها.
لقد صاحب الغزو النورماني لصقلية هجرة إسلامية واسعة إلى إفريقيا ومصر وغيرها من البلدان العربية وعندما سيطر النورمانيون على الجزيرة قُدر عدد المسلمين الذين ظلوا بصقلية ما بين المئة والثلاثمائة ألف مسلم من العرب والبربر والصقليين الذين اعتنقوا الإسلام وقد تجمع القسم الأكبر منهم في بالرمو وساحل (مازار) وسهولها.
وشهدت صقلية أول مذبحة للمسلمين بعد وفاة روجير الثاني سنة 1161 حيث قتل عدد كبير منهم في أعنف حملة تطهير ودمرت أحياؤهم السكنية ونهبت أموالهم ومتاجرهم وشهد عام 1189م و1190م زوال الوجود الإسلامي من بالرمو ومعظم مدن صقلية وإن ظل يقيم بها أفراد غيروا أسماءهم واعتنقوا المسيحية. إزاء هذا العداء الصارخ هب ما تبقى من المسلمين للدفاع عن أنفسهم وأرواحهم ودينهم وتزعم هذه الحركة حسب رواية ابن جبير عدد من القادة برز من بينهم محمد بن عباد الذي عرفته الرواية الأوروبية باسم (المرابط) وقام بثورته ما بين العقدين الثاني والثالث من القرن الثالث عشر وشغل قوات فردريك في معارك قاسية. لكن فردريك استطاع أن يحاصر ابن عباد وضيق الخناق عليه حتى استسلم بشرط ان يتمكن من مغادرة صقلية مع أولاده إلى إفريقيا ووعده فردريك بذلك إلا أنه غدر به ونقله إلى بالرمو حيث أعدمه مع اثنين من أولاده وواصلت من بعده القتال ابنته التي لم يذكر اسمها. وكذلك أورد الحميري قصة ابن العباد ومقاومته ومن ثم إعدامه حيث قال إن فردريك وعد محمد بن عباد بأن يسمح له بالسفر مع أولاده إذا استسلم إلا ابنته رفضت الاستسلام ونصحت أباها بعدم الاستسلام وعندما رفض نصيحتها فضلت البقاء في القلعة ومعرفة ما سوف ينتهي إليه أمر والدها وعندما علمت بما حل بوالدها واصلت المقاومة وصممت على الاستماتة في القتال فخرجت مع رجالها من القلعة وغارت على جيش فريدريك بغية فك الحصار 619هـ ـ 1222/1223م وصممت على الانتقام لوالدها وذات يوم أرسلت إلى فريدريك تعلمه أنها تريد الاستسلام ولكنها تخشى ممانعة رجالها لها. ولذلك فإنها تطلب منه إرسال ثلاثمائة فارس من خيرة رجاله ليلاً وأخبرته أنها سوف تفتح لهم القلعة وتمكنهم من الاستيلاء على القلعة وسر فردريك من الفكرة وأرسل إليها فرسانه وفي الصباح توجه فريدريك إلى القلعة ففوجئ برؤيته رؤوس فرسانه تتدلى فوق أسوار قلعة عنتبلا وحاول فريدريك استدراجها بالحيلة والإغراء فأمنها على حياتها إذا استسلمت ووعدها بالزواج إلا أنها واصلت المقاومة مع رجالها والحصار الطويل حتى نفذت المؤن والأغذية من القلعة واشتد بها وبرجالها الحال إلا أنها قتلت في معركة مع من كان معها من المسلمين دون استسلام وبعدها اقتحم فريدريك القلعة واستولى على من تبقى منها واختتم ما تبقى من الفصل الأخير من حياة المسلمين داخل جنوب إيطاليا ببطولة فتاة مسلمة ضربت أروع مثل في الشجاعة والإباء والتضحية وسط سلسلة من التخاذل والخيانة والأنانية وقصر النظر الذي قضى على ثاني سلطان إسلامي في أوروبا بعد الأندلس. إلا أنه لم تنته المقاومة بعد استشهاد بطلة غنتيلا بل استمرت المقاومة في جرجنت الأمر الذي دفع فريدريك إلى إبعاد المسلمين خارج صقلية واختار لهم موقع لوتشيرا على فترات زمنية امتدت حتى منتصف القرن الثالث عشر وفي أواخر القرن الثالث عشر في صيف عام 1300 هجم الإيطاليون على لوتشيرا وكانت حملة صليبية اشترك الجميع فيها وفي ذبح وقتل المسلمين رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً ونهب أموالهم وممتلكاتهم ودمروا المساكن وتقاسموا أراضيها وقضى على البقية من المسلمين وأزيل وجودهم نهائياً من إيطاليا بعد أن دام 472 عاماً .


تمرد في جيش المماليك ومطالبة بزيادة الرواتب:

ومن حوادث الرابع عشر من رمضان سنة 832هـ ما ذكره ابن تغري في (النجوم الزاهرة 14/330) من حادثة رفض عسكري من قبل المماليك لتسليم رواتب السلطان مطالبين بزيادة كبيرة.
قال: وفي يوم الخميس رابع عشر من رمضان حُملت جامكية المماليك السلطانية (رواتبهم المقررة) إلى القلعة (قلعة القاهرة) لتنفق فيهم على العادة ، فامتنعوا من قبضها، وطلبوا زيادة لكل واحد ستمائة درهم ، وصمموا على ذلك ، وترددت الرسل بينهم وبين السلطان الملك الأشرف إلى أن زيد في جوامك عدة منهم وسكن شرهم ، وأخذوا الجامكية في يوم الاثنين ثامن عشرة.

من المماليك؟ وما موطنهم الأصلي؟ وكيف وصلوا إلى الحكم؟ وما دورهم في حماية العالم الإسلامي ؟

يذكر فضلهم في أول هزيمة أصابت المغول.
إن المؤرخين جميعًا يعتبرون انتصار المماليك انتصارًا عالميّا؛ فقد عجزت الدولة الخُوارزمية، والدولة العباسية عن مقاومة المغول أو مدافعتهم، وبعد أن انهارت القوى المسيحية أمام الزحف المغولي على أجزاء من "روسيا" و"بولندا" و"المجر" الحالية! لقد كانت "موقعة عين جالوت" أول صدمة في الشرق لجيوش المغول ورؤسائهم الذين خُيّل لمعاصريهم أنهم قوم لا يُغلَبون، فجاءت هذه الواقعة لتقول للدنيا لا غالب إلا الله، وأن فوق كل قوي من هو أقوى منه، وأن النصر من عند الله ينصر من يشاء.
ومن هنا كسبت سلطنة المماليك مركز الصدارة بين سلاطين المسلمين، كما استقامت لمصر زعامة جديدة في العالم الإسلامي. ولكن، ما أصل أولئك المماليك؟
أصل المماليك:
إنهم خليط من الأتراك والروم والأوربيين والشراكسة، جلبهم الحكام ليستعينوا بهم في القرن السادس الهجري وحتى منتصف القرن السابع.
كان كل حاكم يتخذ منهم قوة تسانده، وتدعم الأمن والاستقرار في إمارته أو مملكته، وممن عمل على جلبهم والاستعانة بهم الأيوبيون، وبخاصة في عصورهم المتأخرة لما أصابهم الضعف واحتاجوا إلى الرجال. لقد كانوا يُباعون للملوك والأمراء، ثم يُدَرَّبون على الطاعة والإخلاص والولاء.
المماليك في مصر:
وعرفت مصر نوعين من هؤلاء المماليك:
1- المماليك البحرية وهم الذين أسكنهم الملك الصالح الأيوبي قلعة في جزيرة الروضة، ونسبوا إلى بحر النيل، أو سمّوا بذلك لأنهم قدموا من وراء البحار، وهؤلاء حكموا مصر من سنة (648-784هـ/ 1250-1382م) وتداول عرش مصر في عهدهم أربعة وعشرون سلطانًا .
2- أما النوع الثاني فهم المماليك البرُجية أو الجراكسة، وسُمّوا بذلك لأن السلطان قلاوون أسكنهم أبراح قلعة الجبل، ولأن الجراكسة كانوا أكثر عددًا، وهؤلاء حكموا مصر من سنة (784-923هـ/ 1382-1517م) وهم ثلاثة وعشرون سلطانًا.
لقد عرفت البداية لدولة المماليك، ولقد كانت النهاية على يد العثمانيين عند مرج دابق والريدانية (حي العباسية) سنة 923هـ، وكانت الغلبة للعثمانيين الذين آلت إليهم ممتلكات المماليك ليبدءوا عهدًا جديدًا.
ولم يأخذ المماليك بمبدأ وراثة العرش، وإنما كان الطريق مفتوحًا أمام من أبدي شجاعة وإقدامًا ومقدرة. هذه هي المؤهلات في دولة المماليك التي قامت على أنقاض دولة الأيوبيين، وبعد مقتل توران شاه آخر سلاطين الأيوبيين بمصر.
التصدي للمغول:
إن المغول يزحفون..وإن الخطر قادم فلتتوقف الخلافات بين المسلمين، ولتتوحد القوى في مواجهة هذا العدو!
لقد استولى المغول علىالأراضي الإسلامية التابعة لخوارزم شاه، ثم واصلوا سيرهم -كما عرفت من قبل- مهددين العراق حتى أسقطوا الخلافة العباسية.
كانت مصر في ذاك الوقت يحكمها علي بن أيبك الذي كان في الخامسة عشرة، والذي تولى مصر بعد وفاة أبيه المعز أيبك، وكان ضعيفًا لا حول له في هذه الظروف الصعبة. وراحت مصر تتطلع إلى مملوك قوي يحمي حماها، ويصون أرضها. لقد سقطت الخلافة العباسية، واستولى التتار على بغداد وبقية مدن العراق، ثم اتجهوا نحو بلاد الشام التي كانت مقسَّمة إلى إمارات يحكمها أمراء أيوبيون، وتمكن التتار من الاستيلاء على حلب سنة 657هـ/1277م.
سيف الدين قطز:
وفي هذه اللحظات التاريخية ظهر "سيف الدين قطز" وقد تولى حكم مصر، وقال قولته المشهورة : لابد من سلطان قاهر يقاتل عن المسلمين عدوهم.
ووصلت إلى مصر صرخات أهل الشام، واستغاثات أمرائهم من الأيوبيين: أن تحركوا واعملوا على إنقاذنا، لقد قتلوا العباد، وخربوا البلاد، وأسروا النساء والأطفال، وأصبحت مصر هي الأمل بعدما ضاع الأمل في الخلافة، وفي أمراء الشام. خرج "سيف الدين قطز" في عساكره، حتى انتهي إلى الشام.
عين جالوت:
وكان اللقاء عظيمًا عند "عين جالوت" في الخامس والعشرين من رمضان الذي وافق يوم جمعة. ولأول مرة يلقى المغول من يصدهم ويهزمهم هزيمة ساحقة، وكان النصر لراية الإسلام. وكانت صيحة واحدة صدق بها المسلمون ربهم "وا إسلاماه"، وفي يوم واحد، انقلبت الأوضاع، وأذن الله بنصره بعد عصر طويل من الذل والمهانة، وبعد جبال الأشلاء وأنهار الدماء التي غرق فيها المسلمون .
عزة بعد ذل:
ولكي تدرك مدى الضعف الذي كان عليه المسلمون قبل أن يعودوا إلى ربهم، فاعلم أن التتري كان يلقى المسلم في بغداد وليس معه سيف، فيقول للمسلم: قف مكانك حتى أحضر السيف لأقتلك. فيبقى المسلم جامدًا ذليلا في مكانه حتى يأتيه التتري بالسيف فيقتله به!
لقد قاتل سيف الدين قطز قتالا عظيمًا، وقاتل معه الأمراء المماليك حتى النصر .
ووقف قطز يوم "عين جالوت" على رجليه تاركًا جواده، وهو يقول لمن راح يلومه على ذلك خائفًا عليه: إنني كنت أفكر في الجنة، وأما الإسلام فله رب لا يضيعه! لقد قام قطز بنفس الدور الذي قام به صلاح الدين.. عرف الحقيقة، وأعلنها على الناس:
لقد انهزمتم أمام التتار لتهاونكم في أمر دينكم، فاستمسكوا بهذا الدين، والله منفذ وعده الذي وعد:( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون) [النور:55].
الظاهر بيبرس:
ولكنه لقي مصرعه وهو في طريق العودة بعد النصر! ويتولى الأمر من بعده "الظاهر بيبرس البندقداري"، يتولى سلطنة مصر، والشام، ويبعث بإحضار أحد العباسيين إلى مصر ويعينه خليفة للمسلمين، وهو المستنصر بالله، وقد تولى بعد مقتله الحاكم بأمر الله الخلافة بمصر، وأُطلق عليه أمير المؤمنين، وكان يدعي له على المنابر، أما الأمر والنهي فهو للمماليك حتى سقطت الخلافة، وانتقلت من العباسيين إلى العثمانيين.
قتال الصليبيين:
وإذا كان التاريخ قد سجل للمماليك في حرب المغول بطولة رائعة، فقد سجل لهم قبل سنة 648هـ/ 1250م بسالتهم وإقدامهم في قتال الصليبيين عند "المنصورة" وعند "فارسكور" بقيادة الظاهر بيبرس.
إن الظاهر بيبرس لم يترك سنة في فترة ولايته دون أن يغزو الصليبيين ويحقق انتصارات عليهم. لقد استرد "الكرك" سنة 661هـ/ 1263م، و"قَيْسَارِيَّة" سنة 663هـ/ 1265م، وكثيرًا من البلاد التي استولى عليها الصليبيون مثل "صفد"، و"يافا"، و"أنطاكية" سنة 666هـ/ 1268م. لقد وقف بيبرس للتتار وللصليبيين معًا بعد أن تحالفت قوى التتار والصليبيين ضد المسلمين. وكان لهما بالمرصاد، وأسس دولة المماليك تأسيسًا قويّا، وعندما لقي ربه سنة 676هـ/ 1278م، استمر الملْك في ذريته حتى سنة 678هـ/ 1279م .

الملك الأشرف خليل:
ومرت سنوات قبل أن يتولى الملك "الأشرف خليل" أمر البلاد بعد وفاة والده قلاوون سنة 690هـ/ 1281م، وفيها أسدل الستار على الصراع الصليبي مع المسلمين في العصور الوسطى .
لقد فتحت "عكا" وبقية مدن الساحل في هذه السنة، وهرب الصليبيون إلى "قبرص" التي أصبحت ملجأ لهم في الشرق، وهكذا قطع الله دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين .
لقد حُلّت العقدة التي سادت الناس جميعًا كما سادتهم قديمًا عن عدم إمكان هزيمة الجيوش المغولية مهما كانت أعدادها، وكسبت سلطنة المماليك مركز الصدارة بين سلاطين المسلمين، كما استقامت لمصر زعامة جديدة في العالم الإسلامي .
غزو الصليبيين:
ويستمر عهد المماليك البحرية حتى سنة 784هـ/1382م، وكان عهد استقرار ورخاء، ولكن بوفاة الناصر محمد بن قلاوون سنة 741هـ/ 1341م، اضطربت البلاد المملوكية مما شجع الصليبيين على غزو مصر سنة 767هـ/ 1366م، من جزيرة "قبرص" حتى سقطت الإسكندرية في أيديهم بعد أن ساءت أحوال البلاد لعدم وجود رجل قوي على رأس المماليك بعد الناصر قلاوون، وسقط كثير من الشهداء على أيدي الصليبيين الذين اعتدوا على البنات والنساء.

بداية عهد المماليك البرجية:
ولكن يشاء الله أن يبدأ عهد جديد على "المماليك البرجية" يعيد للمسلمين مجدهم، ويرفع راية الإسلام من جديد على ربوع الوادي .
لقد بدأ عهد المماليك البرجية بالظاهر برقوق سنة 784هـ/ 1382م، وانتهى بالأشرف قنصوه الغوري الذي قتل في مرج دابق على يد العثمانيين سنة 922هـ/ 1516م.
ولا ننسى للمماليك بصفة عامة دفاعهم عن الإسلام وأهله ودياره ضد التتار، فلقد أبلوا بلاء حسنًا، وكانوا خير عَونْ للإسلام والمسلمين في كل فترة من فترات تاريخهم .
حضارة المماليك:
ولقد اهتم المماليك بالأوضاع الحضارية من بناء للمدارس والمساجد والعمائر، حتى يعد عصرهم من أزهى العصور في العمارة، فقد كان للمماليك إسهام رائع في مجال العمارة، فقد أصبح فن العمارة على أيديهم إسلاميًا يستقي قواعده من مبادئ الإسلام وأصوله، ففن بناء البيوت مثلا على عهدهم انطلق من مبدأ منع الاختلاط والغيرة على النساء، فتبني البيوت الطابق الأول للرجال ويسمى"السلاملك" والسفلي للنساء ويسمى "الحرملك" ومدخل البيت ينحرف غربًا نحو دهليز ومنه إلى حجرة الضيوف، حتى لا يرى الدَّاخِل مَنْ في وسط البيت، وكانت هناك مداخل خاصة بالنساء فقط، وكانت شبابيك البيوت مرتفعة بحيث لا يرى السائر في الطريق ولو كان راكبًا من بداخل البيت، وكانت هذه الشبابيك عبارة عن خشب مثقوب يسمح بدخول الضوء والهواء، ويسمح لمن بداخل البيت برؤية من بالخارج بحيث لا يري من بالخارج من بداخل الحجرات .
كما كانوا يجعلون أماكن خاصة في الدور السفلي للدواب والمواشي، وحجرات خاصة للمطابخ، وهم الذين ابتكروا نظام دولاب الحائط الذي يوضع فيه الأطباق الخزفية، وعنهم أخذ هذا النظام.
وكان لهم اهتمامهم بالزراعة والصناعة، إلى جانب تأليف الموسوعات العلمية والأدبية، ومن هذه الموسوعات التي ازدهرت في عهدهم "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" للقلقشندي، و"نهاية الأرب في فنون الأدب" للنويري .
كما ازدهرت في عهدهم التآليف التاريخية، مثل المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار للمقريزي، وكافة مؤلفاته، ومؤلفات ابن تغري بردي وغيرهما .



تولي السلطان حسن بن محمد قلاوون:

ومن حوادث الرابع عشر من رمضان أن الملك السلطان بدر الدين أبو المعالي حسن بن السلطان الملك الناصر محمد بن السلطان المنصور قلاوون. تولى السلطنة بعد مقتل أخيه حاجي.
قال ابن تغري (النجوم الزاهرة 10/187): وقام الأمراء بسلطنة حسن هذا ، وأجلسوه على تخت الملك بالإيوان في يوم الثلاثاء رابع عشر شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ولما جلس على تخت الملك لقبوه بالملك الناصر سيف الدين حسن ، فصاحت الجاووشية (فرقة من الجيش) في الحال باسمه وشهرته ، وتم أمره وحلف له الأمراء على العادة.
وكان عمره يوم سلطنته إحدى عشرة سنة وهو السلطان التاسع عشر من ملوك الترك بالديار المصرية.
وكان من أبرز الأمراء في عهده ذوي النفوذ الأمير (منجك) الذي اشتد على الدواوين، وتكلم فيهم حتى خافوه بأسرهم، وقاموا له بتقادم هائلة ، فلم يمض شهر حتى أنس بهم واعتمد عليهم في أموره كلها ، وتحدث (منجك) في جميع أقاليم مصر (ضبطها) ومهد أمورها ، وكان يلقب منجك اليوسفي السلاح دار.
ولكن السلطان حسن خلع بعد أربع سنوات عام 752هـ، وتولى بعده أخوه الملك الصالح محمد ، وزج به في السجن .
ثم أعيد السلطان حسن إلى السلطة بعد ثلاث سنوات عام 755هـ، واستمر في السلطنة إلى أن قتله كبير قواده الأمير يلبغا سنة 762هـ.

عندما توفى السلطان" الصالح نجم الدين أيوب" فى 467هـ/ نوفمبر1249م خلا حربه مع الصليبيين فى مدينة المنصورة ، تمكنت زوجته شجرة الدر فى إخفاء الخبر حتى لا يؤدى إلى انخفاض روح الجيش . وأرسلت فى طلب ابنه الملك المعظم " توران شاه" الذى كان بعيدا عن مصر فى حصن " كيفا" .
ووصل توران شاه ونزل مباشرة بمعسكر السلطنة بالمنصورة وسلمته شجرة الدر مقاليد الأمور فأشرف على الحرب وخطط لها واستطاع أن يختم واقعة المنصورة بنصره على الصليبيين واضطر ملك فرنسا لويس التاسع إلى التسليم وتم أسره فى دار القاضى " ابراهيم بن لقمان" بالمنصورة .
إلا أن توران شاه تمكن فى فترة قصيرة من اكتساب كراهية زوجة أبيه شجرة الدر وكذلك مماليك أبيه فتآمر المماليك لقتله .
وعقب مقتله نادى كبار رجال الدولة بشجرة الدر سلطانة على مصر ولكنها لم تبق على عرش السلطنة إلا ثمانين يوما اضطرت بعدها للتخلى عن الحكم تحت ضغط الخليفة المستنصر بالله وكذلك عدم اقتناع أهل مصر بأن تتقلد أمورهم امرأة .
وتنازلت شجرة الدر عن العرش لزوجها الجديد عز الدين أيبك .
وقد حدث فى عهد سلطنة " أيبك" حادث نادر الوقوع وهو إقامة سلطانين معاً فى وقت واحد . فقد أتفق أمراء المماليك على إقامة سلطان آخر من بنى أيوب أصحاب الحق الشرعى فى سلطنة مصر ، وهو الملك الأشرف مظفر الدين موسى وله من العمر ست سنوات .
ولما قويت شوكة أيبك قبض على الملك الأشرف وسجنه ثم نفاه بعد ذلك وكان الملك الأشرف بذلك آخر ملوك بنى أيوب فى مصر وبعزله أنتهت رسمياً فترة حكمهم وبانفراد أيبك بالسلطنة بدأت فترة حكم المماليك لمصر فى 650هـ/1252م .

وكان المماليك طائفة من الأرقاء المشترين بالأموال لغرض تطعيم الجيوش العربية وتقويتها وكانوا خليطاً من الأتراك والشراكسة والروم وأقلية أوروبية. وقد عاشوا فى مصر كطائفة منفصلة عما حولها واحتفظوا بشخصيتهم ولم يختلطوا بأى عنصر من عناصر السكان المصريين .. وقد كثر عدد المماليك وزادت قوتهم وتقلدوا المناصب الهامة خاصة فى أواخر الدولة الأيوبية ، ولما مات الملك الصالح نجم الدين أيوب ثم قُتل ابنه توران شاه ثم تخلت شجرة الدر عن الحكم ، وجدوا الفرصة مهيأة أمامهم ليحكموا قبضتهم على حكم مصر وأن يكون سلطان مصر من بينهم .

وقد أنقسمت فترة المماليك لمصر إلى مماليك " بحرية" استمرت من 650هـ/1252م إلى 784هـ/1382م وقد أطلقت عليهم هذه التسمية لأن ثكناتهم كانت فى جزيرة الروضة التى يحيط بها بحر النيل .
ثم تلتها المماليك " البرجية أو الشركسية" وهم سكان أبراج القلعة والتى أنتهت بالفتح العثمانى لمصر على يد السلطان سليم الأول فى 923هـ/1517م .
ولا بد من الإشارة إلى أن حالة الدولة العباسية فى بغداد فى أول حكم المماليك لمصر كانت فى طريقها للانهيار ، وسهل هذا الوضع للماليك أن يضفوا الشرعية على حكمهم لمصر - و استندوا فى أول الأمر علي القوة الحربية - وذلك بالبحث عن تأييد الخلافة العباسية لهم تأييداً يدل على شئ من التبعية ، وهو ما حصلوا عليه بالفعل . وفى عهد الظاهر بيبرس وجد الفرصة مهيأة أمامه لاضفاء شرعية أكثر على حكمه وذلك باستضافة الخلافة العباسية فى القاهرة بعد انهيارها تماما فى بغداد من جراء هجوم التتار عليها بقيادة هولاكو فى 656هـ/يناير 1258م .
ووصل إلى القاهرة بدعوة من بيبرس أول خليفة عباسى يؤسس حكمه فى القاهرة وهو " أحمد بن الإمام الظاهر بن الإمام الناصر العباسى" .
واسُتقبل استقبالاً رسمياً عظيماً وتم إثبات نسبه بين يدى قاضى القضاه والقضاه والفقهاء وشهادة الشهود وبُويع بالخلافة . وكانت للخلافة العباسية فى مصر دور مظهرى بحت ولم يكن للخليفة التدخل فى تصريف شئون البلاد وأصبح كل عمله إسباغ السلطة الدينية على السلاطين لتوطيد دعائم ملكهم . بل وصل الأمر ببعض سلاطين المماليك إلى عدم السماح له بمغادرة داره إلا لأداء الصلاة .

وظلت الخلافة العباسية قائمة فى مصر إلى قيام الدولة العثمانية وفتحها لمصر على يد السلطان سليم الأول فى 923هـ/1517م . وقيام دولة الخلافة العثمانية .

وتولى سلطنة مصر 27 من المماليك البحرية و28 من المماليك البرجية وهم :

المماليك البحرية :
- السلطان الملك المعز عز الدين أيبك الجاشنكير التركمانى الصالحى من 648هـ/1250م إلى 665هـ/1257م وحكم بالاشتراك مع آخر سلطان أيوبى : الملك مظفر الدين موسى بن محمد وكان طفلاً إلى أن عزله أيبك فى 652هـ/1254م .

- وكان ذلك فى عهد الخليفة العباسى : المستعصم بالله بن المستنصر .
- السلطان الملك المنصور نور الدين على بن المعز أيبك من 655هـ/1257م إلى 657هـ/1259م .
- السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز (1) من 657هـ/1259م إلى 658هـ/1270م .
- السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى الصالحى (2) من 658هـ/1260م إلى 676هـ/1277م .

- وحكم هؤلاء فى عهد الخلفاء العباسيين : المستعصم بالله الذى قتل فى بغداد على يد هولاكو ملك التتار ثم استضاف بيبرس الخلافة العباسية فى مصر منذ المستنصر باللله بن الظاهر فى 659هـ/1261م والذى خلفه فى 661هـ/1263م الحاكم بأمر الله أبو العباس .

- وفى عهد الحاكم بأمر الله أبو العباس الخليفة العباسى المقيم فى القاهرة تولى سلطنة مصر :
- السلطان الملك السعيد ناصر الدين أبو المعالى محمد بن بركة خان بن بيبرس من 676هـ/1277م إلى 678هـ/1279م .
- السلطان الملك العادل بدر الدين سلامش بن الظاهر بيبرس من 678هـ/1279م إلى 679هـ/1279م .
- السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفى العلائى الصالحى من 679هـ/1279م وإلى 689هـ/1290م .
- السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون من 689هـ/1290م إلى 693هـ/1293م .
- صلاح الدين خليل بن قلاوون خلف أباه الملك المنصور واشتهر عنه أنه فتح عكا بعد حصار دام 43 يوما واستولت قواته كذلك على صور وصيدا وبيروت وطرطوس من أيدى الصليبيين - قتله بعض المماليك .
- السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ( للمرة الأولى) (3) من 693هـ/1293م إلى 694هـ إلى 1294م .
بُويع بالسلطنة بعد مقتل أخيه الأشرف خليل ولكنه خُلع لصغر سنه ، وأُعيد إلى السلطنة مرة ثانية ولكنه تنازل عنها مضطرا . وفى المرة الثالثة استطاع أن يبسط نفوذه وسيادته على الأقطار المجاورة حتى وصل إلى مكة والمدينة وأقيمت له الخطبة فى مصر وسوريا وطرابلس . من منشآته الهامة جامع قلعة الجبل والقصر الأبلق بالقلعة وقناطر السباع على الخليج الناصرى بظاهر القاهرة .
- السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصور من 694هـ/1294م إلى 696هـ/1296م .
- السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون( للمرة الثانية) من 698هـ/1298م إلى 708هـ/1309م .

فى سنة 701هـ/1302م تولى الخلافة العباسية فى مصر : المستكفى بالله أبو الربيع سليمان .
- السلطان الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير من 708هـ/1309 إلى 709هـ/1309م .
- السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون " للمرة الثالثة " من 709 هـ / 1309 م إلى 741 هـ / 1340 م .

* وفى 740 هـ / 1339 م تولي الخلافة الواثق بأمر اللّه لعدة شهور ثم تبعه فى منصب الخلافة العباسية الحاكم بأمر اللّه أبو العباس أحمد بن المستكفى .

وتولى سلطنة مصر فى عهده :
- السلطان الملك المنصور سيف الدين أبو بكر بن الناصر محمد بن قلاوون من 741 هـ / 1340 م إلى 742هـ1341م.
- السلطان الملك الأشرف علاء الدين كجك بن محمد بن قلاوون من 742 هـ / 1341 م الى 742 هـ / 1342م.
- السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن محمد بن قلاوون من 743هـ/1342م إلي 743هـ/1342م .
- السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاوون من 743هـ/1342م إلى 746هـ/1345 م .
- السلطان الملك الكامل سيف الدين شعبان بن محمد بن قلاوون من 747هـ/1346م.
- السلطان الملك المظفر زين الدين حاجى بن قلاوون من 747هـ/1346م إلى 748هـ/1347م .
- السلطان الملك الناصر بدر الدين أبو المعالى حسن بن محمد بن قلاوون ( للمرة الأولى ) من 748هـ/1347م إلى 752هـ/1351م .
- السلطان الملك صلاح الدين صالح بن محمد بن قلاوون من 752هـ/1351م إلى 755هـ/1354م .

* فى 753هـ/1352م تولى الخلافة العباسية فى مصر المعتضد باللّه أبو الفتح أبو بكر المستكفى .
وتولى سلطنة مصر فى عهده :
- السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ( للمرة الثانية ) من 755هـ/1354م إلى 762هـ/1361م .
- السلطان الملك صلاح الدين محمد بن حاجى بن قلاوون من 762هـ/1361م إلى 764هـ/1363م .

* فى 763هـ/1363م تولى الخلافة العباسية : المتوكل على اللّه عبد اللّه بن المعتضد .
وتولى سلطنة مصر فى عهده :
- السلطان الملك الأشرف زين الدين شعبان بن حسن بن محمد بن قلاوون من 764هـ/1363م إلى 778هـ/1376م .
- السلطان الملك المنصور علاء الدين على بن شعبان بن حسن من 778هـ/1376م إلى 783هـ/1381م .

* فى 778هـ/1377م تولى الخلافة العباسية أبو يحيى زكريا المعتصم بن الواثق ولكنه خُلع بعد شهر واحد ليعود للخلافة سلفه : المتوكل على اللّه أبو عبد اللّه محمد بن المعتضد .

- السلطان الملك الصالح زين الدين حاجى من 783هـ/1381م إلى 784هـ/1382م وشاركه فى السلطنة الأمير برقوق ( المملوك البرجى ) .

المماليك البرجية ( الشراكسة)
- اعتلي السلطان الظاهر برقوق السلطنة وحده 784هـ/1382م وبذلك انتهى مُلك بيت قلاوون وانتهت دولة المماليك البحرية .
وامتدت سلطنة الظاهر سيف الدين برقوق بن أنس اليبغاوى إلى أن توفى فى 801هـ/1399م .

* خُلع الخليفة العباسى المتوكل فى رجب 785هـ/1383م وتولى الخلافة أبو حفص عمر الواثق الأول ثم عاد المعتصم للخلافة فى شوال 788هـ/1386م ثم عاد المتوكل للخلافة للمرة الثالثة فى جمادى الأولى 791هـ/1389م .

وتولى سلطنة مصر :
- السلطان فرج بن برقوق " للمرة الأولى " 801هـ/1399م وكان حديث السن (10 سنوات ) وهرب من القلعة فى 808هـ/1405 م.

بينما تولى السلطنة فى مصر كل من :
- السلطان المنصور عبد العزيز بن برقوق 808هـ/1405م عند هروب أخيه فرج بايع الأمراء السلطان عبد العزيز ولكن فرج المختفى عاد إلى الظهور مرة أخرى بعد حوالى شهرين فعادت إليه السلطنة .
- السلطان فرج بن برقوق " للمرة الثانية " من 808هـ/1405م وقتل فى 815هـ/1412 م.
- بعد مقتل السلطان فرج بن برقوق لم يستقر الأمراء فيما بينهم على من يخلفه على عرش السلطنة ولكنهم اتفقوا مبدئياً ، وكإجراء شكلى علي اختيار الخليفة العباسى المستعين باللّه أبو الفضل سلطاناً على مصر بالإضافة إلى منصب الخلافة إلى أن تستقر الأمور .. وتم بالفعل عزله بعد حوالى خمسة شهور .
- السلطان المؤيد شيخ المحمودى من 815هـ/1412م إلى أن توفى فى 824هـ/1421م وخلفه ابنه أحمد .

* فى ذى الحجة 816هـ/1414م تولى الخلافة أبو الفتح المعتضد الثانى بن المتوكل .

بينما تولى السلطنة فى مصر كل من :
- السلطان أحمد بن المؤيد شيخ 824هـ/1421م تحت وصاية الأمير ططر الذى ما لبث أن انتزع لنفسه .
- السلطان الظاهر سيف الدين ططر بقى سلطاناً 94 يوما ثم خلفه ابنه محمد .
- السلطان ناصر الدين محمد بن ططر تحت وصاية الأمير برسباى الذى انتزع السلطنة لنفسه بعد عدة أشهر.
- السلطان الأشرف سيف الدين برسباى 825هـ/1422م إلى أن توفى فى 841 هـ / 1438م .
- السلطان العزيز جمال الدين يوسف بن برسباى من 841هـ/1438م تحت وصاية الأمير حقمق الذى عزله بعد عدة أشهر وتولى السلطنة لنفسه .
- السلطان الظاهر سيف الدين حقمق 842هـ/1438م إلى أن توفى 857هـ/1453م وأوصى وهو على فراش الموت بالعرش لابنه عثمان .

وفى ربيع الأول 845هـ/1441م تولى الخلافة العباسية فى مصر أبو ربيعة سليمان المستكفى الثانى بن المتوكل ثم فى محرم 855هـ/1451م خلفه أبو بكر القائم بن المتوكل .

وتولى سلطنة مصر :
- السلطان المنصور فخر الدين عثمان بن الظاهر حقمق 857هـ/1453م ولكنه لم يلبث على العرش سوى شهر ونصف حتى خلعه الجيش .
- السلطان الأشرف سيف الدين اينال العلائى الظاهرى الأجرود من 857هـ/1453م إلى 865هـ/1460م .

فى رجب 859هـ/1455م تولى الخلافة العباسية فى مصر أبو المحاسن يوسف المستنجد بن المتوكل .

وتولى السلطنة فى مصر كل من :
- السلطان المؤيد شهاب الدين أحمد بن اينال من 865هـ/1460م لمدة أربعة شهور .
- السلطان الظاهر خشقدم من 865هـ/1461م إلى 872هـ/1467م .
- السلطان سيف الدين يلباى 872هـ/1467م لعدة شهور .
- السلطان الظاهر تمربغا الرومى فى نفس السنة 872هـ/1467م ثم عُزل بعد شهرين .
- السلطان خير بك المشهور بأنه " سلطان ليلة " فقد دبر لعزل السلطان السابق بغية الاستئثار بالعرش لنفسه وفعلا صعد إلى عرش السلطنة أثناء الليل ولقب نفسه بالسلطان الظاهر.. ولكن الأتابك قايتباى أسرع إلى القلعة وسيطر على الموقف وعزل خير بك وتولى السلطنة .
- السلطان الأشرف قايتباى من 872هـ/1468م إلي 901هـ/1496م حيث تنازل عن العرش لابنه محمد وتوفى فى اليوم التالى .

وفى محرم 884هـ/1479م تولى عرش السلطنة العباسية في مصر أبو الأعز عبد العزيز المتوكل الثاني ابن المستعين .
وتولى السلطنة فى مصر كل من :
- السلطان محمد بن الأشرف قايتباى " للمرة الأولى " من 901هـ/1496م إلى 902هـ/1497م .
- السلطان قانصوه خمسمائة لم يبق فى العرش إلا ثلاثة أيام .
- السلطان محمد بن الأشرف قايتباى " الثانية " من 902هـ/1497م إلى 904هـ/1498م .

وفى صفر 903هـ/1497م تولى الخلافة العباسية فى مصر أبو الصبر يعقوب المستمسك بن المتوكل الثاني .
وتولى سلطنة مصر كل من :
- السلطان قانصوه الأشرفى من 904هـ/1498م إلى 905هـ/1500م .
- السلطان جانبلاط من 905هـ/1500م إلى أن اغتيل فى 906هـ/1501م .
- السلطان طومان باى " الأولى " خلال 906هـ/1501م تولى السلطنة لمدة مائة يوم .
- السلطان الأشرف قانصوه الغورى من 906هـ/1501م إلى 922هـ/1516م ويقال أنه توفى عقب هزيمة جيوشه في موقعة مرج دابق التي كانت الفاصلة بين المماليك والعثمانين .

وفي 923هـ/1517م وصل إلى عرش الخلافة العباسية فى مصر أخر الخلفاء العباسيين المتوكل الثالث بن المستمسك بينما كان آخر سلاطين المماليك :
- السلطان طومان باى من 229ه/إلى 1516م إلى 923هـ/1517 م والذى كان نائبا للسلطان الغورى فى القاهرة عند هزيمته فى مرج دابق وتولى عرش مصر إلى أن دخل الجيش العثمانى بعد الهزيمة فى موقعة الريدانية بقيادة طومان باى الذى لم ييأس من المقاومة فى مواقع أخرى صغيرة حتى أعُدم شنقا على باب زويلة .



وصف ابن تغري (النجوم الزاهرة 10/315) السلطان حسن بقوله:
كان سلطاناً شجاعاً مقداماً كريما حازماً مدبراً ذا شهامة وصرامة وهيبة ووقار عالي الهمة كثير الصدقات والبر. ومما يدل على علو همته مدرستة التي أنشأها بالرميلة تجاه قلعة الجبل ، وهي المدرسة التي لم يُبْنَ في الإسلام نظيرها، ولاحكاها معمار في حسن عملها, وهي في الجملة أحسن ما بني في الدنيا شرقا وغر با في معناها بلا مدافعة.

محاصرة قلعة بعلبك من قبل صلاح الدين:

ومن حوادث اليوم الرابع عشر من شره رمضان أن الملك الناصر صلاح الدين وهو يجمع أشلاء الشام المبعثرة بين أيدي ملوك ضعاف ملك قلعتي حمص وبعلبك اللتين تتمتعان بقيمة استراتيجية عالية في الحرب ضد الصليبيين.
يقول ابن الأثير في (الكامل) في حوادث سنة 570هـ (10/66) لما استقر ملك صلاح الدين لدمشق سار إلى مدينة حمص وفي قلعتها والٍ يحفظها. فلما نزل صلاح الدين على حمص راسل من فيها بالتسليم فامتنعوا ، فقاتلهم من الغد فملك البلد وأمّن أهله ، وامتنعت عليه القلعة.
واقتضى الحال أن يترك حمص ويجعل فيها من يحفظها ، ويمنع مَنْ بالقلعة من التصرف أو أن تصعد إليهم ميرة (مؤن) ثم سار إلى حماه فحلب ، ثم عاد أدراجه إلى حمص ثانية سريعاً لملاقاة ملك الفرنجة الداهية ريموند الذي أراد استغلال غياب صلاح الدين لاحتلال حمص.
فلما وصل صلاح الدين إلى الرستن وسمع الفرنجة بقدومه رحلوا عن حمص، ووصل إليها صلاح الدين فأعاد حصار القلعة ثانية إلى أن ملكها ثم سار منها إلى بعلبك وبها والٍ اسمه يمن ، فحاصرها وتسلم القلعة وذلك رابع عشر من رمضان من سنة 570هـ.

فتح أنطاكية وأخذها من الصليبيين:

ومن حوادث اليوم الرابع عشر من شهر رمضان أن الملك الظاهر بيبرس فتح أنطاكية التي دخلها المسلمون أكثر من مرة
وكانت تنتقل إلى أيدي الروم أو الصليبيين أو غيرهم مرات عديدة حتى يقيض الله لها من يعيد فتحها.
قال ابن كثر في (البداية 13/251) في حوادث سنة 666هـ :
ـ أنطاكية مدينة عظيمة كثيرة الخير، يقال: إن دور سورها إثنا عشر ميلا، وعدد بروجها مائة وستة وثلاثون برجاً. كان نزول الملك الظاهر عليها في مستهل شهر رمضان ، فخرج إليه أهلها يطلبون منه الأمان، وشرطوا له شروطاً عليهم، فأبى أن يجيبهم وردهم خائبين ، وصمم على حصارها ففتحها يوم السبت رابع عشر رمضان بحول الله وقوته وتاييده ونصره ، وغنم منها شيئاً كثيراً وأطلق للأمراء أموالاً جزيلة ، ووجد من أسارى المسلمين من الحلبيين فيها خلقاً كثيراً. كل هذا في مقدار أربعة أيام .
وقد كان (الاغريس) صاحب انطاكية من أشد الناس أذية للمسلمين حين ملك التتار حلب وفر الناس منها فانتقم الله سبحانه منه.

ما إن جلس بيبرس على سدة الحكم في مصر حتى قضى على الفتن والثورات التي اشتعلت ضده، وقام بتنظيم شؤون دولته، وسعى لإيجاد سند شرعي تُحكم دولة المماليك باسمه، فأحيا الخلافة العباسية في القاهرة، واستقدم أحد الناجين من أسرة العباسيين بعد مذبحة هولاكو في بغداد، ويدعى أبا العباس أحمد، وعقد مجلسًا في القلعة في (8 من لمحرم 661هـ = 22 من نوفمبر 661م) حضره قاضي القضاة وكبار العلماء والأمراء، وقرأ نسب الخليفة على الحاضرين بعدما ثبت عند القاضي، ولُقِّب الخليفة بالحاكم بأمر الله، وقام بيبرس بمبايعته على العمل بكتاب الله وسنة رسوله، ولما تمت البيعة أقبل الخليفة على بيبرس وقلده أمور البلاد والعباد.
وسبق لنا أن تناولنا موضوع إحياء الخلافة العباسية في شيء من التفصيل في يوم (التاسع من المحرم).
وسعى بيبرس إلى تقوية الجيش وإمداده بما يحتاج من السلاح والعتاد، وأولى عناية بالأسطول ودور صناعة السفن المصرية في الفسطاط والإسكندرية ودمياط. وعمل على تحصين مناطق الحدود، وتنظيم وسائل الاتصال ونقل المعلومات من خلال نظام البريد. ولما اطمأن إلى ذلك قام بمواجهة القوى المتربصة بالإسلام وفي مقدمتها الصليبيون.
الصليبيون في الشام
لم يتجه "لويس التاسع" بعد إطلاق سراحه من مصر إلى فرنسا. وإنما اتجه إلى "عكا"، وكانت حملته الصليبية قد مُنيت بهزيمة مروعة في معركة المنصورة في (3 من المحرم 648هـ = إبريل 1250م) فقد فيها زهرة جنده، وأصيب الصليبيون بكارثة كبرى ظل أثرها المروع مستعصيًا على العلاج والإصلاح، وسبق لنا أن تناولناها على نحو من التفصيل في ذكرى وقوعها في الثالث من المحرم.
وقضى لويس التاسع في الإمارات الصليبية بالشام أربع سنوات يحاول جاهدًا تصفية الخلافات بين أمراء الصليبيين، والمحافظة على كياناتهم، وتنظيم الدفاع عن إماراتهم الصليبية، فعني بتحصين عكا وحيفا وقيسارية ويافا، وعمل على إعادة الصلح بين إمارة إنطاكية وأرمينية وسعى لإقامة حلف مع المغول، غير أن مسعاه لم يكلل بالنجاح، ثم غادر عكا عائدًا إلى بلاده في (5 من ربيع الأول 625هـ = 25 من إبريل 1254م).
ولم يكد لويس التاسع يرحل عن الشام حتى دبت المنازعات بينهم من جديد، وتصاعد الصراع بينهم إلى حد القتال، ولم يجدوا كبيرًا ينطوون تحت لوائه، فسادت أوضاعهم في الوقت الذي دولة المماليك بدأت في البروز بعد انتصارها العظيم في عين جالوت.
مقدمات الفتح الإسلامي
وكانت الفترة التي تلت رحيل لويس التاسع إلى أن تولى بيبرس سلطنة مصر والشام فترة هدوء ومسالمة بين الصليبيين والمسلمين لانشغال كل منهما بأموره الداخلية، على أن هذه السياسة المسالمة تحولت إلى ثورة وشدة من قبل المماليك بعد أن أخذ الصليبيون يتعاونون مع المغول ضد المماليك، ويعملون مرشدين لجيوشهم، ولم يقتصر الأمر على هذا بل استقبلت بعض الإمارات الصليبية قوات مغولية في حصونها.
وقد أصبح على المماليك أن يدفعوا هذا الخطر الداهم، وبدلاً من أن يواجهوا عدوًا واحدًا، تحتم عليهم أن يصطدموا مع المغول والصليبيين معًا، وكان بيبرس بشجاعته وسياسته قد ادخرته الأقدار لمثل هذه الفترات التاريخية الحرجة من تاريخ الأمة، فكان على قدر المسؤولية، وحقق ما عجز عشرات القادة الأكفاء عن تحقيقه.
وبدأت عمليات بيبرس العسكرية ضد الصليبيين في سنة (663هـ = 1265م)، فتوجه في (4 من ربيع الآخر 663هـ) إلى الشام، فهاجم "قيسارية" وفتحها عنوة في (8 من جمادى الأولى)، ثم عرج إلى أرسوف، ففتحها في شهر رجب من السنة نفسها.
وفي السنة التالية استكمل بيبرس ما بدأ، ففتح قلعة "صفد"، وكانت معقلاً من معاقل الصليبيين، وكان بيبرس يقود جيشه بنفسه، ويقوم ببعض الأعمال مع الجنود إثارة لحميتهم فيجر معهم الأخشاب مع البقر لبناء المجانيق اللازمة للحصار. وأصاب سقوط صفد الصليبيين بخيبة أمل، وحطم معنوياتهم؛ فسارعت بعض الإمارات الصليبية إلى طلب الصلح وعقد الهدنة.
الطريق إلى إنطاكية
تطلع بيبرس إلى الاستيلاء على إنطاكية التي تحتل مكانة خاصة لدى الصليبيين لمناعة حصونها، وتحكمها في الطرق الواقعة في المناطق الشمالية للشام، وكانت ثاني إمارة بعد الرها يؤسسها الصليبيون في أثناء حملتهم الأولى على الشام، وظلوا يسيطرون عليها مائة وسبعين عامًا.
وكان بيبرس قد استعد لهذه الموقعة الحاسمة خير استعداد، ومهد لسقوط الإمارة الصليبية بحملاته السابقة حتى جعل من إنطاكية مدينة معزولة، مغلولة اليد، محرومة من كل مساعدة ممكنة، فخرج من مصر في (3 من جمادى الآخرة 666هـ = 19 من فبراير 1268م)، ووصل إلى غزة، ومنها إلى "يافا" فاستسلمت له، ثم نجح في الاستيلاء على "شقيف أرنون" بعد حصار بدأه في (19 من رجب 666هـ = 5 من إبريل 1268م)، وبفتح يافا وشقيف، لم يبق للصليبيين جنوبي عكا التي كانت بأيديهم سوى قلعة عتليت.
ثم رحل بيبرس إلى طرابلس، فوصلها في (15 من شعبان 666هـ = 30 من إبريل 1268م) فأغار عليها وقتل كثيرًا من حاميتها، وقطع أشجارها وغور مياهها، ففزعت الإمارات الصليبية، وتوافد على بيبرس أمراء أنطرسوس وحصن الأكراد طلبًا للأمن والسلام، وبهذا مهد الطريق للتقدم نحو إنطاكية.
فتح إنطاكية
رحل بيبرس من طرابلس في (24 من شعبان 666هـ = 9 من مايو 1268م) دون أن يطلع أحدًا من قادته على وجهته، واتجه إلى حمص، ومنها إلى حماة، وهناك قسّم جيشه ثلاثة أقسام، حتى لا يتمكن الصليبيون من معرفة اتجاهه وهدفه، فاتجهت إحدى الفرق الثلاث إلى ميناء السويدية لتقطع الصلة بين إنطاكية والبحر، وتوجهت الفرقة الثانية إلى الشمال لسد الممرات بين قلقلية والشام لمنع وصول إمدادات من أرمينية الصغرى.
أما القوة الرئيسية وكانت بقيادة بيبرس فاتجهت إلى إنطاكية مباشرة، وضرب حولها حصارًا محكمًا في (أول رمضان سنة 666هـ = 15 من مايو 1268م)، وحاول بيبرس أن يفتح المدينة سلمًا، لكن محاولاته تكسرت أمام رفض الصليبيين التسليم، فشن بيبرس هجومه الضاري على المدينة، وتمكن المسلمون من تسلق الأسوار في (الرابع من رمضان)، وتدفقت قوات بيبرس إلى المدينة دون مقاومة، وفرت حاميتها إلى القلعة، وطلبوا من السلطان الأمان، فأجابهم إلى ذلك، وتسلم المسلمون القلعة في (5 من رمضان 666هـ = 18 من مايو 1268م) وأسروا من فيها.
وقد غنم المسلمون غنائم كثيرة، بلغ من كثرتها أن قسمت النقود بالطاسات، وبلغ من كثرة الأسرى "أنه لم يبق غلام إلا وله غلام، وبيع الصغير من الصليبيين باثني عشر درهمًا، والجارية بخمسة دراهم".
نتائج الفتح
كان سقوط إنطاكية أعظم فتح حققه المسلمون على الصليبيين بعد استرداد صلاح الدين الأيوبي لبيت المقدس، وفي الوقت نفسه كان كارثة كبرى ألمت بالصليبيين وزلزلت كيانهم، ومن طرائف الفتح أن بوهيمند السادس أمير إنطاكية لم يعلم ما حدث لها؛ إذ كان في إمارته الثانية طرابلس جنوبي إنطاكية، فتكفل بيبرس بإخباره بهذه الكارثة في رسالة ساخرة بعثها إليه من إنشاء الكاتب البليغ "ابن عبد الظاهر"، ومما جاء فيها:
".. وكتابنا هذا يتضمن البشر لك بما وهبك الله من السلامة وطول العمر بكونك لم تكن لك في هذه المدة بإنطاكية إقامة، فلو كنت بها كنت إما قتيلاً وإما أسيرًا، وإما جريحًا وإما كسيرًا...".
وبينما كان بيبرس في إنطاكية وصل إليه رسل الملك هيثوم الأرميني يعرضون عليه اتفاق بمقتضاه يعيدون ما أخذوه من المدن الإسلامية في أثناء الغزو المغولي للشام، مثل بهنسا، ومرزبان، ورعبان، كما ترك الداوية من الصليبيين "حصن بغراس"، وبذلك عاد شمال الشام إلى حوزة المسلمين.
وبهذا النصر الذي فتح الباب لسقوط الإمارات الصليبية الباقية تبوأ بيبرس مكانته التاريخية، باعتباره واحدًا من أبطال الإسلام.
من مصادر الدراسة:
• ابن عبد الظاهر– الروض الزاهر في سير الملك الظاهر– تحقيق عبد العزيز الخويطر– الرياض– (1396-1976م).
• ابن أيبك الدواداري – كنز الدرر وجامع الغرر– المجلد الثامن– تحقيق أولرخ هارمان– المعهد الألماني للآثار بالقاهرة – (1391هـ-1971م).
• حسين محمد عطية– إمارة إنطاكية الصليبية والمسلمون– دار المعرفة الجامعية– الإسكندرية– 1989م.
• سعيد عبد الفتاح عاشور– الحركة الصليبية– مكتبة الأنجلو المصرية– القاهرة– 1986م.
• أحمد مختار العبادي– قيام دولة المماليك الأولى– دار النهضة العربية– بيروت– 1969م.
• قاسم عبده قاسم– عصر سلاطين المماليك– عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية– القاهرة– 1998م.



استحداث بدعة التكبير بعد الصلوات الخمس:

ومما ذكر من حوادث اليوم الرابع عشر لشهر رمضان ما جاء في حوادث سنة 215هـ أيام الخليفة المأمون العباسي
قال ابن كثير (البداية 10/270) وفي هذه السنة كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد يأمره أن يأمر الناس بالتكبير عقيب الصلوات الخمس ، فكان أول ما بدئ بذلك في جامع بغداد والرصافة يوم الجمعة لأربع عشر ليلة خلت من رمضان. وذلك أنهم كانوا إذا قضوا الصلاة قام الناس قياماً ، فكبروا ثلاث تكبيرات ثم استمروا على ذلك في بقية الصلوات.
وهذه بدعة أحدثها المأمون أيضاً بلا مستند ولا دليل ولا معتمد ، فإن هذا لم يفعله أحد قبله. ولكن ثبت في الصحيح عن ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلم حين ينصرف الناس من المكتوبة وقد استحب هذا طائفة من العلماء كابن حزم وغيره.. وأما هذه البدعة التي أمر بها المأمون فإنها بدعة محدثة لم يعمل بها أحد من السلف.


وفاة الملك كوجك ملك إربل

ومن حوادث اليوم الرابع عشر من رمضان وفاة الملك زين الدين علي كوجك صاحب أربل سنة (630هـ).
قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء 22/334) وصف بالشجاعة المفرطة وكان يحب الصدقة حباً جماً، له كل يوم قناطير خبز يفرقها ويكسو في العام خلقاً ويعطيهم دنانير، وبنى أربع خوانك (ملاجئ أو مراكز) للزمنى والأضراء (العميان) وكان يأتيهم كل اثنين وخميس ويسأل كل واحد عن حاله ويتفقده ويباسطه ويمزح معه، وبنى داراً للنساء، وداراً للأيتام، وداراً للقطاء، ورتب بها المواضع، وكان يدور على مرضى البيمارستان، وله دار مضيف ينزلها كل وارد ويعطى كل ما ينبغي له ، وبنى مدرسة للشافعية والحنفية وكان يمد بها السماط، ويحضر السماع كثيراً ، وكان يمنع دخول أي منكر بلده ، وبنى للصوفية رباطين، وكان ينزل إليهم لأجل السماعات, وكان في السنة يفتكّ أسرى بالجملة, ويخرج سبيلاً للحج، ويبعث للمجاورين بخمسة آلاف دينار, وأجرى الماء إلى عرفات .
وأما احتفاله بالمولد (النبوي) فيقصر التعبير عنه: كان الخلق يقصدونه من العراق والجزيرة، وتنصب قباب خشب له ولأمرائه وتزين, ويخرج من البقر والغنم والإبل شيئاً كثيراً فتنحر، وتطبخ الألوان ويتكلم الوعاظ في الميدان.
وكان متواضعاً خيراً سنياً يحب الفقهاء والمحدثين ، وما نقل أنه انهزم في حرب.
قال ابن خلكان (الذهبي، سير أعلام النبلاء 22/337): مات ليلة الجمعة رابع عشر من رمضان سنة ثلاثين وستمائة للهجرة، وعمل له تابوت وحمل مع الحجاج إلى مكة ، فاتفق أن الوفد رجعوا تلك السنة لعدم الماء ، فدفن بالكوفة رحمه الله تعالى.


بدء الحرب العالمية الأولى:

ومن حوادث اليوم الرابع عشر من شهر رمضان بدء الحرب العالمية الأولى عام 1331 هـ.
وذلك عندما تهيأت الظروف الدولية والإقليمية لنشوب حرب عالمية كونية بين الدول الأوروبية عقب اغتيال طالب صربي متطرف لولي عهد النمسا الأرشيدق فرانز فردينا وزوجته في سراييفو ، فانتهزت النمسا هذا الحادث وأعلنت الحرب ضد صربيا التي شعرت روسيا بمسؤوليتها تجاهها ، فقامت تنافح عنها رافضة الإنذار الألماني بوقف التعبئة والاستعداد.
وهكذا تدخلت فرنسا صديقة روسيا ضد المانيا ، مما حدا بألمانيا إلى غزو فرنسا عن طريق اختراق بلجيكا ولوكمسبورغ يوم 41 أغسطس 4191م الموافق 14 رمضان 1332...
وكانت نتيجة الحرب الكونية الأولى التي اشتركت فيها ثلاثون دولة ، ضحايا يبلغون عشرة ملايين من العسكر قتلى، و21 مليوناً جريحاً ، قبل توقيع الهدنة التي أنهت الحرب في 6 صفر 1337هـ الموافق 11 نوفمبر 1918م.


الفراغ من تأليف كتاب رياض الصالحين

وفي الرابع عشر من رمضان سنة 670هـ اكتمل عقد كتاب عظيم النفع كبير الفائدة.
قال الإمام يحيى بن شرف بن مري أبو زكريا النووي الدمشقي المولود في قرية نوى من أعمال حوران قرب دمشق والمتوفى فيها سنة 676هـ قال عن كتابه الفذ (رياض الصالحين) رأيت أن أجمع مختصراً من الأحاديث الصحيحة مشتملاً على ما يكون طريقاً لصاحبه إلى الآخرة ومحصلاً لآدابه الباطنة ثم قال في آخره : فرغت منه يوم الاثنين رابع عشر رمضان سنة سبعين وستمائة.

الإمام النووي هو الإِمام الحافظ شيخ الإسلام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مُرِّي بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حِزَام، النووي نسبة إلى نوى، وهي قرية من قرى حَوْران في سورية، ثم الدمشقي الشافعي، شيخ المذاهب وكبير الفقهاء في زمانه.
ولد النووي رحمه اللّه تعالى في المحرم 631 هـ في قرية نوى من أبوين صالحين، ولما بلغ العاشرة من عمره بدأ في حفظ القرآن وقراءة الفقه على بعض أهل العلم هناك، وصادف أن مرَّ بتلك القرية الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي، فرأى الصبيانَ يُكرِهونه على اللعب وهو يهربُ منهم ويبكي لإِكراههم ويقرأ القرآن، فذهب إلى والده ونصحَه أن يفرّغه لطلب العلم، فاستجاب له.
وفي سنة 649 هـ قَدِمَ مع أبيه إلى دمشق لاستكمال تحصيله العلمي في مدرسة دار الحديث، وسكنَ المدرسة الرواحية، وهي ملاصقة للمسجد الأموي من جهة الشرق.
وفي عام 651 هـ حجَّ مع أبيه ثم رجع إلى دمشق.

أجمعَ أصحابُ كتب التراجم أن النووي كان رأساً في الزهد، وقدوة في الورع، وعديم النظير في مناصحة الحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويطيب لنا في هذه العجالة عن حياة النووي أن نتوقف قليلاً مع هذه الصفات المهمة في حياته:

تفرَّغَ الإِمام النووي من شهوة الطعام واللباس والزواج، ووجد في لذّة العلم التعويض الكافي عن كل ذلك. والذي يلفت النظر أنه انتقل من بيئة بسيطة إلى دمشق حيث الخيرات والنعيم، وكان في سن الشباب حيث قوة الغرائز، ومع ذلك فقد أعرض عن جميع المتع والشهوات وبالغ في التقشف وشظف العيش.
وفي حياته أمثلة كثيرة تدلُّ على ورع شديد، منها أنه كان لا يأكل من فواكه دمشق، ولما سُئل عن سبب ذلك قال: إنها كثيرة الأوقاف، والأملاك لمن تحت الحجر شرعاً، ولا يجوز التصرّف في ذلك إلا على وجه الغبطة والمصلحة، والمعاملة فيها على وجه المساقاة، وفيها اختلاف بين العلماء.ومن جوَّزَها قال: بشرط المصلحة والغبطة لليتيم والمحجور عليه، والناس لا يفعلونها إلا على جزء من ألف جزء من الثمرة للمالك، فكيف تطيب نفسي؟. واختار النزول في المدرسة الرواحيّة على غيرها من المدارس لأنها كانت من بناء بعض التجّار.
وكان لدار الحديث راتب كبير فما أخذ منه فلساً، بل كان يجمعُها عند ناظر المدرسة، وكلما صار له حق سنة اشترى به ملكاً ووقفه على دار الحديث، أو اشترى كتباً فوقفها على خزانة المدرسة، ولم يأخذ من غيرها شيئاً. وكان لا يقبل من أحد هديةً ولا عطيّةً إلا إذا كانت به حاجة إلى شيء وجاءه ممّن تحقق دينه. وكان لا يقبل إلا من والديه وأقاربه، فكانت أُمُّه ترسل إليه القميص ونحوه ليلبسه، وكان أبوه يُرسل إليه ما يأكله، وكان ينام في غرفته التي سكن فيها يوم نزل دمشق في المدرسة الرواحية، ولم يكن يبتغي وراء ذلك شيئاً.
لقد توفرت في النووي صفات العالم الناصح الذي يُجاهد في سبيل اللّه بلسانه، ويقوم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو مخلصٌ في مناصحته وليس له أيّ غرض خاص أو مصلحة شخصية، وشجاعٌ لا يخشى في اللَّه لومة لائم، وكان يملك البيان والحجة لتأييد دعواه.
وكان الناسُ يرجعون إليه في الملمّات والخطوب ويستفتونه، فكان يُقبل عليهم ويسعى لحلّ مشكلاتهم، كما في قضية الحوطة على بساتين الشام:
لما ورد دمشقَ من مصرَ السلطانُ الملكُ الظاهرُ بيبرسُ بعد قتال التتار وإجلائهم عن البلاد، زعم له وكيل بيت المال أن كثيراً من بساتين الشام من أملاك الدولة، فأمر الملك بالحوطة عليها، أي بحجزها وتكليف واضعي اليد على شيءٍ منها إثبات ملكيته وإبراز وثائقه، فلجأ الناس إلى الشيخ في دار الحديث، فكتب إلى الملك كتاباً جاء فيه "وقد لحق المسلمين بسبب هذه الحوطة على أملاكهم أنواعٌ من الضرر لا يمكن التعبير عنها، وطُلب منهم إثباتٌ لا يلزمهم، فهذه الحوطة لا تحلّ عند أحد من علماء المسلمين، بل مَن في يده شيء فهو ملكه لا يحلّ الاعتراض عليه ولايُكلَّفُ إثباته" فغضب السلطان من هذه الجرأة عليه وأمر بقطع رواتبه وعزله عن مناصبه، فقالوا له: إنه ليس للشيخ راتب وليس له منصب. لما رأى الشيخ أن الكتاب لم يفِدْ، مشى بنفسه إليه وقابله وكلَّمه كلاماً شديداً، وأراد السلطان أن يبطشَ به فصرف اللَّه قلبَه عن ذلك وحمى الشيخَ منه، وأبطلَ السلطانُ أمرَ الحوطة وخلَّصَ اللَّه الناس من شرّها
تميزت حياةُ النووي العلمية بعد وصوله إلى دمشق بثلاثة أمور: الأول: الجدّ في طلب العلم والتحصيل في أول نشأته وفي شبابه، وقد أخذ العلم منه كلَّ مأخذ، وأصبح يجد فيه لذة لا تعدِلُها لذة، وقد كان جادّاً في القراءة والحفظ، وقد حفظ التنبيه في أربعة أشهر ونصف، وحفظ ربع العبادات من المهذب في باقي السنة، واستطاع في فترة وجيزة أن ينال إعجاب وحبَّ أستاذه أبي إبراهيم إسحاق بن أحمد المغربي، فجعلَه مُعيد الدرس في حلقته. ثم درَّسَ بدار الحديث الأشرفية، وغيرها. الثاني: سعَة علمه وثقافته، وقد جمع إلى جانب الجدّ في الطلب غزارة العلم والثقافة المتعددة، وقد حدَّثَ تلميذُه علاء الدين بن العطار عن فترة التحصيل والطلب، أنه كان يقرأ كلََّ يوم اثني عشر درساً على المشايخ شرحاً وتصحيحاً، درسين في الوسيط، وثالثاً في المهذب، ودرساً في الجمع بين الصحيحين، وخامساً في صحيح مسلم، ودرساً في اللمع لابن جنّي في النحو، ودرساً في إصلاح المنطق لابن السكّيت في اللغة، ودرساً في الصرف، ودرساً في أصول الفقه، وتارة في اللمع لأبي إسحاق، وتارة في المنتخب للفخر الرازي، ودرساً في أسماء الرجال، ودرساً في أصول الدين، وكان يكتبُ جميعَ ما يتعلق بهذه الدروس من شرح مشكل وإيضاح عبارة وضبط لغة. الثالث: غزارة إنتاجه، اعتنى بالتأليف وبدأه عام 660 هـ، وكان قد بلغ الثلاثين من عمره، وقد بارك اللّه له في وقته وأعانه، فأذاب عُصارة فكره في كتب ومؤلفات عظيمة ومدهشة، تلمسُ فيها سهولةُ العبارة، وسطوعَ الدليل، ووضوحَ الأفكار، والإِنصافَ في عرض آراء الفقهاء، وما زالت مؤلفاته حتى الآن تحظى باهتمام كل مسلم، والانتفاع بها في سائر البلاد. ويذكر الإِسنوي تعليلاً لطيفاً ومعقولاً لغزارة إنتاجه فيقول: اعلم أن الشيخ محيي الدين رحمه اللّه لمّا تأهل للنظر والتحصيل، رأى أن من المسارعة إلى الخير؛ أن جعل ما يحصله ويقف عليه تصنيفاً ينتفع به الناظر فيه، فجعل تصنيفه تحصيلاً، وتحصيله تصنيفاً، وهو غرض صحيح وقصد جميل، ولولا ذلك لما تيسر له من التصانيف ما تيسر له".

ومن أهم كتبه
"شرح صحيح مسلم" و"المجموع" شرح المهذب، و"رياض الصالحين" و"تهذيب الأسماء واللغات"، والروضة روضة الطالبين وعمدة المفتين"، و"المنهاج في الفقه" و"الأربعين النووية" و"التبيان في آداب حَمَلة القرآن" و"الأذكار "حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبّة في الليل والنهار"، و"الإِيضاح" في المناسك.

من شيوخه في الفقه:
عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري، تاج الدين، عُرف بالفِرْكاح، توفي سنة 690 هـ. 3. إسحاق بن أحمد المغربي، الكمال أبو إبراهيم، محدّث المدرسة الرواحيّة، توفي سنة 650 هـ. 4. عبد الرحمن بن نوح بن محمد بن إبراهيم بن موسى المقدسي ثم الدمشقي، أبو محمد، مفتي دمشق، توفي سنة 654 هـ. 5. سلاَّر بن الحسن الإِربلي، ثم الحلبي، ثم الدمشقي، إمام المذهب الشافعي في عصره، توفي سنة 670 هـ.
ومن شيوخه في الحديث:
إبراهيم بن عيسى المرادي، الأندلسي، ثم المصري، ثم الدمشقي، الإِمام الحافظ، توفي سنة 668 هـ. 2. خالد بن يوسف بن سعد النابلسي، أبو البقاء، زين الدين، الإِمام المفيد المحدّث الحافظ، توفي سنة 663 هـ. 3. عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري، الحموي، الشافعي، شيخ الشيوخ، توفي سنة 662 هـ. 4. عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قُدامة المقدسي، أبو الفرج، من أئمة الحديث في عصره، توفي سنة 682 هـ. 5. عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد الحرستاني، أبو الفضائل، عماد الدين، قاضي القضاة، وخطيب دمشق. توفي سنة 662 هـ. 6. إسماعيل بن أبي إسحاق إبراهيم بن أبي اليُسْر التنوخي، أبو محمد تقي الدين، كبير المحدّثين ومسندهم، توفي سنة 672 هـ. 7. عبد الرحمن بن سالم بن يحيى الأنباري، ثم الدمشقي الحنبلي، المفتي، جمال الدين. توفي سنة 661 هـ. 8. ومنهم: الرضي بن البرهان، وزين الدين أبو العباس بن عبد الدائم المقدسي، وجمال الدين أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح الصيرفي الحرّاني، وأبو الفضل محمد بن محمد بن محمد البكري الحافظ، والضياء بن تمام الحنفي، وشمس الدين بن أبي عمرو، وغيرهم من هذه الطبقة.
ومن شيوخه في علم الأصول
أما علم الأصول، فقرأه على جماعة، أشهرهم: عمر بن بندار بن عمر بن علي بن محمد التفليسي الشافعي، أبو الفتح. توفي سنة 672 هـ.
شيوخه في النحو واللغة
وأما في النحو واللغة، فقرأه على: الشيخ أحمد بن سالم المصري النحوي اللغوي، أبي العباس، توفي سنة 664 هـ.والفخر المالكي.والشيخ أحمد بن سالم المصري.

مسموعاته
سمع النسائي، وموطأ مالك، ومسند الشافعي، ومسند أحمد بن حنبل، والدارمي، وأبي عوانة الإِسفراييني، وأبي يعلى الموصلي، وسنن ابن ماجه، والدارقطني، والبيهقي، وشرح السنّة للبغوي، ومعالم التنزيل له في التفسير، وكتاب الأنساب للزبير بن بكار، والخطب النباتية، ورسالة القشيري، وعمل اليوم والليلة لابن السني، وكتاب آداب السامع والراوي للخطيب البغدادي، وأجزاء كثيرة غير ذلك.
تلاميذه
وكان ممّن أخذ عنه العلم: علاء الدين بن العطار، وشمس الدين بن النقيب، وشمس الدين بن جَعْوان، وشمس الدين بن القمَّاح، والحافظ جمال الدين المزي، وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، ورشيد الدين الحنفي، وأبو العباس أحمد بن فَرْح الإِشبيلي، وخلائق.
وَفَاته
وفي سنة 676 هـ رجع إلى نوى بعد أن ردّ الكتب المستعارة من الأوقاف، وزار مقبرة شيوخه، فدعا لهم وبكى، وزار أصحابه الأحياء وودّعهم، وبعد أن زار والده زار بيت المقدس والخليل، وعاد إلى نوى فمرض بها وتوفي في 24 رجب. ولما بلغ نعيه إلى دمشق ارتجّت هي وما حولها بالبكاء، وتأسف عليه المسلمون أسفاً شديداً، وتوجّه قاضي القضاة عزّ الدين محمد بن الصائغ وجماعة من أصحابه إلى نوى للصلاة عليه في قبره، ورثاه جماعة، منهم محمد بن أحمد بن عمر الحنفي الإِربلي، وقد اخترت هذه الأبيات من قصيدة بلغت ثلاثة وثلاثين بيتاً:
عزَّ العزاءُ وعمَّ الحــادث الجلــل *** وخاب بالموت في تعميرك الأمل
واستوحشت بعدما كنت الأنيـس لهـا *** وساءَها فقدك الأسحارُ والأصـلُ
وكنت للدين نوراً يُستضاء به مسـدَّد *** منـك فيــه القولُ والعمــلُ
زهدتَ في هــذه الدنيا وزخرفـها *** عزماً وحزماً ومضروب بك المثل
أعرضت عنها احتقاراً غير محتفل *** وأنت بالسعـي في أخـراك محتفل
وهكذا انطوت صفحة من صفحات عَلَمٍ من أعلاَم المسلمين، بعد جهاد في طلب العلم، ترك للمسلمين كنوزاً من العلم، لا زال العالم الإسلامي يذكره بخير، ويرجو له من اللَّه تعالى أن تناله رحماته ورضوانه.
رحم اللّه الإِمام النووي رحمة واسعة، وحشره مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وجمعنا به تحت لواء سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم.
ـــــــــــــــ
(1) مستقاة بتصرف من مقدمة كتاب الأذكار والمصادر التالية:
) طبقات السبكي 8/395ـ 400، وتذكرة الحفاظ 4/1470 ـ 1474، والبداية والنهاية 13/278، ومعجم المؤلفين 13/202، و"الاهتمام بترجمة الإِمام النووي شيخ الإِسلام للسخاوي، والنووي؛ للشيخ علي الطنطاوي والإِمام النووي للشيخ عبد الغني الدقر. والمنهاج السوي في ترجمة محيي الدين النووي للسيوطي. طبعة دار التراث الأولى 1409 هـ تحقيق: د. محمد العيد الخطراوي.




وفاة مظفر الدين كوكبوري:

في 14 من رمضان 630ه ـالموافق 24 من يونيو 1233م: توفى مظفر الدين كوكبوري، أمير إربل، واحد من كبار القادة الذين شاركوا صلاح الدين الأيوبي في جهاده ضد الصليبيين، وسبق أن تناولنا ترجمته في ذكرى مولده 27 من المحرم 549م تحت عنوان "الأمير الفارس والحاكم الإنسان".

وضع حجر الأساس للجامع الأزهر:

في الرابع عشر من شهر رمضان عام 359هـ الموافق 20 يوليو 970م وضع حجر الأساس والبدء في بناء الجامع الأزهر بالقاهرة ، وتم بناؤه في حوالي سنتين تقريبًا.

يرجع الفضل في تأسيس الجامع الأزهر إلى الفاطميين، الذين فتحوا مصر في عهد الخليفة المعز لدين الله، الذي أرسل قائده جوهر الصقلى لفتح مصر، فسار بحملته حتى دخل الفسطاط في يوم 11 من شعبان سنة 358 هـ /يوليه 969م، ووضع أساس مدينة القاهرة في يوم 17 من شعبان سنة 358 هـ كما وضع أساس قصر للخليفة المعز لدين اللَّه، ثم وضع آساس الجامع الأزهر في يوم 14 من شعبان سنة 359هـ / 970م ، واستغرق بناؤه قرابة سنتين، وأقيمت أول صلاة جمعة فيه في السابع من رمضان سنة 361 هـ / 972م.
ولم يلبث الأزهر الشريف أن أصبح جامعة علوم، يتلقى فيه طلاب العلم مختلف المعارف والفنون، ففي سنة 378هـ / 988م أشار البعض على الخليفة العزيز بالله بتحويل الأزهر الشريف إلى جامعة تدرس فيها العلوم الدينية والعقلية حرصاً على جذب طلاب العلم إليه من كافة الأقطار. وقد سمي بالجامع الأزهر نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء التي ينتسب إليها الفاطميون.
وقد حرص الخلفاء الفاطميون على تزويد الجامع الأزهر بالكثير من الكتب والمراجع حتى يتيسر للطلاب الوافدين عليه الإطلاع عليها، كما حرصوا على تخصيص موارد للإنفاق عليه، فوقفوا عليه الأحباس، وحذا حذوهم كثير من العظماء والأثرياء من أهل الخيرمن مختلف الدول، فأنفقوا على فرشه وإنارته وتنظيفه وإمداده بالماء، وعلى رواتب الخطباء والمشرفين والأئمة والطلاب من مختلف المذاهب الفقهية.
ولقد اضطلع الأزهر الشريف -منذ فجر تاريخه- بأدوار سياسية وثقافية وروحية خالدة، ليس في تاريخ مصر فحسب، بل في تاريخ الأمم الإسلامية والعربية على مر العصور.
فقد كان للأزهر دور سياسي مجيد على مر تاريخه دفع فيه الظلم والجور وأقر العدل ونشر الأمان، فكان ملاذاً لعامة الشعب يهرعون إليه في الأزمات. ملتمسين من علمائه الإرشاد والتوجيه فيجدون لديهم مواطن الأمان وتفريج الكربات وحل الأزمات، وكان العامة إذا وقع عليهم ظلم أو اغتصب الأمراء المستبدون حقوقهم، هرعوا جماعات إلى الجامع الأزهر في هتاف وصياح، فيفض العلماء حلقات الدراسة ويغلقون أبواب الأزهر ويستمعون إلى شكاية المستغيثين، ونضرب لهذا مثلا ماذكره الجبرتي المؤرخ المشهور أن حسين بك المعروف بـ "شفت" أحد أمراء المماليك، وكان طاغية جباراً يصادر أموال الرعية ويتهجم على البيوت ، وأنه ذهب إلى بيت أحمد سالم الجزار، شيخ دراويش البيومي، فنهب مافيه حتى الفرش وحلي النساء، فحضر أهل الحسينية إلى الجامع الأزهر، ومعهم الطبول والتف حولهم العامة وبأيديهم العصيّ ، وتفرقوا في أنحاء الأزهر وأغلقوا أبوابه وصعد بعضهم إلى مآذنه يصيحون ويضربون الطبول.. .. وقابلوا الشيخ الدردير وذكروا له ما حدث، فغضب لحرمات الله وقال لهم :"في غد نجمع الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكم وننهب بيوت المماليك كما ينهبون بيوتنا، ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم، فارتاع المماليك وأوفدوا رسلهم إل الشيخ الدردير نادمين طالبين إليه أن يرسل قائمة بما نهبه حسين بك وجنوده ليردوه إليه، وفعلا ردوا إليه جميع ما أغتصبوه".
وكثيرا ما كانوا يلفتون نظر الحكام إلى أن طاعة الحاكم واجبة إذا لم يخالف الشرع، وأن قاعدة الحكومة الإسلامية أنه "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، وفي أحد المواقف صب الشيخ "علي الصعيدي" غضبه على الأمير يوسف بك الكبير -في وجهه- ، ولعن من باعه، ومن اشتراه، ومن جعله أميراً، فاسترضاه الأمير ونزل على مشورته وأخذ بآرائه.
وكان الشيخ الدردير شجاعاً مقداماً لايخشى في الحق لومة لائم. وقد حدث يوماً وهو في مولد السيد البدوي أن صادر أحد الحكام أموال بعض الرعية، فطلب من بعض أتباعه أن يذهبوا إلى هذا الحاكم ليطلبوا إليه رد الأموال المغصوبة، ولكنهم خشوا أن يذهبوا إليه فركب الشيخ بنفسه وتبعه كثير من العامة حتى دخل خيمة هذا الحاكم وهو راكب بغلته، وأغلظ له القول، فاضطر إلى إرضائه وإرجاع ما اغتصبه من أموال . وفي سنة 1209هـ /سنة 1795م، حدث عدوان من أمراء المماليك على بعض فلاحي مدينة بلبيس فحضر وفد منهم إلى الشيخ عبد الله الشرقاوي، فغضب وتوجه إلى الأزهر فجمع شيوخه، وأغلقوا أبوابه، وأمروا الناس بترك الأسواق والمتاجر، وركب الشيوخ في اليوم التالي وتبعهم كثير من الناس إلى بيت الشيخ محمد السادات، واحتشدت جموع عديدة من الشعب، فأرسل إليهم الأمراء أحدهم، وهو أيوب بك الدفتردار، فسألهم عن أمرهم، فقالوا : نريد العدل ورفع الظلم والجور وإقامة الشرع وإبطال الحوادث والمكوسات (أي الضرائب)، وخشى إبراهيم بك زعيم الأمراء مغبة الثورة فأرسل إلى العلماء، وكانوا يقضون ليلتهم داخل الأزهر، قائلاً لهم : إنه يؤيدهم في غضبهم ويبرىء نفسه من تبعة الظلم، ويلقيها على كاهل شريكه مراد بك، وأرسل في الوقت نفسه إلى مراد يحذره عاقبة الثورة، فاستسلم مراد بك ورد ما اغتصبه من أموال، وأرضى نفوس المظلومين.
ولكن العلماء لم يقنعوا بهذا، بل أصروا على وضع نظام يمنع الظلم ويرد العدوان، فاجتمع الأمراء وأرسلوا إلى العلماء فحضر منهم الشيخ السادات والسيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ الأمير، وكان هؤلاء رسل الثورة وقوادها، وطال الجدل بين الشيوخ والأمراء، ثم انتهى بأن أعلن الظالمون أنهم تابوا والتزموا ما اشترطه عليهم العلماء، وأعلنوا أنهم سيبطلون المظالم والضرائب المحدثة، ويأمرون اتباعهم بالكف عن سلب أموال الناس، ويرسلون أوقاف الحرمين الشريفين والعوائد المقررة إليهما، ويسيرون في الناس سيرة حسنة.
وكان قاضي القضاة حاضراً هذا المجلس فكتب على الأمراء وثيقة أمضاها الوالي العثماني وإبراهيم بك ومراد بك شيخا البلد، وانصرف العلماء من هذا المجلس وسط جموع الشعب التي أعلنت بهجتها بهذه الوثيقة الخالدة التي هي أشبه بوثيقة حقوق الإنسان.
كما استطاع الشعب بقيادة علماء الأزهر عزل الوالي المستبد خورشيد باشا حينما ثاروا عليه وطلبوا من السلطان العثماني عزله، فنزل السلطان العثماني على رغبتهم وعزله.
وعندما غزا الفرنسيون مصر بقيادة نابوليون بونابارت عام 1798م أشعل علماء الأزهر الثورة ضدهم، فانبعثت من داخل الأزهر الشريف ثورة القاهرة الأولى والثانية، حتى كان للشعب ما أراد بقيادة علمائه، ورحل الفرنسيون عن مصر.
وكذلك قام الشعب المصري العظيم بقيادة علماء الأزهر بصد الحملة الإنجليزية على مصر سنة 1807م المعروفة باسم حملة فريزر.
واستطاع علماء الأزهر أن يفرضوا على الخليفة العثماني الوالي الذي ارتضوه، وهو محمد على باشا، بعد أن أخذوا عليه المواثيق والعهود بالعدل بين الرعية، إلا أنه نقض ما أبرمه من عهد وخان ما بذله من وعد واستبد بالحكم، فثار عليه علماء الأزهر بقيادة عمر مكرم، فلاينهم محمد علي حتى استطاع أن ينفي عمر مكرم ويشرد باقي العلماء.
وكذلك كان علماء الأزهر في عهد خلفاء محمد علي، يشعلون الثورة ضد هذه الأسر الباغية كلما انتهكت الحرمات، وواصلوا جهادهم ضد الاحتلال الإنجليزي حتى تمام الجلاء. ومن فوق منبر الأزهر الشريف أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الجهاد المقدس ضد جيوش الطغاة المعتدين عام 1956م فيما عرف بالعدوان الثلاثي على مصر، فكانت صيحة مدوية في أسماع العاملين، وانتفض الشعب المصري يجاهد المعتدين حتى تمام الانسحاب. وهكذا كان موقف الأزهر الشريف وعلمائه من الحياة العامة والسياسية جهادا ً في سبيل الله وفي سبيل الوطن ودفعا للظلم والعدوان، ولا غرو فالإسلام دين ودولة.
كما كان للأزهر أيضاً دور علمي وثقافي عظيم بَثَّ إشعاع المعرفة في شتى أقطار العالم ، وحفظ اللغة العربية والثقافة الإسلامية في عصور التدهور و الانحطاط، وإبان سيادة الاستعمار الغربي على الأقطار العربية.
ولم يقتصر دور الأزهر العلمي والثقافي على العلوم الدينية واللغوية -كما يظن الكثيرون- ولكن كان الأزهر يستمد ثقافته من ثقافة الإسلام، التي لا تفرق بين شتى المعارف والعلوم التي تخدم البشرية في شتى المجالات، كما أوضح الشارع الحكيم، ولهذا كان علماء الأزهر يدرسون جميع أنواع العلوم والفنون، فكان منهم الفقيه والطبيب والمهندس والفلكي والكيميائي والجغرافي والرحالة.... إلخ.
ولهذا حينما بدأت النهضة العلمية في مستهل العصر الحديث لم تجد لها منبعا إلا في رحاب الأزهر الشريف، فكان معظم المبعوثين إلى أوروبا من رجاله النابهين، من أمثال رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده، وغيرهما. كما كانت الدولة كلما أنشأت عدداً من المدارس العليا المتخصصة في شتى العلوم اختارت لها النابغين من أبناء الأزهر.
وعلى الرغم من ذلك استطاع الاستعمار، مع أمده الطويل وأساليبه الملتوية، أن يعوق حركة الأزهر في النمو والازدهار، فشن حروباً عنيفة ضد مريدي الاصلاح والتجديد فتقلّصت علوم الأزهر -لفترة ما- لتقتصر على العلوم الدينية واللغوية. ثم علت صيحات بعض المصلحين من أمثال رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وغيرهم، حتى قامت ثورة يوليو 1952م، فأزالت العقبات في طريق تطوير الأزهر الشريف ليكون منارة علم وإشعاع في كل علوم وفنون الحياة، وصدر القانون رقم 103 لسنة 1961م بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها. وبهذا عادت للأزهر مكانته وعاد إليه دوره في نشر الثقافة الإسلامية والعربية وجميع فروع المعرفة.
كما ولا يزال للأزهر دور روحي خالد في مقاومة شتى تيارات الإلحاد والانحرافات والمذاهب الهدامة، والحملات التنصيرية المسمومة، ودعاة الفوضى والانحلال والإباحية. وهاهو الآن يقف كالطود الشامخ إلى جانب مؤسسات الدولة المختلفة ضد الإرهاب الأسود ودعاة الانحراف والإباحية، ويمثل غطاءً روحيّاً للمسلمين في شتى بقاع الأرض، ويبين الوجه المشرق والوسطية السمحة لهذا الدين الحنيف.
ولهذا كان الأزهر الشريف -ولايزال- مقصد طلاب العلوم والثقافة الإسلامية من شتى أنحاء العالم، وهو مصدر الدعوة الإسلامية إلى مختلف الأمم والشعوب، وباعث مئات العلماء إلى مختلف القارات.



وفاة محمد علي باشا:

في 14 رمضان 1265هـ الموافق 3 أغسطس 1849م توفي محمد علي باشا الكبير حاكم مصر.

ولد محمد على باشا بمدينة قولة إحدي مدن اليونان سنة 1769 م وكان أبوه إبراهيم أغا رئيس الحرس المختص بحراسة الطرق ببلده وكان له سبعة عشر ولدا لم يعش منهم غير محمد على ، وقد مات أبوه وعاش يتيما لا يتجاوز الرابعة عشر من عمره فكفله عمه طوسون الذى توفي فكفله صديق والد حاكم المدينة " الشوربجي " ، فلما بلغ محمد أشده انتظم فى سلك الجهادية وسرعان ما ظهرت شجاعته ثم تزوج من إحدي قريبات متصرف قولة وكانت واسعة الثراء وأنجب منها إبراهيم وطوسون وإسماعيل وتفرغ للتجارة وخاصة تجارة الدخان إلا أنه سرعان ما عاد للحياة العسكرية وذلك عندما أغار نابليون بونابرت على مصر وشرع الباب العالي أو تركيا فى تعبئة جيوشها انضم محمد على إلى كتيبة مدينة قولة التى ركبت السفينة التركية التى رست فى ساحل أبو قير بالإسكندرية بقيادة حسين قبطان باشا فى شهر مارس سنة 1801م ، وهكذا جاء محمد على إلى مصر واشترك فى المعارك الأخيرة التى دارت بين الإنجليز والأتراك من جانب والفرنسيين من جانب أخر وظهر اسمه فى هجوم الجيش التركي على الرحمانية وساعده الحظ بانسحاب الفرنسيين من قلعة الرحمانية فاحتلها محمد على دون عناء .

وقد ظل محمد على بمصر وشهد انتهاء الحملة الفرنسية على مصر وفى أثناء ذلك كان قد رقي إلى مرتبة كبار الضباط فنال رتبة بكباشي قبل جلاء الفرنسيين ثم رقاه خسرو باشا إلى رتبة " سر جشمه " أو لواء ، وكان فى ذلك الوقت الصراع دائرا فى مصر على السلطة وخاصة أن إنجلترا قامت فى 27 مارس سنة 1802م بعقد صلح عرف بصلح أميان AMIENS بين فرنسا وإنجلترا وهولندا وإسبانيا وكان من شروط هذا الصلح جلاء الإنجليز عن مصر ، كما أن الحرب بين المماليك والأتراك قد اشتدت فبدأ محمد على أن يدبر لنفسه خطة لم يسبقه إليها أحد وهى التودد إلى الشعب المصري واستمالة زعماؤه للوصول إلى قمة السلطة وخاصة بعد ثورة الشعب ضد المماليك فى مارس سنة 1804 م من كثرة وقوع المظالم وزيادة الضرائب على الشعب المصري كذلك كثرة اعتداء المماليك والجنود الألبانيين على الأهالي فبدأ محمد على فى هذه الأثناء فى استمالة الشعب المصري له واختلط بالعامة وانضم إلى المشايخ والعلماء ، وفى سنة فى سنة 1805م حدثت ثورة بالقاهرة ضد الأتراك بدأت عندما اعتدي الجنود الدلاة - جنود من عناصر السلطنة العثمانية - على أهالي مصر القديمة وأخرجوهم من بيوتهم ونهبوا مساكنهم فاجتمع العلماء وذهبوا إلى الوالي خورشيد باشا وخاطبوه فى وضع حد لفظائع الجنود الدلاة إلا أن الوالي لم يستطع عمل شيئا فبدأت الثورة تأخذ طريقها ضد الوالي التركي وجنوده وهنا اغتنم محمد على تطور أحداث هذه الحركة ليؤيدها ويناصر الشعب كما فعل فى ثورة الشعب ضد المماليك ، وفى تلك الأثناء حاول خورشيد باشا إبعاد محمد على عن مصر حيث نجح فى جعل الباب العالي يصدر فرمانا سلطاني بتقليد محمد على ولاية جدة إلا أن الشعب المصري وزعمائه وعلمائه كان قد أصدر حكمه بعزل الوالي العثماني خورشيد باشا وتعيين محمد على واليا على مصر بدلا منه فى 13 مايو سنة 1805م وهكذا تولي محمد على باشا حكم مصر نزولا على رغبة أبنائها وهو ما يعد انقلابا عظيما فى نظام الحكم لتبدأ مصر مرحلة جديدة من النهضة أثرت على تاريخها السياسي والحربي والاقتصادي والاجتماعي فما أن بدأ محمد على باشا حكم مصر إلا وكان قد عزم بل وصمم على أن يجعل من مصر دولة لها سيادة بعد غياب قرون طويلة لهذه السيادة وتسير على نفس خطي التقدم والرقي الذى تشهده دول العالم الكبري فى ذلك الوقت وبخاصة إنجلترا وفرنسا بعد أن ظلت مصر ولاية تابعة للدولة العثمانية لمدة ثلاثة قرون متعاقبة تتنازعها قوي عديدة .
بعد أن استتب لمحمد على باشا الحكم قضي على أعدائه من المماليك فى مذبحة المماليك الشهيرة سنة 1811م كما قام بإلغاء فرق الجنود الإنكشارية أو فرق الجنود العثمانية وبدأ فى إرساء دعائم جديدة كانت بدايتها أو نواتها الأولي هى النهوض بمصر فى كافة النواحي فبدأ أولا بالنهوض بالجيش وتنظيمه حيث قام الكولونيل سيف الذى عرف فيما بعد باسم الجنرال سليمان باشا الفرنساوي بتدريب أو تكوين فرقة جديدة من الجيش عرفت فى الوثائق الرسمية وكتب المؤرخين باسم " اليكيجريه " أو الجيش الجديد وكان قوام هذه الفرقة فى البداية من صغار المماليك وبعضا من الجنود الإنكشارية العثمانية والألبان إلا أن هذه البداية فشلت فشلا ذريعا بل إن الألبان ثاروا ضد محمد على باشا وقاموا بتحريض الشعب المصري على رفض هذه البدعة ، إلا أن هذا لم يكن ليثني محمد على باشا عن المضي فى التقدم بالجيش فقام بمحاولة ثانية وهي تجنيد فرقة من الجند السودان إلا أن هذه المحاولة فشلت أيضا لتفشي الأمراض بين الجند ومن هنا بدأ محمد على فى التفكير فى تشكيل جيش مصري جنوده من المصريين وكان هدفه من ذلك إنشاء جيش من المصريين يحقق أغراضه التوسعية وللدفاع عن بلادهم وإعلاءها ، وبذلك استطاع محمد على تثبيت أركان حكمه بالنهوض بالجيش المصري فأنشئت أول مدرسة حربية للمشاه سنة 1820 م وكان يتم تدريبهم بميدان الرميلة أو قره ميدان - ميدان القلعة حاليا - حيث كان يتولاهم محمد على بنظره أثناء التدريب ثم نقلت هذه المدرسة إلى أسوان فى سنة 1821 م ثم ازدادت المدارس الحربية وفتحت مدارس بكل من فرشوط والنخيلة وجرجا ، وفى سنة 1823م كان التشكيل الأول للجيش المصري وكان مكونا من ست كتائب ثم ارتفع عدد هذه الكتائب فيما بعد وأصبح الجيش المصري يواكب أحدث النظم العسكرية فى العالم فى ذلك الوقت .
وكما اهتم محمد على باشا بتنظيم الجيش المصري على أحدث النظم الحربية اهتم بالنهوض بمصر فى كافة المجالات وبخاصة فى العمارة التى تميزت بطرز جديدة وافدة على مصر كان أغلبها أوربي نظرا لاستقدام محمد للعديد من المهندسين والعمال الأجانب لبناء العديد من العمائر سواء الدينية أو المدنية أو الحربية وكان هؤلاء المهندسين أغلبهم من تركيا ومن أوربا فبدأ فى الظهور أنماط تركية وألبانية وأوربية نتيجة لتوافد هذه العناصر على مصر فى القرن التاسع عشر الميلادي على العمارة والفنون فعرف هذا الطراز فى كتب المؤرخين باسم " الطراز الرومي " .
كما تميز عصر محمد على باشا بالنهضة فى التنظيم والهندسة فى العمارة ممثلة فى أنه أصبح يوجد لائحة للتنظيم حيث فتحت الحارات والدروب والسكك وسهل المرور بها أصبح الناس بمصر يتبعون فى مبانيهم الطرز المعمارية الحديثة كما انتدب محمد على باشا المهندسين وملاحظي المباني ليطوفوا بالمدن للكشف عن المساكن والدور القديمة ويأمروا أصحابها بهدمها وتعميرها فإن عجزوا أمورا بإخلائها ولتقوم الحكومة بترميمها على نفقتها الخاصة لتكون بعد ذلك من أملاك الدولة ، أيضا قام محمد على باشا بوضع أولي لبنات التعليم فى مصر على الرغم مما لاقاه من صعوبات بالغة تمثلت فى المعارضة الشديدة من الأتراك من ناحية ومن التخلف والجهل الذى كان يسود مصر من ناحية أخري نظرا لكثرة الفتن والخلافات والصراعات بين المماليك والأتراك ومن هنا بدأ فى نشر المدارس المختلفة لتعليم أبناء الشعب المصرى ومنها المدارس الحربية مثل مدرسة السواري أو الفرسان بالجيزة مدرسة المدفعية بطره مجمع مدارس الخانكة ، مدارس الموسيقي العسكرية وغيرها من المدارس ، أيضا كان هناك العديد من المدارس الأخري مثل مدرسة الألسن ومدرسة الولادة ومدرسة الطب أو مدرسة القصر العيني ومدرسة الطب البيطري ومدرسة الزراعة وغيرهم من المدارس .
وكما اهتم محمد على باشا بالتعليم بمصر بمختلف أنواعه اهتم أيضا بالصناعة التى تطورت تطورا كبيرا فى عهده والتى أصبحت ثاني عماد للدولة بعد التعليم بكافة أشكالها وبخاصة الحربية لمواكبة الأنظمة التى كانت موجودة بأوربا وحتي لا تعتمد مصر على جلب كافة احتياجاتها من الخارج الأمر الذى سيجعلها تحت رحمة الدول الكبرى من ناحية واستنزاف موارد الدولة من ناحية أخري إلى جانب أن معظم الخامات المستخدمة فى الصناعة كانت موجودة فعلا بمصر فضلا عن توفر الثروة البشرية ، وهكذا تم إنشاء العديد من المصانع وكان أول مصنع حكومي بمصر هو مصنع الخرنفش للنسيج وكان ذلك فى سنة 1231 هـ / 1816 م ثم بدأت تتوالي المصانع سواء الحربية أو غيرها الأمر الذى أدي بمحمد على إلى اتباع سياسة خاصة للنهوض بهذه المصانع بدأها أولا باستخدام الخبراء والصناع المهرة من الدول الأوربية لتخريج كوادر مصرية من رؤساء وعمال وصناع وفنيين وإحلالهم محل الأجانب بالتدريج .
وقد انقسمت الصناعات الجديدة التى أدخلها محمد على باشا إلى مصر إلى ثلاثة أقسام الأول وهو الصناعات التجهيزية وتمثلت فى صناعة آلات حلج وكبس القطن وفى مضارب الأرز ومصانع تجهيزه ، وتجهيز النيلة للصباغة ، ومعاصر الزيوت ومصانع لتصنيع المواد الكيماوية كما قام محمد على باستبدال الطرق البدائية فى الصناعة وإدخال بدلا منه الآلات سواء الميكانيكية أو التى تدار بالبخار والمكابس ، أما القسم الثاني وهى الصناعات التحويلية وهى الصناعات المتعلقة بالغزل والنسيج بكافة أنواعه ، القسم الثالث وهو الصناعات الحربية وقد بدأ محمد على باشا فيها بعد قيام الحرب الوهابية سنة 1811 - 1819م حيث أسس أول ترسانة أو دار للصناعة بالقلعة - ورش باب العزب - ليكون على أحدث النظم الأوربية فى ذلك الوقت لتتوالى المصانع الحربية بعد ذلك بأنحاء مصر ، هذا ولقد كان ذلك بعضا مما شملته أوجه النهضة بمصر فى عهد محمد على باشا.
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
15 رمضان

15 رمضان


ولادة الحسن بن علي رضي الله عنهما:

من حوادث اليوم الخامس عشر من شهر رمضان ولادة مولود من أحب الناس إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنه الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ابنة فاطمة، البتول الزهراء
قال الطبري (2/76) وفي هذه السنة أعني سنة ثلاث من الهجرة ولد الحسن بن علي بن أبي طالب في النصف من شهر رمضان.
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (1/484) عن علي لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
ـ ( أروني ابني. ما سميتموه ؟
قلت: سميه حرباً
قال : بل هو حسن )
وعق عنه يوم سابعه بكبشين (الثقات 1/220) وحلق رأسه وأمر أن يتصدق بوزن شعره فضة.
وقال عنه (الاستيعاب 1/484) : ( إن ابني هذا سيد وعسى الله أن يبقيه حتى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ). زاد في رواية : ( وأنه ريحانتي من الدنيا)
وكثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يلاعبه ، وربما مص لسانه واعتنقه وحمله على كتفه حتى وهو في الصلاة.
كان الحسن رضي الله عنه حليماً ورعاً فاضلاً. تولى الخلافة بعد مقتل أبيه علي رضي الله عنه ، فاجتمع حوله أهل العراق وساروا للقاء معاوية وأهل الشام، فلما تراءى الجمعان بموضع يقال له : مسكن من أرض السواد بناحية الأنبار صالح معاوية على أن لا يطلب أحداً من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء كان في أيام أبيه ، فأجابه معاوية وكاد يطير فرحاً ، وسمي هذا العام عام الجماعة لاجتماع كلمة المسلمين بصلح الحسن رضي الله عنه.
وعن علي رضي الله عنه كان الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس ، والحسين أشبه الناس بالنبي ما كان أسفل من ذلك.
رويت عن أخلاق الحسن وحكمته وفصاحته قصص كثير باهرة. رضي الله عنه وأرضاه.


إسلام ثقيف بعد فتح مكة:

ومن حوادث اليوم الخامس عشر من شهر رمضان سنة تسع للهجرة:
أن ثقيفاً التي أبت الدخول في الإسلام وحاربت المسلمين بعد فتح مكة في معركة الطائف، ثم بلغ بها الكبرياء أن قامت بقتل عروة بن مسعود الثقفي لما علموا بإسلامه منفرداً عنهم.
قال ابن هشام (5/226) أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهراً ، ثم إنهم ائتمروا بينهم ورأوا أن لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب ، وقد بايعوا وأسلموا. وقال بعضهم لبعض:
ـ ألا ترون أنه لا يأمن لكم سرب، ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع .
فأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفداً مكوناً من ستة أشخاص ، فلما دنوا من المدينة ونزلوا (قناة) ألفوا بها المغيرة بن شعبة يرعى في نوبته ركائب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآهم وعلم خبرهم ضَبَر يشتد، ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره عن ركب ثقيف أن قد قدموا يريدون البيعة والإسلام بأن يشترط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شروطاً، ويكتتبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً في قومهم وبلادهم وأموالهم.
ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم – وقد علمهم المغيرة تحية الإسلام – أبو إلا أن يحيوا بتحية قومهم.
وضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة في ناحية المسجد فقد روى ابن خزيمة في صحيحه (2/285) (أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى اللهعليه وسلم فأنزلهم المسجد حتى يكون أرق لقلوبهم) ، وكان المكلف بمرافقتهم خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اكتتبوا كتابهم.
وكان خالد هو الذي كتب كتابهم بيده ، وكانوا لا يطعمون طعاماً يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم كل ليلة بعد العشاء فيتحدث قائماً على رجليه، حتى يراوح بين رجليه، حتى أسلموا.
وقد كانوا فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية ، وهي (اللات) لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم، فما برحوا يسألونه سنة سنة ويأبى عليهم ، حتى سألوه شهراً واحداً بعد مقدمهم، فأبى عليهم أن يدعها شيئاً مسمى ، وأمر أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة أن يهدماها
وسألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة ، وأن لا يكسروا أوثانهم!!. فقال عليه السلام :
ـ لا خير في دين لا صلاة فيه ، وأما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منها.
وأمّر عليهم عثمان بن العاص ، وذلك أنه كان أحرصهم على القرآن والفقه وأوصاه أن يتجاوز في صلاته ، وأن يقهر الناس بأضعفهم.
وأسلم وفد ثقيف في النصف من رمضان يوم الخامس عشر منه فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام ما استقبلوا ، وقد جاء أن بلالاً كان يأتيهم بفطورهم وسحورهم.
(وفي صحيح مسلم 4/1752) أنه (كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم أنا قد بايعتك فأرجع).


الدعاء والقنوت في الصلاة:

ومن حوادث اليوم الخامس عشر لشهر رمضان أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ فيه قنوتاً امتد خمسة عشر يوماً يدعو ربه لنجاة ضعفاء المسلمين الذي حبستهم قريش عن الهجرة.
جاء في (الفائق في غريب الحديث 3/226) عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت صبيحة خمس عشرة من شهر رمضان في صلاة الصبح يقول:
ـ اللهم أنج الوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين فدعا كذلك حتى إذا كان صبيحة الفطر ترك الدعاء. فقال عمر بن الخطاب :
ـ يا رسول الله مالك لم تدع للنفر.
قال : أو ما علمت بأنهم قدموا.
قال فبينا هو يذكرهم ، نفجت بهم الطريق يسوق بهم الوليد بن الوليد وسار ثلاثاً على قدميه وقد نكب بالحرة. قال فنهج بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قضى من الدنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ـ هذا الشهيد وأنا عليه شهيد.

ولاية محمد بن أبي بكر الصديق على مصر:

في الخامس عشر من شهر رمضان عام 37هـ الموافق 23 فبراير 658م تولى محمد بن أبي بكر الولاية على مصر.

وفاة عبيد الله بن عمر بن الخطاب:

في 15 رمضان 37هـ الموافق 23 فبراير 658م توفي عبيدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.



عبور عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس:

في 15 رمضان 138هـ الموافق 20 فبراير 756 م عبر عبد الرحمن الداخل المعروف بـ (صقر قريش) البحر إلى الأندلس ليؤسس دولة إسلامية قوية وهي الدولة الأموية في الأندلس.

سأل أبو جعفر المنصور يومًا جلسائه: "أتدرون من هو صقر قريش؟" قالوا: أنت. قال: لا, فعددوا له أسماء مثل معاوية وعبد الملك بن مروان، قال: "لا... بل عبد الرحمن بن معاوية. دخل الأندلس منفردًا بنفسه، مؤيدًا برأيه، مستصحبًا لعزمه، يعبر القفر، ويركب البحر حتى دخل بلدًا أعجميًا فمصَّر الأمصار، وجند الأجناد وأقام ملكًا بعد انقطاع بحسن تدبيره، وشدة عظمه".
ولنبدأ معًا قصة ذلك العملاق من أولها لنري جليا كيف تشعل ظروف الفشل فتيل النجاح
تبدأ تلك القصة الرائعة عندما سيطر العباسيون على زمام الأمور في المشرق، ومضوا يتعقبون الأمويين في كل مكان، حتى أفنوا عددًا كبيرًا منهم، وتفرق من بقي أو كُتب له النجاة في أنحاء البلاد، وأعيت العباسيين الحيلة في طلبهم أو الوصول إليهم، لاستئصالهم وإبادتهم حتى لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك.
صورة دامية:
خرج "عبد الرحمن" مع أخ له صغير السن ـ لم يتجاوز الثالثة عشرة ـ وبعض أهله، واتجه إلى رجل من معارفه فطلب منه أن يشتري له عددًا من الدواب، ويهيئ له ما يتزود به في سفره، ولكن بعض عيون العباسيين دلوا عليه، فانطلقوا في إثره، فخرج حتى وصل إلى شاطئ الفرات، فأحاطت به خيول العباسيين، فألقى بنفسه في الماء ومعه أخوه، وانطلقا يسبحان نحو الشاطئ الآخر، وكان الشاطئ بعيدًا، فأخذ عبد الرحمن يسبح بقوة وحماس وكان يجيد السباحة، بينما بلغ أخاه التعب وهو في منتصف النهر، وخشي الغرق، ففترت عزيمته، وخارت قواه، وأراد العودة إلى الشاطئ، وهم يخدعونه وينادونه بالأمان، فراح عبد الرحمن يناديه ويحثه على السباحة، ويحذره من غدر العباسيين وخداعهم، إلا أنه كان قد بلغ من التعب والإجهاد ما جعله يغتر بأمانهم ويؤمل في عهودهم، فرجع إليهم، وما كاد يصل إليهم وتتلقاه أيديهم، حتى أحاطوا به بعد أن تمكنوا منه، وضربوا عنقه أمام أخيه، وهو ينظر إليه، ولا يملك له شيئًا.
وصل "عبد الرحمن الداخل" إلى إفريقية بعد عناء شديد، وما لبث أن لحق به مولاه "بدر" الرومي ومولاه "سالم"، ومعهما كثير من أمواله التي تركها هناك.
ولم تكن الأمور في إفريقية بأقل سوءًا مما تركها في المشرق، فقد صار "عبد الرحمن بن حبيب الفهري" ـ والي إفريقية ـ يسوم الأمويين الفارين إلى بلاده قتلاً وذبحًا، يستحل دماءهم وينهب أموالهم، بعد أن كان حليفًا لهم بالأمس القريب.
عبد الرحمن عند أخواله من البربر:
ونزل "عبد الرحمن الداخل" على أخواله "بني نقرة " ـ من بربر طرابلس ـ وعندما علم "عبد الرحمن بن حبيب" ذلك أخذ يتحين الفرصة لقتله، ويحتال لاستدراجه، كما فعل بغيره من أبناء عمومته.
وأدرك "عبد الرحمن الداخل" ما يدبره له؛ فخرج إلى مكناسة، ونزل على قوم من قبيلة زناته البربرية؛ فأحسنوا استقباله وناصروه، ولكن "عبد الرحمن بن حبيب" لم يكف عن طلبه وتتبعه، فهرب إلى "برقة"، وظل مستخفيًا بها مدة طويلة، استطاع خلالها أن يتصل بعدد كبير من قبائل البربر، واستجار ببني رستم ملوك تيهرت، وراح يجمع حوله أشتات الأمويين الذين فروا من اضطهاد العباسيين، وأمراء البيت المرواني الذين نجوا من الذبح.
الطريق إلى الأندلس:
وكان "عبد الرحمن الداخل" طوال تلك المدة يراقب الأمور من حوله بوعي وحذر، ويدرس أحوال الأندلس بعناية شديدة ليتحين الفرصة المناسبة للعبور إليها.
وتجمع حول "عبد الرحمن الداخل" أكثر من ثلاثة آلاف فارس، كلهم يدين له بالولاء، ويوطن نفسه على أن يقتل دونه.وتقدم "عبد الرحمن" نحو "قرطبة" حاضرة الأندلس وعاصمتها.
ودخل "عبد الرحمن" قرطبة فصلّى بالناس، وخطب فيهم، فكان ذلك بمثابة إعلان ميلاد الدولة الأموية في الأندلس، وبويع له بالخلافة في 10 من ذي الحجة 138هـ ـ 18 من مايو 756م)، ليصبح أول أموي يدخل الأندلس حاكمًا، ويطلق عليه ذلك اللقب الذي عُرف به "عبد الرحمن الداخل"، ومؤسس تلك الدولة الفتية التي أصبحت حضارتها منبعًا لحضارة أوروبا الحديثة، وظلت منارًا للعلم والمدنية عبر قرون طويلة من الزمان.
ونحن هنا ندعوك أيها القارئ أن تسائل نفسك, تري أي الأمرين أسهل, ما فعله صقر قريش من إقامة دولة كاملة, في ظل تلك الظروف الصعبة التي قد تبدو مستحيلة, من ضعف في الإمكانيات, وقلة في الموارد, ومطاردة شرسة من أقوي دولة على وجه الأرض في ذلك الزمان, وكل هذا وهو مطارد وحيد فريد, ليس معه إلا توفيق ربه, ثم عزم لا يلين, وإرادة حديدية لا تعرف الكلل واليأس ،أهذا كله أصعب أم ظروفك التي تتعلل بها, وتستخدمها كشماعة لتعليق تكاسلك وضعف إرادتك ؟

وفاة الأديب الشاعر مُحَمّد أبن العباس

المشهور بأبي بكر الخوارزمي، من هو الخوارزمي، لم يصلنا سوى القليل عن أخبار الخوارزمي، وما نعرفه عن آثاره أكثر وأهم مما نعرفه عن حياته الخاصة. هو محمد بن موسى الخوارزمي، أصله من خوارزم. ونجهل تاريخ مولده، غير أنه عاصر المأمون، أقام في بغداد حيث ذاع اسمه وانتشر صيته بعدما برز في الفلكوالرياضيات. اتصل بالخليفة المأمون الذي أكرمه، وانتمى إلى بيت الحكمة وأصبح من العلماء الموثوق بهم. وقد توفي بعد عام 232 هـ .ترك الخوارزمي عدداً من المؤلفات أهمها: الزيج الأول، الزيج الثاني المعروف بالسند هند، كتاب الرخامة، كتاب العمل بالإسطرلاب، كتاب الجبر والمقابلة الذي ألَّفه لما يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم، وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجارتهم، وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأرضين وكرى الأنهار والهندسة، وغير ذلك من وجوهه وفنونه. ويعالج كتاب الجبر والمقابلة المعاملات التي تجري بين الناس كالبيع والشراء، وصرافة الدراهم، والتأجير، كما يبحث في أعمال مسح الأرض فيعين وحدة القياس، ويقوم بأعمال تطبيقية تتناول مساحة بعض السطوح، ومساحة الدائرة، ومساحة قطعة الدائرة، وقد عين لذلك قيمة النسبة التقريبية ط فكانت 7/1 3 أو 7/22، وتوصل أيضاً إلى حساب بعض الأجسام، كالهرم الثلاثي، والهرم الرباعي والمخروط. ومما يمتاز به الخوارزمي أنه أول من فصل بين علمي الحساب والجبر، كما أنه أول من عالج الجبر بأسلوب منطقي علمي، لا يعتبر الخوارزمي أحد أبرز العلماء العرب فحسب، وإنما أحد مشاهير العلم في العالم، إذ تعدد جوانب نبوغه. ففضلاً عن أنه واضع أسس الجبر الحديث، ترك آثاراً مهمة في علم الفلك وغدا (زيجه) مرجعاً لأرباب هذا العلم. كما اطلع الناس على الأرقام الهندسية، ومهر علم الحساب بطابع علمي لم يتوافر للهنود الذين أخذ عنهم هذه الأرقام. وأن نهضة أوروبا في العلوم الرياضية انطلقت ممّا أخذه عنه رياضيوها، ولولاه لكانت تأخرت هذه النهضة وتأخرت المدنية زمناً ليس باليسير.
وذكر أنه عندما أراد الخوارزمي الدخول على الصاحب إبن عبّاد، قال لحاجبه : قل لصاحب أن أحد الأدباء يريد أن يحط الرحال عندك، فقال الصاحب للحاجب : أنني قررت أن لا أستقبل أحداً من الأدباء إلا من حفظ عشرين ألف بيت من الشعر من دواوين العرب، فعاد الحاجب فأخبر الخوارزمي بذلك، فقال : قل لصاحب هل يريد هذه الأبيات من شعر النساءِ أم من شعر الرجال، فلما وصل هذا الجواب إلى الصاحب عرف أنه أبو بكر الخوارزمي، فأستقبله وأنس به، ثم أخذه إلى عضد الدولة ونال منه مرتبة عالية، لكن الخوارزمي أخذ بعد ذلك يهجوا الصاحب إبن عبّاد، حتى مات، والخوارزمي من المؤرخين الكبار وصاحب رسائل كثيرة، بيعت في مصر وأسطمبول.


انطلاقة دعوة الموحدين.

ومن حوادث اليوم الخامس عشر من رمضان انطلاقة محمد بن تومرت مؤسس دولة الموحدين في المغرب
جاء في كتاب (الاستقصاء بالأخبار دول المغرب الأقصى 1/92) أن محمد بن تومرت مكث مدة في الخفاء يجمع من حوله الأتباع ، ويؤلب الناس على أمراء عصره، حتى إذا كاد أمره أن ينكشف لجأ إلى (تيمنلل) في صحراء المغرب ، فأقام بها إلى أن لحق به أصحابه والمصدقون بإمامته.
وفي (تيمنلل) عظم صيته وكثر أتباعه ، فأظهر دعوته الناس إلى بيعته، فبايعه أصحابه الخاصون وكانوا عشرة عقب صلاة الجمعة خامس عشر رمضان سنة (515هـ) ولما كان من الغد - وهو يوم السبت - خرج في أصحابه العشرة متقلدين السيوف، وتقدم إلى الجامع، فصعد المنبر وخطب الناس، وأعلمهم أنه المهدي المنتظر ودعاهم إلى بيعته، فبايعوه البيعة العامة ، ثم بث دعاته في بلاد المصامدة يدعون الناس إلى بيعته، ويزرعون محبته في قلوبهم بالثناء عليه، ووصفه بالزهد وتحري الحق ، فانهال الناس عليه من كل جانب ، وسمى نفسه المهدي ، وسمى أتباعه الموحدين ، ولقنهم عقائد التوحيد باللسان البربري ، وجعل لهم فيه الأعشار والأحزاب والسور ، وقال:
ـ من لم يحفظ هذا التوحيد فليس بموحد ولا تؤكل ذبيحته . . .
ومنذ تلك اللحظة بدأت دولة الموحدين بالتوسع والانتشار حتى عمت أرجاء المغرب العرب لفترة من الزمن قبل أن يقضي عليها المرابطون.

بدأت دعوة الموحدين عام(514هـ) على يد محمد بن تومرت الذى ينتمى إلى قبيلة هرغة، أحد بطون قبيلة مصمودة التى تنتشر فى أغلب أراضى المغرب الأقصى. وقال بالانتساب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد أيد بعض المؤرخين هذا الانتساب وأنكره بعضهم، وكان يرى التأويل وينكر على أهل المغرب عدولهم عن التأويل، ثم سار إلى الشرق، ودرس العلم وعاد إلى المغرب، والتقى بالمرابطين، وألف جيشًا ضم عدة قبائل، كان مقره حصن \"تينملل\"، وبدأ يناوئ المرابطون وقتل فيها قائد الجيش الموحدى، وأعداد كبيرة معه، وكان الجيش المرابطى بقيادة أبو بكر بن على بن عبد المؤمن بن على فى قيادة الموحدين، الذى استطاع أن يعيد للموحدين قوتهم وأن يستولى على أكثر بلاد السوس. ومرت عملية بناء الدولة الموحدية بأربع مراحل وهى:
المرحلة الأول: الاستيلاء على مراكش وسهلها الفسيح وقد تمت هذه المرحلة سنة (540هـ - 114م).
المرحلة الثانية: الاستيلاء على شمال المغرب بما فى ذلك فاس وبقية المغرب إلى الزقاق وهو مضيق جبل طارق وقد تمت سنة (542هـ).
المرحلة الثالثة: فتح المغرب الأوسط وقد تمت بدخول الموحدين مدينة تلمسان ثم الجزائر سنة(548هـ - 1153م).
المرحلة الرابعة: بسط فيها الموحدون سلطانهم على إفريقيا بما فى ذلك شرق إقليم طرابلس وقاموا باستعادة المهدية وجزيرة جربة وبقية سواحل إفريقية من النورمان، وقد تمت سنة (555هـ - 1160م) التى تسمى سنة الأخماس، وبذلك يكون الموحدون أول من وحد المغرب العربى كله عدا برقة وما يليها شرقـًا إلى حدود مصر. وقد تحسن وضع الموحدين بعد الانتهاء من حروبهم فى إفريقيا، وتمكنوا من الإستيلاء على بلاد المغرب، فاتجهت أنظارهم نحو يوسف بن عبد المؤمن بجيش كثيف إلى أشبونة فى غربى يوسف بن عبدالمؤمن فى الطريق، وقد قيل عنه إنه كان من أعظم خلفاء الموحدين حبًا للعلم وأهله وتقديرًا لرجاله، وقد عاش فى أيامه الطبيب ابن الطفيل وموقعة الأرك على النصارى بقيادة الفونس الذى نجا من المعركة بأعجوبة بعد أن قتل أكثر جيشه، ودخل المسلمون بقيادة يعقوب بن يوسف الذى طلب نجدة من المغرب، والتقى الفريقان وانتصر المسلمون مرة أخرى. وفى عام (583هـ) كانت الحروب الصليبية على أشدها فى المشرق فأرسل صلاح الدين الأيوبى إلى يعقوب بن يوسف لم يكن بوسعه ذلك؛ إذ لم تقل الحروب الصليبية فى يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن، وخلفه فى الحكم ابنه محمد ولقب بالأندلس على ثغور المسلمين فيها فسار إليها الأندلس، ووصل إلى الناصر. وفى عام (609هـ) حاصر محمد بن يعقوب الناصر، ولكن فى هذه الموقعة التى عرفت باسم حصن العقاب من أهم أسباب ضعف دولتهم وسقوطها بعد ذلك، إلا أن هذه الهزيمة كانت من أسباب تحطيم الوجود الإسلامى فى الناصر الموحدى سنة (610هـ)، فقد استهلكت قوة الدولة فى القتال بين الأمراء. وفى عام (640هــ) وبعد صراع طويل بين أمراء البيت الحاكم بدأ سقوط الدولة تدريجيًا، ففى هذا العام تولى أمر الموحدين على بن إدريس، ولقب بالمعتضد وحارب بنى مرين الذين قوّى أمرهم، وتولى بعد المعتضد عمر بن إسحاق، وفى أيامه استولى النصارى على


وفاة القائد بيبرس المنصور:

ومن حوادث اليوم الخامس عشر من رمضان وفاة أحد قواد المماليك وهو الأمير ركن الدين بيبرس المنصور
توفي ليلة خامس عشر من رمضان، وهو أحد ممالك المنصور قلاوون، استنابه بالكرك وعزله الملك الأشرف خليل بالأمير جمال الدين آقوش، ثم صار دوادار السلطان وناظر الأحباس (الأوقاف) التي كانت أعظم الموارد المالية ، وولى نيابة على السلطنة بديار مصر.
وكان عاقلاً كثير البر، إليه تنسب المدرسة الدوادارية بخط سويقة العزي خارج القاهرة ، وله تاريخ سماه (زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة) يدخل في أحد عشر سفراً ، أعانه على تأليف كاتبه ابن كبر النصراني وكان يجلس رأس الميسرة (أي على رأس القواد العسكريين الذين يجلسون عادة على يسار السلطان في مجلسه) فأخذ إقطاعه الأمير مغلطاي الجمال وأخرج منه طبخانة لبلبان السناني ، وصار الأمير عز الدين أيدمر الحظيري بعده يجلس في رأس الميسرة.

الأمير المملوكى ركن الدين بيبرس البندقدارى تظاهر بأنه يصافح الملك الظافر (قطوز) الذى هزم جيش التتار بعد عودته من الصيد فأمسكه بيبرس بأحدى يديه بحجه تقبيلهما لتهنأته بالصيد وطعنه بيده الأخرى بسكين فى قلبه فسقط صريعا يتخبط فى دمه على الأرض ولفظ أنفاسه الأخيره فى يوم السبت 17 ذى القعده سنة 658 هـ بعد أن ظل فى الحكم 11 شهراً و 13 يوماً. ولما بلغ الخبر الأتابك (رئيس الوزراء) قال : " من منكم ضربه الضربه الأولى " قال بيبرس : " أنا هو " – قال الأتابك: "أنت الحاكم بدله" وبايع المماليك الأمير بيبرس فى الحال ولقبوه بأسم الملك القاهروتشأئم من هذا اللقب فأبدله بالملك الظاهر وعرف فى التاريخ بأسم الظاهر بيبرس , وكانت من ألقابه أيضاً "روح الدين" , "بيبرس البنقدارى" (نسبة إلى سيده الذى أشتراه وعلمه الفروسيه واسمه علاء الدين بندقدار) وكذلك أسم أبو الفتوح - والعكى .
فى الصورة الجانبية شعار علم الأمير المملوكى بيبرس وهو النمر وكذلك العملة وضع عليها شعاره ولاحظ أن أسم المملوك بيبرس على أسم السلطان المغولى ببر أو بابر -أسم قادم من أسم ببر (1) .
وكان هذا الملك أول سلاطين أو ملوك من المماليك يستحق الأعتبار , وهو خامس مملوك غير شجرة الدر أختلس الملك ونال قوة عظمى .
وأرتقى بيبرس الأوربى الصل الطويل القامة حسن الطلعة أزرق العينين عرش حكم مصر سنة 1260 م 658 هـ وأظهر كفائة للأحكام ودل على حبه لرعيته فأبطل الضرائب الباهظة التى وضعها سلفه على كاهل الناس وأخذ ثلث الشركات الأهلية التى كان حصيلة جمعها منها 6000دينار سنوياً بحجة حصر الأملاك وتقويمها , وعدل الضرائب الإعتيادية بطريقة عادله .
وقام بإستقبال أبن خليفة بغداد وأكرم وفادته عند إلتجاءه إلى مصر بعد أن قتل التتر أبيه الظاهر بأمر الله , وأعاد الحج من مصر إلى مكة بعد أن كانت قد أهملت هذه العادة من مصر مده 12 سنة ولما رفض حاكم مكة دخول المصريين للحج وزيارة النبى قام الظاهر بيبرس بجيوشه مسرعاً إلى تلك المدينة وقتل ذلك الحاكم ووضع يده على كل تلك البلاد المحمدية المقدسة وأدخلها تحت حيازة مملكة المماليك فى مصر , وعاد للقاهرة ظافراً بعد أن زار مكة والكعبة وكساها وكان طريق المصريين لحج أن يركبوا مراكب فى النيل من مصر العتيقة حتى يصلوا البحر الحمر فيعبرونه ومنه يصلون إلى مكة , أما السلطان بيبرس فسار براً بجيشه عن طريق العريش فسوريا .

وفى سنة 1262م الموافقة سنة 660 هـ فى سنة حضور أبن الخليفة العباسى إلى مصر حل بها مجاعة ففتح بيبرس مخازنة وصار يقيت الألاف من الجياع يومياً ولم يكتف بذلك بل أسرع فى جلب الغذاء من الخارج وأنقذ بلاد مصر التى حكمها فى الحال من ذلك الخطر المحدق بهم .
وبعد زوال المجاعة أحتفل بختان أبنه بأحتفال عظيم , وتصدق على الفقراء فى سبيل الله وشكراً لهذه المناسبة هذا الختان بان قام بدفع مبالغ أجر تختين 645 طفلا من أولاد الفقراء ختنوا فى يوم ختن إبنه وكساهم بملابس جديدة , وأعد موكباً وإحتفالاً عظيماً وكان أبن الخليفة العباسى حاضراً مما زاد هذا الإحتفال مما زاده مجداً وبهاء .
إحتفالات النصر
ورجع الملك الظاهر بيبرس من سوريا إلى مصر ظافراً منتصراً فقوبل بإحتفال عظيم فى القاهرة فزينوا له المدينة طلها بأجمل زينة وفرشوها بالبساط والسجاجيد وساروا به فى موكب حافل عظيم فقط وطد أركان السلام فى جميع أنحاء القطر السورى بعد أن حارب التتار وبدد شكلهم وأصبحت جميع البلاد التى كان قد أستولى عليها التتار تحد يده فحكم كل مدن الأناضول والبلاد التى كانت قد أستولى عليها الفرنجة وبلاد الخلافة الأسلامية العباسية الأسلامية وفتح النوبة وبرقة وعمر الحرم النبوى وقبه الصخرة فى بيت المقدس (أورشليم) وصارت البلاد التى تحت حكمه وسلطانه مصر والنوبة وبرقة والشام وبر الأناضول وجزيرة العرب , ومن غزا كل هذه البلاد ليس بقليل عليه أن تقام له مثل هذه الإحتفالات العظيمة .
سقوط مملكة النوبــــة المسيحية فى يد الإسلام
هاجم داود ملك النوبة المناطق الجنوبية من مصر فهاجمة المماليك ودحروه وكان الظاهر بيبرس فى حروبه فى الشام ولما أنتهى منها جاءه أبن أخت الملك داود يريد مساعدته فى الحصول على العرش فأعطاه جيشاً مدربا قضى على داود ومملكته ولم تقم لممالك النوبة المسيحة قومة مره أخرى راجع موضوع ممالك النوبة فى هذا الموقع

الملك الظاهر بيبرس يفقد حياته نتيجة لإيمانه بالخرافات
قاد السلطان ببيرس جيشا قاصدا سوريا وحارب برقه وإحتلها , إلا ان التتر عادوا الى المناوشات على حددود سوريا فسار ببيرس بجيشه الى حمص لتأديبهم وحمايه الحدود وحدث خسوف للقمر ولما كان العامه من المسلمين فى مصر يعتقدون أن خسوف القمر ما هو إلا علامه على موت أمير كبير أو حاكم أو ملك أو سلطان فتوهم أن هذا الخسوف يدل على قرب موته وأن نهايته قد صارت أكيده وفتش حوله من هو سيتولى الحكم من بعده وليس من أبناء ملته فوجد أميرا صغيرا هو داود ناصر الدين وهو حفيد طوران شاه آخر سلطان كردى من أسره صلاح الدين الأيوبى القائد الشهير( سلاله الأيوبين ) ودخله الوساوس والأوهام بأن هذا الأمير الصغير سيقوم بمؤامره ضده ويستولى على الحكم فأراد أن يغدر به قبل أن يفعل الأمير المسكين شيئا فإذا مات الأمير تحققت نبؤه الخسوف فيهرب من الموت , مع ان هذا الأمير لم يكن فى علمه أي شئ من هذه الأوهام وليس فى نيته قتل السلطان ببيرس ( أن تاريخ الحكم العربى الإسلامى به كثير من هذه الإغتيالات المؤلمه ) فدبر السلطان ببيرس خطه الإغتيال فأمر بإستدعائه وأكرمه غايه الإكرام ولاطفه وأجلسه بجانبه وصب له كأسا فيه شراب ووضع له فيه السم وقدمه له بيديه فشربه الأمير المسكين بلا تردد ولا إرتياب وخرج السلطان من الغرفه تاركا الأمير يلفظ أنفاسه الأخيره وبعد أن تم ما أقدم عليه السلطان , دخل أحد الخدام وكان لا يعلم بما حدث ولا بسر سيده أو مؤامرته فملأ نفس الكأس من مشروب سيده ولا يزال بعض المشروب المسمم فيه , ولما عاد السلطان قدمه لسيده وكان السلطان متوعكا من الحمى , فشرب من نفس الكأس وكانت كميه السم الباقيه كافيه لقتله 0 وهكذا مات الأمير المسكين البرئ ناصر الدين وبعد ساعه مات السلطان الظاهر بيبرس بعد ساعه واحده وكأنه كان يريد أن يخدع القدر فمات نتيجه لجهله لعدم ثقته فى من حوله وتقول ا.ل بوتشر ص 260 عن الخرافات ( ما أضعف حجتها وأشد وطأتها ) وكانت وفاه السلطان الظاهر بيبرس فى 27 محرم سنه 676 هجريه وحكم لمده 17 سنه وشهرين 10 أيام وترك ثلاثه ذكور و 7 بنات وكان اكبر أولاده السعيد محمد برقه خان وهو الذى ورث كرسى الحكم والثانى سلامش والثالث المسعود خضر
أعمال الملك المملوكى الظاهر بيبرس
وبجانب أعمال الظاهر بيبرس الحربية إلا أن أعماله الإنشائية كانت كثيرة وما زالت تشهد له حتى هذا اليوم ولا شك أن الأموال التى حملها من غزواته قد أعطته قدرة على البناء والتشييد فى مصر والشام أما فى مصر فهى : -
*** ترميم وتقوية حصون دمياط ورشيد والأسكندرية والقاهرة
*** بناء الأهراء والأشوان الكبيرة لتشوين الغلال فى القاهرة
*** بناء وترميم القناطر والجسور وتقوية قناطر شبرامنت بالجيزة
*** بناء قناطر السباع الممتدة من فم الخليج إلى القلعة ووضع فى طرف تلك القناطر من جهه الخليج سبع سواقى لترفع المياة من النيل إلى القناطر التى تحملها إلى القلعة فيروى من فيها ووضع على أطراف تلك القناطر تماثيل حجرية على شكل السباع ولذلك أطلق المصريين على هذه القناطر التى بناها الملك الظاهر بيبرس أسم قناطر السباع
*** وترميم منارة رشيد
*** وأمر بحفر خليج الأسكندرية القديم وبحر أشمون طناح وطهر الترع والخلجان وتقول مسز بوتشر ص 261
" قيل أن الملك الظاهر ذاته كان يساعد الفعلة هو وكل أمرائه تشجيعاً وتنشيطاً لهم فى العمل وأعطى لهم مثالاً حسنا فى خدمة الوطن وعدم تعاظمه فى ما يؤول إليه بالتقدم , وقد حمل بنفسه مقطف تراب بيديه على مرأى من كل الواقفين مثل الأجير الحقير حباً فى منفعه الوطن والبلاد .
*** ورمم جوامع كثيره وأعاد بناء جوامع اخرى , وبنى جامعا جديداً متسع وفخم جداً فى شمال القاهرة فى الميدان الكبير الذى فى طريق العباسية وأسمه ألان ميدان الظاهر يطلق عليها اسم الضاهر , ولما احتل الفرنسيين مصر حولوه إلى قلعة وبعد مغادرة الفرنسيين مصر أستعملته الحكومة مركزاً عسكرياً ثم استعمل مخزن لتخزين المأكولات والملبوسات المختصة للجيش الأنجليزى الذى كان فى مصر , وما زالت هناك أربعة حوائط من البناء الأصلى الذى بناه الظاهر بيبرس ويوجد كثير من النقوش الجميلة لم تزل ظاهرة حتى الآن فى شبابيكه وفقد هذا الجامغ صبغته الدينية ولكن عمر الان وبدأ يصلى فيه من جديد .
*** وجدد الملك الظاهر بيبرس الجامع الأزهر وأعاد الخطبة فيه , وبنى بلدة السعيدية بمديريه الشرقية .
وكان الظاهر بيبرس محباً لركوب الخيل ومغرما بالرياضة البدنية والتمرينات العسكرية ويقضى فيها معظم يومه وبنى لذلك ميدانا مخصوصاً بين المنزل القلعة وقبه النصر وكانت نفقاته مما يغنمه فى حروبه بدون أن يثقل على ألهالى بدرهم .
الشيخ الصوفى خضر العدوى سنة 672 هجرية:
أعتقد الظاهر بيبرس فى أن الشيخ الصوفى خضر العدوى شخص مبروك .. ولكنه كان مشهوراً بانحلاله الخلقى وشذوذه الجنسى وتعصبه ضد النصارى فى الشام ومصر، ولما ترك له الظاهر بيبرس له المجال واطلق لتعصبة العنان فهدم كثيراً من الكنائس فى الشام ومصر ،
ومن الكنائس التى هدمها بمصر كنيسة الروم بالإسكندرية التى يشاع أن فيها رأس النبى يحيى عليه السلام (يوحنا)، وقد تحولت على يد الشيخ خضر العدوى إلى مسجد وسماه (المدرسة الخضراء) وأنفق فى تعمير هذه المدرسة الأموال الكثيرة من بيت المال. (2)

ملك مصر بعد موت الظاهر بيبرس
ولما مات الملك الظاهر بيبرس فى الشام خاف الأمراء من طمع الأعداء فحملوه سراً إلى دمشق وأشاعوا أنه مريض وبعدئذ نقلوه للقاهرة فى هودج ورحل معه جيشه لمصر ودفنوه فى القلعة , وبايع المماليك أكبر أولاده ناصر الدين برقه خان , ولكن لطمع المماليك فى الحكم لم يدم أخلاصهم لحكم أولاد الظاهر بيبرس , إذ فى بحر ثلاث سنوات قتل ولداه اللذين لم ينالا لقب ملك او سلطان إلا بالأسم فقط وملك أحد أمراء المماليك وأسمه سيف الدين قلاوون الألفى .


استسلام قلعة صفد:

في الخامس عشر من شهر رمضان عام 584هـ الموافق 6 نوفمبر 1188م سلمت قلعة صفد للقائد المسلم صلاح الدين الأيوبي.

مدينة صفد اسسها الكنعانيون فوق قلعة تريفوت في الجنوب الغربي من جبل كنعان ويحيط بها ترتفع 839م عن سطح البحر.
مرجعيون وصور شمالاً، وبحيرة طبريا وغور بيسان جنوباً، وجبال زمود والجرمق شرقاً، وسهول عكا والبحر المتوسط غرباً.
ورد ذكرها في النقوش المصرية في القرن 14 ق.م. من بين مدن الجليل. وعُرفت في العهد الروماني باسم (صيفا) كقلعة حصينة ومركز للقسس. وأقدم ذكر لها في صدر الإسلام يعود إلى القرن الرابع الهجري/ العاشر ميلادي.

احتلها الفرنجة وأقاموا فيها قلعة صفد التي كانت تسيطر على شمال الجليل وطريق دمشق عكا عام1140م. وحررها صلاح الدين من الفرنجة عام1188م.
لكن الصالح إسماعيل صاحب دمشق تنازل عنها لهم كعربون صداقة وتحاف ضد الصالح أيوب في مصر والنصار داوود في الأردن عام1240م، لكن الظاهر بيبرس استعادها ثانية في عام1266م.
خضعت للحكم العثماني منذ عام 1517م بعد انتصار السلطان سليم الأول العثماني على السلطان قنصوة الغوري المملوكي في موقعة مرج دابق 1516م، خضعت فيها صفد لكن الأمور والأحداث سارت عكس ما كان يتوقع إذ سقطت حيفا في يد المنظمات الصهيونية المسلحة بتاريخ 24/4/1948م وارتكبت المجازر والمدابح ضد السكان، وأدى ذلك إلى تشريد بعض سكانها بتاريخ 5 و6/5/1948.

بلغت مساحة قضاء صفد في1/4/1945 (69631) دونماً. وقُدر عدد سكان قضاء صفد في عام1922 حوالي (22790) نسمة، وفي عام1931 حوالي (39713)، وفي عام1945 حوالي (53620) نسمة.
تبلغ مساحة أراضي مدينة صفد (4431) دونماً، ويقدر عدد سكانها عام1922 حوالي (8761) نسمة، وفي عام 1931 حوالي (9441) نسمة.

وقد بلغ عدد اللاجئين من أهالي مدينة صفد حوالي (67888) نسمة حسب تقديرات عام 1998م.
تُعتبر مدينة صفد ذات موقع أثري هام. تحتوي على تلال وخرب وأبراج وتصاريف ومعاصر زيت وخمور وأحواض منقورة في الصخر وأنقاض واساسات وحجارة مزخرفة وأدوات صوانية ومدافن وفخاريات وجدران وأعمدة ومغائر وصهاريج ونقوش وآثار رسوم مدهونة وخزانات وسلالم. كما يوجد بها حمام بنات يعقوب، خربة بنات يعقوب، قصر عترا.

اقام الصهاينة في صفد أعلى مستعمرة لهم في كل فلسطين، وهي مستعمرة (قريات السارة) التي ترتفع 961م عن سطح البحر، وتقع فوق جبل كنعان.
وقد بلغ عدد المستعمرات المقامة على أراضي صفد حوالي (61) مستعمرة.

وفاة الصاحب فتح الدين أبو عبد الله

هو مُحَمّد بن محيى الدين بن عبد الله بن عبد الظاهر، كاتب الأسرار بالدولة المنصوريّة بعد إبن لقمان، كان ماهراً في هذه الصناعة، وحظي عند المنصور، وقد طلب منه الوزير إبن السلعوس أن يقرأ عليه كل ما يكتبه، فقال : {{هذا لا يمكن، فأن أسرار الملوك لا يطّلع عليها غيرهم، وأبصروا لكم غيري يكون معكم بهذه المثابة}}، فل/ذا بلغ ذلك الأشرف أعجبه منه، وإزدادت عنده منزلة، توفي في مثل هذا اليوم وتولى إبن الأثير بعده، وتوفي إبن الأثير بعده بشهر وأربعة أيام.


وفاة أكمال الدين مُحَمّد بن مُحَمّد بن محمود البابرتيّ

علاّمة المتأخّرين وخاتمة المحققين، برع وساد وصنّف شرح الهداية وشرح المشارق وشرح المنار وشرح البردونيّ وشرح مختصر إبن الحاجب وشرح تخليص المعاني والبيان وشرح ألفيّة إبن مالك وحاشية على الكشَّاف وغير ذلك الكثير، ولّي مشيخة الشيخونيّة أوّل ما فُتِحَت وعُرض عليه القضاء فأبى، كانت وفاته في مثل هذا اليوم.



وفاة ابن الكتاني الفقيه الأصولي

ومن الأعلام الذين توفوا في الخامس عشر من رمضان ابن الكتاني الفقيه الشافعي الأصولي البارع.
قال ابن رافع السلامي في الوفيات (1/219) وفي يوم الثلاثاء النصف من شهر رمضان عام 738هـ توفي العلامة زين الدين أبو حفص عمر بن أبي الحرم بن عبد الرحمن بن يونس الدمشقي الشافعي، المعروف بابن الكتاني بظاهر القاهرة، وصلى عليه من الغد ودفن بالقرافة.
كان إماماً في أصول الفقه وعارفاً بمذهب الشافعي، ودرّس وأفتى، واشتهر صيته في الدنيا، وله حواشي على الروضة (للنووي) ودرس في آخر عمره في الحديث في قبة المنصورية ، ووصفه ابن العماد في شذرات الذهب (3/117) بقوله:
ـ كان مقيماً وحده لم يتزوج ولم يتسر ، ولم يقن رقيقاً ولا مركوباً ولا داراً ولا غلاماً ، وكان حسن المحاضرة كثير الحكايات والأشعار، كريماً، توفي بمسكنه على شاطئ النيل بجوار الخانقاه التي تولى مشيختها وهي خانقاه الطيبرسية. رحمه الله.


انتصار الدولة العثمانية على روسيا:

في15 من رمضان 1224 هـ الموافق 24 من أكتوبر 1809م: انتصرت الدولة العثمانية على روسيا في معركة "تاتاريجه"، ومقتل من الروس 10 آلاف جندي.

مذبحة قام بها اليهود في الحرم الإبراهيمي:

مفكرة الإسلام : برع اليهود عليهم لعنة الله عز وجل في أساليب الخداع والمكر والدهاء واستغفال الشعوب وابتزاز الأمم وبرعوا أيضاً في نشر الأكاذيب والأباطيل والأساطير الزائفة حتى أن دولتهم قد قامت على هذه الأباطيل والأكاذيب واستطاع أئمة الكفر والدهاء أن يصوروا للعالم أن الشعب اليهودي شعب بائس مقهور مضطهد عبر السنين وساعدهم في ذلك تحكمهم في وسائل الإعلام عبر العالم فجعلوا العالم يعيش في أكذوبة كبيرة ووهم خطير اسمه مذابح النازية لليهود أو ما يطلق عليها 'الهولوكوست' قاموا باسم هذه المذابح الوهمية بابتزاز العالم بأسره وأرغموه على الاعتراف بدولتهم التي أقاموها على أرض فلسطين المحتلة وكان هذا الاعتراف بمثابة صك ملكية للمغتصب اليهودي وكان من أخطر تداعيات هذا الاعتراف العالمي بدولة إسرائيل هو تسليم الفلسطينيين لأحفاد القردة والخنازير يسومونهم سوء العذاب بالإبادة والتشريد ومحاولات الطرد المستمرة من أراضيهم واستخدم اليهود أقذر الوسائل لإجبار الفلسطينيين على ترك ديارهم , وعلى رأس هذه الوسائل المذابح البشعة التي قام بها اليهود ضد المسلمين فلقد ارتكبت عصابات اليهود أمثال عصابات الأرجون وشتيرن والهاجانا سلسلة مذابح بشعة لبث الرعب في قلوب الفلسطينيين ليفروا من ديارهم ولأن اليهود أساتذة التلفيق والتضليل فقد روجوا إشاعة مناداها أن الفلسطينيين هم الذين باعوا ديارهم وأرضهم لليهود وقبضوا الثمن في حين أنهم فروا من المذابح البشعة وللأسف الشديد صدق الناس هذا الكلام وصاروا يرددونها كالببغاء الأحمق ويرفعونها لافتة في وجه من يطلب منهم مساعدة إخوانهم الفلسطينيين .
وتاريخ المذابح اليهودية للمسلمين طويل وأليم وشديد البشاعة والفظاعة ابتداءاً من مذبحة دير ياسين ومذبحة كفر قاسم ومذبحة قرية الزيتون ومذبحة قرية قبية ومذبحة قريبة عيلبون وغير ذلك كثير فهذه دولة نبت مجدها بالكذب والزور والتلفيق ودم المسلمين , وحتى بعد أن استقرت تلك الدولة الغاشمة استمرت في ارتكاب المذابح ضد المسلمين خاصة مع الأسرى الذين كانوا يقعون تحت أيديهم في الحروب مثلما حدث مع الأسرى المصريين في حربي 56 , 67 وكل زعيم يتولى رئاسة هذه الدولة لابد له من مجزرة تكون في سجله المشرف عند اليهود فشارون صاحب مذبحة صبرا وشاتيلا وبيجن صاحب مذبحة دير ياسين وكفر قاسم وشامير صاحب مذبحة فندق الملك داود بالقدس وبيريز صاحب مذبحة قانا فكل كلب يهودي له من دم المسلمين نصيب , وأحيانا المذابح كانت تأتي بشكل فردي يقوم بها كلب يهودي بشكل فردي ولكن بالقطع بمباركة أسياده اليهود , وصفحتنا هذه صورة من هذه المذابح البشعة في حق المسلمين .
كانت مدينة الخليل من ضمن المدن الواقعة تحت نير الاحتلال اليهودي بعد حرب الأيام الست المشئومة وكان هذه المدينة ذات كثافة سكانية عالية وكل أهلها مسلمون فعمدت السلطات الغاشمة اليهودية على وضع خنجر داخل قلب هذه المدينة الضخمة يكون ذريعة للتدخل اليهودي ليل نهار داخل المدينة هذا الخنجر متمثل في مستوطنة 'كريات أربع' التي بناها اليهود داخل مدينة الخليل ويقدر عدد سكانها بأربعمائة خنزير يهودي ثم استيرادهم حثالة شعوب العالم شرقاً وغرباً وهؤلاء المستوطنون أغلبهم متدينون شديدو البغض والكره للمسلمين بصورة تفوق نظرائهم اليهود العاديين والمستوطنات تكون عادة بؤر للإرهاب الصهيوني ومدارس لزرع الكراهية والبغض في قلوب اليهود ضد الناس عامة والمسلمين خاصة ومن هذه البؤر النجسة تخرج رجل أمريكي الأصل يهودي الديانة صهيوني العقيدة اسمه باروخ جولدشتين وكان يعمل في أمريكا طبيباً فترك ذلك كله وهاجر لإسرائيل وأقام بمستوطنة 'كريات أربع' في حياة بسيطة جداً وإنما جاء من أمريكا لهدف معين يدور في عقله الخبيث ألا وهو الشرب من دماء المسلمين وأخذ يخطط لتلك المذبحة وكيفية تنفيذها وأفضل مكان وزمان لتنفيذ هذه المذبحة .
دل شيطان باروخ جولدشتين على أفضل مكان وزمان يوقع فيه أكبر عدد من الضحايا وذلك في شهر رمضان في بيت من بيوت الله لكثرة اجتماع الناس للصلاة في هذه الأيام واتفق الخنزير باروخ مع بعض جنود الاحتلال على أن يمدوه بالسلاح اللازم في تنفيذ تلك المجزرة مع توفير الحماية له من الخلف وبالفعل في صلاة الفجر يوم الجمعة 15 رمضان سنة 1414هـ دخل باروخ المسجد الإبراهيمي والناس سجود لربهم جل وعلا والناس صوام وفتح عليهم النار من مدفعه الرشاش واستخدم ست خزانات للذخيرة في ارتكاب تلك المجزرة البشعة التي راح ضحيتها 29 مسلم مصلي صائم ساجد لله في خير البقاع وخير الشهور وخير الصلوات , واستطاع باقي المصلين أن يفتكوا بباروخ قبل أن يهرب بجريمته البشعة , وهاجت البلاد والشعوب المسلمة وقامت المظاهرات في شتى أنحاء البلاد ولكن انفض كل شئ بعد ذلك وذهبت دماء الضحايا هباءاً وتحججت إسرائيل بأن باروخاً هذا كان مجنوناً يعالج نفسياً وغير مسئول عن أفعاله كما قالوا من قبل على الإسترالي الصهيوني الذي أحرق المسجد الأقصى سنة 1968هم بأنه مجنون ثم أعطوه الجنسية وما زال حراً طليقاً يحيى في إسرائيل , وهكذا يتم استغفال الشعوب وخداعهم بفضل وسائل الإعلام المنحازة التي لا تعرف الحقيقة إلا من خلال المنظار الصهيوني فقط .

إجراء أول انتخابات عامة متعددة في الجزائر

في اليوم الخامسَ عشرَ من شهر رمضان ، سنة : ( 1411هـ ) ، الموافق لليوم الـ ( 1 ) ، من شهر إبريل ، سنة : ( 1991م ) : الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد يعلن إجراء أول انتخابات عامة متعددة الأحزاب في تاريخ الجزائر .
 

أم نيره

مزمار كرواني
9 يوليو 2007
2,786
2
0
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
رد: مفكرة رمضان التاريخية.. يومـًأ بيوم

بارك الله فيك اخى هانى على مجهودك
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
16 رمضان

16 رمضان



مقتل الخليفة الراشد بالله:


من حوادث اليوم السادس عشر لشهر رمضان قتل خليفة عباسي في ظروف اضطراب الخلافة العباسية وتسلط الخارجين والقواد وأصحاب النفوذ عليها.
قال ابن العماد في (شذرات الذهب 2/101) وفي عام 632 هـ قتل الخليفة الراشد بالله أبو جعفر منصور بن المسترشد بالله الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله الهاشمي العباسي.
خطب له بولاية العهد أيام والده المسترشد ، وبويع بالخلافة بعده ، وكان شاباً أبيض مليح الوجه تام الشكل شديد البطش شجاع النفس حسن السيرة جواداً كريما شاعراً فصيحاً لم تطل دولته.
خرج من بغداد إلى الجزيرة وأذربيجان ، فخلعوه لذنوب ملفقة ، فدخل مراغة وعسكر بها، وسار إلى أصحابها ومعه السلطان داود بن محمود فحاصرها، وتمرض هناك ، فوثبت عليه جماعة من الباطنية فتقلوه صائما يوم سادس عشر رمضان وله ثلاثون سنة.


استئصال شأفة كبير اللصوص البرجمي :

ومن حوادث اليوم السادس عشر من رمضان سنة 425هـ انطفاء تمرد واسع قام به اللصوص في عاصمة الخلافة بغداد أيام الخليفة المرتضى ، وذلك بإغراق رئيسهم الذي يقال له البرجمي في نهر دجلة من قبل معتمد الدولة.
قال ابن الجوزي في (المنتظم 8/79) وانتشر العيارون وقتلوا، وترددوا في الكرخ حاملين السلاح، ومضت الأيام على كبس المنازل ( مداهمتها )ليلاً والاستقفاء نهاراً (أي قتل الناس غيلة من أقفيتهم) فعظمت المحنة، وتعدوا إلى الجانب الشرقي من بغداد ففسد ، حتى قال:
ـ وكبس (البرجمي) داراً في ظهر دار الخليفة المرتضى ، وأخذ منها شيئاً كثيراً وصاح أهل الدار والجيران ، فلم يجدوا مغيثاً ، فلما كان يوم الجمعة ثار العوام في جامع الرصافة ، ومنعوا من الخطبة ، ورجموا القاضي أبا الحسين بن العريف الخطيب وقالوا :
ـ إن خطبت للبرجمي (دعوت له) وإلا فلا تخطب لخليفة ولا لملك.
واتفق أن بعض القواد أخذ أربعة من أصحاب البرجمي فاعتقلهم ، فأخذ البرجمي ـ رداً عليه ـ أربعة من أصحاب ذلك القائد ، وجاء إلى دار القائد فطرق عليه الباب ، فخرج فوقف خلف الباب ، فقال له:
ـ قد أخذت أربعة من أصحابك عوضاً عمن أخذته من أصحابي ، فإما أن تطلق من عندك لأطلق من عندي، وإما أن أضرب، رقابهم وأحرق دارك وأنصرف وشأنك ومن عندك!!
ووصل الأمر بالبرجمي كبير اللصوص أن يفاوض على مسروقاته جملة بأموال يدفعها لمسئولي الأمن فلا يعترضونه.
ومازال أمر (البرجمي) في ارتفاع إلى أن كانت ليلة سادس عشر من شهر رمضان حيث أخذه معتمد الدولة البويهي وهو الحاكم القوي بقوة قاهرة ، فبذل (البرجمي) له مالاً كثيراً على أن يترك فلم يقبل منه ، بل عمد معتمد الدولة إلى فم الدجيل على نهر دجلة فغرقه فيه علانية أمام الناس حتى مات.
وقد رد أخو البرجمي عليه بأن دخل بغداد فأخذ أختاً له من سوق يحيى ، وخرج فتبع وقتل .
وتحرك الخليفة بكل قوته فأرسل إلى العيارين ـ وأحضرهم إلى داره قائلاً:
ـ من أراد منكم التوبة قبلت توبته وأقر في معيشته, ومن أراد خدمة السلطان استخدم مع صاحب البلد ، ومن أراد الانصراف عن البلد كان آمناً على نفسه ثلاث أيام. فقالوا:
ـ نخرج .... فخرجوا.


السلطان المظفر بيبرس يعزل نفسه:

ومن حوادث اليوم السادس عشر من شهر رمضان ما أورده ابن تغري في (النجوم الزاهرة) عن الصراع بين المماليك الذي تنازعوا السلطة حتى تسلمها الملك المظفر بيبرس
إلا أن الأمور سارت عكس هواه, وقوي تيار المعارضة له ، وهدده أمراء خصومه، إلى أن كان يوم الثلاثاء سادس عشر رمضان استدعى الملك المظفر الأمراء كلهم ، واستشارهم فيما يفعل، فأشار كبارهم عليه بالنزول عن الملك والإشهاد على ذلك ، والكتابة إلى السلطان السابق الملك الناصر محمد بذلك مع استعطافه ، فكتب إليه ، وكان مما قال له:
ـ فإن حبستني عددت ذلك خلوة, وإن نفيتني عددت ذلك سياحة ، وإن قتلتني كان ذلك لي شهادة.
وكتب إليه يسأله أن يسمح له بالرحيل إما إلى الكرك وأعمالها، أو حماه وبلادها، أو صهيون (فلسطين) ومضافاتها.
وكان خروج الملك المظفر بعد هذا التنازل من القاهرة مذلاً.
قال ابن تغري: وعندما نزل من باب الإسطبل صاح به العوام وتبعوه ، فكأنما نودي في الناس بأنه خرج هاربا ، وزادوا في الصياح حتى خرجوا عن الحد ، ورماه بعضهم بالحجارة ، فشق ذلك على مماليكه ، وهموا بالرجوع إليهم ووضع السيف فيهم ، فمنعهم الملك المظفر، وأمر بنثر المال عليهم ليلهيهم..
وهكذا عادت الخطبة في مساجد القاهرة بعد ذلك إلى الملك الناصر، وأسقط اسم الملك المظفر بيبرس وزال ملكه.


قتل مرتد مارق ابن دبادب:

ويورد ابن كثير في (البداية والنهاية) صورة من صور إقامة حد الردة على بعض المارقين فيقول (14/273) :
ـ وفي يوم الجمعة السادس عشر من رمضان قتل عثمان بن محمد المعروف بابن دبادب الدقاق بالحديد على ما شهد عليه جماعة - لا يمكن تواطؤهم على الكذب - أنه كان يكثر من شتم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فرفع إلى الحاكم المالكي وأدعي عليه، فأظهر التجابن (الجبن) ثم استقر أمره (أي بعد التحقيق والإشهاد عليه بما ثبت عنه) على أن قتل قبحه الله وأبعده ولا رحمه...
وهذه الحادثة تبعتها أخرى مشابهة بعد عشرة أيام سنوردها إن شاء الله في حوادث اليوم السادس والعشرين من رمضان.


القبض علي رجل غريب التصرف:

وفي القاهرة في سنة 742 هـ جرت حادثة غريبة ذكرت في كتاب (النجوم الزاهرة 10/72) وهي أن رجلاً بوارديا يقال له محمد بن خلف يقيم بخط السيوفيين من القاهرة، قبض عليه في يوم السبت سادس عشر رمضان ، وأحضر إلى محتسب القاهرة، فوجد بمخزنه من فراخ الحمام والزرازير المملوحة عدة أربعة وثلاثين ألفاً ومائة وستة وتسعين. من ذلك أفراخ حمام: مائة ألف ومائة وستة وتسعون فرخاً. وزرازير عدة ثلاثة وثلاثين ألف زرزور. وجميعها قد نتنت وتغيرت أحوالها. ولعل رائحتها المنتشرة التي زكمت الأنوف دلت عليها ، فأدب وشهر.
ولم يذكر ابن تغري شيئاً عن سبب جمع هذا الرجل لهذا العدد من الطيور المملوحة المنتنة.


انتقال عادة التدخين إلى المغرب:

ويؤرخ الإمام شهاب الدين احمد بن خالد الناصري في كتابه (الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى 2/126) لظاهرة انتشار التدخين في المغرب ومن أين جاءت، فيقول :
ـ وفي سنة إحدى وألف (1001هـ) أتي بالفيلة من بلاد السودان إلى المنصور، وكان يوم دخولها لمراكش يوماً مشهوداً برز لرؤيتها من بالمدينة ، ثم حملت إلى فاس سنة سبع وألف.
قال في نشر المثاني, كان دخول الفيل إلى فاس يوم الاثنين سادس عشر رمضان، وبعث المنصور إلى ولده المأمون بهدية سنية فيها تحف وأموال... وقال بعضهم : وبسبب دخول هذه الفيلة إلى المغرب ظهرت هذه العشبة الخبيثة المسماة بتابغ ، لأن أهل السودان الذين قدموا بالفيلة يسوسونها قدموا بها معهم، يشربونها ويزعمون أن فيها منافع. فشاعت منهم في بلاد درعة ومراكش وغيرها من بقاع المغرب...
ثم ينتقل الناصري إلى بيان رأيه في حكمها فيقول:
ـ من تأمل أدنى تأمل في قواعد الشريعة وآدابها علم يقيناً أن تناول هذه العشبة حرام، لأنها من الخبائث التي حرمها الله تعالى على هذه الأمة المطهرة. وأنت لا تجد أنتن من أفواه شَرَبة الدخان، ولا أعفن من نكهات المستفين لغبار تابغ ، وأقول: لو كانت نتنها يتعلق بعضو من الأعضاء غير الوجه لكان هينا ، لكنه يعلق بالفم والأنف اللذين وضعهما الحكيم العليم في وسط الوجه، الذي هو أشرف الأعضاء. فأي مضمضة وأي استنشاق وأي سواك يزيل ذلك النتن، الذي يرسخ في أنفاس أهلها وخياشيمهم رسوخاً لا يماثله شيء. هذا إلى ما يتبع ذلك من المفاسد المتعددة من تغيير عقل متعاطيها حتى إذا انقطعت عنه صار كالمجنون، ومن دخول الشك في صيامه، لأن بقايا ذلك الدخان يمكث في حلقه إلى طلوع الفجر وما بعده، لأن جلهم إذا قرب الفجر والوا استعماله، حتى يكون هو خاتمة سحورهم ، وبالجملة فلا يستعمل ذلك إلا من لا خلاق له ولا يكترث بمروءة ولا دين.

وفاة فاطمة بنت نصر بن العطار:

ومن المفيد أن نشير إلى أن ابن الجوزي في (المنتظم 10/279) أورد سيرة امرأة طاهرة صالحة هي فاطمة بنت نصر بن العطار قال:
توفيت يوم الأربعاء السادس عشر رمضان سنة 573هـ وأخرجت جنازتها بكرة الخميس إلى جامع القصر ، ونحي سباط المقصورة لأجلها ، وحضر جميع أرباب الدولة سوى الوزير (وكان آنذاك يطلق على كبير موظفي الخلافة) وصلى عليها أخوها ، وامتلأت الأسواق والشوارع بالناس أكثر من يوم العيد ، وتبعها إلى مقبرة أحمد بن حنبل ببغداد خلق كثير من الأكابر ، ودفنت عند أبيها، وشاع عنها الذكر الجميل والزهد في الدنيا.
يقول ابن الجوزي : وحدثني أخوها صاحب المخزن أنها كانت كثيرة التعبد شديدة الخوف من الله ، ما خرجت في عمرها من بيتها إلا ثلاث مرات لضرورة. وما كانت تلتفت إلى زينة الدنيا ، رحمها الله.


وفاة الإمام الفقيه ابن الزملكاني الشافعي:

ومن حوادث اليوم السادس عشر سنة 727هـ وفاة عالم كبير وإمام جليل هو محمد بن علي بن عبد الواحد الأنصاري الدمشقي ابن الزملكاني أبو المعالي ،
ترجم له عامة المؤرخين. قال عنه ابن حجر (في الدر الكامنة 5/330) :
ـ أطلق عليه الذهبي: عالم العصر وأمير الشافعية ، كان بصيراً بالمذهب وأصوله ، قوي العربية ذكياً فطناً فقيه النفس ، أفتى وله نيف وعشرون سنة، وتخرج عليه غالب علماء عصره ، ولم يُرَ مثل كرم نفسه وعلو همته وتجمله في مأكله وملبسه.
ولي نظر المرستان ، ودرس بالشامية والظاهرية والرواحية ، وولي نظر ديوان الأفرم ، ونظر وكالة بيت المال ونظر الخزانة . قال ابن كثير:
ـ لم أسمع أحداً يدرس أحسن منه!!
ولي قضاء حلب وطلبه الملك الناصر ليوليه قضاء دمشق فتوجه إليه وهو في مصر ، فلما كان في بلبيس توفي سادس عشر شهر رمضان 727 ، وحمل إلى القرافة فدفن بالقرب من الإمام الشافعي رحمه الله.



وفاة المحتسب الفلكي أحمد بن علي البعلي ابن المقريزي :

ومن الذين توفوا يوم السادس عشر من رمضان الإمام العالم المؤرخ أحمد بن علي بن عبد القادر أبو العباس الحسيني البعلي الأصل (من بعلبك) القاهرة مولدا، يعرف بابن المقريزي، وهي نسبة لحارة في بعلبك تعرف بحارة المقارزة.
ولي الحسبة بالقاهرة (البدر الطالع 1/81) غير مرة ، والخطابة بجامع عمرو والإمامة بجامع الحاكم وقراءة الحديث بالمؤيدة وحمدت سيرته. عرض عليه الملك الناصر ابن برقوق قضاء دمشق أكثر من مرة فأبى.
ترك التدريس وعكف على التاريخ حتى اشتهر به، وصارت له فيه عدة مؤلفات ، منها الخطط والآثار للقاهرة, وإمتاع الأسماع بما للرسول ( ص )من الأبناء والحفدة والمتاع.
كان حسن الخبرة بالزايرجه والاسطرلاب والرمل والميقات، حسن الصحبة حلو المحاضرة شاعراً ، من شعره:
سقى عهد دمياطٍ وحيّاه من عهدِ
فقد زادني ذكراه وجداً على وجدي
ولازالت الأنواء يُسِقي سحابُها
دياراً حكت من حسنها جنة الخلد
توفي عصر يوم الخميس سادس عشر من رمضان سنة 845هـ.


وفاة الفقيه الحجازي محمد بن ظهيرة شيخ ابن حجر:

ومن الذين توفوا في هذا اليوم السادس عشر الإمام محمد بن عبد الله بن ظهيرة.
ولد بمكة ليلة عيد الفطر سنة 751 ، ودرس فيها على علمائها ، ثم ارتحل في طلب العلم إلى مصر والشام وأخذ عن علمائها. لقب بعالم الحجاز وانتهت إليه رياسة الشافعية ، قصد بالفتاوى من بلاد بعيدة ، واستمر ناشراً للعلم نحو أربعين سنة. وازدحم عليه الطلبة الذين كان منهم الإمام الفذ ابن حجر. قال في (البدر الطالع 2/196)
ـ مات في ليلة الجمعة سادس عشر رمضان سنة 817هـ. رحمه الله.

اندحار نابليون أمام عكا:

في السادس عشر من شهر رمضان 1213هـ الموافق 20 فبراير 1799م تمت مطاردة نابليون بونابرت للمماليك في العريش ثم اندحاره أمام عكا.
 

امير الابداع

مزمار كرواني
25 يوليو 2007
2,393
22
38
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
رد: مفكرة رمضان التاريخية.. يومـًأ بيوم

بارك الله فيك اخي هاني على هذا الطرح الرائع
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
17 رمضان

17 رمضان



بدء نزول القرآن الكريم:

من أقدم الحوادث المنسوبة إلى يوم السابع عشر من رمضان أن بدء نزول القرآن الكريم كان فيه الطبري (1/628).
وهذا هو أحد الأقوال الثلاثة وثانيها أنه نزل في الثامن عشر من رمضان ولكن أشهرها وأقواها أنه نزل لأربع وعشرين من رمضان.
وقد استدل القائلون بأن القرآن الكريم نزل في يوم السابع عشر من رمضان بقوله تعالى (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ) وذلك – كما يقول الطبري, ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين ببدر، وأن التقاء رسول الله والمشركين ببدر كان صبيحة سبع عشر من رمضان. وسنعود إن شاء الله إلى الحديث عن نزول القرآن في حوادث اليوم الرابع والعشرين من رمضان.
جاء في البداية والنهاية (3/6) روى الواقدي بسنده عن أبي جعفر الباقر أنه قال كان ابتداء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لسبع عشر ليلة خلت من رمضان.


فرض الصلوات الخمس:

وجاء في بعض الأقوال أن الصلوات الخمس المفروضة كل يوم على كل مسلم إنما فرضت في اليوم السابع عشر من رمضان، بناء على أن الإسراء والمعراج كانا فيه. وهذا أحد أقوال عدة.
نقل صاحب (البحر الرائق عن شرح النقاية) وهذا الكتاب من كتب الفقه الحنفي وأمهاته (1/257) قال:
وكان فرض الصلوات الخمس ليلة المعراج، وهي ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً.
وكانت الصلاة قبل الإسراء صلاتين: صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها. وقال تعالى (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ).


وفاة السيدة رقية رضي الله عنها:

في 17 رمضان 2هـ الموافق 13 مارس 623م توفيت السيدة رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم.



غزوة بدر الكبرى:

ومن حوادث اليوم السابع عشر من رمضان ـ ويكاد يكون هذا متفقاً عليه عند المؤرخين وأصحاب السيرة ـ غزوة بدر الكبرى,
و(بدر) عين ماء لرجل يدعى بدراً. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون وبعض الأنصار لطلب عير قريش، واستخلف على المدينة عمرو بن أم مكتوم، وقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم عينين له إلى المشركين: بسبس بن عمرو وعدي بين أبي وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة.
وكانت عير قريش أفلتت من النبي صلى الله عليه وسلم في ذهابها من مكة إلى الشام، ولما قرب رجوعها من الشام إلى مكة بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد اللَّه وسعيد بن زيد إلى الشمال ليقوما باكتشاف خبرها، فوصلا إلى الحوراء، ومكثا حتى مر بهما أبو سفيان بالعير، فأسرعا إلى المدينة، وأخبرا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالخبر.
كانت العير محمَّلة بثرواتٍ طائلة من أهل مكة، ألف بعير موقرة بالأموال لا تقل عن خمسين ألف دينار ذهبي، ولم يكن معها من الحرس إلا نحو أربعين رجلاً.
إنها فرصة ذهبية لعسكر المدينة، وضربة عسكرية وسياسية واقتصادية قاصمة ضد المشركين لو أنهم فقدوا هذه الثروة الطائلة، لذلك أعلن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المسلمين قائلاً هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجو إليها لعل اللَّه ينفلكموها.
ولم يعزم على أحد بالخروج، بل ترك الأمر للرغبة المطلقة، لأنه لم يكن يتوقع عند هذا الانتداب أنه سيصطدم بجيش مكة - بدل العير - هذا الاصطدام العنيف في بدر، ولذلك تخلف كثير من الصحابة في المدينة، وهم يحسبون أن مضي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في هذا الوجه لن يعدو ما ألفوه في السرايا الماضية، ولذلك لم ينكر على أحد تخلفه في هذه الغزوة.
مبلغ قوة الجيش الإسلامي وتوزيع القيادات:
واستعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للخروج ومعه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً 313، أو 314، 317 رجلاً 82 أو 83 أو 86 من المهاجرين و 61 من الأوس و 170 من الخزرج. ولم يحتفلوا لهذا الخروج احتفالاً بليغاً، ولا اتخذوا أهبتهم كاملة، فلم يكن معهم إلا فرسان، فرس للزبير بن العوام، وفرس للمقداد بن الأسود الكندي، وكان معهم سبعون بعيراً ليتعاقب الرجلان والثلاثة على بعير واحد، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يتعاقبون بعيراً واحداً.
واستخلف على المدينة وعلى الصلاة ابن أم مكتوم، فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة ابن عبد المنذر، واستعمله على المدينة.
ودفع لواء القيادة العامة إلى مصعب بن عمير القرشي العبدري، وكان هذا اللواء أبيض.
وقسم جيشه إلى كتيبتين:
1. 1. كتيبة المهاجرين، وأعطى علمها لعلي بن أبي طالب.
2. 2. كتيبة الأنصار، وأعطى علمها لسعد بن معاذ.
وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وعلى الميسرة المقداد بن عمرو - وكانا هما الفارسين الوحيدين في الجيش كما أسلفنا - وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصع، وظلت القيادة العامة في يده صلى الله عليه وسلم كقائد أعلى للجيش.
الجيش الإسلامي يتحرك نحو بدر:
سار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في هذا الجيش غير المتأهب، فخرج من نقب المدينة، ومضى على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مكة، حتى بلغ بئر الروحاء ولما ارتحل منها ترك طريق مكة بيسار، وانحرف ذات اليمين على النازية يريد بدراً فسلك في ناحية منها حتى جذع وادياً يقال له رحقان بين النازية وبين مضيق الصفراء، ثم مر على المضيق ثم انصب منه حتى قرب من الصفراء، وهناك بعث بسيْسَ بن عمر الجهني وعدي بن أبي الزغباء الجهني إلى بدر يتجسسان له أخبار العير.
النذير في مكة:
وأما خبر العير فإن أبا سفيان - وهو المسؤول عنها - كان على غاية من الحيطة والحذر فقد كان يعلم أن طريق مكة محفوف بالأخطار، وكان يتحسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان. ولم يلبث أن نقلت إليه استخباراته بأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد استنفر أصحابه ليوقع بالعير، وحينئذ استأجر أبو سفيان ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة مستصرخاً لقريش بالنفير إلى غيرهم، ليمنعوه من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وخرج ضمضم سريعاً حتى أتى مكة، فصرخ ببطن الوادي واقفاً على بعيره، وقد جدع أنفه، وحول رحله، وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش، اللطيمة، اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث.
أهل مكة يتجهزون للغزو:
فتحفز الناس سراعاً وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ كلاّ واللَّه ليعلمن غير ذلك، فكانوا بين رجلين إما خارج، وإما باعث مكانه رجلاً، وأوعبوا في الخروج فلم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب، فإنه عوض عنه رجلاً كان له عليه دين، وحشدوا من حولهم من قبائل العرب، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي، فلم يخرج منهم أحد.
قوام الجيش المكي:
وكان قوام هذا الجيش نحو ألف وثلاثمائة مقاتل في بداية سيره، وكان معه مائة فرس وستمائة درع، وجمال كثيرة لا يعرف عددها بالضبط، وكان قائده العام أبا جهل بن هشام، وكان القائمون بتموينه تسعة رجال من أشراف قريش، فكانوا ينحرون يوماً تسعاً ويوماً عشراً من الإبل.

مشكلة قبائل بني بكر:
ولما أجمع هذا الجيش على المسير ذكرت قريش ما كان بينها وبين بني بكر من العداوة والحرب، فخافوا أن تضربهم هذه القبائل من الخلف فيكونوا بين نارين فكاد ذلك يثنيهم، ولكن حينئذ تبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي سيد بني كنانة - فقال لهم أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه.
جيش مكة يتحرك:
وحينئذ خرجوا من ديارهم، كما قال اللَّه: {بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 47] وأقبلوا كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحدهم وحديدهم يحادون اللَّه ويحادون رسوله {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} [القلم: 25] وعلى حمية وغضب وحنق على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه لاجتراء هؤلاء على قوافلهم.
تحركوا بسرعة فائقة نحو الشمال في تجاه بدر، وسلكوا في طريقهم وادي عسفان، ثم قديد، ثم الجحفة، وهناك تلقوا رسالة جديدة من أبي سفيان يقول لهم فيها إنكم إنما خرجتم لتحرروا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجاها اللَّه فارجعوا.
العير تفلت:
وكان من قصة أبي سفيان أنه كان يسير على الطريق الرئيسي، ولكنه لم يزل حذراً متيقظاً، وضاعف حركاته الاستكشافية، ولما اقترب من بدر تقدم عيره حتى لقي مجدي بن عمرو وسأله عن جيش المدينة، فقال: ما رأيت أحداً أنكره إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل، ثم استقيا في شن لهما، ثم انطلقا، فبادر أبو سفيان إلى مناخهما، فأخذ من أبعار بعيرهما، ففته، فإذا فيه النوى، فقال: هذه واللَّه علائف يثرب، فرجع إلى عيره سريعاً، وضرب وجهها محولاً اتجاهها نحو الساحل غرباً، تاركاً الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار وبهذا نجا بالقافلة من الوقوع في قبضة جيش المدينة، وأرسل رسالته إلى جيش مكة التي تلقاها في الجحفة.
هم الجيش المكي بالرجوع ووقوع الانشقاق فيه:
ولما تلقى هذه الرسالة جيش مكة هم بالرجوع، ولكن قام طاغية قريش أبو جهل في كبرياء وغطرسة قائلاً واللَّه لا نرجع حتى نرد بدراً، فنقيم بها ثلاثاً فننحر الجزور، ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف لنا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبداً.
ولكن على رغم أبي جهل أشار الأخنس بن شريق بالرجوع فعصوه، فرجع هو وبنو زهرة - وكان حليفاً لهم ورئيساً عليهم في هذا النفير - فلم يشهد بدراً زهري واحد، وكانوا حوالي ثلاثمائة رجل، واغتبطت بنو زهرة بعد برأي الأخنس بن شريق، فلم يزل فيهم مطاعاً ومعظماً.
وأرادت بنو هاشم الرجوع فاشتد عليهم أبو جهل، وقال: لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع.
فسار جيش مكة وقوامه ألف مقاتل بعد رجوع بني زهرة - وهو يقصد بدراً - فواصل سيره حتى نزل قريباً من بدر، وراء كثيب يقع بالعدوة القصوى على حدود وادي بدر.
حراجة موقف الجيش الإسلامي:
أما استخبارات جيش المدينة فقد نقلت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم - وهو لا يزال في الطريق بوادي ذقران - خبر العير والنفير، وتأكد لديه بعد التدبر في تلك الأخبار أنه لم يبق مجال للاجتناب عن لقاء دام، وأنه لا بد من إقدام يبنى على الشجاعة والبسالة، والجراءة والجسارة، فمما لا شك فيه أنه لو ترك جيش مكة يجوس خلال تلك المنطقة يكون ذلك تدعيماً لمكانة قريش العسكرية، امتداداً لسلطانها السياسي، وإضعافاً لكلمة المسلمين وتوهيناً لها، بل ربما تبقى الحركة الإسلامية بعد ذلك جسداً لا روح فيه، ويجرؤ على الشر كل من فيه حقد أو غيظ على الإسلام في هذه المنطقة.
وبعد هذا كله فهل يكون هناك أحد يضمن للمسلمين أن يمنع جيش مكة عن مواصلة سيره نحو المدينة، حتى ينقل المعركة إلى أسوراها، ويغزو المسلمين في عقر دارهم كلا فلو حدث من جيش المدينة نكول ما لكان له أسوأ الأثر على هيبة المسلمين وسمعتهم.
المجلس الاستشاري:
ونظراً إلى هذا التطور الخطير المفاجىء عقد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مجلساً عسكرياً استشارياً أعلى، أشار فيه إلى الوضع الراهن، وتبادل فيه الرأي مع عامة جيشه، وقادته. وحينئذ تزعزع قلوب فريق من الناس، وخافوا اللقاء الدامي، وهم الذين قال اللَّه فيهم {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} [الأنفال: 5-6] وأما قادة الجيش فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول اللَّه امض لما أراك اللَّه فنحن معك، واللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنَّا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه.
فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له به.
وهؤلاء القادة الثلاثة كانوا من المهاجرين، وهم أقلية في الجيش، فأحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يعرف رأي قادة الأنصار، لأنهم كانوا يمثلون أغلبية الجيش، ولأن ثقل المعركة سيدور على كواهلهم، مع أن نصوص العقبة لم تكن تلزمهم بالقتال خارج ديارهم، فقال بعد سماع كلام هؤلاء القادة الثلاثة أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار، وفطن ذلك قائد الأنصار وحامل لوائهم سعد بن معاذ، فقال
... واللَّه لكأنك تريدنا يا رسول اللَّه؟
قال: أجل.
قال: فقد آمنا بك، فصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول اللَّه لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إن لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، ولعل اللَّه يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة اللَّه.
وفي رواية أن سعد بن معاذ قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقاً عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم، فأظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك، فواللَّه لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك، وواللَّه لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك.
فسر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: سيروا وأبشروا فإن اللَّه تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، واللَّه لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم.
الجيش الإسلامي يواصل سيره:
ثم ارتحل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من ذفران فسلك على ثنايا يقال لها الأصافر، ثم انحط منها إلى بلد يقال له الدية، وترك الحنان بيمين - وهو كثيب عظيم كالجبل - ثم نزل قريباً من بدر.
الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم بعملية الاستكشاف:
وهناك قام بنفسه بعملية الاستكشاف مع رفيقه في الغار أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه، وبينما هما يتجولان حول معسكر مكة إذا هما بشيخ من العرب، فسأله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن قريش وعن محمد وأصحابه - سأل عن الجيشين زيادة في التكتم - ولكن الشيخ قال: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أخبرتنا أخبرناك، قال: أو ذاك بذلك؟ قال: نعم.
قال الشيخ فإنه بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به جيش المدينة - وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به جيش مكة.
ولما فرغ من خبره قال: ممن أنتما؟ فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نحن من ماء، ثم انصرف عنه، وبقي الشيخ يتفوه، ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟
الحصول على أهم المعلومات عن الجيش المكي:
وفي مساء ذلك اليوم بعث استخباراته من جديد ليبحث عن أخبار العدو، وقام لهذه العملية ثلاثة من قادة المهاجرين؛ علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه، ذهبوا إلى ماء بدر فوجدوا غلامين يستقيان لجيش مكة، فألقوا عليهما القبض وجاؤوا بهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو في الصلاة، فاستخبرهما القوم، فقالا نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم ورجوا أن يكونا لأبي سفيان - لا تزال في نفوسهم بقايا أمل في الاستيلاء على القافلة - فضربوهما موجعاً حتى اضطر الغلامان أن يقولا نحن لأبي سفيان فتركوهما.
ولما فرغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة قال لهم كالعاتب إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا واللَّه، إنهما لقريش.
ثم خاطب الغلامين قائلاً أخبراني عن قريش، قالا هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، فقال لهما كم القوم؟ قالا كثير. قال: ما عدتهم؟ قالا لا ندري، قال: كم ينحرون كل يوم؟ قالا يوماً تسعا ويوماً عشرا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم القوم فيما بين التسعمائة إلى الألف، ثم قال لهما فمن فيهم من أشراف قريش؟ قالا عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو البحتري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف في رجال سمياهم.
فأقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.
نزول المطر:
وأنزل اللَّه عز وجل في تلك الليلة مطراً واحداً، فكان على المشركين وابلاً شديداً منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلا طهرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطأ به الأرض، وصلب به الرمل، وثبت الأقدام، ومهد به المنزل، وربط به على قلوبهم.
الجيش الإسلامي يسبق إلى أهم المراكز العسكرية:
وتحرك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عشاء أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحباب بن المنذر كخبير عسكري وقال: يا رسول اللَّه، أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكم اللَّه ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة.
قال: يا رسول اللَّه، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم - قريش - فننزله ونغوّر - أين نخرب - ما وراءه من القلب - ثم نبني عليه حوضاً فنملأه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لقد أشرت بالرأي.
فنهض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالجيش حتى أتى أقرب ماء من العدو فنزل عليه شطر الليل، ثم صنعوا الحياض وغوروا ما عداها من القلب.
مقر القيادة:
وبعد أن تم نزول المسلمين على الماء اقترح سعد بن معاذ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يبني المسلمون مقراً لقيادته استعداداً للطوارىء وتقديراً للهزيمة قبل النصر، حيث قال:
يا نبي اللَّه ألا نبني لك عريشاً تكون فيه، ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا اللَّه وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام يا نبي اللَّه ما نحن بأشد لك حباً منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك، يمنعك اللَّه بهم يناصحونك ويجاهدون معك.
فأثنى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له بخير، وبنى المسلمون عريشاً على تل مرتفع يقع في الشمال الشرقي لميدان القتال، ويشرف على ساحة المعركة.
كما تم انتخاب فرقة من شباب الأنصار بقيادة سعد بن معاذ يحرسون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حول مقر قيادته.

تعبئة الجيش وقضاء الليل:
ثم عبأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جيشه ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده هذا مصرع فلان غدا إن شاء اللَّه، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء اللَّه ثم بات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع شجرة هنالك. وبات المسلمون ليلهم هادىء الأنفاس منير الآفاق، غمرت الثقة قلوبهم، وأخذوا من الراحة قسطهم، يأملون أن يروا بشائر ربهم بعيونهم صباحاً {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال: 11].
كانت هذه الليلة ليلة الجمعة، السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وكان خروجه في 8 أو 12 من نفس الشهر.
الجيش المكي في عرضة القتال ووقوع الانشقاق فيه:
أما قريش فقضت ليلتها هذه في معسكرها بالعدوة القصوى، ولما أصبحت أقبلت في كتائبها، ونزلت من الكثيب إلى وادي بدر. وأقبل نفر منهم إلى حوض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: دعوهم، فما شرب أحد منهم يومئذ إلا قتل، سوى حكيم بن حزام، فإنه لم يقتل، وأسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان إذا اجتهد في اليمين قال: لا والذي نجاني من يوم بدر، فلما اطمأنت قريش بعثت عمير بن وهب الجمحي للتعرف على مدى قوة جيش المدينة، فدار عمير بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم فقال: ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلاً أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد؟ فضرب في الوادي حتى أبعد، فلم ير شيئاً، فرجع إليهم فقال: ما وجدت شيئاً ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم واللَّه ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجل منكم فإذا أصابوا منكم أعدادكم فما خير العيش بعد ذلك. فروا رأيكم.
وحينئذ قامت معارضة أخرى ضد أبي جهل - المصمم على المعركة - تدعو إلى العودة بالجيش إلى مكة دونما قتال، فقد مشى حكيم بن حزام في الناس، وأتى عتيبة بن ربيعة فقال: يا أبا الوليد إنك كبير قريش، وسيدها والمطاع فيها، فهل لك إلى خير تذكر به إلى آخر الدهر؟ قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي - المقتول في سرية نخلة - فقال عتبة قد فعلت أنت ضامن علي بذلك. إنما هو حليفي فعلى عقله ديته وما أصيب من ماله.
ثم قال عتبة لحكيم بن حزام فأت ابن الحنظلية - أبا جهل، والحنظلية أمه - فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره.
ثم قام عتبة بن ربيعة خطيباً فقال: يا معشر قريش إنكم واللَّه ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاً، واللَّه لئن أصبتموه لا يزال ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلاً من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون.
وانطلق حكيم بن حزام إلى أبي جهل - وهو يهيء درعاً له - قال: يا أبا الحكم إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا، فقال أبو جهل انتفخ واللَّه سحره حين رأى محمداً وأصحابه كلا واللَّه لا نرجع حتى يحكم اللَّه بيننا وبين محمد وما بعتبة ما قال ولكنه رأى أن محمداً وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه - هو أبو حذيفة بن عتبة كان قد أسلم قديماً وهاجر - فتخوفكم عليه.
ولما بلغ عتبة قول أبي جهل انتفخ واللَّه سحره قال عتبة سيعلم من انتفخ سحره، أنا أم هو؟ وتعجل أبو جهل مخافة أن تقوى هذه المعارضة فبعث على إثر هذه المحاورة إلى عامر بن الحضرمي - أخي عمرو بن الحضرمي المقتول في سرية عبد اللَّه بن جحش -فقال: هذا حليفك (أي عتبة) يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فأنشد خفرتك، ومقتل أخيك، فقام عامر فكشف عن استه، وصرخ واعمراه، واعمراه، فحمى القوم وحقب أمرهم واستوثقوا على ما هم عليه من الشر، وأفسدعلى الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة. وهكذا تغلب الطيش على الحكمة وذهبت هذه المعارضة دون جدوى.
الجيشان يتراآن:
ولما طلع المشركون وتراآى الجمعان قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم الغداة وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر - إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا.
وعدل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صفوف المسلمين، وبينما هو يعدلها وقع أمر عجيب، فقد كان في يده قدح يعدل به، وكان سواد بن غزية مستنصلاً من الصف. فطعن في بطنه بالقدح وقال: استو يا سواد، فقال سواد يا رسول اللَّه أوجعتني فأقدني، فكشف عن بطنه، وقال: استقد، فاعتنقه سواد وقبل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول اللَّه قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخير.
ولما تم تعديل الصفوف أصدر أوامره إلى جيشه بأن لا يبدأوا القتال حتى يتلقوا منه الأوامر الأخيرة، ثم أدلى إليهم بتوجيه خاص في أمر الحرب فقال: إذا أكثبوكم - يعني كثروكم - فارموهم واستبقوا نبلكم. ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم، ثم رجع إلى العريش هو وأبو بكر خاصة، وقام سعد بن معاذ بكتيبة الحراسة على باب العريش.
أما المشركون فقد استفتح أبو جهل في ذلك اليوم فقال: اللهم اقطعنا للرحم وآتنا بما لا نعرفه فأحنه الغداة، اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم، وفي ذلك أنزل اللَّه {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19].
ساعة الصفر وأول وقود المعركة:
وكان أول وقود المعركة الأسود بن عبد الأسد المخزومي - وكان رجلاً شرساً سيء الخلق - خرج قائلاً أعاهد اللَّه لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه. فلما خرج، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد أن تبر يمينه، ولكن حمزة ثنى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو داخل الحوض.
المبارزة:
وكان هذا أول قتل أشعل نار المعركة، فقد خرج بعده ثلاثة من خيرة فرسان قريش كانوا من عائلة واحدة، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة فلما انفصلوا من الصف طلبوا المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار، عوف ومعوذ ابنا الحارث - وأمهما عفراء - وعبد اللَّه بن رواحة، فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار. قالوا: أكفاء كرام. ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي فلما قاموا ودنوا منهم قالوا: من أنتم؟ فأخبروهم فقالوا: أنتم أكفاءٌ كرام، فبارز عبيدة - وكان أسن القوم - عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد، فأما حمزة وعلي فلم يمهلا قرنيهما أن قتلاهما، وأما عبيدة فاختلف بينه وبين قرنه ضربتان، فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم كر علي وحمزة على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة، قد قطعت رجله، فلم يزل صمتاً حتى مات بالصفراء بعد أربعة أو خمسة أيام من وقعة بدر حينما كان المسلمون في طريقهم إلى المدينة.
وكان علي يقسم باللَّه أن هذه الآيات نزلت فيهم {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19].
الهجوم العام:
وكانت نهاية هذه المبارزة بداية سيئة بالنسبة إلى المشركين، فقدوا ثلاثة من خيرة فرسانهم وقادتهم دفعة واحدة، فاستشاطوا غضباً، وكروا على المسلمين كرة رجل واحد.
وأما المسلمون فبعد أن استنصروا ربهم واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا إليه تلقوا هجمات المشركين المتوالية، وهم مرابطون في مواقعهم، واقفون موقف الدفاع، وقد ألحقوا بالمشركين خسائر فادحة، وهم يقولون أحد أحد.
الرسول صلى الله عليه وسلم يناشد ربه:
وأما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكان منذ رجوعه بعد تعديل الصفوف يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، حتى إذا حمي الوطيس، واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال وبلغت المعركة قمتها قال: اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً. وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق وقال: حسبك يا رسول اللَّه، ألححت على ربك.
وأوحى اللَّه إلى ملائكته {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال: 12] وأوحى إلى رسوله {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] أي أنهم ردف لكم، أو يردف بعضهم بعضاً أرسالاً، لا يأتون دفعة واحدة.
نزول الملائكة:
وأغفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إغفاءة واحدة، ثم رفع رأسه فقال: أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع (أي الغبار) وفي رواية محمد بن إسحاق قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر اللَّه، هذا جبريل أخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع.
ثم خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45] ثم أخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل بها قريشاً وقال: شاهت الوجوه، ورمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينه ومنخريه وفمه من تلك القبضة، في ذلك أنزل اللَّه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].
الهجوم المضاد:
وحينئذ أصدر إلى جيشه أوامره الأخيرة بالهجمة المضادة فقال: شدوا، وحرضهم على القتال، قائلاً والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله اللَّه الجنة، وقال وهو يحضهم على القتال قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، (وحينئذ) قال عمير بن الحمام بخ. بخ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قولك بخ. بخ؟ قال: لا، واللَّه يا رسول اللَّه إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل.
وكذلك سأله عوف بن الحارث - ابن عفراء فقال: يا رسول اللَّه ما يضحك الرب من عبده قال: غمسه يده في العدو حاسراً. فنزع درعاً كانت عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.
وحين أصدر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الأمر بالهجوم المضاد كانت حدة هجمات العدو قد ذهبت، وفتر حماسه، فكان لهذه الخطة الحكيمة أثر كبير في تعزيز موقف المسلمين، فإنهم حينما تلقوا أمر الشد والهجوم - وقد كان نشاطهم الحربي على شبابه - قاموا بهجوم كاسح مرير، فجعلوا يقلبون الصفوف ويقطعون الأعناق، وزادهم نشاطاً وحدة أن رأوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ويقول في جزم وصراحة {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فقاتل المسلمون أشد القتال، ونصرتهم الملائكة، ففي رواية ابن سعد عن عكرمة قال: كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدري من ضربه، وتندر يد الرجل لا يدري من ضربها، وقال ابن عباس بينما رجل من المسلمين يشتد في إثررجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة. وقال أبو داود المازني إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري، وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيراً فقال العباس إن هذا واللَّه ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهاً على فرس أبلق، وما أراه في القوم، فقال الأنصاري أنا أسرته يا رسول اللَّه، فقال: اسكت فقد أيدك اللَّه بملك كريم.
إبليس ينسحب عن ميدان القتال:
ولما رأى إبليس - وكان قد جاء في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي كما ذكرنا، ولم يكن فارقهم منذ ذلك الوقت - فلما رأى ما يفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه، وتشبث به الحارث بن هشام - وهو يظنه سراقة - فوكز في صدر الحارث فألقاه، ثم خرج هارباً، وقال له المشركون إلى أين يا سراقة؟ ألم تكن قلت إنك جار لنا، لا تفارقنا؟ فقال: إني أرى ما لا ترون، إني أخاف اللَّه واللَّه شديد العقاب، ثم فر حتى ألقى نفسه في البحر.
الهزيمة الساحقة:
وبدأت أمارات الفشل والاضطراب في صفوف المشركين، وجعلت تتهدم أمام حملات المسلمين العنيفة، واقتربت المعركة من نهايتها، وأخذت جموع المشركين في الفرار والانسحاب المبدد، وركب المسلمون ظهورهم يأسرون ويقتلون حتى تمت عليهم الهزيمة.
صمود أبي جهل:
أما الطاغية الأكبر أبو جهل، فإنه لما رأى أول أمارات الاضطراب في صفوفه حاول أن يصمد في وجه هذا السيل، فجعل يشجع جيشه، ويقول لهم في شراسة ومكابرة لا يهزمنكم خذلان سراقة إياكم، فإنه كان على ميعاد من محمد، ولا يهولنكم قتل عتبة وشيبة والوليد، فإنهم قد عجلوا، فواللات والعزى لا نرجع حتى نقرنهم بالحبال، ولا ألفين رجلاً منكم قتل منهم رجلاً، ولكن خذوهم أخذاً حتى نعرفهم بسوء صنيعهم.
ولكن سرعان ما تبدى له حقيقة هذه الغطرسة، فما لبث إلا قليلاً حتى أخذت الصفوف تتصدع أمام تيارات هجوم المسلمين. نعم بقي حوله عصابة من المشركين ضربت حولهسياجاً من السيوف وغابات من الرماح، ولكن عاصفة هجوم المسلمين بددت هذا السياج وأقلعت هذه الغابات، وحينئذ ظهر هذا الطاغية، ورآه المسلمون يجول على فرسه، وكان الموت ينتظر أن يشرب من دمه بأيدي غلامين أنصاريين.
مصرع أبي جهل:
قال عبد الرحمن بن عوف إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه يا عم، أرني أبا جهل، فقلت: يا ابن أخي، فما تصنعبه؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، قال: والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك. قال: وغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما أنا قتلته، هل مسحتما سيفيكما؟ فقالا لا فنظر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السيفين فقال: كلاكما قتله، وقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء.
وقال ابن إسحاق قال معاذ بن عمرو بن الجموح سمعت القوم، وأبو جهل في مثل الحرجة - والحرجة الشجر الملتف، أو شجرة من الأشجار لا يوصل إليها، شبه رماح المشركين وسيوفهم التي كانت حول أبي جهل لحفظه بهذه الشجرة - وهم يقولون أبو الحكم لا يخلص إليه، قال: فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطنت قدمه - أطارتها - بنصف ساقه، فواللَّه ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها. قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي، فطرح يدي، فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها ثم مر بأبي جهل - وهو عقير - معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته فتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل.
ولما انتهت المعركة قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فتفرق الناس في طلبه، فوجده عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه وبه آخر رمق، فوضع رجله على عنقه وأخذ لحيته ليحتز رأسه، وقال: هل أخزاك اللَّه يا عدو اللَّه؟ قال: وبماذا أخزاني؟ أأعمد من رجل قتلتموه؟ أو هل فوق رجل قتلتموه؟ وقال: فلو غير أكار قتلني، ثم قال: أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قال: للَّه ورسوله، ثم قال لابن مسعود - وكان قد وضع رجله على عنقه - لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا رويعي الغنم، وكان ابن مسعود من رعاة الغنم في مكة.
وبعد أن دار بينهما هذا الكلام احتز ابن مسعود رأسه، وجاء به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول اللَّه، هذا رأس عدو اللَّه أبي جهل، فقال: اللَّه الذي لا إله إلا هو؟ فرددها ثلاثاً، ثم قال: اللَّه أكبر، الحمد للَّه الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق أرنيه، فانطلقنا فأريته إياه، فقال: هذا فرعون هذه الأمة.
من روائع الإيمان في هذه المعركة:
لقد أسلفنا نموذجين رائعين من عمير بن الحمام وعوف بن الحارث - ابن عفراء - وقد تجلت في هذه المعركة مناظر رائعة تبرز فيها قوة العقيدة وثبات المبدأ ففي هذه المعركة التقى الآباء بالأبناء، والإخوة بالإخوة، خالفت بينهما المبادىء ففصلت بينهما السيوف، والتقى المقهور بقاهره، فشفى منه غيظه.
1. 1. روى ابن إسحاق عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البحتري ابن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهاً، فقال أبو حذيفة بن عتبة انقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس، واللَّه لئن لقيته لألحمنه أو لألجمنه - بالسيف، فبلغت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال لعمر بن الخطاب يا أبا حفص، أيضرب وجه عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالسيف، فقال عمر يا رسول اللَّه، دعني فلأضرب عنقه بالسيف، فواللَّه لقد نافق.
فكان أبو حذيفة يقول ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة. فقتل يوم اليمامة شهيداً.
2. 2. وكان النهي عن قتل أبي البحتري، لأَنه كان أكف القوم عن رسول اللَّه صلى اللَّه وهو بمكة، وكان لا يؤذيه ولا يبلغ عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض صحيفة مقاطعة بني هاشم وبني المطلب. ولكن أبا البحتري قتل علي رغم هذا كله، وذلك أن المجذر بن زياد البلوي لقيه في المعركة، ومعه زميل له، يقاتلان سوياً، فقال المجذر يا أبا البحتري إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك، فقال: وزميلي؟ فقال المجذر لا واللَّه ما نحن بتاركي زميلك، فقال: واللَّه إذن لأموتن أنا وهو جميعاً، ثم اقتتلا، فاضطر المجذر إلى قتله.
3. 3. كان عبد الرحمن بن عوف وأمية بن خلف صديقين في الجاهلية بمكة، فلما كان يوم بدر مر به عبد الرحمن، وهو واقف مع ابنه علي بن أمية، آخذاً بيده، ومع عبد الرحمن أدراع قد استلبها، وهو يحملها، فلما رآه قال: هل لك في؟ فأنا خير من هذه الأدراع التي معك، ما رأيت كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن؟ - يريد أن من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن - فطرح عبد الرحمن الأدراع، وأخذهما يمشي بهما، قال عبد الرحمن قال لي أمية بن خلف وأنا بينه وبين ابنه من الرجل منكم المعلم بريشة النعامة في صدره؟ قلت ذاك حمزة بن عبد المطلب، قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل.
قال عبد الرحمن فواللَّه إني لأقودهما إذ رآه بلال معي، وكان أمية هو الذي يعذب بلالاً بمكة، فقال بلال رأس الكفر أمية بن الخلف، لا نجوت إن نجا قلت أي بلال، أَسيري قال: لا نجوت إن نجا. قلت أتسمع يا ابن السوداء. قال: نجوت إن نجا، ثم صرخ بأعلى صوته. يا أنصار اللَّه، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا، قال: فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة، وأنا أذب عنه، قال: فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط، فقلت انج بنفسك، ولا نجاء بك، فواللَّه ما أغني عنك شيئاً. قال فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما، فكان عبد الرحمن يقول يرحم اللَّه بلالاً، ذهبت أدراعي، وفجعني بأسيري.
وفي زاد المعاد أن عبد الرحمن بن عوف قال لأمية ابرك، فبرك، فألقى نفسه عليه، فضربوه بالسيف من تحته حتى قتلوه، وأصاب بعض السيف رجل عبد الرحمن بن عوف.
4. 4. وقتل عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يومئذ خاله العاص بن هشام بن المغيرة.
1. 1. ونادى أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه ابنه عبد الرحمن - وهو يومئذ مع المشركين - فقال: أين مالي يا خبيث؟ فقال عبد الرحمن:
فلم يبق غير شكة ويعبوب وصارم يقتل ضلال الشيب
6. 6. ولما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على بابه يحرسه متوشحاً سيفه، رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال له واللَّه لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم؟ قال: أجل واللَّه يا رسول اللَّه.
كانت أول وقعة أوقعها اللَّه بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحب إلي من استبقاء الرجال.
7. 7. وانقطع يومئذ سيف عكاشة بن محصن الأسدي، فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلاً من حطب، فقال: قاتل بهذا يا عكاشة، فلما أخذه من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هزه، فعاد سيفاً في يده طويل القامة، شديد المتن أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح اللَّه تعالى للمسلمين، وكان ذلك السيف يسمى العون، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد، حتى قتل في حروب الردة وهو عنده.
8. 8. وبعد انتهاء المعركة مر مصعب بن عمير العبدري بأخيه أبي عزيز بن عمير الذي خاض المعركة ضد المسلمين، مر به وأحد الأنصار يشد يده، فقال مصعب للأنصاري: شد يديك به فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك، فقال أبو عزيز لأخيه مصعب أهذه وصايتك بي؟ فقال مصعب إنه - أي الأنصاري - أخي دونك.
9. 9. ولما أمر بإلقاء جيف المشركين في القليب، وأخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، نظر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في وجه ابنه أبي حذيفة، فإذا هو كئيب قد تغير، فقال: يا أبا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟ فقال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه. ما شككت في أبي ولا مصرعه، ولكنني كنت أعرف من أبي رأياً وحلماً وفضلاً، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك. فدعا له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له خيراً.
قتلى الفريقين:
انتهت المعركة بهزيمة ساحقة بالنسبة إلى المشركين، وبفتح مبين بالنسبة للمسلمين وقد استشهد من المسلمين في هذه المعركة أربعة عشر رجلاً، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
أما المشركون فقد لحقتهم خسائر فادحة، قتل منهم سبعون وأسر سبعون. وعامتهم القادة والزعماء والصناديد.
ولما انقضت الحرب أقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى فقال: بئس العشيرة كنتم لنبيكم. كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب من قلب بدر.
وعن أبي طلحة أن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش، فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث. وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها، ثم مشى، وأتبعه أصحابه حتى قام على شفة الركى، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم اللَّه ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فقال عمر يا رسول اللَّه ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، وفي رواية ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون.
مكة تتلقى نبأ الهزيمة:
فر المشركون من ساحة بدر في صورة غير منظمة، تبعثروا في الوديان والشعاب واتجهوا صوب مكة مذعورين، لا يدرون كيف يدخلونها خجلاً.
قال ابن إسحاق وكان أول من قدم بمصاب قريش الحيسمان بن عبد اللَّه الخزاعي، فقالوا: ما وراءك؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف في رجال من الزعماء سماهم، فلماأخذ يعد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحجر واللَّه إن يعقل هذا. فاسألوه عني قالوا: ما فعل صفوان بن أمية قال: ها هو ذا جالس في الحجر، وقد واللَّه رأيت أباه وأخاه حين قتلا.
وقال أبو رافع - مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم - كنت غلاماً للعباس، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يكتم إسلامه، وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر، فلما جاءه الخبر كبته اللَّه وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوةً وعزاً، وكنت رجلاً ضعيفاً أعمل الأقداح، أنحتها في حجرة زمزم، فواللَّه إني لجالس فيها أنحت أقداحي، وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذا أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري، فبينما هو جالس إذ قال الناس هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم، فقال له أبو لهب هلم إلي، فعندك لعمري الخبر، قال: فجلس إليه، والناس قيام عليه. فقال: يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال: ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا، يقتلوننا كيف شاؤوا، ويأسروننا كيف شاؤوا. وايم اللَّه مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض، واللَّه ما تليق شيئاً، ولا يقوم لها شيء.
قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت تلك واللَّه الملائكة. قال: فرفع أبو لهب يده، فضرب بها وجهي ضربة شديدة، فثاورته، فاحتملني فضرب بي الأرض، ثم برك علي يضربني، وكنت رجلاً ضعيفاً، فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته به ضربة فعلت في رأسه شجة منكرة، وقالت: استضعفته أن غاب عنه سيده، فقام مولياً ذليلاً، فواللَّه ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه اللَّه بالعدسة فقتلته وهي قرحة تتشاءم بها العرب، فتركه بنوه، وبقي ثلاثة أيام لا تقرب جنازته، ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السبة في تركه حفروا له، ثم دفعوه بعود في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه.
هكذا تلقت مكة أنباء الهزيمة الساحقة في ميدان بدر، وقد أثر ذلك فيهم أثراً سيئاً جداً حتى منعوا النياحة على القتلى، لئلا يشمت بهم المسلمون.
ومن الطرائف أن الأسود بن المطلب أصيب ثلاثة من أبنائه يوم بدر، وكان يحب أن يبكي عليهم، وكان ضرير البصر، فسمع ليلاً صوت نائحة، فبعث غلامه، وقال: انظر هل أحل النحب؟ هل بكت قريش على قتلاها؟ لعلي أبكي على أبي حكيمة - ابنه - فإن جوفي قد احترق، فرجع الغلام وقال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته، فلم يتمالك الأسود نفسه وقال:
أتبكي أن يضل لها بعير ويمنعها من النوم السهود
فلا تبكي على بكر ولكن على بدر تقاصرت الجدود
على بدر سراة بني هصيص ومخزوم ورهط أبي الوليد
وبكى وبكيت على عقيل وبكى حارثاً أسد الأسود
وبكيهم، ولا تسمى جميعاً وما لأبي حكيمة من نديد
ألا قد ساد بعدهم رجال ولولا يوم بدر لم يسودوا
المدينة تتلقى أنباء النصر:
ولما تم الفتح للمسلمين أرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بشيرين إلى أهل المدينة، ليعجل لهم البشرى، أرسل عبد اللَّه بن رواحة بشيراً إلى أهل العالية، وأرسل زيد بن حارثة بشيراً إلى أهل السافلة.
وكان اليهود والمنافقون قد أرجفوا في المدينة بإشاعة الدعايات الكاذبة، حتى إنهم أشاعوا خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما رأى أحد المنافقين زيد بن حارثة راكباً القصواء - ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم - قال: لقد قتل محمد، وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ما يقول من الرعب، وجاء فلاّ.
فلما بلغ الرسولان أحاط بهما المسلمون، وأخذوا يسمعون منهما الخبر، حتى تأكد لديهم فتح المسلمين، فعمت البهجة والسرور، واهتزت أرجاء المدينة تهليلاً وتكبيراً، وتقدم رؤوس المسلمين - الذين كانوا بالمدينة - إلى طريق بدر، ليهنئوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم - بهذا الفتح المبين.
قال أسامة بن زيد أتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم التي كانت عند عثمان بن عفان، كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان.
الجيش النبوي يتحرك نحو المدينة:
أقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ببدر بعد انتهاء المعركة ثلاثة أيام، وقبل رحيله من مكان المعركة وقع خلاف بين الجيش حول الغنائم، ولما اشتد هذا الخلاف أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأن يرد الجميع ما بأيديهم، ففعلوا، ثم نزل الوحي بحل هذه المشكلة.
عن عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فشهدت معه بدراً فالتقى الناس، فهزم اللَّه العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يطاردون ويقتلون، وأكبت طائفة على المغنم يحرزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها، وليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم أحق بها منا، نحن نحينا منها العدو وهزمناه، وقال الذين أحدقوا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به، فأنزل اللَّه {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1] فقسمها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين المسلمين.
وبعد أن أقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ببدر ثلاثة أيام تحرك بجيشه نحو المدينة ومعه الأسارى من المشركين، واحتمل معه النفل الذي أصيب من المشركين وجعل عليه عبد اللَّه بن كعب فلما خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية، وقسم هنالك الغنائم على المسلمين على السواء بعد أن أخذ منها الخمس.
وعندما وصل إلى الصفراء أمر بقتل النضر بن الحارث - وكان هو حامل لواء المشركين يوم بدر، وكان من أكابر مجرمي قريش، ومن أشد الناس كيداً للإسلام، وإيذاء لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم - فضرب عنقه علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه.
ولما وصل إلى عرق الظبية أمر بقتل عقبة بن أبي معيط، وقد أسلفنا بعض ما كان عليه من إيذاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فهو الذي كان ألقى سلا جزور على رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، وهو الذي خنقه بردائه، وكاد يقتله لولا أن يعترض أبو بكر رضي اللَّه عنه، فلما أمر بقتله قال: من للصبية يا محمد؟ قال: النار. قتله عاصم بن ثابت الأنصاري، ويقال: علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه.
وكان قتل هذين الطاغيتين واجباً من حيث وجهة الحرب، فلم يكونا من الأسارى فحسب، بل كانا من مجرمي الحرب بالاصطلاح الحديث.
وفود التهنئة:
ولما وصل إلى الروحاء لقيه رؤوس المسلمين - الذين كانوا قد خرجوا للتهنئة والاستقبال حين سمعوا بشارة الفتح من الرسولين - يهنئونه بالفتح. وحينئذ قال لهم سلمة ابن سلامة ما الذي تهنئوننا به؟ فواللَّه إن لقينا إلا عجائز صلعاً كالبدن، فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: يا ابن أخي أولئك الملأ.
وقال أسيد بن حضير يا رسول اللَّه، الحمد للَّه الذي أظفرك، وأقر عينك واللَّه يا رسول اللَّه ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدواً، ولكن ظننت أنها عير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صدقت.
ثم دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة مظفراً منصوراً قد خافه كل عدو له بالمدينة وحولها، فأسلم بشر كثير من أهل المدينة، وحينئذ دخل عبد اللَّه بن أبي وأصحابه في الإسلام ظاهراً.
وقدم الأسارى بعد بلوغه المدينة بيوم، فقسمهم على أصحابه، وأوصى بهم خيراً. فكان الصحابة يأكلون التمر، ويقدمون لأسرائهم الخبز عملاً بوصية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .
قضية الأسارى:
ولما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة استشار أصحابه في الأسارى، فقال أبو بكر يا رسول اللَّه هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم اللَّه، فيكونوا لنا عضداً.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: قلت واللَّه ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه، وتمكن علياً من عقيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم اللَّه أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم.
فهوى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد قال عمر فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، هما يبكيان، فقلت يا رسول اللَّه أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء، فقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرة قريبة.
وأنزل اللَّه تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67-68].
والكتاب الذي سبق من اللَّه هو قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] ففيه الإذن بأخذ الفدية من الأسارى ولذلك لم يعذبوا، وإنما نزل العتاب لأنهم أسروا الكفار قبل أن يثخنوا في الأرض، ثم إنهم قبلوا الفداء من أولئك المجرمين الذين لم يكونوا أسرى حرب فقط، بل كانوا من أكابر مجرمي الحرب الذين لا يتركهم قانون الحرب الحديث إلا ويحاكمهم، ولا يكون الحكم في الغالب إلا بالإعدام أو بالحبس حتى الموت.
واستقر الأمر على رأي الصديق فأخذ منهم الفداء، وكان الفداء من أربعة آلاف درهم إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألف درهم، وكان أهل مكة يكتبون، وأهل المدينة لا يكتبون فمن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم، فإذا حذقوا فهو فداء.
ومنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على عدة من الأسارى، فأطلقهم بغير فداء، منهم المطلب بن حنطب، وصيفي بن أبي رفاعة، وأبو عزة الجمحي، وهو الذي قتله أسراً في أحد، وسيأتي.
ومن على ختنه أبي العاص بشرط أن يخلي سبيل زينب، وكانت قد بعثت في فدائه بمال، بعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة، أدخلته بها على أبي العاص، فلما رآها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، واستأذن أصحابه في إطلاق أبي العاص ففعلوه، واشترط رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أبي العاص أن يخلي سبيل زينب، فخلاها، فهاجرت، وبعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار، فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها، فخرجا حتى رجعا بها. وقصة هجرتها طويلة مؤلمة.
وكان في الأسرى سهيل بن عمرو، وكان خطيباً مصقعاً، فقال عمر يا رسول اللَّه، انزع ثنيتي سهيل بن عمرو يدلع لسانه، فلا يقوم خطيباً عليك في موطن أبداً، بيد أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رفض هذا الطلب، احترازاً عن المثلة وعن بطش اللَّه يوم القيامة.
وخرج سعد بن النعمان معتمراً فحبسه أبو سفيان، وكان ابنه عمرو بن أبي سفيان في الأسرى، فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل سعد.
القرآن يتحدث حول موضوع المعركة:
وحول موضوع هذه المعركة نزلت سورة الأنفال، وهذه السورة تعليق إلهي - إن صح هذا التعبير - على هذه المعركة، يختلف كثيراً عن التعاليق التي ينطق بها الملوك والقواد بعد الفتح.
إن اللَّه تعالى لفت أنظار المسلمين - أولاً - إلى التقصيرات والتقاريظ الأخلاقية التي كانت قد بقيت فيهم، وصدرت بعضها منهم، ليسعوا في تكميل نفوسهم وتزكيتها عن هذه التقاريظ.
ثم أثنى بمن كان في هذا الفتح من تأييد اللَّه وعونه ونصره بالغيب للمسلمين. ذكر لهم ذلك لئلا يغتروا بشجاعتهم وبسالتهم، فتتسور نفوسهم الغطرسة والكبرياء بل ليتوكلوا على اللَّه ويطيعوه ويطيعوا رسوله عليه الصلاة والسلام.
ثم بين لهم الأهداف والأغراض النبيلة التي خاض الرسول صلى الله عليه وسلم لأجلها هذه المعركة الدامية الرهيبة، ودلهم على الصفات والأخلاق التي تسببت في الفتوح في المعارك.
ثم خاطب المشركين والمنافقين واليهود وأسارى المعركة، وعظهم موعظة بليغة، تهديهم إلى الاستسلام للحق والتقيد به.
ثم خاطب المسلمين حول موضوع الغنائم، وقنن لهم مبادىء وأسس هذه المسألة.
ثم بين وشرع لهم من قوانين الحرب والسلم ما كانت الحاجة تمس إليها بعد دخول الدعوة الإسلامية في هذه المرحلة، حتى تمتاز حروب المسلمين عن حروب أهل الجاهلية، ويقوم لهم التفوق في الأخلاق والقيم والمثل، ويتأكد للدنيا أن الإسلام ليس مجرد وجهة نظرية، بل إنه يثقف أهله عملياً على الأسس والمبادىء التي يدعو إليها.
ثم قرر بنوداً من قوانين الدولة الإسلامية التي تقيم الفرق بين المسلمين الذين يسكنون داخل حدودها، والذين يسكنون خارجها.
وفي السنة الثانية من الهجرة فرض صيام رمضان، وفرضت زكاة الفطر، وبينت أنصبة الزكاة الأخرى، وكانت فريضة زكاة الفطر وتفصيل أنصبة الزكاة الأخرى؛ تخفيفاً لكثير من الأوزار التي يعانيها عدد كبير من المهاجرين اللاجئين الذين كانوا فقراء لا يستطيعون ضرباً في الأرض.
ومن أحسن المواقع وأروع الصُّدف أن أول عيد تعيد به المسلمون في حياتهم هو العيد الذي وقع في شوال سنة 2هـ إثر الفتح المبين الذي حصلوا عليه في غزوة بدر، فما أروق هذا العيد السعيد الذي جاء به اللَّه بعد أن توج هامتهم بتاج الفتح والعز، وما أروع منظر تلك الصلاة التي صلوها بعد أن خرجوا من بيوتهم يرفعون أصواتهم بالتكبير والتوحيد والتحميد، وقد فاضت قلوبهم رغبة إلى اللَّه، وحنينا إلى رحمته ورضوانه بعد ما أولاهم من النعم، وأيدهم به من النصر، وذكرهم بذلك قائلاً: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26].


استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:

ومن حوادث اليوم السابع عشر من رمضان سنة 04 للهجرة ما قاله أكثر المؤرخين، من جريمة قتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة البتول وابن عمه وخليفته على أمته... على يد الشقي الخارجي دعي الإسلام عبد الرحمن بن ملجم، صباح يوم الجمعة في الكوفة غدراً، مع ما انضم إلى تلك الجريمة النكراء من محاولة لاغتيال أمراء المسلمين الآخرين في نفس الوقت.
نقل الطبري (3/156) أن ثلاثة من الخوارج اجتمعوا، وهم عبد الرحمن بن ملجم، والبرك بن عبد الله، وعمرو بن بكر التميمي، وتآمروا على ولاة المسلمين بعد أن عابوهم جميعاً، وتواعدوا أن يقتلوهم ليريحوا منهم الناس - كما زعموا - ويأخذوا بثأر إخوانهم المقتولين في معركة النهروان.
فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم علي بن أبي طالب ، وكان في الكوفة.
وقال البرك بن عبد الله: أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان، وكان في الشام.
وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص, وكان في مصر.
فأخذوا أسيافهم وسموها، واتعدوا لسبع عشرة تخلو من رمضان أن يثبت كل واحد منهم على صاحبه الذي توجه إليه يقتله أو يموت دونه
فأما ابن ملجم المرادي ـ وقد شد أزره بعض أصحابه ـ فإنه كمن لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ساعة خروجه للفجر، فلما خرج في غبشة الفجر ضربه في قرنه (جانب رأسه) بالسيف فصاح علي رضي الله عنه، فشد الناس على ابن ملجم فأخذوه، إلا أن رجلاً من همدان ضرب رجله بالسيف فأدماه.
وحمل علي كرم الله وجه مصاباً، وأمر جعدة بن هبيرة بن أبي وهب فصلى بالناس الفجر.
ونقل الطبري عن محمد بن علي رضي الله عنه الملقب بابن الحنفية قال: كنت والله لأصلي تلك الليلة التي ضرب فيها علي (والده) في المسجد الأعظم في رجال كثير من أهل المصر، يصلون قريباً من السدة، ما هم إلا قيام وركوع وسجود، إذ خرج علي لصلاة الغداة فجعل ينادي:
ـ أيها الناس الصلاة الصلاة!..
فما أدري أخرج من السدة فتكلم بهذه الكلمات أم لا، فنظرت إلى بريق وسمعت: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك. فرأيت سيفاً ثم رأيت ثانياً، ثم سمعت عليا يقول:
ـ لا يفوتنكم الرجل.
وأما صاحبا ابن ملجم لعنهم الله جميعاً:
فإن البرك بن عبد الله قعد لمعاوية في مسجده بالشام، فلما خرج ليصلي الغداة شد عليه بسيفه، فوقع السيف في أليته فأخذ.
وأما عمرو بن بكر فجلس لعمرو بن العاص في مسجده بمصر، فلم يخرج للصلاة لعلة وقعت به، وأمر خارجة بن حذافة ـ وكان صاحب شرطته ـ فخرج ليصلي بالناس فشد عليه عمرو بن بكر فضربه فقتله، فأخذه الناس.
وهذه الجريمة النكراء التي روعت العالم الإسلامي بأسره تمثلت زروة فاجعتها في قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ذي الفضائل الجمة والمواقف المشرفة والخصال الفريدة، التي لم تجتمع لغيره في عصره.. إنها بداية حقيقية لباب الشر الذي لم يغلق بعدها. كانت في السابع عشر من رمضان سنة (40) للهجرة.
ويقال إن علياً رضي الله عنه بقي ليلتين قبل أن يقبض فغسله ابناه الحسن والحسين وابن عمهما عبد الله بن جعفر، وكفناه في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، وصلى عليه الحسن.
وقد قتل عبد الرحمن بن محجم كما قتل صاحباه بعد أخذهما. لا رحمهم الله.
وهناك من المؤرخين من يقول إن مقتل علي رضي الله عنه كان يوم العشرين من رمضان.


وفاة الصديقة عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين:

ومن حوادث اليوم السابع عشر وفاة سيدة جليلة فاضلة لها موقع مميز في السيرة النبوية وقلوب المؤمنين، وهي أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديقة بنت الصديق
قال ابن كثير (8/94) وممن توفي في سنة 58 للهجرة عائشة بنت أبي بكر زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أزواجه إليه. أبوها أبو بكر رضي الله عنه، وأمها أم رومان بنت عامر الكنانية. تكنى عائشة بأم عبد الله، يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناها بذلك باسم ولد أختها. ولم ينزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم في لحاف امرأة غيرها.
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بسنتين، وكان عمرها إذ ذاك ست سنين ، ثم دخل بها وهي بنت تسع سنين بعد بدر أول شوال سنة ثنتين من الهجرة.
وقد أجمع العلماء على تكفير من قذف الصديقة عائشة بالزنا بعد ثبوت براءتها بنص كتاب الله.
وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها ويومها، وهو مستند إليها رأسه ما بين سحرها ونحرها.
كانت عائشة أعلم نساء النبي صلى الله عليه وسلم على الإطلاق ، قال عطاء بن أبي رباح.
ـ كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا في العامة
وقال أبو موسى الأشعري: ما أشكل علينا أصحاب محمد حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً.
كانت لعائشة تلميذات من كبريات النساء يأخذن عنها، ولم يكن أعلم من تلميذاتها، منهن عمرة بنت عبد الرحمن وحفصة بنت سيرين وعائشة بنت طلحة.
وتفردت عائشة بمسائل عن الصحابة لم توجد إلا عندها.
حدث ذكوان حاجب عائشة رضي الله عنها أنه جاء عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يستأذن على عائشة فجئت وعند رأسها عبد الله ابن أخيها عبد الرحمن فقلت:
ـ هذا ابن عباس يستأذن! فأكب عليها ابن أخيها عبد الله فقال: هذا ابن عباس يستأذن وهي تموت! فقالت:
ـ دعني من ابن عباس.
فقال: يا أماه إن ابن عباس من صالح بنيك يسلم عليك ويودعك
فقالت: إئذن له أن شئت. قال: فأدخله
فلما جلس قال: أبشري
فقالت: بماذا
فقال: ما بينك وبين أن تلقي محمداً والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد، وكنتِ أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيبا, وسقطت قلادتك ليلة الأبواء، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبح الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله آية التيمم فكان ذلك في سببك. وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات جاء بها الروح الأمين، فأصبح ليس مسجد من مساجد الله إلا يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار
فقالت: دعني منك يا ابن عباس، والذي نفسي بيده لوودت أني كنت نسياً منسياً.
كانت وفاة عائشة رضي الله عنها سنة ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء السابع عشر رمضان ، وأوصت أن تدفن بالبقيع ليلاً ، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه بعد صلاة الوتر، ونزل في قبرها خمسة وهم: عبد الله وعروة ابنا الزبير من اختها أسماء بنت أبي بكر، والقاسم وعبد الله ابن أخيها محمد، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان عمرها يومئذ سبعاً وستين سنة.

وفاة الحجاج بن يوسف الثقفي:

في السابع عشر وقيل الحادي والعشرين من شهر رمضان عام 95هـ الموافق يونيو 714م توفي الحجاج بن يوسف الثقفي، قبل انتهاء مدة خلافة الوليد بن عبد الملك بأقل من سنة، وكانت وفاته بالعراق، وله من العمر 54 سنة.



وفاة الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك:

وممن توفي في السابع عشر من رمضان الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك ابن مروان
قال في (البداية 9/177) زعم أبو أحمد الحاكم أنه توفي الجمعة لثلاث عشر بقيت من رمضان سنة 99هـ، وله من العمر تسع وثلاثون سنة.
ولد سلمان بن عبد الملك في المدينة المنورة، ونشأ بالشام كان فصيحاً مؤثراً للعدل محباً للجهاد، أنفذ الجيش لحصار القسطنطينية حتى صالحه الروم على بناء الجامع بها.
تولى سليمان بن عبد الملك خلافة الدولة الأموية وهي بالغة الازدهار واسعة الثراء غنية بالموارد فسيحة الأرجاء متماسكة البناء مليئة بالرجال وأصحاب المواهب الفذة، وكانت الدولة الأموية في عهد سلفه الكريم الوليد بن عبد الملك قد شهدت اتساعا في الرقعة هيأته لها حركة الفتوح الإسلامية في الشرق والغرب.
أما المشرق فقد قاد فتوحاته "قتيبة بن مسلم الباهلي" فاتح بلاد ما وراء النهر، و"محمد بن القاسم الثقفي" فاتح بلاد السند في شبه القارة الهندية. وأما الغرب فقد حمل لواء الفتح فيه القائدان العظيمان: "موسى بن نصير"، و"طارق بن زياد".
وتمتعت الدولة الأموية بثورة هائلة مكنتها من إقامة نهضة عمرانية وتشييد المساجد الرائعة، ولا يزال المسجد الأموي شاهدا قويا على ما بلغه فن العمارة من رقي وجمال، كما مكنتها هذه الثروة من تقديم خدمات اجتماعية وطبية تُعطى دون أجر للناس، فعينت الدولة لكل مُقعد خادما، ولكل ضرير قائدا يأخذ بيده، ولكل مريض مزمن من يقوم بحاجته.
هكذا كانت الدولة الأموية حين وليها "سليمان بن عبد الملك" بعد وفاة أخيه الوليد في (15 من جمادى الآخرة 99 هـ = 25 من فبراير 715م)، ولم يكن مستغربا أن يستمر سليمان في هذه السياسة الرشيدة التي وضعت الدولة الأموية في المكانة اللائقة بها؛ فقد كان من أكبر أعوان أخيه الوليد ومن أركان دولته، إلى جانب ملكاته الخاصة من حب للجهاد، وجنوح إلى العدل، وفصاحة في اللسان، وقدرة على اختيار الرجال الأكفاء.
سياسة سليمان بن عبد الملك
استهل سليمان بن عبد الملك خلافته بما ينبئ عن سياسته الجديدة؛ فاستعان في إدارة الدولة وتصريف شئونها بعظماء الرجال وصالحيهم، وأحاط نفسه بأهل الرأي والفطنة والدين والعلم من أمثال ابن عمه عمر بن عبد العزيز ورجاء بن حَيْوة.
وفي الوقت الذي استعان بأمثال هؤلاء الرجال العدول الأكفاء استغنى عن رجال الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان يتمتع بثقة أخيه الوليد وتقديره، وكانوا يشغلون إدارات مهمة في الدولة الأموية، ويميلون إلى الشدة والظلم في معاملة الرعية كما كان يفعل الحجاج، غير أنه اشتط في تنفيذ تلك السياسة فنالت من بعض القيادات ذات الأثر العظيم في تاريخ الإسلام، ولم يكن كريما في التعامل معهم حتى وإن ثبت أنهم ارتكبوا بعض الأخطاء، لكن كراهيته للحجاج جعلته يبالغ في التعامل بقسوة مع رجاله وولاته وأهل بيته.
فعزل محمد بن القاسم، وأتي به مقيدا إلى العراق؛ حيث وضع في السجن وظل به إلى أن لقي ربه. ومن العجيب أن هذا البطل الذي قتله أهله وعشيرته حزن عليه أهل السند الذين فتح بلادهم لما رأوا فيه من عدل وسماحة وحرية.
وكذلك صنع بموسى بن نصير حيث أساء معاملته في بادئ الأمر لخلاف حول تقدير الغنائم التي أتى بها من الأندلس، ثم لم يلبث أن عفا عنه، وتحسنت العلاقة بين الرجلين حتى إنه صاحبه في حجته (سنة 97هـ = 716م).
وأما قتيبة بن مسلم وهو من قادة الحجاج بن يوسف الثقفي فقد كان يعلم مقدار كراهية سليمان بن عبد الملك للحجاج، فلما ولي الخلافة خشي قتيبة من انتقامه؛ لأنه وقف إلى جانب الوليد بن عبد الملك حين أراد أن يخلع أخاه سليمان من ولاية العهد ويجعلها لابنه؛ ولذلك عزم قتيبة على الخروج على سليمان وجمع جموعًا لذلك عن رجاله وأهل بيته، لكن حركته فشلت وانتهت بقتله سنة (96 هـ = 715م).
محاولة فتح القسطنطينية
عني الخليفة سليمان بن عبد الملك بفتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، وكان فتحها حلما راود خلفاء الأمويين فخرجت حملتان في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لهذا الغرض، لكنهما لم تكللا بالنجاح، كانت الأولى في سنة (49 هـ = 669م) والثانية حاصرت المدينة الحصينة سبع سنوات (54-60 هـ = 674 –680م.
أعد سليمان بن عبد الملك جيشا عظيما بلغ زهاء مائة ألف جندي، وزوده بنحو ألف وثمانمائة سفينة حربية، وأسند قيادته إلى أخيه مسلمة بن عبد الملك، وأمره بالتوجه إلى القسطنطينية لمحاصرتها، واتخذ سليمان من مدينة "دابق" شمالي الشام مركزا لقيادته ومتابعة أنباء الحصار، وكان سليمان قد آل على نفسه حين خرج من دمشق إلى "دابق" ألا يرجع إلى دمشق حتى تفتح القسطنطينية أو يموت هناك.
وقد حاصرت قوات مسلمة بن عبد الملك القسطنطينية من ناحية البر، في الوقت الذي أخذت فيه السفن الإسلامية تحاصر المدينة من البحر وتقطع عنها الإمدادات والمؤن التي قد تصل إليها، ودام الحصار عاما كاملا (98-99 هـ) استخدمت خلاله القوات البحرية النفط لأول مرة واستعانوا بنوع من المجانيق يشبه المدفعية، وأظهر الجنود المسلمون أروع آيات الشجاعة والحماس البالغ، وتحملوا برد الشتاء. وذاق البيزنطيون مرارة الحصار، لكن المدينة استعصت على السقوط في أيدي المسلمين على الرغم من الاستعدادات الكبيرة للجيش الأموي وتضحياته الجسيمة.


وفاة ابن الخياط شاعر دمشقي بارع

وتوفي في السابع عشر من رمضان ابن الخياط الشاعر الدمشقي أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي بن صدقة التغلبي.
قال ابن خلكان في (وفيات الأعيان 1/147) كان من الشعراء المجيدين، طاف البلاد وامتدح الناس. ولما اجتمع بأبي الفتيان ابن حيوي الشاعر المشهور بحلب، وعرض عليه شعره قال: قد نعاني هذا الشاب إلى نفسي ، قلما نشأ ذو صنعة ومَهَر فيها إلا كان دليلاً على موت الشيخ من أبناء جنسه.
ومن أروع قصائده البائية التي أولها:
خذا من صبا نجد أمانا لقلبه فقد كاد رياها يطير بلبهِ
خليلي لو أحببتما لعلمتما محل الهوى من مغرم القلب صبهِ

تذكر والذكرى تشوق وذوي الهوى يتوق ومن يعلق به الحب يصبه...
ومن شعره والحسن:
أتظنني لا أستطيع أحيل عنك الدهر ودي
من ظن أن لا بد منه فإن منه ألفُ بُدِّ
كانت أكثر قصائده غرر وغاية في الرقة، ولد لسنة أربعمائة وخمسين بدمشق وتوفي فيها في سابع عشر من رمضان على أحد القولين سنة 517هـ.


ولادة علي بن عبد الله بن عباس السجاد:

ومن الذين ولدوا في سابع عشر رمضان علي بن عبد الله بن عباس الملقب بالسجاد
قال ابن خلكان (30/277) كان أجمل قرشي على وجه الأرض، ولكثرة صلاة سمي بالسجاد ، ولد في الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
كان على بن عبد الله السجاد يتوعد الأمويين بقوله:
ـ إن هذا الأمر سيكون في ولدي، ووالله ليكونن فيهم حتى تملكهم عبيدهم الصغار العيون العراض الوجوه ... وهذا ما دفع عبد الله مروان إلى اعتقاله وضربه بالسياط والتشهير به.
قال هشام بن سليمان المخزومي: إن علي بن عبد الله كان إذا قدم مكة حاجاً أو معتمراً عطلت قريش مجالسها في المسجد الحرام، وهجرت مواضع حلقها، ولزمت مجلسه إعظاماً وإجلالاً وتبجيلاً له، فإن قعد قعدوا، وإن نهض نهضوا، وإن مشى مشوا حوله جميعاً ، ولا يزالون كذلك حتى يخرج من الحرم.
وكان السجاد آدم جسيماً مفرطاً في الطول، إذا طاف كأن الناس حوله مشاة وهو راكب من طوله.
توفي سنة ثماني عشرة ومائة للهجرة. رحمه الله.

ولادة محيى الدين بن عربي

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك وكان يصادف يوم الإثنين أبصر النور في بلدة مرسيّة في الجنوب الشرقي من الأندلس محيى الدين بن عربي المُلقب بالشيخ الكبير، والذي كان من أئمة المتكلمين في كل علم، وهو كما قيل عنه {قدوة القائلين بوحدة الوجود}، وقد وضع أكثر من 251 كتاباً ورسالة، كان مبدعاً في تفكيره مجدداً فيآرائه، جريئاً في نظراته رقيقاً في شعره، هو أبو بكر الحاتمي الطائي الأندلسي الذي عُرف في المشرق بإبن عربي، تلقى مبادىء العلوم الدينية في بستونة ثم في أشبيلية التي كانت آنذاك من أكبر مراكز التصوف في الأندلس في عهده، وقضى نحو ثلاثين عاماً، وضع كتابيه {رسالة القدس} و{الفتوحات المكيّة} بكثير من التقدير والإكبار، قام لإبن عربي برحلات عديدة إلى بلاد أخرى في الأندلس لملاقاة العلماء فيها، ولقي بها الفيلسوف الكبير إبن رشد، الذي كان قاضي المدينة آنذاك، في عام 588 للهجرة ترك الأندلس وبلاد المغرب وذهب إلى المشرق ليقضي فريضة الحج، وربما كانت رحلته فراراً من الأندلس والمغرب، وجوهما الصاخب دينياً وسياسياً الذي كان يسودهما من تزمت من جانب الفقهاء، وإضطهاد للمفكرين الأحرار من جانب الحكّام، زار مصر في العام الهجري 598 ولكن لم تطب إقامته فيها، لأن أهل مصر أنكروا عليه {شطحات} صدرت منه، فلم يحسنوا وفادته، بل حاول بعضهم إغتياله، وكان إبن عربي كلما هبط إلى بلد، لقيه أهاليها بالتجلي والإعظام، عدا مصر، وخلع عليه كبراءها الهدايا، ولكن نفسه كانت تعفاها ويمنحها للفقراء، لا تكفي المراجع التي ذكرت سيرة محيي الدين إبن عربي على وفرة مادتها في تصوير شخصيته الفذّة تصويراً كاملاً، ولا بد من الإستعانة بكتبه التي كثيراً ما يشير فيها إلى نفسه، شخصيته شخصية معقّدة، متعددة الجوانب بل هي شخصية تبدو لمن لا يفهمها متناقضة أشد التناقض، أقام بدمشق مدة طويلة قبل وفاته، توفي بها في الثامن والعشرين من شهر ربيع الثاني للعام الهجري 638، دُفن بمقبرة القاضي محيي الدين بن الزنكي في جبل قاسيون.


الانتصار على الدولة البيزنطية في معركة عمورية:

في 17 من رمضان 223هـ الموافق 12 من أغسطس 838م تحقق للمسلمين النصر على الدولة البيزنطية في معركة عمورية بقيادة الخليفة المعتصم العباسي، الذي هبّ لنجدة إخوانه المسلمين حين استغاثوا به، فحرك جيشًا كبيرًا لتأديب الدولة البيزنطية.

آلت دولة الخلافة العباسية إلى المعتصم بالله بعد أن استقرت أحوالها، وامتدت أطرافها، وانتعشت الحياة الاقتصادية بها، وازدهرت الزراعة، فنمت غلتها، ورخصت أسعارها، وتقدمت الصناعة، واستُخرجت الثروات المعدنية من باطن الأرض، وانتعشت التجارة على نحو لم تعرفه الدولة الإسلامية من قبل بسبب الطرق الآمنة، وسهولة الانتقال من شرق البلاد إلى غربها دون عوائق تذكر.
وكان من أثر تلك النهضة الاقتصادية أن نمت موارد الخلافة، وزادت إيرادات بيت المال؛ الأمر الذي جعل الدولة تعمل على تحسين المرافق العامة وتيسير الحياة على الناس، وتأمين حدود الدولة المترامية، وتشجيع العلم ومكافأة أهله والعناية بالترجمة، وبناء المؤسسات العلمية، وإنشاء المكتبات.
ولاية المعتصم بالله
مرض الخليفة المأمون في طرسوس، ولم يكن قد عقد لأحد بعده بولاية العهد، فاستدعى أخاه المعتصم وعهد إليه بالخلافة من بعده، دون ابنه العباس الذي كان موجودا معه في طرسوس للقيام بغزو الدولة البيزنطية، ورد هجماتها، لكن مرضه حال دون إتمام ذلك.
ولعل الذي جعل المأمون يؤثر أخاه بالحكم دون ابنه أن الخلافة العباسية كانت تتهددها الأخطار من الداخل والخارج في ثورة بابك الخرمي في فارس، وهجمات البيزنطيين، وكان المعتصم بطلا شجاعا متمرسا بالحرب خبيرا بشئونها، فآثر المأمون المصلحة العليا للخلافة بتولية من يصلح لهذه الفترة، وتمت البيعة بعد وفاته في (19 من رجب 218هـ= 10 من أغسطس 833م).
وكان المعتصم يتميز بقوته الجسدية وشدته في الحرب، حتى قيل عنه إنه كان يصارع الأسود ويحمل ألف رطل، ويمشي بها خطوات، غير أنه لم يكن معنيًا بالعلوم والآداب كأخويه الأمين والمأمون.
وبالغ بعض المؤرخين فذكر أنه كان أميًا لا يكتب، أو أنه كان ضعيف الكتابة على قول ابن خلّكان، وابن كثير، لكن ذلك لم يكن له أدنى تأثير في الحركة الفكرية والعلمية التي عمّت الخلافة فقد كانت البلاد مدفوعة بطاقة عارمة نحو الرقي والتقدم.
القضاء على الفتن والثورات
كانت وصية المأمون لأخيه المعتصم أن يقضي على فتنة بابك الخرمي، وكان زعيم طائفة ضالة، يعتقد أصحابها بالحلول والتناسخ، ويدعون إلى الإباحية الجنسية، وبدأت تلك الفتنة في أذربيجان ثم اتسع نطاقها إلى همدان وأصبهان وبلاد الأكراد، وجرجان، وأصبحت خطرا يحدق بالدولة العباسية، ووجدت عونًا ومساندة من الروم.
وحاول المأمون أن يقضي على تلك الفتنة التي اشتعل أوارها، وأرسل إليها الحملات العسكرية، لكنها لم تستطع القضاء على تلك الفتنة، وتوفي المأمون دون أن يتحقق أمله، وحمل المعتصم مهمة القضاء على هذه الحركة، فنجح في ذلك على الرغم من مهارة بابك الخرمي العسكرية، وقدرته على وضع الخطط العسكرية، مستغلا معرفته بطبيعة الإقليم الذي يتحصن فيه، من جبال ومضايق ووديان.
وامتدت الحرب أربع سنوات، حتى تمكن "الأفشين" أبرع قادة المعتصم من إخماد الفتنة، والقبض على بابك الخرمي في (10 من شوال 222هـ= 16 من سبتمبر 837م)، وكانت هذه الفتنة من أعظم الفتن التي تعرضت لها الدولة العباسية، شغلت الخلافة أكثر من عشرين سنة، وقُتل من أجل القضاء عليها آلاف المسلمين، قدّرهم الطبري المؤرخ بنحو مائتين وخمسين ألف مسلم، وأنفقت الدولة العباسية من أجلها ملايين الدراهم والدنانير.
ولم يكد المعتصم يستريح من فتنة بابك الخرمي حتى شبّت فتنة أخرى في إقليم طبرستان، حيث قام وليها "المازيار" بشق عصا الطاعة، ومحاولة الاستقلال بالإقليم بعيدا عن سلطة الدولة العباسية، ولم تفلح المحاولات التي بذلها المعتصم لحل المشكلة سلمًا مع المازيار الذي تمادى في غيه، فلجأ المعتصم إلى السيف، حتى تمكن من القضاء عليه في سنة (224هـ= 839م).
وامعتصماه.. فتحت عمورية
استغل الروم انشغال الخليفة المعتصم في القضاء على فتنة بابك الخرمي، وجهزوا جيشا ضخما قاده ملك الروم، بلغ أكثر من مائة ألف جندي، هاجم شمال الشام والجزيرة، ودخل مدينة "زِبَطْرة" التي تقع على الثغور، وكانت تخرج منها الغزوات ضد الروم، وقتل الجيش الرومي من بداخل حصون المدينة من الرجال، وانتقل إلى "ملطية" المجاورة فأغار عليها، وعلى كثير من الحصون، ومثّل بمن صار في يده من المسلمين، وسَمَلَ أعينهم، وقطع آذانهم وأنوفهم، وسبى من المسلمات فيما قيل أكثر من ألف امرأة.
وصلت هذه الأبناء المروعة إلى أسماع الخليفة، وحكى الهاربون الفظائع التي ارتكبها الروم مع السكان العزل؛ فتحرك على الفور، وأمر بعمامة الغزاة فاعتم بها ونادى لساعته بالنفير والاستعداد للحرب.
ويذكر بعض الرواة أن امرأة ممن وقعت في أسر الروم قالت: وامعتصماه، فنُقل إليه ذلك الحديث، وفي يده قَدَح يريد أن يشرب ما فيه، فوضعه، ونادى بالاستعداد للحرب.
وهذا ما عناه أبو تمام في قوله مادحا للخليفة بعدما حقق نصر:
لبيّت صوتًا زِبَطريًا هَرَقْتَ لَهُ كَأْسَ الْكَرَى وَرُضَابَ الْخُرّدِ الْعُرُبِ
وخرج المعتصم على رأس جيش كبير، وجهّزه بما لم يعدّه أحد من قبله من السلاح والمؤن وآلات الحرب والحصار، حتى وصل إلى منطقة الثغور، ودمّرت جيوشه مدينة أنقرة ثم اتجهت إلى عمورية في (جمادى الأولى 223هـ= أبريل 838م) وضربت حصارا على المدينة المنيعة دام نصف عام تقريبا، ذاقت خلاله الأهوال حتى استسلمت المدينة، ودخلها المسلمون في (17 من رمضان سنة 223هـ= 13 من أغسطس 838م) بعد أن قُتل من أهلها ثلاثون ألفا، وغنم المسلمون غنائم عظيمة، وأمر الخليفة المعتصم بهدم أسوار المدينة المنيعة وأبوابها وكان لهذا الانتصار الكبير صداه في بلاد المسلمين، وخصّه كبار الشعراء بقصائد المدح، ويأتي في مقدمة ذلك، بائية أبي تمام الخالدة التي منها قوله:
فتْحٌ الفتوح تعالى أن يحيط به نظمٌ من الشعراء أو نثرٌ من الخُطَبِ
فتْحٌ تفتّح أبواب السماء له وتبرز الأرض في أثوابها القُشُب
يا يومَ وقعةِ عمّوريّة انصرفت منك المُنى حُفّلاً معسولة الحَلَب
أبقيت جد بني الإسلام في صَعَد والمشركين ودار الشرك في صَبَب
وفاة المعتصم
ظل المعتصم يواصل فتوحاته وغزواته، ففُتحت بعض مدن صقلية، وغزت جنوده "قِلّورية" وتقع في جنوب إيطاليا، وتسمى الآن "كاليريا"، وكذلك جزيرة "مالطة" ولم تكن غُزيت من قبل.
وفي يوم الخميس الموافق (18 من ربيع الأول 227هـ= 5 من يناير 842م) وافاه الأجل المحتوم، بعد أن أصبح اسمه نموذجاه دائما للمروءة والدفاع عن الدين والوطن.
من مصادر الدراسة:
• محمد بن جرير الطبري: تاريخ الرسل والملوك- تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم- دار المعارف القاهرة 1968م.
• محمد الخضري- الدولة العباسية- المكتبة التجارية الكبرى- القاهرة 1959م.
• شاكر مصطفى- دولة بني العباس- وكالة المطبوعات- الكويت 1974م.
• عبد المنعم ماجد- العصر العباسي الأول- مكتبة الأنجلو المصرية- القاهرة 1979م.
• فتحي عثمان- الحدود الإسلامية البيزنطية بين الاحتكاك الحربي والاتصال الحضاري- دار الكتاب العربي- القاهرة- بدون تاريخ.

أحمد تمام
إسلام اون لاين


تنازل بيبرس عن عرش مصر:

في السابع عشر من شهر رمضان عام 709هـ الموافق 17 فبراير 1310م، تنازل السلطان بيبرس عن عرش مصر، بعد مرور عام ونصف على حكمه.
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
18 رمضان

18 رمضان


نزول الزبور على داود عليه السلام:

وأخيراً فإن الحديث النبوي أشار إلى أن اليوم الثامن عشر من رمضان شهد حدثاً مهماً من أحداث النبوة الأول وهو نزول الزبور على داود عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنزلت صحف ابراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان. ) رواه الطبراني في الكبير 22/75.


حجامة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من حوادث اليوم الثامن عشر من رمضان ما جاء في معجم الصحابة (3/80) عن عطاء بن السائب قال:
شهد نفر من أهل البصرة منهم الحسن بن أبي الحسن عن معقل بن سنان الأشجعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو يحتجم لثمان عشرة من رمضان فقال:
ـ أفطر الحاجم والمحجوم.

وفاة سيف الله المسلول خالد بن الوليد:

ومن حوادث اليوم الثامن عشر من رمضان وفاة سيف الله المسلول وسيد الشجعان بلا منازع خالد بن الوليد رضي الله عنه.
كان أبوه الوليد بن المغيرة سيد قريش في عصره، وأمه لبابة بنت الحارث أخت ميمونة بنت الحارث زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين.
أسلم خالد سنة ثمان للهجرة بعد الحديبية قبل فتح، مكة وشهد سرية مؤتة التي استشهد فيها الأمراء الثلاث : زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة. وكاد جيش المسلمين أن يتضعضع وينهزم، إلا أن خالد بن الوليد تولى الإمارة يومئذ غير مؤمّر، فقاتل قتالاً شديداً لم ير مثله، حتى ثبت الجيش، ثم أحسن الانسحاب به دون هزيمة. وفي تلك الموقعة سماه النبي صلى الله عليه وسلم: سيف الله.
شهد خيبر وحنيناً وفتح مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتدبه النبي صلى الله عليه وسلم لهدم العزى، واستعمله أبو بكر الصديق لقتال المرتدين قائلاً عنه :
ـ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نعم عبد الله وأخذ العشيرة خالد بن الوليد. خالد بن الوليد سيف من سيوف الله) مسند أحمد.
كانت له مواقع مشهورة في المعارك الطاحنة مع الفرس والروم بالعراق والشام وكان أحد أميري فتح دمشق. روى البخاري في الصحيح عنه أنه قال :
ـ لقد اندق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما ثبت في يدي إلا صحيفة يمانية . . . ولما حضرته الوفاة قال كلمته المشهورة:
ـ لقد حضرت مائة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية، وها أنا أموت على فراشي فلا نامت أعين الجبناء.
توفي سنة 21 هـ يوم الثامن عشر من رمضان وقد جعل سلاحه وفرسه في سبيل الله، ولم يخلف وراءه شيئاً يذكر.


مبايعة الحسن بن علي بالخلافة:

في 18 رمضان 40هـ الموافق 24 يناير 661 بويع الحسن بن علي رضي الله عنهما بالخلافة بعد مقتل أبيه.

الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو محمد، ولدته فاطمة في المدينة سنة (3هـ)، وهو أكبـر أبنائها، كان عاقلاً حليماً محباً للخير وكان أشبه أهل النبي بجده النبي -صلى الله عليه وسلم.
قال معاوية وعنده عمرو بن العاص وجماعة من الأشراف: (من أكرم الناس أباً وأماً وجدّاً وجدّة وخالاً وخالةً وعمّاً وعمّةً)... فقام النعمان بن عجلان الزُّرَقيّ فأخذ بيد الحسن فقال: (هذا! أبوه عليّ، وأمّه فاطمة، وجدّه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وجدته خديجة، وعمّه جعفر، وعمّته أم هانئ بنت أبي طالب، وخاله القاسم، وخالته زينب)...
فقال عمرو بن العاص: (أحبُّ بني هاشم دعاك إلى ما عملت؟)... قال ابن العجلان: (يا بن العاص أمَا علمتَ أنه من التمس رضا مخلوق بسخط الخالق حرمه الله أمنيّته، وختم له بالشقاء في آخر عمره، بنو هاشم أنضر قريش عوداً وأقعدها سَلَفاً، وأفضل أحلاماً)
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- والحسن على عاتقه: (اللهـم إني أحـبُّ حسنـاً فأحبَّـه، وأحِـبَّ مَـنْ يُحبُّـه)... وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يصلي، فإذا سجد وثب الحسنُ على ظهره وعلى عنقه، فيرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رفعاً رفيقاً لئلا يصرع، قالوا: (يا رسول الله، رأيناك صنعت بالحسن شيئاً ما رأيناك صنعته بأحد)... قال:(إنه ريحانتي من الدنيا، وإن ابني هذا سيّد، وعسى الله أن يصلح به بين فئتيـن عظيمتيـن)

كان الحسن -رضي الله عنه- أشبه أهل النبي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد صلّى أبو بكر الصديق صلاة العصر ثم خرج يمشي ومعه عليّ بن أبي طالب، فرأى الحسن يلعبُ مع الصبيان، فحمله على عاتقه و قال: (بأبي شبيه بالنبيّ، ليس شبيهاً بعليّ)... وعلي يضحك...
كما قالت زينب بنت أبي رافع: رأيت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتت بابنيها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شكواه الذي توفي فيه فقالت: (يا رسول الله! هذان ابناك فورّثْهُما)... فقال: (أما حسنٌ فإن له هيبتي وسؤددي، وأما حسين فإن له جرأتي وجودي)

كان الحسن -رضي الله عنه- قد أحصن بسبعين امرأة، وكان الحسن قلّما تفارقه أربع حرائر، فكان صاحب ضرائر، فكانت عنده ابنة منظور بن سيار الفزاري وعنده امرأة من بني أسد من آل جهم، فطلقهما، وبعث إلى كلِّ واحدة منهما بعشرة آلاف وزقاقٍ من عسل متعة، وقال لرسوله يسار بن أبي سعيد بن يسار وهو مولاه: (احفظ ما تقولان لك)... فقالت الفزارية: (بارك الله فيه وجزاه خيراً)... وقالت الأسدية: (متاع قليل من حبيب مفارقٍ)... فرجع فأخبره، فراجع الأسدية وترك الفزارية...
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال عليُّ: (يا أهل الكوفة، لا تزوّجوا الحسن بن عليّ، فإنه مطلاق)... فقال رجل من همدان: (والله لنزوِّجَنَّهُ، فما رضي أمسك، وما كره طلّق)

فضله
قال معاوية لرجل من أهل المدينة: (أخبرني عن الحسن بن علي)... قال: (يا أمير المؤمنين، إذا صلى الغداة جلس في مصلاّه حتى تطلع الشمس، ثم يساند ظهره، فلا يبقى في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل له شرف إلاّ أتاه، فيتحدثون حتى إذا ارتفع النهار صلى ركعتين، ثم ينهض فيأتي أمهات المؤمنين فيُسلّم عليهن، فربما أتحفنه، ثم ينصرف إلى منزله، ثم يروح فيصنع مثل ذلك)... فقال: (ما نحن معه في شيء)...
كان الحسن -رضي الله عنه- ماراً في بعض حيطان المدينة، فرأى أسود بيده رغيف، يأكل لقمة ويطعم الكلب لقمة، إلى أن شاطره الرغيف، فقال له الحسـن: (ما حَمَلك على أن شاطرتـه؟ فلم يعاينه فيه بشـيء)... قال: (استحت عيناي من عينيه أن أعاينـه)... أي استحياءً من الحسـن، فقال له: (غلام من أنت؟)... قال: (غلام أبان بن عثمان)... فقال: (والحائط؟)... أي البستان، فقال: (لأبان بن عثمان)... فقال له الحسن: (أقسمتُ عليك لا برحتَ حتى أعود إليك)...
فمرّ فاشترى الغلام والحائط، وجاء الى الغلام فقال: (يا غلام! قد اشتريتك؟)... فقام قائماً فقال: (السمع والطاعة لله ولرسوله ولك يا مولاي)... قال: (وقد اشتريت الحائط، وأنت حرٌ لوجه الله، والحائط هبة مني إليك)... فقال الغلام: (يا مولاي قد وهبت الحائط للذي وهبتني له)

حكمته
قيل للحسن بن علي: (إن أبا ذرّ يقول: الفقرُ أحبُّ إلي من الغنى، والسقم أحبُّ إليّ من الصحة)... فقال: رحِمَ الله أبا ذر، أما أنا فأقول: (من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمنّ أنه في غير الحالة التي اختار الله تعالى له، وهذا حدُّ الوقوف على الرضا بما تصرّف به القضاء)...
قال معاوية للحسن بن عليّ: (ما المروءة يا أبا محمد؟)... قال: (فقه الرجل في دينه، وإصلاح معيشته، وحُسْنُ مخالَقَتِهِ)...
دعا الحسنُ بن عليّ بنيه وبني أخيه فقال: (يا بنيّ وبني أخي، إنكم صغارُ قومٍ يوشك أن تكونوا كبارَ آخرين، فتعلّموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه، فليكتبهُ وليضعه في بيته)

عام الجماعة
بايع أهل العراق الحسن -رضي الله عنه- بالخلافة بعد مقتل أبيه سنة (40هـ)، وأشاروا عليه بالمسير الى الشام لمحاربة معاوية بن أبي سفيان، فزحف بمن معه، وتقارب الجيشان في موضع يقال له (مسكن) بناحية الأنبار، ولم يستشعر الحسن الثقة بمن معه، وهاله أن يقْتتل المسلمون وتسيل دماؤهم، فكتب إلى معاوية يشترط شروطاً للصلح، ورضي معاوية، فخلع الحسن نفسه من الخلافة وسلم الأمر لمعاوية في بيت المقدس سنة (41هـ).

وسمي هذا العام (عام الجماعة) لاجتماع كلمة المسلمين فيه، وانصرف الحسن -رضي الله عنه- الى المدينة حيث أقام.

الحسن ومعاوية
قال معاوية يوماً في مجلسه: (إذا لم يكن الهاشمـيُّ سخيّاً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن الزبيـري شجاعاً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن المخزومـي تائهاً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن الأمـوي حليماً لم يشبه حسبه)...
فبلغ ذلك الحسن بن علي فقال: (والله ما أراد الحق، ولكنّه أراد أن يُغري بني هاشـم بالسخاء فيفنوا أموالهم ويحتاجون إليه، ويُغري آل الزبيـر بالشجاعة فيفنوا بالقتل، ويُغري بني مخـزوم بالتيه فيبغضهم الناس، ويُغري بني أميـة بالحلم فيحبّهم الناس!!)

مرضه
قال عبد الله بن الحسين: إن الحسن كان سُقِيَ، ثم أفلتَ، ثم سُقِيَ فأفلتَ، ثم كانت الآخرة توفي فيها، فلمّا حضرته الوفاة، قال الطبيب وهو يختلف إليه: (هذا رجلٌ قد قطع السُّمُّ أمعاءه)... فقال الحسين: (يا أبا محمد خبّرني من سقاك؟)... قال: (ولِمَ يا أخي؟)...
قال: (اقتله، والله قبل أن أدفنـك، أولا أقدرُ عليه؟ أو يكون بأرضٍ أتكلّف الشخـوص إليه؟)... فقـال: (يا أخـي، إنما هذه الدنيا ليالٍ فانية، دَعْهُ حتى ألتقـي أنا وهو عنـد الله)... فأبى أن يُسمّيَهُ، قال: (فقد سمعتُ بعضَ من يقول: كان معاوية قد تلطّف لبعض خدمه أن يسقيَهُ سُمّاً).

بكاؤه
لمّا أن حَضَرَ الحسن بن علي الموتُ بكى بكاءً شديداً، فقال له الحسين: (ما يبكيك يا أخي؟ وإنّما تَقْدُمُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى عليّ وفاطمة وخديجة، وهم وُلِدوك، وقد أجرى الله لك على لسان النبي -صلى الله عليه سلم-: (أنك سيّدُ شباب أهل الجنة)... وقاسمت الله مالَكَ ثلاث مرات، ومشيتَ الى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرّةً حاجّاً)... وإنما أراد أن يُطيّب نفسه، فوالله ما زاده إلا بكاءً وانتحاباً، وقال: (يا أخي إني أقدِمُ على أمرٍ عظيم مهول، لم أقدم على مثله قط).

وفاته
توفي الحسن -رضي الله عنه- في سنة (50هـ)، وقد دُفِنَ في البقيع، وبكاه الناس سبعة أيام: نساءً وصبياناً ورجالاً، رضي الله عنه وأرضاه...

وقد وقف على قبره أخوه محمد بن عليّ وقال: (يرحمك الله أبا محمد، فإن عزّت حياتك لقد هَدَتْ وفاتك، ولنعم الروحُ روحٌ تضمنه بدنك، ولنعم البدن بدن تضمنه كفنك، وكيف لا يكون هكذا وأنت سليل الهدى، وحليف أهل التقى، وخامس أصحاب الكساء، غذتك أكف الحق، وربيت في حجر الإسلام ورضعت ثدي الإيمان، وطبت حيّاً وميتاً، وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك فلا نشك في الخيرة لك، رحمك الله).


وفاة التابعي الجليل مُحَمّد بن مسلم بن عبيد الله القرشي

124 هـ
أحد الأعلام من أئمة الإسلام، تابعي جليل، سمع الحديث، كان يدور على مشايخ الحديث ومعه ألواح يكتب عنهم فيها الحديث ويكتب عنهم كل ما سمع منهم، حتى صار من أعلم الناس وأعلمهم في زمانه، قال الإمام أحمد بن حنبل: {أحسن الناس حديثاً وأجودهم إسناداً الزهري} وقال النسّائي: {أحسن الأسانيد الزهري}، رحل الزهي في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك ، وكان قد أوصى أن يُدفن على قارعة الطريق بأرض فلسطين وصارة المارة تدعو له، وقف الإمام الأوزاعي يوماً على قبره فقال: {يا قبر كم فيك من علم ومن حلم، يا قبر كم فيك من علم وكرم، وكم جمعت روايات وأحكاماً}.


وفاة العالِم الفلكي المصري الشهير على إبن يُونس

398 هـ

هو أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي، فلكي ومؤرخ اشتهر في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي. ولد في مصر لأسرة عرفت بالعلم، فوالده عبد الرحمن كان من أكبر المؤرخين في مصر ومن أشهر علمائها. وجده يونس بن عبد الأعلى كان من أصحاب الإمام الشافعي، ومن الذين أمضوا معظم وقتهم في دراسة علم الفلك، ولذا يعتبر من المتخصصين في علم النجوم.نبغ ابن يونس في علم الفلك، في عهد العزيز بالله الفاطمي وابنه الحاكم بأمر الله ، وقد شجعه الفاطميون على البحث في علم الهيئة والرياضيات فبنوا له مرصدا على صخرة أعلى جبل المقطم، قرب القاهرة وجهزوه بأفضل آلات وأدوات الرصد، وقد رصد بكل نجاح كسوف الشمس وخسوف القمر عام 368 هـ / 978 م. وعلى الرغم أن ابن يونس كان يعمل في مرصد القاهرة باستقلالية تامة عمن عاصروه من الفلكيين، إلا أنه وصل لنفس النتائج التي وصل إليها فلكيو بغداد في أرصادهم مما يؤكد أن علم الفلك كان متقدما في هذه الفترة في كل أرجاء الدولة الإسلامية، إلا أن أعماله الفلكية كانت أول سجل أرصاد دون بدقة علمية ملحوظة، مما جعل فلكيي عصره ومن جاءوا من بعدهم يتخذونها مرجعا يرجعون إليه. وقد كان لابن يونس مجهودات علمية متعددة هي التي أعطته الشهرة العظيمة منها رصده لكسوف الشمس لعامي 368هـ/977 م و 369هـ/978 م، فكانا أول كسوفين سجلا بدقة متناهية وبطريقة علمية بحتة. وقد استفاد منها في تحديد تزايد حركة القمر. كما أنه أثبت أن حركة القمر في تزايد (في السرعة). وصحح ميل دائرة البروج وزاوية اختلاف المنظر للشمس ومبادرة الاعتدالين. وقد أظهر ابن يونس براعة كبرى في حل الكثير من المسائل الصعبة في علم الفلك الكروي، وذلك باستعانته بالمسقط العمودي للكرة السماوية على كل من المستوى الأفقي ومستوى الزوال. كما أن ابن يونس أول من فكر في حساب الأقواس الثانوية التي تصبح القوانين بها بسيطة، فتغني عن الجذور التربيعية التي تجعل الحسابات صعبة. ومن أبرز إنجازاته أيضا، مساهمته في استقلالية علم حساب المثلثات عن الفلك، فاهتم ابن يونس به اهتماما بالغا وبرع فيه. ولقد قام بحساب ج يب الزاوية بكل دقة، كما أوجد جداول للظلال وظلال التمام. كما ابتكر طريقة جديدة سهل بها كل العمليات الحسابية. أما أهم إنجازات ابن يونس العلمية على الإطلاق هو اختراعه الرقاص . وكان قد أمضى معظم حياته في دراسة حركة الكواكب التي قادته في النهاية إلى اختراع الرقاص، الذي يحتاج إليه في معرفة الفترات الزمنية في رصد الكواكب، ثم استعمل الرقاص بعد ذلك في الساعات الدقاقة. وقد ترك ابن يونس عددا من المؤلفات معظمها في الفلك والرياضيات من أهمها كتاب الزيج الحاكمي كتبه للحاكم بأمر الله الفاطمي وهو أربعة مجلدات، وكتاب الظل وهو عبارة عن جداول للظل وظل التمام، وكتاب غاية الانتفاع ويحتوي على جداول عن السمت الشمسي، وقياس زمن ارتفاع الشمس من وقت الشروق وجداول أوقات الصلاة، وكتاب الميل وهو عبارة عن جداول أوضح فيها انحراف الشمس، وكتاب التعديل المحكم وهو معادلات عن ظاهرة الكسوف والخسوف، وكتاب عن الرقاص. كما أن له كتابين آخران أحدهما في التاريخ وهو بعنوان تاريخ أعيان مصر، والآخر في الموسيقى وهو بعنوان العقود والسعود في أوصاف العود.


وفاة قاضي القضاة ابن الزكيّ بدمشق

744 هـ
في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك وكان يوم الأربعاء منه، توفي الشيخ كمال الدين عبد الرحمن إبن قاضي القضاة محيى الدين يحيى إبن مُحَمّد بن عليّ القُرَشي الدمشقي، المعروف بإبن الزَّكي بدمشق، وصُلِّي عليه في الغد عقب صلاة الظهر بالجامع الأموي، ودُفن بجبل قاسيون بسوريا، كان مولده في ليلة السابع عشر من شهر رجب لسنة ثمان وستين وست مائة بالقاهرة، بعد موت أبيه بثلاثة أيام، سمع الحديث وحدّث ودرّس، قال البِرْزَلي: {من أعيان الناس، دَرّس في سبيبته بالعزيزيّة وغيرها ، وهو منفرد بتدريس الكلاسة، وله حَلقة بالجامع، وتصديرٌ ويكتب في الفتاوى، أمَّ مدةً طويلة بمحراب الصَّحابة بالجامع، ثم نُقل إلى المحراب الغربي بالكلاَّسة} أنتهي، وخطب بالشامية البرانيّة.



مل نشر الريح عند هبوبه رسالة مشتاق لوجه حبيبه

بنفسي من تحلى النفوس بقربه ومن طابت الدنيا به وبطي



ابن حجر الهيتمي ينهي شرح الشمائل النبوية:

ومما يذكر في حوادث اليوم الثامن عشر من رمضان انتهاء ابن حجر الهيتمي من شرح كتاب الشمائل النبوية الشهير للإمام الترمذي
قال حاجي خليفة في كشف الظنون (2/1059) :كتاب الشمائل النبوية والخصائل المصطفوية لأبي عيسى محمد بن سورة الإمام الترمذي شرحه الشيخ الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر المكي الهيتمي المتوفى سنة 972هـ، وقرئ عليه في رمضان من نفس العام وأوله وسماه أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل ... أوله:

ـ الحمد لله رب العالمين هذه عجالة علقتها لما قرئ علي في رمضان (أي قرئ كتاب الشمائل للترمذي) سنة 949هـ بحرم مكة المكرمة. وقال في آخره :
فرغت منه لثمانية عشر من رمضان سنة 949هـ ، وكان الابتداء فيه ثالث رمضان من السنة المذكورة.

ترجمة ابن حجر الهيتمي
تأليف : عبد المعز عبد الحميد الجزار .

http://forum.turath.com/files/haetame.rar

والكتاب من نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية .
القاهرة 1401 هـ - 1981 م .
ويقع في 224 صفحة .




تولي ابن الصيرفي للوزارة في مصر:

ومن حوادث هذا اليوم الثامن عشر من رمضان سنة 368هـ تولّى الوزارة (وهذا منصب يساوي اليوم رئاسة الوزراء) للعزيز نزارٍ بن المعز العبيدي الفاطمي صاحب مصر رجلٌ غريب الشأن جداً يعرف بابن الصيرفي

وابن الصيرفي هو يعقوب بن كلّس أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن إبراهيم (وفيات الأعيان 7/29) كان أولاً يهودياً يزعم أنه من ولد هارون بن عمران أخي موسى عليه السلام وقيل : إنه يزعم أنه من ولد السمؤال بن عاديا اليهودي العربي صاحب الحصن المعروف بالأبلق المشهور بالوفاء.

قال ابن خلكان : ولد يعقوب هذا ببغداد، ونشأ بها عند باب القز وتعلم الكتابة والحساب، وسافر به أبوه إلى الشام وأنفذه إلى مصر، فانقطع إلى بعض خواص كافور الأخشيدي، فجعله كافور على عمارة داره، ثم صار ملازماً لباب داره، ثم أجلسه في ديوانه الخاص، وكان يقف بين يديه ويخدم، ويستوفي الأعمال والحسابات ويدخل يده في كل شيء، ثم لم تزل أحواله مع كافور في ازدياد حتى صار الحجاب والأشراف يقومون له ويكرمونه، ولم يكن يبدي طمعاً في المال حتى اطمأن إليه كافور، فأنفذ أمراً إلى سائر دواوينه أن لا يمضي دينار ولا درهم إلا بتوقيعه، وهو (أي ابن الصيرفي) لا يزال على دينه
ثم إنه أسلم سنة 256هـ فازداد رفعة ومقاماً، ثم لما مات كافور قبض الوزير اللاحق ابن الفرات على يعقوب بن كلس وسجنه ، فلم يزل يبذل في الأموال ويسعى حتى أفرج عنه، فسار من فوره إلى بلاد المغرب فقيراً معدماً، فلقي في أفريقية المعز العبيدي، فلحق بركبه ورجع معه إلى مصر، ولم يزل يترقى وهو يخلص في خدمته إلى أن ولي الوزارة للعزيز بالله ابن المعز لدين الله يوم الثامن عشر من رمضان 368هـ، فانثالت الدنيا عليه وأقبل الناس ملازمين بابه، ولم يبق لأحد معه كلام.
نقل ابن خلكان عن بعض المؤرخين قوله : كان يعقوب يحب أهل العلم ويجمع عنده العلماء، ورتب لنفسه مجلساً في كل ليلة جمعة، تحضره القضاة والفقهاء والقراء والنحاة وجميع أرباب الفضائل وأصحاب الحديث.
وكان في داره قوم يكتبون القرآن الكريم، وآخرون يكتبون كتب الحديث والفقه والأدب والطب ويشكلون المصاحف وينقطونها. أي كانت داره أشبه ما تكون بمطبعة للكتب القيمة ومكاناً للبحث العلمي.
وأقام في داره مطابخ لنفسه ولجلسائه، ومطابخ لغلمانه وحاشيته وأتباعه، وكانت مائدته عامرة يومياً، وصنع في داره ميضأة للطهور بثمانية بيوت تختص بمن يدخل داره من الغرباء.
وكان يجلس كل يوم عقب صلاة الصبح، ويدخل عليه الناس للسلام، وتعرض عليه رقاع الناس، بل إن ابن الفرات الذي سجنه من قبل أصبح من حاشيته
وإذا كان ابن خلكان في وفيات الأعيان يمتدحه إلى الغاية التي ما بعدها، فإنه يذكر أن ابن كثير في تاريخ دمشق يذمه ذماً قبيحاً فيقول فيه:
ـ كان يهودياً من أهل بغداد خبيثاً ذا مكر وله حيلة ودهاء، وفيه فطنة وذكاء، أسلم لما طمع في الوزارة. يقال: إنه لما مات رثاه مائة شاعر وأخذت قصائدهم وأجيزوا.


وفاة الخليفة العباسي المعتصم:

وممن توفي في يوم الثامن عشر من رمضان الخليفة العباسي الشهير المعتصم أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد بن المهدي العباسي وله من العمر سبع وأربعون سنة (شذرات الذهب 1/63).
قال ابن العماد : عهد إليه بالخلافة المأمون، وكان أبيض أصهب اللحية طويلها مربوعاً مشرق اللون قوياً إلى الغاية شجاعاً مهيباً، وكان كثير اللهو مسرفاً على نفسه.
وكان يقال له المثمن، لأنه ولد سنة ثمانية ومائة للهجرة، في شهرها الثامن شعبان، وتوفي أيضاً في ثامن عشر من رمضان، وهو ثامن الخلفاء من بني العباس.
وفتح المعتصم ثمان فتوح : عمورية ومدينة بابل ومدينة البط وقلعة الأحراف ومصر وأذربيجان وأرمينية وديار ربيعة ، واستخلف ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام ، وخلف ثمانية بنين وثماني بنات.
وكان له أنفس سبعية إذا غضب لم يبال من قتل ولا ما فعل.
وهو صاحب النخوة التي ضربت مثلاً عندما بلغه أن امرأة شريفة أسرت عند رومي، وأنه لطمها على وجهها.
فصاحت: وامعتصماه.
فقال لها العلج ساخرا : ما يجيء إليك إلا على أبلق. فلما بلغ ذلك المعتصم نادى في عساكره بالرحيل إلى عمورية وأمر العسكر أن لا يخرج أحد منهم إلا على فرس أبلق، فخرجوا معه في سبعين ألف أبلق
فلما فتح الله عليه عمورية دخلها وهو يقول : لبيك لبيك. وطلب العلج صاحب الأسيرة الشريفة، وضرب عنقه وفك قيود الشريفة. . .
ومع كل هذا فقد كان أمياً جاهلاً.


وفاة العالم الإداري ابن السقا:

ومن حوادث اليوم الثامن عشر من رمضان وفاة العالم الفاضل الإداري الناجح ابن السقاء.
جاء في التحفة اللطيفة في أخبار المدينة الشريفة (1/416) : سليمان بن أحمد ابن عبد العزيز علم الدين بن الشيخ شهاب الدين الهلالي المغربي الأصلي المدني. يعرف بابن السقاء، ولد سنة 726هـ درس وتعلم على يد كبار عصره.
وتعلم على يديه الكثير، وقطن المدينة المنورة وكان يباشر الصدقات بها (أي يقبضها ويوزعها) فحمدت سيرته، وكثرت الغلة في مباشرته، قال ابن فرحون: إنه رأسٌ بين إخوانه، كان قارئاً خدوماً للإخوان تولى نظر الأوقاف من النخيل وغيرها فلم ير أحسن منه قياماً بها مع العفة والنصح، وعمر ربطاً كثيرة كانت قد أشرفت على الخراب وقل أن يشبهن أحد من أبناء جنسه في حسن طريقته. أضر قبيل موته بسنين وانقطع (أي أصيب بالعمى).


وفاة الشاعر المطبوع ابن الفضل:

ومن الذين وافاهم الأجل المحتوم وانتقلوا إلى ديار الآخرة ولم يكونوا خاليين عن الذكر والشكر (هبة الله بن الفضل)
قال ابن الجوزي في المنتظم (10/207): ومن حوادث سنة 968 وفاة هبة الله بن الفضل بن عبد العزيز أبو القاسم المتوني القطان، سمع الحديث من أبيه ومن أبي الفضل بن خير وأبي طاهر البقلاوي كان شاعراً مطبوعاً لكنه كان كثير الهجاء متفسخاً ، وله في أول قصيدة :
يا أخي : الشرط أملك لست للثلب أترك
ولما ولي ابن المرخّم القضاء - وكان قاضياً ظالماً - قال ابن الفضل :
يا حزينة الطمي الطمي قد وَلِي ابن المرخّم
بدواته المفضضة ووكيله المكعسم
وَيْ على الشرع والقضا وَيْ على كل مسلم
توفي ابن الفضل يوم السبت ثامن عشر رمضان ودفن بمقبرة معروف.


يوسف بن تاشفين يجمع شمل المسلمين في الأندلس:

في 18 رمضان 484هـ الموافق 1091م استطاع القائد يوسف بن تاشفين أن يجمع شمل المسلمين في الأندلس، ويقضي على التفرقة بين ملوك الطوائف هناك.
عندما تذكر البطولة والشجاعة والأعمال العظيمة فإنه سوف يتبادر إلى ذهن معظم المسلمين عدة أسماء بعينها يحفظونها في كل موطن، فمن الصحابة مثلاً خالد بن الوليد، وحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبى طالب، رضي الله عنهم أجمعين، وينسون أن جيل الصحابة كان في معظمه أبطالاً شجعاناً لا يثبت لهم العدو في القتال فواق ناقة، أما من بعد الصحابة فتجد الناس لا يعرفون إلا صلاح الدين الأيوبي، واسمه يوسف بن أيوب، وسيف الدين قطز، والظاهر بيبرس، ثم تنقطع بعدهم الأسماء ولا يذكرون أحداً غيرهم إلا قليلاً، وذلك على الرغم من أن هناك أبطالاً للمسلمين سجلوا أروع البطولات وقاموا بأعظم الأدوار في حماية الأمة، منهم صاحبنا "يوسف بن تاشفين" الذي أنقذ بلاد المغرب والأندلس من الضياع في فترة بالغة الحساسية، والعجيب أن الشهرة طارت كلها ليوسف الشرق الذي حرر بيت المقدس، والنسيان والإهمال كله كان من نصيب يوسف الغرب الذي كان له الدور الأكبر في إنقاذ دولة الإسلام في الأندلس من السقوط، وأجّل هذا السقوط لأربعة قرون كاملة.
بلاد المغرب الممزقة:
منذ أن انطلقت الحملة الجهادية المباركة لفتح بلاد المغرب العربي وبلاد المغرب الواحدة تلو الأخرى تفتح أمام جيوش الصحابة والتابعين، وقبائل البربر الكبيرة والضخمة تدخل في دين الله أفواجاً تاركة ما كانت عليه من كفر وضلال وعادات عرفيه تحكم حياتهم المظلمة، وأشرقت شمس الهداية على هذه القبائل الوثنية فتبدلت أخلاقهم وقلوبهم وسمت نفوسهم، وظلت بلاد المغرب العربي من ليبيا إلى الأطلسي ولاية تابعة للخلافة الأموية وشطراً من الخلافة العباسية، ثم ظهر الطامعون واستبد المستبدون وقامت عدة دويلات من عباءة الخلافة العباسية منها دولة الأغالبة ودولة الأدارسة ودولة الخوارج والدولة الفاطمية الخبيثة والدولة الرستمية، ولولا ضعف الخلافة العباسية بعد عصر المتوكل ما كان لبعض هذه الدول أن تظهر أو تقوم.
وكانت قبائل البربر هي الضحية الأولى والكبرى لهذا التمزق الذي أصاب هذه البلاد الكبيرة من أمة الإسلام، إذ وجد البربر أنفسهم بعدما كانوا يدينون بالولاء لدولة الخلافة تمزقوا وتشرذموا وتفرقوا بين الدويلات العديدة التي ظهرت في بلادهم، وهذا أدى لتوقف عجلة تعليم البربر أصول الإسلام، فعاد الكثيرون منهم للعادات والأعراف البربرية القديمة وانتشر بينهم الجهل المطبق، ولم يعد لهم نصيب من الإسلام سوى الاسم فقط لا غير، والجميع غارق في الشركيات والضلالات والخرافات.
ظهور حركة المرابطين:
ظلت بلاد المغرب مسرحاً للخلافات الداخلية بين الدويلات القائمة بين بعضها البعض، وظلت قبائل البربر تنحدر في هاوية الجهل والضلال حتى كأنها عادت للجاهلية الأولى، وظل الوضع يسير من سيئ لأسوأ حتى ظهرت حركة المرابطين سنة 434 هجرية ـ 1042 ميلادية على يد فقيه ورع زاهد اسمه "عبد الله بن ياسين" عمل على نشر الدين الصحيح في صفوف البربر، فلم يجد استجابة منهم إلا القليل، فأنشأ رباطاً للعبادة في جزيرة بنهر النيجر، وانقطع فيه للعبادة والعلم هو ومجموعة صغيرة من تلاميذه الذين أخذوا في الازدياد يوماً بعد يوم حتى صاروا عدة آلاف، وعندها قرر "عبد الله بن ياسين" محاربة القبائل البربرية الخارجة عن تعاليم الإسلام، وذلك بمساعدة أمير قبيلة "لمتونة" البربرية وهى إحدى بطون قبيلة صنهاجة" الكبرى الأمير "يحيى بن عمر اللمتونى"، وهكذا أصبحت حركة المرابطين حركة جهادية خالصة تقوم على نشر الإسلام ومحاربة الضلال والشركيات وتوحيد بلاد المغرب من جديد.
في هذه البيئة الجهادية والجو الإيماني وفى رباط نهر النيجر وعلى يد الشيخ الزاهد "عبد الله بن ياسين" ظهر بطلنا صاحب الدور الأروع في هذه الفترة من حياة الأمة "يوسف بن تاشفين اللمتونى"، فقد توفى الأمير [يحيي بن عمر] سنة 447 هجرية، وتولى مكانه أخوه [أبو بكر بن عمر] فواصل عمل أخيه من توحيد البلاد ومحاربة الضالين، وجعل قائد جيوشه ابن عمه الأمير المقدام [يوسف بن تاشفين]، وذلك سنة 448 هجرية، وكان وقتها في الثامنة والأربعين من العمر إذ أنه من مواليد سنة 400 هجرية
يوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين الكبرى:
استشهد "عبد الله بن ياسين" في قتاله ضد قبيلة "براغوطة" الوثنية سنة 451 هجرية ـ 1059 ميلادية، وآلت رياسة حركة المرابطين لأبى بكر بن عمر، الذي واصل السير على نهج ابن ياسين، فافتتح العديد من مدن المغرب وأعادها للإسلام الصحيح، ثم ما لبث أن أضطر للعودة إلى قلب الصحراء للإصلاح بين قبيلتي "لمتونة" و"مسوفة"، وهما عماد حركة المرابطين، وترك قيادة المرابطين لابن عمه وقائد جيوشه "يوسف بن تاشفين"، وذلك سنة 453 هجرية وقد وافق شيوخ المرابطين على هذا الاختيار لما يعلمونه عن يوسف من ديانة وشجاعة وفضل وحزم وعدل وورع وسداد رأى ويمن نقيبة.
عمل "يوسف بن تاشفين" من أول يوم له لقيادة المرابطين على تحويل الحركة المرابطية من حركة جهادية معنية بنشر الإسلام الصحيح إلى دولة كاملة الأركان، متينة الأسس بالمعنى الشامل لمفهوم الدولة، وذلك على أساس الجهاد لنشر الدين ومحاربة المرتدين وتوحيد بلاد المغرب الشاسعة تحت راية دولة واحدة على الكتاب والسنة.
اتبع يوسف بن تاشفين سياسة بارعة في إقامة الدولة، تقوم على تقسيم جيوشه البالغ عددها أربعين ألف مقاتل لعدة أقسام، يوجه كل قسم إلى جزء معين من بلاد المغرب، وشرع في بناء عاصمة للدولة المرابطية، وكانت مدينة "مراكش" الشهيرة هي عاصمة الدولة الجديدة سنة 454 هجرية، ومعناها بلغة قبيلة المصامدة أكثر قبائل المغرب قوة وعدداً وكانوا عماد جيش المرابطين.
واصل يوسف بن تاشفين مشروعه الكبير لتوحيد بلاد المغرب تحت راية واحدة هي الدولة المرابطية، فلم يهنأ براحة ولا عرف دعة أو سكوناً، ولا تنعّم بمأكل أو مسكن رغم اتساع ملكه، فلم يلبس طوال حياته إلا الصوف، ولم يأكل سوى الشعير ولحوم الإبل وألبانها، دائب التفقد لبلاده وثغوره وأحوال المسلمين، لا يحكم إلا بالشرع، وظل يوسف بن تاشفين مجاهداً من أجل تحقيق حلمه منذ سنة 454 هجرية حتى سنة 474 هجرية أي عشرين سنة متصلة حتى أقام بالمغرب دولة واحدة كبيرة ممتدة من تونس شرقاً حتى الأطلنطي غرباً، ومن البحر المتوسط شمالاً حتى ثلث أفريقيا الشمالي تقريباً "حدود مالي وتشاد والنيجر والسنغال"، وقد تم القضاء على سلطان سائر الأمراء المحليين الذين مزقوا المغرب تحت أطماعهم وأهوائهم وحولوها لدويلات ضعيفة هزيلة متفرقة.
بعد أن حقق "يوسف بن تاشفين" مشروعه الكبير بتوحيد بلاد المغرب العربي أشار عليه بعض الناس أن يتخذ سمة الخلافة بحكم أنه أقوى رجل في العالم الإسلامي وقتها وأكثره ملكاً، ولكن البطل رفض ذلك فهو على دين وورع وزهد لا يريد من جهاده دنيا ولا مناصب بل أصر على أن تكون ولايته على بلاد المغرب مدعومة بموافقة الخليفة العباسي وقتها "المستظهر بالله"، الذي أرسل إليه التقليد والعهد بالولاية، وتلقب "يوسف بن تاشفين" من يومها بـ"أمير المسلمين وناصر الدين".
من توحيد المغرب إلى إنقاذ الأندلس:
في الفترة التي كان يعمل فيها يوسف بن تاشفين على توحيد بلاد المغرب الممزقة وإعادة القبائل البربرية للإسلام الحق, كانت دولة الإسلام في الأندلس تمر بمرحلة دقيقة وخطرة في حياتها ووجودها؛ إذ أصابها ما أصاب بلاد المغرب من التشرذم والتفرق ولكن بصورة أكبر وأخطر, وهذه المرحلة المعروفة تاريخيًا بعصر ملوك الطوائف، والتي تحوّلت فيه دولة الإسلام في الأندلس لعدة دويلات صغيرة على رأس كل دويلة منهن أسرة حاكمة يتوارث أبناؤها الحكم والرياسة، وكانت السمة الغالبة لملوك الطوائف هي ضعف الوازع الديني والانغماس في الشهوات والمفاسد والملذات والرتع في الدنيا مع رقة الدين، أضف لذلك كثرة الخلافات الجانبية بين الملوك؛ مما أدى لكثرة القتال الداخلي بينهم على الحدود أو الحصون أو النفوذ، وهذا أدى بدوره لنتيجة في غاية الخطورة وهى تسلط نصارى إسبانيا على مسلمي الأندلس واتساع رقعتهم على حساب دولة الإسلام بالأندلس.
ومع مرور الأيام واتساع الخرق في وضع المسلمين بالأندلس ازداد تسلط النصارى عليهم، وملوك الطوائف بلغ بهم الضعف والهوان لأن يدفعوا الجزية لملك إسبانيا الكبير [ألفونسو السادس] الذي كان يخطط لمشروعه الصليبي الكبير، والذي عرف تاريخياً باسم "حرب الاسترداد"، أي استرداد الأندلس من المسلمين، وقد حقق [ألفونسو السادس] قفزة كبيرة في مشروعه عندما استولى على مدينة (طليطلة) عاصمة إسبانيا القديمة وذلك سنة 476 هجرية، وعندها توجهت القلوب والأنظار كلها نحو عُدْوَة المغرب بحثاً عن المنقذ والمنجد بعد الله عز وجل.
الأمير مستجاب الدعوة:
انهالت الاستغاثات من أهل الأندلس وأيضاً من ملوكها على أمير المسلمين يوسف بن تاشفين الذي هالته الأخبار القادمة من هناك على وضع دولة الإسلام وتسلط الصليبيين على المسلمين، فجمع يوسف الفقهاء ومشايخ المرابطين واستشارهم في ذلك فأجابوه جميعاً بوجوب نصرة المسلمين فأرسل في بلاد المغرب مستنفراً الناس للجهاد في سبيل الله ونجدة الدين.
في أوائل سنة 479 هجرية عبّر أمير المسلمين بجيوشه البحر، وما إن ركب البحر حتى اضطرب وتعالت أمواجه وهدرت منذرة بصعوبة العبور، فنهض الأمير زعيم المرابطين وسط سفينته ورفع يديه إلى السماء مناجياً ربه عز وجل قائلاً: (اللهم إن كنت تعلم أن في جوازنا هذا خيرة للمسلمين، فسهل علينا جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعبه حتى لا أجوزه)، فما كاد أن يتم دعاءه حتى هدأ البحر وسكن الريح وعبرت الأساطيل بسهولة، وهكذا نرى هذا البطل العجوز المجاهد، المتوكل على ربه، المستعين به في الشدائد، ما يكون بينه وبين ربه إلا أن يقول: (يا رب) فيقول المولى عز وجل: (أجبتك عبدي).
بطل الزلاقة:
عبر زعيم المرابطين "يوسف بن تاشفين" بجيوشه الكبيرة المتحمسة للجهاد ضد أعداء الإسلام ونجدة المسلمين، وكان لنزوله على أرض الأندلس رجة كبيرة، إذ أعلن "ألفونسو السادس" هو الآخر النفير العام في صليبي إسبانيا وأوروبا، فجاءه المتطوعون بالآلاف من أنحاء إسبانيا وفرنسا وإيطاليا بعدما استمد المعونة من بابا روما، ولما شعر "ألفونسو السادس" باجتماع قوة كبيرة عنده، أرسل برسالة طويلة للزعيم "يوسف بن تاشفين" يتهدده فيها ويتوعده ويصف له قوة جيوشه وكثرة جنوده، فرد عليه البطل المحنك برسالة مكونة من ثلاث كلمات كان لها وقع الصاعقة على "ألفونسو"، حيث كتب على ظهر رسالته الطويلة: (الذي يكون ستراه)، فارتاع ألفونسو بشدة وعلم أنه بلي برجل له عزم وحزم.
وفى يوم 12 رجب سنة 479 هجرية، وكان يوم جمعة، كانت بلاد الأندلس على موعد مع واحدة من أكبر وأعظم المعارك وواحدة من اللقاءات الحاسمة والمصيرية بين الإسلام والنصرانية، المسلمون من أندلسيين ومغاربة تحت قيادة البطل المجاهد "يوسف بن تاشفين" وقد بلغ الثمانين من العمر، وهو مع ذلك ما زال يجاهد من على صهوة جواده، شاهراً سيفه، محمساً لجنوده، والنصارى من إسبان وطليان وفرنسيين وغيرهم تحت قيادة "ألفونسو السادس" عاهل صليبي إسبانيا، وكانت معركة عارمة قاسية في منتهى العنف، ثبت كلا الفريقين في قتال لا فرار فيه ولكن الخطة الذكية التي وضعها "يوسف بن تاشفين" والتي قامت على استدراج الجيش الصليبي ثم مهاجمة مؤخرة الجيش والنفاذ منها إلى قلب الجيش الصليبي والدفع بكتيبة الحرس الأسود شديدة الشراسة في القتال للقضاء على ما تبقى من مقاومة لدى الصليبيين، وانتهت المعركة بنصر خالد للمسلمين على الصليبيين، وذلك كله بفضل الله عز وجل ثم القيادة البارعة والحكيمة للبطل العجوز "يوسف بن تاشفين".
مصيبة البطل:
بعد النصر العظيم الذي حققه أمير المسلمين "يوسف بن تاشفين" على صليبي إسبانيا في الزلاقة كان من المقرر أن يواصل الفتح حتى يستعيد مدينة "طليطلة" العريقة، ولكنه وفى نفس يوم الفتح والنصر العظيم بالزلاقة والبطل في قمة سعادته بنصر الإسلام والمسلمين، إذ بالخبر المفجع يقطع سعادته ويبدد فرحه، إذ جاءه خبر وفاة ولده الأكبر وولي عهده الأمير "أبى بكر"، وقد تركه أميراً على بلاد المغرب.
وبعد مجيء هذا الخبر المفجع اضطر "يوسف بن تاشفين" أن يعود إلى المغرب ليضبط البلاد؛ حتى لا تضطرب بعد وفاة أميرها، فعاد إليها بعد أن ترك حامية مرابطية تقدر بثلاثة آلاف مقاتل تحت تصرف ملك إشبيلية "المعتمد بن عباد"، وبذلك توقفت سيرة فتح المرابطين والتقط الصليبيون أنفاسهم بعودة "يوسف بن تاشفين" إلى المغرب.
صرخات أندلسية:
بعد أن قام أمير المرابطين بمهمته المقدسة في نجدة المسلمين بالأندلس عاد إلى بلاده ومكث بها عدة شهور، ولكنه ما لبث أن جاءته رسائل استغاثة من أهل شرق الأندلس خاصة من أهل بلنسية ومرسية ولورقة الذين وقعوا تحت تهديد النصارى، ولقد علم المسلمون بالأندلس أنه لا ناصر لهم ولا منقذ لهم بعد الله عز وجل إلا الأمير المجاهد "يوسف بن تاشفين" فأرسلوا إليه بصرخاتهم وهم يعلمون أنه لن يتخلف أبداً عن نجدتهم.
عاد "يوسف بن تاشفين" بجيوشه للأندلس في شهر ربيع الأول سنة 481 هجرية وأرسل إلى ملوك الطوائف يطلب منهم الاستعداد للجهاد، وكان الهدف تطهير منطقة شرق الأندلس من التهديدات الصليبية، ولكن اختلف أمراء الطوائف فيما بينهم وكثرت شكاواهم من بعضهم البعض، بل وصل الأمر أن تعاون بعضهم في السر مع "ألفونسو السادس"؛ من أجل إفشال هذه الحملة المباركة، وهذه الأمور أغضبت أمير المرابطين "يوسف بن تاشفين" الذي ساءه ضعف الوازع الديني لدى هؤلاء الأمراء الذين يفترض فيهم أن يكونوا أغيّر الناس على المسلمين وحرماتهم، وقرر "يوسف بن تاشفين" العودة إلى بلاد المغرب ولكنه كان يضمر شيئاً آخر.
أعظم أعمال البطل:
عاد "يوسف بن تاشفين" إلى المغرب سنة 482 هجرية، وقد اطلع أكثر فأكثر على أحوال الأندلس وأمرائها، ومن خلال النظرة الثاقبة للبطل المحنك الذي جاوز الثمانين، قرر "يوسف بن تاشفين" القيام بأعظم أعماله على الإطلاق وهو إسقاط دولة ملوك الطوائف الهزيلة وتوحيد الأندلس تحت راية واحدة قوية تماماً مثلما فعل من قبل ببلاد المغرب الممزقة.
ولكن ما هي البواعث التي حملت "يوسف بن تاشفين" على اتخاذ هذا القرار الكبير الخطير؟
(الباعث الأول والأهم): الحفاظ على دولة الإسلام في الأندلس وإنقاذها من المحو والضياع، فلقد تأثر "يوسف بن تاشفين" منذ البداية بما شهده من اختلال أمراء الطوائف وضعف عقيدتهم، وانهماكهم في الترف والفسق، ورتعهم في الشهوات، وما يقتضيه ذلك من إرهاق شعوبهم بالمغارم الجائرة، وأدرك "يوسف" أن هذه الحياة الماجنة والعابثة التي انغمس فيها رؤساء الأندلس قد أثرت على شعوبهم فاقتدوا بهم وعمت الميوعة والترف حياة سائر الأندلسيين، وأن هذا الترف والنعومة هي التي قوضت منعتهم، وفتت في رجولتهم وعزائمهم وقعدت بهم عن متابعة الجهاد ومدافعة العدو المتربص بهم على الدوام، وأن الشقاق الذي استحكم بينهم ولم ينقطع حتى بعد الزلاقة، سوف يقضى عليهم جميعاً، وإذا تركت الأمور في مجراها فلسوف يستولي الصليبيون على الأندلس كلها ويعيدونها نصرانية مرة أخرى.
(الباعث الثاني): وهو إستراتيجي تكتيكي يكشف عن عقلية عسكرية متقدمة وفائقة عند أمير المرابطين "يوسف بن تاشفين"، وهو في حالة سقوط الأندلس فسوف تمتد الأطماع الصليبية لعُدْوَة المغرب، والأندلس بالنسبة للمغرب بعداً إستراتيجياً دفاعياً في غاية الأهمية، وهذه فطنة غابت عن حكام المسلمين اليوم، وهم يتركون مكرهين أو راضين بلاد العراق وأفغانستان تسقط لقمة سائغة بيد الصليبيين، وقد كشفت الأيام عن خطورة هذا الترك، فها هي أمريكا تتهدد سوريا وتعد مشروعاً كبيراً لاحتلالها والبقية تأتي، فيا ليتنا نقرأ التاريخ لنستفيد من تجارب السابقين.
وفى أوائل سنة 483 هجرية بدأ البطل العجوز في أعظم أعماله وإنجازاته:
توحيد الأندلس وإزاحة دولة الطوائف الذليلة الخانعة
فهل يدري المسلمون ما فعله أمراء الطوائف؟
ما فعلوه يؤكد على صدق توقع "يوسف بن تاشفين" وصدق عمله وأهمية وضرورة ما سيقدم عليه، لقد قام أمراء الطوائف بالتعاون والاتفاق مع زعيم الصليبيين "ألفونسو السادس" على حرب المرابطين، إخوانهم المسلمين، وذلك نظير أموال طائلة وبلاد ومدن وحصون يؤدونها إلى هذا العدو الصليبي، فهل يصلح هؤلاء الطغاة للبقاء، ولقد استفتى "يوسف بن تاشفين" علماء زمانه أمثال الغزالي والطرطوشي وغيرهم فيما هو سيقدم عليه، فأجاب الجميع بوجوب قيامه بإزاحة ملوك الطوائف، بل إن علماء الأندلس وفقهاءها كتبوا بنفس المعنى ليوسف بن تاشفين.
وظل أمير المجاهدين يعمل على إزاحة ملوك الطوائف وإعادة الأندلس دولة واحدة من سنة 483 حتى سنة 495 هجرية تقريباً أي اثنتي عشرة سنة متواصلة من العمل الدءوب لاستئصال هذا الورم السرطاني من جسد الأمة حتى تم له ذلك، واستقبلت الأندلس عهداً جديداً من القوة والوحدة، وانقمع الصليبيون حيناً من الدهر.
ولم يؤثر المجاهد الكبير، الذي أصبح على مشارف المائة، أن ينهي حياته بلا جولة جديدة مع كبير صليبي إسبانيا "ألفونسو"، وأراد أن يفتح مدينة "طليطلة" العريقة، فالتقى معه في معركة قوية سنة 491 هجرية وهزمه هزيمة فادحة، حطم بها قواه لفترة طويلة، ولكنه لم يفتح "طليطلة" للأسف الشديد، ثم آثر أن يولي ابنه وولي عهده من بعده الأمير "علي" إمارة الأندلس للتأكد من سلامة الأوضاع فيها.
رحيل البطل:
وفى 1 محرم سنة 500 هجرية أي وهو في المائة من العمر، قرناً كاملاً من الزمان، رحل البطل، وترجّل الفارس الشجاع، وموحد الأمة بعد أن أتم أمير المرابطين عمله الذي عاش وجاهد من أجله، ووحد بلاد المغرب والأندلس تحت راية واحدة، وأعاد الإسلام الصحيح بربوع المغرب، وأزال الظلمة والطواغيت والمتسلطين على رقاب العباد، وصد الصليبيين عن مسلمي الأندلس، وأوقف حرب الاسترداد الإسبانية فترة من الزمان، ورفع شأن المسلمين بالمغرب في الوقت الذي كانت أمة الإسلام بالمشرق تعانى من الضعف ومن التفرق، وقد سقط بيت المقدس بيد الصليبيين، ولو قُدّر أن يكون "يوسف بن تاشفين" بأرض المشرق لتغيرت مسيرة الحملات الصليبية تماماً.
ولربما تغيّرت الأمور كلها هناك لما يحمله هذا الرجل من مشروع كامل وقوي لوحدة المسلمين وإقامة الدولة الإسلامية على أساس الكتاب والسنة.
فرحمة الله الواسعة على هذا البطل المنقذ الذي حفظ الله عز وجل به أمة الإسلام في جزء كبير من أرضها وتاريخها.
(مفكرة الإسلام)


نهاية دولة المرابطين في المغرب

في 18 رمضان عام 539هـ، كانت نهاية دولة المرابطين في المغرب العربي، وقيام دولة الموحدين، فعندما اشتد الصراع بين (المرابطين) بقيادة تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين والموحدين- بقيادة عبد المؤمن بن علي- حصل قتال ومطاردة بين الجيشين، وقتل تاشفين بعد أن هوى من فوق الصخرة، فقطع الموحدون رأسه وحملوه إلى (تينمل) مركز الدعوة الموحدية، وكان هذا الحادث هو نهاية دولة المرابطين في المغرب، علمًا بأن المرابطين ولوا بعد تاشفين أخاه إسحاق الذي لم يكن له أي أثر في التاريخ فيما بعد.

نشأت دولة المرابطين فى القرن الخامس الهجرى خارج نطاق المغرب بشمالى أفريقيا، ولكن القبائل التى أنشأتها هى قبائل صنهاجة المغربية التى تتزعمها قبيلة جدالة، ورئيسها يحيى بن إبراهيم بن قرغوت الجدالى الذى ذهب إلى الحج، وهناك قابل أحد الدعاة وطلب منه الذهاب معه لتعليم القبائل الصنهاجية الإسلام، وكان هذا الداعية هو عبد الله بن ياسين الجدولى. وصل عبد الله بن ياسين إلى مناطق قبائل صنهاجة يعلمهم الإسلام، فلقى نجاحًا كبيرًا فى قبيلة لمتونة، واستطاع تكوين جماعة سميت المرابطين؛ نظمهم للجهاد فى سبيل الله. وبدأ المرابطون من عام (447هـ) الجهاد فى سبيل الله، وفتح بعض بلاد المغرب بقيادة أبى بكر بن عمر وابن عمه يوسف بن تاشفين وهو الذى قاد الحركة المرابطية منذ ذلك الحين، وأسس الدولة الكبرى فى المغرب أولاً، ثم اتجه إلى يوسف بن تاشفين إلى المعتمد بن عباد لينقذ ابن تاشفين وحقق جيش المرابطين نصر ملوك الطوائف بالزلاقة ودعاهم إلى الوحدة والتآلف لمواجهة النصارى.
عبر يوسف بن تاشفين النجدة للمرة الثانية؛ فعبر الأندلس، وهناك لم يأت إليه من المعتمد بن عباد صاحب مرسية، وبعد أن تمكنوا من صد غارات النصارى عاد الأندلس وهو يضمر فى نفسه شيئًا ليوسف بن تاشفين للمرة الثالثة إلى طليطلة، ولم يأت أحد من طليطلة؛ ففك الحصار، ورأى أن يعزل غرناطة فاستولى عليها، وجعلها مركز المرابطين فى دول الطوائف لتنصهر جميعًا تحت لواء المرابطين. وفى عام (500هـ) توفى يوسف بن تاشفين تولى بعده ابنه على بن يوسف حتى عام (537هـ). وبعد فترة غير قليلة من انتهاء حكم على بن يوسف بدأ الضعف يدب فى أوصال دولة المرابطين، إذ بدأ يتوالى على الحكم أمراء ضعاف النفوس، لم يستطيعوا الحفاظ على دولة المرابطين فى وجه حملة دولة الأندلس، فما أن وافت سنة (540هـ) حتى انتهى ملك المرابطين وتم خضوع الموحدين.


مذابح المستعمر الهولندي ضد الشعب الأندونيسي

1245 هـ
في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك بدأت المذابح الهولنديّة للشعب الأندوسي، دخل المسلمون الأوائل جزر أندونيسا للتجارة في القرن الخامس عشر الميلادي، وسرعان ما أنتشر الإسلام وأصبح الديانة العامة هناك، في القرن السادس عشر الميلادي، ولما سيطر البرتغاليون على شبه جزيرة مالقه، الواقعة في ماليزيا حالياً، هددوا جزر أندونيسيا، وخاصة جزيرة سومطرة، لكن احتلال أسبانيا للبرتغال أفقدها مستعمراتها، وخاصة في أندونيسيا، جاء بعد ذلك الهولنديون وهزموا الأسبان احتلوا أندونيسيا وأسّسوا شركة شرق الهند الهولندية، واستمرت في استعمارها لإندونيسيا حتى احتلت فرنسا بقيادة نابليون بونابرت هولندا عام 1795 للميلاد، واحتلت بريطانيا جزيرة جاوه الإندونيسية عام 1811 للميلاد، بعد أن هزمت فرنسا ثم استعادتها هولندا، فثار شعب أندونيسبا ثورة كبرى كان من نتيجتها أن قام الهولنديون بقتل الأهالي خلال شهر رمضان المُبارك وهم صائمون، وأستمر القتل مدة خمسة سنوات، حتى سيطرة هولندا تماماً على أندونيسيا بعد قتل مائتي ألف مسلم.


الجيش الروسي ينسحب من رومانيا

1249 هـ
الجيش الروسي ينسحب من رومانيا بعد 5 سنوات ونصف من الاحتلال، وكانت رومانيا تتبع في تلك الفترة الدولة العثمانية، لكن الروس احتلوها أثناء حربهم مع العثمانيين عام 1828م.


الجيش العثماني يدخل حلب

1256
الجيش العثماني يدخل مدينة حلب في سوريا بعد طرد الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا من بلاد الشام، بعد معاهدة لندن في يوليو 1840 التي نصت على إخلاء والي مصر محمد علي باشا لبلاد الشام وعودة الدولة العثمانية للسيطرة عليها.


ولادة العلامة عبد الحيّ بن فخر الدين الحُسَني

1286
أبصر النور في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك العلاّمة الشريف عبد الحيّ بن فخر الدين الحُسَني، مؤرخ الهند الكبير، وأمين ندوة العلماء العام بلَكْنَوْ ، وهو صاحب كتاب {نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواَظر}، يتضمن تراجم علماء الهند وأعيانها من القرن الأول إلى القرن العاشر، طُبع في ثماني مجلدات في بلاد الهند ثلاث مرات، ثم طبعته دار إبن حزام في لبنان في ثلاث مجلدات ضخمة سنة 1420 هجري الموافق للعام الميلادي 1999.



اندلاع أعمال عنف بين الهندوس والمسلمين في مدينة كالكوتا الهندية:

في 18 من رمضان 1365 هـ الموافق 16 من أغسطس 1946م: اندلعت أعمال عنف بين الهندوس والمسلمين في مدينة كالكوتا الهندية وامتدادها إلى عدد من المدن الأخرى، واستمرت الاشتباكات 3 أيام، أسفرت عن سقوط 7 آلاف قتيل.


إشتعال الحرب الأهلية في طاجيكستان

1413
في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك، اشتعلت الحرب الأهلية في طاجستان، وطاجكستان بلد إسلامي في وسط آسيا، احتلته الدولة الروسية القيصرية في منتصف القرن التاسع عشر، وأستمر حكم الروس لهذا البلد بعد قيام اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، عانى خلالها أهل طاجكستان من السيطرة الشيوعية وسياسة محو الأديان، وعندما تفككت عرى الاتحاد السوفيتي استقلت طاجكستان، غير أن سيطرة الشيوعيين لم تنتهي بعد، فقام عدد من المقاتلين بمحاولة للإعلان عن الجمهورية الإسلامية رسمياً، نتج عن الصراع السياسي المسلح بين الشيوعيين والإسلاميين مقتل عشرات من السكان وتهجير مئات الآلاف منهم عام 1993، إذ دخل شهر رمضان بعد ذلك والمسلمون في صراع دموي حول السيطرة على العاصمة بين الشيوعيين والمسلمين الراغبين بالحرية الدينية.



___
 

الداعية

مراقبة قديرة سابقة وعضو شرف
عضو شرف
11 نوفمبر 2005
19,977
75
48
الجنس
أنثى
رد: مفكرة رمضان التاريخية.. يومـًأ بيوم

ماشاء الله مجهود مبارك اخي هاني ولا حرمت الجنة
10689186zv5.gif
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
19 رمضان

19 رمضان



وفاة والي مصر أيوب بن شرحبيا

101 هـ

كان أمير مصر وواليها في عهد عمر بن عبد العزيز، أهتم بإصلاح أمور مصر كافة، وقام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأغلق جميع الحانات وأهتم بتحسين أحوال الناس المعيشيّة، وسار في الناس سيرة حسنة، تدل على خشيته لله وصدقه في العمل.

وتولى مصر فى عهد الدولة الأموية 25 ولياً وهم :
- عمرو بن العاص . وليها للمرة الثانية من قِبل معاوية فى ربيع الأول 38 هـ / أغسطس 659 م . وظل والياً عليها إلى أن توفى بها ليلة عيد الفطر 43 هـ / يناير 664 م .
- عتبة بن أبى سفيان بن حرب وليها من قِبل أخيه معاوية وقدمها فى ذى الحجة 43 هـ / مارس 664 م وتوفى فى الاسكندرية فى ذى الحجة 44هـ / مارس 665 م .
- عقبة بن عامر الجهنى .. ويكنى أبا عباس وأبا حماد وليها من قِبل معاوية 44 هـ / 665 م . وخلعه عنها فى ربيع الاول 47 هـ / مايو 667 .
- مسلمة بن مخلد الانصارى وليها من قِبل معاوية فى ربيع الاول 47 هـ / 667 م وتوفى وهو والٍ عليها فى رجب 62 هـ / ابريل 682 م . فكانت ولايته عليها خمس عشرة سنة تقريبا .
* توفى معاوية بن ابى سفيان فى رجب 60 هـ / ابريل 682 م وخلفه ابنه يزيد بن معاوية فى منصب أمير المؤمنين .

وتولى مصر فى عهده :
- سعيد بن يزيد بن علقمة الأزدى تولى مصر من رمضان 62 هـ / مايو 682 م الى ان وثب عليه الخوارج فاعتزل فى شعبان 64هـ - 684 م . ودعا عبد الله بن الزبير الى نفسه.
- عبد الرحمن بن عتبه بن حجدم الفهرى وليها من قِبل عبدالله بن الزبير فى شعبان 64 هـ / مارس 684 م .
- بُويع مروان بن الحكم بالشام فى ذى القعدة 64 هـ - يونيو 684 م أميراً للمؤمنين وسار بجيشه الى مصر لقتال عبد الرحمن بن عتبة بن جحدم واصطلحوا معه وأمنهم مروان ودخل مصر فى جمادى الأول 65 هـ / ديسمبر 684 م . ؤأقام فى مصر شهرين ثم ولى عليها ابنه عبد العزيز .
- عبد العزيز بن مروان بن الحكم ويكنى أبا الاصبع وليها من قِبل ابيه فى رجب 65 هـ / فبراير 685 م. وأقره عليها أخاه عبد الملك عندما تولى إمارة المؤمنين... توفى عبد العزيز وهو والٍ عليها فى جمادى الأولى 86 هـ / مايو 705 م .
وكانت ولايته عشرين سنة وعشرة أشهر وأياما .
* توفى مروان بن الحكم فى رجب سنة 65 هـ / فبراير685 م وبُويع لإمارة المؤمنين ابنه عبد الملك بن مروان .

وتولى مصر فى عهده :
- عبدالله بن عبدالملك بن مروان بن الحكم . ويكنى أبا عمر وليها من قِبل أبيه أمير المؤمنين فى جمادى الآخرة 86 هـ / يونيو 705 م وأقره عليها أخاه الوليد بن عبد الملك عندما تولى إمارة المؤمنين وعزل بعد ثلاث سنين وشهور من ولايته فى 90 هـ / 709 م .
وكان عبدالله أول من أمر الدواوين فإنسلخت بالعربية وكانت تكتب حتى عهده بالقبطية .
* توفى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فى شوال 86 / سبتمبر 705 م وبُويع الوليد بن عبد الملك أميراً للمؤمنين .

وتولى مصر فى عهده :
- قرة بن شريك العبسى وليها من قِبل الوليد بن عبد الملك فى ربيع الأول 90 هـ / يناير 709 م . وتوفى وهو والٍ عليها فى ربيع الأول 96 هـ / نوفمبر 714 م .
- عبد الملك رفاعة الفهمى . وليها من قِبل الوليد فى ربيع الأول 96 هـ / 714 م حتى عُزل عنها فى ربيع الأول 99 هـ / أكتوبر 717 م .
* توفى أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك فى جمادى الآخرة 96 هـ فبراير 715 م . واستخلف سليمان بن عبد الملك الذى توفى فى نفس السنة وبُويع عمر بن العزيز بن مروان أميرآً للمؤمنين .

وتولى مصر فى عهده :
- أيوب بن شرحبيل . وليها من قِبل عمر بن عبد العزيز فى ربيع الأول 99 هـ / اكتوبر 717 م وتوفى وهو والٍ عليها فى رمضان 101 هـ / مارس 720 م .
* توفى أمير المؤمنين عمر بن العزيز فى رجب 101 هـ / يناير 720 م واستخلف يزيد بن عبد الملك .

وتولى مصر فى عهده :
- بشر بن صفوان الكلبى - وليها من قِبل أمير المؤمنين يزيد فى رمضان 101 هـ / مارس 720 م ... ثم ورد اليه كتاب يزيد بتأميره على افريقيا فخرج اليها فى شوال 102 هـ / ابريل721 م واستخلف على مصر أخاه حنظلة .
- حنظلة بن صفوان الكلبى . وليها باستخلاف أخيه ثم إقرار يزيد وصرف عنها فى شوال 105 هـ / مارس 724 م .
* توفى يزيد بن عبد الملك فى شعبان 105 هـ / يناير 724 م وبُويع هشام بن عبدالملك أميراً للمؤمنين .

وتولى مصر فى عهده :
- محمد بن عبدالملك بن مروان . من قِبل أخيه هشام . دخل مصر والياً فى شوال 105 هـ / مارس 724 م . ومكث بها شهراً واحداً فقط وخرج منها هارباً من وباء ولجأ الى الأردن .
- الحر بن يوسف وليها من قِبل هشام امير المؤمنين فى ذى الحجة 105 هـ / مايو 742 م .. واستمر واليا حوالى ثلاث سنوات ثم كتب الحر الى هشام يستعفى من ولاية مصر فصرفه هشام فى ذى القعدة 108 هـ / مارس 727 .
-عبد الملك بن رفاعة الفهمى . وليها للمرة الثانية وقدمها فى محرم 109 هـ / ابريل 727 م ، كانت ولايته لمدة خمسة عشر يوماً ومات .
- الوليد بن رفاعة بن ثابث الفهمى وليها من قِبل هشام وقدمها فى سنة 109 هـ / ابريل 727 م . وتوفى وهو والٍ عليها فى جمادى الآخرة سنة 117 هـ / يونيو 735م . فحكم مصر حوالى تسع سنوات .
- عبد الرحمن بن خالد الفهمى ولى مصر من قِبل أمير المؤمنين هشام فى جمادى الآخرة 117 هـ / يونيو 735 وعزل بعد عدة شهور .
- حنظلة بن صفوان الكلبى وليها للمرة الثانية وقدم فى محرم 119 هـ / يناير 737م .. ثم ورد كتاب هشام بولاية حنظلة على افريقيا وأمره بأن يستخلف على مصر وخرج حنظلة من مصر فى ربيع الآخر 124 هـ / فبراير 741 م وكانت مدة ولايته حوالى خمس سنوات .
- حفص بن الوليد بن يوسف الحضرمى . وليها باستخلاف حنظلة ثم بإقرار أمير المؤمنين هشام فى شعبان 124 هـ / يونيو 741 م وبعد حوالى ثلاث سنوات كتب الى مروان يستعفيه فأعفاه مروان .

* توفى أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك فى ربيع الآخر 125 هـ - فبراير 742 م. واستخلف الوليد بن يزيد بن عبد الملك الذى قُتل فى جمادى الآخرة 126 هـ / مارس 743 م ، وبُويع ابنه يزيد ولكنه توفى فى ذى الحجة من نفس السنة سبتمبر 743 وبُويع أخوه ابراهيم بن الوليد لمدة شهرين ثم خلعه مروان بن محمد الحكم فبُويع فى صفر 127 هـ / نوفمبر 743 م .

وتولى مصر فى عهده :
- حسان بن عتاهية تولى مصر من قِبل أمير المؤمنين مروان بن محمد بن الحكم وقدم فى جمادى الآخرة سنة 127 هـ / مارس 744 م . ولكن حسان خرج من مصر هارباً بُناء على طلب أهلها بعد ستة عشر يوماً فقط من وصوله.
- حفص بن الوليد بن يوسف الحضرمى للمرة الثانية من جمادى الآخرة 127 هـ / مارس 744 م الى محرم 128 هـ / اكتوبر 745 م.
- الحوثرة بن سهيل الباهلى وليها من قِبل مروان بن محمد قدمها فى محرم 128 هـ / أكتوبر 745 م ، ثم صرف عنها فى جمادى الأولى 131 هـ / يناير 749 م .
- المغيرة بن عبيد الفزارى . وليها من قِبل مروان . وقدمها فى رجب 131 هـ / فبراير 749 م . وتوفى فى جمادى الأولى 132 هـ / ديسمبر 749 م .
- عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير من قِبل مروان في جمادى الاخرة 132 هـ / يناير 750م
* قُتل أمير المؤمنين مروان بن محمد فى بوصير فى ذى الحجة 132 هـ / أغسطس 750 م (آخر الأمويين بالشام) .



وفاة المؤرخ إبراهيم بن القاسم

425 هـ

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك الموافق للثامن والعشرين من شهر تموز للعام الميلادي 1034، رحيل إبراهيم الرقيق، هو إبراهيم بن القاسم، المعروف بالكاتب الرقيق الشاعر المؤرخ، ولد بتونس في القيروان، وبها نشأ وتفقه وتولّى الكتابة الخاصة لثلاثة أمراء صنهاجيين، المنصور وباديس والمعّز، وكُلّف بالسفارات المهمة إلى الخلافة الفاطمية في مصر،له تصانيف كثيرة في علم الأخبار والأدب، تدل على تمكنه وطول باعه، وكانت له عناية بالفنون، لاسيما بالأنغام والألحان، وضع كتاباً خاصاً عنوانه {كتاب الأغاني}، نحى فيه منحى أبي الفرج الأصبهاني، من مؤلفاته: {أنساب البربر} {تاريخ أفريقية والبربر} {الروح والأرتياح} {فتوح أفريقية} وكتاب {نظم السلوك في مسايرة الملوك}.


وفاة الملك المظّفر تقي الدين الأيوبي

587 هـ

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك المصادف ليوم الجمعة في العاشر من شهر تشرين الأول للعام الميلادي 1191، رحل الملك المظّفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، كان عزيزاً على عمّه السلطان صلاح الدين الأيوبي، استتابه بمصر وغيرها من البلاد، ثم أقطعه حماه ومدناً كثيرة، كان مع عمه حين فُتحت عكا، توفي اليوم وحملت جنازته حتى دفن بحماه، وله هناك مدرسة كبيرة، وكذلك له بدمشق مدرسة مشهورة، وقد أقام بالمُلك بعده ولده، المنصور ناصر الدين مُحَمّد}، فأقره السلطان صلاح الدين الأيوبي على ذلك بعد جهد جهيد ووعد ووعيد.

ولقب صلاح الدين بالملك الناصر وعاد إلى دار أسد الدين فأقام بها، وثبت قدم صلاح الدين ورسخ ملكه.
وأرسل صلاح الدين يطلب من نور الدين أن يرسل إليه إخوته فلم يجبه إلى ذلك وقال أخاف أن يخالف أحد منهم عليك فتفسد البلاد، ثم إن الإفرنج اجتمعوا ليسيروا إلى مصر فسير نور الدين العساكر وفيهم إخوة صلاح الدين منهم شمس الدولة توران شاه بن أيوب، وهو أكبر من صلاح الدين.
و ذكر ابن الأثير ما حدث من الوحشة بين نور الدين وصلاح الدين باطنا فقال: وفي سنة 567هـ حدث ما أوجب نفرة نور الدين عن صلاح الدين وكان الحادث أن نور الدين أرسل إلى صلاح الدين يأمره بجمع العساكر المصرية والمسير بها إلى بلد الإفرنج والنزول على الكرك ومحاصرته ليجمع هو أيضا عساكره ويسير إليه ويجتمعا هناك على حرب الإفرنج والاستيلاء على بلادهم فبرز صلاح الدين من القاهرة في العشرين من المحرم وكتب إلى نور الدين يعرفه أن رحيله لا يتأخر وكان نور الدين قد جمع عساكره وتجهز وأقام ينتظر ورود الخبر من صلاح الدين برحيله ليرحل هو فلما أتاه الخبر بذلك رحل من دمشق عازما على قصد الكرك فوصل إليه وأقام ينتظر وصول صلاح الدين إليه فأرسل كتابه يعتذر فيه عن الوصول باختلال البلاد المصرية لأمور بلغته عن بعض شيعة العلويين وأنهم عازمون على الوثوب بها وأنه يخاف عليها مع البعد عنها فعاد إليها فلم يقبل نور الدين عذره، وكان سبب تقاعده أن أصحابه وخواصه خوفوه من الاجتماع بنور الدين فحيث لم يمتثل أمر نور الدين شق ذلك عليه وعظم عنده وعزم على الدخول إلى مصر وإخراج صلاح الدين عنها.
ووصل الخبر إلى صلاح الدين فجمع أهله وفيهم والده نجم الدين أيوب وخاله شهاب الدين الحارمي ومعهم سائر الأمراء وأعلمهم ما بلغه عن عزم نور الدين على قصده وأخذ مصر منه واستشارهم فلم يجبه أحد منهم بشيء فقام تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين وقال إذا جاء قاتلناه وصددناه عن البلاد ووافقه غيره من أهله فشتمهم نجم الدين أيوب وأنكر ذلك واستعظمه وكان ذا رأي ومكر وعقل وقال لتقي الدين اقعد وسبه وقال لصلاح الدين أنا أبوك وهذا شهاب الدين خالك أتظن أن في هؤلاء كلهم من يحبك ويريد لك الخير مثلنا فقال لا فقال والله لو رأيت أنا وهذا خالك شهاب الدين نور الدين لم يمكنا إلا أن نترجل له ونقبل الأرض بين يديه ولو أمرنا أن نضرب عنقك بالسيف لفعلنا فإذا كنا نحن هكذا كيف يكون غيرنا وكل من تراه من الأمراء والعساكر لو رأى نور الدين وحده لم يتجاسر على الثبات على سرجه ولا وسعه إلا النزول وتقبيل الأرض بين يديه وهذه البلاد له وقد أقامك فيها وإن أراد عزلك فأي حاجة له إلى المجيء يأمرك بكتاب مع نجاب حتى تقصد خدمته ويولي بلاده من يريد وقال للجماعة كلهم قوموا عنا ونحن مماليك نور الدين وعبيده يفعل بنا ما يريد فتفرقوا على هذا وكتب أكثرهم إلى نور الدين بالخبر.
ولما خلا أيوب بابنه صلاح الدين قال له أنت جاهل قليل المعرفة تجمع هذا الجمع الكثير وتطلعهم على ما في نفسك فإذا سمع نور الدين أنك عازم على منعه عن البلاد جعلك أهم الأمور إليه وأولاها بالقصد ولو قصدك لم تر معك أحدا من هذا العسكر وكانوا أسلموك إليه وأما الآن بعد هذا المجلس فسيكتبون إليه ويعرفونه قولي وتكتب أنت إليه وترسل في المعنى وتقول أي حاجة إلى قصدي يجبي نجاب يأخذني بحبل يضعه في عنقي فهو إذا سمع هذا عدل عن قصدك واستعمل ما هو أهم عنده والأيام تندرج والله في كل وقت في شأن والله لو أراد نور الدين قصبة من قصب سكرنا لقاتلته أنا عليها حتى أمنعه أو أقتل ففعل صلاح الدين ما أشار به والده فلما رأى نور الدين الأمر هكذا عدل عن قصده وكان الأمر كما قال نجم الدين أيوب وتوفي نور الدين ولم يقصده وهذا كان من أحسن الآراء وأجودها.




مقتل الشيخ شهاب الدين أبو شامة

665 هـ

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك المصادف ليوم الثلاثاء قي الرابع عشر من شهر حزيران للعام الميلادي 1267، قُتل الشيخ شهاب الدين أبو شامة، الشيخ الإمام العالِم الحافظ المُحدّث الفقيه المؤرخ، شيخ دار الحديث الأشرفيّة، ومدرّس الركنيّة، وصاحب المصنفات العديدة والمفيدة، له {اختصار تاريخ دمشق} في مجلدات كثيرة، وله {شرح الشاطبيّة}، كانت وفاته بسبب محنة حيكت ضده، وأرسلوا إليه من أغتاله وهو بمنزل له بطواحين الأشنان، قالت جماعة من أهل الحديث وغيرهم، إنه كان مظلوماً، ولم يزل يكتب في التاريخ حتى وصل شهر رج من هذه السنة، فذكر أنه أصيب بمحنة في منزله، وكان الذين حاولوا قتله جاءوه قبل فضربوه ليموت، فلم يمت، فقيل له: ألا تشتكي عليهم، فقال:
قلتُ لمنْ قالَ ألا تشتكي ما قد جرى فهوَ عظيمٌ جليل
يقيض الله تعالى لنا من يأخذ الحق ويشفي العليل
إذا توكلنا عليهِ كفــى فحسينا اللهُ ونعمَ الوكيــل



تولي السلطان برقوق الحكم في مصر

784 هـ

وذلك بعد فترة قلاقل واضطرابات، وهو يعد مؤسس دولة المماليك الثانية التي تُذكر في كتب التاريخ بدولة المماليك البرجية الجراكسة. كان والد برقوق صبى مسيحي (المماليك) أشتراه تجار الرقيق من بلاد الشراكسة ليبيعوه في أسواق مصر ، حيث أن مصر أصبحت تستورد هذا النوع من العبيد لشراهة كل أمير من المماليك لتقوية حزبه بشراء أكبر عدد من الصبية لتدريبهم على القتال والانتماء إليه ، فأشترى الأمير يلبغا ولد برقوق سنة 1364 م ، وأجبره على ترك الديانة المسيحية واعتناق الإسلام ولأنه عبد فليس له حرية الاعتقاد ، وكان له أبن أسمه برقوق أدهش يلبغا بجماله وذكائه ونشاطه ، فأرسله لأحدى دور التعليم الإسلامي في مصر فبرع في الفقه وسائر العلوم الإسلامية ، فرقاه إلى درجة أمير .
وحدث انه عندما قتل المماليك سيد والده قد وصل الأمير برقوق إلى درجة كفاءة وامتياز ومهارة في القيادة بين المماليك فزجه قاتلوا يلبغا في السجن مع باقي أصحابه من حراس ومماليك يلبغا وكان من أخص أصحابه بركه بعدنان ، وتخلص الأمير برقوق من سجنه وهرب منه بحيلة ، وذهب إلى دمشق وخدم عن منجك حاكم دمشق حتى استدعاه الملك الأشرف إلى مصر قبل مقتله وعينه قائد فرقة من المماليك ، وبعد قتل الملك الأشرف ظل برقوق يخدم أبن الأشرف بأمانه وإخلاص ليسد جميل أبوه واستولى على منصب الوصي وكان هذا هدفه الذي يحقق طموحه في حكم البلاد .
وتوفى أبن الملك الأشرف في ربيع أول 783 هـ بعد أن حكم أربع سنوات وأربعة أشهر، وكان الأمير برقوق أميناً في خدمته . وبايع المماليك أخى الملك المتوفى وأسمه زين الدين خاجي وكان عمره ست سنوات وجلس على عرش الحكم سنتين ويقول بعض المؤرخين أن مده حكم هذا الملك سنة ونصف وكان يحكم حكما أسميا لأن الوصاية كانت وما زالت في يد الأمير برقوق .
وسئم برقوق أن يكون هو الحاكم الفعلي تحت أمره ملك أو سلطان طفل ، وطمع الأمير برقوق في الحكم
وفى 19 رمضان سنة 784 هـ خلع الأمير برقوق الملك زين الدين ونفاه ، وأصبح برقوق الملك والحاكم الفعلي للبلاد رسميا في سنة 1382 م الموافقة 784 هـ ووافق الأمراء والخليفة العباسي المتوكل بالله المقيم في القاهرة على تنصيب الأمير برقوق ملكا أو سلطانا على مسلمي مصر.
وكان الصالح الثالث آخر من حكم مصر من سلالة قلاون رأس دولة أو عصر المماليك الأولى المسماة بالبحرية أو التركمانية وحكمت مصر سنة حوالي مائة ثلاثين سنة.وفى بداية حكم الملك برقوق هاجم ملك التتار تيمور لنك الغازي الشهير حدود سوريا بهدف غزوها والاستيلاء عليها فأعد الملك برقوق جيشاً كبيراً من مصر وانضم إليه الحاميات العسكرية في الشام ، وأوقف تقدم التتار بقيادة تيمور لنك ولم يرجع حتى أنتصر عليه .
وعندما رجع إلى مصر واجهته مشكلة داخلية ، فقد وصلته معلومات أن الخليفة العباسي المتوكل بالله المقيم في القاهرة كان يدعوا الأمراء ويتفق معهم سراً لخلعه ، فأحضر برقوق المشايخ والأئمة والعلماء وخلعوا جميعا الخليفة المتوكل في سنة 778 هـ وأمر برقوق بسجنه في القلعة وأعلن بلاد الخلافة الإسلامية بخلعه ، وبايعوا شخصا آخر أسمه عمر أخا إبراهيم وأسموه بالخليفة الواثق فلم يعيش إلا سنة واحده ثم توفى سنة 778 هـ ونصب برقوق بدلاً من الخليفة المتوفى يحيى بن ذكريا عمر أبن عم الخليفة المستنصر لكنه لم يكن راضياً عن الخليفة الجديد. وندم برقوق على خلع الخليفة المتوكل وسجنه فأخرجوا المتوكل من السجن وأراد الملك برقوق إعادته إلى الخلافة ورد شرفه إليه ولكن الخليفة المتوكل لم ينسى إساءة السلطان برقوق فلم يقبل دعوته للخلافة. وتواطأ المتوكل مع أحد أمراء المماليك وأسمه مناطش فخلعوا الملك برقوق بموافقة بقية الأمراء ومستشاري الدولة ومشايخها بعد أن حكم ست سنوات وسبعة أشهر وبضعة أيام وسجنوه في قلعة الكرك. ولم يحدث في الملك برقوق اضطهادا إلا هذه الحادثة ، وهو أن أحد أمراء المماليك لشدة تعصبه أمر بهد كنيسة قبطية كان الأقباط يصنعون فيها خمر التقديس المعروف عند الأقباط بالأباركة والذين يستعملونه في الكنائس ، فاستولى ذلك الأمير على 40 ألف جرة من الخمر وأمر بكسرها عند باب زويلة في الميدان تحت القلعة وسكب الخمر احتراما للشريعة الإسلامية التي يعتقد هذا الأمير اعتقادا خاطئاً أن الشريعة الإسلامية أنها تحرمها ولكن القرآن لم يحرمها ولكنه أمر فقط بتجنب شربها. وطرح في المجلس الأعلى المكون من تسعه اضطهاد الأقباط ، ولكن برقوق كان أعقل من أن يوافق على مشروع يفرق البلاد ويجعلها فوضى ، كما أنه أعتبرها خرقا للمبادئ الحكومية الدستورية ، وقام بإصدار أمراً يعتبر أغرب أمر صدر في تاريخ الإسلام وهو أنه أمر يقتل رجل أعلن إعتناقة الإسلام بعد أن ترك المسيحية .
وبينما هو منشغل بإصلاح البلاد وإقامة المشروعات أصيب بهبوط في القلب ومات في يوم الجمعة 15 شوال سنة 801 هـ وكان قد بلغ من العمر 60 سنة .


معركة بحرية بين أسطول العرب العمانيين والأسطول البرتغالي

1211 هـ

ي 19 رمضان 1121هـ الموافق 30 نوفمبر 1806م جرت معركة بحرية بين أسطول العرب العمانيين والأسطول البرتغالي، تراجع فيها الأسطول العربي إلى رأس الخيمة.

ان الاكتساح البرتغالي لعمان ودول الخليج الأخرى أدى إلى سقوط الأنظمة المنهارة التي لم تستطع إيقاف ومقاومة ذلك الاكتساح ، مما أدى بالتالي إلى ظهور حركات شعبية وتحركات سياسية ثورية أدت إلى الإطاحة بالأنظمة القديمة ، وقيام دول وإمارات جديدة أخذت على عاتقها محاربة الغزاة ، كما حدث في سقوط دولة بني نبهان في عمان وقيام الدولة اليعربية التي سيقدر لإبطالها أن يستأصلوا شأفة الاستعمار الأوربي في الخليج وأفريقيا . وكما حدث أيضاً من ظهور أحلاف عشائرية وتجمعات سياسية لها صفة شبة رسمية كإمارات على خريطة المنطقة كزعامة آل بوفلاح على بني ياس في أمارة الظفرة التي هي إمارة أبوظبي الآن . وكذلك ظهور الزعيم كايد ابن عدوان ( ويسمى كايد بن حمود أيضاً ) ومعه الحلف القاسمي في جلفار التي هي رأس الخيمة الآن وامتداد حلف القواسم على طول الساحل العربي إلى الشارقة .
وظهور تجمع عشائر النعيم في المنطقة بقيادة الفخذ الحاكم آنذاك وهم آل بو شامس وظهور بقية الزعامات والإمارات لتمثل القيادات الشابة الرائدة لجيل ما بعد الاستعمار البرتغالي إي عهد الاستقلال .
ولذلك فأننا سنبتديء هنا في أخبار العام 1507 الميلادي وهو العام الذي نزلت فيه قوات أوربية برتغالية لأول مرة في التاريخ على أرض عمان والساحل العربي في الخليج .
ولا بد قبلها من ذكر الأسباب والموجبات التي أدت بالبرتغاليين أن يحتلوا المنطقة ، ففي عام 1492 الميلادي سقطت مملكة غرناطة العربية بيد الأسبان ، وقد فكر البرتغاليون بأنهم إذا التفوا بحرا حول أفريقيا فإنهم سيصلون إلى الهند ، وإنهم بذلك يحققون هدفين في آن واحد ، هدف تجاري بترويج بضائعهم واستعمارهم لأمم وشعوب أخرى ، أما الهدف الأخر فكان دينيا وهو التبشير بالمسيحية وتطويق العالم الإسلامي بنشر المسيحية في الشرق الأدنى والهند .
وفي يوم 8 تموز سنة 1497 الميلادي أبحر الملاح البرتغالي فاسكو دي غاما من البرتغال والتف بسفنه حول الرجاء الصالح ووصل إلى ساحل أفريقيا الشرقي ، وأرست سفنه مراسيها في سواحل غينيا الحالية في موانئ كيلوا وممباسة وغيرهما ، وهناك كان فاسكو دي غاما يقف حائرا لا يعرف كيف يتوجه بسفنه إلى الهند ولا حتى أين تقع الهند ، إلا انه لم يترك الوقت يمر سدى فلقد لاحظ ان البضائع الهندية تغمر المنطقة كلها وان التجار العرب والسفن العربية يجولون البحار ، وراح يضع الخطط والدراسات الاقتصادية عن الفوائد التي ستجنيها البرتغال إذا ما تمكنت من السيطرة على المنطقة ، ثم انصرف إلى التبشير بالمسيحية في أوساط الناس هناك وبلغ به التعصب أنه أمسك بسفينة عربية تقل مائتي حاج في طريقهم إلى مكة فأمر بعودتها بعد أن أحرق قبطانها وهو حي .
وتشاء الأقدار ان تنقذ فاسكو دي غاما من حيرته عندما التقى ببحار عربي كان يمتلك سفينة ويتاجر بالبضائع بين موانئ الشرق الأقصى والهند والخليج العربي فسواحل أفريقيا ، وكان ذلك البحار هو شهاب الدين أحمد بن ماجد السعدي النجدي المعروف بابن ماجد المولود في جلفار رأس الخيمة . وفي ممباسه كان ابن ماجد يطلع دي غاما على مخطوطاته في علم البحار وأراجيزه وقصائده في وصف المسالك والطرق وخرائط البحار . ثم شاهد دي غاما مخترعات ابن ماجد البحرية فاعجب به وطلب إليه ان يكون دليله في رحلته إلى الهند ففعل . ووصل البرتغاليون إلى الهند ولما عاد فاسكو دي غاما إلى لشبونة قدم تقريره إلى الملك مانويل الأول ملك البرتغال الذي قرر ان يسيطر على تجارة الهند وفارس وبلاد العرب وذلك بالسيطرة على مداخل البحر الأحمر وشواطئ أفريقيا الشرقية ثم الموانئ العربية الجنوبية وإحكام السيطرة على هرمز بعد ذلك ، فأصدر تعليماته إلى أحد قواده المسمى فرانسيسكو دي الميدا بالتوجه إلى الهند واحتلال موقع متقدم في سواحلها الغربية المواجهة لبحر العرب والسواحل العربية فقام دي الميدا باحتلال مدينة ( غاوا ) الهندية .
وفي عام 1506 الميلادي شبت ثورة قام بها الهنود ضد دي الميدا ويقال ان هذه الثورة تمت بمساعدة السلطان سليم الأول سلطان تركيا وان عناصر من الخليج العربي قد ساعدت في الثورة المذكورة ، فلما وصلت أنباء الثورة إلى مسامع الملك البرتغالي قرر أن يرسل نجدة إلى دي الميدا فاختار القائد ( افونسو دي البوكيرك ) الملقب بالعظيم .
وكان من جملة الأوامر المعطاة إليه هي احتلال عمان والسيطرة على هرمز ومن ثم السيطرة على الموانئ العربية على الخليج ، فإحكام القبضة على مدخل الخليج العربي .
وهكذا ففي أوائل عام 1507 الميلادي أبحر ( البوكيرك ) بخمس سفن حربية حمولة كل واحدة منها مائة مدفع وعدد كبير من جنود المشاة وجنود البحرية وغيرهم . وعندما وصلت الحملة إلى عمان قرر البوكيرك ان يهاجم ميناء قريات أولا ، ولما كان الميناء المذكور يقع في مواجهة جزر كوريا موريا فان البوكيرك توقف هناك وباغت 14 سفينة عربية وقام بتدميرها ثم اتجه نجو جزر كوريا موريا وباغت أيضاً جزءا من الأسطول الإيراني هناك فدمره ، ثم توجه نحو مسقط فدخلها وانتشرت قواته إلى صحار ، وقد ارتكب البوكيرك أبشع مجزرة في ميناء خورفكان فعندما وصلت سفنه إلى هناك وقفت بمواجهة الساحل ولاحظ البوكيرك أن أعدادا غفيرة من السكان قد تجمعت على الشاطئ وعليها مظاهر الحركة والمقاومة فقرر ان يوفد رسولا منه إليهم بالتسليم صباح الغد وبعكسه فانه سيقصف المدينة . وما أن انبلج صباح اليوم الثاني حتى لاحظ القائد البرتغالي المظاهر المسلحة على الشاطئ كما لاحظ ان جماعات كبيرة من الفرسان والهجانة قد احتشدوا هناك ، كما رصد ان هناك تحصينات على سور المدينة وان مجموعات من المسلحين قد اتخذت مواضع دفاعية لها في الجبال المحيطة بخورفكان ، وحوالي الظهر باشر عرب المنطقة بقرع الطبول وإنشاد أهازيج الحرب ، فأمر البوكيرك مدفعية السفن بفتح النيران على الحشود المجتمعة وكذلك على أسوار المدينة .
وبعد قصف رهيب من مئات المدافع البرتغالية نزل الجنود واقتحموا المدينة وهم يقتلون كل من يصادفونه واستبيحت المدينة لمدة يومين كاملين ، وفي اليوم الثالث نزل البوكيرك من على ظهر السفينة فوجد ان هناك عددا كبيرا من الأسرى لازالوا أحياء من جملتهم أحد أمراء الجبور من حكام المنطقة وأوشك البوكيرك أن يصدر أوامره بإعدام كافة سكان المدينة لولا تدخل الأمير العربي الذي حاجج البوكيرك وأهدى إليه كتابا بالفارسية للشاعر نظام وعنوانه ( اسكندر ناماه ) فعفا عنه البوكيرك وعفا عن أفراد الشعب ولكنه أمر بجدع أنوفهم وأذانهم . ثم التفت إلى المدينة وأمر بإخلائها من السكان ثم احرق جميع مبانيها . وفي الطريق إلى هرمز كتب افونسو البوكيرك وهو يصف مدينة خورفكان قائلا : " إنها مدينة واسعة وبلدة ذات مساكن جميلة جدا ، يعيش فيها عدد من التجار الهنود من بلدة كجرات الهندية ، وهم ميسورو الحال ، وفي وسط المدينة يوجد إسطبل كبير للخيول . أما ضواحي المدينة ففيها مساكن مبنية بالحجر الصوان وتكثر حولها مزارع البرتغال والليمون والتين وجميع أنواع النخيل .
وهكذا ترك هذا السفاح ورائه تلك المدينة الجميلة باعترافه هو نفسه وقد احترقت وأنتنت من جثث القتلى وتشوهت إشكال رجالها المجدوعي الأنوف والأذان .
وبينما كان البوكيرك في طريقه لاحتلال هرمز كانت قوة برتغالية قد وصلت إلى الساحل الإفريقي بقيادة البدرو الفايرز كابرال ، وأكملت احتلال الساحل الإفريقي واتخذت من ممباسه قاعدة لها .
وفي جزيرة هرمز الواقعة في أول أبواب الخليج كان الحاكم هناك الشيخ سيف الدين الذي فوجئ بالهجوم البرتغالي عليه فهرب إلى داخل إيران فدخلها البوكيرك وبنى قلعة تسيطر على المدخل تماما وأسماها ( نوسا سينورا دي فكتوريا ) والى عام 1515 الميلادي كان البرتغاليون قد مدوا سيطرتهم إلى البحرين وساحل قطيف الذي كان تحت سيطرة ضباط برتغاليين أيضاً .
ولكن ما أن حل عام 1522 الميلادي حتى حدثت أول ثورة خليجية ضد السلطة البرتغالية إذ اتفق أهل الخليج عربا وفرسا على القيام بالثورة فكانت هرمز أحد مراكز الثورة ، حيث اتفق احد الأمراء الفرس مع الأميرين العمانيين محمد بن مهنا الهديفي وعمير بن حمير على التنفيذ وقاما بالاتصال مع زعيم القطيف ، وكان الأمير مقرن بن أجود بن زامل الجبري للتنسيق معه وإعلان الثورة . وفي الثلاثين من شهر نوفمبر اندلعت الثورة الخليجية ، إلا انه يبدو أن التنسيق كان مفقودا بين رجال الثورة إذ اختلف ثوار عمان مع ثوار هرمز فتشتت شمل ثوار هرمز والقي القبض على محمد بن مهنا وأعدم في بلدة صحار ، أما ثائر القطيف الأمير مقرن فقد تم إعدامه في الإحساء أيضاً . وهكذا أحكمت البرتغال قبضتها على المنطقة وبقى الشعب في حيرة ينتظر المنقذ ... فمن عساه يكون .. ؟
من ناحية أخرى كانت الخلافة الإسلامية قد انتقلت إلى استانبول بيد بني عثمان الأتراك ، واهتم الأتراك بصفتهم حماة الإسلام بأمر الخليج العربي الذي يزرح تحت وطأة الاستعمار البرتغالي . كما ان الشاه إسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية في فارس قد ظهر في ذلك الوقت إلا انه لم يحدث تنسيق بين الدولتين المسلمتين العثمانية التركية والصفوية الفارسية لتوحيد الصفوف لمقاومة الاحتلال البرتغالي في الخليج .
ومرت السنون وكان كل ما فعلته تركيا هي أنها أوعزت إلى أحد ضباط بحريتها وأسمه ( بيري بيك رئيس ) وكان يشغل منصب قبودان مصر ، أي قائد القوات البحرية في مصر أن يتوجه إلى مسقط لضرب البرتغاليين هناك ، وعلى الرغم من أن بيري بيك توجه إلى مسقط وتمكن من احتلالها إلا إن ذلك كان لفترة قصيرة إذ انسحب بعدها بدون أن تؤثر تلك العملية على استراتيجية المنطقة أو تخفف من النفوذ البرتغالي .




تأسيس جامعة الزيتونة

1375 هـ

في 19 من رمضان 1375 هـ الموافق 30 إبريل 1956م أصدرت الحكومة التونسية قرارًا بأن يكون جامع الزيتونة جامعة مختصة بالعلم وأن تسمى الجامعة الزيتونية وأصبحت بها خمس كليات.

كان جامع الزيتونة محور عناية الخلفاء والأمراء الذين تعاقبوا على أفريقية ، إلا أن الغلبة كانت للبصمات الأغلبية ولمنحى محاكاته بجامع القيروان وقد منحته تلك البصمات عناصر يتميز بها إلى اليوم.
وتتمثل أهم هذه العناصر في بيت صلاة على شكل مربع غير منتظم وسبع بلاطات مسكبة معمدة تحتوي على 15مترا مربعا وهي مغطّاة بسقوف منبسطة. وقد اعتمد أساسا على الحجارة في بناء جامع الزيتونة مع استعمال الطوب في بعض الأماكن.
وتتميّز قبّة محرابه بزخرفة كامل المساحة الظاهرة في الطوابق الثلاثة بزخارف بالغة في الدقة تعتبر الأنموذج الفريد الموجود من نوعه في العمارة الإسلامية في عصورها الأولى.
ومثلما اختلف المؤرخون حول باني المسجد الجامع ، فقد اختلف الرواة حول جذر تسميته ، فمنهم من ذكر أن الفاتحين وجدوا في مكان الجامع شجرة زيتون منفردة فاستأنسوا بها وقالوا : أنها لتؤنس هذه الخضراء وأطلقوا على الجامع الذي بنوه هناك اسم جامع الزيتونة

أول جامعة اسلامية
لم يكن المعمار وجماليته الاستثناء الوحيد الذي تمتّع به جامع الزيتونة ، بل شكّل دوره الحضاري والعلمي الريادة في العالم العربي والإسلامي إذ اتخذ مفهوم الجامعة الإسلامية منذ تأسيسه وتثبيت مكانته كمركز للتدريس وقد لعب الجامع دورا طليعيا في نشر الثقافة العربية الإسلامية في بلاد المغرب وفي رحابه تأسست أول مدرسة فكرية بإفريقية أشاعت روحا علميّة صارمة ومنهجا حديثا في تتبع المسائل نقدا وتمحيصا ومن أبرز رموز هذه المدرسة علي ابن زياد مؤسسها وأسد بن الفرات والإمام سحنون صاحب المدوّنة التي رتبت المذهب المالكي وقننته
وكذلك اشتهرت الجامعة الزيتونية في العهد الحفصي بالفقيه المفسّر والمحدّث محمد بن عرفة التونسي صاحب المصنّفات العديدة وابن خلدون المؤرخ ومبتكر علم الاجتماع.
وقد تخرّج من الزيتونة طوال مسيرتها آلاف العلماء والمصلحين الذين عملوا على إصلاح أمّة الإسلام والنهوض بها. إذ لم تكتف جامعة الزيتونة بأن تكون منارة تشع بعلمها وفكرها في العالم وتساهم في مسيرة الإبداع والتقدم وتقوم على العلم الصحيح والمعرفة الحقة والقيم الإسلامية السمحة، وإنما كانت إلى ذلك قاعدة للتحرّر والتحرير من خلال إعداد الزعامات الوطنية وترسيخ الوعي بالهوية العربية الإسلامية ففيها تخرج المؤرخ ابن خلدون وابن عرفة وإبراهيم الرياحي وسالم بوحاجب ومحمد النخلي ومحمد الطاهر ابن عاشور صاحب تفسير التحرير والتنوير، ومحمد الخضر حسين شيخ جامع الأزهر ومحمد العزيز جعيط والمصلح الزعيم عبد العزيز الثعالبي وشاعر تونس أبو القاسم الشابي صاحب (ديوان أغاني الحياة ( والطاهر الحداد صاحب كتاب (امرأتنا في الشريعة والمجتمع) وغيرهم كثير من النخب التونسية والمغاربية والعربية
لقد تجاوز إشعاع جامعة الزيتونة حدود تونس ليصل إلى سائر الأقطار الإسلامية ولعلّ المفكر العربي الكبير شكيب ارسلان يوجز دور الزيتونة عندما اعتبره إلى جانب الأزهر والأموي والقرويين أكبر حصن للغة العربية والشريعة الإسلامية في القرون الأخيرة
لقد مرّت الآن أكثر من 1300سنة على قيام جامع الزيتونة والذي شهد ومنذ بنائه تحسينات وتوسعات وترميمات مختلفة بدءا من العهد الأغلبي حتى الوقت الحالي، ومرورا بالحفصيين والمراديين والحسينيين، وهم آخر ملوك تونس قبل إقرار النظام الجمهوري لذلك حافظ هذا الجامع باستمرار على رونقه ليبقى في قلب كل المناسبات، وليكون شاهدا على تأصل تونس في إسلامها منذ قرون وقرون.
ومع دوره كمكان للصلاة والعبادة كان جامع الزيتونة منارة للعلم والتعليم على غرار المساجد الكبرى في مختلف أصقاع العالم الإسلامي، حيث تلتئم حلقات الدرس حول الآئمة والمشايخ للاستزادة من علوم الدين ومقاصد الشريعة وبمرور الزمن أخذ التدريس في جامع الزيتونة يتخذ شكلا نظاميا حتى غدا في القرن الثامن للهجرة عصر ( ابن خلدون) بمثابة المؤسسة الجامعية التي لها قوانينها ونواميسها وعاداتها وتقاليدها ومناهجها وإجازاتها، وتشدّ إليها الرحال من مختلف أنحاء المغرب العربي طلبا للعلم أو للاستزادة منه.
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
20 رمضان

20 رمضان



فتح مكة المكرمة:

من حوادث اليوم العشرين من رمضان فتح مكة المكرمة سنة ثمان للهجرة على يد النبي صلى الله عليه وسلم
وذلك أن قريشاً نقضت العهد الذي بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعانت بكراً على خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، على خلاف ما اتفقت عليه وتعهدت به، فلما بلغ الخبرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتجهز، وكتم أمره عن قريش حتى يفاجئها فلا تقاوم، رغبة منه صلى الله عليه وسلم بتجنب سفك الدماء في الحرم.
واستنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع من أسلم من القبائل فجمع بذلك جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل توجه به إلى مكة وقد كان خروجه من المدينة لعشر من رمضان سنة (8).

ولكنها لم تتوقع أن يهاجم مكة ويقصدها، لذلك بقيت بلا استعداد حقيقي مناسب، حتى حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وأمر أصحابه في الليل أن يوقد كل امريء منهم ناراً.
وكانت قريش تنتظر رداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم على غدرها ليدخل الرعب في قلوب المشركين ، وفعلاً فقد ارتاعت قريش وأسقط في يدها، فعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاصر مكة فلم تستطع حراكا.
وقبيل دخول جيش المسلمين مكة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي:
ـ من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل الحرم فهو آمن ومن أغلق بابه دونه فهو آمن.
ثم تحرك جيش المسلمين نحو مكة، فدخلها من طرفيها، ولم يلق مقاومة تذكر
والتقى طرفا الجيش الإسلامي في صحن الطواف في المسجد الحرام حول الكعبة، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت، ودخل الكعبة فصلى فيها، ثم خرج فوقف على باب الكعبة وقريش تنظر إليه بم يأمر فيها فقال:
ـ يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟؟
قالوا: خيراً. أخ كريم وابن أخ كريم!!
قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء.!!
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تزال الأصنام من الحرم ، وأن يصعد بلال فوق الكعبة ويؤذن وقال:
ـ لا هجرة بعد الفتح.
وبفتح مكة سقطت دولة الشرك في جزيرة العرب واستعاد المسجد الحرام مكانته، وتبوأ الإسلام سدة الحكم.
وقد ذكر بعضهم أن فتح مكة كان قبل العشرين من رمضان، لكن الأشهر ما ذكرناه.











بناء مسجد القيروان:

في العشرين من شهر رمضان 51هـ الموافق 29 سبتمبر 671م بني مسجد القيروان على يد عقبة بن نافع رضي الله عنه.

تعتبر القيروان من أقدم وأهم المدن الإسلامية، بل هى المدينة الإسلامية الأولى في منطقة المغرب ويعتبر إنشاء مدينة القيروان بداية تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في المغرب العربي، فلقد كانت مدينة القيروان تلعب دورين هامين في آن واحد، هما: الجهاد والدعوة، فبينما كانت الجيوش تخرج منها للغزو والفتح، كان الفقهاء يخرجون منها لينتشروا بين البلاد يعلِّمون العربية وينشرون الإسلام.
فهي بذلك تحمل في كلّ شبر من أرضها عطر مجد شامخ وإرثا عريقا يؤكده تاريخها الزّاهر ومعالمها الباقية التي تمثل مراحل هامة من التاريخ العربي الإسلامي.
لقد بقيت القيروان حوالي أربعة قرون عاصمة الإسلام الأولى لإفريقية والأندلس ومركزا حربيّا للجيوش الإسلامية ونقطة ارتكاز رئيسية لإشاعة اللغة العربية .
وعندما تذكر القيروان يذكر القائد العربي الكبير عقبة بن نافع وقولته المشهورة عندما بلغ في فتوحاته المحيط الاطلسي وهو يرفع يده الى السماء ويصرخ بأعلى صوته : "اللهم اشهد أني بلّغت المجهود ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد من دونك".
تقع القيروان في تونس على بُعد 156 كم من العاصمة تونس.
وكلمة القيروان كلمة فارسية دخلت إلى العربية، وتعني مكان السلاح ومحط الجيش أو استراحة القافلة وموضع اجتماع الناس في الحرب. .
**اختيار موقع القيروان***
يعود تاريخ القيروان إلى عام 50هـ / 670 م، عندما قام بإنشائها عقبة بن نافع. وكان هدفه من هذا البناء أن يستقر بها المسلمون، إذ كان يخشى إن رجع المسلمون عن أهل إفريقية أن يعودوا إلى دينهم. وقد جمع عقبة بن نافع بعد وانتهائه من بناء مدينة القيروان وجوه أصحابه وأهل العسكر فدار بهم حول مدينة القيروان، وأقبل يدعو لها ويقول في دعائه: اللهم املأها علما وفقها ، وأعمرها بالمطيعين والعابدين، واجعلها عزا لدينك وذلا لمن كفر بك، وأعز بها الإسلام.

فلما أرسى عقبة بن نافع قواعد مدينته الجديدة، لم يكن يدري وهو يدعو ربّه ليمنعها من جبابرة الأرض ويملأها فقهاً وعلماً ويجعلها عزّاً للإسلام أيّ مصير تخبِّئه لها الأيام، إلا أنه استراتيجياً كان موفَّقاً في اختياره، فالقيروان توجد على مسيرة يوم من البحر الذي كان البيزنطيون يسيطرون على عبابه، وهي تبعد بمثل ذلك عن الجبال، حيث كانت آنذاك تعتصم القبائل البربرية المناوئة للإسلام، وتمثل القاعدة المحدثة رأس الحربة وسط خط المواجهة المتخذ بين المسلمين والبيزنطيين، بعد انهزام ملكهم جرجير في سبيطلة أمام جيوش معاوية بن حديج سنة 45هـ ، 665م وتراجع سلطانهم وانحصاره في شمال البلاد.
بجانب ذلك فالقيروان في منبسط من الأرض مديد يسمح باستنفار الفرسان في غير صعوبة ، وقد كانت الخيل قوام جيش المسلمين في جُلّ معاركهم وحروبهم المصيرية ، وقد راعى عقبة في اختياره لموقع مدينته الجديدة تقريبها من السبخة حتى يوفّر ما تحتاجه الإبل من المراعي، وتسمية القيروان تستجيب للغرض الأصلي من تأسيسها فهي كلمة معرَّبة عن اللغة الفارسية وتعني المعسكر أو القافلة أو محط أثقال الجيش.
ولا ريب أن مختلف الحملات والغزوات التي سبقت بناء القيروان كانت تمر بالموقع، وتتّفق المصادر على أن معاوية بن حديج قد عسكر خلال إحدى حملاته الثلاث على إفريقيّة بالموضع المعروف بالقرن على بعد عشرة كيلومترات شمال غربي القيروان، كما تذكر كتب الطبقات أن الصحابي أبا زمعة البلوي قد استشهد خلال غزوة معاوية بن حديج الأولى العام 34هـ ، 654م وهو محاصر لجلولة، فأُخذ ودُفن بموضع القيروان
**المكانة العلمية للقيروان ***
كانت القيروان أولى المر اكز العلمية في المغرب يليها قرطبة في الأندلس ثم فاس في المغرب الأقصى ولقد قصدها أبناء المغرب وغيرها من البلاد المجاورة. وكان مسجد عقبة الجامع ومعه بقية مساجد القيروان تعقد فيه حلقات للتدريس وأنشئت مدارس جامعة أطلقوا عليها (دور الحكمة). واستقدم لها العلماء والفقهاء ورجال الدعوة من الشرق فكانت هذه المدارس وما اقترن به إنشاؤها من انصراف القائمين عليها للدرس والبحث عاملا في رفع شأن لغة القرآن الكريم لغة العرب وثقافتهم.
ولقد كان للقيروان دور كبير في نشر وتعليم الدين وعلومه بحكم ما علق على هذه المدينة من آمال في هداية الناس وجلبهم إلى إفريقية وهي نقطة هامة لاحظها الفاتحون منذ أن استقر رأيهم على إنشاء مدينة القيروان، فعندما عزم عقبة بن نافع ومن معه على وضع محراب المسجد الجامع فكروا كثيرا في متجه القبلة، وراقبوا طلوع الشمس وغروبها عدة أيام. وقال له أصحابه: إن أهل المغرب يضعون قبلتهم على قبلة هذا المسجد فأجهد نفسك في تقويمه. واجتهد عقبة بن نافع. وكان موفقا في اجتهاده. وأصبح محراب القيروان أسوة وقدوة لبقية مساجد المغرب الإسلامي بمعناه الواسع حتى إن محمد بن حارث الخشني بعد أن قدم من القيروان إلى سبتة وشاهد انحراف مسجدها عن قبلة الصلاة عدله وصوبه.
وفي عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (99-101هـ / 717 -720م) أراد تثقيف أهل المغرب وتعليمهم أمر دينهم فجعل من مدينة القيروان مركزا للبعثة العلمية المكونة من عشرة أشخاص من التابعين فأرسلهم إلى إفريقية حيث انقطعوا إلى تعليم السكان أمور الدين، ومات غالب أفراد البعثة في مدينة القيروان نفسها.
وهكذا أصبحت مدينة القيروان مركزا للعلم في المغرب الإسلامي حتى كانت مفخرة المغرب. ومنها خرجت علوم المذهب المالكي، وإلى أئمتها كل عالم ينتسب وكان قاضي القيروان يمثل أعلى منصب ديني في عموم البلاد المغربية، وإليه المرجع في تسمية قضاة مختلف الجهات.
و أسهمت القيروان في عهد الأغالبة في نشر المذهب المالكي في أرجاء الدولة الأغلبية، ومنها انتشر في صقلية والأندلس. وقد تم ذلك على يد الإمام سحنون (160-240هـ / 777 -855م)، وأقرانه وتلاميذه. فهؤلاء كانوا يلتزمون المذهب المالكي، إذ أنهم كانوا يذهبون لأداء فريضة الحج، ثم يلزمون الإمام مالك بن أنس في المدينة المنورة، فتأثروا بفقهه. وقد ولي سحنون قضاء القيروان (234-240هـ / 848 -854 م)، فكان صاحب النفوذ الأكبر لا في شئون القضاء فحسب، بل في جميع شئون الدولة. ولما عاد سحنون من المدينة المنورة كان قد وضع أسس الكتاب الذي دونه ويسمى المدونة التي أصبحت قاعدة التدريس في المغرب الأدنى، ومن هناك انتقلت إلى الأندلس.
وكانت الكتب الفقهية التي ألفها علماء القيروان ابتداء من كتاب المدونة لصاحبه الفقيه الكبير سحنون والذي أصبح مرجعا دينيا لرجال القيروان، إلى رسالة ابن أبي زيد ونوادره وزياداته إلى تهذيب أبي سعيد البراذعي، كانت هذه الكتب وأمثالها عمدة الدارسين والشراح والمعلقين لا يعرفون غيرها إلى المائة السابعة من التاريخ الهجري عندما ابتدأت كتب المشارقة تأتي إلى المغرب مثل مختصر ابن الحاجب ومختصر خليل فيما بعد.
**بيت الحكمة***
أنشئت في القيروان المكتبات العامة والمكتبات الملحقة بالجوامع والمدارس والزوايا وكانت مفتوحة للدارسين وتضم نفائس أمهات الكتب. ومن أشهر مكتبات القيروان بيت الحكمة الذي أنشأه الأمير إبراهيم الثاني الأغلبي 261-289هـ / 875 -902م. في رقادة بالقيروان محاكاة لبيت الحكمة التي أسسها هارون الرشيد في بغداد حيث كانت هذه البيت نواة لمدرسة الطب القيروانية التي أثرت في الحركة العلمية في المغرب لزمن طويل.
وقد استقدم الأمير إبراهيم بن أحمد الأغلبي أعدادا كبيرة من علماء الفلك والطب والنبات والهندسة والرياضيات من المشرق والمغرب وزوده بالآلات الفلكية. وكان الأمير إبراهيم بن أحمد يبعث كل عام (وأحيانا كل ستة أشهر) بعثة إلى بغداد هدفها تجديد ولائه للخلافة العباسية واقتناء نفائس الكتب المشرقية في الحكمة والفلك مما لا نظير له في المغرب واستقدام مشاهير العلماء في العراق ومصر. وعلى هذا النحو أمكنه في أمد قصير أن يقيم في رقادة نموذجا مصغرا من بيت الحكمة في بغداد، ولم يلبث هذا البيت أن وقع في أيدي العبيديين -الفاطميين- بعد سنوات معدودة من وفاته.
ولقد كان بيت الحكمة معهدا علميا للدرس والبحث العلمي والترجمة من اللاتينية، ومركزا لنسخ المصنفات، وكان يتولى الإشراف عليه حفظة مهمتهم السهر على حراسة ما يحتويه من كتب، وتزويد الباحثين والمترددين عليه من طلاب العلم بما يلزمهم من هذه الكتب حسب تخصصاتهم، ويرأس هؤلاء الحفظة ناظر كان يعرف بصاحب بيت الحكمة.
وأول من تولى هذا المنصب عالم الرياضيات أبو اليسر إبراهيم بن محمد الشيباني الكاتب المعروف بأبي اليسر الرياضي، وهو بغدادي النشأة، حيث أتيح له أن يلتقي بالعديد من المحدثين والفقهاء والأدباء واللغويين. وكان قد تنقل في أقطار المشرق قبل انتقاله إلى الأندلس وأخيرا استقر بالقيروان.
وكان الأمير إبراهيم بن أحمد يعقد المجالس العلمية للمناظرة في بيت الحكمة، وكان يحضر هذه المجالس العلماء البارزون من فقهاء المالكية والحنفية.
**المساجد:***
يعد مسجد القيروان الذي بناه عقبة بن نافع عند إنشاء المدنية من أهم معالمها عبر التاريخ. ولقد بدأ المسجد صغير المساحة، بسيط البناء، ولكن لم يمض على بنائه عشرون عاما حتى هدمه حسان بن نعمان الغساني وأقام مكانه مسجدا جديدا أكبر من الأول. وفي عهد الخليفة هشام بن عبد الملك أمر بزيادة مساحته، وأضاف إليه حديقة كبيرة في شماله، وجعل له صهريجا للمياه، وشيد مآذنه.
وفي عام 155هـ / 724 م أعيد بناؤه على يد يزيد بن حاتم، وظل على حاله هذه إلى أن تولى زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب إمارة إفريقية عام 201هـ / 817 م فزاد فيه. ولقد سارت التوسعات في العصور المختلفة حتى أصبح يشغل اليوم مساحة مستطيلة تتراوح أضلاعها ما بين (70و122) مترا.
ويعتبر جامع القيروان من أقدم مساجد المغرب الإسلامي والمصدر الأول الذي اقتبست منه العمارة المغربية والأندلسية عناصرها الزخرفية والمعمارية. كما كان هذا المسجد ميدانا للحلقات الدينية والعلمية واللغوية التي ضمت نخبة من أكبر علماء ذلك العصر.
**من أعلام القيروان:***
لقد تميّز كل عصر من عصور القيروان بعدد وافر من الاسماء والاعلام في شتى ضروب العلم والمعرفة لمّْا كانت عاصمة المغرب العربي وأعظم مدن القارة الإفريقية ومنارة عالية للإشعاع الفكري والديني والحضاري في عصور الأغالبة والفاطميين والصنهاجيين. ومن هؤلاء الأعلام الإمام سحنون وابن رشيق القيرواني وابن شرف وأسد بن الفرات وابن الجزار، لكن المهتمين بالتاريخ يذكرون خصوصا اسم المعزّ بن باديس الصنهاجي كأكبر رمز لما بلغته القيروان من حضارة في عهد الصنهاجيين وعبد الله بن الأغلب الذي جعل من القيروان اسما ملأ الدنيا ، أما عقبة بن نافع فإنه يظل الفاتح والمؤسس .
كان من أوائل من قام بالتعليم في مدينة القيروان أولئك العشرة من التابعين الذين أرسلهم عمر بن عبد العزيز ليعلموا الناس وكان من أشهر أولئك العشرة إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر الذي كان -بالإضافة إلى أنه عامل للخليفة- من أكثر أفراد تلك البعثة اندفاعا في نشر الدين وإدخال البربر إلى الإسلام.
وكان منهم عبد الله بن يزيد الحبلي الذي شهد فتح الأندلس مع موسى بن نصير، ثم عاد إلى القيروان ومات فيها ، ومنهم أيضا إسماعيل بن عبيد المشهور بلقب "تاجر الله" وهو الذي بنى المسجد المعروف باسم مسجد الزيتونة، كما بنى سوقا للتجارة عرفت باسم سوق إسماعيل. وقد استشهد غريقا في إحدى الغزوات البحرية لصقلية سنة 107هـ / 726 م، ومنهم عبد الرحمن بن رافع التنوخي أول من تولى القضاء بمدينة القيروان.
وأما رواد الفقه في القيروان فهم كثير منهم الإمام سحنون بن سعيد الفقيه صاحب أبي القاسم - تلميذ الإمام مالك - ومؤلف كتاب المدونة والذي كان له دور كبير في تدوين المذهب المالكي، وقد حضر دروس هذا الفقيه العديد من طلاب الأندلس الذين قاموا بنشر مذهبه فيما بعد، وقد عرفت من رجال الفقه كذلك أسد بن الفرات قاضي إفريقية في عهد الأغالبة وقائد الحملة إلى صقلية وفاتح الجزيرة ومحمد ابن الإمام سحنون بن سعيد وابن أبي زيد القيرواني.
كما اشتهر فيها من الشعراء: أبو عبد الله القزاز القيرواني، والحسين بن رشيق القيرواني، وابن هانئ الأندلسي ، وكان من بين علمائها عبد الكريم النهشلي عالم اللغة وكان من أهل الأدب أبو إسحاق (الحصري) القيرواني صاحب زهر الآداب.
أما عن مدرسة الطب فقد اشتهرت منها أسرة ابن الجزار التي توارثت الطب أبا عن جد.
(الشبكة الإسلامية)


الحجاج يطارد فلول الخوارج الأزارقة:

ومن حوادث اليوم العشرين من رمضان معركة جرت بين أهل الكوفة والخوارج الأزارقة، الذين طارد فلولهم الحجاج بن يوسف الثقفي عام 75هـ.
قال الطبري (3/552) وأما أهل الكوفة فإنه ذكروا أن كتاب الحجاج بن يوسف أتي المهلب وعبد الرحمن بن مخنف أن ناهضا الخوارج حين يأتيكما كتابي هذا قال: فناهضاهم يوم الأربعاء لعشر بقين من رمضان سنة خمس وسبعين، واقتتلوا قتالاً شديداً لم يكن بينهم فيما مضى من قتال أشد منه. وذلك بعد الظهر ثم مالت الخوارج بحدها على المهلب بن أبي صفرة فاضطروه إلى معسكره، وأخذ عبد الرحمن بن مخنف يمده بالخيل بعد الخيل والرجال بعد الرجال، فعززوا موقفه، فلما كان بعد العصر مالت الخوارج على عبد الرحمن بن مخنف فثبت لهم وقاتلهم حتى قتل مع جماعة في الليل، فلما أصبحوا جاء المهلب حتى أتاه فدفنه وصلى عليه ، وكتب بمصابه إلى الحجاج فكتب بذلك الحجاج إلى عبد الملك بن مروان فنعى عبد الرحمن بمنى وذم أهل الكوفة.

والأزارقة هي إحدى فرق الخوارج تميزت بالتطرف والعنف أسسها نافع بن الأزرق في النصف الثاني من القرن الأول وسميت بالأزارقة نسبة إلى مؤسسها نافع بن الأزرق الذي كفرّ جميع المسلمين ما عدا فرقته .
عوامل الظهور:
ـ القمع الأموي الذي طال الخوارج خلق ردود فعل عنيفة لدى بعض المتطرفين من الخوارج الذين رغبوا في مواجهة العنف بالعنف كرد طبيعي للمواجهة مع الأمويين فتمخض من ذلك نشوء الأزارقة .
ـ ادى الخلاف الفكري بين الخوارج حيث كان نافع بن الأزرق يرى ان من خالفه فهو مشرك فيحل له ماله ودمه وبين الرأي الآخر القائل خلاف ذلك ، أدى هذا الخلاف إلى تفرق القوم ونشأة فرقة الأزارقة .
ـ كان لشخصية نافع بن الأزرق الدور الأكبر في استقطاب المزيد من الرجال ، وذلك لأنه كان يتميز بمواهب قوية مكنته من قيادة أعنف فرق الخوارج وأشدها تطرفا ، إضافة إلى خصائصه الأخرى من قبيل مقدرته الخطابية الفذة وشجاعته، تلك الصفات وغيرها جعلته ذا تأثير عظيم على أصحابه وزعيماً كبيراً من زعماء الخوارج .

النشأة والتطور :
ـ نشأت هذه الفرقة في مدينة البصرة بعد ان اتخذت العنف مبدأ لانتشارها ، فاستطاعوا ان ينتشروا في مدينة الأهواز بعد الهجوم الذي شنوه عليها وعلى المدن التي بعدها من بلدان فارس وكرمان وكان ذلك في أيام عبد الله بن الزبير وقتلوا عماله عليها ، واتخذوا الأهواز مقرا لهم ، واستطاعوا تقوية مركزهم عن طريق جبي الأموال .
ـ إن الاحداث التي وقعت في مدينة البصرة بعد وفاة يزيد بن معاوية ساعدت الأزارقة على العمل على نشر نفوذهم وأفكارهم .

الأفكار والمعتقدات :
ـ مخالفيهم من هذه الأمة مشركين وبهذا استحلوا قتل أطفالهم واستحلال نسائهم ، وزعموا ان اطفال مخالفيهم مشركون مخلدون في النار .
ـ أوجبوا امتحان من قصد عسكرهم إذا ادعى انه منهم وذلك بان يدفع إليه أسير من مخالفيهم ويأمره ، بقتله فان قتله صدقوه في دعواه أنه منهم ، وان لم يقتله قالوا : هذا منافق ومشرك وقتلوه .
ـ ذهبوا إلى تكفير عثمان وطلحة والزبير وعائشة وعبد الله بن عباس وتخليدهم في النار جميعا .
ـ قولهم بإن من ارتكب كبيرة كَفَرَ كُفْرَ ملة خرج بها عن الإسلام جملة ويكون مخلدا في النار مع سائر الكفار ، واستدلوا على ذلك بكفر إبليس وقالوا ما ارتكب إلا كبيرة حيث أمر بالسجود لآدم ( ع ) فامتنع وإلا فهو عارف بوحدانية الله تعالى .
ـ اعتقدو بأَنه لا يحل لأحد من الأزارقة ان يجيب أحداً من غيرهم إذا دعاهم للصلاة ، وان لا يأكلوا من ذبائحهم وان لايتزوجوا منهم .
ـ قالوا : إن الإمامة لا تختص بشخص إلا ان يجتمع فيه العلم والزهد فإذا اجتمعا كان إماماً .
ـ كفّروا علياً وقالوا : إن الله أنزل في شأنه { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام } ، وصوَّبوا عبد الرحمن بن ملجم وقالوا : ان الله أنزل فيه { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } .
ـ اسقطوا الرجم عن الزاني : إذ ليس في القرآن ذكره ، وأسقطوا حد القذف عمن قذف المحصنين من الرجال مع وجوب الحد على قاذف المحصنات من النساء .
ـ قالوا : بتكفير القعدة عن القتال وهم أول من أظهر البراءة منهم ، وكفَّروا من لم يهاجر إليهم .
ـ قالوا بإن التقية غير جائزة لا في القول ولا في العمل مستدلين بقوله تعالى : { إذا فريق منهم يخشّوْنَ الناس كخشية الله } .
ـ أوجبوا على المرأة الحائض أن تؤدي جميع أعمالها العبادية ولا تنقص منها شيئاً.
ـ اعتبروا دار مخالفيهم دار كفر ويجوز فيها قتل الأطفال والنساء وهم في نظرهم مثل كفار العرب وعبدة الأوثان .
ـ قالوا بجواز ان يبعث الله تعالى نبياً يعلم انه كافر بعد نبوته ، أو كان كافراً قبل بعثته .
ـ حرموا على الرجل ان قطع صلاته حتى ولو سرق سارق ماله أو فرسه اثناء صلاته .
ـ اوجبوا قطع يد السارق من العضد في القليل والكثير .
ـ قالوا إن أبا بكر وعمر عملا بكتاب الله وسنة الرسول ( ص ) وكانا نموذجاً صالحاً للحكم الديني ، أما عثمان بن عفان فقد ظلَّ صالحاً خلال السنوات الست الأولى من حكمه ثم خالف بعد ذلك حكم القرآن وبدّل سنة الرسول ( ص ) فأصبح كافراً ، أما علي ( ع ) فان سيرته حسنة مرضية وكان مثالا للخليفة الصالح حتى نهاية معركة صفين وقبوله بالتحكيم فكفر في نظرهم .

أبرز الشخصيات :
نافع بن الأزرق
عطية بن الأسود
عبد الله بن الماحوز
عمرو بن أبي عمير العنبري
قطري بن الفجاءة المازني
عبيدة بن هلال اليشكري
محرز بن هلال
صخر بن حبيب التميمي
صالح بن مخراق العبدي
عبد ربه الكبير
عثمان بن مأمون
عبد الله بن مأمون

مواقع الانتشار :
ـ انتشرت الأزارقة في مدينة البصرة والأهواز وفارس وكرمان وسابور .

أحداث :
كتب نافع بن الأرزق كتاباً إلى عبد الله بن إباض وعبد الله بن الصفار : « سلام على أهل طاعة الله من عباد الله ، فان من الأمر ان من تخلف عني فلا تبتغي ولايته ولا نجاة له وقد حرّم الله ولايتهم ، والمقام بين أظهرهم ، وأجازة شهادتهم ، وأكل ذبائحهم ، وقبول علم الدين عنهم ، ومناكحتهم ، ومواريثهم » فقرأه عبد الله بن الصفار ، فأخذه فوضعه خلفه ، فلم يقرأه على الناس خشية أن يتفرقوا ويختلفوا ، فقال له عبد الله بن إباض ، مالك لله أبوك : أي شيء اصبت !! أ أن قد أصيب إخواننا ، أو أسر بعضهم ؟ فدفع الكتاب إليه ، فقرأه فقال : قاتله الله ، أي رأي رأى ؟ صدق نافع بن الأزرق ، لو كان القوم مشركين كان أصوبَ الناس رأيا وحكماً فيما يشير به ، وكانت سيرته ( ص ) في المشركين ، ولكنه قد كذّب وكذبنا فيما يقول ، ان القوم كافر بالنعم والأحكام ، وهم براءة من الشرك ، ولا تحل لنا إلا دماؤهم ، وما سوى ذلك من أموالهم فهو علينا حرام ، فقال ابن الصفار : برئ الله منك فقد قصرت ، وبرئ الله من ابن الأزرق فقد غلا ، برئ الله منكما جميعا ، وقال الآخر : فبرئ الله منك ومنه .

من ذاكرة التاريخ :
ـ أقبل أحد أشداء الخوارج وهو أبو الوازع الراسبي وكان نافع يخطب في أصحابه ، ويحثهم على الجهاد فقال له : يا نافع لقد أُعطِيتَ لساناً صارماً وقلباً كليلا ، فلوددت ان صرامة لسانك كانت لقلبك ، وكلال قلبك كان للسانك ، أتعض على الحق وتقعد عنه ، وتقبح الباطل وتقيم عليه ؟ فقال نافع : إلى ان تجمع من اصحابك من تنكي به عدوك ، فقال أبو الوازع :
لسانـك لا تـنكي به الـقوم إنـما * تنال بكفيك الـنـجـاة من الـكـرب
فجاهد أناسا حاربوا الله واصطبروا * عسى الله ان يخزي غَوِيَّ بني حـرب
ثم قال : والله لا ألومك ونفسي ألوم ، ولأغدون غدوة لا انثني بعدها أبدا ، ثم اشترى سيفا فقتل أحد أعداء الخوارج وأخذ يستعرض الناس ، حتى قتل في بني يشكر .

المصادر :
1 ـ عارف تامر ، معجم الفرق الاسلامية ( بيروت ـ لبنان ، دار المسيرة ، 1990 م ) .
2 ـ الامين ، شريف يحيى ، معجم الفرق الاسلامية ، ( بيروت ـ لبنان ، دار الاضواء ، ط1 ، 1406 هـ . ق ـ 1986 م).
3 ـ الزين ، محمد خليل ، تاريخ الفرق الاسلامية ( بيروت ـ لبنان ، مؤسسة الاعلمي ، ط 2 ، 1405 هـ . ق ـ 1985 م).
4 ـ البغدادي ، عبد القاهر بن طاهر ، الفرق بين الفرق ( لبنان ـ بيروت ، دار المعرفة ، ط 1 ، 1415 هـ ـ 1994 م).
5 ـ الدجيلي ، محمد رضا ، فرقه الازارقة ( النجف ـ العراق ، مطبعة النعمان ، 1393 هـ . ق ـ 1973 م).
6 ـ ابن الاثير ، الكامل في التاريخ ، ( بيروت ـ لبنان ، دار صادر ، 1385 هـ . ق ـ 1965 م ).
7 ـ الشهرستاني ، ابو الفتح ، موسوعة الملل والنحل ( بيروت ـ لبنان ، مؤسسة ناصر للثقافة ، ط 1 ، 1981 م).
8 ـ الاسفراييني ، ابو المظفر ، التبصير في الدين ( بيروت ـ لبنان ، 1992 م).
9 ـ عرفان عبد الحميد ، دراسات في الفرق والعقائد الاسلامية ( بغداد ـ العراق ، مطبعة اسعد ، دار التربية).
10 ـ ابن الجوزي ، عبد الرحمن ، تلبيس ابليس ( بغداد ـ العراق ، مكتبة الشرق الجديد ، ط2 ، 1982 م . 1402 هـ . ق )
11 ـ الاشعري ، سعد بن عبد الله ، المقالات والفرق ( طهران ـ ايران ، مركز انتشارات علمي وفرهنكي ، ط 3 ، 1361 هـ.ش).
12 ـ اليماني ، احمد بن يحيى ، ترجمة محمد جواد مشكور ، المنية والامل في شرح الملل والنحل ( طهران ـ ايران مؤسسة الكتاب الثقافية).
13 ـ الطبري ، محمد بن جرير ، تاريخ الطبري ، ( بيروت ـ لبنان ، دار الكتب العلمية ، 1417 هـ . ق ـ 1997).



إظهار العباسيين دعوتهم علنا:

ومن حوادث اليوم العشرين من رمضان في سنة 129هـ. إعلان دعوة العباسيين.
ففي ذلك اليوم ظهر أبو مسلم الخراساني واسمه عبد الرحمن بن مسلم أحد بني جندع بن ليث بن بكر بن عبد مناف بخراسان، وذلك يوم الخميس لعشر بقين من رمضان سنة تسع وعشرون ومائة، فأظهر أبو مسلم الدعوة للرضا من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخل مرو ، وفض الجموع التي كانت بها مع نصر بن سيار، وهرب نصر بن سيار من أبي مسلم يريد العراق فمات بسماوة.
وخرج أبو مسلم من مرو إلى نيسابور، ثم قصد الري، ثم خرج منها إلى الكوفة فدخلها.

رحيل الآلاف من قرطبة:

في 20 من رمضان 202 هـ الموافق 30 من مارس 818م: رحل آلاف الأندلسيين من قرطبة بعد فشل ثورتهم ضد حكم الأمير "الحكم بن هشام" الذي بطش بالثوار بطشًا شديدًا، وهدم منازلهم وشردهم في الأندلس، فاتجهت جماعة منهم تبلغ زهاء 15 ألف إلى مصر، ثم ما لبثوا أن غادروها إلى جزيرة أقريطش كريت سنة 212هـ، وأسسوا بها دولة صغيرة استمرت زهاء قرن وثلث.



فتح الافشين لمدينة بابك

222 هـ

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك الموافق للثاني من شهر كانون الثاني للعام الميلادي 837، أفتتح الأفشين البذ مدينة بابك وأستباح ما فيها بعد محاصرة وحروب هائلة، وقتال شديد، غنم فيها المال الكثير، هذا الفتح جاء بفضل التجهيز الكبير للجيش الذي قام به الخليفة المعتصم، من هو الأفشين، هو حيد كاوس تركي الأصل يدعى عادة بالأفشين وهو لقب أجداده أمراء (أشروسنة) من بلاد ما وراء النهر (تركستان) كان من كبار القادة في عهد المأمون والمعتصم اشتهر ببأسه وشجاعته ومهارته في أساليب الحرب صحب المعتصم إلى مصر حين ولاه عليها سنة 213 هـ لقمع الثورات التي نشبت فيها فأرسله المعتصم لإخماد التمرد في الدلتا فقضى عليه وحمل زعماء التمرد إلى المعتصم فضرب أعناقهم لما ولي المعتصم الخلافة أرسله لإخماد ثورة بابك الخرمي فقضى عليها وقبض على بابك وأرسله مكبلا بالحديد إلى المعتصم فقتله وصلبه بسامراء. طمع بولاية خراسان جزاء جهوده في القضاء على ثورة بابك فيقال إنه حرض المازيار على التمرد على المعتصم لإفساح الطريق أمام الأفشين ظنا منه أنه سينيط به إخماد تمرد المازيار ويوليه على خراسان وقد أشاع عنه حساده هذه التهمة حتى عزم المعتصم على القبض عليه فانقبض عنه واهتبل الحساد انقباضه عن الخليفة فأقنعوا المعتصم بصحة التهمة وجعلوا انقباضه دليلا عليها، وقيل إن القاضي أحمد بن أبي دؤاد هو الذي كاد له وقيل إن المازيار حين قبض عليه أقر بتحريض الأفشين له على الثورة والتمرد وشهد بأنه كان يدفعه إلى العصيان. عقد المعتصم محاكمة له برئاسة وزيره عبد الملك بن الزيات وعضوية أحمد بن أبي دؤاد وإسحاق بن إبراهيم المصعبي صاحب شرطة بغداد وانتهت المحاكمة بإدانته بالتهم الموجهة إليه والحكم بقتله، وقد روى الطبري خبر هذه المحاكمة بالتفصيل. بنى له المعتصم سجنا خصيصا له في قصر الجوسق، وألقاه فيه بعد المحاكمة ومنع عنه الطعام والشراب حتى مات، وقيل إن المعتصم قتله لما مات أو قتل صلبه المعتصم إلى جانب بابك الخرمي كان الأفشين مثقفا إلى حد بعيد، وملك كمية ضخمة من الكتب النادرة.
ومن هو بابك، اسمه الحسن أو الحسين ثم تلقب ببابك وهو عند بعض الباحثين من نسل فاطمة بنت أبي مسلم الخراساني ثائر فارسي الأصل مجوسي الديانة والخرمي نسبة إلى (خرمشهر) مدينة على شط العرب وقيل نسبة إلى (خرم) وهي ناحية من أردبيل وأران وقيل نسبة إلى خرمة زوجة مزدك الفارسي كان بابك قوي النفس شديد البطش صلب المراس حدثته نفسه أن يسترجع ملك فارس ويحمي ديانتها فاستعصم بجبال (البذين) بمنطقة (أران) وأظهر أمره سنة 201هـ وأعلن عصيانه واستولى على حصن منيع في وهاد (مازندران) واستعان بميخائيل الثاني إمبراطور الروم فأعانه ردا على إعانة المأمون لتوماس الصقلي القائد البيزنطي الذي ثار على ميخائيل.




نجدة ابن رائق للخليفة المقتني:

وفي العشرين من رمضان سنة 330 تحرك أبو بكر محمد بن رائق صاحب الشام وواليها أيام الخليفة المقتفي لتلبية طلب الخليفة نجدته وتخليصه من الديلم ومن البريدي.
وكان الديلم إذ ذاك أكبر عناصر الجيش في الخلافة، وكان البريدي قائدهم قد تعاظم أمره حتى حدثته نفسه بالاستيلاء على بغداد، وقد سعى المقتفي بكل وسيلة لمنعه فأنفق أموالاً جزيلة في الجند ليتألفهم، وحاول بنفسه أن يمنع دخول البريدي إلى العاصمة فلم يفلح ، بل إن البريدي تطاول على الخليفة، وألزمه أن يبعث إليه خمسمائة ألف دينار قهرا.
وفي هذه الأثناء - قبل وصول ابن رائق من الشام لنجدة الخليفة - قام قائد للديلم يقال له (كورتكين) فنازع (البريدي) وهزمه، ولكن الخليفة الضعيف لم يرق له ذلك، بل ما كاد ابن رانق يصل بغداد نجدة له حتى التقى جيشه وجيش كورتكين داخل بغداد
يقول ابن كثير (11/199) وساعدت العامة ابن رائق على كورتكين، فانهزم الديلم وقتل منهم كثير، وهرب كورتكين فاختفى، واستقر أمر ابن رائق وخلع عليه الخليفة، وركب هو واياه في دجلة.

والخليفة هو أبو عبد اللَّه الحسين المقتفي لأمر اللَّه ابن المستظهر، اختاره السلطان مسعود للخلافة بعد أن كتب محضر بخلع ابن أخيه الراشد من الخلافة وكانت بيعته في ثامن ذي الحجة سنة 530 (7 سبتمبر سنة 1136) واستمر في الخلافة إلى أن توفي ثاني ربيع الأول سنة 555(12 مارس سنة 1160) فكانت خلافته 24 سنة وثلاثة أشهر و 16 يوماً وكان عمره إذ توفي 66 سنة.
ولما بايع السلطان المقتفي صاهره فزوجه أخته فاطمة على صداق مائة ألف دينار وبذلك أمن السلطان أن يكون الخليفة ضدَّه. وقد حاول الخليفة المعزول أن يعيد لنفسه الخلافة فاتحد مع الملك داود بن السلطان محمود ولكنه مع ما بذلهمن المجهود العظيم لم ينجح فقد ائتمر به جماعة من الباطنية فسقوه الردى بنواحي أصفهان.
استمر السلطان مسعود في سلطانه مع كثرة المخالفين والخارجين عليه من أهل بيته ومن امرأته إلى أن توفي سنة 547 بهمذان وذلك على رأس مائة سنة من الخطبة ببغداد للسلطان طغرلبك، وماتت مع مسعود سعادة البيت السلجوقي فلم تقم له بعده راية يعتد بها ولا يلتفت إليها. وكان رحمه اللَّه حسن الأخلاق كثير المزاح والتبسط مع الناس وكان كريماً عفيفاً عن أموال الرعية حسن السيرة فيهم. من أصلح السلاطين سيرة وألينهم عريكة سهل الأخلاق وكان مسعود قد عهد بالسلطنة بعده لابن أخيه ملكشاه بن السلطان محمود.
أما الخليفة فإنه لم بلغه وفاة مسعود طرد شحنة السلجوقية بها وأخذ داره ودور أصحاب السلطان ببغداد وأخذ كل ما لهم فيها ولك من عنده وديعة لأحد منهم أحضرها بالديوان وجمع الرجال والعساكر وأكثر التجنيد وتقدم بإراقة الخمور من مساكن أصحاب السلطان وأرسل جنوده فاستولت على سائر البلاد العراقية الحلة وواسط وغيرها وخرج بنفسه ليقوي جنده.


وفاة القاضي أبي يعلى الفراء شيخ الحنابلة في الفروع:

وممن توفي في العشرين من رمضان (البداية 12/95) القاضي أبو يعلى بن الفرا الحنبلي محمد بن الحسن بن محمد بن خلف، شيخ الحنابلة وممهد مذهبهم في الفروع.
كان من سادات العلماء، إماماً في الفقه، له التصانيف الحسان الكثيرة في مذهب الإمام أحمد وانتهت إليه رياسة المذهب.
درّس وأفتى سنين، وجمع بين الإمامة والفقه والصدق وحسن الخلق والتعبد والتقشف والخشوع وحسن السمت والصمت عما لا يعني
توفي في العشرين من رمضان سنة 459هـ عن ثمان وسبعين سنة واجتمع في جنازته القضاة والأعيان، وكان يوم وفاته يوماً حارا فأفطر بعض من اتبع جنازته بعد أن غلبه الزحام وخشي على نفسه. رحمه الله.

وهو الإمام العلامة , شيخ الحنابلة , القاضي أبو يعلى ; محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي , الحنبلي , ابن الفراء , صاحب التعليقة الكبرى , والتصانيف المفيدة في المذهب .
ولد في أول سنة ثمانين وثلاث مائة .
وسمع علي بن عمر الحربي , وإسماعيل بن سويد , وأبا القاسم بن حبابة , وعيسى بن الوزير , وابن أخي ميمي , وأم الفتح بنت أحمد بن كامل , وأبا طاهر المخلص , وأبا الطيب بن منتاب , وابن معروف القاضي , وطائفة . وأملى عدة مجالس .
حدث عنه : الخطيب , وأبو الخطاب الكلوذاني , وأبو الوفاء بن عقيل , وأبو غالب بن البناء , وأخوه يحيى بن البناء , وأبوالعز بن كادش , وأبو بكر محمد بن عبد الباقي , وابنه القاضي أبو الحسين محمد بن محمد بن الفراء , وأبو سعد أحمد بن محمد الزوزني . وحدث عنه من القدماء المقرئ أبو علي الأهوازي .
أفتى ودرّس , وتخرج به الأصحاب , وانتهت إليه الإمامة في الفقه , وكان عالم العراق في زمانه , مع معرفة بعلوم القرآن وتفسيره , والنظر والأصول , وكان أبوه من أعيان الحنفية , ومن شهود الحضرة , فمات ولأبي يعلى عشرة أعوام , فلقنه مقرئه العبادات من "مختصر" الخرقي , فلذ له الفقه , وتحول إلى حلقة أبي عبد الله بن حامد شيخ الحنابلة , فصحبه أعواما , وبرع في الفقه عنده , وتصدر بأمره للإفادة سنة اثنتين وأربع مائة , وأول سماعه من علي بن معروف في سنة 385 . وقد سمع بمكة ودمشق من عبد الرحمن بن أبي نصر , وبحلب , وجمع كتاب "إبطال تأويل الصفات" , فقاموا عليه لما فيه من الواهي والموضوع , فخرج إلى العلماء من القادر بالله المعتقد الذي جمعه , وحمل إلى القادر كتاب "إبطال التأويل" , فأعجبه , وجرت أمور وفتن -نسأل الله العافية- ثم أصلح بين الفريقين الوزير علي بن المسلمة , وقال في الملأ : القرآن كلام الله , وأخبار الصفات تمر كما جاءت .
ثم ولي أبو يعلى القضاء بدار الخلافة والحريم , مع قضاء حران وحلوان وقد تلا بالقراءات العشر , وكان ذا عبادة وتهجد , وملازمة للتصنيف , مع الجلالة والمهابة , ولم تكن له يد طولى في معرفة الحديث , فربما احتج بالواهي .
تفقه عليه أبو الحسن البغدادي , وأبو جعفر الهاشمي , وأبو الغنائم بن الغباري , وأبو علي بن البناء , وأبو الوفاء بن القواس , وأبو الحسن النهري , وابن عقيل , وأبو الخطاب , وأبو الحسن بن جدا , وأبو يعلى الكيال , وأبو الفرج الشيرازي .
ألف كتاب "أحكام القرآن" , و "مسائل الإيمان" , و"المعتمد" ; ومختصره , و "المقتبس" , و "عيون المسائل" , و "الرد على الكرامية" , و "الرد على السالمية والمجسمة" , و "الرد على الجهمية" , و"الكلام في الاستواء" , و "العدة" في أصول الفقه ومختصرها , و"فضائل أحمد" , وكتاب "الطب" , وتواليف كثيرة سقتها في "تاريخ الإسلام" .
وكان متعففا , نزه النفس , كبير القدر , ثخين الورع .
توفي سنة ثمان وخمسين وأربع مائة .
ومات فيها البيهقي وقاضي سارية أبو إسحاق إبراهيم بن محمد السروي وأبو علي الحسن بن غالب المقرئ , وأبو الطيب عبد الرزاق بن شمة وأبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده صاحب "المحكم" , والقاضي أبو عاصم محمد بن أحمد بن محمد العبادي بهراة.


صلاح الدين يسير الى صفد

584 هـ
في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك الموافق للثالث عشر من شهر تشرين الأول للعام الميلادي 1188، غادر دمشق السلطان صلاح الدين الأيوبي قاصداً بلدة صغد وهي معقل الدواية، كان سكانها أبغض أجناس الفرنج إلى السلطان، حاصرها بالمناجيق وفتحها في الثامن من شهر شوال من هذا العام، وقتل من بها، وأراح المارة من شر ساكنيها، وبعدها عاد السلطان إلى عسقلان، وولى أخاه الكرك عوضاً عن عسقلان، وأرسله ليكون عوناً لإبنه العزيز في مصر، وأقام بمدينة عكا.


وفاة ياقوت الحموي:

ومن حوادث يوم العشرين من رمضان وفاة ياقوت الحموي صاحب كتاب معجم البلدان سنة 626. قال عنه الذهبي (سير اعلام النبلاء 22/313) الأديب الأوحد شهاب الدين الرومي مولى عسكر الحموي السفّار النحوي الأخباري المؤرخ.

ياقوت الحموي (574 -626هـ / 1178 -1229م) ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي شهاب الدين رحالة جغرافي أديب شاعر لغوي، ولد ببلاد الروم، وهو عربي الأصل من مدينة حماة ، وقد أسر الروم والده في غارة لهم على مدينة حماة، ولم يستطع الحمدانيون فداءه مثل غيره من العرب فبقي أسيرا بها وتزوج من فتاة رومية فقيرة أنجبت "ياقوتا". وانتقل إلى بغداد وهو طفل، وكان واليه التاجر عسكر بن أبي نصر البغدادي، وعامله عسكر معاملة الابن، وقد حفظ القرآن الكريم في مسجد متواضع هو المسجد الزيدي بحارة ابن دينار على يد مقرئ جيد وتعلم القراءة والكتابة والحساب، وحين أتقن ياقوت القراءة والكتابة راح يتردد على مكتبة مسجد الزيدي يقرأ بها الكتب وكان إمام الجامع يشجعه ويعيره الكتب ليقرأها.
وعلمه عسكر شئون التجارة وعمل معه بمتجره، وسافر معه إلى عدة بلاد وكانت أولى أسفاره إلى جزيرة كيش في جنوب الخليج العربي، وكانت جزيرة شهيرة في وقتها بالتجارة. وتوالت أسفار ياقوت إلى بلاد فارس والشام والجزيرة العربية وفلسطين ومصر، وحين اطمأن عسكر لخبرته بالتجارة مكث في بغداد وكان ياقوت يسافر بمفرده وكان أثناء رحلاته يدون ملاحظاته الخاصة عن الأماكن والبلدان والمساجد والقصور والآثار القديمة والحديثة والحكايات والأساطير والغرائب والطرائف.
وفي عام 597هـ -1200م ترك ياقوت تجارة عسكر وفتح دكانا متواضعا بحي الكرخ ينسخ فيه الكتب لمن يقصده من طلاب العلم، وجعل جدران الدكان رفوفا يضع بها ما لديه من الكتب التي اشتراها أثناء رحلاته أو الكتب التي نسخها بيده من مكتبة مسجد الزيدي. وكان في الليل يفرغ للقراءة، وأدرك ياقوت أهمية التمكن من اللغة والأدب والتاريخ والشعر فنظم لنفسه أوقاتا لدراسة اللغة على يد ابن يعيش النحوي، والأدب على يد الأديب اللغوي العُكْبُري. وعندما بلغ ياقوت خمسا وعشرين سنة وتمكن من العلوم المختلفة وشعر أن خبراته الجغرافية قد نضجت عاود السفر مرة أخرى، وعمل في تجارة الكتب، فزار فارس ولقي علماءها وأدباءها وسافر إلى الشام وزار موطنه الأصلي حماة. وزار نيسابور وتزوج هناك ومكث عامين، ولكنه لم يستطع الاستقرار طويلا فعاود السفر وتجارة الكتب مرة أخرى بين مدائن خراسان، ومر بمدينة هراة وسرخس ومرو، وكانت مدينة جميلة، فقرر أن يمكث بها فهي مركز ثقافي هام، وكان ياقوت يختبر ما يسمعه من أخبار عن المدينة فقد سمع مثلا عن أهالي مرو أن هم بخلاء، ولكنه وجدهم ليني الأخلاق، يؤثرون الاقتصاد والاعتدال ويكرهون الإسراف وفي مرو وضع عددا من الكتب، وبدأ في إنجاز مشروعه الكبير لتأليف معجم جغرافي يدون به أسماء البلدان وما سمعه ورآه عنها محققا أسماءها ذاكرا لموقعها الدقيق مراعيا الدقة والتحقيق ذاكرا خطوط الطول والعرض وموضحا لتاريخها وحكاياتها وأخبارها، وهو: معجم البلدان ومع اجتياح المغول لمرو هرب ياقوت الحموي إلى الموصل وأنجز بها معجم الأدباء، وسافر بعد ذلك إلى حلب وكان في رعاية واليها الوزير والعالم المؤرخ الطبيب القفطي الذي رحب به وجعل له راتبا من بيت المال وقد كان ياقوت معجبا بالوالي لعلمه فقد قرأ كتبه في بغداد، وقضى ياقوت في حلب خمس سنوات أنهى فيها الكتابة الأولى لمعجم البلدان وكان قد بلغ من العمر خمسة وأربعين عاما.
ويروى أن سبب تأليف ياقوت لهذا المعجم أن سائلا قد سأله عن موضع سوق حُباشة بالضم ولكنه نطقها بالفتح وأصر على صحة نطقه وتحقق ياقوت من صحة نطق الاسم فتأكد من صواب نطقه هو للاسم فقرر أن يضع معجما للبلدان.
وعاود ياقوت السفر مرة أخرى إلى سورية وفلسطين ومصر وكان يودع دائما المعلومات الجديدة التي يجمعها في معجمه فظل يصحح فيه ويضبطه إلى أن حان أجله عام 626هـ -1229م في حلب، وقد طلب من صديقه المؤرخ ابن الأثير أن يضع نسخة من كتابه في مكتبة مسجد الزيدي ببغداد الجامع الذي شهد أولى مراحله التعليمية. وقد طلب القفطي منه أن يختصر المعجم لكنه رفض لاعتقاده أن الاختصار يشوه الكتب ويفقدها الكثير من قيمتها العلمية. ومن أهم مؤلفاته في الجغرافيا: مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع . و المشترك وضعا من أسماء البلدان والمختلف صقعا من الأقاليم . و معجم البلدان . ومن مؤلفاته الأخرى: معجم الأدباء . المقتضب في النسب . أنساب العرب . أخبار المتنبي .
ياقوت الحموي (1178-1228): أديب ومؤلف موسوعات، ولد في مدينة حماة السورية. اشتهر بكتابه "إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب"، الذي جمع فيه أخبار الأدباء إلى أيامه، ورتبهم فيه حسب حروف المعجم، وأشار إلى من اشتغل منهم بالكتابة أو الوراقة أو النسخ أو الشعر. ويعتبر الكتاب موسوعة ضخمة للأدباء. ذكر ياقوت في مقدمته كتب التراجم الكثيرة التي استفاد منها، وتدل القائمة الكبيرة التي ذكرها على أنه علم من أعلام مؤلفي الموسوعات في التاريخ. كما يدل على ذلك أيضاً تأليفه كتاب "معجم البلدان"، وهو موسوعة جغرافية ضخمة تستغرق عدة مجلدات، رتبت هي الأخرى على حروف المعجم.


قال ابن العماد (شذرات الذهب 3/122) أخذ من بلاد الروم صغيراً، وابتاعه ببغداد رجل تاجر معروف بعسكر الحموي، وجعله في الكتاب لينتفع به في ضبط تجارته وكان مولاه عسكر لا يحسن الخط، وشغله مولاه بعد ذلك بالأسفار في متاجره.
ثم جفاه فأعتقه وأبعده عنه فاشتغل بالنسخ بالأجرة وحصلت له بالمطالعة فوائد.
ثم عاد مولاه فتبناه وزوجه واعطاه مالاً للتجارة فجعل تجارته كتبا، وتوجه إلى دمشق وبرز نجمه فيها، وتعرض لمعارضة غيره.
ثم خرج من دمشق إلى حلب فالموصل فإربل فخراسان وصولاً إلى خوارزم، فصادف وصول التتار كالأعصار المدمر، فعاد أدراجه هاربا إلى الموصل فسنجار فحلب وأقام بظاهرها في الخان إلى أن مات...
صنف كتباً قيمة رائعة مثل: إرشاد الألباء إلى معرفة الأدباء، ومعجم الشعراء، والمقتضب في النسب، وأخبار المتنبي.
كانت وفاة ياقوت الحموي في ظاهر مدينة حلب يوم الأحد العشرين من رمضان، وقد أوقف كتبه على مسجد الزيدي بدرب دينار ببغداد، وسلمها إلى الشيخ عزالدين بن الأثير صاحب التاريخ الكبير.


استيلاء الفرنجة على شاطبة.

ومن حوادث يوم العشرين من رمضان استيلاء الفرنجة في الأندلس على بلدة (شاطبة).
وشاطبة مدينة كبيرة خرج منها جماعة من العلماء، استولى عليها الأفرنج يوم العشرين من رمضان سنة 645.
ومن العلماء المنسوبين إليها إمام في القراءات شهير هو: الإمام الشاطبي صاحب قصيدة (حرز الأماني ووجه التهاني) في القراءات، وعدتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا، أبدع فيها أكمل الإبداع وهي عمدة القراء، قلّ من يشتغل بالقراءات إلا ويقدم حفظها ومعرفتها لاشتمالها على رموز عجيبة وإشارات خفية لطيفة. واسمه الشاطبي قاسم بن ميرّة بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي الضرير المقرئ يكنى أبا محمد.
كان عالماً بكتاب الله تعالى قراءة وتفسيراً وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوحد زمانه في النحو واللغة، عارفاً بعلم الرؤيا، قرأ القرآن العظيم بالروايات على أبي عبد الله محمد بن علي بن أبي العاص النفزي المقرئ وأبي الحسن علي بن هذيل الأندلسي.
وكان الشاطبي يجتنب فضول الكلام لا ينطق في سائر أوقاته إلا بما تدعو إليه الضرورة ولا يجلس للإقراء إلا على طهارة في هيئة حسنة وتخشع.
كان يقول عن قصيدته في القراءات (الشاطبية) لا يقرأ قصيدتي هذه أحد إلا وينفعه الله عز وجل، لأني نظمتها لله عز وجل مخلصاً في ذلك.
توفي يوم الأحد بعد صلاة العصر الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة 590 ودفن بالقرافة الصغري في تربة القاضي الفاضل.


وفاة فخر الدين أبو الظاهر إسماعيل

689 هـ
في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك الموافق للتاسع والعشرين من شهر تموز للعام الميلادي 1290، رحل فخر الدين أبو الظاهر إسماعيل، الشيخ الزاهد، المتقلل من متاع الدنيا، دُفن بتربة بني الزكي بقاسيون في سوريا، كان يكتب من كلامه كل يوم ورقتين، ومن الحديث ورقتين، وكان يصلي مع الأئمة كلهم بالجامع، من شعره:
والنهر مدجُنَ في الغصونِ هوى
فراحَ في قلبهِ يمثلها
فغارَ منهُ النسيمُ عاشقها
فجاءَ عن وصلدِ يميلها


وفاة الإمام شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن عبد الوهاب البكري

737 هـ
في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك المصادف ليوم الجمعة في الرابع من شهر حزيران للعام الميلادي 1333، كان وفاة الإمام الفاضل مجموع الفضائل، شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن عبد الوهاب البكري، نسبة إلى أبو بكر الصدّيق {رضي الله عنه}، كان لطيف المعاني ناسخاً مطيقاً يكتب في اليوم ثلاث كراريس، كتب صحيح البخاري ثماني مرات، جمع تاريخاً في ثلاثين مجلداً، وذُكر أن له كتاباً سماه {منتهى الأرب في علم الأدب} في ثلاثين مجلداً، كان نادراً في وقته.


نفقة بعض المدارس الشرعية.

وجاء في كتاب (الدارس في أخبار المدارس ) وصف لما كانت عليه بعض المدارس الدينية قديماً من كفاية ونفقة وما تخرجه من أرزاق في أيام معلومة وأحوال مخصوصة منها مثلاً ما يوزع فيها يوم العشرين من رمضان.
ومن تلك المدارس (الدارس 2/78) المدرسة العمرية الشيخية بدمشق، وقفها لا يمكن حصره من جملته العشر في البقاع والمرتب على داريا من القمح ستون غرارة ومن الدراهم خمسة آلاف للغنم في شهر رمضان.
يقول صاحب كتاب الدارس: ومما رأيناه وسمعناه من مصالحها الخبز لكل واحد من المنزلين فيها رغيفان، وللشيخ الذي يقري أو يدرس ثلاثة وهو مستمر طوال السنة والقمصان في كل سنة لكل منزل فيها قميص، والسراويل لكل واحد سروال. وطعام شهر رمضان بلحم. وكان الشيخ عبد الرحمن ينوع لهم ذلك ويوم الجمعة العدس، وزبيب وقضامة ليلة الجمعة يفرق عليهم بعد قراءة ما تيسر، ووقفه دكاكين تحت القلعة. وكل سنة مرة زبيب وفِرا وبشوت وحلاوة دهنية وصابون وختان من لم يكن مختوناً من الفقراء والأيتام النازلين فيها، وسخانة يسخن فيها الماء في الشتاء لغسل من احتلم، وكعك ومشبك بعسل في ليلة العشرين من رمضان، وكنافة ليلة العشر الأول من رمضان، وقنديل يشعل طول الليل في المقصورة... وغير ذلك كثير.. فليرجع إليه.


اعتداء للجيش الألماني على الجيش العثماني

1001 هـ
في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك قام الجيش الألماني البالغ 40 ألف مقاتل بهجوم مباغت على الجيش العثماني المكون من 10 آلاف مقاتل في الجنوب الشرقي من زغرب الواقعة حاليا في كرواتيا، ويقتل 7 آلاف عثماني، بمن فيهم القائد حسن باشا حاكم البوسنة، وكانت هذه الغارة سببا في إعلان تركيا الحرب على ألمانيا.


ملك بولونيا يهاجم القوات العثمانية

1094 هـ
في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك الموافق للثاني عشر من شهر أيلول للعام الميلادي 1683 ، قام ملك بولونيا سوبيسكي، وبتحريض من رأس كنيسة روما بمهاجمة القوات العثمانية، التي كانت قد أحكمت الحصار حول العاصمة النمساويّة فيينا، نجح الهجوم الصليبي واضطرت القوات العثمانية بقيادة قره مصطفى باشا إلى الانسحاب.
وفي التفصيل، بدأ قرة مصطفى باشا حصاره لفيينا في (18 رجب 1094هـ = 14 يوليو 1683م) دون أن يعلم السلطان محمد الرابع بتوجيه حملته إلى فيينا، وأبلغه بذلك الأمر بعد بدء الحصار بستة أيام، ولما علم السلطان قال: "لو كنت أعلم ذلك مقدما لما أذنت به"، وعلى هذا انقسم رجال الدولة العثمانية إلى قسمين: الأول وعلى رأسه السلطان، ويرى أن تهديد فيينا هذه العاصمة الإمبراطورية سيخيف أوروبا بأسرها ويكتلها ضد الدولة العثمانية في حرب دينية شرسة، ويحرضها على بناء تحالفات تصبغها الصبغة الدينية المقدسة بعد مباركة البابا لها، وهو أمر لا تريده الدولة العثمانية ولا ترغب فيه، خاصة أنها هي الدولة الإسلامية الوحيدة في العالم. أما الاتجاه الثاني ويتزعمه قرة مصطفى باشا فيرى ضرورة فتح فيينا استفادة من هذا الجيش الكثيف القوي قبل أن يقوم تحالف أوروبي كبير تدخل فيه روسيا ويجعل الحرب تطول زمنيا. المهم أن العثمانيين بدءوا في فرض حصارهم على فيينا واستطاعت وحدات الصاعقة العثمانية أن تستولي على الكثير من الآليات النمساوية، ونصبوا سرادقا في المكان الذي نصب فيه السلطان سليمان القانوني سرادقه قبل 154 سنة أثناء حصاره لفيينا، واستطاعت بعض الفرق العثمانية الدخول إلى سويسرا، وبدأ الحصار العثماني على فيينا بحوالي 60 ألف جندي ووزع قرة مصطفى باشا بقية جيشه على ساحة واسعة جدا بقصد قطع طريق المساعدات القادمة للمدينة المحاصرة، غير أن هذا الأمر كان خطأ عسكريا فادحا؛ لأنه شتت القوات العثمانية في مساحة واسعة من الأرض وهو ما أفقدها ميزتها في الكثافة العددية.
أما الإمبراطور ليوبولد الأول فترك فيينا، فقام الشعب الغاضب بنهب قصره، وبدأت الجيوش النمساوية والأوروبية تتجمع للدفاع عن المدينة التي كانت تعتمد على مدافعها التي تعد بالآلاف، وأسوارها المتينة، وخنادقها العميقة والإمدادات التي تصلها. وقد استطاع أحد القادة العثمانيين فتح مدينة "براتسلافا" والاستيلاء على تاج إمبراطور ألمانيا الموجود فيها، وتبعد هذه المدينة 30 كم شرق فيينا. واستطاع أيضا العثمانيون هزيمة دوق المورين بعد ساعتين من القتال الشرس فدخل العثمانيون مدينة "ديوبولد" وأحرقوا قصر الإمبراطور الصيفي. كان قرة مصطفى باشا متأكدا من سقوط فيينا، غير أن الأيام الأخيرة من حصارها بدأت تشهد سقوط آلاف الشهداء العثمانيين، فقد كان الجيش يتكون من 162 ألف جندي، منهم 60 ألفا مشتركون في الحصار، أما باقي الجيش فينتشر في ساحة واسعة، أما المدافعون عن فيينا فكانوا في بداية الحصار أكثر من 11 ألف مقاتل، وانخفض هذا العدد إلى 5500 مقاتل، إلا أن الإمدادات الأوروبية القادمة لنجدة فيينا كانت كبيرة فكان لدى دوق لورين 85 ألف جندي، والملك سوبياسكي 35 ألف جندي على وشك الانضمام إلى الجيش الألماني البالغ عدده 135 ألف مقاتل، منهم 40 ألف خيال، بالإضافة إلى تدفق المساعدات من كافة أنحاء أوروبا. كانت جاذبية فيينا تسيطر على عقل قرة مصطفى باشا، فبدلا من أن يشتت الجيش الألماني الذي لا يبعد عن فيينا أكثر من 15 كم حتى لا يكون نواة تتجمع حولها القوات الأوروبية، انتظر أن تسقط المدينة، حتى لا ينهبها الجيش، فقد كان القانون الدولي آنذاك ينص على ألا تُنهب المدن التي تستلم لحالها.
الخيانة الكبرى
وعندما التأمت الجيوش الأوروبية ترك دوق لورين القيادة العامة للملك سوبياسكي واكتملت استعداداتهم يوم الجمعة الموافق (19 رمضان = 11 سبتمبر) بعدما شعروا أن سقوط فيينا ليس أمامه إلا أيام قليلة؛ لذلك أقدم الأوروبيون على عبور جسر "الدونة" الذي يسيطر عليه العثمانيون بالقوة مهما كلفهم من خسائر، حيث لم يكن بالإمكان إيصال الإمدادات إلى فيينا دون عبور هذا الجسر. وكان مصطفى باشا قد كلف "مراد كيراي" حاكم القرم في الجيش بمهمة حراسة الجسر، ونسفه عند الضرورة وعدم السماح للأوروبيين بعبوره مهما كانت الأمور، وقد كان مصطفى باشا يكره مراد كيراي، ويعامله معاملة سيئة، أما مراد فكان يعتقد أن فشل مصطفى باشا في فيينا سيسقطه من السلطة ومن منصب الصدارة، ولم يخطر ببال هذا القائد الخائن أن خسارة العثمانيين أمام فيينا ستغير مجرى التاريخ العالمي، لذلك قرر مراد أن يظل متفرجا على عبور القوات الأوروبية جسر الدونة، ليفكوا الحصار المفروض على فيينا، دون أن يحرك ساكنا، يضاف إلى ذلك أن هناك وزراء وبكوات في الجيش العثماني كانوا لا يرغبون في أن يكون قرة مصطفى باشا هو فاتح فيينا التي فشل أمامها السلطان سليمان القانوني.
المعركة الفاصلة
وفي يوم السبت الموافق (20 رمضان 1094هـ = 12 سبتمبر 1683م) تقابل الجيشان أمام أسوار فيينا وكان الأوروبيون فرحين لعبورهم جسر الدونة دون أن تُسكب منهم قطرة دم واحدة، إلا أن هذا الأمر جعلهم على حذر شديد، أما العثمانيون فكانوا في حالة من السأم لعدم تمكنهم من فتح فيينا، وحالة من الذهول لرؤيتهم الأوروبيين أمامهم بعد عبور جسر الدونة، بالإضافة إلى ما ارتكبوه من ذنوب ومعاصٍ من شرب الخمر ومعاشرة النساء، وانشغال بعض فرق الجيش بحماية غنائمها وليس القتال لتحقيق النصر، وتوترت العلاقة بين الصدر الأعظم وبعض قواد جيشه وظهرت نتائج ذلك مع بداية المعركة؛ فقد سحب الوزير "قوجا إبراهيم باشا" قائد الجناح الأيمن في الجيش قواته أثناء المعركة وانفصل بها، في الوقت الذي لم تكن هناك أية علامات لهزيمة العثمانيين؛ وهو ما تسبب في انتشار الوهن في القلوب والتولي من ميدان الجهاد، وقد كانت هذه الخيانة هي السبب الرئيسي في الهزيمة، فهجم العدو بكامل قواته على العثمانيين ولم تمض ساعات قليلة حتى كان الأوروبيون في سرادق الصدر الأعظم الفخم، فأمر مصطفى باشا بالانسحاب ورفع الحصار عن فيينا، واستشهد من العثمانيين حوالي 10 آلاف، وقُتل من الأوروبيين مثلهم، ووضع مصطفى باشا خطة موفقة للانسحاب حتى لا يضاعف خسائره، وأخذ الجيش العثماني معه أثناء الانسحاب 81 ألف أسير.وهكذا غادر العثمانيون أرض المعركة ومعهم آلاف الأسرى بعدما تركوا المهمات الثقيلة للعدو، ومنها السرادق الذي يقارب حجمه حجم القصر الكبير وبه حمامات وحدائق وتحف فنية، وانتهى الحصار الذي استمر 59 يوما، وفقدت الدولة العثمانية بهزيمتها أمام فيينا ديناميكية الهجوم والتوسع في أوروبا، وكانت الهزيمة نقطة توقف في تاريخ الدولة.وعاد الجيش العثماني وعُزل إبراهيم باشا الذي كان السبب الأول في الهزيمة، ووبّخه مصطفى باشا قائلا له: "أيها الشيخ الملعون فررت، وبقرارك كنت السبب الكلي في هزيمة العساكر الإسلامية كافة"، وأمر بقتله وقال للسياف عند قطع رأسه: قل للسلطان لا أحد يستطيع أن يتلافى ما حدث غير مصطفى باشا. وأعدم مصطفى باشا الخائن مراد كيراي، أما هو فإن السلطان محمد الرابع أرسل أحد رجال حاشيته فقتله. وفي تلك الأثناء كانت كنائس أوروبا تدق أجراسها فرحا بهذا النصر الكبير، وتحرك جيش التحالف المسيحي لاقتطاع بعض الأجزاء من الأملاك العثمانية في أوروبا، ووقعت معركة "جكردلن" بين أحد القادة العثمانيين وقواته البالغة 30 ألف مقاتل وبين الملك سوبياسكي وقواته البالغة 60 ألف مقاتل، وانتهت بتراجع سوبياسكي، وتوالت المعارك العثمانية في أوروبا، وفقدت الدولة بعض مراكزها الهامة بسبب هزيمتها أمام فيينا التي كانت هزيمة من النوع الثقيل تاريخيا أكثر منه عسكريا.



حدود الفتوحات العثمانية أمام أسوار فيينا:

ومن حوادث اليوم العشرين من رمضان سنة 1904هـ الهزيمة التي لحقت بجيش الدولة العثمانية امام أسوار فيينا، لتضع حداً للفتوحات العثمانية الإسلامية في أوروبا.
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
21 رمضان

21 رمضان


عقيقة النبي (ص) للحسن عليه السلام

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك في السنة الثالثة الموافق للسادس من شهر أيار للعام الميلادي 652، عقّ النبيّ محمد الأمين (عليه أفضل الصلاة والسلام)، أي ذبح عقيقة، وهو ما يُذبح يوم سابع المولود، عن الحسن إبن عليّ زوج إبنته فاطمة الزهراء {رضي الله عنهم}، وهو يوم سابعه، وحلق النبي (عليه الصلاة والسلام) شعره وأمر أن يتصدّق بزنة شعره فضة.

العقيقة في الأصل تعني الشعر الذي علي المولود، ثم أطلقت العرب علي الذبيحة التي تذبح عند حلق شعر المولود عقيقة، علي عادتهم في تسمية الشيء باسم سببه، وقيل: سميت العقيقة بهذا الاسم لأنه يشق حلقها بالذبح.
فالعقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم السابع من ولادته.
حكمها:
للعلماء في حكم العقيقة أربعة آراء هي: السنية، والوجوب، والإباحة، والنسخ.
أولا: السنية.
ذهب جمهور العلماء إلي أن العقيقة سنة مستحبة غير واجبة، فمن فعلها فله الأجر والثواب، والدليل ما يلي:
1- ما رواه ابن عباس أن رسول الله ( عق عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا[أبو داود] ولقوله :)"من أحب أن ينسك عن ولده فليفع[أحمد وأبو داود].
2- أن فعله يدل علي الاستحباب.
ثانيا: الوجوب.
وبه قال الحسن البصري والليث بن سعد والظاهرية، واستدلوا بحديث سمرة عن النبي ( أنه قال: "كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويسمي فيه، ويحلق رأسه"[رواه الخمسة وصحهه الترمذي] وقالوا: إن الولد محبوس عن الشفاعة لوالديه حتى يعق عنه، وهذا دليل الوجوب.
ثالثًا: الإباحة.
ويري أبو حنيفة أن العقيقة مباحة، فمن فعلها، فمن باب التطوع، وذلك لقول النبي ( لما سئل عن العقيقة، قال: "لا أحب العقوق" وورد أنه ( كره أن تسمي ذبيحة المولود عقيقة، لارتباطها بالعقوق.
رابعًا: الجاهلية.
ويري محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أن الأضحية نسخت كل ذبيحة كانت قبل الإسلام، وعليه، فإن العقيقة من فعل الجاهلية.
ولكن هذا القول هو قول شاذ، والأرجح هو قول الجمهور: إن العقيقة سنة، ويؤجر الإنسان علي فعلها.
أحكامها:
وللعقيقة أحكام تتعلق بها، أهمها:
الوقت:
وقت العقيقة يوم السابع من الولادة، فإن لم يكن ففي اليوم الرابع عشر، فإن لم يتمكن ففي اليوم الواحد والعشرين، وذلك لحديث عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي ( قال: "العقيقة تذبح لسبع ولأربع عشرة، ولإحدي وعشري"[البيهقي]. وتعيين اليوم السابع من باب الاختيار، فإذا تأخرت حتى بلغ المولود سن البلوغ، سقطت عن والده، أو عمن تجب عليه نفقته، لكن إن أراد أن يعق هو عن نفسه فعل، وإن مات المولود قبل السابع سقطت عنه العقيقة.
العدد:
ويذبح عن الذكر في العقيقة شاتان، وعن الجارية شاة واحدة، فعن أم كرز الكعبية، أنها سألت رسول الله ( عن العقيقة، فقال:"نعم عن الغلام شاتان، وعن الأنثي واحدة، لا يضركم ذكرانًا كن أو إناثًا"[أحمد والترمذي وصححه]
ويري بعض الفقهاء أنه يذبح شاة عن الولد أو الجارية، استدلالا بحديث ابن عباس أن النبي ( عق عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا[أبو داود].
والأرجح إن صح حديث النبي ( في اقتصاره علي ذبح شاة، ففيه دليل علي أن الشاتين مستحبة وليست متعينة، وذبح الشاة جائز غير مستحب.
التدمية:
وكره جمهور العلماء تدمية رأس المولود أو جسده بوضع خرقة فيها دم عند الذبح علي الرأس أو الجسد، فعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: كانوا في الجاهلية إذا عقوا عن الصبي، خضبوا بطنه بدم العقيقة، فإذا حلقوا رأس المولود وضعوها علي رأسه، فقال النبي ( :"اجعلوا مكان الدم خلوقًا[ابن حبان].
ولكن يستحب وضع زعفران أو غيره علي رأس المولود بعد الحلق، فعن بريدة الأسلمي-رضي الله عنه-قال: "... فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة، ونحلق رأسه، ونلطخه بالزعفران"[أبو داود].
عدم كسر العظام:
ويراعي عند ذبح النسيكة "العقيقة" ألا تكسر من عظمها شيء سواءً كان عند الذبح أو الأكل، فعن جعفر بن محمد عن أبيه، أن النبي ( قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين: أن ابعثوا إلي القابلة منها برجل، وكلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظمًا.[أبو داود].
فينفصل قطع كل عظم من مفصل بلا كسر، لما يلي:
1- أن هذا الفعل أجل وأعظم في الجود والكرم للفقراء، وإظهار منزلة هذا الطعام في نفوس الفقراء والأقارب.
2- أن يتيمن بهذا الفعل بسلامة أعضاء المولود وصحتها وقوتها، لأن العقيقة تجري مجري الفداء للمولود.
شروط الذبيحة:
يشترط لذبيحة النسيكة (العقيقة) ما يشترط للأضحية، وهذه الشروط هي:
1- أن يكون عمرها سنة، ودخلت في الثانية إذا كانت من الضأن أو المعز، ويجوز في الضأن السمين أن يكون عمره ستة أشهر، شريطة ألا يفرق بينه وبين الذي له سنة، أما الماعز فلابد من الشرط.
2- السلامة من العيوب، فلا يصح ذبح العمياء ولا العوراء ولا الهزيلة، ولا العرجاء التي لا تستطيع المشي إلي الذبح، ولا التي ذهبت أسنانها، ولا التي لا أذن لها بسبب الخلقة، ولا المجنونة يمنعها من الرعي، ولا مقطوعة الذنب أو الإلية إذا ذهب أكثر من ثلثها، أما العيوب البسيطة فيجوز الذبح، وإن كان الأولي أن تكون خالية من كل عيب.
3- لا يصح الاشتراك في ذبيحة النسيكة (العقيقة) لأن الذبح فيه إراقة دم عن الولد، فهي من باب الفداء عنه.
4- يصح الذبح بالإبل أو البقر، بشرط أن يكون عن مولود واحد.
5- يصح في العقيقة الإهداء والتصدق والأكل، لنشر الود بين أفراد المجتمع.
6- يجوز أن يتولي ذبح العقيقة عن والد المولود، فله أن ينيب غيره لقول النبي:"يذبح عنه يوم سابعه"[رواه الخمسة]. ببناء الفعل للمجهول.
الحكمة من النسيكة (العقيقة):
للذبح عن المولود حكم عظيمة، منها
- والتقرب إلي الله-سبحانه-عن المولود من أول أيام حياته.
- فكان لرهان المولود في الشفاعة لوالديه يوم القيامة، كما جاء الحديث بذلك.
- زيادة منابع التكافل الاجتماعي بمنبع جديد، يحقق سلامة مبادئ العدالة الاجتماعية، ويمحو عنها ظواهر الفقر والجوع.
- زيادة الروابط بين الأقارب والأصدقاء وأفراد المجتمع.
- إظهار السرور والفرح بإقامة سنة من السنن النبوية.
- فداء للمولود عن أن تصيبه المصائب والآفات.
- البهجة للزوجين والشكر لله علي ما أنعم عليهما من نعمة الولد.



وفاة ولي عهد المأمون الرضا ابن موسى الكاظم :

ومن حوادث اليوم الحادي والعشرين من رمضان سنة 203 وفاة الإمام السيد علي الرضى بن الإمام السيد موسى الكاظم بن السيد جعفر الصادق بن السيد محمد الباقر بن السيد علي بن السيد الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلي الرضى هاشمي علوي مدني كان من العلم والسؤدد بمكان (سير أعلام النبلاء 9/393) استدعاه المأمون إليه إلى خراسان وبالغ في إعظامه وصيره ولي عهده، لأنه نظر في بني العباس وبني علي رضي الله عنهما فلم يجد أحداً أفضل ولا أورع ولا أعلم منه
قال الذهبي: قيل إن أخاه زيداً خرج بالبصرة على المأمون وفتك وعسف، فنفذ إليه المأمون علي بن موسى ليرده فسار إليه وقال له:
ويلك يا زيد فعلت بالمسلمين ما فعلت وتزعم أنك ابن فاطمة؟ والله لأشد الناس عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ينبغي لمن أخذ برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطي به.
فبلغ ذلك المأمون فبكى وقال: هكذا ينبغي أن يكون أهل بيت النبوة.
قيل إن علي بن موسى الرضى مات مسموماً !!
قال أبو عبد الله الحاكم: استشهد علي بن موسى بسنداباد من طوس لتسع بقين من رمضان (أي يوم الحادي والعشرين من رمضان) سنة ثلاث ومائتين وهو ابن تسع وأربعين سنة رحمه الله.


وفاة الفقيه المالكي عبد الله ابن عبد الحكم تلميذ مالك:

ومن حوادث اليوم الحادي والعشرين من رمضان سنة 214هـ وفاة الإمام عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن الليث يكنى أبا محمد (الديباج المذهب 1/134)
وابن عبد الحكم من خيرة تلاميذ الإمام مالك، كان رجلاً صالحاً ثقة متحققاً بمذهب مالك، فقيهاً صدوقاً عاقلاً حليماً. إليه أفضت رياسة المالكية بمصر بعد أشهب، وبلغ بنوه من الجاه ما لم يبلغه أحد.
وكان ابن عبد الحكم صديقاً للشافعي رحمه الله ينزل عنده ويكرمه، ويبلغ الغاية في بره، وروى عن الشافعي وكتب كتبه لنفسه وابنه. وضم ابنه محمداً إليه...
من تأليف عبد الله بن عبد الحكم: المختصر الكبير والمختصر الأوسط والمختصر الصغير، فالصغير قصره على علم الموطأ، والأوسط فيه زيادة الآثار، والكبير اختصر به كتب أشهب. وذكر أن مسائل المختصر الكبير ثمان عشرة ألف مسألة، وفي الأوسط أربعة آلاف، وفي الصغير ألف ومئتا مسألة. ومن كتبه كذلك: فضائل عمر بن عبد العزيز، وكتاب المناسك.
توفي عبد الله بن عبد الحكم لأحدٍ وعشرين ليلة خلت من رمضان سنة أربع عشرة ومائتين وهو ابن ستين سنة.


تولي الخليفةُ المعتّز بدين الله نيابةَ الديار المصرية

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 254 هـ، تولى الخليفةُ المعتّز بدين الله نيابةَ الديار المصرية، فأحسن إلى أهلها وأنفق فيهم من بيت المال ومن الصدقات، كانت له في شهر رمضان المُبارك مائدة في كل يوم يحضرها الخاصُ والعام، كان يتصدق من خالصِ ماله في كل شهر بألف دينار، وبنى جامعاً أنفق عليه أكثرَ من مائة وعشرين ألف دينار، تُوفي الخليفة المعتّز بمصر في أوائل شهر ذي القعدة سنة مائتين وأربعة وستين للهجرة النبويّة، من علة أصابته من أكل لبن الجواميس، الذي كان يحبه، كان له ثلاثة وثلاثون ولداً، منهم سبعة عشر ذكراً، فقام بالأمر من بعده ولده خمارويه.


البداية العلنية لنفوذ السلاجقة

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 447 هـ، الخليفة العباسي يأمر بتلاوة خطبة الجمعة في بغداد باسم السلطان السلجوقي طغرل بك، وكان ذلك اعترافا صريحا من العباسيين بنفوذ السلاجقة في الخلافة العباسية.

السلاجقة، بنو سلجوق، السلاجقة الكبار: سلالة تركية حكمت في أفغانستان وإيران وأجزاء من الأناضول والعراق وسورية والجزيرة العربية مابين 1038-1157 م (ثم حتى 1194 م).
المقر: مرو ثم إصفهان.
ينتمي السلاجقة إلى إحدى العشائر المتزعمة لقبائل الغز التركية. دخلت هذه العشيرة في الإسلام أثناء عهد زعيمها سلجوق سنة 960 م. دخلوا بعدها في خدمة القراخانات (قره خانات) في بلاد ماوراء النهر. قام أحفاد سلجوق، طغرل (1038-1063 م) وجغري (1038-1060 م) بتقسيم المملكة إلى نصفين. النصف الغربي وقاعدته إصفهان، النصف الشرقي وقاعدته مرو. بعد انتصاره على الغزنويين سنة 1040 م بالقرب من دنكان توسعت مملكة طغرل بك إلى الغرب أكثر. ثم ضمت فارس إليها سنة 1042 م بعض الأجزاء من الأناضول، ثم العراق أخيراً سنة 1055 م، بعد القضاء على دولة البويهيين في العراق دخل طغرل بك بغداد في 25 رمضان 447هـ/23 ديسمبر 1055 م. أطلق المؤرخون على الفترة التي دخل فيها السلاجقة العراق اسم عصر نفوذ السلاجقة، حيث كانت بيدهم مقاليد الأمور ولم يبق للخليفة العباسي سوى بعض المظاهر والرسوم. أعلن طغرل بك نفسه كحام للخلافة العباسية (خلع عليه الخليفة لقب السلطان لأنها أعادت للخلافة العباسية بعض هيبتها المفقودة).
شب صراع على الحكم بعد وفاة طغرل بك ولكن لم تلبث الأمور أن هدأت بعد قيام ألب أرسلان بتولي الحكم والقضاء على الثورات. بلغت الدولة أوجها في عهد السلطان ألب أرسلان (1060/63-1072 م) ثم ملك شاه (1072-1092 م) من بعده، كما قام وزيره نظام الملك (1060/65-1092 م)وبإنشاء العديد من المدارس لتثبيت مذهب أهل السنة في المنطقة. استولى السلاجقة على أرمينية سنة 1064 م، ثم بسطوا سيطرتهم على الحجاز والأماكن المقدسة منذ 1070 م. كما حققوا انتصارا حاسما على البيزنطيين في ملاذكرد سنة 1071 م. أكملوا بعدها سيطرتهم لتشكل كامل الجزيرة العربية تقريبا.
في سنة 1092 م وبسبب كثرة المتسابقين على عرش السلطنة بين أفراد العائلة، أصبحت المملكة السلجوقية ممالك عدة. تمكن محمود (1105-1118 م) بتوحيدها من جديد إلا أن أمر التقسيم كان محتوماً. قامت مملكة سلجوقية في العراق وإيران ودامت إلى حدود سنة 1194 م. وأخرى في الشرق أقامها السلطان سنجار (1118-1157 م) والتي لم تعمر طويلا بعده. كان على خلفائه ومنذ 1135 م الصراع مع جيرانيهم. قضى عليهم شاهات خوارزم (خوارزمشاهات) أخيرا سنة 1194 م. قامت فروع أخرى للسلاجقة:
• في كرمان (1041-1187 م)؛ المقر: بردشير، راجع سلاجقة كرمان
• في الشام (1094-1117 م)؛ المقر دمشق ثم حلب، راجع سلاجقة الشام
• في الأناضول (1077-1308 م)؛ المقر إزنيق (نيقية) ثم قونية، راجع سلاجقة الروم

(ويكيبيديا)



وقعة تل حارم وهزيمة منكرة للصليبيين:

من حوادث اليوم الحادي والعشرين من رمضان وقعة تل حارم ودخول السلطان نور الدين إليها سنة 559 هـ
قال أبو شامة في الروضتين: (1/417) نقلاً عن ابن الأثير:
ـ في سنة 551 حاصر نور الدين قلعه حارم - وهو حصن غربي حلب بالقرب من أنطاكية - وضيق على أهلها، وهي من أمنع الحصون وأحصنها في نحور المسلمين، فاجتمعت الفرنج من قَرُب منها ومن بَعُد وساروا نحوه لمنعه
وكان بالحصن شيطان من شياطين الفرنج أشار عليهم بعدم منازله نور الدين بل بمماطلته ومفاوضته، وقال لهم:
ـ إن لقيتموه هزمكم وأخذ حارم وغيرها.
ففعلوا وراسلوا نور الدين في الصلح على أن يعطوه حصة من أعمال حارم فأبى أن يجيبهم إلا على مناصفة الولاية، فأجابوه إلى ذلك، فصالحهم وعاد. لكنه كانت عيناه لا تفارق حصن حارم.
لذلك فإنه وهو يصارع الصليبيين، عاد في سنة 559 وجمع العساكر، وسار نحو حارم فنزل عليها وحصرها، وحشد الإفرنج وجاءوا، وتقدم الإفرنج البرنس بيمند صاحب أنطاكية، والقمص صاحب طرابلس وأعمالها، وابن جوسلين وهو من مشاهير الفرنج وأبطالها، والدوك معهم وهو رئيس الروم، وجمعوا من الجند ما لا يقع عليه الإحصاء !! فحرض نور الدين أصحابه وفرق نفائس الأموال على شجعان الرجال ، فلما قاربه جيشهم فك الحصار عن حارم مؤقتاً، وانسحب انسحاباً تكتيكياً حتى دخلتها قوات الفرنجة.
ثم التقى بهم وتقارب الجيشان، واصطف الجند للقتال، وبدأ الفرنجة بالحملة على ميمنة المسلمين وبها عسكر حلب، فتظاهروا بالهزيمة وتفرقوا أمامهم، وكانت تلك خطة نور الدين ليفصل فرسان الفرنج عن راجلهم، فيميل عليهم من بقي من المسلمين ويضعوا فيهم السيف.
وهكذا كان، فإن زين الدين في عسكر الموصل عطف على مشاة الفرنجة فأفناهم قتلاً وأسراً، وعادت خيالتهم التي هاجمت عسكر حلب، فوجدت نفسها محاصرة من عسكر الموصل من جهة ومن عسكر حلب الذين عادوا أدراجهم من جهة أخرى، فحينئذ حمي الوطيس، وكانت وقعة شديدة الوطأة على الفرنجة، فانقضت العساكر الإسلامية عليهم انقضاض الصقور على بغاث الطير، فمزقوهم بددا وجعلوهم قددا، وأكثر فيهم المسلمون القتل، حتى زادت قتلاهم على العشرة آلاف. وكان الأسرى ثلاثين ألفا.
وسار نور الدين بعد الكسرة إلى حارم فملكها في الحادي والعشرين من رمضان سنة 559هـ.
يقول ابن شامة: بلغني أن نور الدين رحمه الله لما التقى الجمعان انفرد تحت تل حارم، وسجد لربه عز وجل ومرّغ وجهه وتضرع، وقال :
- يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك: إيش فضول محمود - يعني نفسه، أي ما قيمة محمود - إن كان غير مستحق للنصر.
وبلغني أنه قال: اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً. من هو محمود الكلب حتى يُنْصر.


نقل جثمان الملك الكامل إلى تربته :

ومن حوادث اليوم الحادي والعشرين من رمضان سنة 675 نقل جثمان الملك الكامل محمد بن العادل من ملوك الأيوبيين في مصر من قبره بالقلعة في القاهرة إلى تربته التي بالحائط الشمالي من الجامع ذات الشباك الذي هناك قريبا من مقصورة ابن سنان وهي الكندية، نقل إلى هذه التربة ليلة الجمعة الحادي والعشرين من رمضان بعد أن دفن مؤقتا في القلعة

هو أبو المعالى محمد بن محمد بن أيوب ناصر الدين الملك الكامل (576-635 هـ) أحد سلاطين الدولة الأيوبية. تنازل عن بيت المقدس للصليبيين.
كان عارفا بالأدب والشعر، وسمع الحديث ورواه. ولاه أبوه الديار المصرية سنة 615هـ خمس عشرة وستمائة، وحسنُت سياسته فيها، واتجه إلى توسيع نطاق ملكه، فاستولى على حران، والرها، وسروج، ولرقة، وآمد ثم امتلك الديار الشامية. وله مواقف مشهورة في الجهاد بدمياط ضد الإفرنج، وكان حازمًا عفيفا عن الدماء، مهيبا، يباشر أمور الملك بنفسه.
من أثاره المدرسة الكاملية بمصر. وتوفي الملك الكامل في دمشق سنة (635هـ)، واستمر في الملك أربعين سنة.


قال ابن كثير (البداية 13/268) كان جيد الفهم يحب العلماء ذكياً مهيباً عادلاً منصفاً له حرمة وافرة وسطوة قوية، ملك مصر ثلاثين سنة، وكانت الطرقات في زمانه آمنة والرعايا متناصفة لا يتجاسر أحد أن يظلم أحداً، وكانت له اليد البيضاء في رد ثغر دمياط إلى المسلمين بعد أن استحوذ عليه الفرنج لعنهم الله، فرابطهم أربع سنين حتى استنفذه منهم وكان يوم استرجاعه له يوماً مشهوداً.
توفي الملك الكامل ليلة الخميس الثاني والعشرين من رجب سنة 675هـ ودفن بالقلعة حتى كملت تربته التي نقل إليها يوم الحادي والعشرين من رمضان من نفس العام.


وفاة معين الدين الحسن بن شيخ الشيوخ

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك 643 هـ الموافق للعاشر من شهر شباط للعام الميلادي 1246، كان رحيل معين الدين الحسن بن شيخ الشيوخ، وزير الصالح نجم الدين أيوب، أرسله إلى دمشق، فحاصرها مع الخوارزمة أول مرة، حتى أخذها من يد الصالح إسماعيل، وأقام بها نائباً من جهة الصالح أيوب، كانت وفاته في مثل هذا اليوم، وكانت مدة ولايته بدمشق أربعة أشهر ونصف الشهر، وصُلي عليه بجامع دمشق، ودُفن بقاسيون في سوريا إلى جانب أخيه عماد الدين.


وفاة الشيخ الملقن عز الدين الحنبلي:

ويورد ابن كثير رحمه الله في البداية (14/224) سيرة رجل من الصالحين توفي يوم الحادي والعشرين من رمضان سنة 648 هـ فيقول:
وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من رمضان توفي الشيخ عز الدين محمد الحنبلي بالصالحية وهو خطيب الجامع المظفري، وكان من الصالحين المشهورين رحمه الله، وكان كثيراً ما يلقن الأموات بعد دفنهم، فلقنه الله حجته وثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة. اهـ.


وفاة السلطان العثماني عثمان الأول

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك 726 هـ الموافق للعشرين من شهر آب للعام الميلادي 1326، رحل السلطان العثماني عثمان الأول، مؤسس الدولة العثمانية، خلفه في الحكم على عرش السلطنة العثمانية إبنه أورخان.

نشأت الدولة العثمانية إمارة صغيرة عام (699هـ/1299م)، وتوسعت مع مرور الأيام توسعاً مضطرداً، شمل ثلاث قارات، وأصبحت من الدول القوية، صاحبة النفوذ الكبير والكلمة المسموعة في العالم. وهي أطول الدول الإسلامية حكماً في التاريخ. إذ استمر حكمها إلى عام (1342هـ1924/م)، عندما ألغيت الخلافة الإسلامية، وتقوَّضت الدولة العثمانية، وقامت على أنقاضها الجمهورية التركية. ومن ثم فإن حكم الدولة العثمانية استمر سبعة قرون، تعاقب على الحكم فيها ستة وثلاثون حاكماً من أسرة آل عثمان، بعضهم بلقب أمير، وبعضهم بلقب خليفة، ومعظمهم بلقب سلطان.

عثمان بن أرطغرل:
ولد الأمير عثمان بن أرطغرل عام(656هـ1258/م) في بلدة سوغود Sogud أو عثمانجق .Osmancik وهو رأس أسرة آل عثمان ومؤسس الدولة العثمانية.
خلف والده في قيادة عشيرته. ولبث مصاحباً للسلطان السلجوقي علاء الدين كيكوبات. وقد ساعده في فتح مدن منيعة وقلاع حصينة. فلما قُتل السلطان السلجوقي وسقطت الدولة السلجوقية على أيدي التتار، هرع الناس يلتفون حول المير عثمان غازي، وبايعوه حاكماً عليهم، وذلك (عام 699هـ/1299م)، فاتخذ مدينة قره حصار مركزاً لدولته. ثم حصَّن مدينة يني شهير وجعلها عاصمة إمارته. حكم بين الناس بالقسط والعدل، وأنصف المظلوم، وأعطي كل ذي حق حقه. حتى ذاع صيته، وعلا شأنها، ولا سيما بعدما تزوج بنت الشيخ أده بالي Edebali .
أُعجب به السلطان السلجوقي مسعود، لِما حقّقه من انتصارات متتالية على البيزنطيين في الحروب التي وقعت بينهم. فخاطبه السلطان بعثمان شاه، وأرسل إليه علماً أبيض وتاج الملك. ولما واصل جهاده في فتح القلاع والحصون البيزنطية الواحدة تلو الأخرى، واشتدت وطأته على البيزنطيين فعزموا على قتله، فدبروا له مكيدة، غير أن القائد البيزنطي كوسه ميخال "Kose Mihal"، أسر إليه بالأخبار، فاحتاط للأمر، واعد العدة الكافية، وبادر القوات البيزنطية بهجوم مباغت أحبط مكيدتهم، وحقق النصر عليهم.وبعد أن أصبحت الدولة العثمانية مستقلة استقلالاً تاماً، توسعت جبهات القتال مع البيزنطيين. وكان الهدف الأسمى، الذي يسعى الأمير عثمان لتحقيقه، هو فتح مدينة بورصا واتخاذها عاصمة للدولة العثمانية. وظل هذا هدفاً يطمح إليه الأمير عثمان حتى آخر حياته؛ فقد أمر، وهو على فراش الموت، ولده أورخان بفرض الحصار عليها، والاستماتة في فتحها. وقد نجح أورخان في ذلك، وطارت أنباء الفتح إلى الأمير عثمان وهو يجود بأنفاسه الأخيرة. ونُقل جثمانه إلى مدينة بورصا ودفن بها. في عام( 726هـ 1324/م)، بعد أن عاش سبعين عاماً، قضى منها 27 عاماً على عرش السلطنة.
كان ـ رحمه الله ـ شديد البأس، سديد الرأي، عالي الهمة، كريم الأخلاق، أبيّ النفس. له من الأولاد سبعة، هم: أورخان بك، وعلاء الدين بك، وجوبان بك، وحامد بك، وفاطمة خاتون، وبازارلي بك، وملك بك.


الدولة العثمانية: نشأتها وتطورها وانحطاطها


نشأة الدولة العثمانية
تعد الدولة العثمانية أطول الدول الإسلامية عهداً؛ فقد عاشت 661 سنة، وأطولها فترة في مراحل نشأتها وتكونها ثم انحدارها. وهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمكنت من فتح القسطنطينية، والهيمنة على أجزاء شاسعة من أوروبا وآسيا وأفريقيا، في وقت واحد. وظلت لعدة قرون قائدة العالم الإسلامي، والممثلة له. توافقت نشأتها مع عصر تطور النهضة في أوروبا، واتجاه مؤسساتها الناشئة إلى حركة الاستعمار في زمن الانتقال من القرون الوسطى إلى العصور الحديثة. وأخيراً، فقد ظلت دوماً تقوم على ثلاثة بحار هامة، هي البحر المتوسط والبحر الأسود والبحر الأحمر. وقد توالى على عرش السلطة فيها ستة وثلاثون سلطاناً، من سلالة واحدة، تكرر بعضهم مرتين وبعضهم ثلاث مرات.

تأسيس الدولة العثمانية
لم يبرز للعثمانيين وجود تاريخي قبل القرن السابع الهجري/12م؛ ولذلك نسجت حول أصلهم و أوائلهم الكثير من الأساطير حسب الأهواء والظنون.
تسبب الغزو المغولي في هجرة كثير من القبائل التركية من وسط آسيا إلى الأناضول، وتعاظمت هجراتهم بعد انتصار السلاجقة على البيزنطيين في معركة ملاذكرت) عام1071م).
وتُنسب الدولة العثمانية إلى مؤسسها عثمان بن أرطغرل، الذي ولد عام 656) هـ/1258م)، وتوفي عام 726)هـ/ 1326م). و هو إلى عشيرة قايي، من قبيلة الغزالأغوز التركية. هاجر جده سليمان شاه، أمير عشيرة قايي، مع عشيرته من موطنه الأصلي، في آسيا الوسطى، ليستقر في الأناضول، في كنف دولة سلاجقة الروم، حوالي عام (618 هـ/1123م)، وظل يتنقل بهم من منطقة أخلاط، ومنها إلى أرضروم، ثم إلى أماسية في الأناضول. ثم انحدر بهم إلي حوض الفرات، حتى شرقي حلب. ولكنه غرق أثناء عبور النهر، ودُفن في قلعة جعبر، داخل الحدود السورية، ولا يزال قبره هناك إلى اليوم.
تولى زعامة العشيرة بعده ابنه أرطغرلبن سبيمان؛ فتحرك بها، شمالاً مرة أخرى إلى الأناضول. وشارك السلطان السلجوقي، علاء الدين كيقباد الأول، في حروبه ضد المغول وأبلى هو رجاله بلاءً حسناً؛ فأقطعه السلطان علاء الدين السلجوقي منطقة قراجة طاغ القريبة من أنقرة عام(628هـ1133/م.(ويقال أنه أقطعه كذلك بلدتي سوغود ودومانيج، على الحدود مع البيزنطيين، في غربي الأناضول. ومنحه لقب "حارس الحدود".
توفي أرطغرل في بلدة سوغود، عام(680هـ/1281م)، فتولى بعده ولده عثمان، سيداً على عشيرته وحاكماً للمقاطعة. وأخذ يشن الغارات والحملات الهجومية على البيزنطيين، ويكسب منهم قلاعاً وقرى ويضمها، لحساب الدولة السلجوقية. ومنحه السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباد الثالث جهات إسكي شهر وإينونو، عام (1289م).
حاصر عثمان مدينة بورصة، المعروفة في غرب الأناضول، في عام(1314م)، ولكنه لم يتمكن من فتحها.
وتوسعت منطقة نفوذ عثمان أو إمارته، فشملت مناطق سوغود، ودومانيج، وإينه كول، ويني شهر، وإن حصار، وقويون حصار، وكوبري حصار، ويوند حصار. وجعل في عام(1300م)، يني شهر مركزاً لتلك الإمارة.
وفد على عثمان بن أرطغرل كثير من علماء الدولة السلجوقية، التي كانت في طريقها إلى الاضمحلال، وأقبل عليه أمراؤها وأعيانها، فدخلوا تحت حمايته.
يُرجع كثيرٌ من الباحثين نشأة الدولة العثمانية إلى عام (699هـ1299/م)، عندما استقل الأمير عثمان بإمارته الصغيرة عن الدولة السلجوقية.
بينما يرجعها البعض الآخر إلى عام( 708هـ/1308م)، عندما توفي آخر سلاطين سلاجقة الروم السلطان غياث الدين مسعود الثالث، حيث كانت الإمارة العثمانية تابعة للدولة السلجوقية قبل ذلك.
ومع أنّ عثمان بن أرطغرل لم يلقّب بالسلطان أو الخان إلاّ بعد وفاته، إلا أنه يعد المؤسس الأول للأسرة. وقد حكم 45 عاماً، واستطاع توسيع مملكته من 4800 كم2، عند توليه الإمارة بعد والده أرطغرل، عام(681هـ/1281م)، إلى 16 ألف كم2، حين سلمها لولده أورخان، عام (726هـ/1326م).
اتخذ أورخان بن عثمان الذي ولد عام 1281م، مدينة بورصة، الواقعة في أقصى غرب الأناضول، عاصمة لملكه، وقاعدة لتحركاته، بعد أن تيسر له فتحها قبيل وفاة والده، عام(726هـ/1326م). ثم فتح إزمير عام(1327م)، وطاوشانلي في عام(1330م .(واستطاع بذلك أن يفرض على الإمارات السلجوقية المجاورة، الاعتراف الفعلي بحكمه، وبأنه وريث العرش السلجوقي.
ومما زاد من شهرته، تمكنه من هزيمة الامبراطور البيزنطي، الذي حاول استعادة مدينة إزنيق من العثمانيين، عام( 732هـ/1331م). وقد بدأ السلطان أورخان، بعد ذلك، باتباع سياسة متسمة بالحكمة، في التعامل مع البيزنطيين، وتحرص على عدم البدء بالاعتداء، مع محاولة الوصول إلى البحار المفتوحة والمضايق.
وقد توالت الفتوحات، طيلة حكم السلطان أورخان، الذي يعد أول أمير عثماني تسمى بلقب السلطان. وفي عام 736)هـ/1335م)، كوّن جيشاً منظماً، ومدرباً أحسن تدريب. وانضمت بعض الإمارات السلجوقية إلى الدولة العثمانية، التي وصلت حدودها إلى البحر، بعد أن استولت على أسكودار، وهي الضفة الآسيوية من مدينة إستانبول. وفي الوقت نفسه، توسعت الدولة في الجانب الشرقي من البلاد، ففتحت مدينة أنقرة، عام (756هـ/1354م).
سنّت الدولة، في فترة حكم السلطان أورخان، وبإشارة من الوزير قره خليل جاندارلي، قانوناً يقضي بتشكيل جيش سمي "الإنكشارية"، وبمقتضى هذا القانون يؤخذ بعض أولاد النصارى، ويُعنى بتربيتهم، وتهذيبهم تهذيباً إسلامياً، حتى إذا بلغوا سن التجنيد، أُرسلوا إلى الثكنات العسكرية في العاصمة؛ ليتولوا الدفاع عن أراضي الدولة دفاعاً مستميتاً.
كما وضعت تنظيمات إدارية ومالية، في عهد السلطان أورخان، أصبحت قاعدة، تركن إليها الدولة في السنوات التالية، مثل النظام الخاص بإقطاع الأراضي الأميرية، وكيفية تقسيمها على المشاركين في الحرب، وتشكيل الوزارة، وغيرها من الأنظمة، التي استقرت قواعد الدولة عليها.


ضم البلاد العربية
استفحل أمر الدولة الصفوية، بعد عهد السلطان بايزيد الثاني، الذي استخدم اللين مع الشاه إسماعيل الصفوي، على الرغم من نشاط الخير في نشر المذهب الشيعي بين القبائل التركية البدوية، وقتل الكثير من أهل السنة، بعد استيلائه على بغداد. وكان ذلك يحمل في طياته خطراً كبيراً على الدولة العثمانية، التي تزعمت أهل السنة في ذلك الوقت. إذ أن الشاه إسماعيل الصفوي، الذي جعل من التشيع سياسة لدولته ومذهباً لها، وجد له أعواناً كثيرين في الأناضول. وكان ذلك كفيلاً بأن يفتت وحدة الدولة العثمانية في الأناضول، على وجه الخصوص. فأجَّل السلطان سليم الأول فتوحاته، في أوروبا، ردحاً من الزمن، وتوجه بكل ما أوتي من قوة نحو الشرق، لوقف ذلك المد الشيعي، وتأديب المماليك، في مصر والشام، المتحالفين مع الصفويين، والعاجزين عن حماية الأماكن المقدسة. وكانت معركة جالديران، عام (920هـ/ 1514م)، انتصاراً باهراً للعثمانيين وهزيمة نكراء للصفويين، توغل الجيش العثماني بعدها في إيران حتى وصل إلى تبريز. وقد ثبّت ذلك الانتصار أقدام العثمانيين في الأناضول، وحسنت من صورتهم أمام العالم الإسلامي. غير أن ذلك النصر لم يكن ليكتمل ما لم تتم إزالة التهديدات البرتغالية للبحر الأحمر والأماكن المقدسة، في وقت استغاث فيه أهالي المنطقة بالعثمانيين، إزاء عجز المماليك عن الدفاع عنها، إضافة إلى إيواء المماليك للثائرين على السلاطين العثمانيين، وتحالفهم مع الصفويين ضد العثمانيين.
توجّه السلطان سليم الثاني إلى سوريا، ووقعت بينه وبين الغوري المملوكي معركة، بالقرب من حلب، عند مرج دابق، عام( 922هـ/1516م)، ومني الغوري بالهزيمة، وسقوط قتيلاً، ودخل السلطان سليم الأول مدينة دمشق، وضُمت الأراضي السورية إلى الدولة العثمانية. ثم توجه السلطان سليم إلى القاهرة، وانتصر في معركة الريدانية، بالقرب منها، في عام 923هـ (بدايات عام 1517م). وبذلك بدأ عهد جديد في تاريخ العثمانيين، اكتملت فيه سيطرتهم على العالم العربي، والتي استمرت أربعة قرون. وأعلن بذلك العثمانيون حمايتهم للأماكن المقدسة، وجعل البحر الأحمر بحيرة إسلامية.

تأخَّر الدولة العثمانية وتدهورها
يعزو كثير من الباحثين بداية انحدار الدولة العثمانية إلى (عام 1110هـ1699/م)، عندما اندحرت أمام الأعداء، واضطرت، لأول مرة، إلى توقيع معاهدة كارلوفجا، التي فرض شروطها عدوُّها المنتصر. وخرجت الدولة العثمانية بتلك الهزيمة من عزلتها، وتيقنت يقيناً جازماً من تخلف أجهزتها العسكرية. فبدأت توجُّهاً قوياً إلى الاستفادة من التقدم الأوروبي، فيما عُرف، في تاريخ الدولة العثمانية بحركات التجديد.
أرجع بعض الباحثين مقدمات ضعف الدولة العثمانية إلى عهد السلطان سليمان القانوني، بسبب وقوعه تحت تأثير زوجته روكسلانا، التي تآمرت ضد الأمير مصطفى ابن سليمان، ليتولى ابنها سليم الثاني الخلافة بعد أبيه. وكان مصطفى قائداً عظيماً ومحبوباً لدى الضباط، مما أدى إلى حركة تزمر بين الإنكشارية ضد السلطان، فأخمدها السلطان سليمان. وبذلك قضى على الأمير مصطفى. وأعقب ذلك تخلي السلطان عن ممارسة سلطاته، وتسليم مقاليد الأمور إلى زوجته، مما أدى إلى بروز سطوة الحريم، والعجز عن مواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، التي أدت إلى نشوب القلاقل الشعبية في الروملي والأناضول.


عوامل الضعف في الدولة العثمانية
أصيبت الدولة العثمانية بعدة عوامل ضعف أثرت على مسيرتها وتقدمها. وعلى الرغم من وجود عوامل خارجية ساهمت في ضعف الدولة حتى في عهد القوة والتوسع، إلاّ أنها لم تكن مؤثرة في الدولة بقدر المؤثرات الداخلية. يمكن إيجاز تلك العوامل الداخلية على النحو الآتي:
أ: البعد عن منهج الإسلام الأصيل وجوهر الإيمان. الذي كان يميز الدولة العثمانية منذ قيامه، عندما كانت العاطفة الإسلامية جياشة وقوية. فلما تبعتها التربية الإسلامية، والتدريب السليم للنظام العسكري الجديد، كانت القوة وكان الفتح وكان التوسع. فلما ضعفت التربية الإسلامية زادت أعمال السلب، والنهب، والفسق، والفجور. واستمر الانحراف، وظهرت حركات العصيان والتمرد، وفقدت الدولة هيبتها.

وقد تمثل ذلك في:
1) الإهمال في العدالة والضبط وحسن السياسة، وسببه عدم تفويض إسناد الأمور إلى أهلها الكفاء.
2) المسامحة في المشاورة والرأي والتدبير، وسببه العجب والكِبر في أهل الحكم، واستنكافهم عن مصاحبة العلماء والحكماء.
3) التساهل في التدريب، والضبط والربط، وسوء استعمال آلات الحرب عند محاربة الأعداء، وسببه عدم خوف العسكر من الأمراء.
4) ثم رأس جميع الأسباب، وغاية ما في الباب، وهو طمع الارتشاء ورغبة النساء.
ب: الترف الذي أدى إلى الانغماس في حياة الفسق، بحيث أصبح السلاطين يقضون أوقاتهم في الملذات بين الحريم. وانعكس ذلك على ضعف السلاطين وعدم قدرتهم على تسيير أمور الدولة وقيادة الجيش، مما أثر بدوره على أوضاع الدولة.
ج: سيطرة العقلية العسكرية، التي أدت إلى انتزاع الأمور بالسيف بدلاً من الدراسة، والتخطيط، والمناقشة.
د: فساد الإدارة: حيث ترك السلاطين أمور الدولة لكبار موظفيهم، الذين انغمسوا في الفساد، فانتشرت الرشوة، والمحسوبية، والاختلاس، وبيع الوظائف، وقام الولاة في الولايات بحركات انفصالية عن كيان الدولة العثمانية.
هـ: الفساد، الذي استشرى في صفوف الإنكشارية، التي كانت العمود الفقري للدولة في عهد القوة والتوسع.
و: الامتيازات الأجنبية: التي مُنحت للأجانب في زمن قوة الدولة وازدهارها، ثم أصبحت حجر عثرة أمام الدولة العثمانية في التقدم والارتقاء، وأصبح الأجانب، بتلك الامتيازات، يتدخلون في شؤون الدولة الداخلية، ونجم عن ذلك خروج الرعايا عن أوامر الدولة. إضافة إلى ذلك، هناك الأسباب الخارجية، التي تمثلت في تكالب الدول الصليبية على الدولة العثمانية وتوحدها، في كثير من الأحيان، للقضاء عليها.
ز: تأخر الدولة عن ركب الحضارة، بسبب عدم تمسكها بأسباب القوة، والتي تمثلت في تخلف أجهزتها العلمية والعسكرية على وجه الخصوص. في الوقت، الذي كانت فيه الدول الغربية تكتشف كل يوم جديداً في حقول المعرفة، والتي عرفت بالثورة الصناعية.

بداية الاضمحلال في الدولة العثمانية
يتفق المؤرخون على أن عظمة الدولة العثمانية قد انتهت بوفاة السلطان سليمان القانوني عام (974هـ/ 1566م.( حيث فتح الطريق، من بعده، لاستلام السلاطين الضعاف زمام أمور الدولة، وذلك حين خلف لولاية عهده ابنه سليم الثاني، بدلاً من الأمير مصطفى، المتسم بقوة الشخصية، والتدريب الإداري، والعسكري الفائق. يضاف إلى ذلك أن العديد من السلاطين، الذين تولوا الحكم في الدولة في فترة التقهقر تلك، كانوا في سن الطفولة، فأصبحت أقوى دولة بيد الحريم أو آغاوات القصر. وعجَّل ذلك بالدولة إلى الهاوية. ولولا وجود بعض الصدور العظام الأقوياء، في تلك الفترة، لما بقيت الدولة إلى العصور التي تليها.
وكانت معاهدة كارلوفجا، التي امتدت ستة عشر عاماً، أولى الهزائم العسكرية الكبرى، التي هزت كيان الدولة، وأدت إلى اهتزاز البنية الإدارية، والمالية، والاجتماعية للدولة العثمانية. فقد عقدت تلك المعاهدة بين كل من الدولة العثمانية، والنمسا، وروسيا، والبندقية، وبولونيا، في(24 رجب 1110هـ 26/ يناير1699م)، وتنازلت الدولة العثمانية بموجبها عن 000ر356 كم2 من أراضيها لتلك الدول. وقد وصف المؤرخ الفرنسي "فرنارد جرينارد" هذه المعاهدة بقوله: "إن عام(1699م) من أهم الأعوام التاريخية، حيث انتقلت الهيمنة الشرقية إلى أوروبا".
ثم توالت بعد ذلك الإحن على الدولة، وإن كانت على فترات متباعدة. حيث اضطرت للتنازل لأعدائها، بموجب المعاهدات التي أبرمتها معها، مثل معاهدة كوجوك قاينارجه، التي وقعتها الدولة مع روسيا، في (1188هـ / 1774م)، عن القرم، وبسارابيا، وقوبان، وغيرها من الأراضي، إضافة إلى حرية الملاحة للسفن الروسية في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، وأن تبنى روسيا كنيسة لها في إستانبول، ويكون لها حق حماية جميع المسيحيين الأرثوذوكس القاطنين في البلاد العثمانية، وأن تدفع الدولة العثمانية خمسة عشر ألف كيسة غرامة حربية لروسيا. وكانت تلك أول خطوة لروسيا في إلحاق القرم بأراضيها. كما أنه، من خلال حق حماية الأرثوذوكس، كانت روسيا قد حفظت لنفسها حق التدخل في شؤون الدولة العثمانية الداخلية.
وعلى الرغم من قيام الدولة، بعد ذلك بمحاولات إصلاح، بعدما تأكدت أنها لا تستطيع مواجهة القوات الدولية، إلاّ أن تلك المحاولات كانت محدودة مؤقتة، ولم تستمر طويلاً. وخاصة المحاولات، التي أجريت في عهد السلطان عبدالحميد الأول.

الحرب العالمية الأولى وانقراض الدولة العثمانية
أمسكت جمعية الاتحاد والترقي بزمام الأمور في الدولة العثمانية، وأطاحت بحكم السلطان عبدالحميد الثاني، الذي كان يتحاشى الحروب بقدر الإمكان، محاولاً تحويل صراع الدول الغربية وروسيا على الدولة إلى صراع فيما بينها. وكان برنامج الاتحاد والترقي في الحكم يتركز على التغريب، وإحلال المؤسسات الغربية محل المؤسسات الإسلامية في الدولة، والتركيز على تتريك الحكم والنظام، متأثرة في كل ذلك بالشعارات الغربية، مما أدى بها إلى التشجيع على القومية التركية. فحصل النفور بين الشعوب الإسلامية المنضوية تحت لواء الخلافة الإسلامية وبين برنامج الحكومة، ولا سيما بعد نشر الأفكار القومية لدى العرب أيضاً.
وفي خضم ذلك، نشبت الحرب العالمية الأولى، عام(1333هـ/1914م)، التي تحالفت فيها الدولة العثمانية مع ألمانيا والنمسا، ضد بريطانيا وفرنسا وروسيا. على أنه لم يكن لديها أي استعداد لخوض غمار الحرب. وكان النصر، في السنتين الأوليين من الحرب، من نصيب الدولة العثمانية وحليفاتها، غير أن قيام الثورة العربية الكبرى، بزعامة الشريف حسين عام 1335)هـ/1916م)، كان أكبر ضربة وجهت للدولة العثمانية والجامعة الإسلامية بوجه خاص. حيث فقدت الدولة مع نهايات الحرب عام( 1338هـ/ 1918م(، كل أملاكها في الجزيرة العربية، بل في معظم البلاد العربية. ووقعت عدة معاهدات، استهدفت تقسيم أملاك الدولة العثمانية. مثل معاهدة الآستانة عام(1334هـ 1915/م(، ومعاهدة لندن عام (1334هـ/1915م)، ومعاهدة سايكس بيكو عام 1335)هـ/ 1916م)، ومعاهدة سان جان دي مورين عام (1336هـ/1917م)، ثم معاهدة سيفر عام( 1339هـ/ 1920م (التي عقدت في مدينة سيفر الفرنسية، وتخلت الدولة العثمانية بموجبها عما تبقى من أراضيها في تراقيا بما في ذلك مدينة أدرنة، وتخلت عن حقوقها في جزيرتي إمروز وتندوس.وقلصت تلك المعاهدة سيادة الدولة العثمانية، فقد حُدد عدد الجيش العثماني بخمسين ألف جندي، يخضعون لإشراف الضباط الأجانب، وحُدد سلاح الجيش والأسطول، وأعيدت الامتيازات الأجنبية، كما شُكِّلت لجنة جديدة للبت في الإشراف على الديون العثمانية، وعلى ميزانية الدولة، وعلى الضرائب، والرسوم الجمركية، وغيرها من الأمور المالية.
وفي تلك الأثناء، شُكِّلت حكومة في أنقره، بزعامة مصطفى كمال آتاتورك، كانت منفصلة عن حكومة إستانبول. وبدأ النظام الجديد في أنقره، معلناً التمرد على حكومة إستانبول، وجعل من المجلس الوطني الكبير حكومة فعلية، حيث أقر المجلس، عام( 1340هـ/1921م)، الدستور الجديد، ورفض كل المعاهدات التي أبرمتها حكومة إستانبول، وفي الوقت نفسه، عقد مصطفى كمال اتفاقاً مع روسيا، اعترفت روسيا بموجبه بالميثاق الوطني الذي أعلنته حكومة أنقره. كما عقد مؤتمر في لندن عام( 1340هـ/1921م)، للتخفيف من شروط الصلح، مما أضفى طابعاً شرعياً على حكومة أنقره، في إرجاع القرار الخاص بوضع الأناضول إليها. وقد جرت عدة اتفاقات مع الدول المعنية في الانسحاب من بعض الأراضي التركية، فتنازلت روسيا عن باطوم، وفرنسا عن كيلكيا، وإيطاليا عن أنطاكيا، ونشب القتال مع اليونانيين، وانتصرت القوى الوطنية في معركة سقاريا على اليونانيين عام (1340هـ/1922 م). ورغم أن حكومة إستانبول دعت إلى مؤتمر لوزان إلى جانب حكومة أنقره، إلا أن الأخيرة قامت بإلغاء السلطنة من نظام الدولة العثمانية في( 12 صفر 1341هـ/ 4 نوفمبر 1922م)، حتى لا تلقى القبول لدى المؤتمر، فاستقال الصدر الأعظم توفيق باشا، ولم يعين السلطان محمد السادس غيره مكانه، مما أشار إلى خضوع السلطان لحكومة أنقره. وسافر السلطان إلى بريطانيا لاجئاً، فعينت حكومة أنقرة عبدالمجيد أفندي خليفة في (26 ربيع الأول 1341هـ/ 16 نوفمبر 1922م)، متجرداً من صفة السلطان. وانتهت حرب الخلاص الوطني، وأُعلنت الجمهورية في (30 ربيع الأول 1341هـ 20/ نوفمبر 1922م)، ثم ألغيت مؤسسة الخلافة من حياة تركيا في (28 رمضان 1342هـ/3 مايو 1924م)، وأُجبر أفراد أسرة آل عثمان على مغادرة تركيا نهائياً.
وبذلك انطوت أخر صفحة من صفحات تاريخ الدولة العثمانية، ونشأت على أنقاضها الجمهورية التركية، التي اتخذت من العلمانية مبدأ لها في الحياة. وأُلغيت المؤسسات الدينية، وأُقيمت مكانها مؤسسات أخرى، مبنية على مبدأ فصل الدين عن الدولة.



وفاة العالم الفاضل سبط ابن الجوزي:

ومن حوادث اليوم الحادي والعشرين من رمضان سنة 742هـ وفاة الشيخ الإمام نجم الدين ابي حفص عمر بن بلبان بن عبد الله عتيق سبط ابن الجوزي الدمشقي الحنفي.
قال ابو العباس حمد بن حسن بن علي بن الخطيب (الوفيات 1/409) توفي سبط ابن الجوزي بالشرف الأعلى بظاهر دمشق، وصلي عليه من الغد بعد الصلاة بالجامع المظفري، ودفن بمقبرتهم. طلب الحديث بنفسه وكتب الطباق والخط المنسوب إليه، وكان يعرف طرفاً من اللغة وتولي مشيخة العزية للمحدثين.
توفي يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 742هـ.



وفاة الحافظ نور الدين أبو الحسن الهيثمي

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك 807 هـ، رحل الهيثميّ الحافظ نور الدين أبو الحسن عليّ بن أبي بكر بن سليمان، رفيق أبي الفضل العراقيّ، ولد سنة خمس وثلاثين وسبعمائة للهجرة، ورافق العراقيَ في السَّماع ولازمه، وألّف وجمع وتُوفي في مثل هذا اليوم.


وفاة الفقيه الحنفي علاء الدين بن مصلح الرومي:

ومن العلماء الأفاضل الذين توفوا يوم الحادي والعشرين من رمضان علاء الدين أبو الحسن علي بن مصلح الدين موسى بن إبراهيم الرومي الحنفي الشيخ الإمام (شذرات الذهب 4/241)
كان فقيهاً بارعاً مفنناً في علوم شتى، تخرج بالشريف بالجرجاني والسعد التفتازاني، وحضر أبحاثها بحضرة تيمور وغيره، فكان يحفظ تلك الأسئلة والأجوبة المفحمة ويتقنها.
وقدم مصر مرات، ونالته الحرمة الوافرة من الملك الأشرف برسباي، وولاه مشيخة مدرسته التي انشأها وتدريسها، فباشرها مدة ثم تركها. وكان دأبه الانتقال من بلد إلى بلد، وكان عارفاً بالجدل، ولما قدم مصر آخراً انضم إليه طلبتها إلا أن مدته لم تطل.
وتوفي يوم الأحد العشرين من رمضان سنة 841هـ.


وفاة المولى محمد إبن الشريف عليّ حاكم جنوب المغرب

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك 1029 هـ، تُوفي المولى محمد إبن الشريف عليّ، كان حاكماً في جنوب المغرب، ينتهي نسبه إلى محمد النفس الذكيّة، إبن عبد الله الكامل إبن الحسن المُثنى إبن الحسن السبط إبن عليّ إبن أبي طالب، حاول المولى محمد أن يتوسّع من حدود دولته، فقد حاول الاستيلاء على تلمسان في الجزائر، وكانت في تلك الوقت تحت حكم الأتراك العثمانيين، فحرروها ثانية منه، وحاول غزو وجده في غرب المغرب، فلم يستطع، بقي يحكم قسماً من إفريقيا الشمالية إلى أن توفي في رمضان في مثل هذا اليوم فخلفه إبنه محمد إبن المولى محمد.


نهاية نكبة الفقيه أحمد بابا السوداني وآل آقيت :

ومن حوادث اليوم الحادي والعشرين من رمضان 1001هـ نهاية نكبة الفقيه أبي العباس أحمد بابا السوداني وعشيرته آل آقيت والإفراج عنهم. (الاستقصا في أخبار دول المغرب الأقصى 2/130)
قال أبو العباس أحمد بن خالد الناصري: كان آل آقيت ممن لهم الوجاهة الكبيرة والرياسة الشهيرة ببلاد السودان ديناً ودنيا، بحيث تعددت فيهم العلماء والأئمة والقضاة، وتوارثوا رياسة العلم مدة طويلة تقرب من مئتي سنة، وكانوا من أهل اليسار والسؤدد، لا يبالون بالسلطان فمن دونه. ولما فتح جيش المنصور ( يقصد به السلطان أبا العباس أحمد بن عبد الله الشيخ تولى عام 986هـ.) بلاد السودان عام 990هـ تركوا على ما هم عليه، إلى أن كانت سنة ألف واثنتين عندما أظهروا التململ وسئموا ملك المغاربة لهم، وكانت آذانهم صاغية لآل آقيت فتخوف المنصور منهم، وربما وشي إليه بهم، فكتب إلى عامله محمود بالقبض عليهم وتغريبهم إلى مراكش، فقبض على جماعة كبيرة منهم, كان فيها الفقيه العلامة أبو العباس أحمد بن أحمد بن أحمد (ثلاثة أحامد) بن عمر آقيت المدعو بابا.
يقول: كنت أنا أقل عشيرتي كتباً، وقد نهب لي ست عشرة مائة مجلد أي ألف وستمائة كتاب.
وحمل آل آقيت مصفدين في الحديد إلى مراكش ومعهم حريمهم، وانتهبت ذخائرهم وأمتعتهم، ووصلوا إلى مراكش واستقروا مع عيالهم في حكم المعتقلين، إلى أن انصرم أمد المحنة فسرحوا يوم الأحد الحادي والعشرين من رمضان سنة أربع وألف (بعد سنتين من تشريدهم).
ولما دخل الفقيه أبو العباس بابا على المنصور بعد تسريحه من السجن وجده يكلم الناس من وراء حجاب, وبينه وبينهم كلةٌ مسدولة على طريقة خلفاء بني العباس ومن يتشبه بهم، فقال له الشيخ:
- إن الله تعالى يقول (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) وأنت تشبهت برب الأرباب فإن كانت لك حاجة في الكلام إلينا فانزل إلينا وأرفع عنا الحجاب.!!
فنزل المنصور ورفعت الأستار، فقال الشيخ:
ـ أي حاجة لك في نهب متاعي وتضييع كتبي وتصفيدي من تنبكتو إلى هنا حتى سقطت عن ظهر الجمل واندقت ساقي. فقال له المنصور:
ـ أردنا أن تجتمع الكلمة وأنتم في بلادكم من أعيانها، فإن أذعنتم أذعن غيركم...
ولما سرح الشيخ أبو العباس تصدر لنشر العلم، وهرع الناس إليه للأخذ عنه، ولم يزل بمراكش حيث اشترط المنصور عليهم السكن بمراكش.


الروس يخسرون 20 ألف قتيل:

في 21 من رمضان 1271 هـ الموافق 7 من يونيو 1855م خسر الروس 20 ألف قتيل في هجوم جيش الاتفاق الفرنسي الإنجليزي العثماني على قلعة "سيفاستوبول" الواقعة حاليًا في أوكرانيا أثناء "حرب القرم" بين الدولة العثمانية وروسيا.


بدء أعمال الحفر في قناة السويس:

في 21 من رمضان 1275 هـ الموافق 24 من إبريل 1859م: بدأت أعمال الحفر في قناة السويس التي تربط بين البحرين الأبيض والأحمر، واستمر الحفر 10 سنوات ونصف شارك فيه 60 ألف فلاح مصري، وبلغ طولها آنذاك 162.5 كم، وافتتحت للملاحة في 19 نوفمبر 1869م.


استشهاد البطل الفلسطيني السيخ فرحان السعدي

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك 1356 هـ، أستشهد أبرز أبطال الكفاح الشعبي الفلسطيني المسلح، فرحان السعدي، عُرف بالشيخ لما تحلى به من استقامة خلق وتقوى وورع وشجاعة وإيمان، ولد الشيخ فرحان السعدي في عام 1860 ميلادي، عندما نشبت ثورة عام 1929م بادر إلى قيادة مجموعة من المقاتلين في قضاء جنين بفلسطين المحتلة، أستبسل في المعارك ضد البريطانيين والصهاينة، حتى ألقت قوات الاحتلال القبض عليه وحكمته بالسجن لمدة ثلاثة أعوام، فور خروجه من السجن عاود نشاطه وأنضم إلى حركة القائد الشيخ عز الدين القسّام، شارك في معركة أحراج يعبد عام 1936م التي أستشهد فيها القسّام، قاد العديد من العمليات الفدائيّة العسكرية الناجحة، أسرته قوات الاحتلال البريطاني من منزله وصادرت بندقيته، وكانت الدليل الدامغ على إدانته، قدّم للمحكمة العسكرية بعد يومين من اعتقاله قامت خلالها بتعذيبه وإهانته، وبعد محكمة صوريّة، حكمت عليه بالإعدام شنقاً، وفي مثل هذا اليوم من شهر رمضان تمّ تنفيذ الحكم بالشيخ الكبير فرحان السعدي وهو صائم، وكان لإعدامه رنّة كبيرة في فلسطين.
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
22 رمضان

22 رمضان



نجاة عيسى عليه السلام من مكر اليهود:

من أقدم ما نقله المؤرخون - والله أعلم - من حوادث اليوم الثاني والعشرين من رمضان أن عيسى ابن مريم عليه السلام نجاه الله من اليهود ورفعه إليه في اليوم الثاني والعشرين من رمضان.
وأورد ابن كثير في (البداية والنهاية) روايات عديدة (2/95) ترسم الصورة لما قبل رفع عيسى عليه السلام. منها عن وهب بن منبه قال:
ـ أتى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريين في بيت. فأحاطوا بهم، فلما دخلوا عليهم صوّرهم الله كلَّهم على صورة عيسى.
فقالوا لهم : سحرتمونا لتبرزن إلينا عيسى أو لنقتلنكم جميعا
فقال عيسى لأصحابه: من يشتري منكم نفسه اليوم بالجنة ؟
فقال رجل: أنا. فخرج إليهم فقال: أنا عيسى - وقد صوره الله على صورة عيسى - فأخذوه وصلبوه، فمن ثم شبّه لهم وظنوا أنهم قد قتلوا عيسى، فظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى.
ورفع الله عيسى من يومه ذلك.
وقال الحسن البصري: كان عمر عيسى عليه السلام يوم رفع أربعا وثلاثين سنة، وقيل ثلاثاً وثلاثين.
ويضيف ابن كثير فيقول: وبلغني أن مريم بقيت بعد عيسى خمس سنين، وماتت ولها ثلاث وخمسون سنة رضي الله عنها وأرضاها.
ويروى عن أمير المؤمنين علي أن عيسى عليه السلام رفع ليلة الثاني والعشرين من رمضان.

بدء إرسال السرايا النبوية

في العام الأول للهجرة النبوية ومن مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك من العام الأول للهجرة، كان بدء إرسال السرايا النبوية لتحقيق بعض الأهداف الإسلامية، منها سرية حمزة بن عبد المطلّب إلى العيث، سرية محمد إبن مسلمة لقتل كعب إبن الأشرف، الشاعر الذي كان يحارب الإسلام بشعره وماله، وغيرها من السرايا التي ساعدت في دعم قواعد الدين الإسلامي الحنيف.


خروج سرية عمير إبن عدي

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك من العام الثلث للهجرة، الذي كان يقابل الثاني والعشرين من شهر آذار للعام الميلادي 625، توجّهت سرية عمير إبن عدي لقتل {عصماء} عدوة رسول الله (صلى الله عليه وسلّم)، هي يهوديّة، كانت تكيد للإسلام، وتؤذي المسلمين، وتحرّض الشعراء على هجاء الرسول الكريم محمد (عليه الصلاة والسلام)، كما كانت تنشد شعراً تهجو فيه الإسلام والمسلمين وتقلّل من شأن نصرهم في غزوة بدر الكبرى.
وفي التفصيل أكثر، حدثني عبد الله بن الحارث، عن أبيه أن عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد كانت تحت يزيد بن زيد بن حصن الخطمي وكانت تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وتعيب الإسلام وتحرض على النبي صلى الله عليه وسلم وقالت شعرا :
فباستبنيمالكوالنبيت
وعوف وباست بني الخزرج
أطعتم أتاوي من غيركم
فلا من مراد ولا مذحج
ترجونه بعد قتل الرءوس
كما يرتجى مرق المنضج

قال عمير بن عدي بن خرشة بن أمية الخطمي حين بلغه قولها وتحريضها : اللهم إن لك علي نذرا لئن رددت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لأقتلنها - ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ببدر - فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر جاءها عمير بن عدي في جوف الليل حتى دخل عليها في بيتها، وحولها نفر من ولدها نيام منهم من ترضعه في صدرها، فجسها بيده فوجد الصبي ترضعه فنحاه عنها، ثم وضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها، ثم خرج حتى صلى الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة،فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى عمير فقال أقتلت بنت مروان ؟ قال نعم بأبي أنت يا رسول الله .


موقعة الطائف

في الثاني والعشرين من شهر رمضان عام 8 هـ الموافق 12 يناير 630م حدثت موقعة الطائف.
انتصر المسلمون يوم حنين، ولم يَدُر فيه قتال يذكر، ومع ذلك كان له من الآثار ما لا يحصى، وكان من أهم هذه الآثار أن المسلمين فقهوا جيدا حقيقة النصر في الإسلام، وعلموا تمام العلم أن المسلم الذي يعد العدة دون أن يرتبط بالله عز وجل، فإن نصره بعيد، وثباته محال، وكان هذا الدرس من أبلغ الدروس التي تعلمها المسلمون في كل حياتهم السابقة، ورأينا فرار جيش هوازن بكل بطونها من أمام جيش المسلمين، وعندما عاد المسلمون إلى ربهم سبحانه وتعالى وعندما عادوا إلى الفقه السليم، فرت جيوش هوازن، حتى وصلوا في فرارهم إلى مدينة الطائف.
وفر معهم زعيمهم القومي مالك بن عوف النصري، فقد ظل زعيمهم حتى بعد هزيمته في حنين، وبعد ذلك أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم معظم الجيش، وذهب لحصار مدينة الطائف، وحرب جيش هوازن، واستغلال فرصة انهزام هوازن حتى يقابلهم في معركة فاصلة؛ لذلك لم يقسم الرسول صلى الله عليه وسلم غنائم حنين الهائلة إلا عندما ينتهي من قضية هوازن وثقيف وتستقر الأوضاع.
سار الرسول صلى الله عليه وسلم في جيشه الضخم متجها إلى الطائف، والمقارنة عجيبة بين هذا المسير المهيب للطائف، وبين مسيره صلى الله عليه وسلم إليها منذ أحد عشر عاما، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم وقتها متجها إلى الطائف، وهو في أشد حالات الحزن والضيق، وكان يسير ماشيا على قدميه، وليس معه إلا غلامه زيد بن حارثة رضي الله عنه، فقد طردته مكة، وأخرجته وتنكرت له، وماتت السيدة خديجة رضي الله عنها ومات عمه أبو طالب، وليس معه في مكة إلا أقل القليل من المؤمنين، لا يتجاوزون مائة غير ثمانين من الصحابة كانوا في الحبشة، فالوضع كان في قمة المأساة، ولم تخفف الطائف من آلامه صلى الله عليه وسلم، بل عمقت هذه الآلام، ورفضت الدعوة الإسلامية بتكبر، وحاربت الرسول صلى الله عليه وسلم بشدة، واستقبلته استقبال اللئام، لا استقبال الكرام، وطردوه هو وصاحبه زيد رضي الله عنه، وقد أمطروهما بوابل من الحجارة، والتراب والسباب، حتى ألجئوهما إلى حائط عتبة وشيبة ابني ربيعة.
ونحن نعلم الدعاء المشهور الذي دعا به الرسول صلى الله عليه وسلم هناك، وهو دعاء يعبر عن درجة الألم والأسى والحزن الشديدة التي وصل إليها صلى الله عليه وسلم، وغادر الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم هذه الحديقة، وعاد متجها إلى مكة كما يقول في روايته مهموما على وجهه، في ظروف لا يتحملها عامة البشر، ومع ذلك ومع كون حالته النفسية قد وصلت إلى أقصى درجات الألم، إلا أنه صلى الله عليه وسلم رفض تدمير قريتي الطائف ومكة المكرمة اللتين كفرتا بالله عز وجل، مع أن ملك الجبال عرض عليه هذا الأمر، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في منتهى التجرد: بَلْ أَرْجُو مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا.
ومرت الأيام، وكما يقول الله عز وجل: [وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ] {آل عمران:140} .
وغيّر الله عز وجل الأحوال، وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أحد عشر عاما كاملة بما لا يتخيله أحد، لا من الطائف، ولا من مكة، ولا من أهل الجزيرة بكاملها، جاء صلى الله عليه وسلم الآن عزيزا منتصرا مُمَكّنا رافعا رأسه، ومحاطا بجيش مؤمن جرار، يزلزل الأرض من حوله، ويرفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، أحد عشر عاما فقط فرقت بين الموقفين، وتحقق ما ذكره صلى الله عليه وسلم لصاحبه زيد بن حارثة رضي الله عنه يوم قال له في يقين بعد عودتهم المحزنة من الطائف قال له: يَا زَيْدُ، إِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا، وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ.
وسبحان الله جاء الفرج، والمخرج على صورة أعظم بكثير من تخيل الجميع، ونصر الله الدين، وأظهر النبي الكريم، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ذاهب إلي الطائف كان في رأسه ذكريات كثيرة كانت تجول في خاطره، إنها ذكريات لا حصر لها، الجيش يقطع صمت الصحراء في اتجاه الطائف للمرة الثانية في حياته، ولعله صلى الله عليه وسلم تذكر صاحبه زيد بن حارثة حِبّه رضي الله عنه عندما كان يصحبه في رحلة الطائف، والآن زيد لا يسير معه، فقد سبق زيد إلى الجنة رضي الله عنه وأرضاه، فقد استشهد في موقعة مؤتة، ولعله تَذّكر صلى الله عليه وسلم أهل الطائف، وهم يرفضون دعوته جميعا بلا استثناء في تعنت أشد من تعنت أهل مكة، ولعله تذكر عبد ياليل بن عمير الثقفي، وهو الذي انتهت إليه زعامة ثقيف عندما وقف يسخر منه صلى الله عليه وسلم ويقول إنه يمرط؛ أي يمزق ثياب الكعبة، إن كان الله عز وجل قد أرسله، فقد فر فرارا مخزيا من أرض حنين، وذهب يختبئ في حصون الطائف، ولعله تذكر عداس النصراني الغلام الصغير الذي آمن رضي الله عنه ، واختفى ذكره من السيرة بعد ذلك، ولا نعلم من حاله شيئا، لكن الله عز وجل يعلمه، ولعله تذكر عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة صاحبي الحديقة التي لجأ إليها صلى الله عليه وسلم، الآن عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة يرقدان في قليب بدر، يعذبان مع قادة الكفر في مكة المكرمة في قبورهم، ولعله تذكر وهو يمر من وادي نخلة مجموعة الجن التي آمنت به في رحلته إلى الطائف، وهو في طريق عودته إلى مكة المكرمة، ويتذكر جبريل وملك الجبال، ذكريات كثيرة بعضها سعيد وبعضها أليم، والأيام على أي حال تمر، وكل شيء يذهب، ولا يبقى إلا العمل.

وصل الجيش الإسلامي العملاق إلى الطائف، وتوقع الجميع معركة هائلة بين هذا التجمع الضخم من المسلمين، وبين تجمع هوزان، وثقيف في حصون الطائف في عقر دارهم، وكان الجيش الإسلامي بكامله موجود في الطائف ويبلغ اثني عشر ألف، وتوقع الجميع معركة هائلة، ولكن سبحان الله رفض المشركون الخروج للحرب، واختاروا أن يمكثوا في حصونهم دون قتال، وإذا قرر أهل ثقيف وهوازن عدم الخروج فسيكون القتال صعبا للغاية، ولكنهم فعلا رفضوا مع أن الحقيقة عددهم، وعدتهم أضعاف المسلمين، ومع أنهم يقاتلون في بلادهم التي خبروها وقريبا من مددهم بداخل الحصون، وفي ظروف اعتادوا عليها، ولكن الله عز وجل ألقى الرهبة في قلوبهم، فما استطاعوا أن يأخذوا قرار الحرب مرة ثانية، واكتفوا بفضيحة حنين، ولا شك أن في هذا خزي كبير؛ لأن نساء وأموال هوزان مع المسلمين الآن، ومع ذلك فضلوا ألا يخرجوا من حصونهم، وعدم السعي لاستخلاص هذه الأنعام، وهذه الأموال، وهذه النساء، والأولاد من أيدى المسلمين، فماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى أن أهل الطائف من هوازن، وثقيف يرفضون الخروج للقتال؟

المسلمون يضربون الحصار على الطائف
لم يَفُتّ تحصن هوازن، وثقيف في عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، ولكنه أمر صلى الله عليه وسلم بتجمع الجيش الإسلامي، وأخذ يحاصر الحصون المنيعة، لعلهم يخرجون، وبدأ حصار المسلمين للطائف، فقام أهل الطائف في إطلاق السهام والرماح على المسلمين، وحصونهم عالية و كبيرة، واشتد رميهم مع مرور الوقت، واستشهد من المسلمين اثنا عشر من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ولم تكن سهام المسلمين تصل إلى الحصون، وأصبحت المشكلة كبيرة على المسلمين.
فأشار الحباب بن المنذر رضي الله عنه وأرضاه أن يبتعد المسلمون عن الحصن حتى لا تصيبهم السهام، وبالفعل عسكر الرسول صلى الله عليه وسلم في مكان بعيد، ولكنه ما زال ناصبا للحصار حول الطائف.
ماذا يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف، وكيف يخرجهم من داخل الحصن؟
قام الرسول صلى الله عليه وسلم بعمل أكثر من طريقة لضرب هذا الحصار.
فقد قام سلمان الفارسي رضي الله عنه بصناعة منجنيق؛ لقذف حصون الطائف بالحجارة، وصنعوا دبابة خشبية كان يختبئ تحتها الجنود؛ ليصلوا إلى القلاع والحصون دون أن تصيبهم السهام، وبدأ المسلمون في قذف أسوار الطائف بالمنجنيق الذي صنعه سلمان رضي الله عنه، وسار المسلمون تحت الدبابة الخشبية، وبالفعل كسروا جزء من السور، وكاد المسلمون أن يدخلوا إلي داخل أسوار الطائف، لولا أن أهل الطائف فاجأوا المسلمين بإلقاء الحسك الشائك المُحمّى في النار، وهو عبارة عن أشواك حديدية ضخمة أوقدت عليها النار حتى احمرت فألقوها على المسلمين، وهذه كانت مأساه كبيرة علي المسلمين فقد أصيبوا إصابات بالغة دفعت المسلمين إلى العودة من جديد إلى معسكرهم، ولم يستطيعوا أن يقتحموا حصن الطائف، لم ييأس المسلمون وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قرارا ثانيا.
وأخد الرسول صلى الله عليه وسلم القرار بحرق حدائق العنب حتى يدفع أهل الطائف إلي الخروج للقتال، وكانت هذه الحدائق كثيرة وتحيط بالحصن، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يحرق هذه الأشجار وهذه الأعناب بغرض التدمير، ولكن بغرض إجبار أهل الطائف على الخروج للقتال، وبدأ المسلمون في حرق كمية ضخمة من العنب؛ ولكن ثقيف نادت على المسلمين من وراء الأسوار: لم تقطع أموالنا؟ إما أن تأخذها إذا ظهرت علينا، وإما أن تدعها لله وللرحم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَإِنِّي أَدَعُهَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ.
لأن العلاقة بين ثقيف وقريش علاقة بعيدة، فقد كانت إحدى جدات الرسول صلى الله عليه وسلم لأمه من ثقيف، وكانت الجدة الخامسة للرسول صلى الله عليه وسلم، وكان اسمها هند بنت يربوع الثقفية؛ فلذلك ترك الرسول الأعناب، وكان المسلمون يقطعون الأعناب لإجبار ثقيف وهوازن على الخروج من الحصون، فآثر أن يترك الأعناب لله عز وجل، وللرحم التي بينه وبينهم صلى الله عليه وسلم.
ولم يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم مثلما كانت، وما زالت تفعل الجيوش الكافرة العلمانية، مثل جيوش فارس، والرومان، والتتار، واليهود، وجيوش العصور الحديثة التي تفسد في الأرض لمجرد الإفساد لدرجة أن الله عز وجل يصفهم في كتابه العزيز: [وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ] {البقرة:205} .
أي أن الإفساد هدف في ذاته، ولكن المسلمين لم يفعلوا ذلك إلا لغاية محددة، فلما لم تفلح في إخراج أهل الطائف توقف المسلمون عن حرق الحدائق.
فكر الرسول صلى الله عليه وسلم في وسيلة تفت في عزيمة أهل الطائف، فنادى الرسول صلى الله عليه وسلم على العبيد في داخل الحصون، وقال: أَيُّمَا عَبْدٍ نَزَلَ مِنَ الْحِصْنِ وَخَرَجَ إِلَيْنَا فَهُوَ حُرٌّ.
ونحن نعلم أن العبيد كانت أعداد كبيرة في المجتمع العربي القديم، وكانت سياسة الإسلام تهدف إلي تحرير العبيد في كل مناسبة ممكنة، وكانت هذه فرصة طيبة لتحرير العبيد، وهؤلاء العبيد في الغالب سيسلمون، وبذلك يستنقذون من ظلمات الكفر، وسيفقد أهل ثقيف طاقة هؤلاء العبيد، وسينقلون الأخبار من داخل ثقيف، فهناك أكثر من فائدة في فكرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي هدف دعوي عسكري بارع من الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدأ الصحابة رضوان الله عليهم ينادون على العبيد، وبدأ يخرج بعض العبيد من داخل الحصون، حتى وصل عددهم إلى ثلاثة وعشرين من العبيد، واكتشفت ثقيف الأمر، وشددت الحصار على الأسوار، ومنعت خروج بقية العبيد، ولكن المسلمين استفادوا من خروج مجموعة العبيد السابقين، إنهم إضافة إلى أمة الإسلام، ولأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها وخيرا لك من حمر النعم، والشيء الآخر أن هؤلاء العبيد أخبروا المسلمين ببعض المعلومات العسكرية الخطيرة، وأخبر هؤلاء العبيد الرسول صلى الله عليه وسلم أن الطعام والشراب اللذان في داخل الطائف يكفيان أهل الطائف للصبر على الحصار سنة على الأقل أو عدة سنوات.
وهي معلومة علي جانب كبير من الأهمية؛ لأن المسلمين لا يستطيعون أن يقضوا حياتهم في هذا المكان؛ لأن القوات الإسلامية ليست مجرد فرقة من الجيش الإسلامي، ولكن هذه القوات، هي المجتمع المسلم بكامله، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك في المدينة المنورة إلا القليل من الرجال لحراسة النساء والديار، وهناك الكثير من القبائل التي دخلها الإسلام حديثا هنا، وهناك تحتاج إلى متابعة مستمرة خوفا من انقلابها إلى الكفر، وخوفا من مهاجمة المدينة المنورة وهي خالية من الرجال، وهناك اليهود في خيبر على مقربة من المدينة، وهم على عهد، وقد يخالفون كعادتهم، وهناك أهل مكة حديثو عهد بجاهلية، وهناك الغنائم الضخمة المتروكة في وادي الجعرانة، وهذه مشاكل ضخمة، وكثيرة ولا يستطيع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يترك كل هذه الأمور، ماذا يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد طال حصار الطائف حتى وصل في بعض التقديرات في رواية مسلم عن أنس رضي الله عنه إلى أربعين يوما كاملة في حصار الطائف، ولا فائدة.
الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير نوفل بن معاوية الديلي رضي الله عنه
استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه من أصحاب الخبرة العسكرية والرأى السديد، وسبحان الله حينما تسمع اسم هذا الصحابي الذي استشاره الرسول صلى الله عليه وسلم سينتابك العجب لا محالة، إنه أمر عجيب، استشار الرسول صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الديلي رضي الله عنه وأرضاه، ونوفل بن معاوية الديلي رضي الله عنه كان زعيم بني بكر، وهي القبيلة التي كانت متحالفة مع قريش بعد صلح الحديبية، وقاد قومه بني بكر لقتل خزاعة، والذي كان سببا في نقض صلح الحديبية، والذي رد بالرد الكافر على قومه، عندما قالوا له: يا نوفل إلهك إلهك.
فقال: يا بني بكر لا إله لكم اليوم.
هذا هو نوفل بن معاوية الذي ارتكب كل هذه الجرائم من شهرين أو ثلاثة في شهر شعبان سنة 6 هـ، والذي كان سببا في خروج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى فتح مكة المكرمة، ثم حنين، ثم الطائف، وسبحان مقلب القلوب ومُصَرّفها، أسلم نوفل بن معاوية بعد هذا التاريخ الأسود مع المسلمين وحسن إسلامه، وانضم إلى الجيش المسلم، وأصبح مستشارا أمينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كنا نعجب من تحوله من الكفر إلى الإيمان، ومن الغدر إلى الأمانة، ومن حلفه مع قريش إلي دخوله في الإسلام، وإن كنا نعجب في كل ذلك، فالعجب كل العجب، والانبهار كل الانبهار في الدرس الذي يعطيه لنا معلم البشرية، وسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ونرى التوظيف الرائع من الرسول لكل الطاقات التي حوله.
وقد رأيناه صلى الله عليه وسلم يولي عمرو بن العاص رضي الله عنه قيادة سرية ذات السلاسل، ولم يمر على إسلامه شهور قليلة، ورأيناه يقرب خالد بن الوليد في كل أموره، حتى قال خالد: والله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من يوم أسلمت يعدل بي أحدا من أصحابه فيما حزبه.
وهذا إحساس صادق من خالد بن الوليد، ومن المؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسأل أصحابه مثل أبي بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، وعلي، وغيرهم، وغيرهم، أكثر من استشارته لخالد بن الوليد، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشعره دائما بقيمته وأهميته، ورأيناه صلى الله عليه وسلم يولي عتاب بن أسيد رضي الله عنه على مكة المكرمة، ولم يكن قد أسلم إلا منذ أيام قليلة، وهكذا يكون التعامل مع الرجال، وخاصة الذين يتمتعون بملكات قيادية، فإن لم يستفد منهم المسلمون، قد يكونون وبالا على الأمة، وقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم والله قمة الحكمة في التعامل مع الناس، وقمة الحكمة في إنزال الناس منازلهم، وقمة الحكمة في الاختيار من بين آرائهم صلى الله عليه وسلم.
وكان من نتيجة هذه السياسة الحكيمة أن نوفل بن معاوية القائد العسكري المحنك يدلي برأيه في قضية تنفع الإسلام والمسلمين، ولو كان القائد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لتتبع قواد الجيش المعادي بالقتل، والإبادة والسجن، والتعذيب، ولكن الرؤية كانت واضحة جدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
لَأَن يَهْدِي اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعْمِ.
إنها سياسة نبوية ثابتة ومستقرة.
ماذا قال نوفل بن معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: يا رسول الله، هم ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك.
أي أن أهل ثقيف مثل الثعالب في مكرهم وهذا حقيقي ومشهور عنهم وسط العرب حتى قال عنهم عيينة بن حصن: إنهم قوم مناكير. أي أصحاب دهاء وفطنة ومكر، ورأينا طرفا من هذه الفطنة، وهذا الدهاء في هذا الحصار الصعب، وهذه المقاومة الشرسة، ثم إنه يؤكد أنه لا مهرب لهم من هذه الحصون: إن أقمت عليه أخذته.
غير أنه يشير إلى شيء في غاية الأهمية، يقول إن شوكة ثقيف وهوازن قد كسرت، ومعنوياتهم هبطت إلى الحضيض، ولن تقوم لهم قائمة بعد اليوم، وطارت فضيحتهم في الآفاق؛ لذلك قال نوفل في نظرة عميقة وتحليل دقيق: وإن تركته لن يضرك.
أي لو صبرت على الحصار، فستصل إلى مرادك، وستفتح الحصن، إن خطرهم أصبح معدوما، ووسوف يضيع الوقت في حصارهم، وقد يكون طول الحصار ضارا للجيش الإسلامي أكثر من نفعه، وهنا يعقد الرسول صلى الله عليه وسلم موازنة بين الأمرين، فيجد أن بقاءه في هذه البلاد أكثر من ذلك سيوقع الدولة الإسلامية في أضرار أكثر من الفوائد المحصلة.

هنا يأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم القرار الصعب بالانسحاب إلى وادي الجعرانة حيث غنائم المسلمين، وترك حصار الحصن المنيع الطائف، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في منتهى الحسم في هذا القرار؛ حتى أنه بسرعة أرسل إلى عمر بن الخطاب أن ينادي في الناس ويقول: إنا قافلون غدا إن شاء الله.
فما هو رد فعل المسلمين لهذا الكرم، نجد أن المتحمسين والعاطفيين من أبناء الجيش الإسلامي لم يستريحوا لهذا الخبر، فأتوا بسرعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا في استنكار: نذهب ولا نفتحه؟
فلما رآهم الرسول صلى الله عليه وسلم كثرةً احترم رأيهم، وأراد لهم أن يتعلموا الدرس بصورة عملية، فقال لهم:
اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ.
فسمح لهم بالقتال، وفي اليوم الثاني خرج المسلمون للقتال، وفي هذا اليوم بالذات أصيب المسلمون إصابات شديدة، إصابات بالغة فعلا، وقام الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يعنفهم على القرار الذي رغبوا فيه، ولم يقل لهم ألم أقل لكم، وإنما قال في بساطة: إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وقبل المسلمون هذه المرة في سرور، وامتنعوا عن الجدل، واقتنعوا بعدم جدوى القتال، وبدأوا فعلا في جمع الرحال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.
ونقف وقفة مع هذا الموقف العظيم، والرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا في هذا الموقف أشياء مهمة، يريد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلمنا الواقعية في الحياة، فليس عجيبا أبدا أو غريبا أن تفشل في أمر من الأمور، وليس بالضرورة أن تكون كل معاركنا، أو كل مشاريعنا ناجحة، لكن المهم أن لا نغرق في العمل دون إدراك الواقع أنه غير قابل للتحقيق، وليس معنى هذا سرعة اليأس، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بذل كل ما في الوسع، واستخدم كل وسيلة لفتح الحصن، ولكن الله لم يشأ، ولم ينجح المسلمون في فتحه، فقبل في واقعية جميلة جدا أن ينسحب، وهذا فرق كبير بين المصابرة، وبين تضييع الوقت، إن المصابرة على أداء عمل أمر مطلوب، ولكن لا بد أن تكون هناك مؤشرات للنجاح، ولا بد أن تكون هناك مقاييس تشير إلى أن هذا العمل قابل للتحقيق، ولا بد أن تكون الخسائر أقل من الفوائد، فلذلك لا بد من المتابعة، والملاحظة، والتقييم المستمر، أما تضييع الوقت، والاستمرار في عمل لا يمكن تحقيقه بالامكانيات المتاحة، أو يتسبب في خسائر أكبر من الفوائد، فلا داعي للإصرار في الاستمرار في هذا العمل طالما أن هناك خسائر ضخمة.
ونحن نلاحظ كيف يُعَلم الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فقد تركهم النبي صلى الله عليه وسلم يحاولون، وهو يعرف أن فتح الحصن صعب جدا، ولكنه تركهم ليعيشوا معه في واقعيته صلى الله عليه وسلم، ولما أيقن الصحابة صعوبة المهمة، ووافقوا على الرحيل، وهم راضون، قام الرسول صلى الله عليه وسلم ليفك الحصار، ويغادر الطائف وهو يضحك، سبحان الله!
هذه القيادة الهادئة تبث الأمن والراحة في قلوب الجنود، ليس هناك انفعال ولا عصبية، ولا تحميل الآخرين أخطاء لم يعملوها، وليس هناك حالة غضب، ولا حالة يأس، أو إحباط، ولا حالة من الحزن، ولا كلمة لو،
لو كنا فعلنا كذا لكان كذا وكذا، فإنها تفتح عمل الشيطان، ولكن هناك هدوء أعصاب ورزانة، وثقة، وقدرة على التكيف في كل الظروف.
الحكمة الإلهية من فك الحصار عن الطائف
والحقيقة أننا سعداء بعدم فتح الطائف، وفك الحصار عنها، ومن الممكن أن نستغرب هذا الكلام، لأن عدم فتح الطائف له فوائد من عدة أمور:
أولا: لو فتحت الطائف في هذه الظروف الصعبة، والقتال الشرس، والمطاردة لهوازن وثقيف، ودار القتال في داخل الحصون، لقتل منها ما لا نتخيل ولفقد الإسلام قوة هؤلاء جميعا، لأن كل هؤلاء قد أسلموا بعد ذلك، ولو فتح المسلمون الطائف عنوة لقتلوا ولفقد الإسلام قوتهم، ولكان عاقبتهم النار، ولكان هذا أسوأ وأشد.
ثانيا: كان هذا الانسحاب دون إتمام المهمة كما نريد وكما نبغي في فتح الحصون، قد فتح لنا بابا وسنة نتبعها إن تعرضنا لنفس الموقف، فلو أصر الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم الانسحاب حتى يفتح الحصن لكان في هذا إحراج كبير للأمة الإسلامية؛ لأنه سيكون لزاما علينا ألا ننسحب، ولكن بهذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم ترك الأمر لقادة المسلمين ولرأي الشورى، فإن رأى المسلمون أن الحصار يُجدي صبروا كما حدث في فتح خيبر، وإن رأوا أن الأمر غير مجد، أو أن الخسائر ستكون كبيرة كما حدث في الطائف، ولهم في كلتا الحالتين أسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لأهل الطائف بالهداية
ولنا وقفة مهمة مع موقف في منتهى الرقى من مواقفه صلى الله عليه وسلم، وهو يغادر الطائف قال له بعض الصحابة، والصحابة رضوان الله عليهم يملأ قلوبهم الغيظ لعدم التمكن من فتح الحصن، فقالوا له: يا رسول الله ادع الله على ثقيف.
فقال صلى الله عليه وسلم في هدوء، وفي حب، وفي أمل: اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا وَائْتِ بِهِمْ.
والحديث في الترمذي، وأحمد، وقال الترمذي: حسن صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
ما غابت عنه رسالته أبدا، فهو يريد أن يصل بدعوته إلى الناس لا أن يقتلهم، حتى وإن رفض أهل الطائف الإيمان، واستكبروا عنه، وقاوموا وقاتلوا، فالرسول صلى الله عليه وسلم مازال يرجو إسلامهم، حتى مع مرور السنين تلو السنين، مازال يرجو إسلامهم حتى مع ذكريات الطائف في الزيارة الأولى، ومع واقع الطائف في الزيارة الثانية، مازال صلى الله عليه وسلم يرجو إسلامهم، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ، وَهَذِهِ الدَّوَابُ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ، وَيَغْلِبْنَهُ وَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجُزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا.
أهل الطائف يدفعون أنفسهم في النار، يقتحمون فيها، والرسول صلى الله عليه وسلم حريص عليهم أكثر من حرصه على نفسه صلى الله عليه وسلم، ولم يكن هذا الموقف موقفا عارضا في حياته، إنه أبى صلى الله عليه وسلم أن يهلك الطائف، ومكة المكرمة حتى بعد أن عرض عليه ذلك ملك الجبال وجبريل عليهم السلام، وفعل ذلك أيضا قبل ذلك مع قبيلة دوس عندما رفضوا الإسلام، قال: اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ.
وفعل ذلك مع قريش بعد أن قتلت سبعين من خيار الصحابة في أحد قال: اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
صدق الله العظيم الذي يقول: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] {الأنبياء:107} .
ليس رحمة للمسلمين فقط، ولكن رحمة لكل البشرية، ولكل الإنسانية.


العهد المدني
بقلم د. راغب السرجانى



قيام الحسن بن علي رضي الله عنهما بالخلافة:

ومن حوادث اليوم الثاني والعشرين من رمضان سنة 49 هـ قيام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما بالخلافة ومبايعته، وذلك يوم الاثنين (البحر الزخار 1/52) لثمان بقين من رمضان عقيب دفن أبيه الذي اغتيل يوم السابع عشر من رمضان، وعاش علي رضي الله عنه إلى يوم الثاني والعشرين منه.
واستمر الحسن في الخلافة خمسة أشهر وأياماً، وقيل سنة وأياماً ثم تنازل عنها إلى معاوية بن أبي سفيان سعياً منه نحو جمع شمل الأمة ونبذ الفرقة وحقناً للدماء.
كان الحسن رضي الله عنه كريم السجايا رفيع الخصال، سيداً من سادات المسلمين في الدنيا والآخرة ، ويكفيه أنه ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أباه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وأن أمه البتول الطاهرة فاطمة بنت رسول الله.


وفاة المحدث الكبير ابن ماجه:

ومن حوادث اليوم الثاني والعشرين من رمضان سنة 273هـ وفاة الإمام المحدث ابن ماجة صاحب السنن.
قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء 13/279) ابن ماجه محمد بن يزيد الحافظ الكبير الحجة المفسر أبو عبد الله ابن ماجة القزويني، مصنف السنة والتاريخ والتفسير، وحافظ قزوين في عصره
قال القاضي أبو يعلى الخليلي: كان أبوه يزيد يعرف بماجة وولاؤه لربيعة.
وهو - أي ابن ماجه - ثقة كبير متفق عليه محتج به، له معرفة بالحديث وحفظ. ارتحل إلى العراق ومكة والشام ومصر والري لكتب الحديث.
ولكتابه سنن ابن ماجة منزله عظيمة بين كتب الحديث. فعن ابن ماجة قال: عرضت هذه السنن على أبي زرعة الرازي فنظر فيه، ثم قال:
أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها.
مات أبو عبد الله ابن ماجه يوم الإثنين، ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من رمضان سنة 273هـ، وصلى عليه أخوه أبو بكر وأبو عبد الله وابنه عبد الله .


مولد عبد الرحمن الناصر ثامن أمراء الأندلس:

في 22 من رمضان 277هـ الموافق 7 من يناير 891م: وُلد عبد الرحمن الناصر ثامن أمراء الأندلس من بني أمية، وأول مَن تسمَّى بها بأمير المؤمنين، وتلقب بألقاب الخلافة، ويعد عصره الذي امتدَّ خمسين عامًا، من أزهى فترات الأندلس قوة حضارة.

هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم الربضي، بن هشام بن عبد الرحمن (الداخل) أبو المطرف، الناصر لدين الله الأمير الثامن من أمراء الدولة الأموية بالأندلس. أمه أم ولد اسمها (ماريا) أو (مزنة) كما تسميها الروايات العربية. أول من تلقب بالخلافة من رجال الدولة الأموية، تسمى بها لما رأى ما آلت إليه الخلافة العباسية من وهن. خلف جده عبد الله بعهد منه، وكان عمه المطرف قد قتل أباه ظلما، لأن أباه كان المرشح لولاية العهد، فأراد أن يزيحه ليظفر بها ولما علم جده عبد الله بما لحق أباه من ظلم جعل ولاية العهد إليه، وتولى تربيته ونال نصيبا كبيرا من رعايته، كان جزاء عمه القتل، فقد قتله أبوه عبد الله، بعد أن تأكد من براءة أخيه مما عزاه إليه. بويع عبد الرحمن بالخلافة بعد وفاة جده عبد الله سنة 300هـ ولم يكن قد تجاوز الثالثة والعشرين من عمره، فكان أول من بايعه بالإمارة أعمامه لحب جده له ولزهدهم بها، لما كان يحيط بها من أخطار. فقد كانت الأندلس مضطربة بالمخالفين ونيران المتغلبين، وقد تمكّن عبد الرحمن من إخماد تلك النيران، وخاض غمار حروب طويلة، فأخضع العصاة وصفا له الملك، وجدّد دولة الأندلس وأخضع حكامها لسلطانه.
تلقّب بلقب الخلافة سنة 316هـ ، فجمع الناس وخطب فيهم وبين حق بني أمية بالخلافة وأنهم أسبق إليها من بني العباس، فبايعوه وتلقب (الناصر لدين الله) وتسمى بأمير المؤمنين، وجرى هذا اللقب من بعده، وكان أسلافه يخطب لهم بالإمارة فقط. أنشأ مدينة (الزهراء) سنة 325هـ وبنى فيها (قصر الزهراء) باسم جارية كان يهواها. حمل إلى المدينة الرخام من أقطار الغرب، وأقام فيها أربعة آلاف وثلاثمائة سارية، وأهدى له ملك الفرنجة أربعين سارية من رخام، وجلب الرخام الأخضر والوردي من إفريقية، وجلب لها حوضا من ذهب من القسطنطينية وحوضا صغيرا عليه صورة أسد وصورة غزال وصورة عقاب وصورة ثعبان، وكلها من الذهب المرصع بالجواهر، استغرق بناء القصر والمدينة ست عشرة سنة وكان ينفق عليها في كل سنة ثلث دخل الأندلس، وكان دخل الأندلس يومئذ خمسة ملايين وأربعمائة وثمانين ألف درهم، وقد أحرقت المدينة بما فيها في حدود سنة أربعمائة (أيام الفتنة) ودرست معالمها ورسومها. قامت بينه وبين الامبراطور البيزنطي قسطنطين السابع سفارات تبادلا فيها الهدايا. وفي سنة 337هـ أرسل إليه الامبراطور كتبا طبية، وكان من جملتها نسخة مكتوبة بالإغريقية من كتاب (ديوسقوريدس) في الحشائش والنباتات الطبية، وأرسل معه راهبا يدعى (نيقولا) لكي يقوم بتحديد أنواع النباتات والحشائش المذكورة في الكتاب. كان عبد الرحمن حريصا على الملك، وكان صارما. اتصل به أن ابنا له يُدعى عبد الله سمت نفسه إلى طلب الخلافة، وتبعه في ذلك جماعة، فقبض عليهم جميعا وسجنهم إلى أن كان يوم الأضحى سنة 339هـ فأحضرهم بين يديه، وأمر ابنه أن يضطجع له، فاضطجع فذبحه بيده والتفت إلى من كان في مجلسه من خواصه فقال: هذه أضحيتي في هذا العيد وليذبح كل منكم أضحيته فاقتسموا أصحاب عبد الله فذبحوهم عن آخرهم. كان يكتب في دفتر أيام السرور التي كانت تصفو له من غير كدر فلم تتجاوز أربعة عشر يوما. حكم خمسين عاما وستة أشهر وتوفي عن 73 عاما، وتولى الخلافة بعده ابنه الحكم (المستنصر) . في أيامه بلغت الأندلس ذروة القوة والحضارة حتى كادت تكسف بغداد وحتى كان الأمراء الأسبان يحتكمون إليه في خلافاتهم الداخلية.

إسلام اون لاين



مولد الخليفة العباسي المقتدر بالله

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 282 هـ الموافق للثالث عشر من شهر تشرين الثاني للعام الميلادي 895، أبصر النور المقتدر بالله جعفر بن أحمد المعتضد بالله بن هارون الرشيد، كُنيته أبو الفضل أمير المؤمنين العباسي، أمه أسمها شغب، لقُبت في خلافة ولدها بالسيِّدة، كان المقتدر بالله ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير جميل الوجه أبيض مشرباً حمرة حسن الخلق حسن العينين جعد الشعر كثير الشيب في رأسه. بويع له بالخلافة بعد موت أخيه المكتفي، وهو يومئذٍ إبن ثلاث عشرة عاماً، ولهذا أراد الجند خلعه، محتجيّن بصغر سنه وعدم بلوغه، وتوليّة عبد الله بن المعتّز، فلم يتمّ ذلك، ثم خلعوه في شهر محرم عام سبعة عشر وثلاثمائة للهجرة، وولوا أخاه محمداّ القاهر، فلم يتمّ ذلك سوى يومين ثم رجع إلى الخلافة. وكان المُقتدر مؤثراً لشهواته، كثير العزل والولاية والتلّون، قتله غلامه مؤنس في الثامن والعشرين من شهر شوّال سنة 320 للهجرة وله من العمر حينذاك ثمان وثلاثون عاماً، وكانت مدة خلافته أربعاً وعشرين عاماً وإحدى عشر شهراً وأربعة عشر يوماً.



قدوم القائد العسكري إبراهيم الكتامي إلى دمشق:

ومن حوادث يوم الثاني والعشرين من رمضان قدوم قائد عسكري إلى دمشق من مصر، إنه إبراهيم بن جعفر أبو محمود الكتامي المغربي.
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق (6/376) : قدم إبراهيم بن جعفر أبو محمود الكتامي دمشق يوم الثلاثاء لاثنتين وعشرين ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة أميراً على جيوش المصريين، فرحّل ظالماً العقيلي عن دمشق، وولاها ابن أخته جيش بن الصمصامة ثم عزله، وولى بدراً الشمولي، ثم عزله وولى أبا الثريا الكردي، ثم عزله وولى جيشاً ابن أخته ثانية
وقد كان جيش بن الصمصامة ضعيف العقل سيء التدبير بقي في دمشق إلى أن توفي فيها سنة سبعين وثلاثمائة، وقد اشتكى أهل دمشق كثيرا من ابن أخته جيش الذي ولاه دمشق بعد أن حضر دمشق معه يوم الثاني والعشرين من رمضان، فقد كان جيش بن الصمصامة سفاكاً للدماء شديد التعدي، والظلم عم الناس في ولايته من القتل وأخذ المال، حتى لم يبق بيت بدمشق ولا بظاهرها إلا امتلأ من جوره
يقول ابن عساكر: وكثر الدعاء عليه والابتهال إلى الله في إهلاكه، حتى أراح الله تعالى منه بعد أن رأى بنفسه من الجذام العبر.



مقتل الشاعر المشهور المتنبي:

ومن حوادث اليوم الثاني والعشرين من رمضان سنة 354هـ مقتل الشاعر الأديب المعروف أبي الطبيب المتنبي
اسمه أحمد بن الحسين بن الحسن الكوفي، انقطع فترة من الزمن لمديح سيف الدولة الحمداني، ثم تركه ورحل من دمشق إلى مصر 346هـ، فالتحق بديوان الأستاذ كافور الأخشيدي وامتدحه، وكان يطمع أن يوليه بعض الولايات فلم يظفر منه بطائل، مع ما كان عليه المتنبي من عزة نفس وفخر بالذات، فغافله ورحل عن مصر سنة 350هـ بعد أن أذاع قصيدته التي يهجو بها كافوراً الأخشيدي، فوجه كافور خلفه رواحل إلى جهات شتى فلم يلحق ونجا منه التنبي.
ووصل المتنبي إلى عضد الدولة البويهي في شيراز (بقية الطلب في أخبار حلب 2/680) ثم خرج من شيراز لثمان خلون من شعبان قاصداً إلى بغداد، ثم إلى الكوفة حتى إذا بلغ دير العاقول وخرج منه قدر ميلين خرج عليه فرسان ورجال من بني أسد وشيبان - يقال إنه كان قد هجا أمهم - فقاتلهم مع غلامين من غلمانه فقتلوه وقتل معه أحد الغلامين وهرب الآخر، وأخذوا جميع ما كان معه، وتبعهم ابنه طلباً لكتب أبيه فقتلوه أيضا.
حدث ذلك يوم الاثنين لثمان بقين من رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
وجاء في بعض الروايات: أن المتنبي لما مضي إلى الكوفة وصل إلى النعمانية بإزاء قرية تقرب منها يقال لها (بنورا) فوجد أثر خيل هناك فتنسم خبرها فإذا خيل قد كمنت له فصادفته لأنه قصدها، فطعن طعنة نكس عن فرسه، فلما سقط إلى الأرض نزلوا فقتلوه وأخذوا ما كان معه من المال وغيره.
ويقول الفرغاني في تاريخه : لما نزل المنزل الذي رحل منه فقتل جاءه قوم خفراء، فطلبوا منه خمسين درهماً ليسيروا معه فمنعه الشح والكبر، فأنذروا به ـ أي أخبروا عنه ـ فكان من أمره ما كان.
وكان الذي قتله فاتك بن ابي جهل.
ويقال: إن المتنبي لما رأى الغلبة فر، فقال له الغلام:
ـ لا يتحدث عنك بفرار وأنت القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والطعن والضرب والقرطاس والقلم
فكّر راجعاً فقتل.


وفاة حازم إبن محمد الأنصاري القرطبي

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 684 هـ المصادف للحادي والعشرين من شهر شباط للعام الميلادي 1285، رحل شيخ البلاغة والأدب القرطبي، حازم إبن محمد الأنصاري القرطبي، هو أوحد زمانه في النظّم والنثر والنحو واللغة والعروض، روى عنه ألف من العلماء، من كتبه {سراج البلغاء في البلاغة}، من شعره:
من قال حسب من الورى بشرٌ* فحسبي الله حسبي الله* كم آية لله شاهدةٌ بأنه لا إله إلا هو


وفاة الشيخ عفيف الدين إسحاق الأمدي

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 725 هـ المصادف ليوم الإثنين للأول من شهر أيلول للعام الميلادي 1325، كان رحيل الشيخ عفيف الدين إسحاق الأمدي، ثم الدمشقي الحنفي، شيخ دار الحديث بالظاهريّة، سمع الحديث على جماعة كثيرين، كان شيخاً حسناً بهي المنظر سهل الإسماع، ولديه فضيلة، تُوفي في مثل هذا اليوم ودُفن بسفح جبل قاسيون في سوريا، هو والد فخر الدين ناظر الجيوش والجامع، وقبله بيوم توفي الصدر معين الدين يوسف بن زغيب الرحبي، أحد كبار التجّار الأمناء.


قدوم الحرة زوجة السلطان أبي الحسن المريني مصر:

ومن حوادث اليوم الثاني والعشرين من رمضان سنة 738هـ ما نقله المقرّي في نفح الطيب (4/402) عن مؤرخ مصر المقريزي في كتاب السلوك ما نصه
ـ وفي ثاني عشرين من رمضان قدمت الحرة واسمها مريم (وهي أم أخت السلطان أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب المريني أي زوجة أبيه) من عند السلطان المذكور صاحب فاس تريد الحج، ومعها هدية جليلة إلى سلطان مصر (الملك الناصر بن قلاوون) نزل لحملها من الإسطبل السلطاني ثلاثون قطاراً من بغال النقل سوى الجمال.
كان من جملة تلك الهدية أربعمائة فرس: منها مائة حجرة ومائة فحل ومائتا بغل وجميعها بسروج ولُجُمٍ مسقّطة بالذهب والفضة، وبعضها سَرْجها وركبها كلها ذهب وكذلك لُجُمها. وعدتها اثنان وأربعون رأسا منها سرجان من ذهب مرصع بجوهر. وفي الهدية اثنان وثلاثون بازا، وفيها سيف قرابه ذهب مرصع وحياصته ذهب مرصع. وفيها مائة كساء وغير ذلك من القماش العالي.
قال المقريزي: وكان قد خرج المهمندار (مندوب التشريفات) إلى لقائهم، وأنزلهم بالقرافة قريب مسجد الفتح، وهم جمع كبير جداً.
وكان يوم طلوع الهدية من الأيام المذكورة. ففرق السلطان الهدية على الأمراء بأسرهم على قدر مراتبهم حتى نفدت كلها، سوى الجواهر واللؤلؤ فإنه اختص به. فقدّرت قيمة هذه الهدية بما يزيد على مائة ألف دينار.
ثم نقلت الحرة (الضيفة) إلى الميدان بمن معها، ورتب لها من الغنم والدجاج والسكر والحلوى والفاكهة في كل يوم بكرة وعشية ما عمهم وفضل عنهم، فكان مرتبهم كل يوم عدة ثلاثين رأساً من الغنم ونصف أردب، وقنطار حب رمان، وربع قنطار سكر، وثماني فانوسيات شمع، وتوابل الطعام. وحمل إليها برسم النفقة مبلغ خمسة وسبعين ألف درهم. وأجرة حمل أثقالهم مبلغ ستين ألف درهم.
ثم خلع على جميع من قدم مع الحرة، فكانت عدة الخلع مائتين وعشرين خلعة على قدر طبقاتهم، حتى خلع على الرجال الذين قادوا الخيول...
وقيل لها: أن تملي ما تحتاج إليه فأجابت: لا يعوزها شيء وإنما تريد عناية السلطان بإكرامها وإكرام من معها حيث كانوا، فتقدم السلطان إلى القواد الذين دونه بتجهيزها باللائق بها فقاموا بذلك... وهيئوا كل ما تحتاج إليه في سفرها، وطلب الحمالة لحمل جهازها وأزودتها، وندب السلطان للسفر معها جمال الدين متولي الجيزة، وأمره أن يرحل بها في مركب بمفردها، ويمتثل كل ما تأمر به، وكتب لأميري مكة والمدينة بخدمتها أتم خدمة.


وفاة الشيخ المربي ابن رسلان المقدسي:

ومن حوادث اليوم الثاني والعشرين من رمضان سنة 844هـ وفاة الشيخ الإمام العالم الصالح القدوة شهاب الدين أحمد بن حسين بن أرسلان المقدسي الشافعي، المكنى بأبي طاهر وأبي المواهب.
قال ابن العماد: (شذرات الذهب 4/250) لزم الإفتاء والتدريس مدة ثم ترك ذلك وسلك طريق القوم القويم، وجد واجتهد حتى صار مناراً يهتدي به السالكون، وشعاراً يقتدي به الناسكون.
من تصانيفه النافعة: شرح سنن أبي داود، وشرح البخاري، وعلق على الشفا للقاضي عياض، وشرح مختصر ابن الحاجب، وجمع الجوامع، ومنهاج البيضاوي، والمنهاج للنووي، وأدب القاضي للغزي، والأذكار، وحياة الحيوان، ونظم في علم القراءات، وأعرب الألفية، وشرح الملحة، وعمل طبقات الشافعية.
وله أرجوزة معروفة في الفقه الشافعي هي متن الزبد.
قال المناوي في (طبقات الأولياء): وله كرامات لا تكاد تحصى، منها: أنه لما تم كتاب (الزبد) أتى به البحر وثقله بحجر وألقاه في مقره وقال:
ـ اللهم إن كان خالصاً لك فأظهره، وإلا فأذهبه: فصعد من قعر البحر حتى صار على وجه الماء ولم يذهب منه حرف، وكان صائماً قائماً قلما يضطجع بالليل. ابن رسلان توفي بالقدس يوم الاثنين لثمان بقين من شهر رمضان سنة 844عن إحدى وسبعين سنة. رحمه الله.


وفاة الفقيه الحنفي إبراهيم الحلبي

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 965 هـ رحل في مدينة الأستانة الفقيه الحنفي إبراهيم الحلبي، ولد في حلب بسوريا، أشهر مصنفاته {ملتقى الأبحر} وعليه أعتمد القضاء في السلطنة العثمانية.



حفر قناة السويس

في 22 رمضان 1275هـ الموافق 25 إبريل 1859م بدئ بحفر قناة السويس في مصر.

ترجع فكرة حفر قناة تربط بين البحرين الأبيض والأحمر إلى أقدم العصور، وسجل التاريخ أن مصر شقت أول قناة صناعية على وجه الأرض؛ فقد حفر الفراعنة قناة تربط بين النيل والبحر الأحمر، وجرت هذه القناة حينًا وتوقفت آخر. وعندما فتح المسلمون مصر جدد عمرو بن العاص هذه القناة تنفيذا لأوامر الخليفة عمر بن الخطاب، وفي رواية للمقريزي أكد أن السفن استطاعت أن تصل من الفسطاط إلى القلزم (السويس) إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة بعد أقل من عام على الفتح، ومجد الفيلسوف والشاعر الفرنسي المعروف فوليتير فضل عمر بن الخطاب على الملاحة بتجديده لهذه القناة الحيوية التي استمرت في العمل حوالي مائة وخمسين عامًا حتى أوصدها عند نهايتها أحد الخلفاء العباسيين سنة (159هـ = 775م).
وذكرت بعض المصادر أن عمرو بن العاص فكر في وصل البحرين الأبيض والأحمر، لكن الخليفة عمر منعه من ذلك، واكتفى بتجديد قناة فرعون التي كانت تمتد بطول مائة وخمسين كيلو مترًا؛ لأنه خشي من وصول المسيحيين وتسربهم إلى الأراضي المقدسة في مكة والمدينة.
وعندما اكتشف البرتغال طريق رأس الرجاء الصالح في بداية القرن السادس عشر الميلادي تغيرت معه حركة التجارة العالمية، ولم تعد مصر والإسكندرية قلب هذه التجارة، وعانت من جراء ذلك معاناة شديدة، ومع تزايد التنافس الاستعماري بين الدول الكبرى نشط الفرنسيون للتغلب على منافسيهم البرتغاليين في الشرق الأقصى، ورأوا أنه لا سبيل لذلك إلا بإعادة التجارة إلى طريقها القديم والحصول على حاصلات الشرق بواسطة السويس، وصارت تلك الفكرة الشغل الشاغل للدبلوماسية الفرنسية ردحا من الزمن، وعندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر بقيادة نابليون بونابرت سنة (1212هـ= 1798) درس إنشاء قناة تربط البحرين، وكلف بعثة علمية لوضع دراسات هذا المشروع الذي كان العمود الفقري في برنامجه الاستعماري، غير أن "ليبير" رئيس البعثة وقع في خطأ علمي هندسي قال فيه بارتفاع مستوى البحر الأبيض عن البحر الأحمر.
وقد فكر محمد علي في شق قناة تصل بين القاهرة والسويس، وتأسست جمعية في أوروبا غرضها الدعوة لشق قناة في برزخ السويس، والتقى بعض أعضاء هذه الجمعية بمحمد علي في الفيوم سنة (1261هـ= 1845م) وأعلن محمد علي أنه يريد أن ينفذ هذا المشروع بنفسه، وأن تكون القناة ملكًا لمصر مع حيادها التام.

كان الدبلوماسي الفرنسي فرديناند دي لسيبس رجلاً استعماريًا أراد أن يجعل من مشروع قناة السويس أداة لتمكين فرنسا من احتلال مصر والسيطرة على الشرق، واستطاع أن يحصل من خديوي مصر سعيد باشا على امتياز شق قناة مباشرة تربط البحرين في (8 ربيع الأول 1271هـ= 30 نوفمبر 1854م)، وتضمن هذا الفرمان اثني عشر بندًا كلها من الأعاجيب، منها الحصول على ماء النيل بدون مقابل، والحق في استغلال الشركة صاحبة الامتياز جميع المواد اللازمة لأعمال القناة، مع تعهد الحكومة المصرية بتقديم كل معونة في سبيل تنفيذ المشروع.
أثار مشروع القناة معركة دبلوماسية بين بريطانيا وفرنسا خاضتها لندن في القسطنطينية عاصمة الدولة العثمانية التي كانت لها السيطرة على مصر، ورغم ذلك بدأ دي لسيبس حفر القناة في (22 رمضان 1275هـ= 25 إبريل 1859م)، وافتتحت رسميًا للملاحة في عهد الخديوي إسماعيل في (12 شعبان 1286هـ= 17 نوفمبر 1869م) في احتفالات كبرى حضرها أغلب ملوك وأمراء أوربا، وكانت مدة الامتياز (99) عامًا من تاريخ افتتاح القناة تعود بعد هذه المدة ملكيتها إلى الحكومة المصرية، وكان الفرنسيون يمتلكون معظم أسهمها.
ورد في كتاب "قناة السويس" للدكتور مصطفى الحفناوي أن الأساليب التي استخدمها الخديوي إسماعيل مع الفلاحين المصريين العاملين في الحفر كانت قاسية و"لن يغفر الله له السخرة والسياط".

بريطانيا والقناة
ومنذ ذلك الحين صار الاستيلاء على هذا الطريق المائي الجديد من أغراض السياسة الإنجليزية، خاصة بعد تحقيق ألمانيا وإيطاليا لوحدتهما السياسية ودخولهما ميدان المنافسة الاستعمارية، وما يترتب على ذلك من تأثير على مركز بريطانيا في حوض البحر المتوسط، وكان ذلك كفيلاً بأن تتحول أطماع بريطانيا نحو مصر والقناة باعتبارهما مفتاح السيطرة في البحر المتوسط والمدخل للتوسع الاستعماري في إفريقيا، فضلاً عن أن بقاء القناة تحت السيطرة الفرنسية أمر لم يكن يطمئن إنجلترا في حركتها التجارية أو في الوصول إلى مستعمراتها في الهند.
وفي البداية لم تقبل إنجلترا على استخدام القناة في طريقها إلى الهند إلا في سنة (1306هـ= 1888م) بعد أن فرضت سيطرتها التامة على القناة ومصر، وقبل هذا التاريخ اكتفت بسفينتين كل شهر، وكانت تهدف من وراء ذلك إلى إظهار مشروع القناة في صورة خاسرة، ومضاعفة متاعب الشركة، بل أرادت أن تشتري القناة بأبخس سعر ممكن، وتمكنت من شراء أسهم مصر في القناة في (ذي القعدة 1292هـ= نوفمبر 1875م) واعتبر هذا البيع ضربة موجعة شديدة للمصالح الفرنسية، أما بريطانيا فطالبت بحقها في إدارة القناة.
ولم يمض وقت طويل حتى رأت بريطانيا أن مصالحها التجارية والسياسية مرتبطة بالقناة، لذلك استغلت الأزمة المالية الخانقة التي تعرضت لها مصر في أواخر عهد إسماعيل، وتدخلت في الشؤون السياسية والمالية في البلاد، وهو الأمر الذي انتهى بالاحتلال البريطاني لمصر في (1300هـ= 1882م).
اتفاقية الآستانة
أثار استيلاء بريطانيا على مصر مشكلة مع فرنسا التي كانت ترى ضرورة تنظيم استخدام القناة، وتمت الموافقة بين الدولتين على أن تستند دراسة التنظيمات الخاصة بالقناة للجنة دولية في باريس وتضم ممثلين لدول أوروبية ومعها تركيا ومصر، وبعد مفاوضات تم توقيع اتفاقية الآستانة الخاصة بتنظيم إدارة القناة في (ربيع الأول 1307هـ = أكتوبر 1889م) وأقرت هذه الاتفاقية حياد القناة.
أما من الناحية الواقعية فإن إنجلترا ظلت تحتل مصر والقناة معًا، كما حرصت على أن تجعل سيطرتها على مصر والقناة أمرًا معترفًا به من جانب الدول الكبرى، وتم لها ذلك بتوقيع الاتفاق الودي مع فرنسا في (1322هـ= 1904م)، وما إن حازت هذا الاتفاق حتى عمدت إلى إضعاف السياسة العثمانية في مصر، وإثبات سيادة الأتراك على مصر سيادة اسمية فقط، ثم ألغت هذه السيادة هي الأخرى في الحرب العالمية الأولى وفرضت حمايتها على مصر، وفرضت رقابة شديدة على منطقة القناة.
معاهدة 1936
استمرت السيطرة البريطانية على مصر والقناة، واستمرت معها مطالب الوطنيين بالجلاء حتى تم توقيع معاهدة 1936 التي نصت على احتفاظ بريطانيا بقاعدة حربية وجوية لها في منطقة القناة، واستفادت بريطانيا من قواعدها في القناة أثناء الحرب العالمية الثانية.
وحاولت الحكومة المصرية إلغاء معاهدة 1936 أو تعديلها، وجرت مفاوضات طويلة وشاقة مع الإنجليز بهذا الخصوص، وقام الفدائيون المصريون بأعمال بطولية ضد المعسكرات الإنجليزية في القناة، وقام النحاس باشا رئيس الحكومة المصرية بإلغاء المعاهدة في (المحرم 1371هـ= أكتوبر 1951م) التي ظلت تربط مصر وبريطانيا مدة تزيد على خمسة عشر عامًا، وهو ما جعل بريطانيا ترفع درجة استعدادها في منطقة القناة.
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
23 رمضان

23 رمضان


هدم صنم اللات:

في 23 رمضان 9هـ الموافق 631م تمَّ هدم الصنم اللات.


ثبوت مشروعية صلاة التراويح

في الثالث والعشرين من شهر رمضان المُبارك خرج رسول الله (عليه الصلاة والسلام) من جوف الليل ثلاث ليالٍ منها ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان. وصلى في المسجد وصلى الناس معه، كان يصلي بهم ثماني ركعات في المسجد ويكملون باقيها في بيوتهم. وبصحة هذا الأثر عن رسول الله (عليه أفضل الصلاة والسلام) ثبتت مشروعية صلاة التراويح، أما سبب اقتصار النبي (صلى الله عليه وسلّم) على ثلاث ليالٍ، فهو خشية أن تُفرض عليهم، لأنه قال للصحابة لما سألوه عن ذلك {{ قد رأيت صنيعكم فلم يمنعني من الخروج إلا أني خشيت أن تُفرض عليكم }}.

وأيضاً فإن فعل عمر إبن الخطّاب {رضي الله عنه} في جمعه الناس على أبي إبن كعب، تؤكد هذه المشروعيّة لقوله (صلى الله عليه وسلّم) : {{ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضّوُ عليها بالنواجف )) ، أما عدد ركعاتها، فقد ذهب الفقهاء في عددها، منهم من قال إنها ثمانية، لأن رسول الله صلاها ثمانية، كما سبق ذكر ذلك، ومنهم من قال إنها عشرون ركعة، لأن عمر إبن الخطّاب {رضي الله عنه) صلاها عشرين ركعة، فكان {رضي الله عنه} صلّى في الناس بالصلاة التي كان يؤديها الصحابة مع الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلّم) في المسجد وفي بيوتهم، ومنهم من قال إنها ستة وثلاثون ركعة، أما عمر بن عبد العزيز {رضي الله عنه} صلاها بالناس وفق اجتهاد خاص منه.
أما وقتها، فقد اتفق العلماء على أنه بعد صلاة العشاء، ثم أن الفقهاء متفقون على الجهر بالقرأة في التراويح.


عبد الله بن أنيس الصحابي يحضر عند رسول الله:

من حوادث اليوم الثالث والعشرين من رمضان ما رواه أبو نعيم في الحلية (2/52) في ترجمة الصحابي الجليل عبد الله بن أنيس من أهل الصفة قال :
ـ قال أبو عبد الله الحافظ النيسابوري : كان عبد الله من جهينة سكن البادية، وكان ينزل في رمضان إلى المدينة، فيسكن المسجد والصفة ليلة. وهو صاحب المخصرة أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مخصرته ليلقاه بها يوم القيامة.
ثم روى عن نافع بن جبير عن عبد الله بن أنيس أنه كان ينزل حول المدينة ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مرني بليلة من الشهر أحضر فيها المسجد!.. فأخبره بليلة ثلاث وعشرين من رمضان، فكان إذا جاء تلك الليلة حشد أهل المدينة تلك الليلة".

انتصار المسلمين على الساسانيين

في الثالث والعشرين من شهر رمضان للعام 31 من الهجرة النبوية الشريفة والموافق 652م وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان- رضي الله عنه- انتصر المسلمون على الساسانيين بعد مقتل قائدهم يزد جرد بن شهريار آخر ملوك الفرس، وإنتهت بذلك دولة الفرس.


الخليفة سليمان بن عبد الملك يولي أبا بكر بن مُحَمّد بن عمرو إمرة بغداد

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك سنة 69 للهجرة المصادف في الحادي والثلاثين من شهر أيار للعام الميلادي 715، وبعد أن تولّى الخلافة سليمان بن عبد الملك، بعد موت أخيه الوليد، عزل عن إمرة بغداد عثمان بن حيّان، وولى عليها أبا بكر بن مُحَمّد بن عمرو بن حزم. وكان من أكابر العلماء، وقد كان قتيبة بن مسلم حين بلغه ولاية سليمان الخلافة، كتب إليه كتاباً يعزّيه في أخيه الوليد، ويهنئه بولايته، ويذكر فيه بلاءه وقتاله، وهيبته في صدور الأعداء، كل هذا حتى لا يقوم سليمان هذا بعزله عن ولاية خرسان.

عزل والي المدينة عثمان بن حيان واعتقاله:

ومن حوادث اليوم الثالث والعشرين من رمضان عزل سليمان بن عبد الملك لمواليه على المدينة عثمان بن حيان سنة 96 (الطبري 4/33) بعد أن عمل على المدينة ثلاث سنين.
وقد حدثت غريبة عند عزله. قال الطبري: قال الواقدي : وكان أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (أحد الوجهاء في المدينة وهو يعمل تحت امرة عثمان بن حيان) قد استأذن عثمان بن حيان أن ينام في غد ولا يجلس للناس ليقوم ليلة إحدى وعشرين فأذن له
وكان أيوب بن سلمية المخزومي عنده فقال أيوب لعثمان : ألم ترى إلى ما يقول هذا (يعرض بعدوه أبي بكر بن محمد) إنما هذا منه رياء. فقال عثمان بن حيان : قد رأيت ذلك ولست لأبي أن أرسلت إليه غدوة ولم أجده جالساً، لأجلدنه مائة ولأحلقن رأسه ولحيته.
قال أيوب: فجاءني أمر أحبه فعجلت من السحر فإذا شمعة في الدار فقلت : عجل المري : يعني عثمان بن حيان. فإذا برسول سليمان (الخليفة) قد قدم على أبي بكر ابن محمد ـ الذي كان يتوقع أيوب جلده وحلق لحيته ورأسه ـ بتأميره وعزل عثمان وحدّه (أي وضعه في الحديد والقيود) قال أيوب: فدخلت دار الإمارة فإذا ابن حيان جالس وإذا بأبي بكر على كرسي يقول للحداد:
ـ اضرب في رجل هذا الحديد !! ونظر إليّ عثمان فقال :

آبوا على أدبارهم كشفاً والأمر يحدث بعده الردُّ



وفاة الحجاج بن يوسف الثقفي

وفي اليوم الثالث والعشرين من رمضان سنة خمس وتسعين توفي الحجاج بن يوسف الثقفي الطائفي (التحفة اللطيفة في أخبار المدينة الشريفة 1/265)( ملاحظة: للتدقيق في وفاة الحجاج هل يوم 23 أم يوم 27 {: ص 156}
كان أمير المدينة المنورة لعبد الملك بن مروان، ثم صار أمير الحرمين والحجاز والعراق. كان أبوه يوسف بن الحكم من شيعة بني أمية وحضر مع مروان بن الحكم حروبه ونشأ ابنه الحجاج مؤدب كتاب، ثم لحق بعبد الملك بن مروان وحضر معه قتل مصعب بن الزبير.
ثم انتدبه عبد الملك لقتال عبد الله بن الزبير بمكة، فجهزه أميراً على الجيش فحصر مكة، ورمى الكعبة بالمنجنيق إلى أن قتل عبد الله بن الزبير.
سار بالناس في الحرمين والعراقين سيرة جائرة، واستمر في الولاية نحواً من عشرين سنة، وكان فصيحاً بليغاً فقيهاً مجوداً للقرآن يجيد الجدل عما يرى.
وعن مالك بن دينار قال : سمعت الحجاج يخطب فلم يزل ببيانه وتخلصه بالحج حتى ظننت أنه مظلوم، كما كان شجاعاً مهيباً جباراً.
خرج عليه ابن الأشعث ومعه أكثر الفقهاء والقراء من أهل البصرة وغيرها فحاربه الحجاج حتى قتله.
عن هشام بن حسان قال أحصينا من قتل الحجاج صبراً فبلغوا مائة ألف وعشرين ألف: قالت له أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين رضي الله عنها وعن أبيها:
ـ أنت المبير الذي أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولما بلغ الحسن البصري موته سجد لله شكراً وقال: اللهم إنك أمته فأمت سنته.
قال الذهبي : وسمعوه يقول عند الموت : رب اغفر لي، فإن الناس يزعمون إنك لا تغفر لي.
توفي الحجاج لسبع بقية من رمضان سنة 950 هـ.


ملاحظة : قيل إن الحجاج توفي في يوم السابع والعشرون من رمضان : كلام ابن كثير ص 156.


أحمد بن طولون يدخل مصر والياً.

ومن حوادث اليوم الثالث والعشرين من رمضان دخول أحمد بن طولون مصر والياً عليها نيابة عن المعتز العباسي.
قال ابن كثير (البداية 11/46) كان أبوه طولون من الأتراك الذين أهداهم نوح بن أسد الساماني عامل بخارى إلى المأمون في سنة مائتين
ولد أحمد بن طولون سنة 214هـ ونشأ في صيانة وعفاف ورعاية ودراسة القرآن العظيم مع حسن الصوت به، وكانت أمه جارية اسمها هاشم.
ولي نيابة الديار المصرية للخليفة المعتز بالله فرحل إلى مصر ودخلها لسبع بقين من رمضان (23 رمضان) سنة 254هـ فأحسن إلى أهلها وأنفق فيهم من بيت المال ومن الصدقات، واستغل الديار المصرية في بعض السنين أربعة آلاف ألف دينار (أي إنه ضبط الموارد المالية فيها حتى ارتفعت ميزانيتها ودخلها إلى أرقام عالية)
بنى أحمد بن طولون في مصر الجامع المنسوب إليه، وغرم عليه مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، وكانت له مائدة في كل يوم يحضرها العام والخاص، وكان يتصدق من خالص ماله في كل شهر بألف دينار، وكان من أحفظ الناس للقرآن وأطيبهم صوتاً به، بنى المارستان وأنفق عليه ستين ألف دينار، وأنفق على الميدان مائة وخمسين ألف دينار.
ملك دمشق بعد أميرها ماخور سنة 264هـ فأحسن إلى أهلها إحساناً بالغاً، ثم خرج إلى أنطاكية فحاصر بها صاحبها سيما حتى قتله وأخذ البلد.
توفي أحمد بن طولون وقد خلف وراءه من الأموال والأثاث والدواب شيئاً كثيراً، وكان له ثلاثة وثلاثون ولداً منهم سبعة عشر ذكر.
وأشهر أولاده خماورية الذي قام بالملك بعده وكان لقبه أبو الجيش، وابنته قطر الندى الذي تزوجها الخليفة فيما بعد في عرس لم تعرف الدنيا له نظيراً.



محمد بن الأخشيد يتسلم ولاية مصر

ومن الحوادث الكائنة في الثالث والعشرين من رمضان أن محمد بن الأخشيد الملقب بأبي بكر ولي مصر ودخلها في هذا اليوم.
قال ابن خلكان (وفيات الأعيان 5/58) إن الخليفة العباسي الراضي بالله هو الذي لقت محمد بن طغج بالإخشيد في شهر رمضان المعظم سنة 327هـ وإنما لقبه بذلك لأنه لقب ملوك فرغانة وهو من أولادهم، وتفسيره بالعربي ملك الملوك، وكل من ملك تلك الناحية لقبوه بهذا اللقب.
وكان مبدأ ظهور الإخشيد أنه اتصل أثناء هربه إلى بادية الشام بأبي منصور تكين الخزري، فانتدبه في سرية إلى النقب لمعالجة أمر الذين تعرضوا لقطع طريق الحجاج سنة 306هـ، فظفر بهم بعد أن أسر من سر وقتل من قتل وشرّد الباقين.
وكان قد حج في هذا العام امرأة عجوز من دار الخليفة المقتدر بالله فلما عادت حدثت المقتدر بالله بما شاهدت من براعته، فأنفذ إليه خلعاً وزاد في رزقه، ثم وردت كتب الخليفة بتوليته الرملة من فلسطين، ثم ولاه دمشق بعد ذلك، ثم ولاه الخليفة القاهر بالله ولاية مصر.
وأكد هذه التولية الخليفة التالي الراضي بالله الذي ولاه مصر وضم إليه البلاد الشامية والجزرية والحرمين فرحل محمد طغج الأخشيد إلى مصر ودخلها يوم الأربعاء لسبع يقين من رمضان المعظم سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.

كان الإخشيد ملكاً حازماً كثير التيقظ في حروبه ومصالح دولته حسن التدبير مكرماً للجنود، شديد القوى لا يكاد يجر قوسه غيره، وكان له ثمانية آلاف مملوك يحرسه في كل ليلة منهم ألفان. وهو أستاذ كافور الإخشيدي صاحب المتنبي.
مات الأخشيد سنة 334 بدمشق.


طائر يصيح بلسان فصيح

ومن حوادث اليوم الثالث والعشرين من رمضان حادثة غريبة عجيبة
قال ابن الجوزي في المنتظم (11/295) نقلاً عن ابن حبيب : وذكر علي بن الوضاح أن طائراً دون الرخمة وفوق الغراب أبيض وقع على دابة بحلب لسبع بقين من رمضان فصاح: يا معشر الناس اتقوا الله حتى صاح أربعين مرة. ثم طار وجاء من الغد فصاح أربعين صوتاً.
وكتب صاحب البريد وأشهد خمسمائة إنسان سمعوه وذلك في حوادث سنة 242هـ والله أعلم.



ابو جعفر المنصور يولي رياح بن عثمان المدينة

ومن حوادث اليوم الثالث والعشرين من رمضان وصول والي المدينة رياح بن عثمان المرى إليها من قبل الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور بعد أن خذله واليان من قبل هما: زياد بن عبد الله، ومحمد بن خالد بن عبد الله القسري في القبض على خصمين خطيرين.
قال الطبري (4/409) عن موسى بن عبد العزيز قال : لما أراد أبو جعفر عزل محمد بن خالد القسري عن المدينة ركب ذات يوم فلما خرج من بيته استقبله يزيد بن سعيد السلمي فدعاه فسايره ثم قال :
ـ أما تدلني على فتى من قيس مقّلٍ أغنيه وأشرّفه وأمكنه من سيد اليمن يلعب به يعني القسري
قال بكر : قد وجدته يا أمير المؤمنين
قال: من هو
قال: رياح بن عثمان بن حيان المري
قال فلا تذكرن هذا لأحد
ثم انصرف فأمر بنجائب (خيل أو إبل سريعة) وكسوة ورحال فهيئت للسفر، فلما انصرف من صلاة الجمع دعا برباح فذكر له ما بلا من غش زياد وابن القسري في شأن ابني عبد الله ( يقصد بهما محمداً وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن) وولاه المدينة وأمره بالمسير من ساعته قبل أن يصل إلى منزله، وأمره بالجد في طلبهما.
فخرج مسرعاً حتى قدم المدينة يوم الجمعة لسبع ليال بقين من رمضان سنة 144هـ، وكان شديد الوطأة على محمد بن خالد القسري الوالي قبلة وعلى كاتبه رزام. . .


الأمير أسامة بن منقذ وأعمال جلية للأيوبيين:

ومن حوادث اليوم الثالث والعشرين من رمضان سنة 584هـ وفاة أحد أمراء الدولة الأيوبية : أسامة بن منقذ
قال ابن كثير (البداية 12/331) هو مؤيد الدولة أبو الحارث وأبو المظفر أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ أحد الشعراء المشهورين المشكورين. كان عمره تاريخاً مستقلاً وحده، وكانت داره معقلاً للفضلاء ومنزلاً للعلماء، ولديه علم غزير.
وكان أسامة من أولاد ملوك شيزر، قدم على صلاح الدين وكان في شبيبته شهماً شجاعاً قتل الأسد وحده مواجهة، قام بدور بارز في حروب صلاح الدين مع الصليبين.
توفي عام 584هـ ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من رمضان بدمشق.


وفاة الإمام الزاهد ابن العريف الصنهاجي

وممن توفوا يوم الثالث والعشرين من رمضان الإمام الزاهد العارف أبو العباس بن العريف الصنهاجي الأندلسي المقري صاحب المقامات والإشارات.
كانت عنده مشاركة في أشياء من العلم وعناية بالقراءات وجمع.
قال الذهبي : (سير أعلام النبلاء 2/114) وكان الناس قد ازدحموا عليه يسمعون كلامه ومواعظة، فخاف ابن تاشفين سلطان الوقت من ظهوره، فأمر بإشخاصه إلى حضرته في مراكش. ويقال بأنه قتله سراً بالسم.


شقيق السلطان المنصور يفر منه ثم يُقتل

وجاء في كتاب ( الاستقصا في أخبار دول المغرب الأقصى 2/146 ) أن الناصر ابن السلطان عبد الله الغالب فر من أخيه المنصور ملك المغرب إلى بلاد الأندلس، فكان عند ملك قشتاله الإفرنجي، إلى أن سرحه بقصد تفريق كلمة مسلمي المغرب وشق صفهم
فعاد إلى المغرب بمليلة وجمع حوله ناساً وجيشاً، فخرج إلى تازا فدخلها وعظم أمره، إلى أن أرسل المنصور إليه ولي عهده المأمون فكسره.
وفر الناصر إلا أن المأمون قبض عليه وقتله بعد ذلك، وحمل رأسه إلى فأس حيث السلطان المنصور يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من رمضان سنة 1004هـ.


القائد الفاطمي بدر بن الجمالي يلقى حتفه

وقتل يوم الثالث والعشرين من رمضان سنة 515أمير الجيوش بمصر الأفضل بن بدر الجمالي اغتيل في أحد الأسواق بعد أن أبعد حرسه بسبب الغبار، وكان ماضياً إلى خزانة السلام ليفرق المال على الجند (الكامل 9/207).


وفاة الشاعر ابن الساعاتي

وتوفي يوم الثالث والعشرين سنة 604هـ الشاعر المشهور ابن الساعاتي أبو الحسن على بن رستم (وفيات الأعيان 3/369).
ومن رائق شعره من ديوانه مقطعات النيل:
بتنا وعمر الليل في غلوائه وله بنور البدر فرع أشمط
والفل في سلك الغصون كلؤلؤ رطب يصافحه النسيم فيسقط
والطير يقرأ والغدير صحيفة والريح تكتب والغمامة تنقط
توفي يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة 604هـ بالقاهرة وعمره إحدى وخمسون سنة. رحمه الله.
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
24 رمضان

24 رمضان



ابتداء نزول القرآن الكريم:

من حوادث اليوم الرابع والعشرين من رمضان نزول القرآن الكريم في ليلة الرابع والعشرين.
فعند الإمام أحمد (البداية 3/6) عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراه لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان".
وأورد ابن كثير في تفسيره (1/217) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أنزل القرآن جملة من الذكر في ليلة أربع وعشرين من رمضان فجعل في بيت العزة".
وأضاف ابن كثير: جاء الوحي بغتة على غير موعد, وقد كان صدر هذه الصورة الكريمة وهي (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ...) هي أول ما نزل من القرآن
وقال عبيد بن عمير وأبو جعفر الباقر وغير واحد من العلماء أنه عليه الصلاة والسلام أوحي إليه يوم الاثنين.
والمشهور أنه بعث عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان. وقد بدأ تنزل الوحي في الرابع والعشرين من رمضان.
ر : ص 91 لمعرفة الأقوال الأخرى في نزول القرآن الكريم.


هدم صنم مناة المعروف عند العرب:

ومن حوادث اليوم الرابع والعشرين من رمضان سنة ثمان للهجرة النبوية هدم صنم مناة وهو أحد أصنام العرب الشهيرة ذكرها الله سبحانه في كتابه بقوله ( أفرأيتم الات والعزى ).
قال ابن سعد في (الطبقات 2/146) بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة، وكانت بالمشلل للأوس والخزرج وغسان.
فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله سعد بن زيد الأشهلي يهدمها، فخرج في عشرين فارساً حتى انتهى إليه وعليها سادن فقال السادن:
ـ ما تريد.
قال: هدم مناة.
قال : أنت وذاك
فأقبل سعد يمشي إليها، وتخرج امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها، فقال السادن:
ـ مناة دونك بعض غضباتك.
ويضربها سعد بن زيد الأشهلي فيقتلها، ويقبل إلى الصنم ومعه أصحابه, فهدموه ولم يجدوا في خزائنها شيئاً.
وانصرف سعد راجعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك لست بقين من شهر رمضان.


بناء مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط:

في الرابع والعشرين من شهر رمضان عام 20هـ الموافق 5 سبتمبر 641م تمَّ بناء مسجد عمرو بن العاص رضي الله عنه بالفسطاط.


زلازل شديدة تضرب بلاد الشام:

ومن حوادث اليوم الرابع والعشرين سنة 152 زلزلة ضربت بلاد الشام وأحدثت خراباً واسعاً.
قال أبو شامة في الروضتين (1/334) وفي الرابع والعشرين من رمضان وافت دمشق زلزلة روعت الناس وأزعجتهم لما وقع في نفوسهم مما قد جرى على بلاد الشام من تتابع الزلازل فيها (وكانت الزلازل قد بدأت تضرب بلاد الشام من شهر صفر، وعادت في جمادى الأولى، ثم في جمادى الآخرة، ثم في رجب، ثم في رمضان). ولما كانت ليلة الرابع والعشرين من رمضان كانت الزلزلة مروعة.
يقول: ووافت الأخبار من ناحية حلب بأن هذه الزلزلة جاءت فيها هائلة، فقلقلت من دورها وجدرانها العدد الكثير ، وأنها كانت بحماة أعظم مما كانت في غيرها، وأنها هدمت ما كان عمر فيها من بيوت يلتجأ إليها، وأنها دامت أياماً كثيرة في كل يوم عدة وافرة من الرجفات الهائلة، يتبعها صيحات مختلفة توفي على أصوات الرعود القاصفة المزعجة، فسبحان من له الحكم والأمر.
وقد نظم في ذلك من قال:
روعتنا زلازل حادثات بقضاء قضاه رب السماءِ
هّدمت حصن شيزرٍ وحماةٍ أهلكت أهله بسوء القضاءِ
وبلاداً كثيرة وحصوناً. وثغوراً موّثقات البناءِ
فإذا ما رنت عيون إليها أجرت الدمع عندها بالدماءِ.
وقد استمرت تلك الزلازل وتكررت في شوال وفي ذي القعدة وأهلكت بشراً كثيراً ذكر بعض المعلمين في حماة أنه فارق المكتب لمهمٍ، فجاءت الزلزلة فأضرت الدور، وسقط المكتب على الصبيان جميعهم، قال المعلم:
ـ فلم يأت أحد يسأل عن صبي كان له في المكتب. أي كأن أهل المدينة ماتوا كما مات صبيانهم تحت الهدم. فلا حول ولا قوة إلا بالله.


وفاة الإمام المزني صاحب الإمام الشافعي وناصر مذهبه:

ومن حوادث اليوم الرابع والعشرين من رمضان سنة 264هـ وفاة الإمام الفقيه أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني صاحب الإمام الشافعي من أهل مصر.
كان زاهداً عالماً مجتهداً محجاجاً غواصاً على المعاني الدقيقة.
قال عنه الشافعي رحمه الله : لو ناظره الشيطان لغلبه.
وقال عنه: المزني ناصر مذهبي.
كان في غاية الورع والتضييق على نفسه، وأوسعه في ذلك على الناس.
قال أبو عاصم: لم يتوضأ المزني من حباب ابن طولون ولم يشرب من كيزانه قال لأنه جعل فيه (في الكيزان والحباب) سرجين، والنار التي تطبخ بها الأكواز والحباب لا تطهرها.
كان المزني متقللاً من الدنيا مجاب الدعوة، يغسل الموتى تعبداً واحتساباً ويقول: أفعله ليرق قلبي. وهو الذي تولى غسل الإمام الشافعي. وقيل: كان معه حينئذ الربيع.
صنف المزني كتباً كثيرة منها الجامع الكبير والجامع الصغير والمختصر والمنثور والمسائل المقبرة والترغيب في العلم وكتاب الوثائق وغيرها.
وفقال: إنه كان إذا فرغ من مسألة في كتابه المختصر الشهير صلى ركعتين.
أخذ العلم عن المزني خلائق لا يحصون من خراسان والعراق والشام.
و توفي لست بقين من شهر رمضان سنة 264هـ.


تعذيب الإمام أحمد بن حنبل:

ومن حوادث اليوم الرابع والعشرين من رمضان سنة /220/هـ تعرض الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ـ وهو في معتقله بسبب القول بخلق القرآن ـ للتعذيب والضرب السياط في هذا اليوم قبل الإفراج عنه في اليوم التالي.
جاء في طبقات الحنابلة (2/5) وذلك أنه بعد وفاة المأمون الذي سجن الإمام أحمد في خلافته يقول أحمد رحمه الله : لما دخلنا طرسوس ومات المأمون ظننت أني قد استرحت من الغم الذي كنت فيه والقيد والضيق، فدخل علينا رجل فذكر أنه صار مع أبي إسحاق ( الخليفة الجديد ) رجل يقال له: ابن أبي دؤاد، وقد أمر أن يحدروا بي إلى بغداد فجاءني غم آخر، ونالني من الغم والأذى أمر عظيم.
قال حنبل ابن الإمام أحمد: فلما قدم أبو عبد الله جلس في اسطبل لمحمد بن إبراهيم ابن أخي إسحاق بن إبراهيم، وذلك في دار عمارة، ومرض في شهر رمضان.
قال ابن المنادي: حدثنا جدي قال: ضرب أبو عبد الله سبعة وثلاثين سوطاً معلقاً، بينه وبين الأرض قبضه ، وإنما قطع الضرب عنه لأنه غشي عليه فذهب عقله وأصفر واسترخى ففزع لذلك المعتصم وقال:
ـ حلوا القيود عنه واحملوه إلى منزله
قال ابن المنادي : وحدثني أبي وجدي رحمهما الله قالا: كان ضرب أبي عبد الله ابن حنبل بالسياط بمدينة السلام في دار المعتصم يوم الأربعاء لست بقين من شهر رمضان سنة عشرين ومائتين.
وسنعود إلى حديثه في حوادث غد عند الإفراج عنه.


وفاة المحدث ابن مردويه

ومن حوادث اليوم السابع والعشرين من رمضان سنة 410هـ وفاة الحافظ المجود العلامة محدث أصبهان أبي بكر أحمد بن موسى ابن مردويه الأصبهاني صاحب التفسير الكبير والتاريخ والأمالي الثلاث مئة وغير ذلك (سير أعلام النبلاء 17/310).
كان من فرسان الحديث فهما يقظاً متقناً كثير الحديث جداً، أصيب ببصره فكان يحدث من حفظه.
يقول ابن ابنه: رأيت من أحوال جدي من الديانة في الرواية ما قضيت منه العجب من تثبته وإتقانه.
وأهدى إليه كبيرٌ حلاوةً فقال: إن قبلتها فلا آذن لك بعد في دخول داري وإن ترجع به تزدد عليّ كرامة.
قال أبو بكر ابن علي ـ وذكر ابن مردويه ـ هو أكبر من أن ندل عليه وعلى فضله وعلمه
من كتبه: المستخرج على صحيح البخاري، وكتاب التشهد وطرقه وألفاظه، وتفسيره للقرآن في سبع مجلدات.
توفي ابن مردويه لست بقين من رمضان سنة 410 هـ عن سبع وثمانين سنة.


وفاة الصالحة قوام بنت عبد الله المصيصة:

وممن توفي في الرابع عشر من رمضان سنة (472)هـ امرأة من الصالحات المحدثات هي أم إبراهيم قِوام ابنة عبد الله المصيصة مولاة سنجر عتيق ابن عطاف بدمشق (الوفيات 1/400)
سمعت من عمر بن عبد المنعم ابن القواس ويوسف ابن احمد الغسولي وحدثت، وسمع منها بعض المحدثين. عاشت ثمانين سنة كما ذكر ذلك الذهبي رحمه الله.
توفيت ليلة الأحد الرابع والعشرين من رمضان بدمشق وصلى عليها من الغد ودفنت في مقبرة توما.


وفاة الشاعر الغزلي الهجاء عطاف الألوسي:

ومن حوادث اليوم الرابع والعشرين من رمضان وفاة الشاعر أبي سعيد المؤيد عطاف بن محمد بن علي الألوسي (وفيات الأعيان 5/349).
قال ابن خلكان: كان من أعيان شعراء عصره كثير الغزل والهجاء، ومدح جماعة من رؤساء العراق، وكان منقطعاً إلى الوزير عون الدين يحيى بن هييرة. فترفّع حاله وأثرى، ونفق شعره وكان له قبول حسن، واقتنى أملاكاً وعقاراً وكثر رياسه وحسن معاشه، ثم عثر به الدهر عثرة صعب منها انتعاشه.
فقد كان لجأ إلى خدمة السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه، وتفسح في ذكر الخليفة المقتفي وأصحابه بما لا يليق، فقبض عليه وسجن في حبس الإمام المقتفي أكثر من عشر سنين، إلى أن خرج في أول خلافة المستنجد سنة (555).
قال ابن خلكان: ولقيته حينئذ وقد غشي بصره من ظلمة المطمورة (الغرفة المظلمة) التي كان فيها محبوساً.
له شعر حسن وأسلوب مطرب بنظمٍ معجب, وقد يقع له من المعاني المبتكرة ما يندر. فمن ذلك قوله في صفة القلم:
ومثقف يفنى ويفني دائما في طوري الميعاد والإيعادِ
قلم يفل الجيش وهو عرمرم والبيض ما سلت من الأغمادِ
وهبت له الآجامُ حين نشا بها كرم السيول وهيبة الآساد.


الفقيه الشافعي ابن الحداد وكتابه الفروع:

وفي الرابع والعشرين من رمضان سنة (264) ولد في مصر الفقيه الشافعي أبو بكر بن أحمد بن محمد بن جعفر الكناني المعروف بابن الحداد
وابن الحداد هذا صاحب كتاب الفروع في المذهب الشافعي (وفيات الأعيان 4/168) وهو كتاب صغير الحجم كثير الفائدة دقق في مسائلة غاية التدقيق، واعتنى بشرحه جماعة من الأئمة الكبار، كالقفال المروزي والقاضي أبي الطيب الطبري وأبو علي السنجي.
قال القضاعي في كتاب خطط مصر: ولد ابن الحداد في اليوم الذي مات فيه المزني رحمهما الله.
كان ابن الحداد فقيهاً محققاً غواصاً على المعاني تولى القضاء بمصر والتدريس، وكانت الملوك والرعايا تكرمه وتعظمه وتقصده في الفتاوى والحوادث، وكان يقال في زمنه:
ـ عجائب الدنيا ثلاث: غضب الجلاد, ونظافة السماد, والرد على ابن الحداد.
كان ابن الحداد متصرفاً في علوم كثيرة من علوم القرآن الكريم والفقه والحديث والشعر وأيام العرب والنحو واللغة.
ولما توفي سنة (345هـ) حضر جنازته الأمير أبو القاسم أنوجور ابن الأخشيد وكافور وجماعة من أعيان أهل البلد.


وفاة القاضي ابن عمر الأزدي

ومن حوادث اليوم الرابع والعشرين من رمضان سنة 321هـ وفاة القاضي أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الأزدي (المنتظم 6/248).
قال ابن الجوزي : كان المثل يضرب بعقله وسداده وحلمه، فيقال في العاقل الرشيد: كأنه أبو عمر القاضي، وفي الحليم: لو أني أبو عمر القاضي ما صبرت.
ولي أبو عمر قضاء مدينة المنصور (بغداد) والأعمال المتصلة بها تدرج في القضاء إلى أن تولى منصب قضاء القضاة سنة 317 هـ، وحمل الناس عنه علماً كثيراً ولم ير الناس ببغداد أحسن من مجلسه، فكان يجلس للحديث وعن يمينه أبو القاسم بن منيع، وعن يساره ابن صاعد، وأبو بكر النيسابوري بين يديه، وسائر الحفاظ حول سريره.
روى عن بعض جلسائه قال: كنت بحضرة أبي عمر القاضي وجماعة من شهوده وخلفائه، فأحضر ثوبا يمانياً قيل في ثمنه خمسون ديناراً، فاستحسنه كل من حضر المجلس، فقال:
ـ يا غلام هات القلانسي . فجاء فقال :
ـ اقطع جميع هذا الثوب قلانس، وأحمل إلى كل واحد من أصحابنا قلنسوة
ثم التفت إلينا فقال:
ـ إنكم استحسنتموه بأجمعكم ولو استحسنه واحد منكم لوهبته له, فلما اشتركتكم في استحسانه، لم أجد طريقاً إلى أن يحصل لكل واحد شيء منه إلا بأن أجعله قلانس يأخذ كل واحد منا واحدة.
كان أبو عمر يجل الصالحين والعلماء، دعا له الإمام إبراهيم الحربي بعد أن أكرمه بقوله: رفع الله قدرك في الدنيا والآخرة.
فلما توفي رآه بعضهم في المقام فقال له:
ـ ما فعل الله بك؟ قال: أدركتني دعوة الرجل الصالح إبراهيم الحربي.
توفي أبو عمر القاضي يوم الأربعاء لست بقين من رمضان سنة 321هـ.



وفاة الفقيه شرف الدين أبو عبد الله الحسين الدمشقي

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 718 هـ الذي كان يقابل للتاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني للعام الميلادي 1317، رحل الفقيه الإمام العالِم المناظر، شرف الدين أبو عبد الله الحسين ، الدمشقي، الشافعي، درّس بالمدرسة الجاروخيّة والعذراوية، أفتى بدار العدل، كان واسع الصدر كثير الهمّة كريم النفس مشكوراً في فهمه وحفظه وفصاحته ومناظرته.


وفاة العلامة ابن خلدون

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 808 هـ الموافق للسادس عشر من شهر آذار للعام الميلادي 1406، رحل العلاّمة الكبير إبن خلدون هو عبد الرحمن مُحَمّد بن خلدون. ولد ونشأ في تونس، ودرس الأدب على أبيه ثم لم يلبث أن التحق صغيرا ككاتب للعالمة، بأمير تونس أبي إسحق الحفصي ( كانت وظيفة تقوم بكتابة الشارة السلطانية بين البسملة والنص ). لم ترضه وظيفته هذه فقصد مراكش واتصل بسلطانها أبي عنان المريني فأصبح أمينا لسره سنة 1356، ولكنه خانه بمراسلته أبي عبد الله الحفصي أمي بجاية القديم المسجون في فاس وقد كشفت المؤامرة فطرح مترجمنا في السجن.أطلق سراحه الوزير حسن بن عمر، بيد أن إبن خلدون انضم إلى أعدائه وحاربه تحت راية المنصور بن سليمان، ثم ما لبث أن خان المنصور وألّب عليه القبائل لمصلحة خصمه أبي سالم، الذي انتصر فأولى إبن خلدون أمانة سر الدولة. وتغير عليه السلطان فسعى إبن خلدون مع أحد الوزراء السابقين وقلبه، ولكن الوزير استأثر بالوزارة فغضب إبن خلدون وسافر إلى غرناطة حيث عاش مدة في بلاط ملكها إبن الأحمر ووزيره لسان الدين بن الخطيب. ترك غرناطة ليعود عام 1365 إلى بجاية وقد تملكها صديقه القديم فولي رئاسة الوزارة. وحين قتل الأمير في حربه ضد إبن عمه فاوض إبن خلدون الغازي لتسليمه المدينة لقاء احتفاظه بالوزارة فكان له ذلك، ثم لم يلبث أن تغير عليه الأمير فاضطر أن يهرب. ظل مدة يتنقل بين قبائل بني رياح يستميلها تارة إلى السلطان أبي حمو وأخرى يكلف باستمالتها إلى عبد العزيز المريني.. ولكن تقلباته الدائمة أحنقت الجميع عليه فسافر إلى الأندلس ولم يلق عند بني الأحمر ما كان ينتظره لأنهم علموا بمشايعته لوزيرهم السابق المغضوب عليه لسان الدين الخطيب. عاد إلى إفريقيا فوجد نفسه بقبضة السلطان أبي حمو الذي كان إبن خلدون قد خانه سابقا باستمالته قبائل بني رياح، فكلفه السلطان بإعادة الكرة لاستمالتها مجددا ولكنه اعتذر وانصرف إلى التأليف مدة أربع سنوات فوضع في قلعة إبن سلامة مقدمة تاريخه وشرع بكتابة التاريخ. ثم تغير عليه صديقه مفتي تونس فأوغر صدر السلطان عليه واضطر إبن خلدون أن يسافر قصد الحج إلى مكة 1382. وصل إلى القاهرة وكانت شهرته قد سبقته فشرع يدرس في الأزهر ثم عين أستاذا للفقه المالكي ثم قاضيا للمذهب ولكن تشدده أثار الناس عليه فعزل. وفي هذه الأثناء وافاه نعي عائلته التي غرقت في طريقها إلى مصر. حج الأماكن المقدسة ثم عاد إلى تولي القضاء ولكنه عزل وفي عام 1400 رافق الحملة المصرية لمحاربة تيمورلنك في الشام، واتصل بالغازي الذي أعجب بعلمه ودهائه في مفاوضته بشأن الصلح. وبعد أن أقام ضيفا عليه 35 يوما عاد إلى مصر وتولى القضاء المالكي عام 1401، ولكنه رأى في منافسة البساطي خصما قويا فكان كل منها يتولى المنصب بضعة أشهر حتى مات إبن خلدون عام 1406 وهو في منصبه للمرة السادسة. لم يعرف التاريخ السياسي العربي رجلا ملئت حياته بالحوادث مثل إبن خلدون حتى ليمكننا القول أن أبرز صفاته هي: التقلب، الدهاء وحب الظهور، الثقة بالنفس، الذكاء، حب العمل والمغامرات السياسية.
أما آثاره: فقد ذكر له لسان الدين بن الخطيب عددا من الكتب ولكن لم يصل إلينا سوى تاريخه الكبير وكتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، ويقع هذا الكتاب في سبعة مجلدات مرتبة حسب تعبير إبن خلدون نفسه، على مقدمة وثلاثة كتب، تتضمن الموضوعات التالية:
1- المقدمة: في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والالماع بمغالط المؤرخين.
2- الكتاب الأول: في العمران وذكر ما يعرض فيه من العوارض الذاتية من الملك والسلطان والكسب والمعاش والصنائع والعلوم وما لذلك من العلل والأسباب.
3- الكتاب الثاني: في أخبار العرب وأجيالهم ودولهم، منذ بدء الخليقة إلى هذا العهد. ومن عاصرهم من مشاهير الأمم ودولهم مثل النبط والسريان والفرس وبني إسرائيل واليونان والروم والقبط والترك والفرنجة.
4- الكتاب الثالث: في أخبار البربر ومن إليهم من زناته، وذكر أوليتهم وأجيالهم وما كان لهم بديار المغرب خاصة من الملك والدول.


استسلام اليابان:

في 24 من رمضان 1364 هـ الموافق 2 من سبتمبر 1945م: قدم وزير خارجية اليابان وثيقة استسلام بلاده في الحرب العالمية الثانية إلى الجنرال ماك آرثر؛ وذلك على ظهرِ البارجة الأمريكية العملاقة "ميسوري"، وكانت اليابان قد اضطرت للاستسلام بعد ضرب هيروشيما وناجازاكي بقنبلتين ذريتين أحدثا دمارًا هائلاً وشاملاً.

سلاح النفط في حرب العاشر من رمضان:

في 24 من رمضان 1393هـ الموافق 21 من أكتوبر 1973م: قامت كل من الكويت وقطر والبحرين ودبي بوقف تصدير بترولهم نهائيًّا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا، وذلك تضامنًا مع مصر وسوريا في معركتهما المظفرة ضد اليهود المحتلين والتي حققا فيها النصر لأول مرةٍ في حربِ العاشر من رمضان السادس من أكتوبر.

وفاة صائد الدبابات:

في 24 من رمضان 1422هـ الموافق 9 ديسمبر 2001م: تُوفي صائد الدبابات الشهير في حرب أكتوبر 1973م "محمد عبد العاطي".. عُرف بصائد الدبابات، وسجلوا اسمه في الموسوعات الحربية كأشهر صائد دبابات في العالم.
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
25 رمضان

25 رمضان



مقتل الشاعرة المؤذية عصماء بنت مروان

من حوادث اليوم الخامس والعشرين من رمضان في السنة الثانية للهجرة قتل عصماء بنت مروان وهي من بني أمية بن زيد.
قال ابن حجر في الإصابة (4/271) عمير بن عدي بن عامر بن خطمة أنصاري ضرير، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزوره في بني واقف، ولم يشهد بدراً لضرارته، وهو أول من أسلم من بني خطمه.
و عمير بن عدي هو الذي قتل عصماء بنت مروان التي كانت تعيب الإسلام وأهله، وكانت تحرض على المسلمين وتؤذيهم، وتقول الشعر في ذلك (الثقات 1/218) فجعل عمير بن عدي عليه نذراً لئن رد الله رسوله سالماً من بدر ليقتلنها، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بعد فراغه من بدر عدا عمير بن عدي على عصماء، فدخل عليها في جوف الليل لخمس ليال بقين من رمضان فقتلها، ثم لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، فصف مع الناس وصلى معه الصبح.
وكان صلى الله عليه وسلم يتصفحهم إذا قام يريد الدخول إلى منزله، فقال لعمير بن عدي:
ـ أقتلت عصماء؟؟
قال: نعم يا رسول الله هل علي في قتلها شيء.؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينتطح فيها عنزان.
فكان أول من قالها، فسار بها المثل.


هدم صنم العزى المشهور:

ومن حوادث اليوم الخامس والعشرين من رمضان هدم صنم العزى سنة 8 للهجرة عام الفتح (البداية 4/306) قال ابن إسحاق: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى، وكانت بيتاً بنخلة تعظمه قريش وكنانه ومضر، وكان سدنتها من بني شيبان من بني سُليم حلفاء بني هاشم، فلما سمع حاجبها السلمي بمسير خالد بن الوليد إليها علق سيفه عليها ثم اشتد في الجبل الذي هو فيه وهو يقول: أيا عز شدي شدة لا شوى لها على خالدٍ ألقي القناع وشمري.
أيا عز إن لم تقتلي المرء خالداً فبويء بإثم عاجل أو تنصري.
قال: فلما انتهى إليها خالد هدمها، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره.
فقال: ما رأيت؟ قال: لم أر شيئاً.
فأمره بالرجوع، فلما رجع خرجت إليه من ذلك البيت امرأة سوداء ناشرة تولول، فعلاها بالسيف وجعل يقول:
ـ يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك !!
ثم ضرب ذلك البيت الذي كانت فيه، وأخذ ما كان فيه من أموال، ثم رجع فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
ـ تلك العزى، ولا تعبد أبدا.
وكان هدمها لخمس بقين من رمضان عام الفتح.



عقد العباسيين لواءهم الأول

ومن حوادث اليوم الخامس والعشرين من رمضان سنة 128هـ انتشار دعوة بني العباس علانية في خراسان على يد أبي مسلم الخراساني.
قال ابن الأثير (الكامل 5/28) في شعبان نزل أبو مسلم قرية من قرى مرو يقال لها (فنين) ووجه منها أبا داود النقيب ومعه عمرو بن أيمن إلى طخارستان فما دون بلخ، وأمرهما باظهار الدعوة في شهر رمضان، ووجه نصر بن صبيح التميمي وشريك بن غضي التميمي على مرو الروز بإظهار الدعوة في رمضان، ووجه أبا عاصم عبد الرحمن بن سليم إلى الطالقان، ووجه الجهم بن عطية إلى العلاء بن حريث بخوارزم بإظهار الدعوة في رمضان كلهم لخمس بقين منه
ثم تحول أبو مسلم إلى قرية سفيندنج، فبث دعاته إلى الناس وأظهر أمره، فأتاه في ليلة واحدة أهل ستين قرية.
فلما كان ليلة الخميس لخمس بقين من رمضان سنة (128هـ) عقد اللواء الذي بعث به الإمام الذي يدعى الظل على رمح طوله أربعة عشر ذراعاً، وعقد الراية التي بعث بها إليه وهي التي تدعى (السحاب) على رمح طوله ثلاث عشرة ذراعاً وهو يتلو: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ولبسوا السواد هو ومن معه ومواليه. وتأول الظل والسحاب (وهما اسمي رايتيهما) أن السحاب يطبق الأرض، وأن الأرض كما لا تخلو من ظل كذلك لا تخلو من خليفة عباسي إلى آخر الدهر.


الإفراج عن الإمام أحمد بن حنبل:

ومن حوادث اليوم الخامس والعشرين من رمضان سنة 221 رفع العذاب، بل وأفرج عن الإمام أحمد بن حنبل من سجنه.
وقد أورد ابن كثير في البداية والنهاية (10/334) صورة عن تعذيب الإمام أحمد على يد الخليفة العباسي المعتصم. ونقلاً عن الإمام أحمد نفسه يقول:
ـ قال المعتصم: خذوه واخلعوه واسحبوه ، فأُخذت وخلعت، وجيء بالقعابين والسياط (والعقابان أشبه ما يكونان بخشبتين يشبح عليها المضروب ويشد إليهما). فجردوني وصرت بين العقابين.
فقلت : يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
ـ "لا يحل دم أمرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث.." وتلوت الحديث، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم فبم تستحل دمي ولم آت شيئاً من هذا ؟! يا أمير المؤمنين أذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك!!
فكأنه أمسك، ثم لم يزالوا يقولون له : يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل كافر، فأمر بي فقمت بين العقابين، وجيء بكرسي فأقمت عليه، وجيء بالضرّابين ومعهم السياط، فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له المعتصم:
ـ شد قطع الله يديك!
ويجيء الآخر فيضربني، ثم الآخر، فضربني أسواطاً فأغمي عليّ مراراً، حتى أرعبه أمري وأمر بي فأطلقت ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت وقد أطلقت الأقياد من رجلي!!..
وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان . ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله.
وكان عدد السياط التي ضرب بها نيفا وثلاثون سوطا، لكن ضربه كان ضرباً مبرحاً شديداً جداً.
ويروى أنه لما أقيم ليضرب انقطعت تكة سرواله، فخشي أن يسقط سراويله فتكشف عورته فحرك شفتيه فدعا الله بقوله:
ـ يا غياث المستغيثين يا اله العالمين إن كنت تعلم أني قائم لك بحق فلا تهتك لي عورة. فعادت سراويله كما كانت.
ولما حمل من دار الخليفة إلى دار إسحاق بن إبراهيم وهو صائم، أتوه بسويق ليفطر من الضعف، فامتنع وأتم صومه.

طغرل بك يدخل بغداد

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 447 هـ الموافق للسابع عشر من شهر كانون الأول للعام الميلادي 1055، دخل تغرل بق، حفيد سلجوق مدينة بغداد، فاستقبله الخليفة العباسي القائم بأمر الله وكبار رجال الدولة وأعيانها بأعظم تكريم، وأمر الخليفة العباسي بذكر إسمه في خطبة الجمعة، كما لقّبه بأسم ركن الدولة تغرل بق إمام أمير المؤمنين.


الأفضل بن بدر الجمالي يدخل القدس:

ومن حوادث اليوم الخامس والعشرين من رمضان سنة 491هـ أن الأفضل بن بدر الجمالي قاد جيشاً إلى مدينة القدس، فحاصروها ونصب عليها المنجنيق (معجم البلدان 5/171) مما دفع بها إلى الإستسلام له بالأمان، وخرج منها أميراها المكسورين: سكمان بن أرتق وأخوه إيلغازي التركمانيين نحو العراق.
قال ابن خلكان (وفيات الأعيان 2/451) إن الأفضل تسلم القدس في يوم الجمعة لخمس بقين من رمضان، وولى فيه مِنْ قِبله مَنْ لم يكن له طاقة بالفرنج الصليبيين الذي جاءوا طامعين بالقدس فأخذوا منه القدس، في شعبان بعد سنة. ولو ترك القدس في يد الارتقية (ابني أرتق سكمان وإيلغازي) لكان أصلح للمسلمين فندم الأفضل ـ عندما ذهبت القدس ـ حيث لم ينفعه الندم.



وقعة عين جالوت بين التتار والمماليك:

ومن حوادث اليوم الخامس والعشرين من رمضان سنة 658هـ وقعة شهيرة ذات أثر كبير في تاريخ المسلمين. إنها وقعة عين جالوت التي اوقفت زحف التتار على بلاد المسلمين.
وعين جالوت اسم لعين ماء شهيرة في فلسطين التقى في مرجها جيش المسلمين أيام السلطان الظاهر بيبرس الجاشنكيري وقائده الملك المظفر قطز بجيش التتار بقيادة كتبغانوين.
قال ابن كثير (البداية 13/221) وكان اجتماعهم على عين جالوت يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان، فاقتتلوا قتالاً عظيماً، وحمل كتيفانوين على ميسرة المسلمين فكسرها، ثم أيد الله المسلمين وثبتهم في المعركة، فحملوا حملةصادقة على التتار فهزموهم هزيمة لا تجبر أبدا، وقتل أمير التتار كتبغانوين في المعركة، وأسر ابنه فأحضر بين يدي المظفر قطز فقال له:
ـ أهرب أبوك
قال : إنه لا يهرب
فطلبوه فوجدوه بين القتلى. فلما رآه ابنه صرخ وبكى.
فلما تحققه المظفر قطز سجد لله تعالى ثم قال:
ـ أنام طيبا.. كان هذا سعادة التتار وبقتله ذهب سعدهم.!
وكان قتله يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان
وكان الذي قتله الأمير آقوش الشمس رحمه الله.
وكان كتبغانوين هذا هو الذي قاد جيوش التتار لهولاكو، فاحتل ودمر ودوخ البلاد، من أقصى بلاد العجم إلى بلاد الشام حتى قتل في عين جالوت لا رحمه الله.



مقتل الخليفة العباسي الراشد بالله.

ومن حوادث اليوم الخامس والعشرين من رمضان سنة 532هـ قتل الخليفة العباسي الراشد بالله.
قال ابن العماد في شذرات الذهب (2/94) : حصل خُلْفٌ بين السلطان مسعود والخليفة الراشد بالله، فخرج الخليفة إلى الموصل فخالفه السلطان مسعود ودخل بغداد، واحتوى على دار الخلافة، واستدعى الفقهاء، وأخرج لهم خط والد الخليفة المسترشد الذي كتبه له بنفسه: أنه من خرج من بغداد لقتال السلطان فقد خلع نفسه من الخلافة، فأفتى من أفتى من الفقهاء بخلعه بحكم الحاكم وفتيا الفقهاء.
واستدعى بعمه المقتفي ابن المستظهر بالله فبويع بالخلافة.
أما الراشد المخلوع فقد هرب بعد هزيمته العسكرية أمام جيش السلطان مسعود في (مراغة) فدخل أصبهان، فلما كان الخامس والعشرون من رمضان (الكامل 9/305) وثب عليه نفر من الخراسانية (فرقة من جنوده) الذين كانوا في خدمته، فقتلوه وهو يريد القيلولة.
وكان الراشد بالله أبيض أشقر حسن اللون مليح الصورة مهيباً، شديد القوة والبطش.
قال أبو بكر الصولي: الناس يقولون إن كل سادسٍ يقوم بأمر الناس من أول الإسلام لا بد من أن يخلع، وربما قتل.
فتأملت ذلك فرأيته كما قيل!! فإن أول من قام بأمر هذه الأمة محمد رسول الله ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي والحسن رضي الله عنهم فخلع وهو سادسهم، ثم معاوية ويزيد ابنه ومعاوية ابن يزيد ومروان وعبد الملك ابنه وعبد الله بن الزبير (سادس) فخلع، ثم عبد الله وأخوه سليمان وعمر بن عبد العزيز ويزيد وهشام ابنا عبد الملك والوليد بن يزيد فخلع وقتل، ثم لم ينتظم أمر بني أمية، ثم ولي السفاح والمنصور والمهدي والهادي والرشيد والأمين (السادس) فخلع وقتل. والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين (السادس) فخلع وقتل، والمعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد والمكتفي والمقتدر (السادس) فخلع ثم رد ثم قتل، ثم القاهر والراضي والمتقي والمستكفي والمطيع والطائع (السادس) فخلع، ثم القادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد والراشد (السادس) فخلع وقتل.

ولادة ابن الجزري

ومن حوادث اليوم الخامس والعشرين ولادة المقرئ الشافعي محمد بن محمد بن علي بن يوسف الدمشقي المعروف بابن الجزري نسبة إلى جزيرة ابن عمر قرب الموصل (البدر الطالع 2/257).
كان والد ابن الجزري تاجراً لا يولد له، فشرب من ماء زمزم بنية أن يرزقه الله ولداً عالماً، فولد له محمد هذا في ليلة السبت الخامس والعشرين من رمضان سنة 751هـ.
تلقى ابن الجزري العلوم الشرعية كلها، واشتد شغفه بالقراءات حتى جمع العشر ثم الثلاث عشرة، ودخل بلاد الروم واتصل بالسلطان بايزيد، وانتقل في البلدان كثيراً من سمرقند إلى خراسان إلى أصبهان فشيراز فالبصرة، وجاور بمكة والمدينة، ثم رحل إلى دمشق فالقاهرة فاليمن، وأخيراً شيراز.
له تصانيف كثيرة مهمة منها: النشر في القراءات العشر، وإتحاف المهرة في تتمة العشرة، ونظم طيبة النشر في القراءات العشر في الف بيت. وغير ذلك كثير.

وفاة أبو الفضل الميداني صاحب كتاب الأمثال:

وممن توفي في الخامس والعشرين من رمضان أبو الفضل أحمد بن محمد بن احمد الميداني النيسابوري الأديب سنة 518هـ (وفيات الأعيان 1/148)
كان فاضلاً عارفاً باللغة، أتقن منها خاصة أمثال العرب له كتاب: الأمثال مشهور معروف. سمع الحديث ورواه.
توفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين من رمضان.

ولادة الفقيه المفسر فخر الدين الرازي

وممن ولد في الخامس والعشرين من رمضان سنة 544هـ الإمام الفقيه المفسر فخر الدين الرازي أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين التميمي البكري الطبرستاني الأصل الرازي المولد.
فاق فخر الدين الرازي أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل
له التصانيف المفيدة في فنون عديدة، منها: تفسير القرآن الكريم. جمع فيه كل غريب وغريبة، وله كتب أخرى في الفقه والعقائد والطب واللغة.
كان له في الوعظ اليد البيضاء (وفيات الأعيان 4/252) وكان يلحقه الوجد حال الوعظ ويكثر البكاء، ورجع بسببه كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة. لقب بشيخ الإسلام. من شعره:
نهاية إقدام العقول عقال
وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وكم قد رأينا من رجال ودولة
فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا.
حضر درسه ذات يوم شرف الدين بن عنين في مدرسته بخوارزم، وكان اليوم شاتياً والثلج كثير، فسقطت بالقرب منه حمامة وقد طردها بعض الجوارح، ولم تقدر على الطيران من خوفها وشدة البرد، فلما قام الإمام فخر الدين الرازي رق لها وأخذها بيده، فأنشد ابن عنين في الحال:
يا ابن الكرام المطعمين إذا شتوا
في كل مسبغة وثلج خاشفِ
العاصمين إذا النفوس تطايرت
بين الصوارم والوشيج الراعفِ
من نبّأ الورقاء أن محلكم حرم
وأنك ملـــجأُ للخائــفِ
وفدت عليك وقد تدانى حتفها
فحبوتها ببقائها المستأنفِ
ولو أنها تحبى بمال لانثنت
من راحتيك بنائل متضاعف


وصول القائد الفرنسي الجنرال دي سكس إلى جزيرة فيلة

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 1213 هـ المصادف للثاني من شهر آذار للعام الميلادي 1799، وصل القائد الفرنسي الجنرال دي سكس إلى جزيرة فيلة، جنوب مصر، مطارداً لجيوش المماليك المنهزمة بقيادة مراد بك، ضمن تداعيات الحملة الفرنسية على مصر التي قادها نابليون بونابرت، ووصلت إلى سواحل الإسكندرية في السابع عشر من شهر محرّم للعام 1213 للهجرة النبوية الشريفة.


دخول الفرنسيين مدينة تلمسان الجزائرية

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 1251 هـ الفرنسيون يدخلون مدينة تلمسان الجزائرية بعدما اضطر الأمير عبد القادر الجزائري إلى الانسحاب إلى مدينة وجدة على الحدود مع المغرب.
"اعلموا أن غايتي القصوى اتحاد الملة المُحَمّدية، والقيام بالشعائر الأحمدية
وعلى الله الاتكال في ذلك كله"
هذه كلمات المجاهد حين يحكم، والمستضعف حين يتمكن، خرجت قوية صادقة من قلبه الأبيّ حين أُقيمت دولته، وأُعليت رايته، إنه عبد القادر الجزائري…المجاهد الذي ما وجد أهل الجزائر سواه لينصّبوه إمامًا للمجاهدين وهو ابن الخامسة والعشرين، وأرادوه "سلطانًا" فأبى أن يكون إلا "أمير الجهاد". فهو محط أنظارنا، والجدير باعتبارنا، وهو شخصية تمتلئ حياتها بعبرة لأولى الأبصار وتذكرة لأهل الاعتبار.
هو عبد القادر ابن الأمير محيي الدين الحسيني، يتصل نسبه بالإمام الحسين بن علي ولد في 23 من رجب عام 1222هـ / مايو 1807م، وذلك بقرية "القيطنة" بوادي الحمام من منطقة "وهران" بالمغرب الأوسط أو الجزائر، ثم انتقل والده إلى مدينة وهران، ولم يكن الوالد هملاً بين الناس، بل كان ممن لا يسكتون على الظلم، فكان من الطبيعي أن يصطدم مع الحاكم العثماني لمدينة "وهران"، وأدى هذا إلى تحديد إقامة الوالد في بيته، فاختار أن يخرج من الجزائر كلها في رحلة طويلة، وكان الإذن له بالخروج لفريضة الحج عام 1241هـ/ 1825م، فخرج الوالد واصطحب ابنه عبد القادر معه، فكانت رحلة عبد القادر إلى تونس ثم مصر ثم الحجاز ثم البلاد الشامية ثم بغداد، ثم العودة إلى الحجاز، ثم العودة إلى الجزائر مارًا بمصر وبرقة وطرابلس ثم تونس، وأخيرًا إلى الجزائر من جديد عام 1828م، فكانت رحلة تعلم ومشاهدة ومعايشة للوطن العربي في هذه الفترة من تاريخه، وما لبث الوالد وابنه أن استقرا في قريتهم "قيطنة"، ولم يمض وقت طويل حتى تعرضت الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة، وتمكنت فرنسا من احتلال العاصمة فعلاً في 5 يوليو 1830م، واستسلم الحاكم العثماني سريعًا، ولكن الشعب الجزائري كان له رأي آخر. بادر الأمير عبد القادر بإعداد جيشه، ونزول الميدان ليحقق انتصارات متلاحقة على الفرنسيين، وسعى في ذات الوقت إلى التأليف بين القبائل وفض النزاعات بينها، وقد كانت بطولته في المعارك مثار الإعجاب من العدو والصديق فقد رآه الجميع في موقعة "خنق النطاح" التي أصيبت ملابسه كلها بالرصاص وقُتِل فرسه ومع ذلك استمر في القتال حتى حاز النصر على عدوه، وأمام هذه البطولة اضطرت فرنسا إلى عقد اتفاقية هدنة معه وهي اتفاقية "دي ميشيل" في عام 1834، وبهذه الاتفاقية اعترفت فرنسا بدولة الأمير عبد القادر، وبذلك بدأ الأمير يتجه إلى أحوال البلاد ينظم شؤونها ويعمرها ويطورها، وقد نجح الأمير في تأمين بلاده إلى الدرجة التي عبر عنها مؤرخ فرنسي بقوله: "يستطيع الطفل أن يطوف ملكه منفردًا، على رأسه تاج من ذهب، دون أن يصيبه أذى!!".وقبل أن يمر عام على الاتفاقية نقض القائد الفرنسي الهدنة، وناصره في هذه المرة بعض القبائل في مواجهة الأمير عبد القادر، ونادى الأمير قي قومه بالجهاد ونظم الجميع صفوف القتال، وكانت المعارك الأولى رسالة قوية لفرنسا وخاصة موقعة "المقطع" حيث نزلت بالقوات الفرنسية هزائم قضت على قوتها الضاربة تحت قيادة "تريزيل" الحاكم الفرنسي.ولكن فرنسا أرادت الانتقام فأرسلت قوات جديدة وقيادة جديدة، واستطاعت القوات الفرنسية دخول عاصمة الأمير وهي مدينة "المعسكر" وأحرقتها، ولولا مطر غزير أرسله الله في هذا اليوم ما بقى فيها حجر على حجر، ولكن الأمير استطاع تحقيق مجموعة من الانتصارات دفعت فرنسا لتغيير القيادة من جديد ليأتي القائد الفرنسي الماكر الجنرال "بيجو"؛ ولكن الأمير نجح في إحراز نصر على القائد الجديد في منطقة "وادي تفنة" أجبرت القائد الفرنسي على عقد معاهدة هدنة جديدة عُرفت باسم "معاهد تافنة" في عام 1837م.وعاد الأمير لإصلاح حال بلاده وترميم ما أحدثته المعارك بالحصون والقلاع وتنظيم شؤون البلاد، وفي نفس الوقت كان القائد الفرنسي "بيجو" يستعد بجيوش جديدة، ويكرر الفرنسيون نقض المعاهدة في عام 1839م، وبدأ القائد الفرنسي يلجأ إلى الوحشية في هجومه على المدنيين العزل فقتل النساء والأطفال والشيوخ، وحرق القرى والمدن التي تساند الأمير، واستطاع القائد الفرنسي أن يحقق عدة انتصارات على الأمير عبد القادر، ويضطر الأمير إلى اللجوء إلى بلاد المغرب الأقصى، ويهدد الفرنسيون السلطان المغربي، ولم يستجب السلطان لتهديدهم في أول الأمر ، وساند الأمير في حركته من أجل استرداد وطنه، ولكن الفرنسيين يضربون طنجة وموغادور بالقنابل من البحر، وتحت وطأة الهجوم الفرنسي يضطر السلطان إلى طرد الأمير عبد القادر، بل ويتعهد للفرنسيين بالقبض عليه.
ظل الأمير عبد القادر في سجون فرنسا يعاني من الإهانة والتضييق حتى عام 1852م ثم استدعاه نابليون الثالث بعد توليه الحكم، وأكرم نزله، وأقام له المآدب الفاخرة ليقابل وزراء ووجهاء فرنسا، ويتناول الأمير كافة الشئون السياسية والعسكرية والعلمية، مما أثار إعجاب الجميع بذكائه وخبرته، ودُعي الأمير لكي يتخذ من فرنسا وطنًا ثانيًا له، ولكنه رفض، ورحل إلى الشرق، حيث استنانبول والسلطان عبد المجيد، والتقى فيها بسفراء الدول الأجنبية، ثم استقر به المقام في دمشق منذ عام 1856م وفيها أخذ مكانة بين الوجهاء والعلماء، وقام بالتدريس في المسجد الأموي كما قام بالتدريس قبل ذلك في المدرسة الأشرفية، وفي المدرسة الحقيقية.وفي عام 1276/1860 تتحرك شرارة الفتنة بين المسلمين والنصارى في منطقة الشام، ويكون للأمير دور فعال في حماية أكثر من 15 ألف من النصارى، إذ استضافهم في منازله. وافاه الأجل بدمشق في منتصف ليلة 19 رجب 1300هـ/ 24 من مايو 1883 عن عمر يناهز 76 عامًا، وقد دفن بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية.

ولادة الزعيم المصري محمد فريد:

في 25 من رمضان 1284 هـ الموافق 20 يناير 1868 م : ولد الزعيم المصري محمد فريد، أحد زعماء الحركة الوطنية بمصر، تسلم زعامة الحزب الوطني بعد وفاة الزعيم مصطفى كامل، بذل ماله وجهده في خدمة القضية المصرية والمطالبة بالاستقلال والتنديد بالاحتلال. توفي غريبا عن وطنه في ألمانيا. ترك مؤلفات تاريخية هامة من أشهرها تاريخ الدولة العليا العثمانية.

انتصار العثمانيين على الجيش الروسي

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 1294 هـ، القائد العثماني أحمد مختار باشا ينتصر على الجيش الروسي في معركة "يخنيلر"، واستطاع إحراز هذا الانتصار بجيش قوامه 34 ألف جندي على الجيش الروسي المكون من 740 ألف جندي، وخسر الروس في هذه المعركة 10 آلاف قتيل.
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
26 رمضان

26 رمضان


العودة من غزوة تبوك:

26 من رمضان 9 هـ الموافق 5 يناير631 م
عودة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، التي تخلف عن حضورها بعض الصحابة، وحينما عاد النبي دخل المسجد فصلى واعتذر من اعتذر، وكانت حادثة مقاطعة كعب بن مالك وصاحبيه .
الطريق إلى تبوك
خرج الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأ التحرك بالجيش الإسلامي نحو تبوك يوم الخميس قبل منتصف شهر رجب سنة 9هـ حيث وصل إلى تبوك في شعبان سنة 9هـ وأقام فيها مدة عشرين يومًا ولم يلاق حشود الروم الذين جبنوا عن التقدم للقاء الجيش الإسلامي. فظل الرسول صلى الله عليه وسلم مدة إقامته يعقد معاهدات مع أمراء المناطق وقبائلها، وأرسل سرية بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى دومة الجندل فأسرت أكيدر ملك دومة الجندل وقدم به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليعاهده.
وحققت الغزوة أهدافها سواء من تحدي الروم وإظهار جبنهم وإثارة الرعب في القبائل النصرانية التي تساعد الروم، ثم -وهو الأهم- إعلان ظهور دولة الإسلام كدولة قوية تستطيع تحدي الروم ومهاجمة أراضيهم. عاد الرسول صلى الله عليه وسلم بالجيش الإسلامي قافلاً نحو المدينة حيث وصلها في شهر رمضان سنة 9هـ.
تحقيق وحساب للمخلفين
وهنا حان وقت التحقيق والحساب مع الذين تخلفوا عن الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي كما يحكيها أحد المخلفين، وهو كعب بن مالك رضي الله عنه "...غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حيث طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقض شيئًا، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه. فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئًا؛ فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئًا. ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقض شيئًا. فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو(فات وقته وتقدم)، وهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم- فطفت فيهم - أحزنني أنني لا أرى إلا رجلاً مغموصًا (محتقرا) عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء... فلما بلغني أنه توجه قافلاً حضرني همي، وطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدًا؟ واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل لي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادمًا زاح عني الباطل وعرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدًا فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادمًا وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله، فجئت فلما سلمت، تبسم تبسم المغضب ثم قال: "تعال" فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ قلت بلى، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أُعطيت جدلاً، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه أني لأرجو فيه عقبى الله، لا والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك. وثار رجال من بني سلمة.. ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي. ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم، رجلان، قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة. فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها(نحن) الثلاثة من بين من تخلف عنه".
المقاطعة.. مطلب شرعي
وحين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بمقاطعة الثلاثة الذين صدقوا حديثهم، وعدم الكلام معهم، بدأت قصة تربيتهم وصقلهم وفرض العزل الاجتماعي عليهم، فالمقاطعة التربوية التي وقعت على هؤلاء الثلاثة: كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية لها منافع عظيمة وجسيمة في تربية المجتمع الإسلامي على الاستقامة وقوة الإرادة والوفاء الثابت ولمنع أفراد هذا المجتمع من التورط في المخالفات سواء كان ذلك بترك شيء من الواجبات، أو فعل شيء من المحرمات، أو كان بالتسويف في الأمر إلى حد التفريط، حيث يتوقع الذي يفعل ذلك أنه سيكون مهجورًا من جميع أفراد المجتمع؛ فلا يفكر في الفعل المخالف لأوامر القيادة قط. فالمقاطعة التربوية هنا نوع من الهجر الديني الذي هو مطلب شرعي يثاب فاعله، وهو غير الهجر الدنيوي فهو مكروه، وإذا زاد عن ثلاثة أيام فإنه يكون محرمًا. ويحدثنا كعب بن مالك عن الآلام النفسية المبرحة التي عاناها وصاحبيه نتيجة المقاطعة التربوية التي فرضها الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم وبلغت من المدة خمسين يومًا فيقول: "... فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض فما هي التي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أَشبّ القوم وأجلدهم فكنت أخرج. فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة مع المسلمين فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريبًا منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال ذلك علي من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي. فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت. فعدت فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطي من نبط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى جاءني دفع إلي كتابًا من ملك غسان فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. فقلت حين قرأتها: وهذا أيضًا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين، إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال لا بل اعتزلها لا تقربنها. أرسل إلى صاحبي مثل ذلك، فقلت لامرأتي: ألحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر".


رسالة أبو عبيدة بن الجرّاح إلى أمير المؤمنين أبو بكر (رضي الله عنهما)

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 12 للهجرة المصادف للثالث من كانون الأول للعام الميلادي 633، كتب أبو عبيدة بن الجرّاح{رضي الله عنه} أحد قادة جيوش المسلمين بالشام إلى الخبيفة أبي بكر الصدّيق {رضي الله عنه} يقول: { بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فالحمدُ لله الذي أعزنا بالإسلام وأكرمنا بالإيمان. وهدانا لما إختلف المختلفون فيه بإذنه، يهدي من بشاء إلى صراط مستقيم، وإن عيوني من أنباط الشام أخبروني أن أوئل أمداد ملك الروم قد وقعوا عليه، وأن أهل الشام بعثوا رسلهم إليه يستمدونه، وأنه كتب إليهم أن أهل مدينة من مدائنكم أكثر ممن قدم عليكم من العرب، فانهضوا إليهم فقااتلوهم فإن مددي يأتيكم من ورائكم، فهذا ما بلغني عنهم وأنفس المسلمين ليّنة بقتالهم، وأخبرونا أنهم قد تهيأوا لقتالنا، فانزل الله على المؤمنينن نصره وعلى المشركين رجزه إنه بما يعملون عليم، والسلام}.

محاولة القائد الأندلسي السمح إبن مالك الخولاني غزو فرنسا

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 114 هـ وبعد أن فتح العرب المسلمون أسبانيا عام 92 للهجرة وأستتب الأمر هناك للخلفاء الأمويين، حاول بعض قواد الجيش الإسلامي التوغل إلى فرنسا، فكانت أولى المحاولات، محاولة السمح إبن مالك الخولاني الذي أندفع عام 100 للهجرة، فوصلت قواته إلى مدينة تولوز في جنوبي فرنسا، لكن الجيوش الإسلامية هزمت وقتل السمح، فقاد عملية الانسحاب والتراجع عبد الرحمن إبن عبد الله الغافقي، ثم تكررت المحاولة على يد القائد عنبسه إبن سحيم الكلبي، أجتاح عنبسه عدة مدن فرنسية، أهمها ليون وماسون، حتى أصبح على بعد مئات الأميال من مدينة باريس، لكن الجيش الفرنسي قطع عليه خط الرجعة، فهُزم جيش المسلمين وقتل قائده عنبسه. وفي عام 112 للهجرة تولى عبد الرحمن الغافقي السلطة في الأندلس، وكان هدفه الأول، القضاء على الدوق أد، الذي شكّل العقبة الأساسية أمام التمدد الإسلامي في فرنسا، أصطدم الغافقي بأد، وأنتصر عليه حتى وصلت جيوش المسلمين إلى مدينة تور، أما الملك شارل، ملك فرنسا، فقد خشي أن يدخل المسلمون قلب أوروبا، فهّب للدفاع عن القارة الأوروبية، كان جيش المسلمين بقيادة الغافقي يعاني من صعوبات تموينية ونقص في العدد، بفعل ابتعاده عن قواعده، أما الفرنسيون فكانوا يفوقون المسلمين عدداً وتنظيماً وتصميماً على وقف الزحف الإسلامي، عمد الملك شارل إلى تنفيذ إستراتيجية عسكرية، قائمة على تأخير اللقاء بجيش المسلمين، والهدف من ذلك هو إنهاك قواهم، وحدث اللقاء الحاسم في رمضان في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عند مدينة بواتيه في وسط فرنسا، الفرنسيون أسموا المعركة، معركة بواتيه، أما العرب فأسموها، بلاط الشهداء، أنشغل المسلمون بالقتال ببسالة وكانت لهم الغالبة في بداية المعركة، إلا أن الملك شارل لاحظ اهتمام الجنود المسلمين بجمع الغنائم، فدّبر خطة لضرب الغنائم، حتى ينشغل الجنود بما حرصوا عليه، حاول عبد الرحمن الغافقي صرف نظر الجنود المسلمين عن الغنائم، وحثهم على الجهاد، إلا أن سهماً فرنسياً أصاب الغافقي، فخّر شهيداً، فتبعثرت بعد ذلك الجموع الإسلامية وسقط الكثير من الجنود شهداء، ومن هنا سُميت المعركة بلاط الشهداء.

وصول السيدة نفيسة بنت الحسن إلى مصر:

من حوادث اليوم السادس والعشرون من رمضان وصول السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين إلى القاهرة
و السيدة نفيسة من شهيرات آل بيت النبوة عالمة عابدة دينة خيرة.
تزوجها ابن عمها إسحاق المؤتمن ابن جعفر الصادق.
رحلت مع زوجها من المدينة المنورة إلى الخليل لزيارة قبر أبينا إبراهيم عليه السلام
ثم توجهت إلى مصر في رمضان عام 193هـ، فلما وصلت العريش بأقصى شمال مصر الشرقي استقبلها أهلها بالتكبير والتهليل وخرجت الهوادج والخيول تحوطها وزوجها حتى نزلا بدار كبير التجار وقتها جمال الدين عبد الله الجصاص.
ثم انتقلت من العريش متوجهة إلى (القطائع) أو القاهرة القديمة.
وقد كان يوم وصولها إلى القاهرة يوم السادس والعشرين من رمضان، فنزلت في دار سيدة من المصريين تدعي (أم هاني) وكانت داراً واسعة.
وقد ازدحم حولها الناس يتبركون بها ويحتلون، حتى ضجرت فخرجت عليهم قائلة:
ـ إني كنت قد عزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغولي عن أورادي.
وأعلنت أنها سترحل إلى المدينة المنورة ففزع الناس لقولها، وأبوا عليها الرحيل.
وتدخل والي مصر السري بن الحكم فحدد للناس يومين أسبوعياً فقط يزورها فيهما، لتتفرغ بقية الأيام للعبادة، فرضيت وبقيت.
كان أمراء مصر يعرفون قدر السيدة نفيسة، حتى إن ابن طولون وقف بموكبه لها ذات يوم ـ وكان الناس قد لجأوا إليها ـ فأعطته رقعة كتبت فيها تخاطبه:
ـ (ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخولتم ففسقتم، وردت إليكم الأرزاق فقطتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفاذة غير مخطئة، لا سيما من قلوب أوجعتموها، وأكباد جوعتموها، وأجساد عريتموها، فحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم...) فرجع عن ظلمه لوقته.

صاحب الزنج يعلن ثورته:

ومن حوادث اليوم السادس والعشرين من رمضان سنة 255هـ أن صاحب الزنج ـ الذي قاد تمرداً كبيراً في جنواب العراق في مناطق الأهوار ـ أعلن تمرده في ذلك اليوم.
قال الطبري رحمه الله (5/587): وكان خروج صاحب الزنج في يوم الأربعاء لأربع بقين من رمضان سنة 255هـ، وقتل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة 270هـ، فكانت أيامه من لدن خرج إلى اليوم الذي قتل فيه أربع عشر سنة وأربعة أشهر وستة أيام.
وكان دخوله الأهواز لثلاث عشر ليلة بقيت من شهر رمضان سنة 256هـ، وكان دخوله البصرة وقتله أهلها وإحراقها لثلاث عشرة ليلة بقيت من شوال سنة 257هـ.
قال الطبري عن بدء صاحب الزتج تمرده بعد أن جمع أعداد كبيرة من العبيد المسماة بغلمان الشورجيين (قام فيهم خطيباً فمنّاهم ووعدهم أن يقودهم ويرأسهم ويملكهم الأموال، وحلف لهم الأيمان الغلاظ ألا يغدر بهم ولا يخذلهم ولا يدع شيئاً من الإحسان إلا أتى إليهم)...
وقد أتسع أمر صاحب الزنج وفشا فساده، وقتل ونهب وسبى وأسر، وهزم عدة جيوش للخلافة إلى أن خرج له ابن الخليفة الموفق وكنيته أبو أحمد في جيش لجب واستعداد تام وتصميم وعزم، فهزمه شر هزيمة وطهر الأرض من شره، وقتله وحمل رأسه وساربه في شوارع بغداد وكان يوماً مشهوداً.

منذ عهد المتوكل العباسي (232 _ 247 ه‍ 847 _ 861م) غلبت سيطرة العسكر الأتراك، وقادتهم على أزمة الأمور في الدولة، واستأثروا بالعطاءات والاقطاعات، واستبدوا بسلطان الخلافة، حتى صاروا يولون ويعزلون الخلفاء كما يريدون، بل ويسجنون ويسمّون ويقتلون من لا يحقق مطامحهم ومطامعهم من الخلفاء.
ولقد حاول بعض الخلفاء أن يستردوا لمنصب الخلافة سلطانه، وأن يستندوا في معارضة القادة الأتراك الى تأييد شعبي بمهادنة العلويين الثوار واقامة قدر من العدل والانصاف بين الرعية.. حاول ذلك الخليفة المنتصر بالله (247 _ 248 ه‍ 861 _ 862م)، والمهتدي بالله ( 255 _ 256ه‍ 869 _ 870م) ولكن الأتراك تخلصوا منهما بالسم والعزل والقتل.
وعندما سدت سبل الاصلاح أمام الراغبين فيه أقبل الناس على الثورة، طريقاً لم يجدوا أمامهم سواه للتغيير، فكان أن قامت عدة حركات ثورية، يقودها ثوار علويون.
ففي (سنة 248 ه‍ سنة 862م) ثارت الكوفة، بزعامة أبي الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن عبد الله بن اسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب...
وفي (سنة 250 ه‍ سنة 864م) ثارت طبرستان، بقيادة الحسن بن زيد ابن محمد بن اسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وامتدت الثورة الى جرجان، واستمرت دولتها حتى سنة 270 ه‍ سنة 883م.
وثارت "الري"، بزعامة محمد بن جعفر بن الحسن، بهدف الانضمام الى ثورة طبرستان... ثم تكررت ثورتها، بعد الاخفاق، بقيادة أحمد بن عيسى بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
وثارت قزوين، بقيادة الكركي (الحسن بن اسماعيل بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).
وثارت الكوفة، بزعامة الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
على أن أخطر الثورات التي شهدها العصر العباسي كانت هي الثورة التي قادها علي بن محمد (270 ه‍ 883م)، والتي بدأت في البحرين سنة 249ه‍ سنة 863م، وهي التي اشتهرت باسم (ثورة الزنج)...
وكان قائد هذه الثورة _علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب _ شاعراً، وعالماً، يمارس، في "سامراء" تعليم الخط والنحو والنجوم... وكان واحداً من المقربين الى الخليفة المنتصر بالله. ولما قتل الأتراك المنتصر بالسم، ومارسوا السجن والنفي والاعتقال والاضطهاد لحاشيته، كان علي بن محمد ضمن المعتقلين.. ثم حدث تمرد من فرقة "الجند الشاكرية" ببغداد، شارك فيه العامة، واقتحم المتمردون السجون فأطلقوا سراح من فيها، ومنهم علي بن محمد، الذي غادر بغداد الى "سامراء" ومنها الى البحرين حيث دعا الى الثورة ضد الدولة العباسية الواقعة تحت سيطرة الجند الأتراك.
دور العرب في الثورة:
بالرغم من اشتهار هذه الثورة "بثورة الزنج"، الا أنها لم تكن ثورة عنصرية للزنج وحدهم، ولم تقف أهدافها عند المطالبة بتحرير العبيد أو تحسين ظروف عملهم.. فقائد هذه الثورة عربي، وعلوي _رغم تشكيك خصومه في صحة نسبه العلوي _ وأغلب قوادها كانوا عرباً كذلك، مثل: علي بن أبان (المهلبي)، وسليمان بن موسى الشعراوني، وسليمان بن جامع، وأحمد بن مهدي الجبائي، ويحيى بن محمد البحراني، ومحمد بن سمعان.. الخ.
وعلى امتداد السنوات السبع الأولى من عمر هذه الثورة (249 _ 255ه‍) كان جمهورها وجندها ومحيطها عربياً خالصاً.. فهي قد بدأت في مدينة "هجر"، أهم مدن البحرين، ثم في "الاحساء" بين أحياء "بني تميم" و "بني سعد".. ثم في بادية البحرين، وسط عربها.. وفي هذا المحيط العربي قامت سلطة هذه الثورة و "دولتها" وحدثت الحروب بينها وبين جيش الدولة العباسية.. ويصف الطبري سلطة علي بن محمد في هذا المحيط العربي، فيقول: "لقد أحله أهل البحرين من أنفسهم محل النبي حتى جبى له الخراج هناك، ونفذ حكمه بينهم، وقاتلوا أسباب السلطان بسببه!".
وفي موقعة "الردم"، بالبحرين، أحرزت الدولة انتصاراً مؤثراً ضد الثورة، فانسحب علي بن محمد الى البصرة، ونزل هناك بين عرب بني ضبيعة _(من نزار بن معن بن عدنان). فدعاهم للثورة، فتبعوه، وكان منهم عدد من قادة دولته وجيشه... ولما طردته الدولة، وألقت القبض على أغلب أنصاره، ووضعتهم في السجون، مع ابنه الأكبر وابنته وزوجته.. غادر علي بن محمد البصرة الى بغداد، فأقام بها عاماً.
وفي سنة 255ه‍ سنة 869م حدثت بالبصرة فتنة بين طائفتين من جندها، "الجند البلالية" و "الجند السعدية"، وأسفرت هذه الفتنة فيما أسفرت عن اطلاق سراح السجناء، ومنهم أنصار علي بن محمد، فغادر بغداد، ووصل الى ضواحي البصرة ليواصل ثورته من جديد‍.. وفي هذا التاريخ بدأ أول انعطاف للثورة نحو الزنج، أي بعد قرابة السبع سنوات من قيامها‍..
مكان الزنج في الثورة:
كانت البصرة أهم المدن في جنوب العراق، وكانت جنوب العراق مشحونة بالرقيق والعمال الفقراء الذين يعملون في مجاري المياه ومصابها، ويقومون بكسح السباخ والأملاح الناشئين من مياه الخليج، وذلك تنقية للأرض وتطهيراً لها، كي تصبح صالحة ومعدة للزراعة، وكانوا ينهضون بعملهم الشاق هذا في ظروف عمل قاسية وغير انسانية، تحت اشراف وكلاء غلاظ قساة، ولحساب ملاك الأرض من أشراف العرب ودهاقنة الفرس.. وبعض هؤلاء العبيد كانوا مجلوبين من أفريقيا السوداء _وهم الزنج _ وبعضهم نوبيون، وآخرون قرماطيون، أما فقراء العرب فكانوا يسمون الفراتين.
وشرع علي بن محمد يدرس حالة هؤلاء الرقيق، ويسعى لضمهم لثورته، كي يحررهم ويحارب بهم الدولة العباسية.. وكان أول زنجي ينضم اليه هو ريحان بن صالح، الذي أصبح من قادة الحرب والثورة.
وأخذ علي بن محمد ينتقل، مع قادة ثورته، بين مواقع عمل الرقيق والفراتين، ويدعوهم الى الثورة والهرب الى معسكره وترك الخضوع لسادتهم، فاستجابت لدعوته جماهير غفيرة من الزنج والنوبة والقرماطيين والفراتيين، وانضموا الى العرب والأعراب الذين تبعوه من جنوبي العراق... ولقد فشل وكلاء الزنوج في الحيلولة بينهم وبين الالتحاق بمعسكر الثائرين، فكانوا يحبسونهم في البيوت ويسدون أبوابها ومنافذها بالطين؟‍! ويصف ابن خلدون اقبال الزنج على الثورة، وزحفهم للقاء قائدها فيقول: "لقد تسايل اليه الزنج واتبعوه".
ولقد أعلن علي بن محمد أن هدفه، بالنسبة للزنج والعرب الفقراء، الذين يعملون في اصلاح أرض العراق الجنوبي، هو:
1_ تحرير الرقيق من العبودية.. وتحويلهم الى سادة لأنفسهم..
2_ واعطاؤهم حق امتلاك الأموال والضياع.. بل ومنّاهم بامتلاك سادة الأمس الذين كانوا يسترقونهم..
3_ وضمان المساواة التامة لهم في ثورته ودولته التي تعمل من أجل:
*نظام اجتماعي هو أقرب الى النظم الجماعية التي يتكافل فيها ويتضامن مجموع الأمة.
*نظام سياسي يرفض الخلافة الوراثية لبني العباس، والتي أصبحت أسيرة بيد قادة الجند الأتراك.. ويقدم بدلاً منها دولة الثورة التي أصبح علي ابن محمد فيها أمير للمؤمنين.
ولقد استطاعت الثورة أن تكتسب، أكثر فأكثر، ثقة جماهير الزنج وفقراء العرب، الذين كانوا أشبه ما يكونون بالرقيق، وبالذات في ظروف العمل وشروطه.. وخاصة بعد أن رفض قائد الثورة مطالب الأشراف العرب والدهاقين والوكلاء بأن يرد عليهم عبيدهم لقاء خمسة دنانير يدفعونها عن كل رأس!.. لقد رفض علي بن محمد هذا العرض، بل وعاقب هؤلاء السادة والوكلاء، فطلب من كل جماعة من الزنج أن يجلدوا سادتهم ووكلاءهم القدامى‍..
وزاد من اطمئنان الزنج للثورة ما أعلنه قائدها من أنه "لم يثر لغرض من أغراض الدنيا، وانما غضباً لله، ولما رأى عليه الناس من الفساد".. وعاهدهم على أن يكون، في الحرب، بينهم "أشرككم فيها بيدي، وأخاطر معكم فيها بنفسي" بل قال لهم: "ليحط بي جماعة منكم، فإن أحسوا مني غدراً فتكوا بي؟‍!‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍".
وبهذه الثقة تكاثر الزنج في صفوف الثورة وفي كتائب جيشها، بل وانضمت اليها الوحدات الزنجية في جيش الدولة في كل موطن التقى فيه الجيشان!.. حتى لقد سميت، لذلك بثورة الزنج، واشتهرت بهذا الاسم في مصادر التاريخ.
دولة الثورة:
وفي عشرات المعارك التي وقعت بين الدولة العباسية وبين ثورة الزنج، كان النصر، غالباً، للثورة على الدولة.. وتأسست، كثمرة لهذه الانتصارات، للثورة دولة، قامت فيها سلطتها، وطبقت بها أهدافها، ونفذ فيها سلطان علي بن محمد.. ولقد بلغت دولة الثورة هذه درجة من القوة فاقت بها كل ما عرفته الخلافة العباسية قبلها من أخطار وثورات.. والمؤرخون الذين كانت الدنيا عندهم هي الامبراطورية العباسية، قالوا: ان الزنج قد "اقتسموا الدنيا!.. واجتمع اليهم من الناس ما لا ينتهي العد والحصر اليه!" وكان عمال الدولة الثائرة يجمعون لعلي بن محمد الخراج "على عادة السلطان!" حتى لقد "خيف على ملك بني العباس أن يذهب وينقرض!".
ولقد أقام الثوار لدولتهم عاصمة، سموها (المختارة)، أنشأوها انشاء في منطقة تتخللها فروع الأنهار.. كما أنشأوا عدة مدن أخرى _وضمت دولتهم مدناً وقرى ومناطق كثيرة، مثل: البحرين.. والبصرة.. والأبلة.. والأهواز.. والقادسية.. وواسط.. وجنبلاء.. وباذاورد.. والنعمانية.. والمنصورة.. وجرجرايا.. وجبل.. ورامهرمز.. والمنيعة.. والمذار.. وتستر.. والبطيحة.. وخوزستان.. وعبادان.. وأغلب سواد العراق.
***
ولقد استمرت الحرب بين دولة الثورة هذه وبين الخلافة العباسية لأكثر من عشرين عاماً _بلغ العنف فيها، من الجانبين، حداً لم يسبق له مثيل، حتى ليقول المؤرخون الذين يتواضعون بأرقام القتلى في هذا الصراع بأنهم بلغوا نصف مليون قتيل!
ولقد ألقت الخلافة العباسية بكل ثقلها في المعركة ضد الثورة، وكرست كل امكاناتها للجيش والقتال، وبعد أن عهد الخليفة المعتمد (256 _ 279 ه‍ _ 870 _ 892 م)، بالقيادة الى أخيه الموفق، تحول قائد الجيش الى خليفة حقيقي، وتحولت المدينة التي بناها تجاه عاصمة الثوار، والتي سماها (الموفقية)، الى العاصمة الحقيقية للدولة، يأتي الى بيت مالها كل خراج البلاد، وتصدر منها الأوامر الى كل الولاة والعمال بأن يقدموا للجيش كل ما لديهم من امكانيات، حتى لقد حاول "المعتمد" الفرار من سامراء الى مصر، فألقوا القبض عليه وأعادوه الى قصر الخلافة شبه سجين!..
ولقد رجحت كفة الجيش العباسي بما احتشد له من فرسان وسفن وعتاد.. فأحرز عدداً من الانتصارات على جيش الزنج، وبدأ حصاراً لعاصمتهم استمر أربع سنوات!.. وكانت مصر قد استقلت عن الخلافة تحت حكم أحمد بن طولون (220 _ 270ه‍ 835 _ 884م) وكان لها جيش قوي بالشام يقوده لؤلؤ، غلام ابن طولون، فخان سيده وانضم الى جيش الدولة المحتشد لقتال الثوار، وعند ذلك تمكن الموفق من اقتحام (المختارة) وهزيمة الثورة، التي بدأت سنة 249 ه‍ وظلت قائمة تقاوم حتى أول صفر سنة 270 ه‍ (10 أغسطس سنة 883م).. فكانت أطول ثورات العصر العباسي وأخطرها..
-----------------------------------------------------
المصدر : موسوعة الحضارة العربية الاسلامية / ج2



وفاة النجيبي الأندلسي إمام في القراءات كبير:

ومن حوادث اليوم السادس والعشرين من رمضان سنة 519هـ وفاة المقرئ محمد بن أحمد بن عمار التجيبي من أهل لاردا (في الأندلس) (التكملة لكتاب الصلة 1/344).
رحل التجيبي إلى بلنسية إثر استرجاعها من الروم في منتصف رجب سنة 495هـ، ثم عاد إلى بلده (لارده) فأقرأ بها القرآن وأُخذ عنه، ورحل إلى مرسية وتصدر بجامعها للإقراء، ثم انتقل إلى أوريوله وخطب بجامعها، وتمادى إقراؤه بها إلى حين وفاته.
ألف التجيبي في معاني القراءات (روضة المدارس وبهجة المجالس)
توفي في السادس والعشرين من رمضان سنة تسع عشر وخمسمائة، وكان مولده أيضا في رمضان سنة 477.


موقعة حطين

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 584 هـ (على أحد الأقوال) الموافق للسابع عشر من شهر تشرين الثاني للعام الميلادي 1188، كانت موقعة حطين الشهيرة بقيادة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، والتي أنهت الوجود الصليبي في المشرق.
مقدمات حطين
عبّأ صلاح الدين قواه واستعد لمنازلة الصليبيين وخوض معركة الجهاد الكبرى التي ظل يعد لها عشر سنوات منتظرا الفرصة المواتية لإقدامه على مثل هذا العمل، ولم تكن سياسة أرناط الرعناء سوى سبب ظاهري لإشعال حماس صلاح الدين، وإعلان الحرب على الصليبيين. غادرت قوات صلاح الدين التي تجمعت من مصر وحلب والجزيرة وديار بكر مدينة دمشق في المحرم (583هـ = مارس 1187م) واتجهت إلى حصن الكرك فحاصرته ودمرت زروعه، ثم اتجهت إلى الشوبك، ففعلت به مثل ذلك، ثم قصدت بانياس بالقرب من طبرية لمراقبة الموقف. وفي أثناء ذلك تجمعت القوات الصليبية تحت قيادة ملك بيت المقدس في مدينة صفورية، وانضمت إليها قوات ريموند الثالث أمير طرابلس، ناقضا الهدنة التي كانت تربطه بصلاح الدين، مفضلا مناصرة قومه، على الرغم من الخصومة المتأججة بينه وبين ملك بيت المقدس.
كان صلاح الدين يرغب في إجبار الصليبيين على المسير إليه، ليلقاهم وهم متعبون في الوقت الذي يكون هو فيه مدخرًا قواه، وجهد رجاله، ولم يكن من وسيلة لتحقيق هذا سوى مهاجمة طبرية، حيث كانت تحتمي بقلعتها زوجة ريموند الثالث، فثارت ثائرة الصليبيين وعقدوا مجلسًا لبحث الأمر، وافترق الحاضرون إلى فريقين: أحدهما يرى ضرورة الزحف إلى طبرية لضرب صلاح الدين، على حين يرى الفريق الآخر خطورة هذا العمل لصعوبة الطريق وقلة الماء، وكان يتزعم هذا الرأي ريموند الثالث الذي كانت زوجته تحت الحصار، لكن أرناط اتهم ريموند بالجبن والخوف من لقاء المسلمين، وحمل الملك على الاقتناع بضرورة الزحف على طبرية.
موقعة حطين
بدأت القوات الصليبية الزحف في ظروف بالغة الصعوبة في (21 من ربيع الآخر 583هـ = 1 من يوليو 1187م) تلفح وجوهها حرارة الشمس، وتعاني قلة الماء ووعورة الطريق الذي يبلغ طوله نحو 27 كيلومترا، في الوقت الذي كان ينعم فيه صلاح الدين وجنوده بالماء الوفير والظل المديد، مدخرين قواهم لساعة الفصل، وعندما سمع صلاح الدين بشروع الصليبيين في الزحف، تقدم بجنده نحو تسعة كيلومترات، ورابط غربي طبرية عند قرية حطين. أدرك الصليبيون سطح جبل طبرية المشرف على سهل حطين في (23 من ربيع الآخر 583هـ = 3 من يوليو 1187م) وهي منطقة على شكل هضبة ترتفع عن سطح البحر أكثر من 300 متر، ولها قمتان تشبهان القرنين، وهو ما جعل العرب يطلقون عليها اسم "قرون حطين". وقد حرص صلاح الدين على أن يحول بين الصليبيين والوصول إلى الماء في الوقت الذي اشتد فيه ظمؤهم، كما أشعل المسلمون النار في الأعشاب والأشواك التي تغطي الهضبة، وكانت الريح على الصليبيين فحملت حر النار والدخان إليهم، فقضى الصليبيون ليلة سيئة يعانون العطش والإنهاك، وهم يسمعون تكبيرات المسلمين وتهليلهم الذي يقطع سكون الليل، ويهز أرجاء المكان، ويثير الفزع في قلوبهم.
صباح المعركة
وعندما أشرقت شمس يوم السبت الموافق (24 من ربيع الآخر 583هـ = 4 من يوليو 1187م) اكتشف الصليبيون أن صلاح الدين استغل ستر الليل ليضرب نطاقا حولهم، وبدأ صلاح الدين هجومه الكاسح، وعملت سيوف جنوده في الصليبيين، فاختلت صفوفهم، وحاولت البقية الباقية أن تحتمي بجبل حطين، فأحاط بهم المسلمون، وكلما تراجعوا إلى قمة الجبل، شدد المسلمون عليهم، حتى بقي منهم ملك بيت المقدس ومعه مائة وخمسون من الفرسان، فسيق إلى خيمة صلاح الدين، ومعه أرناط صاحب حصن الكرك وغيره من أكابر الصليبيين، فاستقبلهم صلاح الدين أحسن استقبال، وأمر لهم بالماء المثلّج، ولم يعط أرناط، فلما شرب ملك بيت المقدس أعطى ما تبقّى منه إلى أرناط، فغضب صلاح الدين وقال: "إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فينال أماني"، ثم كلمه وذكّره بجرائمه وقرّعه بذنوبه، ثم قام إليه فضرب عنقه، وقال: "كنت نذرت مرتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والأخرى لما نهب القافلة واستولى عليها غدرًا".
نتائج حطين
لم تكن هزيمة الصليبين في حطين هزيمة طبيعية، وإنما كانت كارثة حلت بهم؛ حيث فقدوا زهرة فرسانهم، وقُتلت منهم أعداد هائلة، ووقع في الأسر مثلها، حتى قيل: إن من شاهد القتلى قال: ما هناك أسير، ومن عاين الأسرى قال: ما هناك قتيل. وغدت فلسطين عقب حطين في متناول قبضة صلاح الدين، فشرع يفتح البلاد والمدن والثغور الصليبية واحدة بعد الأخرى، حتى توج جهوده بتحرير بيت المقدس في (27 من رجب 583هـ = 12 من أكتوبر 1187م) ولهذا الفتح العظيم حديث آخر.


وفاة المصلح الاجتماعي ابن منصور الفقير:

ومن حوادث اليوم السادس والعشرين من رمضان سنة 645 وفاة أبي محمد علي بن أبي الحسن بن منصور الدمشقي الفقير.
قال ابن العماد (شذرات الذهب 3/231) ولد بقرية (بسر) من حوران، ونشأ بدمشق وكثر أتباعه، وهو صاحب الزاوية التي بظاهر دمشق بالشرف الأعلى القبلي، التي يجتمع الناس فيها للسماعات يقال لها (زاوية الحريري).
كان من أمره العجيب أنه حبس في أول حياته في دراهم دين عليه، فبات تلك الليلة في الحبس بلا عشاء، فلما أصبح صلى بالمحتسبين صلاة الصبح وجعل يذكر بهم الى ضحوة، وأمر كل من جاءه شيء من المأكول من أهله أن يشيله، فلما كان وقت الظهر أمرهم أن يمدوا الأكل سماطا فأكل كل من في الحبس، وفضل شيء فأمرهم بشيله وصلى بهم الظهر، وأمرهم أن يناموا ويستريحوا ثم صلى بهم العصر، وجعل يذكر الله بهم إلى المغرب، ثم صلى بهم المغرب وقدم ما حضر.
وبقي على هذا الحال، فلما كان في اليوم الثالث أمرهم أن ينظروا في حال المحتبسين وكل من كان محبوساً على دون المائة، يجبون له من بينهم ويرضون غريمه ويخرجونه، فخرج جماعة، وشرع الذين خرجوا يسعون في خلاص من بقي.
وأقام ابن منصور الدمشقي الفقير ستة أشهر محبوساً، وجبوا له وأخرجوه فصار كل يوم يتجدد له أتباع إلى أن آل أمره إلى ما آل.
وكانت له كرامات ومكاشفات.
ولمامات كانت ليلة وفاته مثلجة فقال فيه أحد الشعراء، وهو نجم الدين بن إسرائيل:
بكت السماء عليه ساعة دفنه بمدامع كاللؤلؤ المنثورِ
وأظنها فرحت بمصعد روحه لما سمت وتعلقت بالنورِ
أوليس دمع الغيث يهمي بارداً وكذا تكون مدامع المسرور.


انقطاع جسر الكرك بالملك الناصر محمد بن قلاوون.

ومن حوادث اليوم السادس والعشرين من رمضان سنة 708هـ ما قاله ابن كثير في البداية والنهاية (14/47)
ـ خرج الملك الناصر محمد بن قلاوون من الديار المصرية قاصداً الحج، وذلك في السادس والعشرين من رمضان وخرج جماعة من الأمراء لتوديعه فردهم، ولما اجتاز بالكرك (حصن الكرك وقلعته المنيعة) عدل إليها، فنصب له الجسر، فلما توسطه كسر به، فسلم من كان أمامه وقفز به الفرس فسلم هو، وسقط من كان وراءه وكانوا خمسين، فمات منهم أربعة وتهشم أكثرهم في الوادي الذي تحت الجسر.
وبقي نائب الكرك الأمير جمال الدين آقوش خجلاً، يتوهم أن يكون هذا يظنه السلطان عن قصد, وكان قد عمل للسلطان ضيافة غرم عليها أربعة عشر ألفا فلم يقع الموقع، لاشتغال السلطان بهم وما جرى له ولأصحابه, ثم خلع على النائب وأذن له في الانصراف إلى مصر فانصرف. واشتغل السلطان بتدبير المملكة في الكرك.

لم يكن المماليك يؤمنون بمبدأ وراثة الحكم، وإنما كانت السلطة دائمًا للأمير الأقوى، الذي يستطيع أن يحسم الصراع على السلطة لصالحه، ويتصدى لأي محاولة للخروج عليه، ولكن أسرة "قلاوون" استطاعت أن تكسر هذه القاعدة، وتخرج عن ذلك السياق؛ فقد ظل "قلاوون" وأولاده وأحفاده يحكمون دولة المماليك لأكثر من قرن من الزمان، برغم كل ما تعرضوا له من مؤامرات وانقلابات، يتبعها اغتصاب للسلطة، بيد أن هؤلاء المغتصبين لم يستقروا في الحكم طويلاً؛ إذ سرعان ما كان يتم عزلهم لتعود السلطة مرة أخرى إلى أسرة "قلاوون"، ولعل هذا ما كان يحدث دائمًا عقب وفاة كل سلطان.
فبعد وفاة السلطان "قلاوون" تولى ابنه الأكبر "خليل قلاوون" أمور السلطة، ولكنه كان خلاف أبيه؛ فقد اتسم بالحدة والغلظة، وكان قاسيًا متعجرفًا في معاملة مماليكه؛ مما أثار عليه النفوس، وأوغر ضده الصدور، غير أنه استطاع بشجاعته أن يطرد الصليبيين من "عكا"، وأن يحقق حلم أبيه بوضع خاتمة للحروب الصليبية التي دامت قرنين من الزمان.
لكنه لم يستمتع طويلاً بالنصر؛ فما لبث أن تآمر عليه بعض أمراء المماليك، وانتهزوا فرصة خروجه يومًا للصيد، فانقضوا عليه وقتلوه.
وهكذا أصبح الناصر محمد بن قلاوون سلطانًا على مصر بعد مقتل أخيه؛ فجلس على العرش وهو لا يزال في التاسعة من عمره في (16 من المحرم 693هـ= 18 من ديسمبر 1293م).
وتم اختيار الأمير "كتبغا" نائبًا للسلطنة، فأصبح هو الحاكم الفعلي للبلاد، بينما لا يملك السلطان الصغير من السلطة إلا اللقب الذي لم يدم له أيضًا أكثر من عام؛ فقد استطاع "كتبغا" أن يقنع الخليفة العباسي بعدم أهلية "الناصر" للحكم لصغر سنه، وأن البلاد في حاجة إلى رجل قوي يهابه الجند وتخشاه الرعية، فأصدر الخليفة مرسومًا بخلع "الناصر" وتولية "كتبغا" مكانه.

اقترنت مدة سلطنة "كتبغا" بأحداث شتى أثارت ضده الشعب، وجعلته يكرهه؛ فقد اشتد الغلاء، وارتفعت الأسعار، ونقص ماء النيل، وعم الوباء، وكثرت المجاعات، ولم يستطع السلطان أن يتصدى لكل تلك الكوارث، برغم الجهود التي بذلها.
وقد أغرى ذلك الأمير "لاجين" بانتزاع السلطة والاستيلاء على العرش، وبعدها استدعى "الناصر محمد" وطلب منه السفر إلى "الكرك".
وسعى السلطان "لاجين" إلى التقرب من الناس عن طريق تخفيف الضرائب، كما حرص على تحسين صورته بين الرعية من خلال أعمال البر والإحسان التي قام بها، فحظي بتأييد الشعب له، خاصة بعد أن انخفضت الأسعار وعمّ الرخاء، وعمد "لاجين" إلى إظهار تقديره للعلماء، ونفوره من اللهو، وأحسن السيرة في الرعية. ولكن عددًا من الأمراء تآمروا عليه، فقتلوه وهو يصلي العشاء مساء الخميس (10 من ربيع الآخر 698هـ= 16 من يناير 1299م).

أصبح الطريق خاليًا أمام السلطان "الناصر محمد" للعودة إلى عرشه من جديد، واستقر الرأي على استدعاء "الناصر" فذهبت وفود من الأمراء إليه، وعاد "الناصر" إلى مصر، في موكب حافل، فلما دخل القلعة وجلس على العرش، جدد الأمراء والأعيان البيعة له، ولم يكن عمره يتجاوز الرابعة عشرة آنذاك.
لم يكد السلطان "الناصر" يتولى مقاليد الحكم حتى جاءت الأخبار بتهديد المغول لبلاد الشام، فخرج إليهم على رأس جيشه حتى وصل إلى دمشق. ولكن المغول تظاهروا بالانسحاب، وانخدع بذلك السلطان والأمراء؛ فتراخى الجيش، وخمد حماس الجنود، ولم يشعروا إلا وقد انقض عليهم المغول، وألحقوا بهم هزيمة منكرة؛ فرجع السلطان يجر أذيال الهزيمة، ولكنه لم يلبث أن أخذ يعد العدة للقاء المغول، ومحو عار الهزيمة التي لحقت به.
عاد "المغول" مرة أخرى إلى الشام؛ فخرج إليهم السلطان بجنوده، والتقى الجيشان بطريق "مرج الصفر" بعد عصر السبت (2 من رمضان 702 هـ= 20 من إبريل 1302م)، وبرغم قوة "المغول" وكثرة عددهم فإن انتصار الجيش المصري في ذلك اليوم كان ساحقًا، وأظهر الجنود من الشجاعة والفروسية ما يفوق كل وصف.
عاد السلطان في مواكب النصر، وعمت الفرحة أرجاء البلاد، وقد أدى هذا النصر إلى تحقيق نوع من الأمن والاستقرار الداخلي للبلاد، وأعاد إلى الدولة هيبتها وقوتها، خاصة أمام الأعراب الذين دأبوا على الإغارة على المدن والقرى والقيام بعمليات السلب والنهب والقتل، دون أن يجدوا من يتصدى لهم، وقد أرسل إليهم السلطان عدة حملات، حاصرتهم في الطرق والجبال؛ حتى قضوا عليهم وكسروا شوكتهم، وتخلص الناس من شرورهم.
وفي العام نفسه توج الناصر انتصاراته بهزيمة الصليبيين الذين كانوا قد نجحوا في الاستيلاء على جزيرة "أرواد" أمام ساحل مدينة "طرابلس" وأخذوا يهددون منها سواحل الشام، فأرسل السلطان حملة بحرية إلى تلك الجزيرة، استطاعت أن تحقق نصرًا عظيمًا على الصليبين؛ فقتلوا منهم نحو ألفين، وأسروا نحو خمسمائة آخرين، كما غنموا مغانم كثيرة.
تآمر لم يفلح
ولكن الأمور لم تسر بالسلطان الناصر على النحو الذي كان يتمناه، فبالرغم من حب الشعب لسلطانه وتعلقه به، فإن الأميرين: بيبرس الجاشنكير، وسلاد راحا يضيقان على السلطان بعد أن اتسع نفوذهما، وقويت شوكتهما؛ فسعيا إلى التخلص منه، وحاصراه برجالهما في القلعة، ولكن جموع الشعب خرجت غاضبة ثائرة؛ فاضطرا إلى استرضاء السلطان.
شعر السلطان "الناصر" بالضيق؛ فخرج من مصر، واتجه إلى "الكرك" في (شوال 708هـ= إبريل 1309م) وقرر ترك السلطنة والإقامة في "الكرك".
وأصبح "بيبرس" سلطانًا على البلاد، إلا أن حركة المعارضة له أخذت تزداد يومًا بعد يوم، وأخذ الأمراء يلحون على السلطان "الناصر" بالرجوع إلى العرش.
وبدأ "الناصر" يعد العدة لاسترداد عرشه، فلما علم "بيبرس" بذلك خلع نفسه من السلطنة، وأرسل كتابًا إلى الناصر يطلب منه الصفح، وأخذ ما استطاع أن يحمله من خزائن الدولة ليهرب به، لكنه فوجئ بالعامة وقد اجتمعوا عليه يريدون الفتك به؛ فأخذ يلقي إليهم بما معه من أموال، وينثر عليهم الذهب، ولكن العامة تركوا ذلك كله وراحوا يطاردونه، ففر إلى الصعيد.
العصر الذهبي
عاد الناصر ليجلس على عرشه من جديد للمرة الثالثة في مستهل (شوال 709هـ= مارس 1310م)، وقد شهدت هذه الفترة من حكم السلطان الناصر- والتي استمرت نحو 32 سنة- ازدهارًا كبيرًا في مختلف النواحي، وكانت من أزهي الفترات في تاريخ الدولة المملوكية؛ فقد تمتعت مصر خلالها برخاء واستقرار كبيرين، فضلاً عن اتساع النفوذ الخارجي لسلطان مصر؛ فقد كان هو الذي يعين أشراف "مكة"، وامتدت سلطته إلى "المدينة"، وخطب ملوك اليمن وده، وصار اسمه يذكر في مساجد طرابلس وتونس، وأصبحت له علاقات ودية بالدول المسيحية في قلب أوروبا، كما أرسل مساعداته إلى سلطنة الهند الإسلامية ضد المغول الذين اشتدت إغارتهم على "الهند".
كما شهدت البلاد في عهد الناصر نهضة حضارية وعمرانية كبيرة؛ فقد اهتم ببناء العمائر الفخمة، فشيد "القصر الأبلق" و"مسجد القلعة"، واهتم بإنشاء الميادين العظيمة مثل: "ميدان الناصر"، وأقام "خانقاه" للصوفية، وأنشأ البساتين الجميلة، ولا تزال تلك المنطقة من ضواحي القاهرة، تحمل اسم "الخانكة" حتى الآن.
واهتم "الناصر" بشق الترع، وإقامة الجسور والقناطر، وإنشاء الخلجان؛ فحفر خليجًا امتد من القاهرة إلى "سرياقوس" مخترقًا أحياء القاهرة، وأقام عليه القناطر الكثيرة، مثل قناطر السباع، وأنشأ عددا من البساتين منها بستان "باب اللوق"، كما أعاد حفر خليج الإسكندرية وتطهيره، ليستمر فيه الماء العذب طوال العام، وما زال هذا الخليج موجودًا حتى الآن، وإن تغير اسمه ليصبح "ترعة المحمودية".
وفي شهر ذي الحجة (741 هـ= يونيو 1341م) مرض السلطان الناصر مرضا شديدًا، ظل يقاسي شدته وآلامه حتى توفي بعد أحد عشر يومًا عن عمر بلغ سبعة وخمسين عامًا.

سمير حلبي – إسلام اون لاين


تدريس ابن كاتب قطلوبك عوضاً عن الزملكاني:

ومما أورده صاحب كتاب (الدارس في أخبار المدارس) نقلاً عن ابن كثير في سنة 715هـ قال:
ـ وفي يوم الأربعاء سادس عشرين شهر رمضان درّس بالمدرسة العادلية الصغرى الفقيه الإمام فخر الدين المصري المعروف بابن كاتب قطلوبك بمقتضى نزول مدرّسها كمال الدين ابن الزملكاوي له عنه، وحضر عنده القضاة والأعيان والخطيب وابن الزملكاني أيضاً.

وقد كانت المدرسة العادلية الصغرى نموذجاً تاماً للمدرسة النموذجية الكاملة في وقفها وخدماتها. أنشأتها زهرة خاتون بنت الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب، ووقفت عليها دار ابن موسك وقرية كامد والحصة من قرية برقوم من أعمال حلب، والحصة من قرية بيت الدير من الأصفار، والحمّام المعروف بابن موسك. فوقفت ذلك جميعه ومن بعدها تكون مدفناً ومدرسة ومواضع للسكنى، وشرطت للمدرسة معيداً وإماماً ومؤذناً وبواباً وقيماً وعشرين فقيها.
وقد كان النز ول عن الوظائف لمعينٍ معمولاً به آنذاك. وكما رأينا فقد تنازل ابن الزملكاني عن التدريس في المدرسة العادلية لابن كاتب قطلوبك يوم السادس والعشرين من رمضان سنة 715هـ.

ولادة الإمام بدر الدين العيني

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 762 هـ ولد أبي الثناء محمود بن أحمد بن موسى، المعروف ببدر الدين العيني، أحد أئمة الفقه والحديث والتاريخ في القرنين الثامن والتاسع الهجريين، وصاحب العديد من المؤلفات الشهيرة، مثل: "عقد الجمان"، و"عمدة القاري في شرح صحيح البخاري".

جاء بدر الدين العيني إلى القاهرة في أواخر القرن الثامن الهجري فأحسنت استقباله وأكرمت وفادته، وأسبغت عليه ما يستحق من تقدير وإكبار، فتقلد أرفع المناصب العلمية والإدارية في القاهرة كالقضاء والحسبة والتدريس في كبريات المدارس، وتوثقت علاقاته بالسلاطين، وكان لتمكنه من التركية عون في هذه الصلة، وآثره السلطان برسباي بمودة خاصة، فكان العيني يجلس إليه ساعات من الليل، يفسر له غوامض الفقه والشريعة، ويبين له كثيرًا من أمور دينه، ويسامره بقراءة التاريخ بعد أن يترجمها له مباشرة إلى التركية، وكان السلطان برسباي غير متمكن من العربية، لا يعرف منها إلا القليل، ولم يكن السلطان يخجل من جلوسه بين يدي شيخه تلميذًا يلتمس المعرفة، بل كان يفخر بذلك ويجهر بتلمذته لمن حوله بقوله: "لولا القاضي العيني ما حسن إسلامنا، ولا عرفنا كيف نسير في المملكة".
المولد والنشأة
في قلعة عينتاب بالقرب من حلب ولد "محمود بن أحمد بن موسى" المعروف ببدر الدين العيني في (26 من رمضان 762هـ= 30 من يوليو 1361م)، ونشأ في بيت علم ودين، وتعهده أبوه وكان قاضيًا بالرعاية والتعليم، ودفع به إلى من يقوم على تعليمه، فحفظ القرآن، وتعلم القراءة والكتابة، حتى إذا بلغ الثامنة كان قد تهيأ لتلقي العلوم، فتعلم القراءات السبع للقرآن الكريم، ودرس الفقه الحنفي على يد والده وغيره من الشيوخ، وتلقى علوم العربية والتفسير والمنطق على عدد من علماء بلدته، ثم رحل إلى حلب سنة (783هـ= 1381م) طلبًا للمزيد من العلم، واتصل بعدد من علمائها مثل جمال الدين يوسف بن موسى الملطي، فلازمه وقرأ عليه بعضًا من كتب الفقه الحنفي، ثم عاد إلى بلدته.
وبعد وفاة والده عاود العيني رحلته طلبًا للعلم استجابة لشغفه العلمي وبحثه عن المزيد، فشد الرحال سنة (785هـ= 1383م) إلى دمشق، ليأخذ بقسط وافر من الحديث، وكانت المدرسة النورية من كبريات دور الحديث، فالتحق بها العيني، ودرس الحديث على عدد من علمائها، ولم تطل فترة إقامته بدمشق فعاوده الحنين إلى حلب، فولى وجهه شطرها.
ولما بلغ الخامسة والعشرين تاقت نفسه لأداء فريضة الحج، فتجهز سنة (786هـ= 1384م) لأدائها، وفي أثناء إقامته بمكة والمدينة التقى بعلمائها وأخذ العلم عنهم، ثم عاد إلى وطنه، وجلس للتدريس، وأقبل عليه الطلاب من المناطق المجاورة، وظل عامين يؤدي رسالته، ثم رغب في زيارة بيت المقدس بفلسطين، فرحل إليها سنة (788هـ= 1386م)، وشاءت الأقدار أن يلتقي العيني هناك بالشيخ علاء الدين السيرامي ملك العلماء في عصره، فلازمه وتتلمذ على يديه، وقدم معه إلى القاهرة في السنة نفسها.
في القاهرة
ولما قدم "السيرامي" القاهرة ولاه السلطان الظاهر برقوق مشيخة مدرسته الكبرى التي أنشأها، واحتفى به وأكرم وفادته، وألحق السيرامي تلميذه النابه بالمدرسة مساعدًا له، وانتهز العيني فرصة وجوده بالقاهرة، فجد في تلقي الحديث عن شيوخه الأعلام، فسمع كتب السنة ومسند أحمد وسنن الدارقطني، والدارمي، ومصابيح السنة للبغوي، والسنن الكبرى للنسائي على يد سراج الدين البلقيني، والزين العراقي، وتقي الدين الدجوي وغيرهم، حتى إذا توفي شيخه السيرامي سنة (790هـ= 1388م) حل بدر الدين العيني محل شيخه في التدريس بالمدرسة الظاهرية، ومكث بها شهرين، عزل بعدهما من المدرسة بسبب بعض الوشايات المغرضة التي وجدت طريقها عند ذوي السلطان فاستجابوا لها دون تحقيق، ولم يجد العيني بدًا من السفر إلى بلاده لعله يبلغ فيها مأمنه، وأقام هناك فترة من الزمن، ثم عاد إلى القاهرة ليستقبل فيها عهدًا جديدًا.
وبعد استقراره في القاهرة تقلب في وظائف عديدة، فتقلد ولاية الحسبة لأول مرة سنة (801هـ= 1398م) خلفًا للمقريزي، ولم يستقر في هذا المنصب كثيرًا، فغالبًا ما كان يعزل أو يعزل نفسه بسبب الطامعين في المنصب وتنافسهم في الحصول عليه بأي وسيلة، ولذلك تكررت مرات توليه له حتى ترك ولاية الحسبة نهائيًا سنة (847هـ= 1443م)، وقد قام العيني في أثناء توليه هذا المنصب بالالتزام بتطبيق الشريعة، وضبط الأسواق وتوفير السلع، والضرب على يد المحتكرين، وكان يلجأ إليه السلاطين لمباشرة هذه الوظيفة حين تضطرب أحوال السوق، وتشح البضائع، وترتفع الأسعار، لما يعلمون من نزاهته وكفاءته.
وتولى منصب ناظر الأحباس، وهو يشبه وزير الأوقاف في عصرنا الحديث، واستمر مباشرًا لها أربعا وثلاثين سنة دون انقطاع منذ سنة (819هـ = 1416م)، كما تولى منصب قاضي قضاة الحنفية في سنة (829هـ= 1426م) في عهد السلطان برسباي.
ولم تكن مهمة القاضي محصورة في النظر في قضايا الأحوال الشخصية، بل امتدت إلى النظر في جميع القضايا المرفوعة إليه مدنية كانت أو جنائية، بالإضافة إلى إمامة المسلمين في الصلاة، والإشراف على دار السكة التي تضرب النقود، للتأكد من سلامة النقود ومراعاتها للأوزان.
وعلى الرغم من أعباء تلك الوظائف فإنه لم ينقطع عن التدريس، فدرس الحديث بالمدرسة المؤيدية أول ما افتتحت سنة (818هـ= 1415م)، ودرس الفقه بالمدرسة المحمودية، ودرس إلى جانب ذلك التاريخ والنحو والأدب وغير ذلك. وتتلمذ على يديه عدد من التلاميذ النابهين صاروا أعلامًا بعد ذلك، مثل: الكمال بن الهمام الفقيه الحنفي الكبير، وابن تغري بردي، والسخاوي، وأبي الفضل العسقلاني.
العيني وابن حجر العسقلاني
وكانت الفترة التي أقامها العيني في القاهرة تشهد تنافسًا علميًا بين كبار العلماء، الذين امتلأت بهم مساجد مصر ومدارسها، ولم يكن العيني بعيدًا عن تلك المنافسة، وسجل التاريخ تنافسًا محتدمًا اشتعل بينه وبين ابن حجر العسقلاني؛ فكلاهما إمام وفقيه ومؤرخ، انتهت إليهما زعامة مذهبهما؛ فابن حجر شافعي المذهب والعيني حنفي المذهب، وتقلد كل منهما القضاء، ولكل منهما أنصار وأعوان، وأنهما عمدا إلى صحيح البخاري فوضعا له شرحًا وافيًا، وكان ذلك سببًا في ذروة الخلاف بينهما، حيث اتهم ابن حجر منافسه العيني بالنقل من كتابه "فتح الباري" دون عزو أو إشارة إلى الاطلاع عليه في شرحه على البخاري المسمى بعمدة القاري. ولا تزال هذه القضية موضع جدل ومناقشة بين الباحثين، وأيًا ما كان الأمر بين الحافظين الكبيرين فقد أفضيا بعملهما إلى ربهما، وبقي علمهما ينتفع به.
على أن روح التنافس بينهما لم تمنع أحدهما من الاستفادة من الآخر، فقد تلقى ابن حجر عن العيني حديثين من صحيح مسلم وآخر من مسند أحمد، وترجم له ضمن شيوخه في كتابيه: المجمع المؤسس في المعجم المفهرس، ورفع الأصر عن قضاة مصر، وذكر السخاوي في كتابه "الضوء اللامع" أنه رأى العيني يسأل ابن حجر في مرض موته، وقد جاء ليعوده عن مسموعات الزين العراقي.
علاقته بحكام عصره
عاصر بدر الدين العيني كثيرًا من سلاطين مصر، وربطته ببعضهم علاقة حب وتقدير، فولاه "المؤيد شيخ" التدريس في مدرسته المؤيدية، وأرسله مبعوثًا عنه إلى بلاد الروم سنة (823هـ= 1420م)، وكان يدخل عليه مجلس حكمه في أي وقت، ويتحدث إليه في كل شيء أربعة أيام من كل أسبوع، وازدادت علاقته توثقًا بالسلطان برسباي، وقامت بينهما علاقة حميمة، وساعدت إجادة العيني للتركية في زيادة عرى المودة بينهما؛ لأن السلطان كان ضعيف العربية لا يحسن الحديث بها، وقام العيني بتثقيف السلطان وتعليمه كثيرًا من أمور الدين، وقراءة فصول من كتبه التاريخية له بعد ترجمتها إلى التركية التي كان يتقنها السلطان.
وبلغ من إكرام السلطان برسباي لمعلمه بدر الدين العيني أنه كان يطلب منه أن ينوب عنه في استقبال الوفود التي تأتي إليه، وأسند إليه مهمة ترجمة الرسائل التي ترد إليه من الدور المجاورة.
مؤلفاته
وعلى الرغم من كثرة المناصب التي تولاها العيني، وانشغاله بخدمة الناس قاضيًا ومحتسبًا ومدرسًا فإن ذلك لم يعقه كثيرًا عن مواصلة الدرس والتأليف، فوضع مؤلفات كثيرة وفي موضوعات مختلفة في الفقه والحديث والتاريخ والعربية، وهي الميادين التي برع فيها العيني، وبعض هذه الكتب من المجلدات ذوات العدد، ومن أشهر مؤلفاته:
- عمدة القاري في شرح الجامع الصحيح للبخاري، وهو من أجل شروح البخاري، استغرق العيني في تأليفه مدة تزيد عن عشرين عامًا، وقد طبع الكتاب بالآستانة سنة (1308هـ= 1890م) في 11 مجلدًا، ثم طبع في مصر أكثر من مرة.
- البناية في شرح الهداية وهو في فقه الحنفية، جعله شرحًا لكتاب الهداية للإمام المرغيناني المتوفى سنة (593هـ= 1169م)، وجاء في عشرة مجلدات، وقد استغرق العيني في تأليفه ثلاثة عشر عامًا، وقد طبع الكتاب عدة مرات.
- رمز الحقائق في شرح كنز الدقائق، وهو في فقه الحنفية، وطبع في القاهرة في مجلدين سنة (1285هـ= 1868م).
- عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، وهو كتاب ضخم، تناول فيه الأحداث التاريخية منذ أول الخلق حتى سنة (850هـ= 1447م)، ولم يظهر من هذا الكتاب البالغ الضخامة سوى أربعة أجزاء أصدرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب تتناول بعض فترات عصر المماليك البحرية، بتحقيق محمد محمد أمين، وصدر جزء آخر بتحقيق عبد الرازق الطنطاوي نشرته دار الزهراء.
- السيف المهند في سيرة الملك المؤيد، وطبع بالقاهرة بتحقيق فهيم شلتوت سنة (1386هـ= 1966م).
- والروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر ططر، وطبع بالقاهرة سنة (1370هـ= 1950م).
- والمقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية، ويعرف بالشواهد الكبرى، وقد طبع الكتاب بالمطبعة الأميرية ببولاق سنة (1299هـ= 1882م) على هامش كتاب خزانة الأدب للبغدادي.
وإلى جانب هذا له عشرات الكتب التي لا تزال مخطوطة حبيسة دور الكتب تحتاج إلى من يمد إليها يده فيخرجها مطبوعة إلى النور.
أيامه الأخيرة
أقام العيني مدرسة لنفسه قريبًا من الجامع الأزهر سنة (814هـ= 1411م)، كانت قريبة من سكنه، يؤمها طلابه الذين يقصدونه لتلقي الفقه والحديث على يديه، وأوقف عليها كتبه لطلبة العلم، وبعد ثلاث وتسعين سنة قضى معظمها العيني ملازمًا التصنيف والتدريس لقـي الله في (4 من ذي الحجة 855هـ= 28 من ديسمبر 1451م)، ودفن بمدرسته التي صارت الآن مسجدًا.
وجدير بالذكر أن مستشفى قصر العيني بالقاهرة تنسب إلى حفيده شهاب الدين أحمد بن عبد الرحيم بن محمود العيني، أحد الأمراء المعروفين.
من مصادر الدراسة:
• بدر الدين العيني: عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان– تحقيق عبد الرازق الطنطاوي– الزهراء للإعلام والنشر– القاهرة– (1409هـ= 1989م).
• السخاوي: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع– دار الجيل– بيروت– (1412هـ= 1992م).
• ابن العماد: شذرات الذهب– دار الكتب العلمية– بيروت– (1410هـ= 1990م).
• صالح يوسف معتوق: بدر الدين العيني وأثره في علم الحديث– دار البشائر الإسلامية– بيروت– (1407هـ=1987م).
• شاكر مصطفى: التاريخ العربي والمؤرخون- دار العلم للملايين- 1993م.

أحمد تمام – إسلام اون لاين



دولات خجا يصبح مسئولاً عن القاهرة

ومن حوادث اليوم السادس والعشرين من رمضان سنة 841 الخلعة السلطانية التي ألبسها السلطان الأشرف في مصر لرجل يعرف بـ (دولات خجا) عندما ثبته واليا على القاهرة.
قال ابن تغري (النجوم الزاهرة 14/359) دولات خجا: كان أصله تركي الجنس من أوباش مماليك الظاهر برقوق، وهو من جملة حرافيش المماليك السلطانية، كان وضيعاً كثير الشر. كان الملك الأشرف يعرفه أيام جنديته ويتوقى شره.
فلما تسلطن الأشرف ولاه الكشوفية ببعض النواحي (أي التحقيق والكشف عن الأحوال) فأباد المفسدين وقويت حرمته، فمن يومئذ صار ينقله من وظيفته إلى أخرى حتى ولي القاهرة، فتنوع في عذاب أهل الفساد وقطاع الطريق أنواعاً :
منها: أنه كان إذا قبض على الحرامي أمسكه ونفخ بالكير في دبره، حتى تندر عيناه وينفلق دماغه.
ومنها: أنه كان يعلق الرجل منكساً، ولا يزال يرمي عليه بالنشاب حتى يموت. وأشياء كثيرة من ذلك.
فلما ولي القاهرة وخلع عليه السلطان في يوم الاثنين سادس عشرين شهر رمضان كان أول ما بدأ به أنه أفرج عن جميع أرباب الجرائم من الحبوس، وحلف لهم أنه متى ظفر بأحد منهم وقد سرق ليوسطنه (يقطعه من وسطه بالسيف) وأرهب إرهاباً عظيما، وصار يركب في الليل ويطوف بحرمة زائدة عن الحد وصدق في يمينه في السراق، فما وقع له من سارق ممن أطلق ـ وقد كتبت أسماؤهم عنده ـ إلا وسطه, فذعر أهل الفساد منه وانكفوا عن السرقة.
وألزم (دولات خجا) الناس إلزامات لم يعرفوها من قبل، منها: أنه أمرهم بكنس الشوارع ثم رشها بالماء، وبتعليق كل سوقي قنديلاً على دكانه، وعاقب على ذلك خلائق, ثم منع النساء من الخروج إلى التُرَب (المقابر) في أيام الجمع...
وقد سئمه الناس وضجروا منه.


دخول مصر والشام تحت الراية العثمانية

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 923 هـ وبعد انتصار السلطان العثماني سليم على الدولة المملوكية التي كانت تحكم سوريا وفلسطين ومصر، دخلت مصر والشام تحت الراية العثمانية، وأصدر السلطان سليم في مثل هذا اليوم قراراً بتولي أسكندر أورونوس، حكم الإسكندرية، وبعد أن أمضى السلطان سليم في مصر سبعة اشهر وعند وصوله إلى دمشق أُطلق عليه خادم الحرمين الشريفين، فبدأ بالتطلع إلى حمل لقب خليفة المسلمين، لأنه بسقوط مصر دخلت الحجاز تحت الراية الإسلامية ولم يكن للمسلمين وقتئذٍ خليفة فعليّ، سوى الخلافة العباسية في مصر، وتحقق للعثمانيين ما أرادوا، فقد أجبروا الخليفة العباسي في مصر على التنازل عن الخلافة لصالح سلاطين بني عثمان.


استسلام بلغراد للعثمانيين

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 927 هـ المصادف للثامن والعشرين من شهر آب للعام الميلاد 1521 أستسلمت مدينة بلغراد بعد حصار الجيش العثماني بقيادة الوزير بير مُحَمّد باشا، وبعد مؤازرة من السلطان العثماني سليمان القانوني، وأقيمت فيها أول صلاة جمعة.


الدولة العثمانية توقع معاهدة إستانبول مع إيران

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 1021 هـ الدولة العثمانية توقع معاهدة إستانبول مع إيران، لإنهاء الحرب التي استمرت بينهما 9 سنوات، وعينت هذه المعاهدة الحدود بين الجانبين ، لكن هذا الصلح لم يستمر إلا سنتين فقط حيث تجدد القتال بين الجانبين.


تولي السلطان أحمد الثاني الخلافة العثمانية

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 1102 هـ تولى السلطان أحمد الثاني زمام الدولة العثمانية، بعد وفاة أخيه السلطان سليمان الثاني، أستمر السلطان أحمد الثاني مدة أربع سنوات، تضمنت انهزام تركيا في معركة سلنكمين في كرواتيا حالياً، وتقلص النفوذ التركي في شرق أوروبا، بعد قيام تحالف أوروبي ـ مسيحي ضد الدولة العثمانية الإسلامية، مكّون من النمسا وإيطاليا وروسيا ومالطه وبولندا وبابا روما.


نابليون الفرنسي يصل من مصر إلى يافا:

ومن حوادث اليوم السادس والعشرين من رمضان سنة 1212هـ وصول القوات الفرنسية التي قادها نابليون بونابرت في احتلال مصر إلى مشارف يافا.
قال الجبرتي: وفي سادس عشرين شهر رمضان وصلت مقدمات الفرنساوية إلى بندر يافا ـ من الأراضي الشامية ـ وأحاطو بها وحاصروها من الجهة الشرقية والغربية وأرسلوا إلى حاكمها الجزار أن يسلمهم القلعة قبل أن يحل به وبعسكره الدمار... ولما رفض الإنذار الفرنسي أحكم الفرنسيون الحصار وضيقوا الخناق على يافا لمدة أربعة أيام استكملوا فيها استعدادهم، ثم شنوا الهجوم على البلدة فدخلوها آخر يوم من رمضان وحصل النهب فيها تلك الليلة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وسنعود إلى تفعيلات دخول الفرنسيين يافا فيما بعد في حواث اليوم الثلاثين من رمضان.

تذكر بعض المصادر التاريخية أن نابليون بونابرت زار بيت المقدس سنة ألف وسبعمائة وثمان وتسعين أي قبل وقت قصير من مغامرته الفاشلة في فلسطين، والتي هدف من خلالها إلى تامين حملته في مصر ، وذلك بمبادرة ذاتية منه ، إذ يؤكد مؤرخو الحملة الفرنسية ، أن فلسطين لم تكن من بين أهدافها ، وأن وجود الفرنسيين في مصر كان كفيلا بتحقيق أحد أهم أهداف الحملة ، وهو مواجهة النفوذ البريطاني ، المتزايد ، والتشويش على طرق التجارة البريطانية .
نشأت فكرة مهاجمة فلسطين كنوع من الحل لمصير الحملة الفرنسية البائسة، فقد اقترحت الحكومة الفرنسية ثلاثة حلول على نابليون ، إما البقاء في مصر والدفاع عنها في مواجهة التحالف العثماني، الإنكليزي، الذي انضمت إليه روسيا، وإما التوجه لمهاجمة الهند ، وإما الزحف إلى القسطنطينية .
وهي حلول لم تكن تلائم القوة الفرنسية الضعيفة والتي لا تستطيع تحقيق أي من هذه الأهداف وأيسرها البقاء في مصر .

وصلت هذه الحلول إلى بونابرت أثناء حصاره عكا .ما يعني أنه بادر ذاتيا بالهجوم ، في شباط من عام ألف وسبعمئة وتسعة وتسعين بواسطة ثلاثة عشر ألف جندي ، فاحتل العريش ، ثم خانيونس فغزة . وتوجه لاحتلال اللد الرملة .
في بيت المقدس ، بدأت الاستعدادات لمواجهة الفرنسيين . إذ أن سقوط الرملة يعتبر عادة إيذانا بالهجوم على القدس . ولكن نابليون ، وبدل التوجه إلى بيت المقدس والتورط في الجبال المحيطة بها ، أختار الهجوم على يافا ، لتبدأ نهاية حملته عمليا .

صحيح أن الحملة الفرنسية تحطمت أمام أسوار عكا . لكن نهايتها ارتسمت بمجزرة يافا .
في آذار من العام نفسه احتل نابليون يافا بعد قتال استمر ثلاثة أيام، وبعد القتل والنهب والهتك ، وجد جنوده ثلاثة آلاف أسير في أبراج المدينة، فأمر بقتل ألفين وخمسمئة منهم في مجزرة وحشية ، سوف تنقلب آثارها عليه، فتفسخ جثث الأسرى مع جثث ألفين استشهدوا أثناء الدفاع عن المدينة ، أدى إلى انتشار الطاعون الذي أصاب الفرنسيين . وشكل عاملا إضافيا لهزيمتهم إلى جانب صمود عكا .

بعد مجزرة يافا ، تزايدت الاستعدادات في القدس لتنظيم الدفاع عنها . ولكن بدل أن يرسل نابليون جنوده إلى المدينة ، أرسل كتابا طويلا ، يشبه الكتب التي وجهها إلى المدن الأخرى . وفيها كثير من التملق ، وكثير من التهديد أيضا . فقد اختتم كتابه إلى أهل القدس مطالبا بتسليم المدينة . وتلقى ردا دبلوماسيا ذكيا . كان المقادسة على ما يبدو واثقين من صلابة عكا ، كما أنهم أرادوا كسب مزيد من الوقت ، فكتبوا إلى نابليون ، أنهم لا يرغبون في الحرب لأن بلدهم مقدسة ، وبها أماكن مقدسة إسلامية ومسيحية ولا يريدون للحرب أن تدمر هذه الأماكن .

وغير ذلك فهم تابعون لولاية عكا . ومن يستطيع السيطرة عليها ، يكون بإمكانه إصدار الأوامر إلى القدس .
راهن نابليون على سقوط بيت المقدس بعد سقوط عكا ، ولذلك وجه قواته إلى حيفا فاحتلها ثم احتل الناصرة ، وبدأ يضرب الحصار على عكا برا لأن الأسطول الإنكليزي المتحالف مع العثمانيين منع حصارها البحري ، وأبدى واليها عبد الله الجزار صلابة في الدفاع عنها مع جنود الحامية وأهل عكا ، ما أدى إلى فشل نابليون في احتلالها وبالتالي فشل حملته كليا إذ اضطر إلى مغادرة فلسطين، وترك لأحد نوابه : كليبر ، تدبر أمر انسحاب الجنود إلى مصر .
لا يكتمل الحديث عن الحملة الفرنسية على فلسطين دون الإشارة إلى علاقة نابليون بالصهاينة وسبلة إلى إيجاد موطن قدم لهم في فلسطين إبان حملته تلك .

فقبل تحرك الحملة من فرنسا إلى مصر ، تلقى بول باراباس ، عضو حكومة الإدارة في باريس من صديقه توماس كوريت ، الرأسمالي اليهودي الايرلندي، رسالة ينصحه فيها بالاستفادة من اليهود الذين وصفهم بأنهم : يقدمون لكم عنصرا يمكن الاعتماد عليه في الشرق .
وضع الاقتراح أمام نابليون الذي التقى شخصيات يهودية، ما لبثت أن أصدرت بعد اللقاء بيانا تدعو فيه إلى إقامة مجلس ينتخبه اليهود في خمسة عشر بلدا، ليقرر ما يجب عمله . وإبلاغ ذلك إلى الحكومة الفرنسية . كما دعت إلى إقامة وطن يهودي بالاتفاق في فرنسا ، في إقليم الوجه البحري من مصر ، مع حفظ منطقة واسعة المدى ليمتد خطها من مدينة عكا إلى البحر الميت ومنه إلى البحر الأحمر.

وفي نيسان من عام ألف وسبعمئة وتسعة وتسعين وأثناء حصار عكا ، نشرت الجريدة الرسمية الفرنسية بيانا من نابليون يدعو فيه اليهود إلى مؤازرة فرنسا ، وانتهاز فرصة وجوده في فلسطين لتحقيق آمالهم في التوضع ما بين عكا والإسكندرية .
كان نابليون يريد دعم الرأسمالية اليهودية ، وعندما فشلت حملته ، كانت بريطانيا التقطت المسألة وبدأت العمل من أجلها.
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
27 رمضان

27 رمضان


ليلة القدر خير من ألف شهر:

أعظم ليلة في شهر رمضان بل وأعظم ليلة في العام كله علي رأي جماهير العلماء – هي ليلة القدر.
ومعني القدر أي: المنزلة العظيمة وهي الليلة التي أشير إليها في قوله تعالي (إنا أنزلناه في ليلة القدر, وما أدراك ما ليلة القدر, ليلة القدر خير من ألف شهر, تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر, سلام هي حتى مطلع الفجر).
وأكثر العلماء على أنها ليلة السابع والعشرين من رمضان وقال بعضهم غير ذلك. ولكن الأكثرية من هؤلاء علي أنها منحصرة في العشر الأخير من رمضان في أيامه الوترية (21- 23- 25- 27- 29)
وتعتبر ليلة القدر من خصائص الأمة المحمدية
وقد أخفي أمرها عن الناس لينشطوا إلي العمل في سائر الأوقات وكونها في ليلة السابع والعشرين أمر غالب.
يجب في ليلة القدر الانصراف التام للصلاة والدعاء والعمل الصالح

زكاة الفطر فريضة

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك في السنة الثانية فُرضت زكاة افطر في المدينة المنّورة، زكاة الفطر، ويقال لها أيضاً {صدقة الفطر}، ومن الدليل على فرضيتها قوله تعالى: {{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىَ}}. وما رُوي عن إبن عُمر {رضي الله عنهما} أن رسول الله {عليه الصلاة والسلام} فَرَض زكاة الفِطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على كل حُرٍ أوْ عَبْدٍ، ذكر أو أنثى من المسلمين، وصدقة الفِطر تزكيةٌ لنفس الصائم وطُهرَةٌ لصومه.


عبد الملك بن مروان يتولى الخلافة

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 65 هـ تولّى الخلافة الأمويّة الخليفة عبد الملك بن مروان، من أعظم الخلفاء ودُهائهِم، فقيهاً واسعَ العِلْم، متعبداً ناسكاً، أستعمله معاوية على المدينة المنّورة وهو إبن ست عشرة سنة، وانتقلت إليه الخلافة بموت أبيه في مثل هذا العام، فضبط أمورَها، وظهر بمظهر القوة، واجتمعت عليه كلمة المسلمين، وهو أول من صكّ الدنانير في الإسلام، وكان نقشُ خاتمِه { آمنتُ بالله مُخلصاً }، تُوفي بدمشق عام 86 للهجرة النبوية الموافق للعام الميلادي 705.


الحجاج بن يوسف الثقفي يلقي حتفه:

من حوادث اليوم السابع والعشرين من رمضان سنة 95 هـ وفاة القائد الأموي الشهير الحجاج بن يوسف الثقفي الطائفي توفي ليلة سبع وعشرين من رمضان .
قال ابن كثير (البداية 9/138): أراح الله العباد والبلاد بموت الحجاج في ليلة مباركة على الأمة. كان شجاعاً مقداماً مهيباً متفوهاً فصيحاً سفاكاً.

ولي الحجاز ثم العراق وخراسان عشرين سنة، وأقره الوليد بن عبد الملك على عمله بعد أبيه عبد الملك بن مروان.
قاتل ابن الزبير وقتله، ثم صلبه. كان لا يصبر عن سفك الدماء، وله مقحمات عظائم وأخبار مهولة، وكان مبدأ أمره أن ولي شرطة أبان بن مروان.
أصيب قبل وفاته بالأكلة فسوغه الطبيب لحماً في خيط فخرج مملوءاً دوداً، وسلط الله عليه البرد، فكان يوقد النار تحته وتؤجج حتى تحرق ثيابه وهو لا يحس بها، فشكا إلى الحسن البصري فقال:
ـ ألم أكن نهيتك أن تتعرض للصالحين!! فلما مات سجد الحسن شكراً لله وقال:
ـ اللهم كما أمته فأمت سنته.
قيل : قَتَل الججاج مائة وعشرين ألفا، ووجد في سجونه يوم موته ثلاثة وثلاثون ألفا لم يجب على أحد منهم قطع ولا صلب.

المولد والنشأة
في الطائف كان مولد الحجاج بن يوسف الثقفي في سنة (41 هـ = 661م)، ونشأ بين أسرة كريمة من بيوت ثقيف، وكان أبوه رجلا تقيًّا على جانب من العلم والفضل، وقضى معظم حياته في الطائف، يعلم أبناءها القرآن الكريم دون أن يتخذ ذلك حرفة أو يأخذ عليه أجرا. حفظ الحجاج القرآن على يد أبيه ثم تردد على حلقات أئمة العلم من الصحابة والتابعين، مثل: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وغيرهم، ثم اشتغل وهو في بداية حياته بتعليم الصبيان، شأنه في ذلك شأن أبيه. وكان لنشأة الحجاج في الطائف أثر بالغ في فصاحته؛ حيث كان على اتصال بقبيلة هذيل أفصح العرب، فشب خطيبا، حتى قال عنه أبو عمرو بن العلاء: "ما رأيت أفصح من الحسن البصري، ومن الحجاج"، وتشهد خطبه بمقدرة فائقة في البلاغة والبيان.
الحجاج وابن الزبير
لفت الحجاج أنظار الخليفة عبد الملك بن مروان، ورأى فيه شدة وحزما وقدرة وكفاءة، وكان في حاجة إليه؛ حتى ينهي الصراع الدائر بينه وبين عبد الله بن الزبير الذي كان قد أعلن نفسه خليفة سنة (64هـ = 683م) بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ودان له بالولاء معظم أنحاء العالم الإسلامي، ولم يبق سوى الأردن التي ظلت على ولائها للأمويين، وبايعت مروان بن الحكم بالخلافة، فنجح في استعادة مصر من قبضة ابن الزبير، ثم توفي تاركا لابنه عبد الملك استكمال المهمة، فانتزع العراق، ولم يبق في يد عبد الله بن الزبير سوى الحجاز؛ فجهز عبد الملك حملة بقيادة الحجاج؛ للقضاء على دولته تماما.
حاصر الحجاج مكة المشرفة، وضيّق الخناق على ابن الزبير المحتمي بالبيت، وكان أصحابه قد تفرقوا عنه وخذلوه، ولم يبق سوى قلة صابرة، لم تغنِ عنه شيئا، ولم تستطع الدفاع عن المدينة المقدسة التي يضربها الحجاج بالمنجنيق دون مراعاة لحرمتها وقداستها؛ حتى تهدمت بعض أجزاء من الكعبة، وانتهى القتال باستشهاد ابن الزبير والقضاء على دولته، وعودة الوحدة للأمة الإسلامية التي أصبحت في ذلك العام (73 هـ = 693م) تدين بالطاعة لخليفة واحد، وهو عبد الملك بن مروان. وكان من أثر هذا الظفر أن أسند الخليفة إلى الحجاج ولاية الحجاز مكافأة له على نجاحه، وكانت تضم مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليه اليمن واليمامة فكان عند حسن ظن الخليفة وأظهر حزما وعزما في إدارته؛ حتى تحسنت أحوال الحجاز، فأعاد بناء الكعبة، وبنى مسجد ابن سلمة بالمدينة المنورة، وحفر الآبار، وشيد السدود.
الحجاج في العراق
بعد أن أمضى الحجاج زهاء عامين واليًا على الحجاز نقله الخليفة واليا على العراق بعد وفاة أخيه بشر بن مروان، وكانت الأمور في العراق بالغة الفوضى والاضطراب، تحتاج إلى من يعيد الأمن والاستقرار، ويسوس الناس على الجادة بعد أن تقاعسوا عن الخروج للجهاد وركنوا إلى الدعة والسكون، واشتدت معارضتهم للدولة، وازداد خطر الخوارج، وقويت شكوتهم بعد أن عجز الولاة عن كبح جماحهم. ولبى الحجاج أمر الخليفة وأسرع في سنة (75هـ = 694م) إلى الكوفة، وفي أول لقاء معهم خطب في المسجد خطبة عاصفة أنذر فيها وتوعد المخالفين والخارجين على سلطان الخليفة والمتكاسلين عن الخروج لقتال الخوارج الأزارقة، وخطبة الحجاج هذه مشهورة متداولة في كتب التاريخ، ومما جاء فيها: "…
يا أهل الكوفة إني لأرى رؤساً قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها
ما كاد الحجاج يقضي على فتنة الخوارج حتى شبت ثورة عارمة دامت ثلاث سنوات (81-83 هـ = 700-702م) زعزعت استقرار الدولة، وكادت تعصف بها، وكان يقودها "عبد الرحمن بن الأشعث" أحد رجالات الحجاج الذي أرسله على رأس حملة جرارة لإخضاع الأجزاء الشرقية من الدولة، وبخاصة سجستان لمحاربة ملكها "زنبيل". وبعد أن حقق ابن الأشعث عددا من الانتصارات غرّه ذلك، وأعلن العصيان، وخلع طاعة الخليفة، وكان في نفسه عجب وخيلاء واعتداد كريه، وبدلا من أن يكمل المهمة المنوط بها عاد ثائرا على الدولة الأموية مدفوعا بطموحه الشخصي وتطلعه إلى الرئاسة والسلطان. ووجد في أهل العراق ميلا إلى الثورة والتمرد على الحجاج، فتلاقت الرغبتان في شخصه، وآزره عدد من كبار التابعين انغروا بدعوته، مستحلّين قتال الحجاج بسبب ما نُسب إليه من أعمال وأفعال، وحالف النصر ابن الأشعث في جولاته الأولى مع الحجاج، واضطرب أمر العراق وسقطت البصرة في أيدي الثوار، غير أن الحجاج نجح في أن يسترد أنفاسه، وجاء المدد من دمشق وواصل قتاله ضد ابن الأشعث، ودارت معارك طاحنة حسمها الحجاج لصالحه، وتمكن من سحق عدوه في معركة دير الجماجم سنة (83 هـ = 702م)، والقضاء على فتنته.
وفي الفترة التي قضاها الحجاج في ولايته على العراق قام بجهود إصلاحية عظيمة، ولم تشغله الفترة الأولى من ولايته عن القيام بها، وشملت هذه الإصلاحات النواحي الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها، فأمر بعدم النوح على الموتى في البيوت، وبقتل الكلاب الضالة، ومنع التبول أو التغوط في الأماكن العامة، ومنع بيع الخمور، وأمر بإهراق ما يوجد منها، وعندما قدم إلى العراق لم يكن لأنهاره جسور فأمر ببنائها، وأنشأ عدة صهاريج بالقرب من البصرة لتخزين مياه الأمطار وتجميعها لتوفير مياه الشرب لأهل المواسم والقوافل، وكان يأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة لتوفير مياه الشرب للمسافرين.
ومن أعماله الكبيرة بناء مدينة واسط بين الكوفة والبصرة، واختار لها مكانا مناسبا، وشرع في بنائها سنة (83هـ = 702م)، واستغرق بناؤها ثلاث سنوات، واتخذها مقرا لحكمه.
نقط المصحف
ومن أجلِّ الأعمال التي تنسب إلى الحجاج اهتمامه بنقط حروف المصحف وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته، وذلك بعد أن انتشر التصحيف؛ فقام "نصر بن عاصم" بهذه المهمة العظيمة، ونُسب إليه تجزئة القرآن، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، ورغّب في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة، وأخذ الناس بقراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات، وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار.
حاولت إنصاف الحجاج وتقديم صورته الحقيقية التي طمس معالمها وملامحها ركام الروايات التاريخية الكثيرة.. وتوفي الحجاج بمدينة واسط في مثل هذا اليوم، وكان عمره إذ ذاك خمساً وخمسين عاماً، ولما حضرته الوفاة أنشد يقول:
يا ربُ قدْ حلفَ الأعداءُ واجتهدوا بأنني رجلٌ منْ ساكني النارِ
أيحلفونَ على عمياءَ ويـحهــمُ ما علمهمْ بعظيمِ العفوِ غفارِ



عادات رمضانية طيبة في مكة المكرمة:

ومن حوادث اليوم السابع والعشرين من رمضان ما أشار إليه الرحالة المؤرخ ابن بطوطة في رحلته (1/185) فقد أشار إلى بعض ما تعوده أهل مكة حرسها الله من عادات رمضانية طيبة في ليالي الشهر المبارك، تبلغ ذروتها في ليلة السابع والعشرين من رمضان. قال ابن بطوطة:
ـ (وأعظم تلك الليالي عند أهل مكة ليلة سبع وعشرين، واحتفالهم لها أعظم من احتفالهم لسائر الليالي, ويختم بها القرآن العظيم خلف المقام الكريم، وتقام إزاء حطيم الشافعية (وهو محراب كان يصلي فيه إمام الشافعية) خشب عظيم وتعرض بينها ألواح طوال ويجعل ثلاث طبقات (مدرّج) وعليها الشمع وقنديل الزجاج، فيكاد يغشي الأبصار شعاع الأنوار, ويتقدم الإمام فيصلي فريضة العشاء الأخرة ثم يبتدئ قراءة سورة القدر ـ وإليها يكون انتهاء قراءة الأئمة في الليلة التي قبلها، وفي تلك الساعة يمسك جميع الأئمة في مكة عن التراويح، تعظيماً لختمة المقام ويحضرونها متبركين ـ فيختم الإمام في تسليمتين، ثم يقوم خطيبا مستقبل المقام، فإذا فرغ من ذلك عاد الأئمة إلى صلاتهم، وانفض الجمع ثم يكون الختم ليلة تسع وعشرين في المقام المالكي، في منظر مختصر وعن المباهاة منزه موقر.

كسوة الكعبة أيام المأمون العباسي:

ويذكر صاحب (السيرة الحلبية 1/281) في باب كسوة الكعبة أن المأمون العباسي كان يكسو الكعبة الديباح الأحمر والديباج الأبيض والقباطي. فكانت تكسى الأحمر يوم التروية، والقباطي يوم هلال رجب، والديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من رمضان.
قال بعضهم: وهكذا كانت تكسى في زمن المتوكل العباسي، ثم في زمن الناصر العباسي كسيت السواد من الحرير، واستمر ذلك زمناً طويلاً.
وكسوة الكعبة كانت من غلة قريتين يقال لهما: بيسوس وسندبيس من قرى القاهرة، وفقهما الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون في سنة نيف وخمسين وسبعمائة. قال: والآن زادت القرى على هاتين القريتين.


وفاة المنصور الخليفة الأموي في الأندلس:

في السابع والعشرين من شهر رمضان عام 392هـ الموافق 1002م، مات المنصور رابع الخلفاء الأمويين في الأندلس وهو في سن الخامسة والستين، واسمه كاملاً هو: الحاجب المنصور محمد بن عبد الله بن أبي عامر المعافري، وامتدت فترة حكمه خمسة وعشرين عاماً (367 – 392هـ).


وفاة الفقيه الشافعي ابن كجّ

وممن توفي في السابع والعشرين من رمضان سنة (405هـ) القاضي أبو القاسم يوسف بن أحمد بن كجّ الدينوري شيخ الشافعية (طبقات الفقهاء 1/223).
وكج اسم للجص الذي يبيض به الحيطان نسبة إلى جده.
كان يضرب بابن كج المثل في حفظ المذهب، وله فيه وجه، وله تصانيف كثيرة وأموال وحشمة.
ارتحل إليه الناس من الآفاق رغبة في علمه وجوده، جمع بين رياسة الدين والدنيا
وكان بعضهم يقدمه على الشيخ أبي حامد قال له تلميذ:
ـ يا أستاذ الاسم لأبي حامد والعلم لك !! فأجاب ابن كجّ: هو ذاك رفعته بغداد، وحطت مني نيسابور (سير أعلام النبلاء 17/184).
من تصانيفه (التجريد في المهمات) وهو مطول.
وكانت وفاته حزينة مؤسفة فقد تعرض له العيارون والحرامية بدينور، وقتلوه ليلة السابع عشر والعشرين من رمضان سنة 405 هـ رحمه الله.


وفاة تاشفين إبن يوسف

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 539 هـ رحل تاشفين إبن يوسف، هو تاشفين إبن علي إبن يوسف إبن تاشفين، به كانت دولة المرابطين المغربية، بعد أن أسسها جدّه يوسف إبن تاشفين، كان سقوط دولة المرابطين على يد قوة فتيّة مغربية جديدة، هي دولة الموحدين، التي احتلت معظم أراضي المرابطين، فحاول آخر أمراء المرابطين تاشفين إبن علي أن يستعين بأسطوله البحري للفرار إلى الأندلس، فرحل إلى وهران بالجزائر، وأقام هناك ينتظر وصول قائده أسطوله، إلى أن وصل إليه من مدينة المريا في جنوب الأندلس في عشر سفن حربية، فأرسى قريباً من معسكره في وهران، إلا أن الموحدين بقيادة عبد المؤمن إبن علي، أحاطوا بمدينة وهران من كل جانب، لجأ تاشفين إلى هضبة عالية مشرفة على البحر، فأحاط الموحدون بها من كل جانب وأضرموا النار حولها، خرج تاشفين من الحصن راكباً على فرسه فتردي من بعض حافات الجبل، فمات في مثل هذا اليوم. وبعدها بسنتين مات ولده إبراهيم وانتهت بذلك دولة المرابطون إلى الأبد.



وقعة افراغه وهزيمة للفرنجة في الأندلس:

ومن حوادث اليوم السابع والعشرين من رمضان انتصار المسلمين في الأندلس في وقعة مدينة (إفراغة) التي كان فيه الزاهد المجاهد أبو عبد الله مردنيش الجذامي المغربي.
قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء 20/234) كان معه عدة رجال أبطال يغير بهم يمنه ويسرة، وكانوا يحرصون على خيلهم كما يحرص أهل الثغر، وكان أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين يمدهم بالمال والآلات ويَبّرهم.
ولمردنيش مغازي ومواقف مشهودة وفضائل، ففي سنة 557هـ سار ابن رذمير (من الفرنجة) فنازل مدينة إفراغة وبها ابن مردنيش، وطال الحصار، فكتبوا إلى أمير المسلمين علي بن تاشفين ليغيثهم، فكتب إلى ابنه تاشفين وإلى الأمير يحيى بن غانيه بإغاثتهم وإدخال الميرة إليهم، فتهيأ لنجدتهم أربعة آلاف فما وصلوا إلى (إفراغة) إلا وقد فني ما بها، ولم يبق لابن مردنيش سوى حصان، فذبحه لهم فحصل لكل واحد أوقية أوقية
ولما وصل يحيى بن غانيه مغيثاً لهم، اتفق رأي ابن مردنيش معه على أن يوقعوا العدو بين فكي كماشة، بعد أن يستدرجوه بواسطة قافلة الأقوات والطبول والرايات التي تتقدم أمامه قال: فإذا أبصر الأفرنجي اللعين الرايات والطبول والزمر حمل عليه، فَنِكّر عليه من الجهتين.
قال : فصلينا الصبح في ليلة سبع وعشرين من رمضان سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وأبصر اللعين الجيش، وقد استراح من جراحاته، وكان عسكره إذ ذاك أربعة وعشرون ألف فارس سوى أتباعهم، فقصدوا الطبول فانكسروا وتفرقوا ـ يعني المسلمين ـ الذين فيها، فتبعهم الإفرنج ليأخذوهم، فأتينا الروم عن أيمانهم وشمائلهم ونزل النصر، وعمل السيف في الروم حتى بقي ابن رذمير في نحو أربعمائة فارس، فلجؤوا إلى حصن لهم، وبات المسلمون محاصرين له، ثم هلك ابن رذمير بعد خمسة عشر يوماً من هزيمته غماً ومرضاً.


انتصار صلاح الدين على قوات غازان

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 702 هـ ألتقي جيش غازان بجيش السلطان صلاح الدين الأيوبي عند مرج الصفر جنوبي دمشق، حيث دارت رحى الحرب بين الفريقين، وكانت المعركة شديدة رهيبة أبْلِى فيها المماليك بلاءً حسناً، فتمّ لهم النصر المبين على قوات غازان.


معركة "شماهي الثانية"

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 986 هـ الصفويون ينتصرون على العثمانيين في معركة "شماهي الثانية" ويأسرون عددا من كبار القادة العثمانيين مثل "عادل كيراي". وقد قتل في هذه المعركة 10 آلاف عثماني و20 ألف صفوي.


فتح المسلمين قلعة فولك الحصينة في سلوفاكيا:

27 من رمضان 1093 هـ الموافق 29 من سبتمبر 1682م
القائد العثماني "أوزون إبراهيم باشا" يستولي على قلعة فولك الحصينة في سلوفاكيا إضافة على 28 قلعة أخرى بالمنطقة، وقد استطاع هذا القائد تحقيق السيطرة الكاملة على سلوفاكيا.


انتصار المسلمين على الجيش الألماني:

27 من رمضان 1107 هـ الموافق 20 من أبريل 1696م
السلطان العثماني يقوم بحملته السلطانية الثانية على أوروبا، والتي أسفرت عن حرب شرسة مع الجيش الألماني، أسفرت عن انتصار العثمانيين. واستمرت هذه الحملة 6 أشهر حتى 25-10-1696م.



فتنة في دار الخلافة العثمانية استنابول

ومن حوادث اليوم السابع والعشرين من رمضان سنة 1223هـ الفتنة العظيمة التي وقعت في استانبول دار الخلافة العثمانية في أواخر أيامها
جاء في عجائب الآثار (3/245) أن مصطفى باشا البيرقدار تحكّم في الدولة بالقوة فقتل السلطان سليم وولي السلطان محمود وفرق وشتت فرقة الينكجرية وقتلهم (فرقة الإنكشارية الخاصة بحماية السلطة)
فلما فعل ذلك تجمعت فلول الينكجرية العسكرية، ثم تحزبوا وحضروا إلى سرايته على حين غفلة بعد السحور ليلة السابع والشرين من رمضان، وجماعة مصطفى باشا وطائفته متفرقون في أماكنهم غافلون عما دبر لهم، فخرق المهاجمون باب السراية وكبسوا عليه، فقتل من قتل من أتباعه من قتل وهرب، من هرب واختفى مصطفى باشا في سرداب فلم يجدوه وأوقعوا بالسراية الحرق والهدم والنهب.
وخاف السلطان محمود لأن سراية الوزير بجانب السراية السلطانية، فأرسل يستنجد بقاضي باشا وقبطان باشا ـ وهما من القواد العسكريين ـ فحضروا واشتد القتال بين الفريقين، وأكثر الينكجرية المهاجمون من الحريق في البلدة، حتى أحرقوا منها جانباً كبيراً
فلما عاين السلطان ذلك هاله، وخاف من عموم حريق البلدة فلم يسعه إلا تلافي الأمر فراسل كبار الينكجرية وصالحهم، فأوقفوا الحريق وهرب قاضي باشا وكذلك قبطان باشا.
ثم إن الينكجرية أخرجوا مصطفى باشا من المكان الذي اختفى فيه ميتاً تحت الردم، وسحبوه من رجليه إلى خارج، وعلقوه في شجرة ومثّلوا به . . . كل ذلك ليلة ويوم السابع والعشرين من رمضان.

كسوة الكعبة أيام المأمون العباسي:

ويذكر صاحب (السيرة الحلبية 1/281) في باب كسوة الكعبة أن المأمون العباسي كان يكسو الكعبة الديباح الأحمر والديباج الأبيض والقباطي. فكانت تكسى الأحمر يوم التروية، والقباطي يوم هلال رجب، والديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من رمضان.
قال بعضهم: وهكذا كانت تكسى في زمن المتوكل العباسي، ثم في زمن الناصر العباسي كسيت السواد من الحرير، واستمر ذلك زمناً طويلاً.
وكسوة الكعبة كانت من غلة قريتين يقال لهما: بيسوس وسندبيس من قرى القاهرة، وفقهما الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون في سنة نيف وخمسين وسبعمائة. قال: والآن زادت القرى على هاتين القريتين.


مطر وبَرَد عجيبان في القاهرة:

وجاء في (عجائب الآثار 3/243) في حوادث سنة 1222هـ قال:
ـ ومن الحوادث السماوية أنه في سابع عشرين من رمضان في هذه السنة غيمت السماء بناحية الغربية والمحلة الكبرى، وذلك من أطراف القاهرة، وأمطرت برداً في مقدار بيض الدجاج وأكبر وأصغر، فهدمت دوراً وأصابت أنعاماً، وتسببت في خسائر واسعة غير أنها قتلت الدودة من الزرع البدري، فالحمد لله على كل حال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

القاضي ابن جملة يتعدى في استخدام صلاحياته:

ومن حوادث اليوم السابع والعشرين من رمضان سنة 734هـ قضية القاضي ابن جملة.
قال ابن كثير رحمه الله في (البداية والنهاية 14/166) إن الشيخ ظهير شيخ ملك الأمراء كان هو الوسيط الذي سعى في تولية ابن جملة القضاء، ولكن بعد مدة وقع بينهما منافسة ومحاققة، فما كان من القاضي ابن جملة إلا أن استدعاه إلى مجلسه وعزره فيه، ثم سلمه إلى أعوانه فطافوا به البلد على حمار يوم الأربعاء سابع عشرين من رمضان، وضربوه ضرباً عنيفاً، ونادوا عليه وأهانوه.
فتألم الناس لكونه في الصيام وفي العشر الأخير من رمضان ويوم سبع وعشرين وهو شيخ كبير صائم، فما أمس حتى استفتي على القاضي المذكور، ودار الناس على المشايخ.
فلما كان يوم تاسع عشرين عقد نائب السلطة بين يديه بدار السعادة مجلساً حافلاً بالقضاة وأعيان المفتين، وأحضر ابن جملة والمجلس قد احتف بأهله، فحضر ولم يأذنوا له بالجلوس بل بقي قائماً، ثم أذنوا له بالجلوس بجانب خصمه الذي جيء به في محفّة (نقالة).
وادعى على ابن جملة في المجلس الشيخ ظهيرا أنه حكم فيه لنفسه واعتدى عليه في العقوبة، وأفاض الحاضرون في ذلك وانتشر الكلام، فما انفصل المجلس حتى حكم القاضي شرف الدين المالكي بفسق ابن جملة وعزله وسجنه، فانفض المجلس على ذلك.
وُرسمَ ( حكم ) على ابن جملة بالسجن بالعذاروية، ثم نقل إلى القلعة جزاء وفاقاً.

وفاة أبو الفضل البخاري

ومن حوادث اليوم السابع والعشرين من رمضان سنة 1200 هـ وفاة المحدث الفقيه البارع محمد بن أحمد بن محمد صفي الدين أبي الفضل الحسيني - الشهير بالبخاري – طبعاً هو غير الإمام المحدث محمد بن اسماعيل البخاري صاحب الصحيح.
قال في (عجائب الآثار 1/653 ) طوّف أبو الفضل البخاري كثيراً وانتقل بين البلدان، وأفاد واستفاد، دخل اليمن ثم زبيد ثم حج، ثم رحل إلى ينبع وورد مصر سنة 1182هـ، ثم انتقل إلى الصعيد ثم رجع إلى مصر فبيت المقدس، ثم عاد إلى مصر أكثر من مرة.
و كان أبو الفضل البخاري حيثما حل يجتمع مع الأكابر ويقرأ العلوم ويجيز ويستجيز، واجتمع بالسيد الزبيدي صاحب (تاج العروس) فعرف له الزبيدي قدره ونوه به، فأكرمه الناس وهادوه.
ثم سافر أبو الفضل البخاري إلى دمشق، وأخذ عنه علماؤها واحترموه واعترفوا بفضله، وكان إنساناً رأساً في فن الحديث، يعرف فيه معرفة جيدة لا يدانيه فيها أحد, ثم سافر إلى نابلس واستقر أخيراً بها.
له مؤلفات في علم الحديث.
توفي أبو الفضل البخاري بنابلس سحر ليلة الأحد سابع عشرين رمضان ودفن بالزاركية قرب الشيخ السفاريني. رحمه الله.


اليونان يحرقون الدونانمة

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 1237 هـ المصادف للسابع عشر من شهر حزيران للعام الميلادي 1822، تمكّن البحارة اليونانيون من إحراق الدونانمة، أي الأسطول البحري التركي، في إطار ثورة اليونانيين التي اندلعت شرارتها في المورة، ضد الحكم العثماني، وأستشهد في هذه المعركة نحو ثلاث آلاف مقاتل من البحرية التركية.


وفاة أحمد عرابي

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 1329 هـ وفاة أحمد عرابي زعيم الثورة العرابية. أصله من الشرقية والتحق بالجيش المصري، وترقى في مناصبه، قاد عدد من زملائه في ثورة احتجاج على تحيز الجيش للضباط الشراكسة، تحولت بعد ذلك إلى مظاهرة شعبية وطنية طالبت بالتغيير الوزاري وتشكيل حكومة وطنية وزيادة عدد الجيش، وقد فشلت الثورة العرابية لأسباب عديدة ترتب عليها نفي زعمائها إلى جزيرة سرنديب، وكان من بينهم أحمد عرابي.


ولادة جمهورية باكستان

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك عام 1366 هـ الموافق للرابع عشر من شهر آب للعام الميلادي1947، أُنشئت جمهورية باكستان بعد أن انفصلت عن الهند، ويُعَدّ مُحَمّد علي جناح المُلقب بالقائد الأعظم هو مؤسس دولة باكستان بجناحيها الشرقي والغربي، وإن كان للفكرة دعاة آخرون أيضاً، من أبرزهم الشاعر والمفكر الإسلامي مُحَمّد إقبال، وتعني كلمة باكستان في اللغة الأُورْدية { الأرض الطاهرة }.
 

*رضا*

إداري قدير سابق وعضو شرف
عضو شرف
4 يونيو 2006
41,911
118
63
الجنس
ذكر
رد: مفكرة رمضان التاريخية.. يومـًأ بيوم

ما شاء الله ! عمل جبّار !
جزاك الله خير الجزاء والإحسان أخي هاني وجعل هذا العمل الطيّب في ميزان حسناتك وجعلك من الفائزين بجنته آميــــــــــــــــــــــــــن
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع