إعلانات المنتدى


بحث الدكتور علي بن حمزة العمري في الأناشيد

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

الوقور

مزمار جديد
4 مارس 2008
5
0
0
الجنس
ذكر
الفصل الأول: النشيد الإسلامي .. مصطلحات ومفاهيم



كلمة تمهيدية حول مصطلح "النشيد الإسلامي":
من بشائر الخير والتوفيق التفات العلماء والمفكرين لأهمية الفن الهادف في هذا الزمن المعاصر في تثبيت هوية الأمة. وتوجيه بعضهم بضرورة الانخراط المهني في المجال الفني مع مراعاة الضوابط. وذلك لمِا رأوه من تأثير بالغ، وحراك شعبي كبير نحو قضايا الأمة الكبرى على وجه التحديد، من خلال أدوار العمل الفني الإسلامي.

وفي خضم هذا التفاعل الظاهر أحياناً والخفي أحياناً أخرى، بدأت بعض الكتابات والملتقيات حول الاهتمام والاحتفاء والعناية بمدرسة الفن الهادف، بعد أن غُيبت حقبة طويلة من الزمن!

ولا يزال تأصيل العمل الفني الهادف في بدايته، إلا أنه من الخوف عليه تجاذبت أطرافٌ عدة الكلامَ حول مفهوم هذه النهضة الفنية الإسلامية، وكيفية تحريكها بين الناس، ومدى محافظتها على هويتها وتمسكها بثوابتها.

ومبحث الفن الإسلامي كبير، إلا أن رسالتنا هذه تخص الحديث حول "النشيد الإسلامي"، ولعل الحديث عنه، هو عين ما يمكن ذكره في بقية المصطلحات الفنية الأخرى.

ومما يجب أن نستوعبه في مثل هذا المقام أن الحديث عن المصطلحات ليس أمراً عبثاً، خاصة أننا في أول الطريق لتأصيل عمل الفن الإسلامي أو الهادف. وحتى يضمن استمراريته وفق الصورة المأمولة منه إن شاء الله تعالى.


المبحث الأول: مصطلحات تتعلق بالفن.

مصطلح "الفن":
لكلمة الفن دلالات عدّة في اللغة، يحسن العودة إليها في لسان العرب، والتي فيها ما يُطلق على الألوان والأنواع المختلفة. وعلى هذا المعنى ألّف ابن عبد ربه كتابه الشهير "الفنون".
وفي اللغة يُقال: رجل "مِفَنٌّ": يأتي بالعجائب، وذو فنون من الكلام.
واسْتُخدمتْ كلمة الفن اليوم في الألوان والأنواع المختلفة من الكلمات والمشاهد والعروض، ولغلبة غاياتها صارت عنواناً مباشراً لها.

إذاً الأصل في كلمة "الفن" أنه لا حرج فيها لغوياً، إلا أن هذا المدلول ارتبط في الأذهان بالصور السلبية، التي غطت في حقبة مضت على كل شيء آخر، إن وجد هذا الآخر!

مصطلح "الفن الإسلامي":
نتيجة لارتباط مصطلح "الفن" بالصورة السلبية، رأى بعض العلماء والمفكرين المسلمين تغيير هذه الصورة من الأذهان، وفي الوقت نفسه تأصيل دور الفن بالصورة التي يرتضيها الإسلام.

ولعل أول من أصَّل لهذه المسالة في كتاب كبير وشامل هو العلامة الشيخ: محمد قطب، في كتابه الشهير "منهج الفن الإسلامي"، فهو يرى أن أكثر الناس بحاجة إلى معرفة أن الإسلام كلمة ورسالة، واستقلالية وخصوصية، وشمولية فيما يَعْرِضُ لهم.

فإضافة لفظ "إسلامي" أي: فن يوافق عليه الإسلام. وهو معنى تأصيلي جيد، ورأي سديد.

مصطلح "الفن الملتزم":
لما بدأ الاهتمام بشكل بدائي ببعض الأعمال الفنية، لاحظ بعض العلماء والمفكرين أن الفن الذي أطلق عليه "الفن الإسلامي" أي: الذي يوافق عليه الإسلام لا ينطبق على تلك الأعمال الفنية التي تظهر فيها صورة بعض الفنانين أو المنشدين في خارج ساحة الفن. فهم في المسرح والاستديو يقدمون الفن الجيد، ولكنهم في خارجه صورةً أخرى!

فتم اقتراح مصطلح "الفن الملتزم" وهو مأخوذ من العبارة الدارجة عن الإنسان المحافظ على قيم دينه الشرعي بمسمى "ملتزم".

"فالفن الملتزم" يعني إذاً: الفن الذي يوافق عليه الإسلام، ويؤديه الملتزمون بمنهج الإسلام أثناء العمل وبعده. وبالتالي لا يقع الخلل والإضطراب لدى الناس بين روعة العمل الفني الإسلامي من قبل هؤلاء الفنانين وبين سلوكياتهم العامة ومعاملاتهم الظاهرة المعلنة المخالفة للإسلام.

وهذه التسمية جيدةٌ ضمن هذا السياق، إلا أنه في تقديري أننا بحاجة إلى مسمى أشمل وأوضح وأسهل، يخدم الإسلام من قبل المهتمين به، مع التمسك بقيمه كاملة.

مصطلح "الفن الهادف":
نظراً لاختلاف الآراء الفقهية المعاصرة في بعض المسائل مثل: كشف وجه المرأة، وأداء بعض الأدوار الفنية لها، ومسألة استخدام بعض الآلات في الأعمال الدرامية، أو المشاهد البطولية، رأى بعض العلماء والمفكرين وصف كل عمل فني يخدم الإسلام والمسلمين بعيداً عن المحاذير المتفق عليها بأنه فن هادف، وهذه تسمية حسنة.

والذي أراه للتعبير عن المصطلح الفني المطلوب: أن يُقبل مصطلحا "الفن الإسلامي" و"الفن الهادف".
أما قبول "الفن الإسلامي" فكي يقتنع الناس الذين تم إقناعهم فترة من الزمن أنه لا يوجد بديل إسلامي عن تلك المشاهد السلبية بوجود هذا البديل، وأن هناك ما هو منافس حقيقي للفن الهابط، بالأصول المهنية الفنية بقوالبها المختلفة، ولكن في الوقت نفسه (إسلامي) أي: يقبله ويقرّه الإسلام، وفق رأي العلماء الموثوقين، كما يدركوا أن هناك ما يقبله ومالا يقبله الإسلام؛ ليكون الناس على بصيرة ووضوح.

كما أن علينا أن نقبل مصطلح "الفن الهادف" لنتدرج في تفعيل ما يخدم المسلمين في العمل الفني، خاصة لمن يدرك خطورة ما يحيط بأهل الفن اليوم من عقبات حكومية وكيانات مختلفة، ومن أصحاب مصالح متنوعة!

مصطلح "النشيد":
أما عن النشيد المنتشر اليوم فيكفي ذكره بهذه المصطلح، لشهرته ودلالته للمعنى المطلوب، من الالتزام بالكلمات الهادفة النافعة.

ومصطلح "النشيد الإسلامي" كان له مبرره عند انطلاقه في السبعينات الميلادية، لتمييزه عن "النشيد الديني" والذي كان مقصوراً في الأعم الأغلب على شعر الرقائق، والمدائح النبوية، التي قلَّ أن تخلو من الإطراء لشخص النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض الصالحين، أو ذكر بعض البدعيات أو الشركيات –ولا حول ولا قوة إلا بالله-.

لذلك كان لتسميته: "النشيد الإسلامي" مسوغاً، خاصة أنه تغلغل في معترك الحياة، وصار له جمهوره ومحبوه، في حفلات الأعراس، ومناسبات الأعياد والأفراح، ووسائل التلفزة والمذياع.

وهذا السبب ربما يكون جواباً لمن يقول: إن المباح لا يحتاج إلى أسلمة. أي: لطالما أن النشيد في أصله مباح، فلماذا نؤسلمه وهو من الإسلام أصلاً؟ وهذا رأي وجيه من ناحية الأصل، ولكن ما جرى من ملابسات حول النشيد اقتضت إضافة إسلامي عليه.

وعلى العموم، فكما ذكرت آنفاً يبقى مسمّى "نشيد" كافياً لتوضيح المعنى المنشود.

المبحث الثاني: النشيد أصل أم بديل؟

يتناقل البعض هذا السؤال ويبنون على الإجابة عليه أصولاً شرعية مختلفة.

وفي رأيي أن كلا الأمرين صحيح. فالنشيد من ناحيةٍ هو أصل؛ لأن الشريعة دعت إليه، ورغبت فيه في عدّة مواطن. وتذكير الناس أنه أصل وهو من الشرع أمر في غاية الأهمية، وفي هذا نفع للمنشدين وتحفيز لدورهم، وتطمين لعامة الناس كي يتجهوا نحو ما يقرّبهم إلى ربهم، ويحفزهم إلى الإنجاز، ويُسَلّيهم في الوقت نفسه.

كما أن النشيد بديل كذلك أمام الموجات الشديدة التي غزت بيوت ومناسبات عامة المسلمين وللأسف، فهو جاء كبديل لقوم لم يتذوقوا طعم الأنشودة الإسلامية فترة طويلة من الزمن، ولم يتعوّدوا على امتزاج الكلمة الهادفة مع الألحان الجيدة الراقية.

ولعل رسالة الأنشودة في هذا الزمن أصبحت واضحة ومدوية، حيث أثرت في فكر ووجدان المسلمين على وجه العموم، لمشاركتها حياة الناس وألوان معيشتهم، مع اختلاف همومهم وقضاياهم، وخاصة مع الصعود المحمود للقنوات الفضائية النافعة، والاحتراف المهني المطلوب لبعض المنشدين مما فرضت وجودها في كل القنوات الهادفة وغير الهادفة. والحمد لله.

الفصل الثاني: نشأة النشيد الإسلامي المعاصر


تعود بدايات هذا النشيد إلى الستينات الميلادية، والتي كانت مركّزة بشكل كبير على المديح النبوي بشكليه المعتدل والمغالي أحياناً، وكانت المدرستان المصرية والشامية في الصدارة.

كما أن النشيد بقيمه الدعوية والتربوية والبطولية كان في نفس الفترة ومن كلا المدرستين، إلا أن المدرسة الشامية على وجه الخصوص تميز رموزها بفكرهم الدعوي، وانتخابهم للقصائد المعبرة عن هذا المنحى.

ففي مصر برز نجم النقشبندي والطوبار وطه الفشني، وكان هؤلاء المنشدون يخلطون ما بين النشيد الديني العام والنشيد الدعوي بوجه خاص.

وأما في الشام فقد ظهر في الصدارة كل من (أبو مازن، أبو الجود، الترمذي، أبو دجانة، أبو راتب) على الترتيب.

وكنت في بلاد الشام في بداية الثمانينات آنس كثيراً إلى سماع هذه الكوكبة المتألقة من منشدي الدعوة، والذين كانت أناشيدهم تمثل اللون الحقيقي لمسيرة النشيد كلماتٍ، وألحاناً، وصوتاً، وغايةً، مع بريق من روح الإخلاص لا يخفى على من خالطهم، وعرف ما يتعرضون له من تحدٍّ وإغراء. نحسبهم كذلك، والله حسيبهم.

وبرقت أناشيد "أبو مازن" فترة طويلة لدى المحبين والمتابعين، إلاَّ أن أشرطة الإخوة الثلاث: أبو مازن، وأبو الجود، وأبو راتب كانت أسهل في الحركة والانتشار، بل كان يسمع لها الجيل عبر إذاعة صوت بغداد منذ تلك الفترة!

ومما ساهم في الحفاظ على قوة الأنشودة وضمان استمراريتها اهتمام كبار الشعراء بها، ومشاركتهم المنشدين بالكتابة والتقويم، ويأتي في صدارة هؤلاء كل من الشعراء الكبار: يوسف العظم، وسليم زنجير، وعبدالله السلامة، ونذير كتبي، والذين ساندوا الحركة الإنشادية في تلك الفترة، إضافة إلى جملة من كبار الشعراء الذين خدموا المنشدين بأشعارهم القوية، وإن لم يكن بشكل مباشر، أمثال (محمد إقبال، وليد الأعظمي، محمود صيام، الشيخ يوسف القرضاوي، الأميري، يحيى الحاج يحيى، محمد عيسى سلامة، مأمون جرار، يوسف النتشة ...).

ولأستاذنا الفاضل: سليم زنجير، معاصرة وتقويم لانطلاقة الأنشودة الإسلامية في الستينيات يخبرنا عنها بقوله: "أما المنشدون المجددون فأبرزهم الشيخ أحمد بربور، وأبو مازن وأبو الجود، والترمذي، وصبري مدلّل، ثم أبو دجانة، وهؤلاء هم الرعيل الأول، على اختلاف فيما بينهم في مستوى التجديد، ولكن أبا الجود يبقى أحد أبرز هؤلاء؛ لما أتيح له من قوة الموهبة في الصوت والأداء والألحان، وهو الوحيد الذي تيسر له شاعر إلى جنبه في الفرقة.

ويمكن إضافة الأخ أبي راتب في آخر السلسلة من حيث الزمن طبعاً، أما الإبداع فشأن آخر، إلا أن فضل هذا المنشد يعود إلى أنه حمل الراية وحده لعقد كامل، ويمثل بمفرده الجيل الثاني من المنشدين، ثم دخل الجيل الثالث والرابع، وانتشر هذا الفن وعم، وصار له مبدعوه في الأردن وسوريا ودول الخليج وغيرها.
يمكن الإشارة أيضاً، إلى أن أناشيد الدعوة شاعت فيها الحماسة؛ من أجل شد أزر الأمة وشبابها؛ لمواجهة التحديات، وإعادة مجد الإسلام، كما كثر التوجع من جهة ثانية، والندب والرثاء؛ لما يتعرض له المسلمون من مصائب ونوائب على أيدي أعدائهم في كل مكان ومن كل لون.

وأعتقد أن هذه المرحلة طالت أكثر من اللازم، وأصبح مطلوباً منا أن ننطلق خطوة إلى الأمام نحو الأناشيد الإسلامية الإنسانية، بآفاقها المتعددة الرحبة... هذا ما حاولنا عمله في إصدارات شركة (سنا) للكبار والصغار".

إذاً فقدم السبق كان للمدرسة الشامية بلا منازع، وذلك من جميع الجهات: الكلمات، والألحان، والأصوات.
والحقيقة أن الأنشودة الخليجية لم تبتعد كثيراً من ناحية الزمن، خاصة مع الانفتاح السريع للدعوة، فكانت بدايات أناشيد الكويت في أواخر السبعينات، وأناشيد البحرين في أوائل الثمانينات الميلادية.

وكان لهذه الأناشيد الأثر البالغ في تنشيط الصحوة الإسلامية، واسترداد عافية الفضيلة، كما وكان لهذه الأناشيد نغمها الخاص الساحر، لسرعة الإيقاع، وتجديد الألحان، وتنوع القصائد المختارة.

ولا شك أن الفضل يعود بعد فضل الله، للعملاقين الخليجيين الكبيرين، الدكتور: سامي قنبر، والأستاذ الفاضل: جاسم هجرس، والذين لم يزالا إلى هذه اللحظة روّاداً لمدرسة استطاعت الصمود مع التجديد والتنوع بين مدارس الإنشاد، ولعل هذا ببركة إخلاص مؤسسيها إن شاء الله تعالى.

ولاقتراب البحرين من المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية انتقلت لمسات الإبداع وصناعة التميّز؛ لتظهر أناشيد التجديد الحقيقي، والتي قفزت بالأنشودة مراحل كبيرة من التأثير في شرائح المجتمع، فشرّقت تلك الأناشيد وغرّبت ولم تزل، وهي أناشيد الدمام (1، 2)، بأداء أخي الحبيب الشيخ القارئ: سعد الغامدي و الأخ الفاضل: ماجد العثمان.

وظل رنين أناشيد (غرباء، ربا حطين، مؤامرة، الهجرة، أيا مركز النور) هو المسيطر على الساحة، خاصة مع بدايات حركة الصحوة في المراكز الصيفية، ولجان التوعية الإسلامية في المدارس، ما بين عام (1405- 1409هـ).

وما بين هاتين الفترتين كانت الأنشودة الكويتية في تطور مستمر، وساند في هذا التطور إمكانيات مهندسي الصوت الكبار، وفي مقدمتهم المهندس: عمران البني، والذي كان في الصدارة، وأخواه من بعده، عمار وعاصم البني. ولهذه العائلة جهود مباركة متقدمة في خدمة النشيد الإسلامي ينبغي الإشادة بها وتكريمها.
وفي نفس الفترة كانت إبداعات أشرطة الرابطة بقيادة العمالقة: أبو أنس، وأبو الحسن. وكذلك أشرطة الفجر بقيادة: نزار أبو الفدا، وسلسلة أشرطة صلاح الدين بقيادة: أبو عاصم. فقد كان لهذه الأشرطة انتشار كبير جداً. ويعتبر إصدار (ثوار) من اللمسات الإبداعية في تلك الفترة.

كما كان لأناشيد الشفا، وأناشيد المعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود بجدة، دورها وأثرها في تنوع وسائل الدعوة للجيل الناشئ من الصحوة، خاصة في المدارس، والتي كنا نستمع لها في الطابور الصباحي وفترة الإفطار.

ومع أناشيد الدعوة والحماسة كانت أناشيد الطفولة الرائعة كإصدارات: شدو البيادر، الوردة الحمراء والصفراء، وغيرها من أناشيد الأطفال، والتي كانت تحمل قيماً ومعاني في غاية الروعة والجمال، مع حسن الأداء والألحان.

ثم تأتي النقلة الفاصلة في تاريخ الأنشودة وذلك في عام 1409هـ، مع ظهور أشرطة (نداء وحداء)، والتي تميزت بالألحان الجديدة، الجامعة بين المدرسة الشامية الهادئة الإيقاع، والخليجية السريعة، مع تنوع نسبي في المواضيع، إلا أنها لم تبتعد كثيراً عن قضايا الأمة، وهموم شباب الصحوة ونشاطاتهم.
وقد خضت تجربة هذه المرحلة إبَّان بدايات أناشيد (نداء وحداء)، والتي فيها من القصص والطرف ما يحلو ذكره في هذا الموضع:

ففي عام 1408هـ، بدأ تسجيل أناشيد (نداء وحداء)، والتي كان يتزعمها الأخوان الفاضلان: الشاعر: عبدالله الشهري، والمهندس: عيضة باكور، وبدعم الأستاذ الكبير: زياد البسام.

وكانت البداية في مركز جامعة الإمام محمد بن سعود، والذي كان مقره بثانوية الثغر بجدة، ولم تكن هناك طريقة لاختيار المنشدين أو المردِّدين(الكورال)، إنما كان الأمر بالسؤال لمن له رغبة في الإنشاد؛ ولأنّ هذا الأمر كان في بداياته لم يتطوع إلا أفرادٌ يُعدّون على أصابع اليد الواحدة، وبتشجيع من مسؤولي أسر المركز آنذاك. ثم استمر الاختيار والتشجيع إلى أن وصل العدد إلى عشرة، إلا أنهم كانوا يختفون أياماً ويظهرون يوماً!

ومن الطُّرف المتعلقة ببدايات إصدار الشريط الأول لـ(نداء وحداء) أن أخي: لطفي باكوبن، والذي أنشد (بإيماني) كان يلاحقني بين ممرات المركز الصيفي؛ لأشارك في الأداء مع المنشدين، وكنت دائم التهرب، إلى أن قابلني في الممر، وسألني عن عدم الحضور، فاعتذرت بعدم الاستطاعة، وبينما نحن في هذا الحوار، قدم علينا المهندس: عيضة باكور، فشكاني أخي لطفي إليه، فأخذنا جميعاً إلى المصلَّى!!
وللمصلَّى قصة، إذ إنه المكان الذي تُسجل فيه الأناشيد، فإذا ما تدرب المنشدون على القصيدة التي سيؤدونها، يقوم أحدنا فيغلق جهاز التكييف، ونحن في شدَّة الحر، ويُوضع (الميكرفون) في الوسط، وننشد ونحن جالسون في شكل حلقة دائرية!
وسبب إغلاق (المكيف) هو: ألاَّ يظهر صوته في التسجيل!

ومن الطرائف أنه إذا حان وقت (العَشاء) قام أحد المنشدين ودار (بطاقيته) ليضع كل واحد منَّا ما تيسر من المال، فكُنا ندفع ولا نأخذ!

ومن الطرائف أن أنشودة (بعزمنا وجدنا) التي شاركت فيها مع أخي الشاعر الدكتور: عادل باناعمة، استغرقت فترة طويلة؛ لأن العدد كان أربعة فقط، و(نَفَس) كل واحد منا مختلف، ومسؤول الفرقة يريد منا نحن الأربعة أن نقول كلمة (بعزمنا) بمد واحد، وهذا كان صعباً للغاية!!

ولكن، ومع هذه المواقف والطرف والعقبات كتب الله القبول لهذه الأشرطة، التي أحسن فيها أساتذة المركز، والإخوة المنشدون، وتكاملت فيها جهود الجميع كمشاركة أخي الخطاط المبدع الأستاذ: عبدالله الزهراني، والداعم المحسن الأستاذ: زياد البسام.

والحقيقة أنني كنت أحسب نفسي محسوداً على هذه النعمة أو البلية في المشاركة في الفرقة كرهاً، إلى أن قرأت عن أستاذنا سليم عبدالقادر ما حصل له عندما وصف حاله لحظة مشاركته في بعض حفلات الزفاف الإسلامية فكانت النتيجة هي نفس ما حصل لي عندما عبر عن قصته بقوله: "فكنت - وبعض الأصدقاء - نؤدي بعض الأناشيد للتسلية، حتى حُسِبنا على المنشدين ولسنا منهم، وراحت الطلبات تنهال علينا لإحياء ليالي الأعراس والحفلات المسجدية، وكنا نلبي الدعوة على استحياء وخجل، حتى غدونا منشدين بالإكراه، فصدق أو لا تصدق!".

واستمر أداء فرقة (نداء وحداء) العريقة سنوات عدّة تحتل الصدارة، إلى أن جاءتها ريح عاصف، وجاءها الموج من كل مكان، ولكنّ الله سلَّم، فلم يختفِ الاسم، وبقيت المحاولات مستمرة، واستردت عافيتها من جديد بجهود مخلصة صادقة، ولكنها بحاجة إلى جهد كبير، وتخطيط جديد، ودماء جديدة، على جميع الأصعدة؛ لأن المليء فقط هو سيد الساحة اليوم.

وبعدَ (نداء وحداء) لم تزل الريادة الأولى للأشرطة الكويتية المتنوعة، والتي لم تختفِ حتى في فترة (احتلال الكويت).

وفي هذه الفترة برزت فرق إنشادية أصيلة في الأردن، ركزت على قضية فلسطين على وجه الخصوص، وقضايا الأمة على وجه العموم.

كما كان لبعض المنشدين في الجزيرة دورهم المؤثر: كمحمد المساعد، وأبو عبدالملك، وأبو علي، وكان أصداء أناشيد قوية في ساحة الوطن العربي. ولقصائد الدكتور: عبدالرحمن العشماوي نصيب من الاهتمام، وأدائها بأعذب الأصوات، وأجمل الألحان.

كما كان للنشيد في اليمن صولة وجولة، فقد تبنّت المعاهد العلمية فن النشيد ودعمته في مدارسها المنتشرة في أنحاء اليمن السعيد، وخصصت له الأساتذة والمدربين واستضافت المنشدين ليشاركوا في نهضة الفن الإسلامي، وبرزت من خلال ذلك فرق النشيد، وظهر المبدعون ذوي الأصوات الجميلة.
ثم جاءت حركة تجديدية، ودماء شبابية جديدة، وباعتماد على شيء من الأصالة والمهنية، في كل من: الإمارات والسعودية والأردن ومصر والكويت والبحرين والجزائر، إضافة إلى جملة من المنشدين القلائل في دول متفرقة.
واستمرَّ العطاء والتجديد، والإبداع والمنافسة، مع التطور والاستفادة.



وأما عن المهرجانات الإنشادية:

فقد انتقلت الأنشودة من التسجيل الصوتي (الكاسيت) إلى المسرح، وذلك في أول مهرجان للأنشودة الإسلامية بشكل فني وتقني ومهني مدروس، وبمشاركة منشدين الشام والأردن على مسرح الجامعة الأردنية، برعاية النادي الأدبي فيها وبإشراف المنشد: أبو راتب والكاتب: ماهر أبو الحمص والفنان: هاشم كفاوين، وبذلك رسخت فكرة مهرجانات الأنشودة بعد هذه الانطلاقة، ومن ثم انتشرت المهرجانات بمختلف المسميات والأشكال والمناسبات في جميع الأقطار.

ثم جاءت المرحلة المؤسسية، مع انطلاقات الفرق الإنشادية المتميزة، وبعض المنشدين المحترفين، وظهور الشركات الصوتية الفنية العالية الجودة، ومع انطلاقة رابطة الفن الإسلامي العالمية، التي ولأول مرة جمعت في المنطقة الخليجية كبار المنشدين من كل أنحاء العالم، وعقدت المؤتمرات العلمية، وأصّلت من الناحية الشرعية العمل الإنشادي والفني وما يحيط به، وساهمت في تشجيع الجادين والعاملين من خلال جائزتها العالمية الكبرى (جائزة الشباب العالمية لخدمة العمل الإسلامي)، وطبعت الكتب والدوريات ورَعَتْ الدورات الخاصة بهذا المجال.

ونحن الآن في هذه الفترة أمام تيار هادر من الأناشيد الإسلامية، والتي استقبلتها كبار القنوات الفضائية، بل وأنشئت عدة قنوات تختص بالفن الإسلامي عموماً والنشيد خصوصاً. وهذا أمر حسن، إلا أن ضبط وتطوير هذا المجال يحتاج إلى حديث مستفيض، وندوات عدّة، أجمل الحديث عنها في الفصل المعنون بـ"ضوابط النشيد الإسلامي".


الفصل الثالث: أثر النشيد الإسلامي


المبحث الأول: أثر النشيد الإسلامي في الساحة:
النشيد في أصله كلام، إلا أنه يحمل في طياته معانيَ إضافية من خلال اللحن، أو المؤثرات المصاحبة، وهو بهذا اللون تناغم مع الفطرة البشرية، وتحريك لكوامن الذات.

وكلما كانت الكلمات نافعة جميلة، كان صداها في أعماق النفس أدعى لتعميق المشاعر الفاضلة من الرشد والخير والاستقامة.

والنشيد الإسلامي في أول بداياته كان سماعه محصوراً في جيل الصحوة، وكان يميل إلى إيقاظ الأمة واستنهاضها نحو أداء رسالتها، مع وجود بعض الأناشيد الروحية التي كانت شبه مقصورة على المديح النبوي، ولعل السبب في ذلك هو مكان انطلاق الحركة الإنشادية من بلاد الشام عموماً، والمديح النبوي من مصر خصوصاً. ثم إن أشرطة النسخ والإنتاج في بداية الثمانينات الميلادي كانت ضعيفة، ووسائل الإعلام الإسلامية شبه معدومة، ووسائل التواصل الإعلامي المعاصر غير متاحة.

فاقتصر سماع النشيد الإسلامي على جيل الصحوة، والذي كان يتبادل تلك الأشرطة بكل شغف واحتفاء.
وأذكر في بداية الثمانينات الميلادي ما كان يكرمنا به في بلاد الشام أحد الجيران الفضلاء من أناشيد
الأستاذين القديرين والأخوين الكريمين: محمد أبو الجود، ومحمد أبو راتب.

واستمر هذا الأمر حتى بداية التسعينيات الميلادية، فشارك الخليج العربي أشقَّاءه في بلاد الشام ومصر، فبدأت أناشيد الكويت والبحرين، ثم الشفاء والدمام، وبدأ تداولها بشكل جيد، وحفظ الجيل تلك الأناشيد.
كما ساهم الانفتاح الصحوي المؤسسي الخليجي المبكر مع دعم العلماء والدعاة الكبار في نشر هذه الأشرطة، وزيادة عدد السامعين لها، حيث صار نسخها سهلاً، وبالتالي صار من الميسور سماعها في
البيوت والسيارات، مما ضاعف حجم السامعين.

ثم بدأت أناشيد (نداء وحداء) بقيادة أخي الشاعر الكبير: عبدالله الشهري، والذي جدد في أسلوب النشيد الإسلامي (كتابة وألحاناً وصوتاً وإخراجاً)، حيث تنوعت كلمات الإنشاد، وتجددت الألحان، وكُتبت الكلمات
بدقة وعناية، وبأسلوب مشوق يناسب إيقاع الأنشودة، مع جودة في التسجيل والإخراج.

ومما ينبغي أن يُسَّجل هنا أن تبني أساتذة المدارس، والمساجد، لهذه الأناشيد ضاعف من حجم شرائها وسماعها للطلاب في المدارس، والبيوت.

ثم كانت النقلة التأثيرية الأخرى مع أناشيد الإخوة الكويتيين على وجه الخصوص، والذين وجدوا من يعتني بأناشيدهم من الناحية الفنية، مع دافعية جيدة من أنفسهم؛ ليجددوا في الألحان، ونوعية الكلمات، التي شاركت جيل الصحوة في كثير من قضاياه وهمومه المتنوعة.

ومع هذه الرعاية وتلك العناية بالنشيد من قبل المهتمين به، وإدراكهم لأثر النشيد ودوره في حركة المجتمع المسلم كله، فإنه كان قاصراً نوعاً ما في مفهوم الشمول. ثم بدأت نقلة أخرى من خلال الأناشيد الموجهة للأطفال ، والأخرى الموجهة للأعراس، خاصة مع الوعي الديني لعامة الناس، وانتشار الفتاوى المحرمة للغناء الماجن، مما فسح المجال لتلك الأناشيد بالانتشار داخل البيوت بكل سهولة، وسَمِعَ الناس وربما لأول مرة، كيف يمكن للأنشودة الهادفة الموجهة للصغار أن تريحهم وتطربهم.

ثم جاءت المرحلة الحالية والمتمثلة في وعي المهتمين بالنشيد الإسلامي للعمل المؤسسي الفني، فأقيمت الدورات التدريبية، وانطلقت المهرجانات الإنشادية المهرجانية، وسجلت الأشرطة بأفضل الطرق، بدعم مادي، وتأصيل شرعي منهجي، من خلال الفتاوى والمقالات والندوات والمؤتمرات، وخاصة مع انفتاح وسائل الاتصال، وتطور وسائل التسجيل.

وهذا كله جعل للنشيد الإسلامي القدرة على التواجد والحضور القوي، وساند هذا بشكل مهم وجوهري تواجد كبار المنشدين والمؤازرين للعمل الخيري وراء حركة النشيد، التي كان لها دورها في خروج المهرجانات الإنشادية الراقية والمنافسة للغناء، وأصبحتَ تَسْمعُ وترى ما كنتَ تحلم به، من إتقان في الأداء، مع روعة في الديكور، إلى تنظيم باهر في المكان، مروراً بالمشوقات والمؤثرات، وهذا كله ليس بمنأى عن حسن اختيار الكلمات والألحان.

وهذا الجو فرض نفسه على مؤسسات الإنتاج وقنوات الفضاء، وصار للنشيد كلمته ومنافسته وحضوره. ولعلي أضرب لهذا التأثير مثلاً: ففي المهرجان الثقافي الإنشادي الخامس بمدينة جدة - اضطرت إدارة المهرجان لإغلاق المسرح الذي يتسع لـ(1000) مقعد للرجال و(600) للنساء، قبل البداية بساعة تقريباً، مما اضطر إدارة الأمن والدفاع المدني للتواجد لإبعاد الجمهور الغفير خارج صالات المسرح وإقناعهم بالبعد عن المكان.

وفي دول المغرب العربي الرائع حضور كثيف بعشرات الآلاف.

وأيم الله لو فتح الباب الرسمي لأرباب النشيد الإسلامي خصوصاً، والفن الهادف عموماً لخرج أرباب الغناء مفاليس، ولكن المنشدين لا أكتاف تساندهم!

ثم تأتي الحقيقة الكبرى في اختراق الأنشودة الهادفة قنوات الموسيقى الهابطة، من خلال أداءٍ رائع، وأسلوبٍ عصري بديع، واستخدامٍ لكل الوسائل الفنية الراقية، مع التخصص والجودة.

وهذا ما لاحظناه في أداء عدد من المنشدين المتألقين -مع بعض الملحوظات- بدءاً من الأخ: سامي يوسف، مروراً بعدد من الإخوة المنشدين ومنهم: موسى مصطفى، ومشاري العرّادة، ويحيى حوّا، ...وغيرهم، ثم بدأ الالتفات من كبار المنشدين للمشاركة في هذا اللون الجديد من أمثال إخواني: الأستاذ: محمد أبو راتب، والأستاذ: محمد أبو الجود، وغيرهم.

ولا ضير في هذا التأخير، فالكل يعمل خدمة للإسلام، وقد قدّم الجيل الأول للمتأخر ما يناسبه، وبادر جيل المنشدين اليوم بما فُتح لهم فاستفادوا وأتقنوا.

ففي الإحصائيات:
أن الفيديو المصور "الفيديو كليب" (المعلم) للأخ: سامي يوسف، كان يُعرض بداية نزوله أكثر من 20 مرة في اليوم على بعض القنوات الغنائية، وبرغبة الجمهور، وهذا دليل على التنافس المطلوب، مع يقيننا بوجود بعض الملحوظات.

وهناك نماذج أخرى تفصح عن قوة منافسة النشيد الإسلامي في القنوات الهابطة فضلاً عن غيرها.
هذه نظرة عامة لأثر النشيد الذي فرض نفسه -والحمد لله- ورجع ليكون ويقول: إنه الأصل لا البديل، وإنه قادر على التواجد في الساحة، والتأثير الحقيقي نحو هداية الإنسان وتلبية احتياجاته الروحية والنفسية.

وإننا لنرجو أن يستمر هذا التأثير الفني الهادف مع التجديد، مع ملاحظة وتقويم ما يمكن أن يخلّ بمسيرته. ولعل رابطة الفن الإسلامي العالمية تكون النواة لهذا التقويم والتسديد للمسيرة الفنية الإنشادية -إن شاء الله-.

ولتحقيق هذا الأمر، سنتناول في المبحث القادم ما يمكن أن تقدمه الرابطة بشكل عملي فعّال في هذه القضية.

المبحث الثاني :الفن الإسلامي في تشكيل هوية المسلمين
لكلمة التي تنهل من معين عظيم، والمتألقة في مضمونها، المتسامية في غاياتها، سواءٌ دوَّى بها خطيبٌ من الخطباء، أو محاضر من الأفذاذ، أو مربٍ من الصالحين لها أثرها الساحر في النفوس.
وهذه الكلمة عندما تتجمل باللحن الذي يزينها، أو يحركها، أو يحزنها فإنك ترى للكلمة تأثير آخر، يدفعها إلى قلب المستمع دفعةً حكيمةً، تسعى به إلى الالتزام، وتحسين الحال الذي هو فيه.

وعندما تطل تلك الكلمات الجميلة بأداء صوت شجي فللكلمة بعد آخر.

وكم لأرباب الإنشاد الإسلامي من دور رائد في تصحيح القيم وإصلاح النفوس والتكامل لتشكيل هوية المسلم. يخبرنا عن عمق هذه المعاني من خلال تجربته الطويلة أخي الأستاذ القدير: أبو الجود، بقوله : "وإني على يقين لو أن أصحاب المواهب بكافة اختصاصاتهم توجهوا لبناء الأمة وبناء الإنسان لرأيت عجباً.

نعم رأيت عجباً فلا تكاد ترى طفلاً إلا يتألق بابتسامته الطاهرة.
نعم رأيت عجباً فلا تكاد ترى فتاة إلا تتسامى في نقائها وعفتها.
نعم رأيت عجباً فلا تكاد ترى أسرة إلا وتتباهى في أولادها المتفوقين.
نعم رأيت عجباً فلا تكاد ترى أمة إلا ساهرة ومتطلعة إلى الفرقد العالي".

بل أقول: إن غاية العجب في دور الفن نحو تشكيل هوية المسلمين، وتشييد حضارتهم، ولا أدلَّ على هذا المعنى مما حصل في الربع الأخير من الخلافة الإسلامية العثمانية، عندما دبَّ فيها الوهن والضعف بسبب اختراق العلمانيين القدامى لقلوب الناس، وتغلغلهم في نفوس بعض الباقين من الغيارى على الدين، وذلك من خلال إنشائهم المسارح الفنية، وإقامة الحفلات التي يُغّنى فيها بالموشحات الأندلسية، المصبوغة بصبغة الدين ليتقبلها الناس تدريجياً!


ومن هنا بدأت الفكرة وتطورت حتى صارت جزءاً من حياة الناس، ولوناً من ألوان ثقافتهم، ومعياراً من معايير نهضتهم!

إلى أن كُسر الباب، وأصبح صوت كوكبة الشرق التعبير الكامن لآلام وآمال الشعوب!
إن أثر الفن بصوره المختلفة في وجدان الأمة، وفي تشكيل عقول أفرادها بسلبياته وإيجابياته لهو من مُسَلمَّات التاريخ في تحديد بوصلته نحو التقدم أو التخلف.

لذا كان الحديث عن أحكام الفن المعاصر من أهم المواضيع الحساسة والمؤثرة.
 

الوقور

مزمار جديد
4 مارس 2008
5
0
0
الجنس
ذكر
رد: بحث الدكتور علي بن حمزة العمري في الأناشيد

:) الفصل الرابع: أحكام النشيد الإسلامي المعاصر


تمهيد:
من المهم التأكيد على أن الأحكام الفقهية المتعلقة بالفن الإسلامي تتجاذبها أقوال عدة، مختلفة اختلافاً كبيراً، حالها كحال كثير من مسائل الفقه الإسلامي.

إلاَّ أن الخطورة في هذا الموضوع تكمن في تأثيره على تشكيل العقل المسلم، ومن ثمَّ المنظومة الإنسانية تجاه تطبيقها لمنهج الإسلام في واقع الحياة.

فقد تُحرر الأقوال في هذا الباب وتُرشَّدُ المسيرة الفنية الإسلامية فتكون الثورة! وقد يُضيَّقُ عليها فتساهم في رقدة الأمة، وتفتيت بنيتها، وانحيازها لغير هدى الله.

وذلك أن الفن الراقي محببٌ للنفس، وداعٍ للخير، وأحد عوامل التنشيط أو التخدير لفكر الأمة.

والذين لا يريدون الالتفات لهذا الباب في مسائل التربية أو مسائل الفقه فلن يسهموا في تقويم المسيرة التي تآكلت من عدة جوانب، فكادت أن تسقط!

وإن مما يُحمد للفقه الإسلامي اتساعه ومرونته لمناقشة وبيان كل المسائل المتعلقة بحياة الإنسان.

فإذا لم يعب أحد على الفقهاء مناقشتهم لكثير من الفروع الفقهية المتعلقة بأمور مفترضة يُحتمل وجودها في مستقبل الزمان، وهي لا تؤثر على عبادات أو سلوك المسلم بشكل كبير، فهل يَعيبُ أحدٌ على فقهاء العصر، مناقشتهم لفروع المسائل الفنية المؤثرة على عقول وفكر وسلوك وعبادة الأمة بأسرها في زمن الفضائيات المفتوحة؟!

إن كل فقيه أصيل منصف يجب عليه الاهتمام بحاجات أمته، وأن يلامس همومها، وأن يبصّرها بما تمليه الشريعة عليهم، ويؤدبهم بأدب الإسلام.

إن كثيراً من المعاني الأصيلة، والقيم السامية التي تتشربها النفوس السليمة الطيبة، غُيِّبت وللأسف بسبب الافتئات على برامج الفن الإسلامي الأصيل.

وما كان هذا الافتئات إلا من قوم لم يعيشوا في ظلال الإسلام الشامل الراقي الملامس لكل حاجات النفس البشرية. ولم يكن لهم أي صلة بتراث السيرة المشرق، ولا لهم عبرة بتاريخ الأمم! لذلك وجب على العلماء تأصيل مسائل الفن، وأن يعينوا العائدين إلى الله، الراغبين في خدمة دينهم بمنهج الشرع المطهر، وأن لا يتركوهم لقوارع الدهر، وفتن المترفين العابثين.

وسيرى القارئ أن المنهجية في طرح هذه المسائل هي:
1- إجمال الآراء للمسائل التي عرض لها الفقهاء الأقدمون بكل أمانة، والمفصلة في كتبهم.

2- الاجتهاد في توضيح حقيقة الآلات المعاصرة، بعد التتبع والمشاهدة.

3- ذكر الأحاديث الثابتة فقط، والتي يمكن الاستناد إليها أثناء المناقشة والحكم.

4- عرض لخلاصة المناقشة الطويلة والمستفيضة للعلماء الكبار من أنحاء العالم الإسلامي بأسره، وفي كل ملتقى أو مجلس فقهي جامع، للخروج برأي اجتهادي لا فردي.

علماً أن ما أثبتّه من رأي لا يعني عدم الاعتراض عليه، فالمسائل المعاصرة تحتاج لنظر واجتهاد جديد، وللمجتهد المصيب أجران، وللمخطئ أجر واحد. راجياً من الله القبول والسداد.

والآن نأتي لبيان وتوضيح هذه الأحكام المتعلقة بالنشيد الإسلامي عموماً والمعاصر خصوصاً.



المبحث الأول: الأحكام المتعلقة بالنشيد الإسلامي:


1- ضرب الدف وسماعه للنساء:
هناك اتفاق عند علماء المسلمين على جواز ضرب الدف وسماعه للنساء، وهناك خلاف في أوقات ضربه وسماعه.

الرأي الأول: يرى بعض الفقهاء أن الضرب والسماع لا يكون إلا في مناسبة زواج، أو مناسبة عيد فقط. بل وشدد بعضهم على أنه لا يضرب الدف في يوم الزواج للنساء إلا في وقت خروج المرأة للنساء، أي: لدقائق محددة.

والرأي الثاني: وهو جواز ضرب وسماع النساء للدف في المناسبات المذكورة آنفاً وفي غيرها ومن غير تحديد سبب أو وقت محدد؛ لأن الأصل في ضرب الدف وسماعه للنساء الإباحة، وليس المناسبة كما يقول أصحاب الرأي الأول.

والراجح - والله أعلم -: هو القول الثاني، لورود أدلة وشواهد كثيرة في ضرب وسماع النساء للدف في المناسبات المنصوص عليها سابقاً وفي غيرها.

ومن هذه الشواهد:
عن السائب بن يزيد رضي الله عنه : "أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عائشة أتعرفين هذه؟ قالت: لا، يا نبي الله، قال: هذه قينة - أي مغنية - فلان تحبين أن تغنيكِ؟ قالت: نعم، قال: فأعطاها طبق، فغنتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد نفخ الشيطان في منخريها". [رواه أحمد (3/449) بسند صحيح].

وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنه، قال: "أنْكَحَت عائشةُ ذات قرابة لها رجلاً من الأنصار، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أهديتم الفتاة؟، قالوا: نعم، قال: أرسلتم معها من يغني؟، قالت: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الأنصار قومٌ فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول:
أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم".[رواه ابن ماجه برقم: 1900 وهو حديث حسن بشواهده].


2- ضرب الدف وسماعه للرجال:
وفي هذه المسألة خلاف كذلك.
فالرأي الأول: يرى أصحابه عدم جواز الضرب أو سماعه للرجال، محتجين بعدم وجود أدلة تبيح ذلك، وأن ما ورد من سماع النبي صلى الله عليه وسلم للدف هو من خصوصياته. أو كان الإذن به في مناسبات خاصة كقدوم غائب.
[انظر: المدونة الكبرى لابن القاسم (11/421) - المهذب للشيرازي (2/327) - الروض المربع للبهوتي (3/124)].

الرأي الثاني: وهو الجواز.
[انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/1025) - روض الطالبين للنووي (11/228) - المحلى لابن حزم (9/62)].
واستدل أصحاب هذا الرأي على جواز سماع الدف بما ثبت من سماعه صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ومن هذا الاستدلال:
عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال:
"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنتِ نذرت فاضربي وإلا فلا، فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عليٌ وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر، فألقت الدف تحت إستها ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إني كنت جالس وهي تضرب، ودخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي ٌ وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف". [أخرجه الترمذي برقم: 3691 وقال: حديث حسن صحيح].

وكذلك سماعه صلى الله عليه وسلم لصوت الدف في يوم العيد، حيث كانت الخيام متقاربة، وقد استنكر أبو بكر رفع صوت الدف من النساء، ومع ذلك أقر النبي صلى الله عليه وسلم ما صدر من السماع. فقال صلى الله عليه وسلم: "دعهما يا أبا بكر". [رواه البخاري برقم: 3716]. وسيأتي بيان تفصيل الحديث في مبحث: الرقص المصاحب للإنشاد للرجال.

والرسول صلى الله عليه وسلم قدوة ومشرّع للأمة.

وأما ضرب الرجال للدف، فإن الأصل عند أصحاب هذا الرأي في الأمور الإباحة.

والضرب إن كان للمرأة جائزاً غير ممنوع فهو للرجل كذلك، لتشاركهما في الحكم، وذلك لعدم وجود مخصص.
ولأن النتيجة واحدة في السماع.

والراجح - والله أعلم - : هو قول أصحاب الرأي الثاني.
ثم أنه لا يوجد أي دليل يخصص السماع للرجال بوقت محدد، لسماعه صلى الله عليه وسلم في أوقات مختلفة، ومناسبات متعددة، وليس في يوم العيد فقط، فلا يقال أن النبي  لم يُقِرَّ أصحابه على ضرب الدف بحجة العيد فقط.

3- ضرب الطبل وسماعه:
ورد ذكر النهي عن الطبل بلفظه ومعناه.
أما وروده بلفظه "الطبل" فلم يثبت حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا على التحقيق.
وأما وروده بلفظ آخر فمختلف فيه.

واللفظ الوارد هو كلمة "الكوبة". وقد اختلف أهل اللغة، وأهل الحديث في معناها. فمن قائل بأنها الطبل. [كما في لسان العرب (13/349)].

ومن قائل بأنها: النرد، وهي من كلام أهل اليمن. [كما في المصباح المنير (2/543)].

وأقوال أهل الحديث على ما سبق من كلام أهل اللغة، إلا أنهم اختلفوا في حكم "الطبل".

ومجموع قولهم يتردد بين المنع المطلق، وبين الإباحة المطلقة في أنواع من الطبول، أو الإباحة في أوقات محددة.

فالرأي الأول:
تحريم سماع الطبل مطلقاً استناداً إلى حديث ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حرم عليكم الخمر والميسر والكوبة". [رواه أحمد (1/89) بسند صحيح].
وفسروا الكوبة بالطبل عموماً.

والرأي الثاني:
أن النهي عن الطبل ليس على أصله، بل هو مسموح به في عدة مناسبات كـ"الأعراس والغزو والحج وطبل المسحِّر"، وفي غيرها عند بعضهم الكراهة.

إذاً فالطبل ليس محرماً لذاته إنما هو لأغراض دون أخرى. وهذا هو معنى فهمهم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم السابق. ومن أقوالهم:

قال ابن عابدين: "وإذا كان الطبل لغير لهو فلا بأس به".

قال القرطبي: "فأما طبل الحرب فلا حرج فيه".

قال ابن مفلح الحنبلي: "وكره أحمد الطبل لغير حرب، واستحبه ابن عقيل".
[حاشية ابن عابدين (6/55) - تفسير القرطبي (14/54) - الفواكة الدواني للنفراوي (2/313) - المبدع لابن مفلح (7/188)].

والرأي الثالث:
هو إباحة سماع الطبل، إلا الكوبة، وهي أحد أنواع الطبول، وهو طبل طويل متسع الطرفين، ضيّق الوسط، وسبب تحريم الكوبة أن المتشبهين بالنساء كانوا يستعملونه، فحرّم للتشبه بهم.

وقد صرّح النووي بهذا في قوله "ولا يحرم ضرب الطبول إلا الكوبة". [روضة الطالبين للنووي (11/228) - الوسيط للغزالي (7/350)].

والراجح - والله أعلم -: أن حكم الطبل هو التردد بين الإباحة والكراهة، ويمنع في اللهو المحرم، وجوازه في مناسبات عدّة، عدا الكوبة. وذلك لكثرة أقوال الأئمة وأصحاب المذاهب المعتبرة بعدم تحريم الطبل في الأصل، وسماحهم بالسماع في عدَّة مناسبات، وهو ظاهر قول الأئمة الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.


4- الآلات المصاحبة للنشيد المعاصر:
ينبغي أن نبين ابتداءً، أن ثمة فرقاً بين الحكم الشرعي، والحكم الذوقي والعرفي.

فالحكم الشرعي الثابت بالدليل لا يتغير من ناحية الأصل، بينما يتغير الحكم من الناحية العرفية على حسب البيئات والأعراف.

كما ينبغي أن نبين مسألة مهمة كذلك، وهي أن بعض الأدوات المعاصرة لم تكن موجودة في الزمن السابق، وبالتالي فإن الحكم على الشيء فرع من تصوره، وقد استوقفني السماع لبعض الأناشيد، ولكنّي عند المشاهدة والتطبيق العملي التفصيلي لصناعة الأنشودة المعاصرة أقررت رأيي فيها بشكل واضح.

ولا يعني ذكر رأيي في ما أطرحه أنه لازم لمن رجح لديه غيره، فلا يزال الخلاف الفقهي موجوداً، ويبقى رأي المجتهدين محترماً، ويتم التعامل معه كما يتم التعامل مع بقية المسائل الخلافية.

- وأود أن أنبه أخيراً: إلى أن ما سأذكره من أحكام للأدوات المعاصرة هو للرجال والنساء سواء.

أ- آله الدف:
حيث يقوم المنشد بأداء أنشودته، ويقوم شخص آخر بضرب الدف مصاحباً له، ويسمّى الناتج "أنشودة بالدف".

وحكمها: الجواز، كما رجحت سابقاً في مبحث: ضرب وسماع الدف.

ب- الخلاخل:
وهي "الصنجات الصغيرة" الموجودة مع الدف.

وهناك خلاف حول وجود هذه "الخلاخل" مع الدف في الزمن النبوي، فمن قائل: بوجودها، وبالتالي حكمها: الإباحة. [انظر: أحكام القرآن للقرطبي (3/1025) - المحلى لابن حزم (9/62) - السماع لابن القيسراني (63)].

ومن قائل بعدم وجودها، وحكمها: الكراهة أو عدم الجواز.
[انظر: حاشية ابن عابدين (6/350) - مواهب الجليل للمغربي (4/7) - الروض المربع (3/124)].

والرأي - والله أعلم -: الجواز، لعدم النهي عنها، ولإمكان وجودها مع الدف في العهد النبوي.

ج) الصوت البشري (human voice):
هي مجموعة أصوات يؤديها المنشد بصوته الطبيعي، ومن ثمَّ يتم إدخالها في جهاز التسجيل والمعالجة الصوتية لتكون مصاحبة للأنشودة المؤداة.

وهذه الأصوات البشرية يتحكم بها مهندس الصوت؛ ليصحبها مع الأنشودة كما هي، أو يمازج بين مجموعة أصوات بشرية مختلفة.

وحكم هذا الناتج: الجواز.
ويمكن أن يسمى الإصدار الذي يحوي هذه الأناشيد المصاحبة للأصوات البشرية: إصدار "بمؤثر بشري" أو "مؤثرات بشرية".

د) الإيقاعات:
أصل كلمة الإيقاع: من إيقاع اللحن والغناء، وهو أن يوقع الألحان ويبينها. وسمى الخليل كتاباً من كتبه في ذلك المعنى كتاب "الإيقاع". [لسان العرب (8/4897)].

وحكم كل إيقاع حكم الناتج من هذا الصوت أيّاً كان، سواءً صوتاً بشرياً أو آلة موسيقية أو غير موسيقية.

أمَّا عن الواقع المعاصر فإن "الإيقاعات" المصاحبة للنشيد، على نوعين:

1- جهاز الإيقاعات "القديم":
هو عبارة عن جهاز أشبه ما يكون بجهاز الهاتف، وفي الجهاز مجموعة من الأزرار، مخزن في كل زر منها صوت معين، إذا ضغطت زراً منها صدر صوت مختلف في هيئته ونوعه عن الزر الآخر؛ فإذا أردت مثلاً أن تضع إيقاعاً لكلمة (مبارك): فعلت فيها ما يفعل العروضيون في تقطيع الكلمة، وضغطت مقابل كل كلمة محركة زراً بصوت مختلف، فكلمة (مبارك) مؤلفة من أربعة أحرف، الميم والباء والراء منها محركة، والألف والكاف ساكنة، فإذا ضغطت مقابل الميم زراً أصدر لك صوت دف من الوسط - مثلاً - إذ إن صوت الدف من وسطه يختلف في قوته عن صوته من الطرف، ثم تضغط زراً مقابل حرف الباء فيصدر صوت تصفيق - مثلاً - ثم تضغط زراً ثالثاً مقابل حرف الراء فيصدر صوت دف من الطرف كما أسلفت لك القول، إذاً هي عبارة عن أصوات مختلفة، وعند العودة للأصل نلحظ أن حرف الميم هو صوت دف، وحرف الباء هو عبارة عن صوت تصفيق يدٍ مثلاً، وحرف الراء هو صوت دف كذلك، وهكذا.

فهي عبارة عن مجموعة من الأصوات الثابتة والمخزنة في جهاز "الإيقاع القديم" أصلاً، إما دف أو صفقة يد أو الخلاخل أو غير ذلك، فعندما نسمع كلمة (إيقاع) فإن المقصود به هو ما أسلفت.

وحكمه: حكم أصل كل واحد منها، سواء مفردة أو مجتمعة، وفيما سبق، فحكمه: الجواز

2- جهاز الإيقاعات "الجديد":
وهو جهاز الكمبيوتر الحالي، والذي تُخزّن فيه مجموعة من الأصوات البشرية، والآلات الموسيقية وغير الموسيقية، وتدخل فيه عدد من البرامج التي سيأتي تفصيلها - بعد قليل -.

فإذا ما استخدم المنشد الأصوات البشرية والآلات غير الموسيقية، فهو إيقاع من غير موسيقى، وإن استخدم الأدوات الموسيقية فهو إيقاع بالموسيقى.

إذاً، فليس كل شريط يكتب عليه "إيقاع" خالياً من الموسيقى، وليس شرطاً كذلك أن يكون بالموسيقى.

وعليه، فإنني أنصح وأتمنى من كل مؤسسات الإنتاج الصوتي الإسلامية أن تضبط هذه المسألة بأن تجعل كل شريط إنشادي إيقاعي ليس فيه موسيقى هو "إيقاع"، ويسمى مباشرة "أغنية هادفة". أو أي اسم آخر، يُخرج المستمع عن التلبيس!
وكل شريط إنشادي فيه ولو 1% موسيقى غير إيقاع.

والخلاصة:
أن الإيقاعات وهي الأصوات المختلفة المعروفة منها أو المخترعة، حكمها: حكم أصل كل صوت صادر منها، فإن لم يكن فيها أي آلة موسيقية فحكمها الجواز، مهما كانت نتيجة الأصوات الصادرة، إلاّ أن يكون شيئاً غير مقبول عرفاً فيراعى ذلك شرعاً وأدباً؛ لأن للعرف أثره على الحكم الشرعي، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في شأن الكعبة: "لولا أن قومك حديثوا عهد بالجاهلية لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين". [رواه الترمذي (3/224) وقال: حديث حسن صحيح].
علماً أن لكل بيئة عرفها وذوقها الذي ينبغي أن يُراعى في مثل هذه المسألة.

تعريف النشيد الإسلامي:
ومما سبق، نخلص إلى تعريف النشيد الإسلامي: وهو الكلام الحسن الملحن ، والمؤدى بطريقة مناسبة، بشرط خلوه عن الآلات الموسيقية. فإن خرج النشيد عن هذا المعنى صار أغنية لا نشيداً.

هـ) برنامج "السامبلر":
قلنا أن الصوت البشري هو الصوت الناتج من أداء المنشد لصوت معين كالآهات، أو مجموعة أصوات متداخلة كالآهات والترنيمات والتمتمات من خلال إطباق الشفتين، وأمثال ذلك.

فإذا ما قام مهندس الصوت وأضاف أصواتاً أخرى، أو ركّب طبقات صوتية مختلفة، فهذا ما يسمى بـ "السامبلر".

فـ"السامبلر" هو برنامج يوضع داخل جهاز التسجيل أو التحكم الصوتي، يُشكِّل الصوت البشري، أو أي صوت آخر كما يريده صاحبه.

و"السامبلر" برنامج يجمع نماذج متعددة كأصوات بشرية، أو أصوات في الكون متنوعة كـ"خرير الماء، رياح، ..." أو أصوات حِرْفية كـ"صوت الخشب، والزجاج، ...".

ويمكن كذلك وضع أنغام موسيقية لو أراد.

وبالتالي، فإن جهاز "السامبلر" في أصله ليس موسيقى ولا آلة موسيقية، إنما يتحكم بالصوت البشري أو النموذج الصوتي الموجود فيه أيّاً كان.

وحكمه: ما يدخل فيه وما يصدر عنه. فإن لم يكن فيه موسيقى فحكمه: الجواز، وإن كان فيه موسيقى فحكمه: المنع.

ولأن بعض الأصوات المتداخلة من الإيقاعات أو الموجودة داخل السامبلر لا يتم التعرف على ماهيتها، فإنه كثيراً ما يطرح سؤال كبير هو:

هل عبرة التحريم وجود الآلة الموسيقية أم الناتج الصوتي الشبيه بالموسيقى؟

والجواب: أن هناك رأيان في هذه المسألة.

فالرأي الأول: أن العبرة بوجود الآلة الموسيقية التي ثبت بالدليل تعيينها، لأنَّ هذه منهيات محددة بنص الشرع.

والرأي الثاني: أن العبرة بكل ما هو داخل أو قريب من الموسيقى؛ لأن العلة في التحريم هو الصوت الناتج.

والذي أراه - والله أعلم - بعد النظر والتأمل في الأدلة ما يلي:

1- أن الأحاديث الواردة في الآلات مختلفة. فهناك آلات مُنعت كالآلات الوترية، وهناك آلات لم تمنع كالدف.

2- أن الأحاديث لم تقيد طريقة الضرب الممنوع أو المسموح به.

3- أن الصوت الناتج من أداء الأنشودة الملحنة بآلة الدف المسموح بها يمكن أن يكون أثره أقوى من غير آلة الدف الموسيقية، ومع ذلك لم تمنع الآلة من الاستخدام.

4- كما أن الصوت الناتج من الأنشودة المؤداة بغير أي آلة يمكن أن يكون أثره أقوى من أي آلة موسيقية وغير موسيقية، ومع ذلك لم يمنع المؤدي من ذلك. ودليله: حديث أنجشة الذي أثّر في النساء، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "رفقاً بالقوارير يا أنجشة". [رواه مسلم (4/1811)].

ولطالما أنَّ الأدلة محتملة - في تقديري - لكلا الرأيين، إلاَّ أن هناك ضوابط وقواعد شرعية ينبغي التنبه لها حينئذ، مستندها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه". [رواه مسلم (3/1219)]. ومن ثمًَّ قول ابن رجب -رحمه الله-: "من عرَّض نفسه للتهم فلا يلومنَّ إلا نفسه". واللبيب تكفيه الإشارة.

وهذه الضوابط المجملة هي:
1- التأكد أن الأصوات المصاحبة للأنشودة بشرية حقاً، أو معها أصوات لم تمر على برنامج موسيقي.

2- أن يؤدي المنشدون أناشيدهم عند مهندسي الصوت الصادقين المحافظين، تشجيعاً لهم، وتثبتاً من عملهم.

3- أن يدرك المنشدون أن إنشادهم رسالة خير، وليس موضة أو تشبه بالفاسقين، فتتميز طريقة أدائهم لتحقق الرسالة الإرشادية للنشيد، وإلا لخرجت عن الغاية المطلوبة.

4- البعد عن الأداء المرفوض عرفاً وذوقاً، والمغيّب للكلمات، والمهيّج للعواطف، والمتجه نحو أعمال المغنين اللاهين.

ويحق للمربين والموجهين عدم دعم مثل هذا الأداء، لآثاره السيئة، وخروجه عن الغاية المرجوة.

وبعد، فيبقى أن ننبه المستمع والمنشد فيما يتعلق بمسألة الإيقاع إلى ما يلي:

أولاً: بالنسبة للمستمع:
فإن له الحق في السماع أو عدمه من الناحية العرفية أو الذوقية، وله حق التوجيه والتقويم والإرشاد والتصويب في مسيرة الفن الإسلامي الراقي.

ثانياً: أما بالنسبة للمنشدين، فننبههم على:
أ ) أن لا يكون صوت الإيقاع أقوى من صوت الكلمات.
ب) أن لا تكون الإيقاعات مضروبة بالطريقة الغربية المستنكرة عرفاً وذوقاً.
ج ) أن لا تُستخدم الأصوات الباعثة للإنكار والسؤال من المستمعين.
د ) أن لا يُركز على الإيقاع على حساب الكلمات والألحان وهدف الأنشودة.
هـ) الحرص على عدم تقليد الألحان والإيقاعات الغنائية المبتذلة، وخاصة المنتشرة بين العوام.

ثالثاً: أما بالنسبة لمهندسي الصوت:
وهنا ننبه المنشدين ومهندسي الصوت مرة أخرى على أن لا يخلطوا بين المؤثر البشري الذي لا يصاحبه أي آلة موسيقية، وبين الصوت البشري الذي يُعزف على خلفية موسيقية كالبيانو أو الناي، ويُقال: إنه صوت بشري! وذلك أن الصوت البشري لا يمكن البتة بالمشاهدة والتطبيق أن يُصدر هذا الصوت لولا الخلفية المهيأة لصياغته بتلك الصورة.

وأؤكد عليهم مرة أخرى أن يتقوا الله ربهم، وأن يكونوا واضحين في ذكر المصطلحات وما استخدموه، بغض النظر عن قناعاتهم الشرعية في حكم استخدامه.

فعليهم ذكر ما استخدموه، ويتركوا المستمعين ليأخذوا بما رأوه أو مالوا إليه.

المبحث الثاني: الإنشاد والموسيقى:

ليس هذا مجال البسط في مسألة الموسيقى، فقد طرح الكثير من أهل العلم رأيهم فيها، والذي يهمني هنا ذكر بعض المفاهيم الرئيسة التي يمكن أن تشكل صورة جيدة للفن الإنشادي بما يتعلق بمسألة الموسيقى:

1- ليس كل خلاف فقهي مطروح يعني قبوله، وإسقاطه في واقع العمل. فالنظر في الأدلة، والتمحيص للأقوال مطلب صاحب الحق.

وفي موضوعنا هذا، فإن مسألة الموسيقى تعتبر من المسائل المطروحة بكل قوة في عالم الفن المعاصر.

والخلاصة الفقهية التي أراها حول مسألة النشيد والتي يمكن أن نبين مدى العلاقة بينها وبين الموسيقى إن وجد هو ما يلي:

جمهور الفقهاء على تحريم سماع الموسيقى مطلقاً، وعدد لا بأس به على الإباحة بشروط.

و أما استناد المبيحين فهو أن هذه الأحاديث المانعة إما أنها ضعيفة السند، وإما أن لها دلالات أخرى.

والذي أود قوله: أن قرابة الثمانية أحاديث في شأن الموسيقى ثابت صحيح، فالاتكاء على مستند تضعيفها لا يصح.

وأمَّا أن لها دلالات تصرفها على الوجه المباشر للتحريم، فإن بعض هذه الدلالات يمكن قبوله، وبعضها بعيد الاستدلال، أو يحتاج لإعادة نظر.

ولو افترضنا جدلاً أن هذه الدلالات يمكن اعتبارها، فإن رأي الجمهور قوي ودلالته أصرح وأوضح.

2- الفريق المبيح لسماع الموسيقى والغناء وضع ضوابط محددة، لي على بعضها تعقيب، علَّ المجال أن يتسع لها في مقال آخر -إن شاء الله -، وهذه الضوابط هي:

أ) أن لا يشغل عن واجب.
ب) أن لا يدعو إلى حرام.
ج) أن لا يخالطه الحرام.

والمتابع المنصف يجد أن فتح باب الموسيقى لابد أن يشغل عن المهمات عاجلاً أو آجلاً، والإنشاد رسالة، والمؤمن جاد في حياته، لا تسرقه الألحان عن واجبات الحياة فضلاً عن واجبات الشرع.

3- استطاع النشيد الإسلامي برونقه وشكله ومضمونه القديم والجديد أن يؤثر في شرائح كبيرة في المجتمع دون الخوض في مشكلة الموسيقى.

4- في الإيقاعات الصوتية المعاصرة غُنية عن الرعي حول الحمى!

5- ولأدب الخلاف وبيان الحق في آن واحد، أعجبتني التوصية المتعلقة بهذه المسألة في ختام المؤتمر العلمي الثاني لرابطة الفن الإسلامي العالمية، في الفقرة (4) ونصها:

(لرابطة الفن الإسلامي العالمية وأعضائها المنتسبين لها خصوصية في استخدام الوسائل التقنية المعاصرة التي ليس فيها آلات موسيقية، وترى أن فيها ما يُجِّمل ويُحرِّك الأنشودة في المجتمع. ومن رأى استخدام الآلات الموسيقية اعتماداً على فتاوى من يثق بهم من أهل العلم بعد التحري فهو خاصٌ به).

وهنا أود أن أضع عشرة خطوط تحت هذه الكلمات المهمة أهمس بها لإخواني المنشدين وخاصة المبتدئين منهم، يساعدني في التعبير عنها أخي المنشد أبو الجود:

ليس ضرورياً دائماً أن تشارك الإيقاعات فضلاً عن الموسيقى لمن رأى بها في كل الأناشيد، فقد يقرر المنشد صاحب الرسالة إدخال آلة إيقاعية واحدة أو أكثر لكلماته وألحانه المختارة، أو لربما اختار خلفية هادئة لتملئ فراغات هي من أساس لحن الأنشودة. وقد تسكت واحدة وتعمل أخرى، وأحياناً قد لا يناسب أداء الأنشودة أية آلة. ولا يدرك هذا المعنى المهم إلا المنشد الذي يعيش الكلمة واللحن والمناسبة والجمهور.

وبالتالي فإن المشكلة الآن ليست في قبول الإيقاعات من عدمها، بل المسألة الأهم لمن رأى بها، متى تستخدم الإيقاعات ومتى تترك؟ وكيفية استخدامها.

فهناك مواطن يفضل فيها عدم استخدام الإيقاعات بل حتى الدف، ومواطن أخرى يستحسن فيها استخدام الدف دون الإيقاع، وهكذا.

فالمسألة ليست إيقاع أو دف من عدمه.

وهذا يجعلنا نتحدث في مسألتين مهمتين وخطيرتين ألا وهما:

الإسراف في المباحات والخروج عن المألوفات:
فالإيقاعات والدف غاية القول فيها الإباحة، وخروجها عن هذا الإطار خلل في الفهم.

والمباحات لا ينبغي الإسراف فيها أبداً، لأنها قد تؤدي على السآمة وقد تؤدي إلى القسوة، مثلها مثل بقية المباحات.

والمسألة الثانية هي: الخروج عن المألوفات.
فلو أن مهندساً معمارياً أو جوياً ذهب إلى عمله بلباس الرياضة لاستنكر كل الناس فعله.

ليس لأن لبس الرياضة غير مباح، بل لأنه غير مألوف، ويعطي انطباعاً سيئاً عند الناس، ولو كان الأمر شكلياً.

والنبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بأن يحسنوا رحالهم حتى يكونوا كأنهم شامة بين الناس، وذلك لأن للمظهر العام رونقه وتأثيره.

وبالتالي فإن إقحام الدف والإيقاعات المجلجلة في كل حفل ولجميع طبقات الناس أمر مخل، وقد تكون آثاره غير مرضية، لأن العامة لا يفهمون أو لا يصدقون هذه الإيقاعات التي ربما يُسيء استخدامها البعض فتكون أشبه بالموسيقى. أو أحياناً هي الموسيقى بعينها.

تطاول الناشئة:

إنه ليحزنك ثم يحزنك تطاول بعض الناشئة -هداهم الله- المقتاتين على الفن الإسلامي الأصيل، الذين صكوا الآذان بالإيقاعات الصاخبة، التي لم تسمع معها أي كلمات، أو ألحان شجية فضلاً عن معرفة صوت المنشد جمالاً أو هذياناً!

وهؤلاء الناشئة وللأسف لم يدرسوا أصلاً على يد كبار المنشدين أصحاب الرسالة، ولم يتعلموا غاية النشيد، إنما نشـأوا في عصر الإيقاعات فصاروا هم كالإيقاعات لا تستطيع ضبط كلماتهم أو ألحانهم أو أصواتهم!!

وهذا لا يعني أكثر المنشدين الجادين المعروفين اليوم، إنما هو صورة مشاهدة ينبغي ترشيدها، وحسن توجيهها.

كما ينبغي على أساتذة وأرباب النشيد الإسلامي الأصيل في كل مكان في العالم، وهم موجودون -بحمد الله-، أن يتنادوا كل عام على أقل تقدير، وبحضور الناشئة خصوصاً، للتناصح والتذكير والتوجيه والتشجيع والتسديد والتقويم.

والتأكيد على الشباب الجدد المقبلين على المشاركة في إصدار الأشرطة أو الفرق الإنشادية أن لا يستعجلوا في مثل هذه الأمور، وأن لا يستسهلوها فالأمر جد صعب ومخيف، وأن يقبلوا على الموجه والمرشد والمجرب الحكيم.

راجياً من الله تعالى للجميع التوفيق والسداد، لرفع راية الحق، ونشر الصورة المشرقة الرائعة الصحيحة للإسلام.


المبحث الثالث: تحوّل بعض المنشدين إلى مغنيين:


يدعو الإسلام دائماً أن يتحرى المسلم الحقيقة، وأن يبحث عن الدليل، وينصت ويناقش أهل العلم الموثوقين، لكنه يمانع التقليد الأعمى، وتتبع ما تمليه النفس والأهواء.

فإن بعضاً من المنشدين - هداهم الله - لا يستند لأفعاله بحجة شرعية إلا أن فلاناً أو آخر أباح ما يقوم به، ولو ناقشته وحاججته بالدليل لسكت وما أجاب، واكتفى بتلقيه الفتوى من غيره، أياً كان هذا الغير!
وهنا يكمن الخطر، فنحن لا نحصر الرأي الفقهي، ولا نقول أنه لا خلاف في بعض المسائل، إلا أن الواقع الذي نعرفه يتجاوز الحد، والفتيا ينبغي أن تُبنى مع الدليل على معرفة الواقع والنظر للمآلات.

فقد بدأ بعض المنشدين - هداهم الله - بعد تلقي فتوى سماع الموسيقى، إلى دخول صالات العرض السينمائي المختلط، ومشاهدة قنوات الطرب، بحجة سماع الأنغام والألحان، وتتبع أين "الأكشن"؟!، وثمَّ حلقوا لحاهم وأطالوا ثيابهم، وأتوك بعدئذ ليقولوا: نحن صرنا مغنيين لا منشدين، ولكننا مغنيين أصحاب رسالة!

وهذا الذي نسمع عنه ونراه تَحوّلٌ في الرسالة الفنية والشخصية الإسلامية، وليس هو مجرد تبادل أدوار.

فدين الإسلام دين شامل، ولأتباعه خصوصيتهم وسمتهم.

ولا يعني بالضرورة أن وجود منشد ذي ثوب طويل، ومن غير لحية أن شخصيته غير إسلامية، أعوذ بالله من ذلك. إذ إني أُقدِّر ظروف البيئات، ومواقع الحاجة والضرورة المأذون بها شرعاً.

ولكني أقصد تلك الخطوة غير المحمودة، التي تخرج الفن الإنشادي عن دوره، إذ إني لا أتخيل الجمهور الإسلامي سيقبل من المنشدين بيانو وقيثار وعود على خشبة المسرح، أما غيرهم فنعم، فلو كانوا مغنيين لكان هذا لهم وأمرهم إلى الله بما سيعرضونه.

وإنني أنصح هؤلاء الإخوة - وهم قلة - أن يعيدوا النظر في هذا الأمر، ويتعرفوا على حقيقة جمهورهم، وينتبهوا لمداخل الشيطان عليهم، سائلاً الله لنا ولهم الهداية والتوفيق.



المبحث الرابع: الاستفادة من المغنيين والملحنين:


الإسلام يسع الجميع ممن أقر بالأركان الخمسة، ومع ذلك فإنه يدعو لنشدان الكمالات -قدر المستطاع - في الواجبات والمستحبات، في الظاهر والباطن.

وفي دعوة الإسلام الرفق والتسامح والأمر بالمعروف، وفيها كذلك النهي عن المنكر وهجران المبتدع والفاسق في أحوال.

فعند بعض المغنيين (المطربين) خير كثير في فعل المعروف، وعندهم علم متميز في أصول المهنة الغنائية، ومثلهم الملحنون.

فالاستفادة منهم، والسماع لتجاربهم الحياتية لا حرج فيه، بشرط أن يكون الأمر متعلقاً بما هو مفيد، ضمن الأطر الشرعية، في السماع أو التطبيق.

ومما ينبغي التنبه له عدم فتح الباب على مصراعيه لهذا الأمر، لأن للنشيد الإسلامي رونقه وذوقه الخاص، الذي قد يصعب على بعض ملحني الغناء فهمه وتطبيقه!. فلماذا يتم النزول إليهم ونحن أصحاب الصنعة الإنشادية؟!



المبحث الخامس: الرقص المصاحب للإنشاد للرجال:

يتخوف البعض من ذكر لفظة "الرقص"؛ وذلك للأثر السلبي الذي أفرزته القنوات الفضائية الهابطة. وإن كان لفظ الرقص ورد ذكره في موضع الإباحة في حديث الرسول الكريم \.

فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبيه، لأنظر إلى زَفْنِ الحبشة، حتى كنت التي مللت فانصرفت عنهم، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أُرْسلت بحنفية سمحة". [رواه أحمد (6/116) بسند حسن].

قال الزمخشري: "الزَفْن: الرقص وأصله الدفع الشديد والركل بالأرجل". [الفائق في غريب الحديث (2/112)]

كما ثبت أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حَجَل في محضر النبي صلى الله عليه وسلم في مقام فرح وسرور. [أخرجه أحمد برقم: (857) وهو حديث حسن].

والحَجَلُ: أن يرفع رجلاً ويقفز على الأخرى من الفرح ، وقد يكون بالرجلين إلا أنه قفز.[النهاية في غريب الحديث(1/899)].

والشاهد:
أن اعتبار اللعب المباح في الوقت المناسب هو من سماحة الدين الإسلامي، وإظهاره مما دعت إليه الشريعة ليعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة، بل لأثره في توازن النفس البشرية، ولتعميق مفهوم العبادة بصورتها الصحيحة، ليعلم المسلمون كذلك أن في دينهم فسحة حتى في أوقات أداء أركان الإسلام، وأنه لا حرج عليهم في إظهار ما يسرهم ويفرحهم.

فعن عائشة رضي الله عنها: "أن أبا بكر دخل عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم عندها، يوم فطرٍ أو أضحى، وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصار يوم بُعاث، فقال أبو بكر رضي الله عنه : مزمار الشيطان؟ مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعهما يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً، وإن عيدنا هذا اليوم". [رواه البخاري برقم: 3716]. وفي رواية أحمد: تضربان بدفين، فنهرهما أبو بكر. [رواه أحمد (6/134) بسند صحيح].

وحال كلمة الرقص ككلمة الغناء، التي صارت رمزاً اليوم لما هو مبتذل وموجّه للعاطفة الجامحة، والخلوات المريبة، وإن كان أصلها شرعياً، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قوله: "أرسلتم معها من يغني". [رواه ابن ماجه برقم: (1900) وهو حديث حسن بشواهده]. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: "وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصار يوم بُعاث - وهو يوم قُتل فيه صناديد الأوس والخزرج في الجاهلية -". [رواه أحمد (6/134) بسند صحيح].

إلا أن المهم هنا، هو معرفة دلالة الألفاظ كما يقول الأصوليون.

أما عن مسألة الرقص:
فقد بينا ورود اللفظ الموحي للمعنى. ولا بد أن نوضح أن رقص الرجال المقصود به هنا هو حركة البدن باللعب، مع حمل شيء أو من غيره، وفي وقت يناسب الحال، وبالضوابط التالية:

1) أن يكون الرقص والذي هو حركة البدن مؤدى بطريقة مقبولة عرفاً كبعض ما يجري في أهازيج القبائل والأرياف، أو الرقص البطولي بالحِراب والسيوف.

2) وبطريقة غير مهيجة، أو مستنكرة.

3) وليس فيها تقليد للفاتنين اللاهين، أو الفاسقين والكافرين.

4) وبلباس محتشم، لا إثارة فيه، ولا تنكشف معه عورة.

5) وأن تكون بكلام محمود.

6) وفي وقت محدود ومناسب.

فإن خرجت عن هذه الأطر مُنعت، وصارت من الميوعة وقلة المروءة، وفساد الطبع والهوية، والانحراف عن هدى الله.


المبحث السادس: وقت سماع الأناشيد:

مسألة السماع تعود ابتداءً إلى حاجة فطرية نفسية، وهذا أمر مهم في التصور. وهذا يعني تعلقها بحالة
النفس البشرية السوية المتزنة وما تمرّ به من ظروف.

فقد يتعرض الإنسان لمحن مختلفة كالغربة والتضييق، فيستمع في ساعة أو اثنتين إلى أناشيد عن الحنين والغربة، فتتجاوب نفسه معها مباشرة، وتلتقط أذنه تلك العبارات، وخاصة إن كانت بالمقامات الأصيلة المناسبة.

فسماعه هذا الوقت ليس غفلة أو ضياعاً للوقت، بل هو تجاوب إنساني فطري محمود مع متطلبات النفس البشرية، المخلوقة في كبد!

حتى إن حالات سماع النبي صلى الله عليه وسلم للشعر متفاوتة، فقد سمع في مجلس لعشرات الأبيات الشعرية، وفي آخر إلى مئة، حتى كان يقول لبعضهم: هِيْه! - أي: زدني -. [أخرجه أحمد في المسند (4/390) بسند صحيح على شرط مسلم].

وقد ورد عن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم تغنيهم بالغناء المباح في أوقات مختلفة، ومن ذلك:

عن وهب بن كيسان، قال: قال عبدالله بن الزبير، وكان متكئاً: تَغنَّى بلال، قال: فقال له رجل: تُغني؟ فاستوى جالساً، ثم قال: وأيُّ رجلٍ من المهاجرين لم أسمعه يتغنى النَّصْبَ؟ - والنصب كلمات ملحنة كالأهازيج الشعبية -. وفي لفظ: ما أعلم رجلاً من المهاجرين إلا قد سمعته يترنم. [أخرجه البيهقي (10/225) بسند صحيح].

وروى عبدالرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة، قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب في الحج الأكبر، حتى إذا كنا بالروحاء، كلَّم القوم ربَاحَ بن المُغْتَرِف، وكانَ حسنَ الصوت بغناء العرب، فقالوا: أسمعنا يا رباح، وقصِّر عنا المسير، قال: إني أَفْرَقُ من عمر، فكلم القوم عمر، فقالوا: إنا كلمنا رابحاً يُسمعنا ويُقصِّر عنا المسير، فأبى إلا أن تأذن له، فقال: يا رباح، أسمعهم، وقصِّر عنهم المسير، فإذا أسْحَرْتَ فأرفع. قال: وحدا لهم من شعر ضِرار بن الخطاب، فرفع عقيرته يتغنى وهم محرمون. [ذكره ابن حجر في الإصابة (3/250) وهو أثر حسن].

و(رفع عقيرته) تقولها العرب لمن رفع بالغناء صوته.

وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب، قال: سمع عمر رجلاً يتغنى بفلاة من الأرض (وفي رواية: وهو يحدوا بغناء الركبان)، فقال: الغناء من زاد الراكب. [أخرجه البيهقي (10/68) بسند حسن].

وعن محمد بن عبدالله بن نوفل: أنه رأى أسامة بن زيد في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مضطجعاً، رافعاً إحدى رجليه على الأخرى، يتغنى النَصْبَ. [أخرجه ابن عبدالبر في التمهيد (22/224) بإسناد صحيح].

فالأصل في سماع الأناشيد أنه ليس لها وقت بداية معينة، أو نهاية محدودة؛ لأن الأمر يعود إلى رغبة المستمع للسماع، وما تمليه عليه نفسه السويّة وما تسمح به أوقاته بعد أداء واجباته التي فرضها الله من صلوات وقيام بحقوق عمله وبيته وغير ذلك. فلا حرج حينئذ أن يسمع للنشيد يومياً ولو ساعة من أربع وعشرين ساعة.

وثمة أمر آخر وهو أن السماع من النفس السوية لا يتجاوز حدّه، وخاصة للشباب الذين رتبوا أوقاتهم ما بين دراسة ومذاكرة وحضور حلقة قرآنية في مسجد إلى بعض اللهو والمتعة المباحة.

وأعجب من بعض الفضلاء، الذين يستكثرون على بعض الشباب سماعهم للنشيد يومياً لمدة ساعة في زمن الفتن والإغراءات واللهو المفتوح، وقد أدّوا ما عليهم من صلوات مفروضة، ونوافل عبادية، وسنن مهجورة، كالرباط في المسجد بين المغرب والعشاء.

وهؤلاء الفضلاء يتمتعون مع أهليهم وزوجاتهم ساعات وساعات!!

إنه ما كان الرفق والتوازن إلا كان البناء سليماً، ولا فُقد أحدهما إلا كان الانحياز للنقيض، والانحدار نحو الهاوية!

وفي الوقت نفسه، فإن فتح باب السماع للأناشيد بشكل مفرط ساعات وساعات يومياً، مع غفلة عن العبادات، وكثرة السؤال عن حال المنشدين في كل البلدان، مع تتبع لها بشكل ملحوظ يعتبر مأخذاً سيئاً،
وخروجاً عن هدف النشيد من الإمتاع والتأمل، وشحذ الهمم نحو الغايات والقيم السامية النبيلة.

وثمة فرق بين من يحترف الإنشاد كمهنة مباحة قد تأخذ وقتاً من يومه كبقية المهن المباحة مع أداءِ الواجبات، والتنبه لما قد يطرأ على القلب من تغيرّ، وبين الاستماع الطويل للنشيد وفي كل الأوقات من غيرهم، وهؤلاء نذكرهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعراً". [رواه البخاري (5/2279)].

والمراد بـ: (جوف) القلب. (قيحا) هو الصديد الذي يسيل من الدمل والجرح أو هو الأبيض الخاثر الذي لا يخالطه دم. (يمتلئ شعرا) هو كناية عن انشغاله بقول الشعر المباح وروايته وإنشاده بحيث لا يتفرغ لسواه.

ويأتي دور المربي والقدوة هنا: ليربي النشء على مسألة التوازن في ما تمليه النفس من مطالب.

ولعمرو الله إن دور المربي القدوة في هذا الزمان لهو قطب الرحى في تحقيق توازن الناشئة في كل أمور
حياتهم.

فلا الإغلاق والتعنّت وتجاهل وضع الشباب في هذا الزمان حل صحيح، ولا الانفلات وترك الباب مفتوحاً لساعات طويلة في الرحلات والسيارات والحفلات والجلسات حل صحيح.

وهنا نخلص إلى أن غاية سماع النشيد يعود لأمرين:

أحدهما: السماع للإمتاع المباح.

ثانيهما: شحذ النفس نحو القيم والغايات السامية النبيلة. فليس شرطاً أن لا يستمع المرء إلا لأنشودة بطولية أو اجتماعية، بل يمكن أن يستمع لأنشودة عن الطير والبحر والنخل، لعذوبة كلماتها، وجمال صوت مؤديها.

وسماع الصوت الحسن مذهب نبوي أصيل، كما في اختيار بلال للأذان؛ لأنه أندى صوتاً من غيره، وفي سماعه القرآن من أبي موسى الأشعري؛ لأنه أوتي مزماراً من مزامير آل داود.

ولذا علينا أن ندرك أن أذواق السماع تختلف،ولكن الخروج عن أركان الإنشاد من الكلمات والألحان والأصوات المتناسقة لا يختلف عليه إنسان سوي!



المبحث السابع: مراعاة حال السامعين:

سماع النشيد كأمر مباح هو كأنواع الطعام.
فكما أن لكل إنسانٍ اختياره وذوقه فيما يحب من طعام، فكذلك لكلِّ إنسان اختياره وذوقه فيما يحب من سماع.

فإذا كانت ألوان النشيد مختلفة، فإن لكل إنسان وجيل ما يحبه ويجد فيه سلوته وتحفيزه.

فللنشيد القديم جمهوره، وللنشيد المعاصر جمهوره كذلك، مادام أنه مؤدّى بشكله الصحيح.

ومما ينبغي مراعاته أثناء السماع حال المستمعين في قناعاتهم الشرعية المختلفة. فهناك من يرى سماع الدف، وآخرون لا يرون ذلك، والأمر يتعلق كذلك بالإيقاعات وأمثالها.

كما أن هناك من لا يرغب سماع النشيد بالدف والإيقاع لا لحرمته الشرعية، بل لأنه يذكّره بالأغاني القديمة، ويهيّجه نحو ما لا يرغب ولا يحب.

وهنا نضع قاعدة أصلية مهمة:

في الاجتماع يحسن الاتفاق، وفي الوحدة يحسن الاختيار.

فإذا اجتمع قوم في مجلس ما، أو حفل عرس، أو رحلة، وفيهم ولو 1% لا يحب السماع لأناشيد الدف مثلاً، وفي بيئة ليس فيها هذا اللون من الإنشاد فلا ينبغي فرضه على المجموعة الملتقية أو على بعض الأفراد مطلقاً. وأما إن وافق الجميع على السماع فلا حرج حينئذ.

وفي خاصة الإنسان مع نفسه، أو مع رفقة معينة، يحسن لهم أن يختاروا اللون الذي يريدونه دونما حرج.

وبهذا الأسلوب نحترم آراء الناس واختياراتهم الذوقية، في المجامع والمحافل العامة، التي يشاركون فيها.

ويعجبني الإعلان المبكر لبعض الحفلات أو الملتقيات أو الإصدارات عن نوعية ولون الأناشيد المعروضة، وما كان فيها بالإيقاع أو الدف أو غيره. فيكون للمستمع حرية الاختيار، وللإدارة أو الفرقة القائمة بالعمل حرية العرض لمن شاء.


المبحث الثامن: تعلّم المقامات:



كل إنسان ينطق بلحن كالترتيل أو الترنم فله مقام معين يؤدي به.

فالمقامات المشهورة هي علم يدرس طبقة الأصوات، وما يناسبها في فن الإنشاد.

فلكل مقام صفات معينة، وله ما يناسبه من حال.

فمقام "الصَبَا، مثلاً يناسب الأناشيد الهادئة؛ لأنه مقام يضرب على وتر الحزن والمشاعر، وبالتالي فإن أداء الأنشودة التي تحمل طابع الحنان والوداد يناسبها مثل هذا المقام، وهكذا.

وهذا العلم علم جميل لو وجّه أربابه توجيهاً حسناً.

وتعلّمه أمر جيد وخاصة لأصحاب الأصوات الجميلة، سواء أكانوا منشدين أو حتى قرّاء لكتاب الله.
فليس هذا علم موسيقي، ولا بدعة شرعية، وإلا لكان أصل كلام الإنسان وقراءته بدعة!!


المبحث التاسع: نشيد النساء:



يتبع المسلم شرع الله بما ثبت في كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شؤونه، ويتنبه بشكل خاص للقضايا التي يراد منها إشغال الناس عن الطاعة وإيقاعهم في الفتنة، كما في قضية المرأة، فلا فتح باب الرذيلة مقبول، ولا سدُّ باب الخير لتأدية دورها بالصورة الشرعية مقبول، وفيما يلي مجمل المسائل المتعلقة بنشيد النساء وما يلحق به:

أ ) نشيد النساء للنساء:
وهذا أمر مباح، لما ثبت في عدة أحاديث من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، ومنها أمره لعائشة بالمشاركة في عرس الأنصاريات، وغيرهن مما بيناه في بداية الفصل الفقهي.

وهنا يجدر التنويه على إعداد بعض المسلمات الفضليات الموهوبات بحسن الصوت، والمحتاجات للمهنة، والواعيات لقيمة الكلمة الطيبة ودورها في حياة الناس، إلى تكوين المجموعات الإنشادية الهادفة، ولا مانع أن تكون مهنة، في حفلات النساء كالزواج والأعياد ومناسبات التخرج، والقضايا المهمة.

فإن بعض المناسبات الشرعية من الهدي النبوي إحياؤها بالإنشاد الحسن الجميل. ونحن في زمن يجب حفظ المجتمع فيه من مخاطر الانفلات الأخلاقي عبر الأغاني السيئة، والبرامج الفنية الهابطة.

وقد يستغرب البعض من تحرك فتيات صالحات لإيجاد البديل في أعراس المسلمين، ولا يستغرب من عملهن في مؤسسات أو عامة أو خاصة!
وخاصة إذا تنبه إلى أن حرفة الغناء المباح كانت معروفة عند بعض النساء في الزمن النبوي. كما في الحديثين الصحيحين السابقين: "وعندها قينتان تغنيان" و" هذه قينة - أي مغنية - فلان تحبين أن تغنيكِ؟"


ومن باب الإحكام لعمل المرأة في الفرقة الإنشادية لأخواتها المسلمات في حفلات الأعراس وأمثالها، فإنني أضع هذه الضوابط:

1- أن يكون عمل المرأة المنشدة مقتصراً على النساء فقط.

2- أن يتم التركيز على الحفلات والمناسبات الثابتة المعروفة كحفلات الزواج والأعياد، أو قضايا الأمة الكبيرة، وفي أوقات محدودة.

3- المحافظة على الكلام العفيف، واللحن الجميل المناسب لأذواق وأعراف المجتمع.

4- الاحتشام في اللباس، والأداء.

5- التفنن المناسب للصوت، والأداء المراعي لحال النساء، ونوعية المناسبة.

6- الانضباط في الوقت.

7- التنقل في الذهاب والإياب بالصورة الشرعية.

8- التحرز من التصوير والتسجيل الصوتي المؤدي للانفلات والعواقب السيئة.

9- مراعاة أدب الاستئذان ممن هي تحت ولايته.

10- التوازن بين متطلبات الحياة المختلفة، وحقوقها المتنوعة.

ب ) نشيد النساء للرجال:
وأما عن نشيد المرأة في حضرة الرجال فهو محظور شرعاً، لاعتبارات عدة:

1- أن صوت المرأة المنشدة ليس كصوتها الاعتيادي، وما ينتج عنه من تحسين وتغنّج لا يباح للرجال الأجانب.

2- ما تمليه الأنشودة من تفاعل وتحرك، لا يجوز للرجال النظر والتمعّن فيه.

3- إخراج المرأة عن مكانها الصحيح، والعبث بدورها ورسالتها الرائعة السوية.

وإنشاد المرأة للرجال يشمل أداءها للأنشودة مفرداً أو ضمن مجموعة "كورال".


ج ) سماع النساء صوت الرجال:
ولطالما أن المبحث في نشيد المرأة، رأيت وضع هذه المسألة في هذا الموضع.

فإن المتفق عليه ورود بعض الأحاديث في سماع النساء أصوات الرجال، ومن ذلك:
سماع بعض أمهات المؤمنين رضي الله عنهن صوت أنجشة الجميل، حتى قال له : "رفقاً بالقوارير يا أنجشة" [رواه مسلم (4/1811)].

وهنا نكرر مرة أخرى قضية التوازن، وضبط المسائل، وترشيد المسيرة الفنية بالصورة الصحيحة.

لذا أود التنويه إلى ضوابط ينبغي مراعاتها في مسألة سماع المرأة لنشيد الرجل، سواء ما كان منه في الأشرطة، أو في الحفلات الإنشادية:

1- استشعار طبيعة المرأة الأنثوية التي تحافظ على حيائها، فلا تنشغل بمتابعات المنشدين وكلماتهم وصورهم وأرقامهم.

2- الانهماك في البرامج النسائية المفيدة لها ولمجتمعها بشكل أكبر، حتى لا تقع في مشكلة الفراغ والهوى العاطفي.

3- عدم التركيز على صورة المنشد بشكل واضح أثناء النقل التلفزيوني عبر الشاشات للنساء في الحفلات الإنشادية.

4- فصل قسم النساء عن الرجال تماماً في الحفلات الإنشادية، مع الإدارة الحازمة في القسمين، لضمان عدم الخروج عن المألوف في الحركات أو الأصوات أو التصرفات.

الفصل الخامس: إنشاء الفرق الإنشادية:

خلق الله في الناس مواهب شتى، فمن الناس من كان رزقه في حركة رجله، ومنهم كان رزقه في حركة يده، ومنهم كان رزقه في حركة فمه.

وإذا كان الأمر كذلك فإن استخدام هذه الموهبة الرائعة فيما ينفع المسلمين أمر حسن صالح.

المبحث الأول: نظرة تأصيلية للمشاركة الإنشادية:ومن ذلك:

ما ثبت في صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشارك الصحابة في كلامهم ورجزهم وكان يقول: (أبينا) يمدها ويرفع بها صوته صلى الله عليه وسلم. وذلك في رجز ابن رواحه والذي كان يقول فيه:
والله لو الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
إن أولاء قد بغوا علينا إن يطلبوا خطة أبينا

وكذلك في بناء المسجد وفي حفر الخندق كان الصحابة ينشدون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا

وكان هو يقول عليه الصلاة والسلام:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة

[وانظر إلى روايات هذه المشاركة عند البخاري في صحيحه (4/1506)].

وكذلك ما جاء في صحيح مسلم أنه قال لأنجشة: "رفقاً بالقوارير". [رواه مسلم (4/1811)]. حيث كان أنجشة رضي الله عنه ذا صوتٍ جميل. والإمام النووي عليه رحمة الله في شرحه على صحيح مسلم يقول: القوارير هم النساء. وصف النساء بالقوارير لرقتهن.

ونلاحظ من الحديث :
1. أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع أنجشة من أن يكمل غناءه المؤثر.

2. جواز إنشاد حسن الصوت، ولو كان لإنشاده بعض التأثير على المستمعين.

3. جواز سماع النساء للنشيد المؤدى من الرجال.

4. تحفيز النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة لإبراز مواهبهم.

5. مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم حال النشيد بشكل معتدل، لا يمنع الموهبة ، ولا يؤثر في السلوك.

وكذلك حديث خيبر أن عامر ابن الأكوع حين حدا بصوته الجميل حرك الإبل حتى أن الإبل تأثرت من صوته الجميل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هذا غفر الله له - وفي رواية: يرحمه الله -، فقال عمر: ألا أمتعتنا به ؟. [صحيح ابن حبان (9/232) بسند صحيح].

والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال لأَحَدٍ في غزوة (غفر الله له) عُلِمَ أنه سيستشهد في سبيل الله.

وعن أبي محذورة، قال: لمَّا خرج رسول من حنين خرجت عاشر عشرة من أهل مكة نطلبهم، فسمعناهم يؤذنون بالصلاة، فقمنا نؤذن نستهزئ بهم، فقال رسول الله : "قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت"، فأرسل إلينا، فأذَّنا رَجُلٌ رَجُلٌ، وكنت آخرهم، فقال حين أذنت: "تعال"، فأجلسني بين يديه، فمسح على ناصيتي وبرَّك عليَّ ثلاث مرات، ثم قال: "اذهب فأذن عند البيت الحرام". [رواه النسائي برقم: (336) وهو حديث حسن].

وقد تبين من الأحاديث السابقة رعاية أصحاب المواهب الصوتية الندية وتوجيههم نحو ما يخدم الإسلام.

وهذا النشيد لا شك أنه محرك للنفوس على العمل، ومعين أحيانا في بعض المواقف كما في قصة الخندق وبناء المسجد وغيرها. لطالما أنه رعُي فيه الضوابط الشرعية وهي:

1. أن لا يكون مصحوباً بالآلات التي ذكر العلماء والمحدثون تحريمها.
2. أن لا يكون فيه كلام فاحش أو غير شرعي.
3. أن لا يكون مشغلاً عما هو أهم.

وبالتالي فإن حكم النشيد يختلف:

فإنه يستحب سماعه في مواضع كالعرس والجهاد، ويباح عموماً.

فإن كان دالاً على الخير، مرغباً في الفضيلة، ناهياً عن الشر، رافعاً للسآمة ،فهو من وسائل الدعوة إلى
الله الثابتة بالدليل. وسامعها بهذه النية مأجور إن شاء الله،طالما كان سماعه وفقاً للضوابط المذكورة آنفاً.
وبالتالي فإن إنشاء الفرق الإنشادية كمهنة عمل صالح مبرور، لطالما حققت الغايات النبيلة للإنشاد.

وإدارة الفرق الإنشادية لها أصولها وضوابطها. ولست بحاجة إلى التفصيل فيها؛ لأنه قد أجاد وأفاد في توضيح فقرات هذا الموضوع أخي الأستاذ القدير: محمد أبو راتب، في كتابه المعنون بـ "إدارة الفرق الإنشادية أصولها وضوابطها" ضمن إصدارات رابطة الفن الإسلامي العالمية. ينبغي الرجوع إليه للمهتمين بهذا الموضوع.

وإتماماً لموضوع أخي أبي راتب القيّم أحببت التنويه والإضافة إلى بعض المفاهيم والضوابط المهمة لإدارة الفرق الإنشادية، وهي:

1- الانطلاق من قيم ومسلّمات المسلمين. فلا أرى شرعاً الخوض في الأناشيد التي تثير خلافاً بين المسلمين، وتؤدي إلى ردّات فعل تفرّق ولا تجمّع، وتثير الأحقاد والضغائن. ومن هنا يحسن استشارة أهل العلم الواعين، ليختاروا ويصوغوا الكلمات التي يقبلها الشرع، ولا تجنح نحو إثارة الخلافات والحساسيات بين المسلمين.

2- خطورة إعلاء شأن القصائد العامية، ورفع أصحابها مهما بلغت كتاباتهم من رقة وحسن مقصد. فإن الإشادة بالأناشيد العامية عموماً، والاستمرار في تثبيتها، تهور في مستقبل الأنشودة الإسلامية، وتغييب لهويتها.

نعم، إن بعض الأناشيد العامية، المصاغة الملحّنة، في بعض البلدان لها أثرها البالغ في نفوس المستمعين. لذا يمكن خلط آحادها ضمن القصائد العربية الغالية. ولكن الفوضى في استكتاب أهل العامية للأنشودة الإسلامية، تحمّل لوزر هجر لغة القرآن!

وقد أحسن أستاذنا القدير: سليم عبدالقادر زنجير، في بحثه القيّم الذي نشرته رابطة الفن الإسلامي العالمية في مؤتمرها الثاني، عندما تعرّض لهذه المسألة قائلاً: "الكلمة هي التي تحمل الفكر، وتخلف الأثر، وهي
الأصل والأساس في أي أنشودة، ثم يأتي اللحن الجميل، والصوت الندي، فيحملان الكلمات إلى آفاق أبعد.

من هنا كان على الإخوة المنشدين أن يختاروا كلماتهم بدقة وإتقان، وأن يحاولوا قدر الإمكان تقديم أناشيد تتميز كلماتها بإبداع الصنعة، وسمو المضمون، إما بالاعتماد على أنفسهم أو باستشارة من يرونه أهلاً لذلك. فإذا كان النص ضعيفاً من الناحية الفنية، انعكس ذلك على الأنشودة، مهما كان مضمونها سامياً،

وأسوأ من ذلك أن يكون النص مسبوكاً سبكاً لغوياً جيداً، لكنه يحمل مضموناً ذا أثر سلبي.

وقد قلنا إن الفرق بين النشيد الذي نريده، وبعض الأغاني التي نرفضها، يكمن في الأثر النهائي في نفس المتلقي. وإذا كنا نرفض أغنيات تعج بها الفضائيات، لأثرها السيئ على الأخلاق، فينبغي علينا أن نكون حذرين من أناشيد ظاهرها إسلامي، وباطنها دعوة إلى الكراهية أو التعصب أو العنف، أو ما شئت من سلبيات.

ولا يجوز للعنوان الديني أن يكون شافعاً للمضمون السلبي، بغض النظر عن نية صاحبه وفضله.
في الشكل أيضاً.

وهنا أمران هامان لابد من الحديث عنهما:
الأول: التزام الفصحى.
الثاني: النص المكتوب كأنشودة.

أما التزام الفصحى فلأنها لغة القرآن، ولغة الناطقين بالعربية، وهي الأكثر انتشاراً وتأثيراً. أنا أقول بصراحة بأن اللهجات المحلية تبقى محلية، مهما حاول البعض أن ينفخ فيها. ليس من اليسير على الشامي أن يفهم لهجة المغربي أو اليمني، والعكس صحيح. لكن الجميع يفهمون الفصحى، لا سيما ونحن

اليوم أمام نهضة تعليمية شاملة، وقد أصبح الطلاب يقرؤون الأدب الجاهلي في الصف الأول الثانوي.
وأما النص المكتوب للنشيد فهو ما يحتاجه المنشدون، الذين يبحثون عن الكلمات هنا وهناك، في بطون الكتب وصفحات المجلات والجرائد وعند بعض الأحباب والأصحاب، ذلك أن نص النشيد له صفات خاصة، منها السهولة بجانب العمق، والموسيقى، والبحور القصيرة، أو المجزوءة، وتنوع القوافي، ومعالجة الفكرة في عدد محدد من الأبيات، ومنها أن تقول ما ينبغي أن يقال. فالشاعر قد يكتب نصاً وهو في حالة

ضعف أو انكسار. وهذه النصوص لا تصلح للنشيد.
النشيد يجب أن يفتح أبواب الأمل، حتى من قلب المآسي. النشيد يجب أن يحمل البشريات الجميلة، و يروح عن النفس ما تعانيه من هموم وأشجان.

لكن أين كتاب الأناشيد؟!

هناك الكثير جداً من الشعراء الذين يكتبون القصائد وينشرونها أو لا ينشرونها، وأنا أتمنى أن يعطي هؤلاء الأفاضل جزءاً من أوقاتهم ومواهبهم لكتابة الأناشيد، فهي أكثر انتشاراً وتأثيراً لأصحاب الرسالة ولطلاب الشهرة على السواء. ومعروف، أنه في عالم الطرب والغناء، هناك شعراء تفرغوا بالكامل لكتابة الأغنية، أسماؤهم معروفة، وإذا أردنا للنشيد الإسلامي أن يتطور، فلا بد من استنهاض همم شعرائنا الموهوبين للإسهام في هذا المجال.

يبقى سؤال: هل تطور الكلمات يؤدي إلى تطور الألحان؟

أميل إلى الإجابة بنعم. ذلك أننا كلَّما نوعنا في الموضوعات، والبحور الشعرية، كلما أعطينا الفرصة للملحنين أن يلوِّنوا في ألحانهم، فلو أنَّ ملحناً دأب على تقديم ألحان الحماسة، فإني أرجح أن تكون الألحان متشابهة متقاربة، أما حين يخرج إلى نصوص في وصف جمال الحياة، أو نص يتحدث عن الأم، أو أي موضوع إنساني، فإنه سيدخل إلى العمل بروح أخرى، مما ينعكس على اللحن بالتأكيد.

ثم لو أن الملحن تناول نصين في الموضوع نفسه، من بحرين مختلفين، لاختلفت النتيجة. إن الكلمات الجميلة إن لم تُلحِن نفسها بنفسها، فإنها، ولا ريب، ستدخل بالملحن إلى أجوائها الجميلة، المحفزة على التجديد والابتكار".

3- التفريق بين عمل المهنة وعمل الموهبة:

فبعض الفرق لم تزل في تناقض مستمر، فأحياناً تتعامل وكأنها مؤسسة مهنية مستقلة، وذات شخصية اعتبارية، لها إدارتها، وطريقة أداء أناشيدها.

فإذا ما جدّ الجد، وبدأ العمل، فترى أنك أمام مجموعة مهتمين بالإنشاد، لا أصحاب صنعة!
فتأصيل عمل الفرق قانونياً أمر حسن، ولكن المعاملة الفنية شأن آخر.

فينبغي ألا يصعد على المسرح إلا من عرف الطريقة.

فالمنشد المبتدئ، والفرقة الصاعدة، أو المنشد المهتمّ، والفرق المتحمّسة، لا يستوون مع منشد مَلَكَ الكلمة واللحنَ والمسرحَ والجمهور، مع رقة تتحكم بمشاعر السامعين وتأخذ بمجامع قلوبهم!
ومن هنا فلا بد أن تكون الحسابات صحيحة. فقد تَحْسِبُ فرقة نفسها سيدة المسرح، ولكنّ تقويمها الفني لدى الخبراء والناقدين والجمهور يكون ضعيفاً. وهذا ليس عيباً، إنما العيب في وضع الأمر في غير موضعه:

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مُضِرٌّ كوضع السيف في موضع الندى

وبالتالي: فإن الفرقة التي تريد احترام الجمهور لها هي التي تجمع بين الموهبة والإدارة الفائقة.

والفرقة التي تجمع بين صفوفها مواهب إنشادية جيدة، ولكنها لا تُحسن توظيفهم وعرضهم للجمهور بالشكل المناسب، وتدير قراراتها الإدارية والمالية بشكل ارتجالي، أو غرور مالي فإنها - تخسر أكثر مما تربح.

4- القفز على المراحل:

وهذا يكون في إظهار الفرقة بشكل سريع ، أو أثناء أداء أعمالها الفنية، أو خوضها في الخلافات الفقهية، وعدم مراعاة الأعراف وطبيعة الجمهور، أو رسم صورة مليئة عن الفرقة وكأنها في العقد الثاني أو الثالث من نشأتها، أو الاتكاء على تراثها واسمها القديم المتآكل أو "الآيل للنسيان"، أو الولوج في صفقات تجارية فنية مستعجلة.

وكل ما سبق صور ونماذج لمجموعات كثيرة وعريقة لفرق إنشادية تترنّح بين فينة وأخرى.

ولذا وجب علينا التناصح والتشاور للرقي والتطوير لكل فرقة إنشادية، مع إيماننا بعظيم دورهم، ونبل رسالتهم، وجميل صنعهم، وإخلاص نواياهم - إن شاء الله - ولكن كما قيل: نصنع لك المنبر وعليك الصعود. علماً أن البقاء في الأعلى يحتاج إلى جهد، واستمرار تخطيط، وصلاح نية.

وأضع هنا هذه الملحوظات المهمة لتدارك مثل هذه العقبات:
1- مراجعة الدورة المكتوبة والمسجلة لإدارة الفرق الإنشادية التي ألقاها وكتبها أخي الاستاذ: محمد أبو
راتب، لتراكم خبرته، وحسن ترتيبه وعرضه.

2- إنشاء فريق يسمّى "أصدقاء الفرقة" لتقويم عمل ومسيرة الفرقة، الشرعي، والفني والمالي، كلٌ في
تخصصه.

3- التعلم ثم التعلم ثم التعلم لأصول هذه المهنة التي تقتضي التواضع، والتواصل والتفاعل مع أهل المعرفة والخبرة.

تنبيه مهم حول آلية تجميع أفراد الفرقة:
يغلب على الفرق الإنشادية أنها فرق تجمع أفراداً طيبين، ومن بيئات محافظة.

ومع تطور الزمان أصبح للإنشاد جمهوره العريض من الرجال والنساء والصغار والكبار، بل من قادة وساسة الدول! وبما أن بعض عمل الفرق الإنشادية أصبح مهنياً، فإن إغراء الناشئة بهذا الأمر المحبب للنفوس صار بحاجة إلى تذكيرٍ ببعض المفاهيم، وتحذير من بعض التصرفات، ومنها:

1- خطورة إخراج بعض الناشئة من محاضن التربية كالمساجد ودور التعليم، للمشاركة في الفرق الإنشادية، دون وضعهم في برنامج آخر يحافظ على تشكيل سلوكهم، وهدوئهم، وسمتهم، وكريم أخلاقهم، وأداء واجباتهم الشرعية، بطريقة صحيحة منتظمة.

2- العجلة غير المحمودة في توجيه بعض الناشئة لاستغلال مواهبهم في الإنشاد المسرحي بشكل سريع، بحجة تطويرهم، وإعدادهم مستقبلاً لأداء رسالة الفن الإسلامي.

وهذا الكلام يمكن أن يكون سليماً لو وجد المكان المهيأ للجيل الذي يملك هذه الموهبة، ويحسن تطويرها وتوظيفها منذ البداية. أما في حالة عدم وجودها فإن التدرج المرحلي العملي الجيد المدروس هو المطلوب.

3- الانزلاق وراء ظاهرة الكتابات الضعيفة للفرقة من قبل بعض أرباب الفرق وخاصة الناشئة منهم. فهي كلمات تبدأ بفكرة، لا ببيت من الشعر! وتنتهي أحرف تلك الكلمات المرصوصة "لا الشعرية" بأحرف ثابتة لا ببيت موزون!!

وغفل هؤلاء، الذين قد يُعذرون أحياناً، أن المنشدين الذين برزوا في ساحة الأمة، هم من وفقوا بمن وقف بجانبهم من الشعراء والأدباء من أرباب اللغة المتمكنين.

الفصل السادس: ضوابط النشيد الإسلامي


كل عمل بشري معرض للخلل والنقص - والكمال لله وحده - ولا يوجد شيء إلا وله ضابط من الشريعة السمحة.

والنشيد الإسلامي كغيره من الأعمال، أحسن في أدائه قوم فنجحوا، وحققوا الرسالة المأمولة، وأخطأ آخرون عن اجتهاد لا عمد، أو عن قلة معرفة وخبرة.

ولذا كان من الواجب توضيح الضوابط العامة التي يمكن الرجوع إليها، عند الحديث عن النشيد الإسلامي وما يلحق به من تطورات.

وقبل ذكر هذه الضوابط أود أن ألفت النظر إلى أن أذواق الناس وبيئاتهم مختلفة، ونظرات العلماء وآراؤهم حيال قضايا الفن الإسلامي عموماً متباينة. ولن نحسم الجدل في هذه المساحة، ولكننا - على أقل تقدير- نؤطر لقضية الضوابط بأطر عامة، تفتح الباب للمبدعين، وتفسح المجال للمهتمين، وتضبط مسيرة المتحمسين، وتؤصل المنهج للمتساهلين، وتراعي حال المبتدئين، وتحفظ الرسالة وتُعمِّقُ الغاية للمنشدين والمهتمين والمتلقين.

والآن إلى بيان هذه الضوابط، والتي شاركني في الإدلاء بها والتعقيب عليها عدد من أهل العلم والتخصص، في عدد من اللقاءات والملتقيات.

1) مراعاة الأصول الشرعية المتفق عليها:
فهناك أصول كلية شرعية عامة لا يختلف عليها أحد، ومنها: مسألة الاختلاط المحرم بين الرجال والنساء المؤدي للريبة والنظرات والأعمال والأقوال المريبة، ومنها الشغل عن طاعة الله، والالتهاء بالفن عموماً والنشيد خصوصاً عن أداء الواجبات الشرعية، ومنها مشاركة المرأة مسرح الرجال، بالإنشاد والأداء الفني المرفوض الداعي للإثارة، والاقتراب من الفتنة.

وهناك مسائل أخرى في دائرة الخلاف الفقهي وخاصة المستجدات منه، ومع هذا ينبغي تمحيصها ومن ثمَّ الوصول للآراء المستندة للقواعد الشرعية، أو الأدلة التي يمكن الاستناد إليها إن وجدت. وأما في حالة بقاء الخلاف المشروع، فيراعى حالة البيئات، مع تقدير آراء الجميع.

والتنبيه الذي نؤكد عليه هو: ضرورة العودة إلى العلماء عند وجود المسائل الخلافية، وحسن الاستماع، والحذر من التسرع، والقفز على المراحل، وعدم مراعاة البيئات، وخسارة الجمهور بكل بساطة!!

2) مراعاة الأصول الفنية المتفق عليها:
لا شك أن العمل الفني عمل متطور، خاصة في هذه المرحلة التي نعيشها، حيث اختزلت بلايين الكلمات في أقل من سنتمتر! فاللهم لك الحمد أولاً وأخراً.

ولكن هذا التطور مع إيجابياته الغالية النافعة، ينبغي أن يُسَخَّر بالشكل الصحيح، وإلاَّ فما الفائدة من هذه الطاقة الهائلة والتقنية الفائقة؟!

والعمل الفني له أصوله،كما للعمل الطبي، والمهني، والتعليمي أصوله، فلا يجوز لأحدهم أن يبغي على الآخر، وينتحل الشخصية، والمتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور.

ومن هنا فإنه ثمة أصول مهنية للعمل الفني أيًّا كان، فلا ينبغي أن يكون الكلام مَخْفيّاً، والإيقاع مُخْفياً لكل شيء!، ولا ينبغي أن تتداخل الأصوات غير المتناغمة على حساب المقامات وطبقات الأصوات، وعلى غير المألوف من الألحان، ليكون الناتج لحناً جديداً، وهو في الحقيقة غريباً!

فلابد أن تؤدي الأنشودة أيًّا كانت بما تقبله الأذن من غير إزعاج، لا في الكلمات، ولا في الألحان، ولا في اللغة!، لأننا أمة الإتقان في كل شيء، ورسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم علمنا "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". [مسند أبي يعلى (7/349)].


ولابد لكل عمل إنشادي أن يمر بعدة مراحل:
أ) مرحلة الاختيار.
ب) مرحلة التصفية.
ج) مرحلة الأداء.
د) مرحلة التقويم.
وهي مراحل متداخلة تلعب فيها الخبرة لعبتها، وللفريق المتعاون المتخصص شهادة براءة مبكرة.

3) مراعاة أعراف المجتمع:
وهذا الضابط مبني على قاعدة فقهية أصيلة وهي (العادة محكَّمة)، أي أن الأمور الاعتيادية، وغير المخالفة للشرع، يُنظر إليها، ويؤخذ بها ضمن التحاكم في المسائل الشرعية.

فكل ما أدى إلى حدوث خلافات، أو نزاعات، أو تجاوزات، أو تحديات لعموم الناس، فهو ممنوع، فحقوق الأخوة واجبة، والطرب مباح، والمفروض مرفوض.

وفي الوقت نفسه، ففي البلدة الواحدة مدن وعادات مختلفة، فما يحسن عرضه في مكان، لا يحسن عرضه في آخر، والعكس بالعكس، مع التنبيه على ضرورة التوضيح للناس بكل ما هو جديد في العرض الفني، تمثيلاً أو سماعاً أو غير ذلك، لأن من سنن الإسلام التدرج، وما يعقل ذلك إلا العالمون.

4) البعد عن الخلافات والإثارات:
هناك هموم ثلاثة، وكل منها يدعو للحزن والقلق، نرجو الله أن يعيننا على تغيير هذا الحال.


- وأول هذه الهموم المؤلمة في العمل الإنشادي: الدخول في المنهيات الشرعية: ومن ذلك على وجه الخصوص، ما يتعلق بجناب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في سؤاله، أو الوقوف عند أعتاب بابه لإظهار الندم، أو الغلو في بعض الصحابة، وأمثال ذلك.


- والهم المؤلم الثاني: إنشاد ما يدعو للخلاف والفرقة:
ومن ذلك توظيف الأناشيد لأعمال وغايات خاصة، يُبتذل فيها النشيد من طرف، ويوغر صدور المستمعين من طرف.

- والهم المؤلم الثالث: أداء ما يدعو للإثارة:
ومن ذلك الحركات الراقصة غير اللائقة في المسرح، وإظهار بعض الفتيات القريبات من البلوغ، والحديث بشكل متوسع مع النساء لطلب التشجيع، وتهييج المستمعين لهذه الغاية على حساب الكلمات والتوجيه، أو التصعيد والتفوير للجيل من غير اعتدال أو انضباط.

وما سبق ذكره تختلف نسبه بين هم وآخر، ولا أرى من ضابط له إلا توجيه المنشدين برسالتهم، وحسن استماعهم لأهل العلم الواعين.

5) تقويم فكرة "العمل للغير" وغير المنضبط بالثوابت الشرعية:
من صور الخلل المعاصر في العمل الفني تجاوز بعض الحدود الشرعية بحجة أن هذا العمل ليس "للملتزمين" إنما هو للعامة.

فلا مانع لدى هؤلاء أن تظهر المرأة ولو كاشفة بعض الرأس، أو متزينة ببعض الزينة، مغنية للأطفال ولو من غير احتشام!

وهذا تصور خاطئ في الأسلوب الدعوي التربوي التوجيهي. فالإسلام للجميع، وطريقة عرضه تختلف بحسب البيئات والحالات، ولكنَّ الذي لا يَختلف أن الثوابت شرعية لابد منها للجميع. فلا تنازل عن 1% من ثوابت الشرع بحجة إقناع الناس بالهدى والخير!

6) رفع المستمعين والمشاهدين لقيم وأصالة الفن لا النزول بهم:
فإن الاستهانة باللغة العربية بشكل مفرط إهانة لها، واختراع الكلمات واللهجات الغريبة، وتركيب الجمل بطريقة عجيبة، وتصوير البدع من غير ترابط، بحجة ضعف الناس في الفهم، وتبسيط المعاني لهم، أمور مستنكرة.

إن للفن قيمه وأصالته، والمطلوب هو رفع الناس لا النزول بهم، وهناك فرق بين النزول للناس، والنزول بالناس!

والنشيد ليس "ما يطلبه المستمعون" بل النشيد قبل هذا رسالة، وإذا كان بعض الناس قد ساءت أذواقهم الفنية، فإن هذا ليس مسوغاً أن نسيء أذواق البقية!

7) التمسك بخصوصية الفن الإسلامي:
الفن باب واسع، والنشيد تتحكم فيه أركان رئيسة: الكلمات، الألحان، الأصوات.
والأنشودة الهادفة لها رونقها وبريقها ورنينها الخاص. ونقدها يتجه صوب هذه الأركان الثلاثة. وذلك عكس الأغنية الرخيصة التي يمكن للألحان أن تغطي عيوب الكلمات المبتذلة، أو مدفوعة الثمن!

ويبقى للغناء الموسيقي نمطه الذي يصعد ببعض المستمعين، ويخسف بهم في الوقت نفسه.
وللنمط الإنشادي خطه، الذي يمكن أن يرفرف بالمستمعين، أو يهوي بهم، والعيب ليس فيه، وإنما هو فيمن يؤديه!

ولطالما أن الأنشودة الجميلة الهادفة أصل إسلامي، فللمخلص المتقن سحره وتأثيره.

وكم كان للأنشودة الإسلامية دور فاعل في تحريك همم فاترة، وتذكير بقيم سامية، وإيصال للصوت الغائب في أنحاء العالم؟!

ومع إيماننا بهذه الخصوصية التي نجحت في التأثير على الناس، وصارت بديلاً عند عدد لا بأس منهم في حفلات أعراسهم ومناسباتهم الخاصة والعامة وفي المحافل الرسمية والشعبية، إلا أننا ندعو إلى تطوير أداء الأنشودة بما لا يتعارض مع خصوصية التمسك بمنهج الشرع، ومراعاة الأعراف العامة، ووضوح الغايات منه، والاعتماد على أركانه الثلاث. وهذا مفهوم الخصوصية المطلوب.

8) ضبط التعاملات المالية:
فإن الملاحظ أن ثمَّة انفلاتاً كبيراً في التعاملات المالية في حقل الإنشاد. وهذا يشمل ما يلي:
1- عدم وجود إدارة مالية في بعض المناسبات والحفلات الإنشادية.

2- عدم وجود قيم مالية "معقولة" يعرفها الناس، لطلب الأناشيد في حفلات أعراسهم، أو مناسباتهم المختلفة، فأنشودة تُعرض بـ"ألف ريال"، وأخرى بـ"خمسة آلاف ريال"!!
ومنشد مبتدأ يريد أن يتساوى مع منشد مخضرم.

3- عدم كتابة العقود المالية بين الأطراف ذات العلاقة، سواء أكان عملاً في مسرح أو استديو أو مناسبة صغيرة أو كبيرة.

4- الاعتماد على إدارة أفراد لا جهات، يصعب حصول المال منهم.
ولا أرى من حل لهذه الشواهد وأمثالها، إلاَّ بوضع "دستور مالي نسبي" يراعي الأحوال والبيئات.

فمنطقة الخليج مثلاً متقاربة في الوضع البيئي. فيكتب "دستور مالي تقريبي" لسعر الأنشودة المسجلة، والأنشودة المؤداة على المسرح، مراعية الوقت، والجهود التي بذلت، ومقدرة لنوعيات المنشدين.

أما أن تتداخل ظروف بعض المنشدين الصعبة، أو وضع المؤسسات الفنية الإسلامية المحزنة، في تحديد مال الأنشودة فهذا ليس في شيء!

إن كتابة هذا الدستور من قبل المتخصصين والمهتمين وإشهاره في الانترنت، والتعارف عليه، طريقة مهمة لحل هذا الإشكال في تقديري. مع تذكيري مرة أخرى لمراعاة البيئات والأحوال. كما أنه من الضروري كتابة عقود قانونية واضحة لأداء العمل الفني، ونحن أمة الأمانة والعمل، وربنا تعالى علمنا حسن صياغة العقود بقوله( ولا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ) [البقرة: من الآية282].

9) عرض البرامج الفنية الجديدة على أهل العلم الواعين:
فإن ضبط المسيرة الإنشادية التي تتطور بين فينة وأخرى، ينبغي أن لا يُعزل عن رأي ومشورة أهل العلم الواعين، والاستنارة بتوجيهاتهم، لتتم النهضة الفنية الإسلامية على وجهها الصحيح، ويتحقق مبدأ المناصحة المطلوب في مثل هذه الأعمال.

10) تحرير المصطلحات الفنية المعاصرة تأصيلاً شرعياً:
فإن المصطلحات اليوم تتجدد بتجدد وسائل العصر، وللأسف فإن عدداً كبيراً تختلط عنده معاني هذه المصطلحات، ويحكم عليها بنظرته وثقافته الشرعية العامة!

ولعل في هذه الرسالة التي بين أيدينا نموذجاً لما أريد التنبيه عليه، ففي فصل "الأحكام الفقهية" والذي عرضت فيه لبعض المصطلحات وحقيقتها، ومن ثمَّ بيان الحكم الشرعي بعدئذ. فإنه يؤسفني أن شريحة واسعة من جيل الشباب الصالح والمهتم بالإنشاد التبس عليهم الأمر فترة طويلة، والسبب الرئيسي هو عدم إيضاح الصورة الحقيقية، وبيان الرأي الشرعي حولها.

وهذه من المسائل المستجدة والمشغلة، والتي تحتاج إلى جهد، وحفظ لمسيرة التوجيه الدعوي.

فالتأكيد على تحرير المصطلحات الفنية ومعرفة حقيقتها أمر مهم، ليكون التأصيل الشرعي الصحيح بعدئذ.

11) تفهم المنشدين والمهتمين بالفن الإسلامي لدورهم:
فالمنشدون بشر، يصيبون ويخطئون، ويجتهدون فيما هو من حقهم الاجتهاد فيه، كما أنهم مثل بقية الناس تؤثر فيهم العواطف، وقد تحركهم الغيرة، وتعتريهم الحماسة، خاصة في سن الشباب.

وهذا قد يؤدي إلى نقد بعضهم الآخر نقداً غير موضوعي، وتعليقاً على كل شيء، وتناقلاً للأحاديث والأخبار عنهم، وفي الحديث: "كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما سمع".

وفي ظل الهجمة الشرسة على الإسلام وأهله، فالواجب عليهم التناصح والتعاون، والعيش في ظلال الأخوة والمحبة، والتفهم والتقدير لبعضهم البعض، فهم أولى بالتفاهم من غيرهم.

والتناصح مطلوب، وهو اليوم متاح بوسائل عدة.
كما أن الاستعانة على قضاء الحوائج بالكتمان مشروع، والعين حق.

ولذا أرى أن على رابطة الفن الإسلامي دور مهم في إحياء المؤتمرات العامة التي تذكّر المنشدين برسالتهم، وتضبط مسيرتهم، وتقرّب بينهم، وتفوّت الفرصة على الجانحين، وزلات الشيطان الرجيم.

12) اتباع النظم المهنية العلمية:
هناك نظم واضحة في آليات العمل الإنشادي سواء ما كان في الاستديو، أو في تسويق العمل، أو في إعداد الحفلات أو المناسبات.

فالمراسلة في الحفلات والملتقيات والمهرجانات، والاتفاقيات القانونية، والخطوات العملية، واللجان العاملة، وتوصيفها المحدد، لأنظمها التي يجب أن تتّبعها كل الجهات ذات العلاقة بالشأن. ومن غير السير على هذه النظم يُساء إلى العمل الفني الإسلامي، وتكون الخسارة للضيوف والحضور.

وأقترح على رابطة الفن الإسلامي، أن تعدّ نماذج أولية، وتقدم دورة بعنوان "فن إدارة الحفلات الإنشادية" مطبوعة ومسجلة، لتشكّل مع الدورة الأخرى والتي سبق الإشارة إليها "فن إدارة الفرق الإنشادية" منهجاً عملياً متكاملاً.

13) الأنشودة رسالة:
فالإنشاد إرشاد، والمنشد قدوة. ولن يُفهم هذا الأمر حتى ندرك أن الإنشاد رسالة.
فكيف يكون رسالة، وبعض المنشدين يتأخرون عن صلاة الجماعة؟
وكيف يكون رسالة، وبعض المنشدين يسهرون إلى قبيل الفجر ثم لا يؤدّونها مع الجماعة؟
وكيف يكون رسالة، والانفعال المذموم، والتوتر المحموم، مصاحب لبعضهم في كل حفل؟
وكيف يكون رسالة، والسمت التربوي الظاهر قولاً وفعلاً ومظهراً لبعضهم، لا يدل على ذلك؟
وكيف يكون رسالة، ومواطن الريبة من الاتصالات وفتح شيء من العلاقات غير المقبولة ولو قولاً كجزء من حياتهم موجود؟
وكيف يكون رسالة، والمادة هي اللغة والكلمة وبوصلة التوجه؟
وكيف يكون رسالة، وبعض المواقف تثبت أنها على حساب الواجب والأهم؟
وكيف يكون رسالة، وبعضهم يشترط في تذاكر السفر، ومكان النوم، ونوعية الأكل، شروطاً صعبة مما لا يعرف إلا لأهل المخيلة؟

إن على كل منشد أن يختبر نفسه بهذه الأسئلة، ويجيب عنها، ليقف موقفه المشرّف الصحيح من نشر رسالة الإنشاد.

مع التأكيد على نماذج كثيرة مشرّفة من الإخوة المنشدين، بدأوا ولم يزالوا على منهج الرشد، يخدمون أمتهم، ويشيعون فيها الأمل، ويواسون فيها الجرح، يضيء الإيمان وجوههم، وتتحرك القلوب بنصحهم، ويقتدي الجيل بفعالهم. سائلاً الله لهم دوام التوفيق والسعادة.
==================================

الفصل السابع: عالمية الإنشاد

لقد بات من الضروري الآن أن يسهم النشيد بدوره في عرض كل القضايا الإنسانية، والمجتمع العام.
إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أوقفته أبيات أثرت في نظرته ورؤيته للمواقف.

وسيبقى الأدب والشعر والفن عبر الزمن محوراً من محاور التأثير العالمي على الشعوب، وبوصلة لتوجيه الأفكار والعقول، ودفقة قوية من دفقات العواطف والكوامن الداخلية، وشحنة من شحنات الروح السوية، وسبيلاً من سبل التعايش والتفاهم والانسجام.

ولكي تتحقق رسالة الإنشاد العالمية، فثمة توجيهات وخيارات لابد منها، وهي:
1- الارتباط الوثيق بين الأدباء والشعراء على وجه الخصوص، وبين المنشدين.

2- التوجه لعدد من المحسنين الداعمين، وإقناعهم بقيمة الصدقة في العمل الإعلامي الفني، المتزامن مع إنشاء المطابع ودور التعليم.

3- اتحاد الجهود والمؤسسات والنوادي والمراكز المهتمة بالفن الإسلامي لتبني الأعمال المتميزة المؤثرة والمنضبطة.

4- تخصيص برامج مهتمة بالفن الإسلامي عبر القنوات الفضائية المختلفة، والمنتشرة بشكل خاص.

5- الاستفادة من إمكانيات العصر لنشر رسالة الفن الإسلامي عبر(الإيميلات والسيديات)ومواقع الإنترنت بالوسائل والطرق الإبداعية المتنوعة.

6- إشراك الجماهير في هذه البرامج الفنية من خلال المسابقات الجماهيرية المبدعة.

7- استثمار طاقات ومكانة وإمكانية الفنانين الذين يودون إعداد عمل فني هادف، بشرط المحافظة على الهوية والقيمة الإسلامية.

8- تبني كبار الشركات ضمن إعلاناتها التسويقية لمنتجاتها الإعلامية، لإظهار الفنانين الملتزمين، وبالصور الإبداعية المختلفة.

وبعد: فآمل بعد هذه السياحة الجميلة في عالم النشيد من الله جلت قدرته أن يوفق كل العاملين لخدمة الإسلام، وأن يتنبهوا لأداء رسالتهم، وأن يوازنوا بين متطلباتهم وأولوياتهم، وأن يُسدَّدوا لكل خير ورشد.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 

امير الابداع

مزمار كرواني
25 يوليو 2007
2,393
22
38
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
رد: بحث الدكتور علي بن حمزة العمري في الأناشيد

بارك الله فيك اخي الحبيب
 

محمود أبوالناظر

مزمار ألماسي
25 سبتمبر 2007
1,313
1
38
الجنس
ذكر
رد: بحث الدكتور علي بن حمزة العمري في الأناشيد

ماهذه الروعة اخى الحبيب
منت قدمت موضوع بعنوان احكام الدف ارى هذا البحث يعضد الموضوع
 

أم أسامة 2

مزمار جديد
23 مارس 2008
11
0
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
رد: بحث الدكتور علي بن حمزة العمري في الأناشيد

[a7la1=CC0000]كل يؤخذ منه ويرد إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي لم يربي أصحابه على الدعوة بالنشيد أو الإيقاع ....فما أجمل دين محمد عليه الصلاة ولسلام ..نشهد أنه لم يترك خيرا إلا دلنا عليه ولا شراً إلا حذر الأمة منه[/a7la1].

يقول الدكتور حمزة:
إن المباح لا يحتاج إلى أسلمة. أي: لطالما أن النشيد في أصله مباح، فلماذا نؤسلمه وهو من الإسلام أصلاً؟ وهذا رأي وجيه من ناحية الأصل، ولكن ما جرى من ملابسات حول النشيد اقتضت إضافة إسلامي عليه....................................
وفي رأيي أن كلا الأمرين صحيح. فالنشيد من ناحيةٍ هو أصل؛ لأن الشريعة دعت إليه، ورغبت فيه في عدّة مواطن.أه


ونرد عليه بالآتي:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ‏(‏11-565‏)‏‏:‏ ‏(‏ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد منهم يضرب بدف ولا يصفق بكف بل ثبت عنه في الصحيح أنه قال‏:‏ ‏(‏التصفيق للنساء والتسبيح للرجال‏)‏ ولعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء ولما كان الغناء والضرب بالدف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثا ويسمون الرجال المغنين مخانيث وهذا مشهور في كلامهم ومن هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها لما دخل عليها أبوها رضي الله عنه في أيام العيد وعندها جاريتان تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث فقال أبو بكر رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معرضا بوجهه عنهما مقبلا بوجهه الكريم إلى الحائط فقال‏:‏ دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا أهل الإسلام‏)‏ ففي هذا الحديث بيان أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الجواري في الأعياد كما في الحديث‏:‏ ‏(‏ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة‏)‏ وكان لعائشة لعب تلعب بهن ويجئن صواحباتها من صغار النسوة يلعبن معها‏.‏ وليس في حديث الجاريتين أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى ذلك والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع كما في الرؤية فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار‏.‏ ا هـ‏
ونقول عليك إقامة الدليل على أن الإنشاد أصل بعد كلام شيخ الإسلام .....

ويقول الدكتور:
الفصل الثاني: نشأة النشيد الإسلامي المعاصر
تعود بدايات هذا النشيد إلى الستينات الميلادية، والتي كانت مركّزة بشكل كبير على المديح النبوي بشكليه المعتدل والمغالي أحياناً، وكانت المدرستان المصرية والشامية في الصدارة.

ونقول لقد عرفه الشافعي بل كان يسمى من قبل إما سماعاً وإما تغبيراً ، قال الشافعي – رحمه الله – : " خلفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن " .
وقال الإمام ابن تيمية – رحمه الله – في فتاواه ( 11 / 532 ) معلقاً على قول الشافعي هذا ما نصه : " وهذا من كمال معرفة الشافعي وعلمه بالدين فإن القلب إذا تعود على سماع القصائد والأبيات والتلذذ بها حصل له نفور من سماع القرآن والآيات فيستغني بسماع الشيطان عن سماع الرحمن " .


يقول الدكتور:
والرسول صلى الله عليه وسلم قدوة ومشرّع للأمة.
وأما ضرب الرجال للدف، فإن الأصل عند أصحاب هذا الرأي في الأمور الإباحة.
والضرب إن كان للمرأة جائزاً غير ممنوع فهو للرجل كذلك، لتشاركهما في الحكم، وذلك لعدم وجود مخصص.
ولأن النتيجة واحدة في السماع.
والراجح - والله أعلم - : هو قول أصحاب الرأي الثاني.
ثم أنه لا يوجد أي دليل يخصص السماع للرجال بوقت محدد، لسماعه صلى الله عليه وسلم في أوقات مختلفة، ومناسبات متعددة، وليس في يوم العيد فقط، فلا يقال أن النبي  لم يُقِرَّ أصحابه على ضرب الدف بحجة العيد فقط.أه

ونرد عليه بفتوى
فضيلة الشيخ العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله

س/ هل يجوز للرجال الإنشاد الجماعي؟ و هل يجوز مع الإنشاد الضرب بالدف لهم؟ و هل الإنشاد جائز في غير الأعياد و الأفراح؟
ج/ الإنشاد الإسلامي إنشاد مبتدع، يشبه ما اتبدعته الصوفية، و لهذا ينبغي العدول إلى مواعظ الكتاب و السنة/ اللهم إلا أن يكون في مواطن الحرب ليستعان به على الإقدام، و الجهاد في سبيل الله تعالى فهذا حسن. و إذا اجتمع معه الدف كان أبعد عن الصواب.
المرجع: فتاوى الشيخ محمد العثيمين، جمع أشرف عبدالمقصود (134)


يقول الدكتور:
أن الفن الراقي محببٌ للنفس، وداعٍ للخير، وأحد عوامل التنشيط أو التخدير لفكر الأمة.
والذين لا يريدون الالتفات لهذا الباب في مسائل التربية أو مسائل الفقه فلن يسهموا في تقويم المسيرة التي تآكلت من عدة جوانب، فكادت أن تسقط!

وهنا تنبيه /
كثيراً ما تجوّز البدع وتستحسن باسم المصلحة ، قال ابن تيمية :والقول
بالمصالح المرسلة يشرع من الدين ما لم يأذن به الله غالباً . وهي تشبه من بعض
الوجوه مسألة الاستحسان والتحسين العقلي والرأي ونحو ذلك - ثم قال - وكثير مما
ابتدعه الناس من العقائد والأعمال من بدع أهل الكلام وأهل التصوف وأهل الرأي وأهل
الملك حسبوه منفعة أو مصلحة نافعاًَ وحقاً وصواباً ولم يكن كذلك ا.هـ


قال الدكتور:
وما كان هذا الافتئات إلا من قوم لم يعيشوا في ظلال الإسلام الشامل الراقي الملامس لكل حاجات النفس البشرية. ولم يكن لهم أي صلة بتراث السيرة المشرق، ولا لهم عبرة بتاريخ الأمم! لذلك وجب على العلماء تأصيل مسائل الفن، وأن يعينوا العائدين إلى الله، الراغبين في خدمة دينهم بمنهج الشرع المطهر، وأن لا يتركوهم لقوارع الدهر، وفتن المترفين العابثين.


ونقول إذا كان هدفنا دعوي نبتغي من الله الأجر عليه فيجب ألا يخلو من أمرين وهما: الإخلاص لله تعالى والمتابعة لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
وعلى هذا يلزمنا دراسة مبحث مهم آلا وهو

هل وسائل الدعوة توقيفية أم لا ؟
وجواب هذا راجع إلى معرفة الفرق بين
المصالح المرسلة والبدع المحدثة . وخلاصة ذلك أمران :
الأول / أن ينظر في هذا الأمر المراد إحداثه لكونه مصلحة ، هل المقتضي لفعله كان
موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والمانع منتفياً ؟
أ/ فإن كان كذلك ففعل هذه المصلحة - المزعومة - بدعة إذ لو كانت خيراً لسبق القوم
إليه فإنهم بالله أعلم وله أخشى وكل خير في اتباعهم فعلاً وتركاً .
ب/ أما لو كان المقتضي (أي: السبب المحوج ) غير موجود في عهدهم أو كان موجوداً لكن
هناك مانع يمنع من اتخاذ هذه المصلحة فإنه لا يكون بدعة بل يكون مصلحة مرسلة ، وذلك
مثل جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن المقتضي لفعله غير موجود
إذ هو بين أظهرهم لا يخشى ذهابه ونسيانه أما بعد موته فخشي ذلك لأجل هذا جمع
الصحابة الكرام القرآن .
ومن الأمثلة أيضاً : الأذان في مكبرات الصوت ، وتسجيل المحاضرات في الأشرطة
السمعية ، وصلاة القيام في رمضان جماعة ، فكل هذه الأمور كان يوجد مانع في عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم من فعلها . أما الأمران الأولان : فعدم إمكانه لعدم وجودها
في زمانه ، أما الأمر الثالث : فإنه ترك الفعل خشية فرضه ، وبعد موته لم يكن ليفرض
شيء لم يكن مفروضاً من قبل .
الثاني / إن كان المقتضي غير موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلَّم فيُنظر فيه
هل الداعي له عندنا بعض ذنوب العباد ؟ فمثل هذا لا تُحَدثُ له ما قد يسميه صاحبه
مصلحةً مرسلةً بل يؤمرون بالرجوع إلى دين الله والتمسك به ؛ إذ هذا المطلوب منهم
فعله، والمطلوب من غيرهم دعوتهم إليه. ويمثل لهذا بتقديم الخطبة على الصلاة في
العيدين لأجل حبس الناس لسماع الذكر فمثل هذا من البدع المحدثة لا من المصالح
المرسلة . وإليك كلام الإمام المحقق ابن تيمية في بيان هذا الضابط قال ابن تيمية "
والضابط في هذا - والله أعلم - أن يُقال : إن الناس لا يحدثون شيئاً إلا لأنهم
يرونه مصلحةً إذ لو اعتقدوه مفسدةً لم يُحدثوه ، فإنه لا يدعوا إليه عقلٌ ولا دينٌ
فما رآه الناس مصلحةً نظر في السبب المحوج إليه ، فإن كان السبب المحوج أمراً حدث
بعد النبي صلى الله عليه وسلَّم من غير تفريط منا فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو
الحاجة إليه وكذلك إن كان المقتضي لفعله قائماً على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلَّم لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلَّم لمعارضٍ زال بموته .
وأما ما لم يحدث سببٌ يحوج إليه أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد فهنا لا
يجوز الإحداث فكل أمرٍ يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم
موجوداً لو كان مصلحةً ولم يُفعل يُعلم انه ليس بمصلحةٍ وأما ما حدث المقتضي له بعد
موته من غير معصية الخلق ، فقد يكون مصلحة .
ثم هنا للفقهاء طريقان :
أحدهما : أن ذلك يفعل ما لم يُنه عنه وهذا قول القائلين بالمصالح المرسلة .
والثاني : أن ذلك لا يُفعل إن لم يُؤمر به وهو قول من لا يرى إثبات الأحكام
بالمصالح المرسلة وهؤلاء ضربان :
منهم من لا يثبت الحكم ، إن لم يدخل في لفظ كلام الشارع ، أو فعله ، أو إقراره وهم
نُفاة القياس. ومنهم من يثبته بلفظ الشارع أو بمعناه وهم القياسيون فأما ما كان
المقتضي لفعله موجوداً لو كان مصلحةً ، وهو مع هذا لم يشرعه ،فوضعه تغييرٌ لدين
الله وإنما دخل فيه من نسب إلى تغيير الدِّين ، من الملوك والعلماء والعباد أو من
زلَّ منهم باجتهاد ، كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلَّم وغير واحدٍ من الصحابة
" إن أخوف ما أخاف عليكم زلَّة عالم ، وجدال منافقٍ بالقرآن ، وأئمةٌ مضلُّون "
فمثال هذا القسم الأذان في العيدين ، فإن هذا لما أحدثه بعض الأمراء ، أنكره
المسلمون لأنه بدعةٌ ، فلو لم يكن كونه بدعةً دليلاً على كراهيته ، وإلا لقيل هذا
ذكرٌ لله ودعاءٌ للخلق إلى عبادة الله ، فيدخل في العمومات .كقوله  اذكروا
الله ذكراً كثيراً  وقوله تعالى  ومن أحسن قولاً ممن دعآ إلى الله
وعمل صالحاً  -ثم قال -ومثال ما حدثت الحاجة إليه من البدع بتفريطٍ من
الناس تقديم الخطبة على الصلاة في العيدين فإنه لما فعله بعض الأمراء أنكره
المسلمون لأنه بدعةٌ واعتذر من أحدثه بأن الناس قد صاروا ينفضُّون قبل سماع الخطبة
، وكانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لا ينفضُّون حتى يسمعوا أو أكثرهم
فيُقال له سببُ هذا تفريطك فإن النبي صلى الله عليه وسلَّم كان يخطبهم خطبةً يقصد
بها نفعهم وتبليغهم وهدايتهم ، وأنت قصدك إقامة رياستك ، وإن قصدت صلاح دينهم ،
فلا تعلمهم ما ينفعهم فهذه المعصية منك لا تُبيح لك إحداث معصيةٍ أخرى بل الطريق في
ذلك أن تتوب إلى الله وتتبع سنة نبيه وقد استقام الأمر وإن لم يستقم فلا يسألك الله
إلا عن عملك لا عن عملهم وهذان المعنيان من فهمهما انحلَّ عنه كثيرٌ من شبهِ البدع
الحادثة "ا.هـ(1)
وبعد هاتين المقدمتين يقال: إن اتخاذ الأناشيد وسيلة من وسائل الدعوة بدعة لأن
وسائل الدعوة فيما وجد مقتضاه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مع
انتفاء المانع توقيفية بخلاف ما عدا ذلك .فهي بهذا محدثة داخلة في عموم ما أخرجه
مسلم عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" فإن كل بدعة ضلالة " وما
أخرجه الترمذي وصححه ابن عبد البر عن العرباض بن سارية أنه قال : قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - :" وكل محدثة بدعة " وما رواه الشيخان عن عائشة أن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - قال :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وما رواه
الدارمي عن ابن مسعود أنه قال :" كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير وينشأ
فيها الصغير تجري على الناس يتخذونها سنة إذا غيرت قيل : إنها غيرت السنة أو هذا
منكر " وما روى الدارمي عن حسان بن عطية التابعي الجليل أنه قال :" ما ابتدع قوم
بدعة في دينهم إلا نزع من سنتهم مثلها " وما روى اللالكائي عن سفيان الثوري أنه قال
:" البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ، المعصية يتاب منها ، والبدعة لا يتاب منها "
.
فإنه لو كان اتخاذ هذه الأناشيد وسيلة من وسائل الدعوة خيراً لرأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأصحابه أسرع الناس إليها إذ لا مانع يمنعهم من اتخاذها وهم أحرص
على هداية الخلق كما قال تعالى في رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم :" لقد جاءكم
رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " لا سيما
والأناشيد معروفة عندهم - كما سبق -،
قال ابن تيمية: وأما سماع القصائد لصلاح
القلوب والاجتماع على ذلك إما نشيداً مجرداً وإما مقروناً بالتغبير ونحوه مثل
الضرب بالقضيب على الجلود حتى يطير الغبار ومثل التصفيق ونحوه فهذا السماع محدث في
الإسلام بعد ذهاب القرون الثلاثة وقد كرهه أعيان الأئمة ولم يحضره أكابر المشائخ -
ثم قال - فتبين أنه بدعة ولو كان للناس فيه منفعة لفعله القرون الثلاثة .
ولم يحضروه مثل ابن أدهم والفضيل ومعروف والسري وأبي سليمان الداراني والشيخ عبد
القادر وغيرهم وكذلك أعيان المشائخ .ا.هـ
فليتق الله امرؤ بتقدمه بين يدي رسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بما يزعمه خيراً ،
أكانوا له جاهلين وأنت به عارف ؟
أم كانوا به عالمين وأنت لهداية الخلق منهم أحرص؟.
جواب الشبهة الثالثة /
إن الشعر الذي كان يلقيه حسان بن مثبت شعر يرد به على المشركين ، ويدافع به عن رسول
رب العالمين كما ثبت في الصحيحين أن أبا سلمة بن عبد الرحمن "سمع حسان بن مثبت ينشد
أبا هريرة : أنشدك الله هل سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : يا حسان أجب
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، اللهم أيده بروح القدس . قال أبو هريرة :
نعم ". فأين الإنشاد ( الذي هو رفع الصوت بالشعر -كما سبق - ) بالرد على المشركين
من شعر ملحن يقصد من ورائه هداية الضالين ، وإرشاد الغاوين ؟ ففعل حسان وإن كان فيه
التعبد بالرد فإنه لا يصح أن يقاس عليه جعل الأناشيد وسيلة دعوية لأنهما متغايران ؛
لكون فعل حسان رداً على الكافرين وفعل هؤلاء جذباً للفاسقين ، ثم على فرض - جدلاً -
التساوي بينهما فإن ترك الرسول صلى عليه وسلم وأصحابه لهذا العمل وهو المسمى بالسنة
التركية مقدم على القياس بل ويحكم عليه بالفساد كما بين ذلك المحققون كابن تيمية
وابن القيم .
قال الشاطبي : منها المنافحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن الإسلام
وأهله ، ولذلك كان حسان بن مثبت -رضي الله عنه - قد نصب له منبر في المسجد ينشد
عليه إذا وفدت الوفود ، حتى يقولوا : خطيبه أخطب من خطيبنا ، وشاعره أشعر من شاعرنا
، ويقول له عليه السلام :" اهجهم وجبريل معك "، وهذا من باب الجهاد في سبيل الله ،
فليس للفقراء من فضله في غنائهم بالشعر قليل ولا كثير ا.هـ

وأنقل لك يادكتورنا للفائدة وللأخوة القراء

(مناقشة العلاّمة الدكتور صالح الفوزان لمن أباح الأناشيد )


بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مناقشة وتعقيب للعلامة فضيلة الشيخ صالح الفوزان أثابه الله لموضوع الأناشيد يقول فيها :

(( الحمد الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه.
وبعد :

كنتُ قد عقبت على ماكتبتْـه الأخت تغريد العبد العزيز في " مجلة الدعوة" من الثناء على ماسمته بالأناشيد الإسلامية ، ومطالبتها المراكز الصيفية بالإكثار من إنتاجها ، فبينت لها أن هذا الثناء في غير محله ، وأن هذا الطلب غير وجهيه ، وأن الأولى بها أن تطالب بالعناية بالكتاب والسنة ، وتعليم العقيدة الصحيحة والأحكام الشرعية ، فانبرى بعض الأخوان- وهو الأخ أحمد عبد العزيز الحليبي سامحه الله – ينتصر لها لهذه الأناشيد ويدعي أنها شيء طيب ، وعمل جميل ويستدل لإثبات دعواه بأمور هي:
أولاً: أن هذه الأناشيد تلحق بالحداء الذي رخص فيه الشارع ، وكذلك تلحق بالارتجاز الذي رخص فيه النبي عليه الصلاة والسلام عند مزوالة الأعمال الشاقة.
ثانياً: أن العلماء ، كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم وابن الجوزي وابن حجر الهيثمي، نصوا على جواز الحداء ، والأرتجاز وسماع الشعر الذي فيه الثناء على الله ورسوله ودينه وكتابه والرد على أعداء الله وهجاؤهم . والنشيد الإسلامي – كما يسميه – لايخرج عن هذه المعاني ، فهو شعرٌ ملتزم بالأدب الأسلامي ، يرفع بصوت حسن.
ثالثاً: تسمية الأناشيد بالإسلامية لاتعني المشروعية والأبتداع في الدين ، وإنما هو وصفٌ وتوضيحٌ وتمييزٌ عن غيرها من الأناشيد والأهازيج المحرمة وهو من المصطلحات الحديثة ، مثل الحضارة اٍلاسلامية ، والعمارة الإسلامية.
رابعاً: فرق الكاتب بين هذه الأناشيد التي سماها إسلامية وبين الصوفية التي تعد من البدع في الدين من وجهين:
الأول :أنهم أضفوا على أناشيدهم صفة القربة والطاعة.
والثاني: أن سماعهم لا يخلو من الآلة التي تقرن بتلحين الغناء.
هذا حاصل ماكتبه أخونا أحمد في تسويغه ماسماه بالأناشيد الإسلامية.

وجوابنا من وجوه:

الوجه الأول: أن هناك فروقاً واضحة بين ماتسمونه بالأناشيد الإسلامية وبين مارخص فيه الشارع من الحداء في السفر والارتجاز عند مزوالة الأعمال الشاقة، وإنشاد الأشعار التي فيها مدح الإسلام ، وذم الكفر وهجاء المشركين ، مع وجود هذه الفروق لايصح إلحاق هذه الأناشيد بتلك الأشياء.
والفروق كما يلي:
1- الحداء في السفر ، والارتجاز عند الضجر ، وإنشاء الشعر المشتمل على مدح ا لإسلام وذم الكفر وهجاء الكفار لايسمى نشيدأ إسلامياً – كما تسمون نشيدكم بذلك ، وإنما يسمى نشيداً عريباً. إذاً فبينهما فرق من جهة التسمية والحقيقة.

2- أن الحداء أنما يباح في السفر لأجل الحاجة إليه في السير في الليل ، لطرد النعاس ، واهتداء الإبل إلى الطريق بصوت الحادي ، وكذا الارتجاز عند مزوالة الأعمال الشاقة ، كالبناء ونحوه، أُبيح للحاجة بصفة مؤقته ، وبأصوات فردية لاأصوات جماعية.

وماتسمونه بالأناشيد الإسلامية يختلف عن ذلك تماماً ، فهو يفعل في غير الأحوال التي يفعل فيها النوع الأول ، وبنظام خاص وأصوات جماعية منغمة وربما تكون أصوات فاتنه ، كأصوات المردان وحدثاء الأسنان من البنين والبنات ، والأصل في الغناء التحريم ، إلا ماوردت الرخصة فيه.

3- أن الحداء والارتجاز وإنشاد الشعر الذي جاء الدليل بالترخيص فيه بقدر معين وحالة معينة لايأخذ كثيراً من وقت المسلم ، ولايشغله عن ذكر الله ، ولايزاحم ماهو أهم.

اما ماتسمونه بالأناشيد الإسلامية ، فقد أعطي أكثر مما يستحق من الوقت والجهد والتنظيم ، حتى أصبح فناً من الفنون يحتل مكاناً من المناهج الدراسية والنشاط المدرسي ، ويقوم أصحاب التسجيل بتسجيل كميات هائلة منه للبيع والتوزيع ، حتى ملأ غالب البيوت ، وأقبل على استماعه كثيرمن الشباب والشابات حتى شغل كثيراً من وقتهم ، وأصبح استماعه يزاحم تسجيلات القرآن الكريم والسنة النبوية والمحاضرات والدروس العلمية المفيدة.
فأين هذا من ذاك ؟
ومعلوم أن ما شغل عن الخير ، فهو محرم وشر.

الوجه الثاني : أن محاولة تسويغ تسمية هذه الأناشيد بالأناشيد الإسلامية محاولة فاشلة ، لأن تسميتها بذلك يعطيها صبغة الشرعية ، وحينئذ نضيف إلى الإسلام ماليس منه.

وقول أخينا أحمد :" إن هذه التسمية لأجل التمييز بينها وبين الأناشيد والأهازيج المحرمة " قول غير صحيح، لأنه يمكن التمييز بينها بأن يقال : الأناشيد المباحة، بدلاً من الأناشيد الإسلامية ، كغيرها من الأشياء التي يقال فيها : هذا مباح ، وهذا محرم ولايقال هذا إسلامي ، وهذا غير إسلامي، ولأن تسميتها بالأناشيد الإسلامية تسمية تلتبس على الجهال ، حتى يظنوها من الدين ، وأن في إستماعها أجراً وقربة.

وقول الأخ أحمد" إن هذه التسمية من المصطلحات الحديثة ، مثل الحضارة الإسلامية ، والعمارة الإسلامية"
نقول له : النسبة إلى الإسلام ليست من الأمور الأصطلاحية ، وإنما هي من الأمور التوقيفية، التي تعتمد على النص من الشارع ، ولم يأت نص من الشارع بتسمية شيء من هذه الأمور إسلامياً ، فيجب إبقاء الشعرعلى أسمه الأصلي ، فيقال: الشعر العربي ، والأناشيد العربية ، وأما تسمية العمارة والحضارة بالإسلامية ، فهي تسمية الجهال ، فلاعبرة بها ، ولادليل فيها.

الوجه الثالث: أن تفريق الأخ أحمد بين مايسميه بالأناشيد الإسلامية وبين أناشيد الصوفية تفريقٌ لاوجه له ، لأن بإمكان الصوفية أن يدعوا في أنا شيدهم ماتدعونه في أناشيدكم من الفائدة ، والترغيب في الخير، والتنشيط على العبادة والذكر ، فكما أنكم تدعون أن في أناشيدكم الحث على الجهاد ، وأنها كلام طيب بصوت حسن ، وفيها مدح الإسلام وذم الكفر... إلى غير ذلك، فيمكنهم أن يقولوا مثل ذلك في أنا شيدهم.

وقولكم:" إن أنا شيد الصوفية لاتخلو من الآلة التي تقرن بتلحين الغناء" .
هذا فارق مؤقت ، فربما يأتي تطوير جديد لأناشيدكم يدخل فيه استعمال الآلة فيها، وتسمى موسيقى إسلامية ، أو دف إسلاميي، ويزول الفارق عند ذلك ، كما ورد أنه في آخر الزمان تُغير أسماء بعض المحرمات ، وتستباح ، كأسم الخمر ، وأسم الربا... وغير ذلك. فالواجب على المسلمين سد هذه الأبواب ، والتنبيه للمافسد الراجحة والوسائل التي تفضي إلى الحرام، والتنبيه كذلك لدسائس الأعداء في الأناشيد وغيرها.

ونحن لاننكر إباحة إنشاد النزيه وحفظه ، ولكن الذي ننكره مايلي:
1- ننكر تسميته نشيداً إسلامياً.
2- ننكر التوسع فيه حتى يصل إلى مزاحمة ماهو أنفع منه.
3- ننكر أن يجعل ضمن البرامج الدينية ، أو يكون بأصوات جماعية ، أو أصوات فاتنه.
4- ننكر القيام بتسجيله وعرضه للبيع، لأن هذا وسيلة لشغل الناس به. ووسيلة لدخول بدع الصوفية على المسلمين من طريقة، أو سيلة لترويج الشعارات القومية والوطنية والحزبية عن طريقه أيضاً.

وأخيراً ، نسأل الله عزوجل أن يوفق المسلمين لما هو أصلح وأنفع لدينهم ودنياهم، نقول ما قاله الإمام مالك بن أنس رحمه الله:
" لايصلح آخر هذه الأمة إلى بما صلح به أو لها"وذلك باتباع الكتاب والسنة ، والأعتصام بهما ، لابا لأناشيد والأهازيج والترانيم.
والله ولي التوفيق.
وصلى الله وسلم على أشرف العباد والمرسلين )).

المرجع: البيان لأخطاء بعض الكتاب للعلامة صالح الفوزان ص341 .

فتوى فضيلة الشيخ العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله

س/ هل يجوز للرجال الإنشاد الجماعي؟ و هل يجوز مع الإنشاد الضرب بالدف لهم؟ و هل الإنشاد جائز في غير الأعياد و الأفراح؟
ج/ الإنشاد الإسلامي إنشاد مبتدع، يشبه ما اتبدعته الصوفية، و لهذا ينبغي العدول إلى مواعظ الكتاب و السنة/ اللهم إلا أن يكون في مواطن الحرب ليستعان به على الإقدام، و الجهاد في سبيل الله تعالى فهذا حسن. و إذا اجتمع معه الدف كان أبعد عن الصواب.
المرجع: فتاوى الشيخ محمد العثيمين، جمع أشرف عبدالمقصود (134)
فتوى العلامة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله


قال رحمه الله في كتابه "إقامة الدليل على المنع من الأناشيد الملحنة والتمثيل":
"إن بعض الأناشيد التي يفعلها كثير من الطلاب في الحفلات و المراكز الصيفية ويسمونها الأناشيد الإسلامية، ليست من أمور الإسلام لأنها مزجت بالتغني والتلحين والتطريب الذي يستفز المنشدين والسامعين ويدعوهم للطرب ويصدهم عن ذكر الله وتلاوة القرآن و تدبر آياته و التذكر بما جاء فيه من الوعد والوعيد و أخبار الانبياء وأممهم، وغير ذلك من الأمور النافعة لمن تدبرها حق التدبر وعمل بما جاء فيها من الأمور، واجتنب ما فيها من المنهيات، وأراد بعلمه وأعماله وجه الله عز و جل" ص6
وقال أيضاً رحمه الله:
"من قاس الأناشيد الملحنة بألحان الغناء على رجز الصحابة رضي الله عنهم حين كانوا يبنون المسجد النبوي، و حين كانوا يحفرون الخندق، أو قاسها على الحداء الذي كان الصحابة رضي الله عنهم يستحثون به على الإبل في السفر فقياسه فاسد، لأن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يتغنون بالأشعار و يستعملون فيها الألحان المطربة التي تستفز المنشدين والسامعين كما يفعل ذلك الطلاب في الحفلات و المراكز الصيفية، وإنما كان الصحابة رضي الله عنهم يقتصرون على مجرد الإنشاد للشعر مع رفع الصوت بذلك، ولم يذكر عنهم أنهم يجتمعون على الإنشاد بصوت واحد كما يفعله الطلاب في زماننا.
والخير كل الخير في اتباع ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحاب رضي الله عنهم، والشر كل الشر في مخالفتهم، والأخذ بالمحدثات التي ليست من هديهم و لم تكن معروفة في زمانهم، و إنما هي البدع الصوفية الذين اتخذوا دينهم لهواً و لعبا، فقد ذكر عنهم أنهم كانوا يجتمعون على إنشاد الشعر الملحن بألحان الغناء في الغلو و الإطراء للنبي صلى الله عليه و سلم، ويجتمعون على مثل ذلك فيما يسمونه بالأذكار، و هو في الحقيقة استهزاء بالله و ذكره.
و من كانت الصوفية الضالة سلفاً لهم و قدوة فبئس ما اختاروا لأنفسهم " ص7/8

و قال رحمه الله:
"إن تسمية الأناشيد الملحنة بألحان الغناء باسم الأناشيد الإسلامية يلزم عنه لوازم سيئة جداً و خطيرة.
منها: جعل هذه البدعة من أمور الإسلام و مكملاته، و هذا يتضمن الإستدراك على الشريعة الإسلامية، و يتضمن القول بأنها لم تكن كامله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
و منها: معارضة قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) ففي هذه الآية الكريمة النص على كمال الدين لهذه الامة، و القول بأن الأناشيد الملحنة أناشيد إسلامية يتضمن معارضة هذا النص بإضافة الأناشيد التي ليست من دين الإسلام إلى دين الإسلام و جعلها جزءاً منه.
و منها: نسبة الرسول صلى الله عليه و سلم إلى التقصير في التبليغ و البيان لأمته حيث لم يأمرهم بالأناشيد الجماعية الملحنة و يخبرهم أنها أناشيد إسلامية
و منها: نسبة الرسول صلى الله عليه و سلم و أصحابه رضوان الله عليهم إلى إهمال أمر من أمور الإسلام و ترك العمل به
و منها: استحسان بدعة الإناشيد الملحنة بـألحان الغناء، و إدخالها في أمور الإسلام. و قد ذكر الشاطبي في كتاب الاعتصام ما رواه ابن حبيب عن ابن الماجشون قال: سمعت مالكاً يقول (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة، لأن الله يقول (اليوم أكملت لكم دينكم) فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً)" ص11أه

[a7la1=CC0000] اللهم هل بلغت .......اللهم فاشهد[/a7la1]
 

ابواحمد2

عضو موقوف
16 ديسمبر 2007
2,963
3
0
الجنس
ذكر
رد: بحث الدكتور علي بن حمزة العمري في الأناشيد

بارك الله فيك اخي الكريم
 

الكاسر

مزمار داوُدي
27 فبراير 2006
4,050
12
0
الجنس
ذكر
رد: بحث الدكتور علي بن حمزة العمري في الأناشيد

أختنا أم أسامة أسفرتم عن كل ما كان في جوفنا فجزاكم الله تعالى خيراً و جعله في ميزان حسناتكم

و اللهَ أسألُ أن يحفظنا من مضلات الفتن
 

من مكة

عضو موقوف
12 مارس 2008
676
1
0
الجنس
ذكر
رد: بحث الدكتور علي بن حمزة العمري في الأناشيد

0301.jpg
 

الوقور

مزمار جديد
4 مارس 2008
5
0
0
الجنس
ذكر
رد: بحث الدكتور علي بن حمزة العمري في الأناشيد

هذا البحث جمع آراء كبار العلماء على وجه الأرض وليس رأي عالم واحد فقط . وتبقى المسألة في خلاف بين العلماء .
وأبقى أخوكم
 

أم أسامة 2

مزمار جديد
23 مارس 2008
11
0
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
رد: بحث الدكتور علي بن حمزة العمري في الأناشيد

نعم أخي أتينا بقول أكابر الأئمة ومنهم الشافعي ومن هو دونه في المرتبة والطبقة ومن أراد الحق سيجده
الدين قال الله قال رسوله .........قال الأئمة هم أولو العرفان
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع