- 4 مارس 2008
- 5
- 0
- 0
- الجنس
- ذكر
الفصل الأول: النشيد الإسلامي .. مصطلحات ومفاهيم
كلمة تمهيدية حول مصطلح "النشيد الإسلامي":
من بشائر الخير والتوفيق التفات العلماء والمفكرين لأهمية الفن الهادف في هذا الزمن المعاصر في تثبيت هوية الأمة. وتوجيه بعضهم بضرورة الانخراط المهني في المجال الفني مع مراعاة الضوابط. وذلك لمِا رأوه من تأثير بالغ، وحراك شعبي كبير نحو قضايا الأمة الكبرى على وجه التحديد، من خلال أدوار العمل الفني الإسلامي.
وفي خضم هذا التفاعل الظاهر أحياناً والخفي أحياناً أخرى، بدأت بعض الكتابات والملتقيات حول الاهتمام والاحتفاء والعناية بمدرسة الفن الهادف، بعد أن غُيبت حقبة طويلة من الزمن!
ولا يزال تأصيل العمل الفني الهادف في بدايته، إلا أنه من الخوف عليه تجاذبت أطرافٌ عدة الكلامَ حول مفهوم هذه النهضة الفنية الإسلامية، وكيفية تحريكها بين الناس، ومدى محافظتها على هويتها وتمسكها بثوابتها.
ومبحث الفن الإسلامي كبير، إلا أن رسالتنا هذه تخص الحديث حول "النشيد الإسلامي"، ولعل الحديث عنه، هو عين ما يمكن ذكره في بقية المصطلحات الفنية الأخرى.
ومما يجب أن نستوعبه في مثل هذا المقام أن الحديث عن المصطلحات ليس أمراً عبثاً، خاصة أننا في أول الطريق لتأصيل عمل الفن الإسلامي أو الهادف. وحتى يضمن استمراريته وفق الصورة المأمولة منه إن شاء الله تعالى.
المبحث الأول: مصطلحات تتعلق بالفن.
مصطلح "الفن":
لكلمة الفن دلالات عدّة في اللغة، يحسن العودة إليها في لسان العرب، والتي فيها ما يُطلق على الألوان والأنواع المختلفة. وعلى هذا المعنى ألّف ابن عبد ربه كتابه الشهير "الفنون".
وفي اللغة يُقال: رجل "مِفَنٌّ": يأتي بالعجائب، وذو فنون من الكلام.
واسْتُخدمتْ كلمة الفن اليوم في الألوان والأنواع المختلفة من الكلمات والمشاهد والعروض، ولغلبة غاياتها صارت عنواناً مباشراً لها.
إذاً الأصل في كلمة "الفن" أنه لا حرج فيها لغوياً، إلا أن هذا المدلول ارتبط في الأذهان بالصور السلبية، التي غطت في حقبة مضت على كل شيء آخر، إن وجد هذا الآخر!
مصطلح "الفن الإسلامي":
نتيجة لارتباط مصطلح "الفن" بالصورة السلبية، رأى بعض العلماء والمفكرين المسلمين تغيير هذه الصورة من الأذهان، وفي الوقت نفسه تأصيل دور الفن بالصورة التي يرتضيها الإسلام.
ولعل أول من أصَّل لهذه المسالة في كتاب كبير وشامل هو العلامة الشيخ: محمد قطب، في كتابه الشهير "منهج الفن الإسلامي"، فهو يرى أن أكثر الناس بحاجة إلى معرفة أن الإسلام كلمة ورسالة، واستقلالية وخصوصية، وشمولية فيما يَعْرِضُ لهم.
فإضافة لفظ "إسلامي" أي: فن يوافق عليه الإسلام. وهو معنى تأصيلي جيد، ورأي سديد.
مصطلح "الفن الملتزم":
لما بدأ الاهتمام بشكل بدائي ببعض الأعمال الفنية، لاحظ بعض العلماء والمفكرين أن الفن الذي أطلق عليه "الفن الإسلامي" أي: الذي يوافق عليه الإسلام لا ينطبق على تلك الأعمال الفنية التي تظهر فيها صورة بعض الفنانين أو المنشدين في خارج ساحة الفن. فهم في المسرح والاستديو يقدمون الفن الجيد، ولكنهم في خارجه صورةً أخرى!
فتم اقتراح مصطلح "الفن الملتزم" وهو مأخوذ من العبارة الدارجة عن الإنسان المحافظ على قيم دينه الشرعي بمسمى "ملتزم".
"فالفن الملتزم" يعني إذاً: الفن الذي يوافق عليه الإسلام، ويؤديه الملتزمون بمنهج الإسلام أثناء العمل وبعده. وبالتالي لا يقع الخلل والإضطراب لدى الناس بين روعة العمل الفني الإسلامي من قبل هؤلاء الفنانين وبين سلوكياتهم العامة ومعاملاتهم الظاهرة المعلنة المخالفة للإسلام.
وهذه التسمية جيدةٌ ضمن هذا السياق، إلا أنه في تقديري أننا بحاجة إلى مسمى أشمل وأوضح وأسهل، يخدم الإسلام من قبل المهتمين به، مع التمسك بقيمه كاملة.
مصطلح "الفن الهادف":
نظراً لاختلاف الآراء الفقهية المعاصرة في بعض المسائل مثل: كشف وجه المرأة، وأداء بعض الأدوار الفنية لها، ومسألة استخدام بعض الآلات في الأعمال الدرامية، أو المشاهد البطولية، رأى بعض العلماء والمفكرين وصف كل عمل فني يخدم الإسلام والمسلمين بعيداً عن المحاذير المتفق عليها بأنه فن هادف، وهذه تسمية حسنة.
والذي أراه للتعبير عن المصطلح الفني المطلوب: أن يُقبل مصطلحا "الفن الإسلامي" و"الفن الهادف".
أما قبول "الفن الإسلامي" فكي يقتنع الناس الذين تم إقناعهم فترة من الزمن أنه لا يوجد بديل إسلامي عن تلك المشاهد السلبية بوجود هذا البديل، وأن هناك ما هو منافس حقيقي للفن الهابط، بالأصول المهنية الفنية بقوالبها المختلفة، ولكن في الوقت نفسه (إسلامي) أي: يقبله ويقرّه الإسلام، وفق رأي العلماء الموثوقين، كما يدركوا أن هناك ما يقبله ومالا يقبله الإسلام؛ ليكون الناس على بصيرة ووضوح.
كما أن علينا أن نقبل مصطلح "الفن الهادف" لنتدرج في تفعيل ما يخدم المسلمين في العمل الفني، خاصة لمن يدرك خطورة ما يحيط بأهل الفن اليوم من عقبات حكومية وكيانات مختلفة، ومن أصحاب مصالح متنوعة!
مصطلح "النشيد":
أما عن النشيد المنتشر اليوم فيكفي ذكره بهذه المصطلح، لشهرته ودلالته للمعنى المطلوب، من الالتزام بالكلمات الهادفة النافعة.
ومصطلح "النشيد الإسلامي" كان له مبرره عند انطلاقه في السبعينات الميلادية، لتمييزه عن "النشيد الديني" والذي كان مقصوراً في الأعم الأغلب على شعر الرقائق، والمدائح النبوية، التي قلَّ أن تخلو من الإطراء لشخص النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض الصالحين، أو ذكر بعض البدعيات أو الشركيات –ولا حول ولا قوة إلا بالله-.
لذلك كان لتسميته: "النشيد الإسلامي" مسوغاً، خاصة أنه تغلغل في معترك الحياة، وصار له جمهوره ومحبوه، في حفلات الأعراس، ومناسبات الأعياد والأفراح، ووسائل التلفزة والمذياع.
وهذا السبب ربما يكون جواباً لمن يقول: إن المباح لا يحتاج إلى أسلمة. أي: لطالما أن النشيد في أصله مباح، فلماذا نؤسلمه وهو من الإسلام أصلاً؟ وهذا رأي وجيه من ناحية الأصل، ولكن ما جرى من ملابسات حول النشيد اقتضت إضافة إسلامي عليه.
وعلى العموم، فكما ذكرت آنفاً يبقى مسمّى "نشيد" كافياً لتوضيح المعنى المنشود.
المبحث الثاني: النشيد أصل أم بديل؟
يتناقل البعض هذا السؤال ويبنون على الإجابة عليه أصولاً شرعية مختلفة.
وفي رأيي أن كلا الأمرين صحيح. فالنشيد من ناحيةٍ هو أصل؛ لأن الشريعة دعت إليه، ورغبت فيه في عدّة مواطن. وتذكير الناس أنه أصل وهو من الشرع أمر في غاية الأهمية، وفي هذا نفع للمنشدين وتحفيز لدورهم، وتطمين لعامة الناس كي يتجهوا نحو ما يقرّبهم إلى ربهم، ويحفزهم إلى الإنجاز، ويُسَلّيهم في الوقت نفسه.
كما أن النشيد بديل كذلك أمام الموجات الشديدة التي غزت بيوت ومناسبات عامة المسلمين وللأسف، فهو جاء كبديل لقوم لم يتذوقوا طعم الأنشودة الإسلامية فترة طويلة من الزمن، ولم يتعوّدوا على امتزاج الكلمة الهادفة مع الألحان الجيدة الراقية.
ولعل رسالة الأنشودة في هذا الزمن أصبحت واضحة ومدوية، حيث أثرت في فكر ووجدان المسلمين على وجه العموم، لمشاركتها حياة الناس وألوان معيشتهم، مع اختلاف همومهم وقضاياهم، وخاصة مع الصعود المحمود للقنوات الفضائية النافعة، والاحتراف المهني المطلوب لبعض المنشدين مما فرضت وجودها في كل القنوات الهادفة وغير الهادفة. والحمد لله.
الفصل الثاني: نشأة النشيد الإسلامي المعاصر
تعود بدايات هذا النشيد إلى الستينات الميلادية، والتي كانت مركّزة بشكل كبير على المديح النبوي بشكليه المعتدل والمغالي أحياناً، وكانت المدرستان المصرية والشامية في الصدارة.
كما أن النشيد بقيمه الدعوية والتربوية والبطولية كان في نفس الفترة ومن كلا المدرستين، إلا أن المدرسة الشامية على وجه الخصوص تميز رموزها بفكرهم الدعوي، وانتخابهم للقصائد المعبرة عن هذا المنحى.
ففي مصر برز نجم النقشبندي والطوبار وطه الفشني، وكان هؤلاء المنشدون يخلطون ما بين النشيد الديني العام والنشيد الدعوي بوجه خاص.
وأما في الشام فقد ظهر في الصدارة كل من (أبو مازن، أبو الجود، الترمذي، أبو دجانة، أبو راتب) على الترتيب.
وكنت في بلاد الشام في بداية الثمانينات آنس كثيراً إلى سماع هذه الكوكبة المتألقة من منشدي الدعوة، والذين كانت أناشيدهم تمثل اللون الحقيقي لمسيرة النشيد كلماتٍ، وألحاناً، وصوتاً، وغايةً، مع بريق من روح الإخلاص لا يخفى على من خالطهم، وعرف ما يتعرضون له من تحدٍّ وإغراء. نحسبهم كذلك، والله حسيبهم.
وبرقت أناشيد "أبو مازن" فترة طويلة لدى المحبين والمتابعين، إلاَّ أن أشرطة الإخوة الثلاث: أبو مازن، وأبو الجود، وأبو راتب كانت أسهل في الحركة والانتشار، بل كان يسمع لها الجيل عبر إذاعة صوت بغداد منذ تلك الفترة!
ومما ساهم في الحفاظ على قوة الأنشودة وضمان استمراريتها اهتمام كبار الشعراء بها، ومشاركتهم المنشدين بالكتابة والتقويم، ويأتي في صدارة هؤلاء كل من الشعراء الكبار: يوسف العظم، وسليم زنجير، وعبدالله السلامة، ونذير كتبي، والذين ساندوا الحركة الإنشادية في تلك الفترة، إضافة إلى جملة من كبار الشعراء الذين خدموا المنشدين بأشعارهم القوية، وإن لم يكن بشكل مباشر، أمثال (محمد إقبال، وليد الأعظمي، محمود صيام، الشيخ يوسف القرضاوي، الأميري، يحيى الحاج يحيى، محمد عيسى سلامة، مأمون جرار، يوسف النتشة ...).
ولأستاذنا الفاضل: سليم زنجير، معاصرة وتقويم لانطلاقة الأنشودة الإسلامية في الستينيات يخبرنا عنها بقوله: "أما المنشدون المجددون فأبرزهم الشيخ أحمد بربور، وأبو مازن وأبو الجود، والترمذي، وصبري مدلّل، ثم أبو دجانة، وهؤلاء هم الرعيل الأول، على اختلاف فيما بينهم في مستوى التجديد، ولكن أبا الجود يبقى أحد أبرز هؤلاء؛ لما أتيح له من قوة الموهبة في الصوت والأداء والألحان، وهو الوحيد الذي تيسر له شاعر إلى جنبه في الفرقة.
ويمكن إضافة الأخ أبي راتب في آخر السلسلة من حيث الزمن طبعاً، أما الإبداع فشأن آخر، إلا أن فضل هذا المنشد يعود إلى أنه حمل الراية وحده لعقد كامل، ويمثل بمفرده الجيل الثاني من المنشدين، ثم دخل الجيل الثالث والرابع، وانتشر هذا الفن وعم، وصار له مبدعوه في الأردن وسوريا ودول الخليج وغيرها.
يمكن الإشارة أيضاً، إلى أن أناشيد الدعوة شاعت فيها الحماسة؛ من أجل شد أزر الأمة وشبابها؛ لمواجهة التحديات، وإعادة مجد الإسلام، كما كثر التوجع من جهة ثانية، والندب والرثاء؛ لما يتعرض له المسلمون من مصائب ونوائب على أيدي أعدائهم في كل مكان ومن كل لون.
وأعتقد أن هذه المرحلة طالت أكثر من اللازم، وأصبح مطلوباً منا أن ننطلق خطوة إلى الأمام نحو الأناشيد الإسلامية الإنسانية، بآفاقها المتعددة الرحبة... هذا ما حاولنا عمله في إصدارات شركة (سنا) للكبار والصغار".
إذاً فقدم السبق كان للمدرسة الشامية بلا منازع، وذلك من جميع الجهات: الكلمات، والألحان، والأصوات.
والحقيقة أن الأنشودة الخليجية لم تبتعد كثيراً من ناحية الزمن، خاصة مع الانفتاح السريع للدعوة، فكانت بدايات أناشيد الكويت في أواخر السبعينات، وأناشيد البحرين في أوائل الثمانينات الميلادية.
وكان لهذه الأناشيد الأثر البالغ في تنشيط الصحوة الإسلامية، واسترداد عافية الفضيلة، كما وكان لهذه الأناشيد نغمها الخاص الساحر، لسرعة الإيقاع، وتجديد الألحان، وتنوع القصائد المختارة.
ولا شك أن الفضل يعود بعد فضل الله، للعملاقين الخليجيين الكبيرين، الدكتور: سامي قنبر، والأستاذ الفاضل: جاسم هجرس، والذين لم يزالا إلى هذه اللحظة روّاداً لمدرسة استطاعت الصمود مع التجديد والتنوع بين مدارس الإنشاد، ولعل هذا ببركة إخلاص مؤسسيها إن شاء الله تعالى.
ولاقتراب البحرين من المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية انتقلت لمسات الإبداع وصناعة التميّز؛ لتظهر أناشيد التجديد الحقيقي، والتي قفزت بالأنشودة مراحل كبيرة من التأثير في شرائح المجتمع، فشرّقت تلك الأناشيد وغرّبت ولم تزل، وهي أناشيد الدمام (1، 2)، بأداء أخي الحبيب الشيخ القارئ: سعد الغامدي و الأخ الفاضل: ماجد العثمان.
وظل رنين أناشيد (غرباء، ربا حطين، مؤامرة، الهجرة، أيا مركز النور) هو المسيطر على الساحة، خاصة مع بدايات حركة الصحوة في المراكز الصيفية، ولجان التوعية الإسلامية في المدارس، ما بين عام (1405- 1409هـ).
وما بين هاتين الفترتين كانت الأنشودة الكويتية في تطور مستمر، وساند في هذا التطور إمكانيات مهندسي الصوت الكبار، وفي مقدمتهم المهندس: عمران البني، والذي كان في الصدارة، وأخواه من بعده، عمار وعاصم البني. ولهذه العائلة جهود مباركة متقدمة في خدمة النشيد الإسلامي ينبغي الإشادة بها وتكريمها.
وفي نفس الفترة كانت إبداعات أشرطة الرابطة بقيادة العمالقة: أبو أنس، وأبو الحسن. وكذلك أشرطة الفجر بقيادة: نزار أبو الفدا، وسلسلة أشرطة صلاح الدين بقيادة: أبو عاصم. فقد كان لهذه الأشرطة انتشار كبير جداً. ويعتبر إصدار (ثوار) من اللمسات الإبداعية في تلك الفترة.
كما كان لأناشيد الشفا، وأناشيد المعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود بجدة، دورها وأثرها في تنوع وسائل الدعوة للجيل الناشئ من الصحوة، خاصة في المدارس، والتي كنا نستمع لها في الطابور الصباحي وفترة الإفطار.
ومع أناشيد الدعوة والحماسة كانت أناشيد الطفولة الرائعة كإصدارات: شدو البيادر، الوردة الحمراء والصفراء، وغيرها من أناشيد الأطفال، والتي كانت تحمل قيماً ومعاني في غاية الروعة والجمال، مع حسن الأداء والألحان.
ثم تأتي النقلة الفاصلة في تاريخ الأنشودة وذلك في عام 1409هـ، مع ظهور أشرطة (نداء وحداء)، والتي تميزت بالألحان الجديدة، الجامعة بين المدرسة الشامية الهادئة الإيقاع، والخليجية السريعة، مع تنوع نسبي في المواضيع، إلا أنها لم تبتعد كثيراً عن قضايا الأمة، وهموم شباب الصحوة ونشاطاتهم.
وقد خضت تجربة هذه المرحلة إبَّان بدايات أناشيد (نداء وحداء)، والتي فيها من القصص والطرف ما يحلو ذكره في هذا الموضع:
ففي عام 1408هـ، بدأ تسجيل أناشيد (نداء وحداء)، والتي كان يتزعمها الأخوان الفاضلان: الشاعر: عبدالله الشهري، والمهندس: عيضة باكور، وبدعم الأستاذ الكبير: زياد البسام.
وكانت البداية في مركز جامعة الإمام محمد بن سعود، والذي كان مقره بثانوية الثغر بجدة، ولم تكن هناك طريقة لاختيار المنشدين أو المردِّدين(الكورال)، إنما كان الأمر بالسؤال لمن له رغبة في الإنشاد؛ ولأنّ هذا الأمر كان في بداياته لم يتطوع إلا أفرادٌ يُعدّون على أصابع اليد الواحدة، وبتشجيع من مسؤولي أسر المركز آنذاك. ثم استمر الاختيار والتشجيع إلى أن وصل العدد إلى عشرة، إلا أنهم كانوا يختفون أياماً ويظهرون يوماً!
ومن الطُّرف المتعلقة ببدايات إصدار الشريط الأول لـ(نداء وحداء) أن أخي: لطفي باكوبن، والذي أنشد (بإيماني) كان يلاحقني بين ممرات المركز الصيفي؛ لأشارك في الأداء مع المنشدين، وكنت دائم التهرب، إلى أن قابلني في الممر، وسألني عن عدم الحضور، فاعتذرت بعدم الاستطاعة، وبينما نحن في هذا الحوار، قدم علينا المهندس: عيضة باكور، فشكاني أخي لطفي إليه، فأخذنا جميعاً إلى المصلَّى!!
وللمصلَّى قصة، إذ إنه المكان الذي تُسجل فيه الأناشيد، فإذا ما تدرب المنشدون على القصيدة التي سيؤدونها، يقوم أحدنا فيغلق جهاز التكييف، ونحن في شدَّة الحر، ويُوضع (الميكرفون) في الوسط، وننشد ونحن جالسون في شكل حلقة دائرية!
وسبب إغلاق (المكيف) هو: ألاَّ يظهر صوته في التسجيل!
ومن الطرائف أنه إذا حان وقت (العَشاء) قام أحد المنشدين ودار (بطاقيته) ليضع كل واحد منَّا ما تيسر من المال، فكُنا ندفع ولا نأخذ!
ومن الطرائف أن أنشودة (بعزمنا وجدنا) التي شاركت فيها مع أخي الشاعر الدكتور: عادل باناعمة، استغرقت فترة طويلة؛ لأن العدد كان أربعة فقط، و(نَفَس) كل واحد منا مختلف، ومسؤول الفرقة يريد منا نحن الأربعة أن نقول كلمة (بعزمنا) بمد واحد، وهذا كان صعباً للغاية!!
ولكن، ومع هذه المواقف والطرف والعقبات كتب الله القبول لهذه الأشرطة، التي أحسن فيها أساتذة المركز، والإخوة المنشدون، وتكاملت فيها جهود الجميع كمشاركة أخي الخطاط المبدع الأستاذ: عبدالله الزهراني، والداعم المحسن الأستاذ: زياد البسام.
والحقيقة أنني كنت أحسب نفسي محسوداً على هذه النعمة أو البلية في المشاركة في الفرقة كرهاً، إلى أن قرأت عن أستاذنا سليم عبدالقادر ما حصل له عندما وصف حاله لحظة مشاركته في بعض حفلات الزفاف الإسلامية فكانت النتيجة هي نفس ما حصل لي عندما عبر عن قصته بقوله: "فكنت - وبعض الأصدقاء - نؤدي بعض الأناشيد للتسلية، حتى حُسِبنا على المنشدين ولسنا منهم، وراحت الطلبات تنهال علينا لإحياء ليالي الأعراس والحفلات المسجدية، وكنا نلبي الدعوة على استحياء وخجل، حتى غدونا منشدين بالإكراه، فصدق أو لا تصدق!".
واستمر أداء فرقة (نداء وحداء) العريقة سنوات عدّة تحتل الصدارة، إلى أن جاءتها ريح عاصف، وجاءها الموج من كل مكان، ولكنّ الله سلَّم، فلم يختفِ الاسم، وبقيت المحاولات مستمرة، واستردت عافيتها من جديد بجهود مخلصة صادقة، ولكنها بحاجة إلى جهد كبير، وتخطيط جديد، ودماء جديدة، على جميع الأصعدة؛ لأن المليء فقط هو سيد الساحة اليوم.
وبعدَ (نداء وحداء) لم تزل الريادة الأولى للأشرطة الكويتية المتنوعة، والتي لم تختفِ حتى في فترة (احتلال الكويت).
وفي هذه الفترة برزت فرق إنشادية أصيلة في الأردن، ركزت على قضية فلسطين على وجه الخصوص، وقضايا الأمة على وجه العموم.
كما كان لبعض المنشدين في الجزيرة دورهم المؤثر: كمحمد المساعد، وأبو عبدالملك، وأبو علي، وكان أصداء أناشيد قوية في ساحة الوطن العربي. ولقصائد الدكتور: عبدالرحمن العشماوي نصيب من الاهتمام، وأدائها بأعذب الأصوات، وأجمل الألحان.
كما كان للنشيد في اليمن صولة وجولة، فقد تبنّت المعاهد العلمية فن النشيد ودعمته في مدارسها المنتشرة في أنحاء اليمن السعيد، وخصصت له الأساتذة والمدربين واستضافت المنشدين ليشاركوا في نهضة الفن الإسلامي، وبرزت من خلال ذلك فرق النشيد، وظهر المبدعون ذوي الأصوات الجميلة.
ثم جاءت حركة تجديدية، ودماء شبابية جديدة، وباعتماد على شيء من الأصالة والمهنية، في كل من: الإمارات والسعودية والأردن ومصر والكويت والبحرين والجزائر، إضافة إلى جملة من المنشدين القلائل في دول متفرقة.
واستمرَّ العطاء والتجديد، والإبداع والمنافسة، مع التطور والاستفادة.
وأما عن المهرجانات الإنشادية:
فقد انتقلت الأنشودة من التسجيل الصوتي (الكاسيت) إلى المسرح، وذلك في أول مهرجان للأنشودة الإسلامية بشكل فني وتقني ومهني مدروس، وبمشاركة منشدين الشام والأردن على مسرح الجامعة الأردنية، برعاية النادي الأدبي فيها وبإشراف المنشد: أبو راتب والكاتب: ماهر أبو الحمص والفنان: هاشم كفاوين، وبذلك رسخت فكرة مهرجانات الأنشودة بعد هذه الانطلاقة، ومن ثم انتشرت المهرجانات بمختلف المسميات والأشكال والمناسبات في جميع الأقطار.
ثم جاءت المرحلة المؤسسية، مع انطلاقات الفرق الإنشادية المتميزة، وبعض المنشدين المحترفين، وظهور الشركات الصوتية الفنية العالية الجودة، ومع انطلاقة رابطة الفن الإسلامي العالمية، التي ولأول مرة جمعت في المنطقة الخليجية كبار المنشدين من كل أنحاء العالم، وعقدت المؤتمرات العلمية، وأصّلت من الناحية الشرعية العمل الإنشادي والفني وما يحيط به، وساهمت في تشجيع الجادين والعاملين من خلال جائزتها العالمية الكبرى (جائزة الشباب العالمية لخدمة العمل الإسلامي)، وطبعت الكتب والدوريات ورَعَتْ الدورات الخاصة بهذا المجال.
ونحن الآن في هذه الفترة أمام تيار هادر من الأناشيد الإسلامية، والتي استقبلتها كبار القنوات الفضائية، بل وأنشئت عدة قنوات تختص بالفن الإسلامي عموماً والنشيد خصوصاً. وهذا أمر حسن، إلا أن ضبط وتطوير هذا المجال يحتاج إلى حديث مستفيض، وندوات عدّة، أجمل الحديث عنها في الفصل المعنون بـ"ضوابط النشيد الإسلامي".
الفصل الثالث: أثر النشيد الإسلامي
المبحث الأول: أثر النشيد الإسلامي في الساحة:
النشيد في أصله كلام، إلا أنه يحمل في طياته معانيَ إضافية من خلال اللحن، أو المؤثرات المصاحبة، وهو بهذا اللون تناغم مع الفطرة البشرية، وتحريك لكوامن الذات.
وكلما كانت الكلمات نافعة جميلة، كان صداها في أعماق النفس أدعى لتعميق المشاعر الفاضلة من الرشد والخير والاستقامة.
والنشيد الإسلامي في أول بداياته كان سماعه محصوراً في جيل الصحوة، وكان يميل إلى إيقاظ الأمة واستنهاضها نحو أداء رسالتها، مع وجود بعض الأناشيد الروحية التي كانت شبه مقصورة على المديح النبوي، ولعل السبب في ذلك هو مكان انطلاق الحركة الإنشادية من بلاد الشام عموماً، والمديح النبوي من مصر خصوصاً. ثم إن أشرطة النسخ والإنتاج في بداية الثمانينات الميلادي كانت ضعيفة، ووسائل الإعلام الإسلامية شبه معدومة، ووسائل التواصل الإعلامي المعاصر غير متاحة.
فاقتصر سماع النشيد الإسلامي على جيل الصحوة، والذي كان يتبادل تلك الأشرطة بكل شغف واحتفاء.
وأذكر في بداية الثمانينات الميلادي ما كان يكرمنا به في بلاد الشام أحد الجيران الفضلاء من أناشيد
الأستاذين القديرين والأخوين الكريمين: محمد أبو الجود، ومحمد أبو راتب.
واستمر هذا الأمر حتى بداية التسعينيات الميلادية، فشارك الخليج العربي أشقَّاءه في بلاد الشام ومصر، فبدأت أناشيد الكويت والبحرين، ثم الشفاء والدمام، وبدأ تداولها بشكل جيد، وحفظ الجيل تلك الأناشيد.
كما ساهم الانفتاح الصحوي المؤسسي الخليجي المبكر مع دعم العلماء والدعاة الكبار في نشر هذه الأشرطة، وزيادة عدد السامعين لها، حيث صار نسخها سهلاً، وبالتالي صار من الميسور سماعها في
البيوت والسيارات، مما ضاعف حجم السامعين.
ثم بدأت أناشيد (نداء وحداء) بقيادة أخي الشاعر الكبير: عبدالله الشهري، والذي جدد في أسلوب النشيد الإسلامي (كتابة وألحاناً وصوتاً وإخراجاً)، حيث تنوعت كلمات الإنشاد، وتجددت الألحان، وكُتبت الكلمات
بدقة وعناية، وبأسلوب مشوق يناسب إيقاع الأنشودة، مع جودة في التسجيل والإخراج.
ومما ينبغي أن يُسَّجل هنا أن تبني أساتذة المدارس، والمساجد، لهذه الأناشيد ضاعف من حجم شرائها وسماعها للطلاب في المدارس، والبيوت.
ثم كانت النقلة التأثيرية الأخرى مع أناشيد الإخوة الكويتيين على وجه الخصوص، والذين وجدوا من يعتني بأناشيدهم من الناحية الفنية، مع دافعية جيدة من أنفسهم؛ ليجددوا في الألحان، ونوعية الكلمات، التي شاركت جيل الصحوة في كثير من قضاياه وهمومه المتنوعة.
ومع هذه الرعاية وتلك العناية بالنشيد من قبل المهتمين به، وإدراكهم لأثر النشيد ودوره في حركة المجتمع المسلم كله، فإنه كان قاصراً نوعاً ما في مفهوم الشمول. ثم بدأت نقلة أخرى من خلال الأناشيد الموجهة للأطفال ، والأخرى الموجهة للأعراس، خاصة مع الوعي الديني لعامة الناس، وانتشار الفتاوى المحرمة للغناء الماجن، مما فسح المجال لتلك الأناشيد بالانتشار داخل البيوت بكل سهولة، وسَمِعَ الناس وربما لأول مرة، كيف يمكن للأنشودة الهادفة الموجهة للصغار أن تريحهم وتطربهم.
ثم جاءت المرحلة الحالية والمتمثلة في وعي المهتمين بالنشيد الإسلامي للعمل المؤسسي الفني، فأقيمت الدورات التدريبية، وانطلقت المهرجانات الإنشادية المهرجانية، وسجلت الأشرطة بأفضل الطرق، بدعم مادي، وتأصيل شرعي منهجي، من خلال الفتاوى والمقالات والندوات والمؤتمرات، وخاصة مع انفتاح وسائل الاتصال، وتطور وسائل التسجيل.
وهذا كله جعل للنشيد الإسلامي القدرة على التواجد والحضور القوي، وساند هذا بشكل مهم وجوهري تواجد كبار المنشدين والمؤازرين للعمل الخيري وراء حركة النشيد، التي كان لها دورها في خروج المهرجانات الإنشادية الراقية والمنافسة للغناء، وأصبحتَ تَسْمعُ وترى ما كنتَ تحلم به، من إتقان في الأداء، مع روعة في الديكور، إلى تنظيم باهر في المكان، مروراً بالمشوقات والمؤثرات، وهذا كله ليس بمنأى عن حسن اختيار الكلمات والألحان.
وهذا الجو فرض نفسه على مؤسسات الإنتاج وقنوات الفضاء، وصار للنشيد كلمته ومنافسته وحضوره. ولعلي أضرب لهذا التأثير مثلاً: ففي المهرجان الثقافي الإنشادي الخامس بمدينة جدة - اضطرت إدارة المهرجان لإغلاق المسرح الذي يتسع لـ(1000) مقعد للرجال و(600) للنساء، قبل البداية بساعة تقريباً، مما اضطر إدارة الأمن والدفاع المدني للتواجد لإبعاد الجمهور الغفير خارج صالات المسرح وإقناعهم بالبعد عن المكان.
وفي دول المغرب العربي الرائع حضور كثيف بعشرات الآلاف.
وأيم الله لو فتح الباب الرسمي لأرباب النشيد الإسلامي خصوصاً، والفن الهادف عموماً لخرج أرباب الغناء مفاليس، ولكن المنشدين لا أكتاف تساندهم!
ثم تأتي الحقيقة الكبرى في اختراق الأنشودة الهادفة قنوات الموسيقى الهابطة، من خلال أداءٍ رائع، وأسلوبٍ عصري بديع، واستخدامٍ لكل الوسائل الفنية الراقية، مع التخصص والجودة.
وهذا ما لاحظناه في أداء عدد من المنشدين المتألقين -مع بعض الملحوظات- بدءاً من الأخ: سامي يوسف، مروراً بعدد من الإخوة المنشدين ومنهم: موسى مصطفى، ومشاري العرّادة، ويحيى حوّا، ...وغيرهم، ثم بدأ الالتفات من كبار المنشدين للمشاركة في هذا اللون الجديد من أمثال إخواني: الأستاذ: محمد أبو راتب، والأستاذ: محمد أبو الجود، وغيرهم.
ولا ضير في هذا التأخير، فالكل يعمل خدمة للإسلام، وقد قدّم الجيل الأول للمتأخر ما يناسبه، وبادر جيل المنشدين اليوم بما فُتح لهم فاستفادوا وأتقنوا.
ففي الإحصائيات:
أن الفيديو المصور "الفيديو كليب" (المعلم) للأخ: سامي يوسف، كان يُعرض بداية نزوله أكثر من 20 مرة في اليوم على بعض القنوات الغنائية، وبرغبة الجمهور، وهذا دليل على التنافس المطلوب، مع يقيننا بوجود بعض الملحوظات.
وهناك نماذج أخرى تفصح عن قوة منافسة النشيد الإسلامي في القنوات الهابطة فضلاً عن غيرها.
هذه نظرة عامة لأثر النشيد الذي فرض نفسه -والحمد لله- ورجع ليكون ويقول: إنه الأصل لا البديل، وإنه قادر على التواجد في الساحة، والتأثير الحقيقي نحو هداية الإنسان وتلبية احتياجاته الروحية والنفسية.
وإننا لنرجو أن يستمر هذا التأثير الفني الهادف مع التجديد، مع ملاحظة وتقويم ما يمكن أن يخلّ بمسيرته. ولعل رابطة الفن الإسلامي العالمية تكون النواة لهذا التقويم والتسديد للمسيرة الفنية الإنشادية -إن شاء الله-.
ولتحقيق هذا الأمر، سنتناول في المبحث القادم ما يمكن أن تقدمه الرابطة بشكل عملي فعّال في هذه القضية.
المبحث الثاني :الفن الإسلامي في تشكيل هوية المسلمين
لكلمة التي تنهل من معين عظيم، والمتألقة في مضمونها، المتسامية في غاياتها، سواءٌ دوَّى بها خطيبٌ من الخطباء، أو محاضر من الأفذاذ، أو مربٍ من الصالحين لها أثرها الساحر في النفوس.
وهذه الكلمة عندما تتجمل باللحن الذي يزينها، أو يحركها، أو يحزنها فإنك ترى للكلمة تأثير آخر، يدفعها إلى قلب المستمع دفعةً حكيمةً، تسعى به إلى الالتزام، وتحسين الحال الذي هو فيه.
وعندما تطل تلك الكلمات الجميلة بأداء صوت شجي فللكلمة بعد آخر.
وكم لأرباب الإنشاد الإسلامي من دور رائد في تصحيح القيم وإصلاح النفوس والتكامل لتشكيل هوية المسلم. يخبرنا عن عمق هذه المعاني من خلال تجربته الطويلة أخي الأستاذ القدير: أبو الجود، بقوله : "وإني على يقين لو أن أصحاب المواهب بكافة اختصاصاتهم توجهوا لبناء الأمة وبناء الإنسان لرأيت عجباً.
نعم رأيت عجباً فلا تكاد ترى طفلاً إلا يتألق بابتسامته الطاهرة.
نعم رأيت عجباً فلا تكاد ترى فتاة إلا تتسامى في نقائها وعفتها.
نعم رأيت عجباً فلا تكاد ترى أسرة إلا وتتباهى في أولادها المتفوقين.
نعم رأيت عجباً فلا تكاد ترى أمة إلا ساهرة ومتطلعة إلى الفرقد العالي".
بل أقول: إن غاية العجب في دور الفن نحو تشكيل هوية المسلمين، وتشييد حضارتهم، ولا أدلَّ على هذا المعنى مما حصل في الربع الأخير من الخلافة الإسلامية العثمانية، عندما دبَّ فيها الوهن والضعف بسبب اختراق العلمانيين القدامى لقلوب الناس، وتغلغلهم في نفوس بعض الباقين من الغيارى على الدين، وذلك من خلال إنشائهم المسارح الفنية، وإقامة الحفلات التي يُغّنى فيها بالموشحات الأندلسية، المصبوغة بصبغة الدين ليتقبلها الناس تدريجياً!
ومن هنا بدأت الفكرة وتطورت حتى صارت جزءاً من حياة الناس، ولوناً من ألوان ثقافتهم، ومعياراً من معايير نهضتهم!
إلى أن كُسر الباب، وأصبح صوت كوكبة الشرق التعبير الكامن لآلام وآمال الشعوب!
إن أثر الفن بصوره المختلفة في وجدان الأمة، وفي تشكيل عقول أفرادها بسلبياته وإيجابياته لهو من مُسَلمَّات التاريخ في تحديد بوصلته نحو التقدم أو التخلف.
لذا كان الحديث عن أحكام الفن المعاصر من أهم المواضيع الحساسة والمؤثرة.
كلمة تمهيدية حول مصطلح "النشيد الإسلامي":
من بشائر الخير والتوفيق التفات العلماء والمفكرين لأهمية الفن الهادف في هذا الزمن المعاصر في تثبيت هوية الأمة. وتوجيه بعضهم بضرورة الانخراط المهني في المجال الفني مع مراعاة الضوابط. وذلك لمِا رأوه من تأثير بالغ، وحراك شعبي كبير نحو قضايا الأمة الكبرى على وجه التحديد، من خلال أدوار العمل الفني الإسلامي.
وفي خضم هذا التفاعل الظاهر أحياناً والخفي أحياناً أخرى، بدأت بعض الكتابات والملتقيات حول الاهتمام والاحتفاء والعناية بمدرسة الفن الهادف، بعد أن غُيبت حقبة طويلة من الزمن!
ولا يزال تأصيل العمل الفني الهادف في بدايته، إلا أنه من الخوف عليه تجاذبت أطرافٌ عدة الكلامَ حول مفهوم هذه النهضة الفنية الإسلامية، وكيفية تحريكها بين الناس، ومدى محافظتها على هويتها وتمسكها بثوابتها.
ومبحث الفن الإسلامي كبير، إلا أن رسالتنا هذه تخص الحديث حول "النشيد الإسلامي"، ولعل الحديث عنه، هو عين ما يمكن ذكره في بقية المصطلحات الفنية الأخرى.
ومما يجب أن نستوعبه في مثل هذا المقام أن الحديث عن المصطلحات ليس أمراً عبثاً، خاصة أننا في أول الطريق لتأصيل عمل الفن الإسلامي أو الهادف. وحتى يضمن استمراريته وفق الصورة المأمولة منه إن شاء الله تعالى.
المبحث الأول: مصطلحات تتعلق بالفن.
مصطلح "الفن":
لكلمة الفن دلالات عدّة في اللغة، يحسن العودة إليها في لسان العرب، والتي فيها ما يُطلق على الألوان والأنواع المختلفة. وعلى هذا المعنى ألّف ابن عبد ربه كتابه الشهير "الفنون".
وفي اللغة يُقال: رجل "مِفَنٌّ": يأتي بالعجائب، وذو فنون من الكلام.
واسْتُخدمتْ كلمة الفن اليوم في الألوان والأنواع المختلفة من الكلمات والمشاهد والعروض، ولغلبة غاياتها صارت عنواناً مباشراً لها.
إذاً الأصل في كلمة "الفن" أنه لا حرج فيها لغوياً، إلا أن هذا المدلول ارتبط في الأذهان بالصور السلبية، التي غطت في حقبة مضت على كل شيء آخر، إن وجد هذا الآخر!
مصطلح "الفن الإسلامي":
نتيجة لارتباط مصطلح "الفن" بالصورة السلبية، رأى بعض العلماء والمفكرين المسلمين تغيير هذه الصورة من الأذهان، وفي الوقت نفسه تأصيل دور الفن بالصورة التي يرتضيها الإسلام.
ولعل أول من أصَّل لهذه المسالة في كتاب كبير وشامل هو العلامة الشيخ: محمد قطب، في كتابه الشهير "منهج الفن الإسلامي"، فهو يرى أن أكثر الناس بحاجة إلى معرفة أن الإسلام كلمة ورسالة، واستقلالية وخصوصية، وشمولية فيما يَعْرِضُ لهم.
فإضافة لفظ "إسلامي" أي: فن يوافق عليه الإسلام. وهو معنى تأصيلي جيد، ورأي سديد.
مصطلح "الفن الملتزم":
لما بدأ الاهتمام بشكل بدائي ببعض الأعمال الفنية، لاحظ بعض العلماء والمفكرين أن الفن الذي أطلق عليه "الفن الإسلامي" أي: الذي يوافق عليه الإسلام لا ينطبق على تلك الأعمال الفنية التي تظهر فيها صورة بعض الفنانين أو المنشدين في خارج ساحة الفن. فهم في المسرح والاستديو يقدمون الفن الجيد، ولكنهم في خارجه صورةً أخرى!
فتم اقتراح مصطلح "الفن الملتزم" وهو مأخوذ من العبارة الدارجة عن الإنسان المحافظ على قيم دينه الشرعي بمسمى "ملتزم".
"فالفن الملتزم" يعني إذاً: الفن الذي يوافق عليه الإسلام، ويؤديه الملتزمون بمنهج الإسلام أثناء العمل وبعده. وبالتالي لا يقع الخلل والإضطراب لدى الناس بين روعة العمل الفني الإسلامي من قبل هؤلاء الفنانين وبين سلوكياتهم العامة ومعاملاتهم الظاهرة المعلنة المخالفة للإسلام.
وهذه التسمية جيدةٌ ضمن هذا السياق، إلا أنه في تقديري أننا بحاجة إلى مسمى أشمل وأوضح وأسهل، يخدم الإسلام من قبل المهتمين به، مع التمسك بقيمه كاملة.
مصطلح "الفن الهادف":
نظراً لاختلاف الآراء الفقهية المعاصرة في بعض المسائل مثل: كشف وجه المرأة، وأداء بعض الأدوار الفنية لها، ومسألة استخدام بعض الآلات في الأعمال الدرامية، أو المشاهد البطولية، رأى بعض العلماء والمفكرين وصف كل عمل فني يخدم الإسلام والمسلمين بعيداً عن المحاذير المتفق عليها بأنه فن هادف، وهذه تسمية حسنة.
والذي أراه للتعبير عن المصطلح الفني المطلوب: أن يُقبل مصطلحا "الفن الإسلامي" و"الفن الهادف".
أما قبول "الفن الإسلامي" فكي يقتنع الناس الذين تم إقناعهم فترة من الزمن أنه لا يوجد بديل إسلامي عن تلك المشاهد السلبية بوجود هذا البديل، وأن هناك ما هو منافس حقيقي للفن الهابط، بالأصول المهنية الفنية بقوالبها المختلفة، ولكن في الوقت نفسه (إسلامي) أي: يقبله ويقرّه الإسلام، وفق رأي العلماء الموثوقين، كما يدركوا أن هناك ما يقبله ومالا يقبله الإسلام؛ ليكون الناس على بصيرة ووضوح.
كما أن علينا أن نقبل مصطلح "الفن الهادف" لنتدرج في تفعيل ما يخدم المسلمين في العمل الفني، خاصة لمن يدرك خطورة ما يحيط بأهل الفن اليوم من عقبات حكومية وكيانات مختلفة، ومن أصحاب مصالح متنوعة!
مصطلح "النشيد":
أما عن النشيد المنتشر اليوم فيكفي ذكره بهذه المصطلح، لشهرته ودلالته للمعنى المطلوب، من الالتزام بالكلمات الهادفة النافعة.
ومصطلح "النشيد الإسلامي" كان له مبرره عند انطلاقه في السبعينات الميلادية، لتمييزه عن "النشيد الديني" والذي كان مقصوراً في الأعم الأغلب على شعر الرقائق، والمدائح النبوية، التي قلَّ أن تخلو من الإطراء لشخص النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض الصالحين، أو ذكر بعض البدعيات أو الشركيات –ولا حول ولا قوة إلا بالله-.
لذلك كان لتسميته: "النشيد الإسلامي" مسوغاً، خاصة أنه تغلغل في معترك الحياة، وصار له جمهوره ومحبوه، في حفلات الأعراس، ومناسبات الأعياد والأفراح، ووسائل التلفزة والمذياع.
وهذا السبب ربما يكون جواباً لمن يقول: إن المباح لا يحتاج إلى أسلمة. أي: لطالما أن النشيد في أصله مباح، فلماذا نؤسلمه وهو من الإسلام أصلاً؟ وهذا رأي وجيه من ناحية الأصل، ولكن ما جرى من ملابسات حول النشيد اقتضت إضافة إسلامي عليه.
وعلى العموم، فكما ذكرت آنفاً يبقى مسمّى "نشيد" كافياً لتوضيح المعنى المنشود.
المبحث الثاني: النشيد أصل أم بديل؟
يتناقل البعض هذا السؤال ويبنون على الإجابة عليه أصولاً شرعية مختلفة.
وفي رأيي أن كلا الأمرين صحيح. فالنشيد من ناحيةٍ هو أصل؛ لأن الشريعة دعت إليه، ورغبت فيه في عدّة مواطن. وتذكير الناس أنه أصل وهو من الشرع أمر في غاية الأهمية، وفي هذا نفع للمنشدين وتحفيز لدورهم، وتطمين لعامة الناس كي يتجهوا نحو ما يقرّبهم إلى ربهم، ويحفزهم إلى الإنجاز، ويُسَلّيهم في الوقت نفسه.
كما أن النشيد بديل كذلك أمام الموجات الشديدة التي غزت بيوت ومناسبات عامة المسلمين وللأسف، فهو جاء كبديل لقوم لم يتذوقوا طعم الأنشودة الإسلامية فترة طويلة من الزمن، ولم يتعوّدوا على امتزاج الكلمة الهادفة مع الألحان الجيدة الراقية.
ولعل رسالة الأنشودة في هذا الزمن أصبحت واضحة ومدوية، حيث أثرت في فكر ووجدان المسلمين على وجه العموم، لمشاركتها حياة الناس وألوان معيشتهم، مع اختلاف همومهم وقضاياهم، وخاصة مع الصعود المحمود للقنوات الفضائية النافعة، والاحتراف المهني المطلوب لبعض المنشدين مما فرضت وجودها في كل القنوات الهادفة وغير الهادفة. والحمد لله.
الفصل الثاني: نشأة النشيد الإسلامي المعاصر
تعود بدايات هذا النشيد إلى الستينات الميلادية، والتي كانت مركّزة بشكل كبير على المديح النبوي بشكليه المعتدل والمغالي أحياناً، وكانت المدرستان المصرية والشامية في الصدارة.
كما أن النشيد بقيمه الدعوية والتربوية والبطولية كان في نفس الفترة ومن كلا المدرستين، إلا أن المدرسة الشامية على وجه الخصوص تميز رموزها بفكرهم الدعوي، وانتخابهم للقصائد المعبرة عن هذا المنحى.
ففي مصر برز نجم النقشبندي والطوبار وطه الفشني، وكان هؤلاء المنشدون يخلطون ما بين النشيد الديني العام والنشيد الدعوي بوجه خاص.
وأما في الشام فقد ظهر في الصدارة كل من (أبو مازن، أبو الجود، الترمذي، أبو دجانة، أبو راتب) على الترتيب.
وكنت في بلاد الشام في بداية الثمانينات آنس كثيراً إلى سماع هذه الكوكبة المتألقة من منشدي الدعوة، والذين كانت أناشيدهم تمثل اللون الحقيقي لمسيرة النشيد كلماتٍ، وألحاناً، وصوتاً، وغايةً، مع بريق من روح الإخلاص لا يخفى على من خالطهم، وعرف ما يتعرضون له من تحدٍّ وإغراء. نحسبهم كذلك، والله حسيبهم.
وبرقت أناشيد "أبو مازن" فترة طويلة لدى المحبين والمتابعين، إلاَّ أن أشرطة الإخوة الثلاث: أبو مازن، وأبو الجود، وأبو راتب كانت أسهل في الحركة والانتشار، بل كان يسمع لها الجيل عبر إذاعة صوت بغداد منذ تلك الفترة!
ومما ساهم في الحفاظ على قوة الأنشودة وضمان استمراريتها اهتمام كبار الشعراء بها، ومشاركتهم المنشدين بالكتابة والتقويم، ويأتي في صدارة هؤلاء كل من الشعراء الكبار: يوسف العظم، وسليم زنجير، وعبدالله السلامة، ونذير كتبي، والذين ساندوا الحركة الإنشادية في تلك الفترة، إضافة إلى جملة من كبار الشعراء الذين خدموا المنشدين بأشعارهم القوية، وإن لم يكن بشكل مباشر، أمثال (محمد إقبال، وليد الأعظمي، محمود صيام، الشيخ يوسف القرضاوي، الأميري، يحيى الحاج يحيى، محمد عيسى سلامة، مأمون جرار، يوسف النتشة ...).
ولأستاذنا الفاضل: سليم زنجير، معاصرة وتقويم لانطلاقة الأنشودة الإسلامية في الستينيات يخبرنا عنها بقوله: "أما المنشدون المجددون فأبرزهم الشيخ أحمد بربور، وأبو مازن وأبو الجود، والترمذي، وصبري مدلّل، ثم أبو دجانة، وهؤلاء هم الرعيل الأول، على اختلاف فيما بينهم في مستوى التجديد، ولكن أبا الجود يبقى أحد أبرز هؤلاء؛ لما أتيح له من قوة الموهبة في الصوت والأداء والألحان، وهو الوحيد الذي تيسر له شاعر إلى جنبه في الفرقة.
ويمكن إضافة الأخ أبي راتب في آخر السلسلة من حيث الزمن طبعاً، أما الإبداع فشأن آخر، إلا أن فضل هذا المنشد يعود إلى أنه حمل الراية وحده لعقد كامل، ويمثل بمفرده الجيل الثاني من المنشدين، ثم دخل الجيل الثالث والرابع، وانتشر هذا الفن وعم، وصار له مبدعوه في الأردن وسوريا ودول الخليج وغيرها.
يمكن الإشارة أيضاً، إلى أن أناشيد الدعوة شاعت فيها الحماسة؛ من أجل شد أزر الأمة وشبابها؛ لمواجهة التحديات، وإعادة مجد الإسلام، كما كثر التوجع من جهة ثانية، والندب والرثاء؛ لما يتعرض له المسلمون من مصائب ونوائب على أيدي أعدائهم في كل مكان ومن كل لون.
وأعتقد أن هذه المرحلة طالت أكثر من اللازم، وأصبح مطلوباً منا أن ننطلق خطوة إلى الأمام نحو الأناشيد الإسلامية الإنسانية، بآفاقها المتعددة الرحبة... هذا ما حاولنا عمله في إصدارات شركة (سنا) للكبار والصغار".
إذاً فقدم السبق كان للمدرسة الشامية بلا منازع، وذلك من جميع الجهات: الكلمات، والألحان، والأصوات.
والحقيقة أن الأنشودة الخليجية لم تبتعد كثيراً من ناحية الزمن، خاصة مع الانفتاح السريع للدعوة، فكانت بدايات أناشيد الكويت في أواخر السبعينات، وأناشيد البحرين في أوائل الثمانينات الميلادية.
وكان لهذه الأناشيد الأثر البالغ في تنشيط الصحوة الإسلامية، واسترداد عافية الفضيلة، كما وكان لهذه الأناشيد نغمها الخاص الساحر، لسرعة الإيقاع، وتجديد الألحان، وتنوع القصائد المختارة.
ولا شك أن الفضل يعود بعد فضل الله، للعملاقين الخليجيين الكبيرين، الدكتور: سامي قنبر، والأستاذ الفاضل: جاسم هجرس، والذين لم يزالا إلى هذه اللحظة روّاداً لمدرسة استطاعت الصمود مع التجديد والتنوع بين مدارس الإنشاد، ولعل هذا ببركة إخلاص مؤسسيها إن شاء الله تعالى.
ولاقتراب البحرين من المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية انتقلت لمسات الإبداع وصناعة التميّز؛ لتظهر أناشيد التجديد الحقيقي، والتي قفزت بالأنشودة مراحل كبيرة من التأثير في شرائح المجتمع، فشرّقت تلك الأناشيد وغرّبت ولم تزل، وهي أناشيد الدمام (1، 2)، بأداء أخي الحبيب الشيخ القارئ: سعد الغامدي و الأخ الفاضل: ماجد العثمان.
وظل رنين أناشيد (غرباء، ربا حطين، مؤامرة، الهجرة، أيا مركز النور) هو المسيطر على الساحة، خاصة مع بدايات حركة الصحوة في المراكز الصيفية، ولجان التوعية الإسلامية في المدارس، ما بين عام (1405- 1409هـ).
وما بين هاتين الفترتين كانت الأنشودة الكويتية في تطور مستمر، وساند في هذا التطور إمكانيات مهندسي الصوت الكبار، وفي مقدمتهم المهندس: عمران البني، والذي كان في الصدارة، وأخواه من بعده، عمار وعاصم البني. ولهذه العائلة جهود مباركة متقدمة في خدمة النشيد الإسلامي ينبغي الإشادة بها وتكريمها.
وفي نفس الفترة كانت إبداعات أشرطة الرابطة بقيادة العمالقة: أبو أنس، وأبو الحسن. وكذلك أشرطة الفجر بقيادة: نزار أبو الفدا، وسلسلة أشرطة صلاح الدين بقيادة: أبو عاصم. فقد كان لهذه الأشرطة انتشار كبير جداً. ويعتبر إصدار (ثوار) من اللمسات الإبداعية في تلك الفترة.
كما كان لأناشيد الشفا، وأناشيد المعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود بجدة، دورها وأثرها في تنوع وسائل الدعوة للجيل الناشئ من الصحوة، خاصة في المدارس، والتي كنا نستمع لها في الطابور الصباحي وفترة الإفطار.
ومع أناشيد الدعوة والحماسة كانت أناشيد الطفولة الرائعة كإصدارات: شدو البيادر، الوردة الحمراء والصفراء، وغيرها من أناشيد الأطفال، والتي كانت تحمل قيماً ومعاني في غاية الروعة والجمال، مع حسن الأداء والألحان.
ثم تأتي النقلة الفاصلة في تاريخ الأنشودة وذلك في عام 1409هـ، مع ظهور أشرطة (نداء وحداء)، والتي تميزت بالألحان الجديدة، الجامعة بين المدرسة الشامية الهادئة الإيقاع، والخليجية السريعة، مع تنوع نسبي في المواضيع، إلا أنها لم تبتعد كثيراً عن قضايا الأمة، وهموم شباب الصحوة ونشاطاتهم.
وقد خضت تجربة هذه المرحلة إبَّان بدايات أناشيد (نداء وحداء)، والتي فيها من القصص والطرف ما يحلو ذكره في هذا الموضع:
ففي عام 1408هـ، بدأ تسجيل أناشيد (نداء وحداء)، والتي كان يتزعمها الأخوان الفاضلان: الشاعر: عبدالله الشهري، والمهندس: عيضة باكور، وبدعم الأستاذ الكبير: زياد البسام.
وكانت البداية في مركز جامعة الإمام محمد بن سعود، والذي كان مقره بثانوية الثغر بجدة، ولم تكن هناك طريقة لاختيار المنشدين أو المردِّدين(الكورال)، إنما كان الأمر بالسؤال لمن له رغبة في الإنشاد؛ ولأنّ هذا الأمر كان في بداياته لم يتطوع إلا أفرادٌ يُعدّون على أصابع اليد الواحدة، وبتشجيع من مسؤولي أسر المركز آنذاك. ثم استمر الاختيار والتشجيع إلى أن وصل العدد إلى عشرة، إلا أنهم كانوا يختفون أياماً ويظهرون يوماً!
ومن الطُّرف المتعلقة ببدايات إصدار الشريط الأول لـ(نداء وحداء) أن أخي: لطفي باكوبن، والذي أنشد (بإيماني) كان يلاحقني بين ممرات المركز الصيفي؛ لأشارك في الأداء مع المنشدين، وكنت دائم التهرب، إلى أن قابلني في الممر، وسألني عن عدم الحضور، فاعتذرت بعدم الاستطاعة، وبينما نحن في هذا الحوار، قدم علينا المهندس: عيضة باكور، فشكاني أخي لطفي إليه، فأخذنا جميعاً إلى المصلَّى!!
وللمصلَّى قصة، إذ إنه المكان الذي تُسجل فيه الأناشيد، فإذا ما تدرب المنشدون على القصيدة التي سيؤدونها، يقوم أحدنا فيغلق جهاز التكييف، ونحن في شدَّة الحر، ويُوضع (الميكرفون) في الوسط، وننشد ونحن جالسون في شكل حلقة دائرية!
وسبب إغلاق (المكيف) هو: ألاَّ يظهر صوته في التسجيل!
ومن الطرائف أنه إذا حان وقت (العَشاء) قام أحد المنشدين ودار (بطاقيته) ليضع كل واحد منَّا ما تيسر من المال، فكُنا ندفع ولا نأخذ!
ومن الطرائف أن أنشودة (بعزمنا وجدنا) التي شاركت فيها مع أخي الشاعر الدكتور: عادل باناعمة، استغرقت فترة طويلة؛ لأن العدد كان أربعة فقط، و(نَفَس) كل واحد منا مختلف، ومسؤول الفرقة يريد منا نحن الأربعة أن نقول كلمة (بعزمنا) بمد واحد، وهذا كان صعباً للغاية!!
ولكن، ومع هذه المواقف والطرف والعقبات كتب الله القبول لهذه الأشرطة، التي أحسن فيها أساتذة المركز، والإخوة المنشدون، وتكاملت فيها جهود الجميع كمشاركة أخي الخطاط المبدع الأستاذ: عبدالله الزهراني، والداعم المحسن الأستاذ: زياد البسام.
والحقيقة أنني كنت أحسب نفسي محسوداً على هذه النعمة أو البلية في المشاركة في الفرقة كرهاً، إلى أن قرأت عن أستاذنا سليم عبدالقادر ما حصل له عندما وصف حاله لحظة مشاركته في بعض حفلات الزفاف الإسلامية فكانت النتيجة هي نفس ما حصل لي عندما عبر عن قصته بقوله: "فكنت - وبعض الأصدقاء - نؤدي بعض الأناشيد للتسلية، حتى حُسِبنا على المنشدين ولسنا منهم، وراحت الطلبات تنهال علينا لإحياء ليالي الأعراس والحفلات المسجدية، وكنا نلبي الدعوة على استحياء وخجل، حتى غدونا منشدين بالإكراه، فصدق أو لا تصدق!".
واستمر أداء فرقة (نداء وحداء) العريقة سنوات عدّة تحتل الصدارة، إلى أن جاءتها ريح عاصف، وجاءها الموج من كل مكان، ولكنّ الله سلَّم، فلم يختفِ الاسم، وبقيت المحاولات مستمرة، واستردت عافيتها من جديد بجهود مخلصة صادقة، ولكنها بحاجة إلى جهد كبير، وتخطيط جديد، ودماء جديدة، على جميع الأصعدة؛ لأن المليء فقط هو سيد الساحة اليوم.
وبعدَ (نداء وحداء) لم تزل الريادة الأولى للأشرطة الكويتية المتنوعة، والتي لم تختفِ حتى في فترة (احتلال الكويت).
وفي هذه الفترة برزت فرق إنشادية أصيلة في الأردن، ركزت على قضية فلسطين على وجه الخصوص، وقضايا الأمة على وجه العموم.
كما كان لبعض المنشدين في الجزيرة دورهم المؤثر: كمحمد المساعد، وأبو عبدالملك، وأبو علي، وكان أصداء أناشيد قوية في ساحة الوطن العربي. ولقصائد الدكتور: عبدالرحمن العشماوي نصيب من الاهتمام، وأدائها بأعذب الأصوات، وأجمل الألحان.
كما كان للنشيد في اليمن صولة وجولة، فقد تبنّت المعاهد العلمية فن النشيد ودعمته في مدارسها المنتشرة في أنحاء اليمن السعيد، وخصصت له الأساتذة والمدربين واستضافت المنشدين ليشاركوا في نهضة الفن الإسلامي، وبرزت من خلال ذلك فرق النشيد، وظهر المبدعون ذوي الأصوات الجميلة.
ثم جاءت حركة تجديدية، ودماء شبابية جديدة، وباعتماد على شيء من الأصالة والمهنية، في كل من: الإمارات والسعودية والأردن ومصر والكويت والبحرين والجزائر، إضافة إلى جملة من المنشدين القلائل في دول متفرقة.
واستمرَّ العطاء والتجديد، والإبداع والمنافسة، مع التطور والاستفادة.
وأما عن المهرجانات الإنشادية:
فقد انتقلت الأنشودة من التسجيل الصوتي (الكاسيت) إلى المسرح، وذلك في أول مهرجان للأنشودة الإسلامية بشكل فني وتقني ومهني مدروس، وبمشاركة منشدين الشام والأردن على مسرح الجامعة الأردنية، برعاية النادي الأدبي فيها وبإشراف المنشد: أبو راتب والكاتب: ماهر أبو الحمص والفنان: هاشم كفاوين، وبذلك رسخت فكرة مهرجانات الأنشودة بعد هذه الانطلاقة، ومن ثم انتشرت المهرجانات بمختلف المسميات والأشكال والمناسبات في جميع الأقطار.
ثم جاءت المرحلة المؤسسية، مع انطلاقات الفرق الإنشادية المتميزة، وبعض المنشدين المحترفين، وظهور الشركات الصوتية الفنية العالية الجودة، ومع انطلاقة رابطة الفن الإسلامي العالمية، التي ولأول مرة جمعت في المنطقة الخليجية كبار المنشدين من كل أنحاء العالم، وعقدت المؤتمرات العلمية، وأصّلت من الناحية الشرعية العمل الإنشادي والفني وما يحيط به، وساهمت في تشجيع الجادين والعاملين من خلال جائزتها العالمية الكبرى (جائزة الشباب العالمية لخدمة العمل الإسلامي)، وطبعت الكتب والدوريات ورَعَتْ الدورات الخاصة بهذا المجال.
ونحن الآن في هذه الفترة أمام تيار هادر من الأناشيد الإسلامية، والتي استقبلتها كبار القنوات الفضائية، بل وأنشئت عدة قنوات تختص بالفن الإسلامي عموماً والنشيد خصوصاً. وهذا أمر حسن، إلا أن ضبط وتطوير هذا المجال يحتاج إلى حديث مستفيض، وندوات عدّة، أجمل الحديث عنها في الفصل المعنون بـ"ضوابط النشيد الإسلامي".
الفصل الثالث: أثر النشيد الإسلامي
المبحث الأول: أثر النشيد الإسلامي في الساحة:
النشيد في أصله كلام، إلا أنه يحمل في طياته معانيَ إضافية من خلال اللحن، أو المؤثرات المصاحبة، وهو بهذا اللون تناغم مع الفطرة البشرية، وتحريك لكوامن الذات.
وكلما كانت الكلمات نافعة جميلة، كان صداها في أعماق النفس أدعى لتعميق المشاعر الفاضلة من الرشد والخير والاستقامة.
والنشيد الإسلامي في أول بداياته كان سماعه محصوراً في جيل الصحوة، وكان يميل إلى إيقاظ الأمة واستنهاضها نحو أداء رسالتها، مع وجود بعض الأناشيد الروحية التي كانت شبه مقصورة على المديح النبوي، ولعل السبب في ذلك هو مكان انطلاق الحركة الإنشادية من بلاد الشام عموماً، والمديح النبوي من مصر خصوصاً. ثم إن أشرطة النسخ والإنتاج في بداية الثمانينات الميلادي كانت ضعيفة، ووسائل الإعلام الإسلامية شبه معدومة، ووسائل التواصل الإعلامي المعاصر غير متاحة.
فاقتصر سماع النشيد الإسلامي على جيل الصحوة، والذي كان يتبادل تلك الأشرطة بكل شغف واحتفاء.
وأذكر في بداية الثمانينات الميلادي ما كان يكرمنا به في بلاد الشام أحد الجيران الفضلاء من أناشيد
الأستاذين القديرين والأخوين الكريمين: محمد أبو الجود، ومحمد أبو راتب.
واستمر هذا الأمر حتى بداية التسعينيات الميلادية، فشارك الخليج العربي أشقَّاءه في بلاد الشام ومصر، فبدأت أناشيد الكويت والبحرين، ثم الشفاء والدمام، وبدأ تداولها بشكل جيد، وحفظ الجيل تلك الأناشيد.
كما ساهم الانفتاح الصحوي المؤسسي الخليجي المبكر مع دعم العلماء والدعاة الكبار في نشر هذه الأشرطة، وزيادة عدد السامعين لها، حيث صار نسخها سهلاً، وبالتالي صار من الميسور سماعها في
البيوت والسيارات، مما ضاعف حجم السامعين.
ثم بدأت أناشيد (نداء وحداء) بقيادة أخي الشاعر الكبير: عبدالله الشهري، والذي جدد في أسلوب النشيد الإسلامي (كتابة وألحاناً وصوتاً وإخراجاً)، حيث تنوعت كلمات الإنشاد، وتجددت الألحان، وكُتبت الكلمات
بدقة وعناية، وبأسلوب مشوق يناسب إيقاع الأنشودة، مع جودة في التسجيل والإخراج.
ومما ينبغي أن يُسَّجل هنا أن تبني أساتذة المدارس، والمساجد، لهذه الأناشيد ضاعف من حجم شرائها وسماعها للطلاب في المدارس، والبيوت.
ثم كانت النقلة التأثيرية الأخرى مع أناشيد الإخوة الكويتيين على وجه الخصوص، والذين وجدوا من يعتني بأناشيدهم من الناحية الفنية، مع دافعية جيدة من أنفسهم؛ ليجددوا في الألحان، ونوعية الكلمات، التي شاركت جيل الصحوة في كثير من قضاياه وهمومه المتنوعة.
ومع هذه الرعاية وتلك العناية بالنشيد من قبل المهتمين به، وإدراكهم لأثر النشيد ودوره في حركة المجتمع المسلم كله، فإنه كان قاصراً نوعاً ما في مفهوم الشمول. ثم بدأت نقلة أخرى من خلال الأناشيد الموجهة للأطفال ، والأخرى الموجهة للأعراس، خاصة مع الوعي الديني لعامة الناس، وانتشار الفتاوى المحرمة للغناء الماجن، مما فسح المجال لتلك الأناشيد بالانتشار داخل البيوت بكل سهولة، وسَمِعَ الناس وربما لأول مرة، كيف يمكن للأنشودة الهادفة الموجهة للصغار أن تريحهم وتطربهم.
ثم جاءت المرحلة الحالية والمتمثلة في وعي المهتمين بالنشيد الإسلامي للعمل المؤسسي الفني، فأقيمت الدورات التدريبية، وانطلقت المهرجانات الإنشادية المهرجانية، وسجلت الأشرطة بأفضل الطرق، بدعم مادي، وتأصيل شرعي منهجي، من خلال الفتاوى والمقالات والندوات والمؤتمرات، وخاصة مع انفتاح وسائل الاتصال، وتطور وسائل التسجيل.
وهذا كله جعل للنشيد الإسلامي القدرة على التواجد والحضور القوي، وساند هذا بشكل مهم وجوهري تواجد كبار المنشدين والمؤازرين للعمل الخيري وراء حركة النشيد، التي كان لها دورها في خروج المهرجانات الإنشادية الراقية والمنافسة للغناء، وأصبحتَ تَسْمعُ وترى ما كنتَ تحلم به، من إتقان في الأداء، مع روعة في الديكور، إلى تنظيم باهر في المكان، مروراً بالمشوقات والمؤثرات، وهذا كله ليس بمنأى عن حسن اختيار الكلمات والألحان.
وهذا الجو فرض نفسه على مؤسسات الإنتاج وقنوات الفضاء، وصار للنشيد كلمته ومنافسته وحضوره. ولعلي أضرب لهذا التأثير مثلاً: ففي المهرجان الثقافي الإنشادي الخامس بمدينة جدة - اضطرت إدارة المهرجان لإغلاق المسرح الذي يتسع لـ(1000) مقعد للرجال و(600) للنساء، قبل البداية بساعة تقريباً، مما اضطر إدارة الأمن والدفاع المدني للتواجد لإبعاد الجمهور الغفير خارج صالات المسرح وإقناعهم بالبعد عن المكان.
وفي دول المغرب العربي الرائع حضور كثيف بعشرات الآلاف.
وأيم الله لو فتح الباب الرسمي لأرباب النشيد الإسلامي خصوصاً، والفن الهادف عموماً لخرج أرباب الغناء مفاليس، ولكن المنشدين لا أكتاف تساندهم!
ثم تأتي الحقيقة الكبرى في اختراق الأنشودة الهادفة قنوات الموسيقى الهابطة، من خلال أداءٍ رائع، وأسلوبٍ عصري بديع، واستخدامٍ لكل الوسائل الفنية الراقية، مع التخصص والجودة.
وهذا ما لاحظناه في أداء عدد من المنشدين المتألقين -مع بعض الملحوظات- بدءاً من الأخ: سامي يوسف، مروراً بعدد من الإخوة المنشدين ومنهم: موسى مصطفى، ومشاري العرّادة، ويحيى حوّا، ...وغيرهم، ثم بدأ الالتفات من كبار المنشدين للمشاركة في هذا اللون الجديد من أمثال إخواني: الأستاذ: محمد أبو راتب، والأستاذ: محمد أبو الجود، وغيرهم.
ولا ضير في هذا التأخير، فالكل يعمل خدمة للإسلام، وقد قدّم الجيل الأول للمتأخر ما يناسبه، وبادر جيل المنشدين اليوم بما فُتح لهم فاستفادوا وأتقنوا.
ففي الإحصائيات:
أن الفيديو المصور "الفيديو كليب" (المعلم) للأخ: سامي يوسف، كان يُعرض بداية نزوله أكثر من 20 مرة في اليوم على بعض القنوات الغنائية، وبرغبة الجمهور، وهذا دليل على التنافس المطلوب، مع يقيننا بوجود بعض الملحوظات.
وهناك نماذج أخرى تفصح عن قوة منافسة النشيد الإسلامي في القنوات الهابطة فضلاً عن غيرها.
هذه نظرة عامة لأثر النشيد الذي فرض نفسه -والحمد لله- ورجع ليكون ويقول: إنه الأصل لا البديل، وإنه قادر على التواجد في الساحة، والتأثير الحقيقي نحو هداية الإنسان وتلبية احتياجاته الروحية والنفسية.
وإننا لنرجو أن يستمر هذا التأثير الفني الهادف مع التجديد، مع ملاحظة وتقويم ما يمكن أن يخلّ بمسيرته. ولعل رابطة الفن الإسلامي العالمية تكون النواة لهذا التقويم والتسديد للمسيرة الفنية الإنشادية -إن شاء الله-.
ولتحقيق هذا الأمر، سنتناول في المبحث القادم ما يمكن أن تقدمه الرابطة بشكل عملي فعّال في هذه القضية.
المبحث الثاني :الفن الإسلامي في تشكيل هوية المسلمين
لكلمة التي تنهل من معين عظيم، والمتألقة في مضمونها، المتسامية في غاياتها، سواءٌ دوَّى بها خطيبٌ من الخطباء، أو محاضر من الأفذاذ، أو مربٍ من الصالحين لها أثرها الساحر في النفوس.
وهذه الكلمة عندما تتجمل باللحن الذي يزينها، أو يحركها، أو يحزنها فإنك ترى للكلمة تأثير آخر، يدفعها إلى قلب المستمع دفعةً حكيمةً، تسعى به إلى الالتزام، وتحسين الحال الذي هو فيه.
وعندما تطل تلك الكلمات الجميلة بأداء صوت شجي فللكلمة بعد آخر.
وكم لأرباب الإنشاد الإسلامي من دور رائد في تصحيح القيم وإصلاح النفوس والتكامل لتشكيل هوية المسلم. يخبرنا عن عمق هذه المعاني من خلال تجربته الطويلة أخي الأستاذ القدير: أبو الجود، بقوله : "وإني على يقين لو أن أصحاب المواهب بكافة اختصاصاتهم توجهوا لبناء الأمة وبناء الإنسان لرأيت عجباً.
نعم رأيت عجباً فلا تكاد ترى طفلاً إلا يتألق بابتسامته الطاهرة.
نعم رأيت عجباً فلا تكاد ترى فتاة إلا تتسامى في نقائها وعفتها.
نعم رأيت عجباً فلا تكاد ترى أسرة إلا وتتباهى في أولادها المتفوقين.
نعم رأيت عجباً فلا تكاد ترى أمة إلا ساهرة ومتطلعة إلى الفرقد العالي".
بل أقول: إن غاية العجب في دور الفن نحو تشكيل هوية المسلمين، وتشييد حضارتهم، ولا أدلَّ على هذا المعنى مما حصل في الربع الأخير من الخلافة الإسلامية العثمانية، عندما دبَّ فيها الوهن والضعف بسبب اختراق العلمانيين القدامى لقلوب الناس، وتغلغلهم في نفوس بعض الباقين من الغيارى على الدين، وذلك من خلال إنشائهم المسارح الفنية، وإقامة الحفلات التي يُغّنى فيها بالموشحات الأندلسية، المصبوغة بصبغة الدين ليتقبلها الناس تدريجياً!
ومن هنا بدأت الفكرة وتطورت حتى صارت جزءاً من حياة الناس، ولوناً من ألوان ثقافتهم، ومعياراً من معايير نهضتهم!
إلى أن كُسر الباب، وأصبح صوت كوكبة الشرق التعبير الكامن لآلام وآمال الشعوب!
إن أثر الفن بصوره المختلفة في وجدان الأمة، وفي تشكيل عقول أفرادها بسلبياته وإيجابياته لهو من مُسَلمَّات التاريخ في تحديد بوصلته نحو التقدم أو التخلف.
لذا كان الحديث عن أحكام الفن المعاصر من أهم المواضيع الحساسة والمؤثرة.